من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ١

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ٣
الصفحات: ١٠٩

الأستاذ أحمد فراج :

لا بد وأن يكون القاع قريبا فى هذه الحالة.

الدكتور زغلول النجار :

حتى لو كان القاع عميقا ، فإن هذا القاع يرتفع إلى أعلى بتجمع الصهارة الصخرية فوقه بالتدريج ، فالبراكين الثائرة فوق قيعان المحيطات أو البحار عبارة عن مخاريط عظمى ترتفع جدرها إلى كيلومتر حتى ثلاثة كيلومترات من قاع المحيط ، ومتوسط عمق المحيطات حوالى أربعة كيلومترات تقريبا (٧٢٩ ر ٣ متر) ، وتصل أحيانا أعماق المحيطات إلى ١١ كيلومترا (٠٣٣ ر ١١).

الأستاذ أحمد فراج :

هل هذه البراكين التى تندفع عبر الصدوع ، هى التى ترتفع إلى قرب سطح الماء ، فإذا صعدت فوق سطح الماء فإنها تكون الجزر البركانية؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم ، الجزر البركانية تبنى كلها من هذه الصهارة الصخرية المندفعة عبر صدوع قيعان البحار والمحيطات ، والتى تظل تتجمع حتى تبرز من الماء ، والجزر الموجودة فى المحيطات كلها جزر بركانية ، أما الجزر الرسوبية أى التى تتكون من تجمع الفتات الصخرى فلا تتكون إلا فى البحار الضحلة أو فى مجارى الأنهار.

نرجع إلى قضية (البحر المسجور) فأقول : إن العرب عند ما سمعوا هذا القسم قالوا ربما يكون هذا فى الآخرة استنادا إلى قول الحق تبارك وتعالى فى سورة التكوير (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) لكن صياغة الأفعال فى صدر سورة التكوير كله فى المستقبل والإشارة فيها إلى الآخرة ، أما القسم فى مطلع سورة الطور كله بأمور واقعة فى الزمن الحاضر.

٨١

فقال العرب : الماء والحرارة من الأضداد ، فالماء يطفئ الحرارة ، والحرارة تبخر الماء فكيف للأضداد أن تتعايش مع بعضها البعض دون أن يلغى أحدها الآخر فيكون البحر مسجورا؟!! لم يستطع بدو الجزيرة العربية من قبل ألف وأربعمائة سنة أن يستوعبوا تلك القضية.

فقالوا : نبحث عن معنى لسجر غير أوقد على الشيء حتى أحماه ، فوجدوا من معانى سجر «ملأ وكفّ» ، فقالوا : إن المعنى فى القسم القرآنى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) مؤداة أن الله تعالى يمن علينا بأنه ملأ منخفضات الأرض بالماء ، وحجز هذا الماء عن اليابسة ؛ لأن هذا الماء كان من الممكن أن يطغى على اليابسة أكثر من حدود البحار والمحيطات الحالية وذلك لأن هناك كمية هائلة من الماء العذب محجوزة فوق قطبى الأرض وعلى قمم الجبال على هيئة كتل هائلة من الجليد ، سمك الجليد فى القطب الجنوبى يصل إلى أربعة كيلومترات ، وفى القطب الشمالى إلى أكثر من ثلاثة كيلومترات وثمانمائة من الأمتار ، ويقدر العلماء أن هذا الجليد لو انصهر فإنه يؤدى إلى رفع منسوب المياه فى البحار والمحيطات إلى أكثر من مائة متر ، ولكم أن تتخيلوا إذا أصبحنا بين يوم وليلة فوجدنا أن منسوب مياه البحار والمحيطات قد ارتفع بمقدار مائة متر! ستغرق الدنيا حقا.

