عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

مهملة إلى الآخر بلا معمم يعممها أو مخصص يخصصها فلا يكاد يقول به أحد إذ يئول ذلك إلى لغوية دليل الانسداد رأساً (ثم إن هذا كله) مقتضي ما يظهر من صدر عبارة الشيخ في عنوان البحث حيث جعل في قبال القول بإهمال النتيجة القول بكليتها (وهو كما ترى ضعيف) إذ ليس في المسألة قولان لا غيرهما قول بالإهمال وقول بالكلية بل وفيها قول ثالث أيضاً وهو كون النتيجة جزئية مختصة ببعض الأسباب أو ببعض الموارد أو ببعض المراتب لا مهملة ولا كلية (وعليه) فالأولى أن يجعل في قبال القول بإهمال النتيجة القول بعدم إهمالها أي بتعيينها سواء كانت كلية أو جزئية (وقد أجاد) أعلى الله مقامه في تعبيره الأخير حيث قال فهنا مقامات الأول في كون نتيجة دليل الانسداد مهملة أو معينة ... إلخ فجعل التعيين مطلقاً في قبال الإهمال (وعلى كل حال) الصحيح في عنوان البحث ان يقال هكذا هل النتيجة مهملة بحيث تحتاج إلى معمم لها أو مخصص لها أو معينة لا تحتاج إلى شيء سواء كانت كلية أو جزئية.

(فيقول المصنف) إن بناء على تقرير المقدمات على نحو الحكومة لا إهمال في النتيجة أصلا لا سبباً ولا مورداً ولا مرتبة إذ لا يعقل تطرق الإهمال في حكم العقل بحيث يشتبه عليه سعة حكمه وضيقه.

(فبالنسبة إلى الأسباب) تكون كلية إذ لا تفاوت في نظره بين سبب وسبب (واما بالنسبة إلى الموارد) فجزئية معينة حيث يستقل العقل بحجية الظن وإن شئت قلت بكفاية الإطاعة الظنية في خصوص ما ليس للشارع فيه مزيد اهتمام واما فيما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج والدماء بل وساير حقوق الناس من الأموال وغيرها فيستقل العقل بوجوب الاحتياط فيها.

(واما بالنسبة إلى المرتبة) فجزئية أيضاً معينة حيث يستقل العقل بحجية مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً بنفي التكليف فيرفع اليد عنده عن الاحتياط واما إذا كان الظن بنفيه عادياً لا اطمئنانياً فيجب الاحتياط بمراعاة احتمال التكليف

٣٤١

ولو كان موهوماً نعم إذا لم يكف هذا المقدار من رفع اليد عن الاحتياط في دفع العسر فيرفع اليد عنه في مطلق ما قام الظن بنفي التكليف ولو كان عادياً أي في مطلق الموهومات.

(أقول)

إن قلنا ان مقتضي مقدمات الانسداد هو التبعيض في الاحتياط كما عرفت شرحه مفصلا فما ادعاه المصنف هنا من التنزل إلى خصوص مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً بنفي التكليف هو في محله إذ مرجعها حينئذ إلى الاحتياط في المظنونات والمشكوكات وبعض الموهومات أي التي كان الظن العادي على نفي التكليف ورفع اليد عن الاحتياط لدفع العسر في خصوص الموهومات التي كان الظن الاطمئناني على نفي التكليف (واما إذا قلنا) ان مقتضاها هو حجية الظن كما هو مفروض البحث ولو كان الفرض فاسداً فلا وجه للتنزل إلى خصوص مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً بنفي التكليف بل نتنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن مطلقاً ولو كان متعلقاً بثبوت التكليف إلّا إذا لم يكن الظن الاطمئناني بمقدار وأف فنتعدى إلى الأقرب إليه لا إلى مطلق الظن (هذا كله مختار المصنف) في إهمال النتيجة وعدمه بناء على تقرير الحكومة.

