عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ١

السيّد نعمة الله الجزائري

عقود المرجان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد نعمة الله الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسّسة شمس الضحى الثقافيّة
المطبعة: اميران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2592-26-5
ISBN الدورة:
978-964-2592-24-1

الصفحات: ٦٦٣

بالتاء. (١)

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) ؛ أي : تحويل القبلة إلى الكعبة حقّ مأمور من ربّهم. وإنّما علموا بذلك لأنّه كان في بشارة أنبيائهم أن يكون نبيّ من صفاته أن يصلّي إلى القبلتين. روي أنّهم قالوا عند التحويل : ما أمرت بهذا يا محمّد. وإنّما هو شيء ابتدعته من تلقاء نفسك ، مرّة إلى هنا ومرّة إلى هنا. فأنزل الله هذه الآية وبيّن أنّهم يعلمون خلاف ما يقولون. (٢)

(قَدْ نَرى). لمّا عيّرته اليهود بأنّك تابع لقبلتنا فاغتمّ لذلك غمّا شديدا. فلمّا كان في بعض اللّيل ، خرج عليه‌السلام يقلّب وجهه في آفاق السماء. فلمّا أصبح صلّى الغداة. فلمّا صلّى من الظهر ركعتين ، جاءه جبرئيل فقال : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ). ثمّ أخذ بيده فحوّل وجهه إلى الكعبة. (٣)

[١٤٥] (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)

أي : والله لئن. (آيَةٍ) : برهان وحجّة على أنّ الكعبة قبلة. واللّام موطّئة للقسم. (قِبْلَتَكَ). لأنّهم [ما] تركوها لشبهة تزيلها بحجّة وإنّما خالفوك مكابرة وعنادا. (وَما أَنْتَ). قطع لأطماعهم. فإنّهم قالوا : لو ثبتّ على قبلتنا ، لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الذي نحن ننتظره ، تغريرا له وطمعا في رجوعه. وقبلتهم ، وإن تعدّدت ، لكنّها متّحدة بالبطلان ومخالفة الحقّ. (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ). لأنّ اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس ، لا يرجى توافقهم كما لا يرجى موافقتهم لك. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) على سبيل الفرض والتقدير. (مِنَ الْعِلْمِ) ؛ أي : الوحي. (٤)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٣.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٢٠.

(٣) الفقيه ١ / ١٧٨ ، ح ٨٤٣.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٣.

١٤١

[١٤٦] (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى. (يَعْرِفُونَهُ). يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. لأنّ الله قد أنزل عليهم في التوراة والإنجيل والزبور صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والولاية وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته. (١)

(يَعْرِفُونَهُ) ؛ أي : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. لأنّ الكلام يدلّ عليه. وقيل : الضمير للقرآن أو تحويل القبلة. (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ). عن عمر أنّه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أنا أعلم به منّي با بني. قال : ولم؟ قال : لأنّي لست أشكّ في محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نبيّ ، فأمّا ولدي فلعلّ والدته خانت. فقبّل عمر رأسه. (٢)

(فَرِيقاً). تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن. (٣)

[١٤٧] (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)

(الْحَقُّ). خبر مبتدأ محذوف. أي : هو الحقّ. [ويجوز أن تكون اللّام فيه للإشارة إلى الحقّ] الذي في قوله : (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ). أي : هذا الذي يكتمونه هو الحقّ من ربّك. ويجوز أن تكون للجنس على معنى : الحقّ من الله لا من غيره وهو الذي أنت عليه. (الْمُمْتَرِينَ) : الشاكّين في كتمانهم الحقّ مع علمهم ، أو في أنّه من ربّك. (٤)

[١٤٨] (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) ؛ أي : لكلّ أمّة جهة. والتنوين بدل الإضافة. أو : لكلّ قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة. (هُوَ مُوَلِّيها). أحد المفعولين محذوف. أي : هو مولّيها وجهه. أو : الله

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ٣٢ ـ ٣٣ ، والكافي ٢ / ٢٨٣.

(٢) الكشّاف ١ / ٢٠٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٤.

(٤) الكشّاف ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

١٤٢

مولّيها إيّاه. وقرأ ابن عامر : «مولاها» ؛ أي : هو مولى تلك الجهة قد وليها. (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) من أمر القبلة وغيره ممّا ينال به سعادة الدارين ، أو الفاضلات من الجهات ؛ وهي المسامتة للكعبة. (أَيْنَما تَكُونُوا) من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومفترقها ، يحشركم الله إلى المحشر للجزاء. أو : أينما تكونوا من أعماق الأرض وقلل الجبال ، يقبض أرواحكم. أو : أينما تكونوا من الجهات المتقابلة ، يأت بكم الله جميعا ويجعل صلاتكم كلّها إلى جهة واحدة. (١)

(الْخَيْراتِ). عن الباقر عليه‌السلام قال : (الْخَيْراتِ) الولاية. (٢)