فقالوا : إن من معانى هذا القسم : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أن الله ـ تعالى ـ يمن علينا بأنه ملأ المنخفضات على الأرض بالماء وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان على اليابسة. وهو صحيح لأن جليد القطبين وجليد قمم الجبال إذا انصهر فإنه يؤدى حتما إلى إغراق الأرض ، وليس هذا من قبيل الخيال العلمى ؛ لأن الأرض قد مرت بها فترات كانت البحار فيها أكثر غمرا لليابسة من حدود شواطئها الحالية ، كما مرت بها فترات كانت أشد انحسارا عن حدودها الحالية ، والضابط فى الحالتين هو كم الجليد فوق قطبى الأرض وعلى قمم الجبال ، فإذا زاد كم الجليد انخفض منسوب المياه فى البحار والمحيطات ، وإذا نقص ارتفع

٨٢

منسوب المياه فى البحار والمحيطات. ومن هنا كان تفسير (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) بالبحر المملوء بالماء المكفوف عن اليابسة تفسير صحيح ، ولكن جاءت الاكتشافات العلمية الحديثة لتؤكد على أن كل محيطات الأرض وأعدادا من البحار قيعانها متصدعة ، وعبر هذه الصدوع تندفع الحمم البركانية بملايين الأطنان ، مما يؤدى إلى حقيقة مبهرة ، هى أن كل المحيطات قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية فى درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية ، وكذلك أعداد كبيرة من البحار ، وهذه حقيقة لم يعرفها العلماء إلا فى أواخر الستينيات من القرن العشرين.

والمبهر فى هذا القسم القرآنى تلك الصياغة المعجزة «بالبحر المسجور» لأنه نظرا لعدم وجود الأوكسجين على قاع البحر لا يمكن للحمم البركانية المندفعة عبر صدوع قاع المحيط أن تكون مشتعلة على طول خط الصدع ، ولكنها عادة ما تكون داكنة السواد ، شديدة الحرارة ، دون اشتعال مباشر ، تشبه صاجة قاع الفرن البلدى إذا أحمى أسفل منها بأى وقود فإنها تسخن سخونة عالية يمكن من خبز العجين عليها ، وهذا هو القصد اللغوى تماما للفظة «المسجور» ، ويعجب الإنسان من هذه الدقة العلمية واللغوية الفائقة فى الصياغة القرآنية بلفظة «المسجور» حيث لا توجد كلمة يمكن أن تحل محلها أو أن تغنى عنها ، كما يعجب الإنسان لهذا النبى الأمى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن أين له هذه الدقة اللغوية والعلمية لو لم يكن موصولا بالوحى ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض!!!

الأستاذ أحمد فراج :

هذا الكلام لا يمكن أن يسمعه عاقل ثم لا يؤمن بأن ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو وحى السماء.

لكن مع أن هناك كلاما كثيرا عن البحر المسجور ، فإننا نود أن ننتقل إلى قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) [النبأ : ٧] فما معنى وتد هنا؟

٨٣

الدكتور زغلول النجار :

الوتد : هو كتلة من الخشب مدببة الطرف تثبت بها أركان الخيمة إلى الأرض سواء كان ذلك ترابا أم صخرا ، أغلبها يكون مدفونا فى الأرض وأقلها يكون ظاهرا فوق السطح ووظيفتها التثبيت ، وحينما درس العلماء الجبال وجدوا أن امتدادتها أكبر فى داخل الأرض من ارتفاعاتها فوق مستوى سطح البحر ، ولا نجد وصفا لذلك أبلغ من لفظة وتد التى تصف كلا من الشكل الظاهرى والامتداد الداخلى والوظيفة. فسبحان الله الذى أنزل فى محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين قوله الحق : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) فالجبل وتد حقيقى أقله ظاهر فوق سطح الأرض ، وأغلبه مدفون فى باطن الأرض ، ووظيفته التثبيت. وكون القرآن الكريم الذى أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة يصف الجبال بأنها أوتاد فهذا سبق علمى مبهر لم يصل إليه العلماء إلا فى القرن العشرين ، ولا يزال العديد من الناس يجهلونه إلى يومنا هذا.

ي عام ١٩٩٢ م كتبت عن الجبال كتابا نشر فى أمريكا ، وفى مقدمة الكتاب جمعت التعاريف اللغوية والعلمية المعطاة للجبال فى عدد من قواميس اللغة وقواميس العلم ومراجعه باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ، فوجدتها كلها تجمع على أن الجبال مجرد نتوءات فوق سطح الأرض ، يزيد ارتفاعها على ٣١٠ مترا فوق سطح البحر أو فوق ٦١٠ أمتار فوق هذا المنسوب ، وكأنه تعبير نسبى يختلف باختلاف تضاريس الأرض. والقرآن الكريم الذى أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة يقول فيه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) وهو وصف فى غاية البلاغة وفى غاية الإعجاز ؛ لأنه بلفظة واحدة وصف كلا من الشكل الخارجى والامتداد الداخلى والوظيفة (شكل رقم ٥) [انظر الصور الملونة فى نهاية الكتاب].

