عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

إذا تعلق بالحكم الفعلي لا الإنشائيّ (كما لا بأس) بأخذ القطع بمرتبة من الحكم موضوعا لمرتبة أخرى من مثله أو ضده كما إذا أخذ القطع بمرتبة الإنشاء من وجوب صلاة الجمعة موضوعا لوجوب آخر فعلي متعلق بصلاة الجمعة أو لحرمة أخرى فعلية متعلقة بها ووجه عدم البأس انه لا تنافي حينئذ بين الحكمين بعد اختلافهما في المرتبة كما لا تنافي بين الحكم الظاهري والواقعي لاختلافهما كذلك على ما سيأتي تفصيله قريبا فالواقعي فعلي غير منجز بمعنى انه لو تعلق به العلم لتنجز والظاهري فعلي منجز فانتظر يسيرا.

(قوله واما الظن بالحكم فهو وان كان كالقطع ... إلخ)

وحاصله ان الظن بالحكم وان كان كالقطع بالحكم من حيث عدم جواز أخذه موضوعا لشخص هذا الحكم غايته انه في القطع يلزم الدور القطعي وفي الظن يلزم الدور الظني وهو محال كالقطع به بل احتمال الدور محال فضلا عن الظن به إلّا انه لما كان مع الظن مرتبة الحكم الظاهري محفوظة بمعنى ان الجهل لم يرتفع من أصله لبقاء احتمال الخلاف معه كان جعل حكم آخر في مورده مثله أو ضده ممكنا (والسر فيه) انه لا يلزم حينئذ اجتماع الحكمين المتماثلين أو المتضادين مع اتحاد المرتبة بل مع اختلافهما فالمظنون بسبب الجهل به وعدم رفع الستار عنه كما ينبغي يكون فعليا على فرض وجوده غير منجز والحكم الّذي قد أخذ الظن موضوعا له يكون فعليا منجزا فيكون حالهما حال الحكم الواقعي والظاهري من حيث كون أحدهما فعليا غير منجز والآخر فعليا منجزا على ما أشير آنفا (بقي شيء) لم يذكره المصنف وهو أخذ الظن بمرتبة من الحكم موضوعا لمرتبة أخرى منه نظير ما تقدم في القطع عينا ولعل عدم ذكره له لوضوح جوازه فانه لو جاز ذلك في القطع بلا محذور فيه عقلا جاز ذلك في الظن بطريق أولى.

(قوله ان قلت ان كان الحكم المتعلق به الظن فعليا أيضا ... إلخ)

(هذا إشكال) على دعوى جواز أخذ الظن بحكم موضوعا لحكم آخر مثله أو ضده

٤١

نظرا إلى محفوظية مرتبة الحكم الظاهري مع الظن (وحاصله) ان الدعوى تشمل ما إذا كان الظن بحكم فعلي موضوعا لحكم آخر فعلي مثله أو ضده مع انه محال من جهة لزوم الظن باجتماع الضدين أو المثلين وهما الحكمان الفعليان المتضادان أو المتماثلان (وحاصل الجواب) انه لا مانع من أخذ الظن بحكم فعلي موضوعا لحكم آخر فعلي مثله أو ضده فان الفعلي الّذي تعلق به الظن وان كان على فرض وجوده فعليا بمعنى انه حكم لو تعلق به العلم لتنجز ولكنه غير منجز لعدم تعلق العلم به والفعلي الّذي قد أخذ الظن موضوعا له فعلي منجز لتحقق موضوعه فلا تنافي بينهما من جهة اختلاف المرتبة لما سيأتي توضيحه في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي إن شاء الله تعالى فانتظر.

(قوله وانما يصح أخذه في موضوع حكم آخر كما في القطع ... إلخ)

أي وانما يصح أخذ الظن في موضوع حكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده كما في القطع على ما تقدم من المصنف في صدر الأمر الثالث فتذكر.

(قوله ومع ذلك لا يجب على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله إلى آخره)

إشارة إلى دفع ما قد يتوهم من ان الحكم الّذي تعلق به الظن إذا كان فعليا بحيث لو علم به لتنجز فلم لا يرفع الحاكم عذر المكلف برفع جهله لو أمكن كي يأتي به ويمتثله أو يجعل له الاحتياط فيما أمكن كي يدركه ولا يفوته (وحاصل الدفع) انه لا يجب على الحاكم رفع ذلك الجهل مع ان الحكم فعلي لا نقص فيه سوى انه لم يتعلق به العلم ليتنجز بل يجوز للحاكم جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة وإلى خلافه أخرى وذلك لحكمة مقتضية للجعل هي أهم من درك الواقع لا محالة.