(أَيْنَما تَكُونُوا). عن الجواد عليه‌السلام في وصف القائم عليه‌السلام : أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض. وذلك قول الله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً). فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص ، أظهر الله أمره. فإذا كمل له العقد ـ وهو عشرة آلاف ـ خرج بإذن الله. فلا يزال يقتل أعداء الله. (٣)

وقال الصادق عليه‌السلام : نزلت هذه الآية في أصحاب القائم عليه‌السلام. إنّهم المفتقدون من فرشهم ، فيصبحون بمكّة. وبعضهم يسير في السحاب ؛ وهو أعظم إيمانا. (٤)

[١٤٩] (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

(خَرَجْتَ) من البلاد (فَوَلِّ وَجْهَكَ) ؛ أي : استقبل بوجهك تلقاء المسجد الحرام. وإنّما كرّره لأنّه في الأوّل حال الحضر وفي الثاني حال السفر. (وَإِنَّهُ) ؛ أي : التوجّه إلى الكعبة ، هو الحقّ المأمور به من ربّك ، أو هو الحقّ الثابت الذي لا يزول بنسخ. (٥)

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ). أي في السفر. «يعملون» بالياء. أبو عمرو. (٦)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٤.

(٢) الكافي ٨ / ٣١٣ ، ح ٤٨٧.

(٣) كمال الدين / ٣٧٨.

(٤) كمال الدين / ٦٧٢ ، ح ٢٤.

(٥) مجمع البيان ١ / ٤٢٦.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٤.

١٤٣

[١٥٠] (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

كرّر هذا الحكم لتعدّد علله. فإنّه ذكر للتحويل ثلاث علل ـ تعظيم الرسول بابتغاء مرضاته ، وجري العادة الإلهيّة على أن يولّي كلّ أهل ملّة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميّز بها ، ودفع حجج المخالفين على ما بيّنه ـ وقرن بكلّ علّة معلولها كما يقرن المدلول بكلّ واحد عن دلائله تقريبا وتقريرا. مع أنّ القبلة لها شأن والنسخ من مظانّ الفتنة والشبهة ، فبالحريّ أن يؤكّد أمرها ويعاد ذكرها مرّة بعد أخرى. (لِئَلَّا يَكُونَ). علّة لقوله : (فَوَلُّوا). والمعنى : انّ التولية عن الصخرة إلى الكعبة ، يدفع احتجاج اليهود بأنّ المنعوت في التوراة قبلته الكعبة وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله يجحد ديننا ويتّبعنا في قبلتنا ، والمشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم ويخالف قبلته. (١)

(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ؛ أي : الظالمين الذين يكتمون ما عرفوا من أنّه يحوّل إلى الكعبة. وعلى هذا يكون الاستثناء متّصلا. (٢)

(إِلَّا الَّذِينَ). استثناء من الناس. أي : لئلّا يكون لأحد من الناس حجّة إلّا المعاندين منهم ؛ فإنّهم يقولون : ما تحوّل إلى الكعبة إلّا ميلا إلى دين قومه وحبّا لبلده ، أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم. وسمّى هذه حجّة لأنّهم يسوقونها مساقها. وقيل : الحجّة بمعنى الاحتجاج. وقيل : الاستثناء للمبالغة في نفي الحجّة ـ كقوله : (ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم) ـ للعلم بأنّ الظالم لا حجّة له. (فَلا تَخْشَوْهُمْ). لأنّ مطاعنهم لا تضرّكم. (وَاخْشَوْنِي). فلا تخالفوا ما أمرتكم به. (وَلِأُتِمَّ). علّة المحذوف. أي : وأمرتكم لإتمام النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم. أو عطف على علّة مقدّرة مثل : واخشوني لأحفظكم عنهم ولأتمّ نعمتي عليكم. أو على (لِئَلَّا يَكُونَ). وفي الحديث : تمام النعمة دخول

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٤.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٢٨.

١٤٤

الجنّة والموت على الإسلام. (١)

[١٥١] (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

(كَما أَرْسَلْنا). يعني أنّ النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة. (رَسُولاً) : محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله. (يَتْلُوا) القرآن. (وَيُزَكِّيكُمْ) : يشهد لكم بالزكاة. (الْكِتابَ) : القرآن. (وَالْحِكْمَةَ) ؛ أي : السنّة. (ما لَمْ تَكُونُوا) ؛ أي : ما لا سبيل لكم إلى علمه إلّا من جهة السمع. (٢)

(كَما أَرْسَلْنا). متّصل بما قبله. أي : ولأتمّ نعمتي عليكم في أمر القبلة أو في الآخرة كما أتممتها بإرسال رسول منكم. أو بما بعده. أي : كما ذكرتكم بالإرسال فاذكروني بالطاعة. (٣)

[١٥٢] (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)

(فَاذْكُرُونِي) بالطاعة ، (أَذْكُرْكُمْ) بالرحمة. (وَاشْكُرُوا) ؛ أي : اشكروا نعمتي. (وَلا تَكْفُرُونِ) : لا تستروها بالجحود. (٤)

[١٥٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)

(اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) ؛ أي : بحبس النفس عمّا تشتهيه من القبائح. وإلى هذا أشار أمير المؤمنين عليه‌السلام : الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر على ما تحبّ. (وَالصَّلاةِ) ؛ لما فيها من الذكر والخشوع وتلاوة القرآن الذي يتضمّن ذكر الوعد والوعيد والهدى والبيان ، وما هذه صفته يدعو إلى الحسنات ويزجر عن السيّئات. وأمّا الاستعانة بهما ، فقيل على جميع الطاعات ، وقيل على الجهاد في سبيل الله. (الصَّابِرِينَ) ؛ أي : يعاونهم وينصرهم. (٥)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ٤٣١.