ويأتى العلم التجريبى ليؤكد على أن كل ارتفاع فوق سطح اليابسة له امتداد فى داخل القشرة يزيد بأضعاف عديدة تتراوح بين ١٠ ، ١٥ ضعفا على هذا الارتفاع

٨٤

فوق سطح الأرض تبعا لكثافة صخوره ، وكثافة الصخور والصهارة المنغرس فيهما ، وليست فقط الجبال هى التى تطفو هذا الطفو فى نطاق الضعف الأرضى ، بل إن القارات أيضا غائصة فى هذه الصهارة كنوع من أنواع التثبيت ، والجبال وسيلة رائعة لتثبيت كتل القارات وجعلها صالحة للعمران ، كما أنها وسيلة رائعة لتثبيت الأرض فى دورانها حول محورها أمام الشمس ، وهى تترنح فى حركات عديدة أهمها حركة الميسان (النودان أو التذبذب).

والقرآن الكريم يتحدث فى أكثر من عشر آيات عن إرساء الأرض بالجبال يقول تعالى : (وَالْجِبالَ أَرْساها* مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) [النازعات : ٣٢ ، ٣٣] ويقول ـ عز من قائل ـ :

(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥].

ويقول ـ سبحانه وتعالى ـ :

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً) [الرعد : ٣].

ويقول ـ تبارك اسمه ـ :

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحجر : ٣]

ويقول ـ سبحانه ـ :

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [الأنبياء : ٣١]

ويقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ :

(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النمل : ٦١].

ويقول ـ عز من قائل ـ :

٨٥

(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ..

[لقمان : ١٠]

ويقول ـ سبحانه ـ :

(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) [فصلت : ١٠].

ويقول ـ تبارك اسمه ـ :

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [ق : ٧] ويقول ـ سبحانه وتعالى ـ :

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَأَمْواتاً* وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) [المرسلات : ٢٥ ـ ٢٧].

الأستاذ أحمد فراج :

نريد من سيادتكم كلمة فى قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [الحديد : ٢٥].

الدكتور زغلول النجار :

هذه الآية من أكثر آيات القرآن إبهارا لى فى الحقيقة ؛ لأن الأرض على ضخامة كتلتها (ستة آلاف مليون مليون مليون طن تقريبا) ، ثبت أن أكثر من ٣٥ خ من هذه الكتلة حديد ، والأرض لها لب صلب داخلى أغلبه الحديد والنيكل ، والنيكل يعتبر من معادن الحديد (٩٠ خ حديد+ ٩ خ نيكل+ ١ خ عناصر أخرى).

ونسبة الحديد فى الأرض تتناقص من الداخل إلى الخارج باستمرار حتى تصل نسبته فى قشرتها إلى ٦ ر ٥ خ ، وعلى ذلك فلم يكن فى مقدور أحد أن يتخيل أبدا أن هذا الحديد قد أنزل إنزالا إلى الأرض ، كيف أنزل؟ ومن أين أتى؟ وكيف اخترق الغلاف الصخرى للأرض حتى استقر فى قلبها وكون لبّين من الحديد لها؟

أسئلة كثيرة لم يستطع الإنسان الوصول إلى إجابة صحيحة لها إلا منذ عقود

٨٦

قليلة ..!! ولم يفهم المسلمون مغزى تسمية السورة باسم سورة الحديد إلا منذ سنوات معدودة ...!!!

الأستاذ أحمد فراج :

سورة فى القرآن تسمى بسورة الحديد وهذه أول التفاتة ، ثانيا (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ).