(قوله ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده كما لا يخفى فافهم ... إلخ)

فان الواقعي المفروض كونه فعليا إذا تعلق به القطع تنجز ومع تنجزه كيف يمكن

٤٢

جعل حكم آخر مثله أو ضده في مورده للزوم اجتماع الحكمين المنجزين وهو محال (وفيه) ان اجتماع المنجزين وإن لم يجز عقلا لكن إذا كانا ضدين واما إذا كانا متماثلين فلا بأس باجتماعهما كما في الواقعي الّذي قام الظاهري على طبقه أي أدته الأمارة فان الواقعي حينئذ منجز بأداء الأمارة إليه والظاهري المجعول على طبق الأمارة منجز أيضا لتحقق موضوعه وهو قيام الأمارة فكما لا محيص في مثله عن الالتزام باجتماع الحكمين المتماثلين واندكاك بعضهما في بعض وتأكد بعضهما ببعض كما أشير إليه مجملا ويأتي شرحه مفصلا فكذلك فيما إذا أخذ القطع بحكم فعلي موضوعا لحكم آخر مثله غايته انه يلزم حينئذ اجتماع المنجزين الواقعيين لا أحدهما واقعي والآخر ظاهري وهذا مما لا يوجب التفاوت في المقام كما لا يخفى ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

(قوله ان قلت كيف يمكن ذلك ... إلخ)

أي كيف يمكن ان يكون الحكم الواقعي فعليا مع جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة وإلى ضده أخرى وهل هو الا مستلزم لاجتماع المثلين أو الضدين.

(قوله قلت لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي ... إلخ)

وجه عدم البأس هو ما أشرنا إليه آنفا من ان الحكم الواقعي فعلي غير منجز والحكم الآخر الّذي في مورده بمقتضى الأصل أو الأمارة أو بمقتضى دليل قد أخذ في موضوعه الظن بالحكم فعلي منجز فلا تنافي بينهما.

(قوله بالخصوص به ... إلخ)

أي بالخصوص بالظن لما عرفت من عدم تجويز المصنف أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله أو ضده وان جاز ذلك في خصوص الظن لمحفوظية مرتبة الحكم الظاهري معه.

٤٣

(قوله على ما سيأتي من التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي ... إلخ)

متعلق بقوله لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذلك المعنى أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز مع حكم آخر فعلي ... إلخ فان الّذي سيأتي في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي هو هذا المعنى أي ان الواقعي فعلي غير منجز والظاهري المتحقق في مورده بمقتضى الأصل أو الأمارة فعلي منجز.

في الموافقة الالتزامية

(قوله الأمر الخامس هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضى موافقته عملا يقتضى موافقته التزاما ... إلخ)

والأصل في هذا النزاع أي في وجوب الموافقة الالتزامية علاوة على وجوب الموافقة العملية ما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه في المخالفة الالتزامية للعلم الإجمالي (قال ما هذا لفظه) ووجوب الالتزام بالحكم الواقعي مع قطع النّظر عن العمل غير ثابت لأن الالتزام بالاحكام الشرعية الفرعية انما يجب مقدمة للعمل وليست كالأصول الاعتقادية يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات (إلى أن قال) فالحق مع فرض عدم الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع على ما جاء به ان طرح الحكم الواقعي ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرما إلا من حيث كونها معصية دل العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها فإذا فرض العلم تفصيلا بوجوب شيء فلم يلتزم به المكلف لكنه فعله لا لداع الوجوب لم يكن عليه شيء نعم لو أخذ في ذلك الفعل نية القربة فالإتيان به لا للوجوب مخالفة عملية ومعصية لترك المأمور به (انتهى).

٤٤

(أقول)

لا إشكال في ان هذا النزاع غير جار في التعبديات بلا كلام كما يظهر من استدراك الشيخ أعلى الله مقامه بقوله نعم لو أخذ ... إلخ وذلك لوضوح انه لا يجتمع فيها عدم الالتزام بالوجوب مع الإتيان بها بقصد القربة بل يختص هذا النزاع بالتوصليات فقط (وتوهم) ان النزاع في التوصليات من حيث وجوب الالتزام بها وعدمه مساوق للنزاع فيها في اعتبار قصد القربة وعدمه (فاسد جدا) فان وجوب الالتزام بها غير وجوب الإتيان بها متقربا إلى الله تعالى إذ من الممكن ان يلتزم بها ويعقد القلب عليها ولا يؤتي بها بداعي وجوبها ومتقربا بها إلى الله تعالى.

(ثم ان الحق) ان وجوب الالتزام بالأحكام الشرعية الإلهية التي جاء بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحلال والحرام مع قطع النّظر عن العمل بها ثابت لازم عقلا وليس وجوبه مقدميا محضا لأجل العمل بها على نحو لا يكون فرق بين من لم يعمل بالأحكام الشرعية ولم يعتقد بها أصلا وبين من لم يعمل بها واعتقد بها وخضع لها (بل الظاهر) ان الالتزام بالأحكام الشرعية الإلهية واجب نفسيا من حيث هو كالأصول الاعتقادية عينا على نحو لا يكون المؤمن مؤمنا إذا لم يذعن بأحد الأحكام الإلهية بعد حصول العلم له واليقين به فضلا عما إذا لم يذعن بجميعها ولم يلتزم بشيء منها ويظهر ذلك كله من الاخبار الكثيرة أيضا المروية في الوافي في كتاب الإيمان والكفر في أبواب تفسير الإيمان والإسلام سيما باب حدود الإيمان والإسلام ففي بعضها قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أوقفني على حدود الإيمان فقال شهادة أن لا إله إلّا الله وان محمدا رسول الله والإقرار بجميع ما جاء به من عند الله (الحديث).