(٥) مجمع البيان ١ / ٤٣٢.

١٤٥

[١٥٤] (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)

(أَمْواتٌ) ؛ أي : هم أموات. (بَلْ أَحْياءٌ) ؛ أي : هم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة. وهو قول جميع المفسّرين. أو المراد أنّهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء. كما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله : هلك خزّان الأموال. والعلماء باقون ما بقي الدهر ؛ أعيانهم مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة. (١)

(لا تَشْعُرُونَ) ما حالهم. وهو تنبيه على أنّ حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحسّ به من الحيوانات وإنّما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي. وعن الحسن أنّ الشهداء أحياء عند ربّهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوّا وعشيّا فيصل إليهم الوجع. وفيها دلالة على أنّ الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحسّ به من البدن تبقى بعد الموت دراكته. وعليه جمهور الصحابة والتابعين. وبه نطقت الآيات والسنن. وعلى هذا ، فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله ومزيد البهجة والكرامة. (٢)

[١٥٥] (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ). الخطاب لأصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولو قيل إنّه خطاب لجميع الخلق ، لكان أيضا صحيحا. فأمّا سبب الخوف ، فكان قصد المشركين لهم بالعداوة. وسبب الجوع ، تشاغلهم بالجهاد في سبيل الله عن المعاش. وقيل : القحط الذي لحقهم والجدب الذي أصابهم. وسبب نقص الأموال ، الانقطاع بالجهاد عن العمارة ، ونقص الأنفس ، بالقتل في الحروب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقيل : نقص الأموال بهلاك المواشي والأنفس بالموت. وقوله : (وَالثَّمَراتِ) ، قيل : أراد ذهاب حمل الأشجار بالجوائح وقلّة النبات. وقيل : أراد به الأولاد.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٣٣.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٥.

١٤٦

لأنّ الولد ثمرة القلب. وإنّما قال ذلك لاشتغالهم بالقتال عن عمارة البستان وعن مناكحة النسوان وحمل البنات والبنين. وقيل في وجه اللّطف في ذلك قولان : أحدهما أنّ من جاء من بعدهم إذا أصابهم مثل هذه الأمور ، علموا أنّه لا يصيبهم ذلك لنقصان درجة وحطّ مرتبة ، فإنّه قد أصاب مثل ذلك من هو أعلى درجة منهم وهم أصحاب النبيّ. والآخر أنّ الكفار إذا شاهدوا المؤمنين يتحمّلون المشاقّ في نصرة الرسول وموافقتهم له وتنالهم هذه المكاره فلا يتغيّرون في قوّة البصيرة ونقاء السريرة ، علموا أنّهم إنّما فعلوا ذلك لعلمهم بصحّة هذا الدين ، فيكون ذلك داعيا لهم إلى قبول الإسلام والدخول في جملة المسلمين. (١)

عن الباقر عليه‌السلام (لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ) ـ الآية ـ قال : ذلك جوع خاصّ وجوع عامّ. فأمّا بالشام ، فإنّه عامّ. والخاصّ بالكوفة يخصّ ولا يعمّ ، ولكنّه يخصّ بالكوفة أعداء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهلكهم الله بالجوع. وأمّا الخوف ، فإنّه عامّ بالشام. وذلك الخوف إذا قام القائم عليه‌السلام. وأمّا الجوع ، فقبل قيام القائم عليه‌السلام. (٢)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قبل قيام القائم عليه‌السلام تكون علامات. ثمّ تلا قوله تعالى : (لَنَبْلُوَنَّكُمْ ـ) الآية. من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم ، والجوع بغلاء أسعارهم ، ونقص من الأموال ، قال : كساد التجارات ، ونقص من الأنفس ، قال : موت ذريع ، ونقص من الثمرات ، لقلّة ريع ما يزرع. (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بتعجيل الفرج. وقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين. (٣)

[١٥٦] (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (إِنَّا لِلَّهِ) إقرار منك بالملك. (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) إقرار منك بالهلاك. (٤)

روي أنّه طفئ سراج رسول الله فقال : (إِنَّا لِلَّهِ) ـ الآية. فقيل له : أمصيبة هي؟ فقال : نعم ؛

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٦٨.

(٣) كمال الدين ١ / ٦٤٩ ـ ٦٥٠ ، ح ٣.

(٤) الكافي ٣ / ٢٦١.