الدكتور زغلول النجار :

يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ فى سورة الحديد : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ)

قال المفسرون : أنزلنا هنا إنزال مجازى بمعنى خلقنا أو بمعنى قدرنا أو بمعنى جعلنا ، وما كان أحد يتخيل أبدا أنه إنزال حقيقى ولذلك ركزوا على قوله ـ تعالى ـ : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) وثبت علميّا أن ذرة الحديد هى أكثر الذرات التى نعرفها تماسكا ، لا توجد ذرة فى شدة تماسك ذرة الحديد ، ولذلك فإن الحديد له من الخواص الطبيعية والكيميائية المميزة له ما يجعله ذا بأس شديد ، والحديد هو عصب الصناعات الثقيلة فى حياة الإنسان ، وعصب توليد الكثير من صور الطاقة وفى مقدمتها الكهرباء ، ليس هذا فقط فلولا وجود هذه الكتلة الضخمة من الحديد فى قلب الأرض ما استطاعت أن تمسك بغلافها الغازى ، ولا بغلافها المائى ، ولا بمختلف صور الحياة على سطحها ، ولذلك فإن وجود الحديد ضرورة من ضرورات جعل الأرض صالحة للعمران.

والحديد يكون جزءا من المادة الحمراء فى دماء البشر وفى دماء كثير من الحيوانات. كما يشكل الحديد جزءا من المادة الخضراء فى أجسام كل النباتات ، ولذلك فالحديد لازمة من لوازم الحياة ، والقرآن الكريم يقول فيه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ :

٨٧

(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) وقد تأكد لنا أن ذرة الحديد شديدة التماسك ، ومن ثم فهى شديدة البأس ، وأن له من المنافع العديدة ما جعل الأرض صالحة للعمران ، وجعل الحياة ممكنة بإرادة الله سبحانه وتعالى ، وجعل من الحديد العمود الفقرى للصناعات الثقيلة الحربية منها والمدنية فى حياة الإنسان.

أما عملية الإنزال فما استطاع أحد أن يستوعبها إطلاقا ، حتى جاء العلماء قبل رحلات الفضاء مباشرة ، وبدءوا بدراسة التركيب الكيميائى للجزء المدرك لنا من الكون ، فوجدوا أن غاز الأيدروجين أخف العناصر وأقلها بناء ، هو أكثر العناصر انتشارا فيه ، وغاز الإيدروجين وحده يكون أكثر من ٧٤ خ من مادة الكون المنظور ، يليه فى الكثرة غاز الهيليوم وهو يكون ٢٤ خ فقال العلماء : عنصران هما أخف العناصر المعروفة لنا وأقلها بناء يكونان معا أكثر من ٩٨ خ من مادة الكون المنظور. وباقى أكثر من مائة عنصر تكون أقل من ٢ خ ، لا بد وأن كافة العناصر قد خلقت من غاز الإيدروجين. وهى ملاحظة جيدة ثبتت صحتها بمراقبة ما يتم فى داخل الشمس التى تتحد فيها ذرات الإيدروجين لتكون ذرة الهيليوم ، ويتحد الهليوم ليكون الليثيوم ، فى عملية متسلسلة بطريقة مستمرة تسمى عملية الاندماج النووى.

حينما نظر العلماء إلى الشمس وجدوا أن عملية الاندماج النووى فى داخلها لا تصل إلى الحديد ، فهى تتوقف قبل الحديد بمراحل طويلة ، لأن الحديد يحتاج إلى حرارة عالية جدّا والشمس لا تتوافر فيها هذه الحرارة حيث أن درجة حرارة لب الشمس تقدر بحوالى ١٥ مليون درجة مئوية ، وهذه الحرارة لا تكفى لتكوين الحديد فنظر العلماء فى نجوم خارج المجموعة الشمسية فوجدوا نجوما تسمى «بالمستعرات». ووجدوا أنها أكثر حرارة من الشمس بملايين المرات ، تصل درجة الحرارة فى جوف المستعر إلى مئات البلايين من الدرجات المئوية. ووجدوا أن هذه هى الأماكن الوحيدة فى الكون المدرك التى يمكن أن يتخلق فيها

٨٨

الحديد بعملية الاندماج النووى ، ولاحظوا أن النجم إذا كانت كتلته أقل من أربع مرات قدر كتلة الشمس وتحول قلبه إلى الحديد فإن ذلك يستهلك كل طاقة النجم ، فينفجر على هيئة ما يسمى باسم «فوق المستعر» ، وتتناثر هذه الأشلاء فى صفحة الكون فتدخل بقدرة الله فى مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلى هذا الحديد.