(وبالجملة) ان اللازم في الأمور الاعتقادية هو مجرد الاعتقاد بها وفي الأحكام الشرعية مضافا إلى وجوب الاعتقاد بها ولو بنحو الإجمال يجب الإتيان بها خارجا فان كان الواجب توصليا وجب الإتيان به ولو لا بداعي وجوبه وان

٤٥

كان تعبديا وجب الإتيان به بهذا الداعي فتأمل جيدا.

(قوله الحق هو الثاني لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان ... إلخ)

بل الحق هو الأول كما تقدم فان الوجدان يشهد باستحقاق العقوبة بل بالكفر فضلا عن العصيان إذا لم يلتزم المكلف بحكم واحد من الأحكام الإلهية بعد ما حصل له العلم واليقين به وان وافقها عملا بدواعي آخر نفسانية نعم لا يشهد بذلك في تكاليف الموالي العرفية ولكن لا تقاس هي بالتكاليف الشرعية الإلهية.

(قوله واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده الا المثوبة دون العقوبة ولو لم يكن مسلما وملتزما به ... إلخ)

(فيه مسامحة واضحة) فان العقل وان كان يستقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده الا المثوبة دون العقوبة ولكن ذلك مما لا يجتمع مع عدم التسليم لأمره وعدم الالتزام به وكأن المصنف لا يرى التنافي بين قصد الامتثال وبين عدم التسليم لأمره وعدم الالتزام به ولعله لذلك لم يفرق في عدم وجوب الالتزام بين التوصليات والتعبديات أصلا كما فرق بينهما الشيخ أعلى الله مقامه وكيف كان قد عرفت منا التنافي فلا تغفل.

(قوله ثم لا يذهب عليك انه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية إلى آخره)

(وحاصله) انه على القول بوجوب الموافقة الالتزامية تجب حتى في دوران الأمر بين المحذورين كما إذا دار أمر صلاة الجمعة بين الوجوب والحرمة على نحو لا تجب فيه الموافقة القطعية عملا ولا تحرم المخالفة القطعية كذلك لامتناعهما عقلا ولو في واقعة واحدة وان لم تمتنعا في واقعتين كما إذا أتى بصلاة الجمعة في أسبوع ولم يأت بها في أسبوع آخر فتحصل المخالفة القطعية كما تحصل الموافقة القطعية (والسر) في ذلك كله هو التمكن من الموافقة الالتزامية ولو إجمالا مع دوران الأمر

٤٦

بين المحذورين فيلتزم فيه بما هو الثابت في الواقع وفي نفس الأمر من الحكم الشرعي الإلهي من دون لزوم التعيين شخصا.

(قوله وإن أبيت الا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه ... إلخ)

(وحاصل كلام المصنف) من أول الأمر الخامس إلى هنا انه لا تجب الموافقة الالتزامية وعلى تقدير وجوبها تجب حتى في دوران الأمر بين المحذورين للتمكن من الموافقة الالتزامية الإجمالية وإن أبيت إلا عن لزوم الموافقة الالتزامية التفصيلية لم تجب حينئذ فيما دار أمره بين المحذورين وذلك لعدم التمكن منها كما لا يخفى.

(قوله لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة ... إلخ) أي لما كانت موافقته الالتزامية التفصيلية حينئذ ممكنة.

(قوله ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا ... إلخ)

إشارة إلى دفع ما قد يتوهم من انه إذا لم تجب الموافقة القطعية الالتزامية أي التفصيلية في دوران الأمر بين المحذورين لعدم التمكن منها وجبت الموافقة الاحتمالية فيلتزم فيه بأحد الحكمين اما الوجوب أو الحرمة تخييرا (فيجيب عنه) المصنف بان ذلك مما لا يجب قطعا لأمرين.

(أحدهما) ان الالتزام بأحد الحكمين تخييرا مما لا يؤمن من الالتزام بضد التكليف ومحذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقل من محذور عدم الالتزام بنفس التكليف.

(ثانيهما) ان التكليف على القول باقتضائه الالتزام به مما لا يقتضى إلا الالتزام بنفسه لا به أو بضده تخييرا وهذا واضح.

(قوله ومن هنا قد انقدح انه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع إلى آخره)

أي ومن مجموع ما تقدم إلى هنا من عدم وجوب الموافقة الالتزامية وعلى تقدير وجوبها تجب حتى في دوران الأمر بين المحذورين للتمكن من الموافقة الالتزامية

٤٧

الإجمالية وعدم وجوب الموافقة الالتزامية التفصيلية لعدم التمكن منها ... إلخ قد انقدح انه لا يكون من قبل وجوب الالتزام مانع عن إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية فيما دار أمره بين الوجوب والحرمة ان لم يكن مانع عنه من جهة أخرى وهي العلم الإجمالي (ففي مثل) صلاة الجمعة المرددة بين الوجوب والحرمة أو المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف ومن وجب وطيها بالحلف لا مانع عن جريان البراءة عن كل من الوجوب والحرمة أو جريان كل من أصالة عدم تعلق الحلف بوطيها وأصالة عدم تعلق الحلف بترك وطيها من ناحية وجوب الالتزام فيجمع فيها بين حليتها ظاهرا بمقتضى الأصول العملية وبين الالتزام بما هو الثابت لها واقعا من الحكم الشرعي الإلهي كما لا تنافي في الشبهات البدوية بين البناء على حليتها ظاهرا بمقتضى الأصل العملي وبين الالتزام بما هو الثابت لها في الواقع من الحكم الشرعي المشترك بين الكل من العالم والجاهل جميعا فافهم جيدا.