١٤٧

كلّ شيء يؤذي المؤمن مصيبة. (١)

عن الباقر عليه‌السلام : ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكر المصيبة ويصبر حين تفجؤه إلّا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه. وكلّما ذكر مصيبته ، غفر الله كلّ ذنب فيما بينهما. (٢)

ليس الصبر بالاسترجاع باللّسان ، بل به وبالقلب بأن يتصوّر أنّه راجع إلى ربّه. (صَلَواتٌ) ؛ أي : دعاء ومغفرة. جمعها لتكثّر أنواعها. (٣)

عن الصادق عليه‌السلام قال : قال الله : إنّي أعطيت الدنيا عبادي. فمن أقرضني قرضا ، أعطيته بكلّ واحدة منها عشرا إلى سبعمائة ضعف. ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه قهرا ، أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منها ملائكتي لرضوا : الصلاة ، والهداية ، والرحمة. وتلا قوله تعالى : (الَّذِينَ) إلى : (لَمُهْتَدُونَ). ثمّ قال : هذا لمن أخذ الله منه شيئا قهرا. (٤)

[١٥٧] (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

[١٥٨] (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)

عن الصادق عليه‌السلام : سمّي الصفا لأنّ المصطفى آدم هبط عليه. وسمّيت المروة لأنّ المرأة هبطت عليها. (٥)

وعن الصادق عليه‌السلام : المسلمون كانوا يظنّون أنّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون ، فنزل : (إِنَّ الصَّفا) إلى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ). (٦)

سئل الصادق عليه‌السلام عن السعي فريضة أو سنّة ، فقال : فريضة. قيل : أو ليس قال الله :

__________________

(١) تفسير النيسابوريّ ٢ / ٦٠.

(٢) الكافي ٣ / ٢٢٤.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٦.

(٤) الخصال / ١٣٠.

(٥) علل الشرائع / ٤٣١ ـ ٤٣٢.

(٦) الكافي ٤ / ٢٤٥.

١٤٨

(فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) قال : ذلك في عمرة القضاء. إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة ، فسئل عن رجل ترك السعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا : يا رسول الله ، إنّ فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام؟ فأنزل الله الآية : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما). أي وعليهما الأصنام. (١)

(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) ؛ أي : من تبرّع بالطواف والسعي بعد ما أدّى الواجب منهما. أو من تطوّع بالحجّ والعمرة بعد أداء الحجّ والعمرة المفروضتين. (٢)

(فَلا جُناحَ). ذهب جماعة من العامّة إلى استحباب السعي لقوله : «فَلا جُناحَ». «مِنْ شَعائِرِ اللهِ» : من أعلام مناسكه. جمع شعيرة ؛ وهي العلامة. (وَمَنْ تَطَوَّعَ) ؛ أي : من فعل طاعة فرضا كان أو نفلا. و (خَيْراً) نصب على أنّه صفة مصدر محذوف. قرأ حمزة والكسائيّ : «يطوع». (شاكِرٌ عَلِيمٌ) ؛ [أي : مثيب] على الطاعة. (٣)

[١٥٩] (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ)

عن الصادق عليه‌السلام (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) ـ الآية ـ قال : نحن يعني. والله المستعان. إنّ الرجل منّا اذا صارت إليه ، لم يكن له ـ أو لم يسعه ـ إلّا أن يبيّن للناس من يكون بعده. (٤)

(إِنَّ الَّذِينَ) كأحبار اليهود. (٥)

(فِي الْكِتابِ) ؛ أي : التوراة. (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) : الدوابّ والهوامّ بإلهام من الله. أو في الآخرة. قيل : إذا تلاعن الرجلان ، رجعت اللّعنة على المستحقّ لها. فإن لم يستحقّها واحد منهما ، رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله. (٦)

__________________

(١) الكافي ٤ / ٤٣٥.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٤٠.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٦.

(٤) تفسير العيّاشيّ ١ / ٧١ ـ ٧٢.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٧.

(٦) مجمع البيان ١ / ٤٤١ ـ ٤٤٢.

١٤٩

(اللَّاعِنُونَ) من الملائكة والثقلين. (١)

(اللَّاعِنُونَ). قال : نحن هم. وقد قالوا هوامّ الأرض. هكذا روي عن الصادق عليه‌السلام. (٢)

(الْبَيِّناتِ) ؛ كالآيات الشاهدة على أمر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. (وَالْهُدى) : ما يهدي إلى اتّباعه والإيمان به. (٣)

[١٦٠] (إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

(تابُوا) عن الكتمان. (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا بالتدارك. (وَبَيَّنُوا) ما بيّنه الله في كتابهم لتتمّ توبتهم. وقيل : ما أحدثوه من التوبة ليمحوا سمة الكفر عن أنفسهم ويقتدي بهم أضرابهم. (٤)

(أَتُوبُ) ؛ أي : أقبل توبتهم. (٥)

[١٦١] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)

(وَماتُوا). يعني الذين ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا. ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتا. (وَالنَّاسِ). فإن قلت : ما معنى (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وفي الناس المسلم والكافر؟ قلت : أراد بالناس من يعتدّ بلعنه وهم المؤمنون. وقيل : يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا. (٦)

[١٦٢] (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)

(فِيها) ؛ أي : في اللّعنة ، أو في النار ، إلّا أنّها أضمرت تفخيما لشأنها. (يُنْظَرُونَ). من

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٧.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٧٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٧.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٧.