(واما مختار الشيخ) على هذا التقرير فهو ان النتيجة كلية (سبباً) كما أفاد المصنف عيناً وهكذا كلية (مورداً) بدعوى انه لا فرق في نظر العقل في باب الإطاعة والعصيان بين واجبات الفروع من أول الفقه إلى آخره ولا بين محرماتها وهو كما ترى ضعيف لما عرفت من مزيد الاهتمام في باب الفروج والدماء ونحوهما (واما بحسب المرتبة) فهي جزئية على النحو الّذي أفاد المصنف أيضاً أي ان الحجة في خصوص الظن بنفي التكليف هو الاطمئناني منه وان كان الظاهر من إطلاق عبارته في المقام هو التنزل إلى الاطمئناني منه مطلقاً سواء كان متعلقاً بنفي التكليف أو بوجوده ولكن المستفاد من كلماته الشريفة بعد الفراغ عن المعمم

٣٤٢

الثالث هو التنزل إلى الاطمئناني منه في خصوص الظن بنفي التكليف لا مطلقاً فيكون نتيجته هو الاحتياط في المظنونات والمشكوكات وبعض الموهومات الا الموهومات التي كان الظن الاطمئناني فيها على نفي التكليف (وعليه) فيرد عليه حينئذ نفس ما أوردناه على المصنف عيناً (هذا تمام الكلام) في مختار المصنف والشيخ جميعاً في إهمال النتيجة وعدمه على تقرير الحكومة.

(قوله إلّا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف إلى آخره)

في بعض النسخ المطبوع أخيراً قد أسقطت كلمة بعدم التكليف (وعليه) فلا يبقى مجال لما أوردناه على المصنف من انه لا وجه للتنزل إلى خصوص مرتبة الاطمئنان من الظن إذا كان متعلقاً بنفي التكليف ولكن الظاهر ان هذا الإسقاط ليس من المصنف بقرينة قوله بعده الا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر ... إلخ فانه أقوى شاهد على ان المراد من قوله إلى مرتبة الاطمئنان من الظن هو الظن بعدم التكليف فانها التي جاز ان لا تكفي في دفع محذور العسر لا مرتبة الاطمئنان من الظن بوجود التكليف كما لا يخفى.

(قوله واما على تقرير الكشف فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه ... إلخ)

قد عرفت آنفاً مختار المصنف والشيخ جميعاً في إهمال النتيجة وعدمه على تقرير الحكومة (واما على تقرير الكشف) فحاصل مختار المصنف انه.

(تارة) نقول ان نتيجة المقدمات هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا بنفسه.

(وأخرى) نقول ان نتيجتها هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا ولو بطريقه أي بانسداد آخر.

(وثالثة) نقول إن نتيجتها هو استكشاف نصب الطريق إجمالا ولو لم يصل

٣٤٣

إلينا أصلا لا بنفسه ولا بطريقه وإن أمكن وصولنا إليه بالاحتياط كما ستعرف.

(فان قلنا) إن النتيجة هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا بنفسه (فلا إهمال) في النتيجة بالنسبة إلى الأسباب أصلا فالكل حجة إذا لم يكن بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار وأف وإلّا بان كان بينها متيقن الاعتبار كذلك فالحجة هي خصوص المتيقن منها دون ما سواه فيقتصر عليه (وهكذا الأمر) بالنسبة إلى الموارد فلا إهمال في النتيجة بل كلية ويكون الظن حجة في جميع المسائل الفقهية وإلّا لزم عدم الوصول إلينا ولو لأجل التردد والتحير (واما بحسب المرتبة) فالنتيجة مهملة لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني من الظن إذا كان وافياً دون ما سواه فيقتصر عليه أيضاً.