(قوله كما لا يدفع عنا محذور عدم الالتزام به بل الالتزام بخلافه لو قيل بالمحذور فيه ... إلخ)

إشارة إلى ضعف ما صنعه الشيخ أعلى الله مقامه في المقام من دفع محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي في دوران الأمر بين المحذورين بوسيلة الأصول العملية الجارية فيه سواء كانت في الشبهة الموضوعية أو الحكمية ففي المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف وبين من وجب وطيها بالحلف بوسيلة أصالة عدم تعلق الحلف بوطيها وعدم تعلقه بترك وطيها تخرج المرأة عن موضوع حكمي التحريم والوجوب رأسا وفي صلاة الجمعة المرددة حكمها بين الوجوب والحرمة بوسيلة أصل البراءة عن كل من الوجوب والحرمة يرتفع الحكم الشرعي المعلوم بالإجمال من البين فلا يبقى حكم يجب الالتزام به عقلا أو نقلا.

(فيقول المصنف) إن إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية لا يكاد يدفع عنا محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي بل الالتزام بخلافه أي الإباحة لو قلنا

٤٨

بوجود المحذور في عدم الالتزام به عقلا وذلك لأن جريان الأصل موقوف على عدم محذور في عدم الالتزام اللازم منه فلو كان عدم المحذور موقوفا على جريان الأصل لزم الدور.

(أقول)

ويرد على الشيخ أعلى الله مقامه.

(أولا) ان الأصول العملية لا تكاد تجري في أطراف العلم الإجمالي لموانع عديدة ستأتي الإشارة إليها إجمالا ويأتي شرحها مفصلا في صدر بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى فهي مع تلك الموانع لا تكاد تجري كي تدفع عنا محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي وكأن الشيخ لم يخطر بباله الشريف في المقام مانعا عن جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي سوى لزوم المخالفة العملية وانها حيث لا تلزم في دوران الأمر بين المحذورين فتجري الأصول ويدفع بها محذور عدم الالتزام بالحكم الواقعي وغفل عما سيأتي منه بنفسه من الاعتراف بمعارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي وقصور أدلتها عن الشمول لأطرافه رأسا.

(وثانيا) قد عرفت آنفا انه لا تنافي فيما دار امره بين الوجوب والحرمة بين الالتزام بما هو الثابت له في الواقع من الحكم الشرعي الإلهي وبين البناء على حليته ظاهرا بمقتضى الأصول العملية وعليه فلا نحتاج إلى دفع محذور عدم الالتزام بوسيلة الأصول الجارية في الشبهة الموضوعية أو الحكمية أصلا بل الشيخ أيضا بنفسه قد أشار إلى عدم التنافي بينهما في صدر أصالة التخيير بل صرح به تصريحا فوق الإشارة كما لا يخفى ولعل المصنف قد أخذ الموافقة الالتزامية الإجمالية من كلام الشيخ أعلى الله مقامه هناك (قال في صدر البحث) المذكور ما لفظه واما دعوى وجوب الالتزام بحكم الله تعالى لعموم دليل وجوب الانقياد للشرع ففيها (إلى ان قال) وان أريد وجوب الانقياد والتدين بحكم الله تعالى فهو تابع للعلم بالحكم فإن علم تفصيلا وجب التدين به كذلك وإن علم إجمالا وجب التدين بثبوته

٤٩

في الواقع ولا ينافي ذلك التدين حينئذ بإباحته ظاهرا (انتهى).

(وثالثا) لو سلم التنافي بينهما كما هو ظاهر الشيخ في المقام فالحق مع المصنف فلا يكاد يدفع عنا محذور عدم الالتزام بوسيلة الأصول فان جريان الأصول موقوف على عدم لزوم محذور منه فلو توقف عدم لزوم المحذور على جريان الأصول لزم الدور كما أفاد ولعله لذلك رجع الشيخ أخيرا عما أفاده أولا (فقال) ما لفظه ولكن التحقيق انه لو ثبت هذا التكليف أعني وجوب الأخذ بحكم الله والالتزام مع قطع النّظر عن العمل لم تجر الأصول لكونها موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيليّ أعني وجوب الالتزام بحكم الله وهو غير جائز حتى في الشبهة الموضوعية (انتهى كلامه رفع مقامه).

(قوله اللهم إلا أن يقال ان استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الإقدام ... إلخ)

هذا رجوع عما أورده على الشيخ أعلى الله مقامه من الدور بقوله المتقدم لأن جريانها موقوف على عدم محذور في عدم الالتزام ... إلخ (وحاصله) ان الالتزام بالحكم الشرعي الإلهي انما يجب عقلا ويكون عدم الالتزام به محذورا عقلا إذا لم يرخص الشارع بنفسه بمقتضى أدلة الأصول العملية في الاقتحام في أطراف العلم الإجمالي ومع ترخيصه فيه لا محذور في عدم الالتزام اللازم منه بل ولا في الالتزام بضده (وفيه) ان مع الترخيص في الاقتحام في الأطراف وان لم يكن محذور في عدم الالتزام اللازم منه ولكن الكلام في شمول الترخيص وأدلة الأصول العملية لأطراف العلم الإجمالي فانه يتوقف على ان لا يلزم منه محذور فلو ارتفع المحذور بشموله لها لدار وعليه فرجوع المصنف عن الدور في غير محله.