(٥) مجمع البيان ١ / ٤٤٣.

(٦) الكشّاف ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

١٥٠

الإنظار. أي : لا يمهلون ولا يؤجّلون ولا ينظرون ليعتذروا. أو : لا ينظر إليهم نظر رحمة. (١)

[١٦٣] (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ)

(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). النزول : قال ابن عبّاس : إنّ كفّار قريش قالوا : يا محمّد ، صف لنا وانسب لنا ربّك. فأنزل الله هذه الآية وسورة الإخلاص. (وَإِلهُكُمْ) ؛ أي : خالقكم والمنعم عليكم بالنعم التي لا يقدر عليها غيره. (إِلهٌ واحِدٌ) ؛ أي : لا يجوز عليه الانقسام ولا يحتمل التجزئة. أو : لا نظير له ولا شبيه. أو : إنّه واحد في الإلهيّة واستحقاق العبادة. أو : إنّه واحد في صفاته التي يستحقّها لنفسه. فإنّ معنى وصفنا الله بأنّه القديم أنّه مختصّ بهذه الصفة لا يشاركه فيها غيره. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). إثبات الإلهيّة له وحده. واختلف في أنّه هل فيها نفي المثل عن الله. فقال المحقّقون : ليس فيها نفي المثل عنه. لإنّ النفي إنّما يصحّ في موجود أو معدوم والله ليس له مثل موجود ولا معدوم. (٢)

(الرَّحْمنُ). كالحجّة لتقرير الوحدانيّة. لأنّ صاحب النعم كلّها لا يستحقّ العبادة أحد غيره. (٣)

(لا إِلهَ). قد رجّحنا في كتب النحو أنّ الخبر المقدّر هو حقّ لا موجود ولا ممكن.

[١٦٤] (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ أي : في إنشائهما على سبيل الاختراع. (وَاخْتِلافِ) ـ الآية. قال ابن عبّاس : الريح للعذاب والرياح للرحمة. وكان إذا هبّت ريح قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٢١٠.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٧.

١٥١

اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. ويقوّيه قوله تعالى : (يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ)(١) و (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ). (٢) وإنّما جمع السموات ووحّد الأرض لأنّ الأرض لتشاكلها تشبه الجنس الواحد الذي لا يجوز جمعه إلّا أن يراد الاختلاف ، وأمّا السموات فقد دبّر في كلّ سماء أمرها التدبير الذي هو حقّها. (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) : تعاقبهما. أو هو من باب اختلاف السواد والبياض. (وَالْفُلْكِ) : السفن. يقع على الواحد والجمع. والرياح أربع : الشمال والجنوب والصبا والدبور. والشمال عن يمين القبلة ، والجنوب عن يسارها ، والصبا من قبل المشرق ، والدبور من قبل المغرب. وسمّي الجنوب لاقحا والشمال حائلا. ولمّا أخبر الله الكفّار بأنّ إلههم إله واحد ، قال المشركون : ما الدلالة على ذلك؟ فأنزل الله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ الآية. (تَجْرِي) ؛ أي : تحمل الأحمال. (مِنَ السَّماءِ). أي ماء المطر. (وَبَثَّ) ؛ أي : فرّق في الأرض من جميع الحيوانات. (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) ؛ أي : تقليبها بأن جعل بعضها صباء وبعضها دبورا وبعضها جنوبا وبعضها شمالا. وقيل : تصريفها بأن جعل بعضها تأتي بالرحمة وبعضها بالعذاب. (الرِّياحِ). قرأ حمزة والكسائيّ : «الريح» على التوحيد. (وَالسَّحابِ). من السحب ، وهو الجرّ ، لانجراره في السماء. (لَآياتٍ) ؛ أي : حججا ودلالات. (يَعْقِلُونَ) ؛ أي : يستدلّون بتلك الآيات. (٣)

[١٦٥] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ)

(أَنْداداً) من الأصنام. وقيل : من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم. ولعلّ المراد ما هو أعمّ منهما وهو ما يشغله عن الله. (يُحِبُّونَهُمْ) ؛ أي : يسوّون بينهم وبين الله في المحبّة والطاعة. (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ). لأنّه لا ينقطع محبّتهم لله بخلاف محبّة الأنداد ؛ فإنّها لأغراض فاسدة موهومة

__________________

(١) الروم (٣٠) / ٤٦.

(٢) الذاريات (٥١) / ٤١.

(٣) مجمع البيان ١ / ٤٤٧ ـ ٤٥٠.