(وان قلنا) إن النتيجة هو استكشاف نصب الطريق الواصل إلينا ولو بطريقه أي بانسداد آخر (فلا إهمال) أيضاً في النتيجة بحسب الأسباب إذا لم يكن بينها تفاوت أصلا أو كانت الأسباب منحصرة بواحد ففي الأول كلية وفي الثاني جزئية وإلّا بان كانت الأسباب متفاوتة غير منحصرة بواحد فان كان بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار واف فيقتصر عليه وإلّا فنتعدى إلى مظنون الاعتبار بإجراء انسداد ثاني لحجية الظن بالاعتبار فان كان الظن بالاعتبار واحداً أو متعدداً غير متفاوت أو متفاوتاً باليقين بالاعتبار بمقدار وأف فهو وإلّا فنجري انسداد ثالث لحجية الظن في تعيين الظن بالاعتبار وهكذا إلى أن ينتهي الأمر بالأخرة اما إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة غير متفاوتة أو متفاوتة باليقين بالاعتبار بمقدار وأف فيقتصر عليه (واما بحسب الموارد والمراتب) فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه فكلية بالنسبة إلى الموارد ومهملة بالنسبة إلى المراتب

(وان قلنا) إن النتيجة هو استكشاف نصب الطريق إجمالا ولو لم يصل إلينا أصلا لا بنفسه ولا بطريقه أي بانسداد آخر فالنتيجة مهملة لا محالة سبباً ومورداً ومرتبة ولا محيص حينئذ في وصولنا إليه من الاحتياط التام في أطراف

٣٤٤

الطرق فنأخذ بكل ما احتمل طريقيته سواء كان مظنون الطريقية أو مشكوك الطريقية أو موهوم الطريقية إذا لم يكن بينها متيقن الاعتبار بمقدار وأف ولم يلزم من الاحتياط فيها محذور العسر أو اختلال النظام وإلّا فان كان بينها متيقن الاعتبار بمقدار وأف فالأخذ به متعين وان كان عبارة المصنف قاصرة عن تأدية هذا المعنى وإلّا بأن لم يكن بينها المتيقن بمقدار وأف ولزم المحذور من الاحتياط التام فيها فيجب عند ذلك التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال أي إلى ما حكم به العقل في مقام الامتثال كما صرح به في تعليقته على الرسائل من الاكتفاء بالإطاعة الظنية ورفع اليد حينئذ عن الكشف نظراً إلى ان استكشاف الطريق ولو لم يصل إلينا أصلا مع فرض عدم المتيقن بمقدار وأف ولزوم المحذور من الاحتياط التام في الطرق مما لا يثمر شيئاً بل يئول إلى لغوية الانسداد رأساً فنضطر حينئذ إلى التنزل إلى ما حكم به العقل واستقل به اللب (هذا كله ملخص كلام المصنف) على تقرير الكشف (ولا يخفى) انه لم يعين الوظيفة بناء على الطريق ولو لم يصل أصلا بالنسبة إلى الموارد والمراتب وأهملهما رأساً وكأنه غفل عنهما (واما مختار الشيخ) على الكشف فحاصله ان النتيجة كلية بحسب المورد بدعوى الإجماع القطعي على ان العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه ومهملة بحسب الأسباب والمرتبة فتدبر جيداً.

(أقول)

إن التفصيل بين الطريق الواصل بنفسه والطريق الواصل بطريقه والطريق ولو لم يصل إلينا أصلا ليس عنه في كلام الشيخ أعلى الله مقامه ومن تقدم عليه عين ولا أثر وانما هو شيء أحدثه المصنف قدس‌سره بل حكى عن بعض الأعاظم من تلامذة المصنف أن هذا التفصيل أصله من والدي رحمه‌الله قد ألقاه عليه في مجلس الدرس من قبل طبع الكفاية وتأليفها بمدة فارتضاه المصنف وأدرجه في الكتاب (وعلى كل حال) بعد الغض عما في هذا التفصيل ان في مختار المصنف على تقرير

٣٤٥

الكشف وتحقيقه في كل من الواصل بنفسه أو بطريقه أو ولو لم يصل أصلا مواقع للنظر ولعلها تظهر بالتدبر وإمعان النّظر من غير حاجة إلى إطالة الكلام بمزيد النقض والإبرام سيما مع كون البحث هاهنا قليل نفعه غير جليل فائدته فالإعراض عنه أولى.