(قوله إلا ان الشأن حينئذ في جواز جريان الأصول في أطراف العلم الإجماليّ ... إلخ)

فانها مما لا تجري فيها لجهات (منها) ما أشار إليه المصنف بقوله مع عدم ترتب

٥٠

أثر عملي عليها وهذه الجهة مما تختص بدوران الأمر بين المحذورين فقط ولا تشمل مثل الشك في المكلف به مع العلم الإجمالي بالتكليف وحاصلها ان الأصول الجارية فيه مما لا أثر عملي لها فان التخيير فيه بين الفعل والترك ثابت بنفسه بحكم العقل فلا تنتج الأصول العملية شيئا آخر أصلا.

(ومنها) ما أشار إليه بقوله مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه ... إلخ وهو إشارة إلى ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في خصوص الاستصحاب في ذيل تعارض الاستصحابين من ان دليل الاستصحاب وهو قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشك إذا جرى في طرفي العلم الإجمالي نظرا إلى اليقين السابق والشك اللاحق كما في الإناءين الذين علم إجمالا بنجاسة أحدهما مع سبق العلم التفصيليّ بطهارة كل منهما لزم التناقض بين الصدر والذيل وان شئت قلت لزم طرح قوله عليه‌السلام في ذيل الحديث وانما ينقضه بيقين آخر بعد فرض العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما فلا بدّ حينئذ من عدم جريان دليل الأصل في أطراف العلم الإجمالي أصلا وهذا في الحقيقة جزء من تقريب معارضة الأصول في أطراف العلم الإجمالي وسيأتي شرحه في صدر بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى مفصلا فانتظر.

(ومنها) ما سيأتي هنا في الأمر السابع من ان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ فلا يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا ولا بعضا وذلك للمناقضة أو احتمال المناقضة مع الواقع المعلوم بالإجمال.

(ومنها) ما سيأتي منا شرحه في صدر بحث الاشتغال أيضا من ان إجراء الأصل في أطراف العلم الإجمالي تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية.

(أقول)

والعجب في المقام من المصنف قدس‌سره فانه مع تعدد هذه الجهات المانعة عن جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي وإن فرض عدم سلامة المجموع من حيث المجموع قد اختار أخيرا جريان الأصول فيها (قال) في تعليقته على الكتاب

٥١

عند التعليق على قوله إلا ان الشأن في جواز جريان الأصول ما هذا لفظه والتحقيق جريانها لعدم اعتبار شيء في ذلك عدى قابلية المورد للحكم إثباتا ونفيا فالأصل الحكمي يثبت له الحكم تارة كأصالة الإباحة وينفيه أخرى كاستصحاب عدم الحرمة والوجوب فيما دار بينهما فتأمل جيدا انتهى.

(قوله مع انها أحكام عملية كسائر الأحكام الفرعية ... إلخ)

أي مع ان الأصول كقاعدة الطهارة أو الحل أو البراءة أو الاستصحاب أحكام عملية أي أنشأت لأجل العمل كسائر الأحكام الفرعية التي أنشأت لذلك مثل خطاب أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ونحوهما.

(قوله وان كان محل تأمل ونظر ... إلخ)

والظاهر ان وجه التأمل والنّظر كما سيأتي شرحه في تعارض الاستصحابين ان الذيل المناقض للصدر على تقدير الشمول لأطراف العلم الإجمالي انما هو موجود في بعض اخبار الاستصحاب مثل قوله عليه‌السلام في الصحيحة الأولى لزرارة ولا ينقض اليقين أبدا بالشك وانما ينقضه بيقين آخر لا في ساير الاخبار.

في قطع القطاع

(قوله الأمر السادس لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر السادس هو التنبيه على أمرين :

(أحدهما) انه لا فرق في حجية القطع الطريقي بين قطع القطاع أي من يحصل له القطع بأدنى شيء من أسباب لا ينبغي حصوله منها وبين غيره.

(ثانيهما) انه لا فرق في حجية القطع الطريقي بين الحاصل من المقدمات العقلية وبين غيره.

٥٢

(اما الثاني) فسيأتي شرحه عند تعرض المصنف له.

(واما الأول) فالأصل فيه ما حكي عن كاشف الغطاء (قال الشيخ أعلى الله مقامه) الثالث قد اشتهر في ألسنة المعاصرين ان قطع القطاع لا اعتبار به ولعل الأصل في ذلك ما صرح به كاشف الغطاء قدس‌سره بعد الحكم بان كثير الشك لا اعتبار بشكه قال وكذا من خرج عن العادة في قطعه أو في ظنه فيلغو اعتبارهما في حقه (انتهى).