١٥٢

تزول بأدنى سبب. ولذلك كانوا يعدلون [عن آلهتهم] إلى الله عند الشدائد ويعبدون الأصنام زمانا ثم يرفضونهم إلى غيرهم. (١)

ومن أعجب رفضهم أنّ باهلة قبيلة من قيس لمّا ابتلاهم الله بالقحط ، أكلوا آلهتهم التي اتّخذوها من الحيس ؛ أي : التمر المخلوط بالأقط والسمن. وأقول : لم ينتفع مشرك من إلهه كانتفاعهم. (عصام)

(وَلَوْ يَرَى) ؛ أي : لو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتّخاذ الأنداد. قرأ ابن عامر ونافع : «ولو ترى» ـ بالتاء ـ على أنّه خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. أي : ولو ترى ذلك ، لرأيت أمرا عظيما. (إِذْ يَرَوْنَ). ابن عامر بالبناء للمفعول. (أَنَّ الْقُوَّةَ). سادّ مسدّ مفعولي يرى. وجواب لو محذوف. أي : لو يعلمون أنّ القوّة لله جميعا إذا عاينوا العذاب ، لندموا أشدّ الندم. وقيل : هو متعلّق الجواب والمفعولان محذوفان. والتقدير : لو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع ، لعلموا أنّ القوّة لله كلّها لا ينفع ولا يضرّ غيره. (٢)

[١٦٦] (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦))

(إِذْ تَبَرَّأَ). بدل من (إِذْ يَرَوْنَ). أي : إذ تبرّأ المتبوعون من الأتباع. وقرئ بالعكس. أي : إذ تبرّأ الأتباع من الرؤساء. (وَرَأَوُا) ؛ أي : رائين له. والواو للحال وقد مضمرة. وقيل : عطف على «تَبَرَّأَ». «وَتَقَطَّعَتْ». يحتمل العطف على (تَبَرَّأَ) أو (رَأَوُا). والأسباب : الوصل التي كانت بينهم من الاتّباع والاتّقاق على الدين والأغراض الداعية إلى ذلك. (٣)

عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل يصف فيه يوم القيامة إلى أن قال : فيأتي النداء من قبل الله : يا معشر الخلائق ، هذا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده. فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا ، فليتعلّق بحبله في هذا اليوم ويتبعه إلى الدرجات العلى.

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٨.

(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٩.

١٥٣

قال : فيقوم الناس الذين تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنّة. ثم يأتي النداء من عند الله : ألا من ائتمّ بإمام في دار الدنيا ، فليتبعه إلى حيث يذهب به. فحينئذ (تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) ـ الآية. (١)

(إِذْ تَبَرَّأَ). العامل في إذ «شَدِيدُ الْعَذابِ». «الْأَسْبابُ» : الأرحام. (٢)

[١٦٧] (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ)

(لَوْ أَنَّ). لو للتمنّي. ولذلك أجيب بالفاء. أي : ليت لنا كرّة إلى الدنيا. (كَرَّةً) : عودة إلى الدنيا ودار التكليف. (٣)

(حَسَراتٍ). عن الصادق عليه‌السلام : هو الرجل يدع مالا لا ينفقه في طاعة الله بخلا ، فيموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو معصيته. فإن عمل به في طاعة ، رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له. وإن عمل به في معصية الله ، قوّاه بذلك المال حتّى عمل به في معصية الله. (٤)

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة [حسرة] رجل كسب مالا في غير طاعة الله فورثه رجلا فأنفقه في طاعة الله فدخل به الجنّة ودخل الأوّل به النار. (٥)

(كَذلِكَ) ؛ أي : مثل ذلك الإراء الفظيع. (حَسَراتٍ). ندامات. وهي ثالث مفاعيل (يَرَى) إن كان من رؤية القلب ، وإلّا فحال. (٦)

(بِخارِجِينَ). الآية واردة في الكفّار. (٧)

[١٦٨] (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ

__________________

(١) أمالي الطوسيّ ١ / ٦٣ و ٦٤.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

(٣) مجمع البيان ١ / ٤٥٧.

(٤) الكافي ٤ / ٤٢.

(٥) نهج البلاغة / ٥٥٢ ، الحكمة ٤٢٩.

(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٩.

(٧) مجمع البيان ١ / ٤٥٨.

١٥٤

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)

(مِمَّا). من للتبعيض ؛ إذ لا يؤكل جميع ما في الأرض. (حَلالاً). مفعول (كُلُوا). (وَلا تَتَّبِعُوا). أي : لا تقتدوا به في اتّباع الهوى فتحرّموا الحلال وتحلّلوا الحرام. (عَدُوٌّ مُبِينٌ) : ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة. (١)

(مِمَّا فِي الْأَرْضِ). اختلف الناس في المآكل والمنافع التي لا ضرر على أحد فيها. فمنهم من ذهب إلى أنّها على الحظر. ومنهم من ذهب إلى أنّها على الإباحة ؛ واختاره المرتضى. ومنهم من وقف بين الأمرين وجوّز كلّ واحد منهما. وهذه الآية دالّة على إباحة المآكل إلّا ما دلّ الدليل على حظره ، فجاءت مؤكّدة لما في العقل. (٢)