هذه الملاحظة جعلت العلماء يقولون بأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد ، ليس فيها شىء أثقل من الألومنيوم والسيليكون ، ثم رجمت بوابل من النيازك الحديدية ، تماما كما تصلنا النيازك الحديدية فى هذه الأيام. الحديد بحكم كثافته الغالبة تحرك إلى لب هذه الكومة من الرماد ، واستقر فى جوفها ، ثم انصهر وصهرها ومايزتها إلى سبع أرضين : لب صلب داخلى أغلبه الحديد والنيكل ، يليه إلى الخارج لب سائل أغلبه الحديد والنيكل ، ثم أربعة أوشحة متمايزة بكل منها نسب متناقصة من الحديد من الداخل إلى الخارج ، ثم الغلاف الصخرى للأرض وبه ٦ ، ٥ خ من الحديد (شكل رقم ٦) [انظر الصور الملونة فى نهاية الكتاب].

الأستاذ أحمد فراج :

فأى إعجاز أعظم من هذا الإعجاز.

الدكتور زغلول النجار :

وثبت للعلماء بأن كل الحديد فى أرضنا بل فى مجموعتنا الشمسية قد أنزل إلينا إنزالا ؛ ولذلك نرى فى هذه الومضة المبهرة (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق ، ويشهد لهذا الرسول الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى.

والذين أثبتوا وتحدثوا عن الأصل الخارجى للحديد فى أرضنا وفى مجموعتنا الشمسية هم من غير المسلمين ، وأكدوا على هذه الحقيقة بأن الطاقة اللازمة

٨٩

لتكوين ذرة حديد واحدة تفوق كل الطاقة فى مجموعتنا الشمسية أربع مرات ، ولذلك يمن علينا ربنا سبحانه وتعالى بإنزال الحديد ، ويقارن ذلك بإنزال الهدية الربانية فى صورة وحى السماء فيقول ـ عز من قائل ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ).

ومنذ أكثر من خمس سنوات كنت أتحدث عن هذه القضية فى جامعة ملبورن بأستراليا ووقف أحد أساتذة الكيمياء بالجامعة وسألنى قائلا : يا سيدى هل حاولت أن تقارن بين رقم سورة الحديد فى القرآن الكريم والوزن الذرى للحديد ، ورقم الآية والعدد الذرى للحديد؟ وعادة أضع نص الآية القرآنية بالعربية وتحتها اسم السورة ورقم الآية ، ثم أضع ترجمة معانيها باللغة الإنجليزية وأضع رقم السورة ورقم الآية. والتقط هذا الأستاذ الرقمين لكل من السورة والآية ووجه إلى هذا السؤال.

فقلت : الأرقام منزلق خطير إذا دخله الإنسان بغير دراسة وبغير روية قد يدمر ذاته.

فقال : أرجوك حينما تعود إلى بلدك أن تحقق هذه القضية.

وبعد رحلة استمرت ٢٢ ساعة من ملبورن إلى القاهرة طيرانا متصلا تقريبا لم أستطع أن أقاوم تحقيق هذه القضية بمجرد وصولى إلى منزلى بالقاهرة ، فلجأت إلى مكتبتى وأتيت بالقرآن الكريم وبكتاب فى الكيمياء غير العضوية وبالجدول الدورى للعناصر ، فأذهلنى أن أجد رقم سورة الحديد يساوى الوزن الذرى للحديد ورقم الآية فى السورة يساوى العدد الذرى للحديد. فرقم السورة ٥٧ والحديد له ثلاثة نظائر وزنها الذرى ٥٤ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ورقم الآية ٢٥ والعدد الذرى للحديد ٢٦ فإذا أخذنا بالرأى القائل بأن البسملة آية من السورة يكون رقم الآية ٢٦ مساويا للعدد الذرى للحديد ؛ إذ يقول الله تعالى مخاطبا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

٩٠

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر : ٨٧] ، والسبع المثانى هى فاتحة الكتاب ، وعدد آياتها ست ، والسابعة هى البسملة بإجماع عدد غفير من علماء الأمة.