(فيقول المصنف) لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا وهي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ وحكم العقل بوجوب المتابعة بين أن يكون حاصلا من أسباب متعارفة ينبغي حصوله منها أو غير متعارفة لا ينبغي حصوله منها.

(قوله ضرورة ان العقل يرى تنجز التكليف بالقطع ... إلخ)

من هاهنا إلى قوله وعدم صحة الاعتذار بأنه حصل كذلك علة لعدم التفاوت في نظر العقل بين قطع القطاع وغيره في المنجزية عند الإصابة (كما ان) من قوله وعدم صحة المؤاخذة إلى قوله ولو مع التفاته إلى كيفية حصوله علة لعدم التفاوت بينهما في العذرية عند الخطأ.

(أقول)

ولو علل عدم التفاوت بينهما بكون المنجزية والعذرية أثران ذاتيا لا يكاد ينفكان عن القطع كما تقدم في ذيل حجية القطع كان أولى وأمتن.

(قوله نعم ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله ... إلخ)

استدراك عن عدم التفاوت في نظر العقل بين القطع الحاصل من سبب ينبغي حصوله منه وبين الحاصل من سبب لا ينبغي حصوله منه كما هو الحال غالبا في القطاع (وحاصل) الاستدراك انه نعم ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ

٥٣

موضوعا (فقد يكون) مطلق القطع مأخوذا في موضوع الحكم (وقد يكون) القطع الحاصل من سبب خاص أو من شخص خاص مأخوذا فيه (قال الشيخ أعلى الله مقامه) في أول حجية القطع (ما لفظه) وحكمه أي حكم القطع المأخوذ في الموضوع انه يتبع في اعتباره مطلقا أو على وجه خاص دليل ذلك الحكم الثابت الّذي أخذ العلم في موضوعه (فقد يدل) على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم به بمعنى انكشافه للمكلف من غير خصوصية للانكشاف كما في حكم العقل بحسن إتيان ما قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه وقبح ما يقطع بكونه مبغوضا فان مدخلية القطع بالمطلوبية أو المبغوضية في صيرورة الفعل حسنا أو قبيحا عند العقل لا يختص ببعض افراده وكما في حكم الشرع بحرمة ما علم انه خمر أو نجاسته بناء على ان الحرمة والنجاسة الواقعيين انما تعرضان مواردها بشرط العلم لا في نفس الأمر كما هو قول بعض (وقد يدل) دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاص أو شخص خاص مثل ما ذهب إليه بعض الأخباريين من عدم جواز العمل في الشرعيات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجيء وما ذهب إليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(فالمثال الأول) قد أخذ فيه مطلق القطع بمطلوبية شيء أو بمبغوضيته موضوعا لحكم العقل بحسنه الصدوري أو بقبحه الصدوري الّذي سبق تفصيله في التجري في قبال الحسن أو القبح الواقعي الّذي لا يكون مربوطا بالعلم والجهل أصلا

(والمثال الثاني) قد أخذ فيه مطلق القطع بخمرية شيء أو بنجاسته موضوعا لحكم الشرع بالحرمة على قول بعض.

(والمثال الثالث) قد أخذ فيه القطع الحاصل من سبب خاص أي من الكتاب والسنة موضوعا لحكم العقل بوجوب المتابعة على ما نسب إلى بعض الأخباريين

(والمثال الرابع) قد أخذ فيه القطع الحاصل من شخص خاص أي من

٥٤

القاضي لكن في غير حقوق الله موضوعا لحكم الشرع بوجوب عمله به وقضائه على طبقه على قول بعض.

(قوله وغيرها من الأمارات ... إلخ) أي وغير مناسبات الأحكام والموضوعات فاختلاف المقامات في عموم القطع الموضوعي وخصوصه قد يعرف بمناسبات الأحكام والموضوعات وقد يعرف بغيرها من الأمارات كالقرائن الحالية أو المقالية.

(قوله وبالجملة القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت ... إلخ) مقصوده من ذلك هو القطع الطريقي فانه الموضوع لحكم العقل بوجوب المتابعة أي وبالجملة القطع الطريقي لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ولا من حيث المورد أي الأمر المقطوع به ولا من حيث السبب الحاصل به القطع لا عقلا وهو واضح بعد ما تقدم من ان المنجزية والعذرية أثر آن ذاتيان للقطع لا يكاد ينفكان عنه ولا شرعا بعد ما تقدم من ان القطع مما لا تناله يد الجعل لا نفيا ولا إثباتا فتذكر.

(قوله وإن نسب إلى بعض الأخباريين أنه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية ... إلخ) شروع في الأمر الثاني من الأمرين الذين قد انعقد هذا الأمر السادس للتنبيه عليهما وهو عدم التفاوت في حجية القطع الطريقي بين ان كان حاصلا من المقدمات العقلية أم لا ووجه عدم التفاوت ما تقدم في وجه عدم الفرق بين قطع القطاع وغيره

(قوله إلّا ان مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ... إلخ) سوى ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه عن السيد الصدر في شرح الوافية في جملة كلام له في حكم ما يستقل به العقل (قال ما هذا لفظه) ان المعلوم هو انه يجب فعل شيء أو تركه أو لا يجب إذا حصل الظن أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم أو فعله أو تقريره لا انه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أي طريق كان (انتهى) فانه صريح في عدم حجية القطع

٥٥

بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما الحاصل من غير جهة النقل.