النزول : عن ابن عبّاس أنّها نزلت في ثقيف وخزاعة وجماعة حيث جرّوا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والوصيلة فنهاهم الله عن ذلك بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ). (٣)

(حَلالاً). صفة مصدر محذوف. أي : كلوا شيئا حلالا (طَيِّباً) يستطيبه الشرع أو الشهوة المستقيمة. (٤) يعني من غير امتلاء المعدة والشهوة الكلبيّة. (عصام)

(خُطُواتِ). حفص وابن عامر والكسائيّ بضمّ الطاء حيث وقع ، والباقون بالإسكان. (٥)

(خُطُواتِ الشَّيْطانِ) : وساوسه وخواطره. وهو ما ينقلهم به من معصية إلى معصية حتى يستوعبوا جميع المعاصي. مأخوذ من خطو القدم في نقلها من مكان إلى مكان حتّى يبلغ مقصده. روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّ من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذور في المعاصي وكلّ يمين بغير الله. (٦)

[١٦٩] (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٩.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٦٠.

(٣) مجمع البيان ١ / ٤٥٩.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٩٩.

(٥) التيسير / ٦٧.

(٦) مجمع البيان ١ / ٤٦٠.

١٥٥

[١٧٠] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ). قال ابن عبّاس : دعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهود إلى الإسلام. فقالوا : بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم بنا. فنزلت هذه الآية. وفي رواية الضحّاك أنّها نزلت في كفّار قريش. (١)

(أَوَلَوْ). الواو للحال. والهمزة بمعنى الردّ والتعجيب. ومعناه : أيتّبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب؟ (٢)

[١٧١] (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي) ؛ أي : كبهائم الذي ينعق. وقيل : معناه : ومثلهم في اتّباع آبائهم وتقليدهم لهم كمثل البهائم التي لا تسمع إلّا ظاهر الصوت ولا تفهم ما تحته. فكذلك هؤلاء يتّبعونهم على ظاهر حالهم ولا يفقهون أهم على حقّ أم باطل. وقيل : معناه : ومثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع. إلّا أنّ قوله : (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) لا يساعد عليه. لأنّ الأصنام لا تسمع شيئا. والنعيق : التصويت. (٣)

[تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالناعق في نعقه ، لا يساعده قوله :](إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) إلّا أن يجعل ذلك من التمثيل المركّب. (صُمٌّ). مرفوع على الذمّ. (لا يَعْقِلُونَ) ؛ للإخلال بالنظر والتأمّل. (٤)

(وَمَثَلُ الَّذِينَ). المعنى : مثل الذين كفروا في دعائك إيّاهم. أي : مثل الداعي لهم إلى الإيمان ، كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنّما تسمع الصوت. وكما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الداعي إلّا السماع دون تفهّم المعنى ، فكذلك الكفّار لا يحصل

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٦١.

(٢) الكشّاف ١ / ٢١٣.

(٣) الكشّاف ١ / ٢١٤.

(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠٠.

١٥٦

لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك وينصرفون عن تأمّله فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهم. هذا قول ابن عبّاس. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. (١)

(كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) ـ الآية. التأويل : الذين كفروا لم يسمعوا إذ خاطبهم الحقّ بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) إلّا دعاء ونداء. لأنّهم كانوا في الصفّ الأخير من الأرواح المتجنّدة في أربعة صفوف : الأوّل للأنبياء ، الثاني للأولياء ، الثالث للمؤمنين ، الرابع للكافرين. فما شاهدوا شيئا من أنوار الحقّ ولكنّهم قالوا بالتقليد : (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا). (٢)

[١٧٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) على ما رزقكم (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) : إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشكر. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الله : إنّي والجنّ والإنس في نبأ عظيم ؛ أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري. (٣)

[١٧٣] (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

(إِنَّما حَرَّمَ) ـ الآية. قصّر التحريم على المذكورات بالإضافة إلى ما حرّمها المؤمنون معها من المستلذّات والكفّار دونها من السائبة والوصيلة والبحيرة. فيصحّ القصر إفرادا وقلبا إضافة وإن لم يصّح حقيقة لوجود محرّمات أخر. (عصام)

(الْمَيْتَةَ). أبو جعفر : (الْمَيْتَةَ) مشدّدة كلّ القرآن. وقرأ أهل الحجاز والشام والكسائيّ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ) بضمّ النون وأبو جعفر منهم بكسر الطاء : «من اضطر» ، والباقون

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٦٣.

(٢) تفسير النيسابوريّ ٢ / ١١١.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠٠ ، والكشّاف ١ / ٢١٤.