***

الأستاذ أحمد فراج :

اسمح لى أن أختتم بهذه العبارات العظيمة الرائعة ، ولا أملك من الكلمات فى الواقع إلا أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير والامتنان والعرفان للأستاذ الدكتور زغلول النجار أستاذ الجيولوجيا (علوم الأرض) بالجامعات العربية والغربية ومدير معهد ماركفيلد للدراسات العليا فى المملكة المتحدة ، ونحيى فيه العالم المسلم ، والعالم المؤمن الذى وظف علمه وإيمانه فى خدمة قضية الإيمان بالله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، وفى خدمة قضية إعجاز القرآن من هذه الزوايا العلمية التى استمعنا إليها واستمتعنا بها.

سيداتى سادتى : شكرا لكم ونلتقى دائما على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

٩١

المراجع

* القرآن الكريم*

صحيح البخارى*

سلسلة مقالات بعنوان : «من آيات الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم» للدكتور زغلول راغب محمد النجار ـ مجلة القافلة ـ الظهران ـ المملكة العربية السعودية ـ مارس ١٩٩٢ م ـ ديسمبر ٢٠٠٠ م (رمضان ١٤١٢ ه‍ ـ رمضان ١٤٢١ ه‍).

* الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم للدكتور زغلول راغب محمد النجار ـ من مطبوعات جامعة قنا ١٩٩٤ م.

* إشارات قرآنية لعلوم الأرض للدكتور زغلول راغب محمد النجار : مجلة الإعجاز العدد الأول. رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة. صفر ١٤١٦ ه‍ (يوليو ١٩٩٥ م).

* لمحات إعجازية عن أبواب السماء وظلمة الفضاء للدكتور زغلول راغب محمد النجار ، مجلة الإعجاز ـ العدد السادس ـ محرم ١٤٢١ ه‍ ـ رابطة العالم الإسلامي ـ مكة المكرمة.

المراجع الأجنبية :

(١٩٩١).Z.r ، El ـ Naggar *Sources of ؛ خ خ an

The Geological concept of Mountains in the Qur

"The Association Of Muslim Scientists and :

Scientific Knowledge Engineers and The International Institute of Islamic Thought

٢٣.pp ٨٣ ،.U.S.A ، virginia ، Herndon ، ٣.Research Monograph no.text ـ figs : (١٩٩٦).Z.R ، El ـ Naggar *journal of scientific ، ijaz خ Al ـ E ؛ "an خ Scientific signs In The Qur ". ١٣ ـ ١٠.pp ، ١٩٩٦ ، ٢.no ، ١.vol ، an and As Sunnah خ Signs in Al ـ Qur : (٢٠٠٠).Z.R ، El ـ naggar *Selected) an خ Scientific Facts Revealed In The Glorious Qur "Read before the (Examples From the area of Earth Sciences ، October ، University or London ،.S.O.A.S ، an conference خ Qur. ١٩٩٩

٩٢

المراجع الخاصة بتقديم الأستاذ أحمد فراج

* القرآن الكريم*

صحيح البخارى*

الإسلام فى عصر العلم ـ تأليف الأستاذ الدكتور محمد أحمد الغمراوى ، إعداد الأستاذ الدكتور أحمد عبد السلام الكردانى ـ السعادة.

* نظرات فى القرآن الكريم ـ الشيخ محمد الغزالى ـ الخانجى.

* بحوث فى التفسير ـ د. محمد إبراهيم شريف*

الله أو الدمار ـ د. سعد جمعة ـ المختار الإسلامى.

* الفكر الدينى فى مواجهة العصر ـ د. عفت الشرقاوى ـ الشباب.

* أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى ـ د. أحمد فؤاد باشا ـ دار الهداية.

* دراسات إسلامية فى الفكر العلمى ـ د. أحمد فؤاد باشا ـ دار الهداية.

* الكون والإعجاز العلمى فى القرآن ـ د. منصور حسب النبى ـ دار الفكر العربى.

* الله ليس كذلك ـ زيجريد هونكه ـ دار الشروق.

* بعض حلقات برنامج نور على نور.

٩٣
٩٤

المحتويات

تقديم

بقلم الأستاذ أحمد فراج............................................................ ٥

مقدمة

بقلم الأستاذ الدكتور زغلول النجار................................................ ٢٣

الحوار الذى تم حول موضوع الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم........................ ٣١

المراجع........................................................................ ٩٢

صور وأشكال ملونة............................................................. ٩٧

٩٥
٩٦

ملحق

الصور الملونة

٩٧
٩٨

٩٩
١٠٠