(نعم) ما حكى عن السيد الصدر في باب الملازمة هو أجنبي عن المقام جدا وانما هو في مقام منع الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع كما ذكره المصنف في المتن (واما ما حكاه المصنف) فيما سيأتي عن المحدث الأسترآبادي من كلماته الثلاث فمفاده عدم حجية الظن الغير الحاصل من كلامهم لا القطع (بل ظاهر) كلامه الأخير الّذي قاله في فهرست فصول فوائده الأول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه ووجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم عليهم‌السلام (ان الظن) مطلقا مما لا يجوز العمل به عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم ولو كان حاصلا من الاخبار والله العالم (واما ما حكى) عن المحدث الجزائري في أوائل شرح التهذيب وما حكى عن المحدث البحراني في مقدمات الحدائق المذكورين في رسائل شيخنا العلامة أعلى الله مقامه فهما غير ظاهرين في عدم حجية الحكم العقلي القطعي إن لم ندع ظهورهما في العقلي الغير القطعي (وعليه) فلا يبقى في البين سوى ما تقدم حكايته عن السيد الصدر في شرح الوافية فهو المساعد لما نسب إلى الأخباريين من عدم حجية القطع الحاصل من غير جهة النقل فتأمله جيدا.

(قوله الرابع ان كل مسلك غير ذلك المسلك ... إلخ) هذا هو الكلام الأول من الكلمات الثلاث التي حكاها المصنف عن المحدث الأسترآبادي.

(قوله وإذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول ... إلخ) هذا هو الكلام الثاني من الكلمات الثلاث التي حكاها المصنف عن المحدث الأسترآبادي واما الدقيقة الشريفة بزعم المحدث فقد حكاها الشيخ أعلى الله مقامه في الرسائل بطولها غير ان العمدة هو ذكر ما بعد الدقيقة ولم يذكره الشيخ وذكره المصنف.

٥٦

(قوله وأنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت ان مقتضاه ... إلخ)

هذا كلام المحدث الأسترآبادي لا كلام المصنف وذلك بقرينة ما سيأتي من قول المصنف انتهى موضع الحاجة من كلامه ... إلخ ومقصوده من الدليل المشار إليه هو ما استدل به الإمامية على وجوب المعصية.

(قوله الأول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية ... إلخ)

هذا هو الكلام الثالث للمحدث الأسترآبادي وقد نقلناه آنفا فلا تغفل.

(قوله وكيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقا ... إلخ)

أي سواء كان حاصلا للقطاع أو لغيره أو كان حاصلا من مقدمات عقلية أو من غيرها.

(قوله وكذا ترتب ساير آثاره عليه عقلا ... إلخ)

وهو العذرية عند الخطأ وذلك لما عرفت من ان آثار القطع ثلاثة حكم العقل بوجوب المتابعة والمنجزية عند الإصابة وقد أشار إليهما المصنف بقوله فلزوم اتباع القطع مطلقا وصحة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته ... إلخ فيبقى الأثر الثالث وهو العذرية عند الخطأ فأشار إليه بقوله هذا.

(قوله فلا بدّ فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة ... إلخ)

(قال الشيخ أعلى الله مقامه) ما هذا لفظه فان قلت لعل نظر هؤلاء في ذلك يعني به الأخباريين فيما نسب إليهم من عدم حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية إلى ما يستفاد من الأخبار مثل قولهم عليهم‌السلام حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا وقولهم عليهم‌السلام ولو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وحج دهره وتصدق بجميع ماله ولم يعرف ولاية ولي الله فيكون أعماله بدلالته فيواليه ما كان له على الله الثواب وقولهم عليهم‌السلام من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا إلى غير ذلك (انتهى).

(فيقول المصنف) لا بد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة يعني به الأخبار

٥٧

المذكورة من المنع عن حصول العلم التفصيليّ بالحكم الفعلي لا انه بعد فرض حصوله أحيانا لم يجب اتباعه شرعا.

(أقول)

بل لا يبعد حمل الخبر الثاني على اشتراط مقبولية الأعمال بولاية ولي الله فعدم قبول قيام الليل ولا صيام النهار ولا حج الدهر ولا التصدق بجميع الأموال انما هو من جهة عدم ولايتهم لا من جهة الموضوعية لدلالتهم وانه لا حجية للقطع بالحكم الشرعي الحاصل من غير سماع منهم إذا فرض حصوله أحيانا فافهم جيدا.

(قوله عن حصول العلم التفصيلي ... إلخ)

وجه التقييد بالتفصيلي ان منجزية العلم الإجمالي كما سيأتي تفصيلها في الأمر الآتي هي محل الكلام بخلاف العلم التفصيليّ.

(قوله بالحكم الفعلي ... إلخ)

وجه التقييد بالفعلي ان الحكم الإنشائيّ مما لا أثر له ولو فرض تعلق العلم التفصيليّ به

(قوله العقلي ... إلخ)

أي الحاصل من المقدمات العقلية.

(قوله لأجل منع بعض مقدماته الموجبة له ولو إجمالا ... إلخ)

أي لأجل المنع ولو إجمالا عن بعض المقدمات الموجبة للعلم التفصيليّ بالحكم الفعلي العقلي.