١٥٧

بكسر النون. (١)

عن الرضا عليه‌السلام : حرّمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة ولما أراد الله أن يجعل سبب التحليل وفرقا بين الحلال والحرام. والدم لما فيه من إفساد الأبدان ، ولأنّه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الريح ويسيء الخلق ويورث القسوة للقلب لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه. ولحم الخنزير ، لأنّه مشوّه جعله الله عظة للخلق وتخويفا ودليلا على ما مسخ [على خلقته لأنّ ... وحرّم ما أهلّ به لغير الله للّذي أوجب الله عزوجل] على خلقه من الإقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحلّلة. ولئلّا يسوّى بين ما تقرّب به إليه وبين ما جعل عبادة للأوثان. (٢)

(وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ). خصّ اللّحم بالذات لأنّه المقصود. (٣)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : عشرة أشياء عن الميتة ذكيّة : العظم والشعر والصوف والريش والقرن والحافر والبيض والإنفحة واللّبن والسنّ. (٤)

(وَما أُهِلَّ بِهِ) ؛ أي : رفع به الصوت للصنم. (٥)

(غَيْرَ باغٍ) على إمام المسلمين (وَلا عادٍ) بالمعصية طريقة المحقّين. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. (٦)

وعن الجواد عليه‌السلام : العادي : السارق. والباغي : الذي يبغي الصيد بطرا أو لهوا لا ليعود به على عياله. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا. هي حرام عليهما في الاختيار والاضطرار. (٧)

وقال الصادق عليه‌السلام : الباغي : الذي يخرج على الإمام [العادل]. والعادي : الذي يقطع الطريق. لا تحلّ لهما الميتة. (٨)

(غَيْرَ باغٍ) بالاستيثار على مضطرّ آخر (وَلا عادٍ) سدّ الرمق والجوعة. (غَفُورٌ) لما

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٦٦.

(٢) عيون الأخبار ٢ / ٩١ ـ ٩٢.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠٠.

(٤) الخصال / ٤٣٤.

(٥) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠٠.

(٦) مجمع البيان ١ / ٤٦٧.

(٧) الفقيه ٣ / ٢١٧.

(٨) معاني الأخبار / ٢١٣.

١٥٨

فعل (رَحِيمٌ) بالرخصة. (١)

[١٧٤] (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)

(إِنَّ الَّذِينَ). أي اليهود. (مِنَ الْكِتابِ). أي من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبشارة به. (ثَمَناً قَلِيلاً) ؛ أي : يستبدلون به أعراض الدنيا. (٢)

(إِلَّا النَّارَ). إمّا في الحال ، لأنّهم أكلوا ما يتلبّس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنّهم أكلوا النار ، أو في المآل ، أي لا يأكلون يوم القيامة إلّا النار. ومعنى (فِي بُطُونِهِمْ) : ملء بطونهم. يقال : أكل في بطنه ، وأكل في بعض بطنه. (٣)

(وَلا يُكَلِّمُهُمُ) بما يحبّون وإن كلّمهم للتوبيخ. أو لا يكلّمهم أصلا بل الملائكة. وقيل : إنّه كناية عن غضبه. (٤)

[١٧٥] (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥))

(فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ). معناه : ما أجرأهم على النار. رواه عليّ بن إبراهيم رحمه‌الله بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام. والثاني : ما أعملهم بأعمال أهل النار. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (٥)

(فَما أَصْبَرَهُمْ). تعجّب من حالهم في الالتباس بموجبات النار من غير مبالاة. و «ما» تامّة مرفوعة بالابتداء وتخصيصها كتخصيص شرّ أهرّ ذا ناب. أو استفهاميّة وما بعدها

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠٠.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٦٨.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠٠.

(٤) مجمع البيان ١ / ٤٦٨ ، وتفسير البيضاويّ ١ / ١٠١.

(٥) مجمع البيان ١ / ٤٧٠ ـ ٤٧١.

١٥٩

الخبر. أو موصولة وما بعدها صلة والخبر محذوف. (١)

[١٧٦] (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ)

(ذلِكَ) ؛ أي : ذلك العذاب. (بِأَنَّ اللهَ) : بسبب أنّ الله نزّل ما نزّل من الكتب بالحقّ. (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا) في كتب الله فقالوا في بعضها حقّ وفي بعضها باطل ـ وهم أهل الكتاب ـ (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) عن الحقّ. والكتاب للجنس. أو : كفرهم ذلك بسبب أنّ الله نزّل الكتاب بالحقّ كما يعلمون. (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) من المشركين فقال بعضهم سحر وبعضهم شعر وبعضهم أساطير الأوّلين ، (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ). يعني أولئك لو لم يختلفوا ولم يشاقّوا ، لما جسر هؤلاء أن يكفروا. (٢)

(الْكِتابَ). والإشارة إلى التوراة. (وَاخْتَلَفُوا). بمعنى تخلّفوا عن النهج المستقيم في تأويلها ، أو خلّفوا خلاف ما أنزل الله مكانه ؛ أي : حرّفوا ما فيه. (٣)

[١٧٧] (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)

(الْبِرَّ) : اسم للخير ولكلّ فعل مرضيّ. والخطاب لأهل الكتاب. لأنّ اليهود تصلّي إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق. وذلك أنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة وزعم كلّ فريق أنّ البرّ التوجّه إلى قبلته ، فردّ عليهم. وقيل : ليس

__________________

(١) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠١.

(٢) الكشّاف ١ / ٢١٧.

(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ١٠١.

١٦٠