في منجزية العلم الإجمالي

(قوله الأمر السابع انه قد عرفت كون القطع التفصيلي ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر السابع هو التكلم حول العلم الإجمالي وفيه مقامات من الكلام.

٥٨

(الأول) في منجزيته للتكليف كالعلم التفصيليّ.

(الثاني) في سقوط التكليف به وبعبارة أخرى في كفاية الامتثال الإجمالي أي الاحتياط بإتيان أطراف العلم الإجمالي مع تيسر تحصيل العلم التفصيليّ.

(اما المقام الثاني) فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له بقوله واما سقوطه به ... إلخ.

(واما المقام الأول) فحاصل الكلام فيه ان العلم الإجمالي (هل هو) كالعلم التفصيليّ علة تامة لتنجز التكليف به فكما ان العلم التفصيليّ إذا تعلق بتكليف إلزامي لم يمكن الترخيص في ترك العمل به ولذا تقدم مشروحا انه مما لا تناله يد الجعل نفيا كما لا تناله إثباتا وان لم يسبق بلفظ العلية التامة فكذلك العلم الإجمالي إذا تعلق بوجوب أحد الأمرين أو بحرمته لم يمكن الترخيص في أطرافه لا كلا ولا بعضا بأن يرخص في ترك كلا الأمرين جميعا أو في ترك بعضهما معينا أو على البدل أو يرخص في فعل كلا الأمرين جميعا أو في فعل بعضهما معينا أو على البدل (أم لا) بل يمكن الترخيص في أطرافه فليس العلم الإجمالي كالعلم التفصيليّ علة تامة لتنجز التكليف به بل هو مؤثر في التنجيز بنحو الاقتضاء بمعنى انه قابل للترخيص في أطرافه كلا وبعضا فان لم يرد ترخيص من الشرع في أطرافه لا كلا ولا بعضا بان لم يكن لنا أصل عملي يصلح بدليله للجريان فيها أثر العلم الإجمالي في التنجيز لا محالة وإلّا فيمنعه الأصل العملي عن التأثير في التنجيز (أم يفصل) فيكون علة تامة للتنجيز بالنسبة إلى المخالفة القطعية فلا يمكن الترخيص في أطرافه كلا ليحصل القطع بالمخالفة ويكون مقتضيا للتنجيز بالنسبة إلى الموافقة القطعية فيمكن الترخيص في بعض أطرافه بأن لا يحصل القطع بالموافقة وإن حصلت الموافقة الاحتمالية بمراعاة بعض الأطراف دون بعض (وجوه) بل أقوال (أقواها) الثاني كما اختاره المصنف في المتن وإن رجع إلى الأول في تعليقته على الكتاب لدى التعليق على قوله لا في العلية التامة (وقد استدل) لمختاره في المتن بقوله لا يبعد ان يقال إن التكليف

٥٩

حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف ... إلخ (وحاصله) ان العلم الإجمالي وان كان هو كشفا كالعلم التفصيليّ ولكن لا ينكشف به التكليف تمام الانكشاف مثل ما ينكشف بالعلم التفصيليّ بل مرتبة الحكم الظاهري وإن شئت قلت موضوع الحكم الظاهري وهو الشك والجهل محفوظة مع العلم الإجمالي في كل طرف من الأطراف بالخصوص فلا يعلم ان هذا واجب أو ذاك أو ان هذا حرام أو ذاك فلا مانع من الإذن في المخالفة الاحتمالية بالترخيص في بعض الأطراف بل في المخالفة القطعية بالترخيص في تمام الأطراف.

(أقول)

وهذا الاستدلال مما لا يخلو عن ضعف فان مجرد عدم انكشاف التكليف بالعلم الإجمالي تمام الانكشاف وبقاء الشك والجهل في كل طرف من الأطراف بالخصوص مما لا يسوغ الإذن في الأطراف كلا أو بعضا لجواز دعوى لزوم المناقضة مع التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال أو لزوم احتمالها المحال (فالصحيح) ان يستدل عليه بالجواب عن المناقضة التي هي مدرك الوجه الأول وهو كون العلم الإجمالي منجزا للتكليف بنحو العلية التامة فإذا أجبنا عن المناقضة فقد سلمنا من الوجه الأول بل ومن الوجه الثالث أيضا فانه وإن وافق الثاني في جواز الترخيص في بعض الأطراف ولكنه قد وافق الأول في عدم جواز الترخيص في تمام الأطراف فإذا ثبت بطلان الأول ثبت بطلانه قهرا.

(وقد أشار المصنف) إلى الجواب عن المناقضة بقوله في المتن ومحذور مناقضته مع المقطوع إجمالا ... إلخ (وحاصله) هو النقض بجواز الترخيص في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي الغير المحصورة التي ستعرف تفصيلها في بحث الاشتغال إن شاء الله تعالى وان عدم وجوب الاجتناب فيها هو امر متسالم عليه بين الأصحاب فما به التفصي عن محذور المناقضة هناك كان به التفصي في المقام أيضا بل النقض بجواز الترخيص في الشبهات البدوية أيضا فإن التكليف فيها مشكوك

٦٠