(قوله ودعوى الإجماع على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جداً ... إلخ)

هذا رد على الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد تقريري الكشف والحكومة (ما لفظه) ثم إن هذين التقريرين مشتركان في الدلالة على التعميم من حيث الموارد يعني المسائل إذ على الأول يدعي الإجماع القطعي على ان العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه وعلى الثاني يقال إن العقل مستقل بعدم الفرق في باب الإطاعة والمعصية بين واجبات الفروع من أول الفقه إلى آخره ولا بين محرماتها كذلك انتهى

(فيقول المصنف) إن النتيجة بحسب الموارد كلية على الطريق الواصل بنفسه لكنه من جهة كون التردد في مواردها مما ينافي الوصول كما لا يخفى لا من جهة الإجماع القطعي على التعميم فان المسألة مستحدثة جداً لا يحصل فيها اتفاق الجميع كي يستكشف به رأي الإمام عليه‌السلام.

(قوله وهم ودفع لعلك تقول ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ... إلخ)

(وحاصل الوهم) انه تقدم على الكشف والطريق الواصل بنفسه وهكذا على الطريق الواصل بطريقه انه لا إهمال في النتيجة بحسب الأسباب لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار وأف وهكذا تقدم على الطريق ولو لم يصل أصلا ان النتيجة مهملة فلا بدّ من الاحتياط التام في أطراف الطرق ما لم يكن بينها متيقن الاعتبار أي بمقدار وأف ولم يلزم منه محذور وحينئذ قد يقال انه ما معنى هذا الظن المتيقن الاعتبار بمقدار وأف إذ لو كان في الظنون ظن متيقن الاعتبار بمقدار وأف

٣٤٦

لمنع ذلك عن دليل الانسداد من أصله كيف ومن مقدماته انسداد باب العلمي بمعظم الأحكام وهو الظن المعلوم اعتباره المعبر عنه بالظن الخاصّ (وقد أفاد الشيخ) أعلى الله مقامه في دفع هذا التوهم ما حاصله ان المراد من اليقين بالاعتبار هو اليقين بالاعتبار من ناحية الانسداد والمراد من الظن الخاصّ الّذي ينافي الانسداد هو الظن المعلوم اعتباره مع قطع النّظر عن الانسداد (قال) في صدر المقام الثاني عند الشروع في المعمم الأول (ما لفظه) وقد يتوهم ان هذا المقدار المتيقن حينئذ من الظنون الخاصة للقطع التفصيليّ بحجيته لاندفاعه بأن المراد من الظن الخاصّ ما علم حجيته بغير دليل الانسداد فتأمل (انتهى) (ثم إن) ظاهر قول المصنف في مقام الدفع لكنك غفلت عن ان المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله ... إلخ هو عين ما أفاده الشيخ في المقام (ولكن الظاهر) من قوله لأجل اليقين بأنه لو كان شيء حجة شرعاً كان هذا الشيء حجة قطعاً بداهة ان الدليل على أحد المتلازمين انما هو الدليل على الآخر لا الدليل على الملازمة ... إلخ ان مقصوده من اليقين بالاعتبار في المقام هو اليقين التقديري أي لو كان شيء حجة شرعاً كان هذا حجة قطعاً وان مجرد الملازمة مما لا يوجب اليقين التنجيزي كي ينافي الانسداد بداهة ان الدليل على أحد المتلازمين كضوء العالم انما هو الدليل على الآخر كوجود النهار لا الدليل على الملازمة أي كلما كان العالم مضيئاً فالنهار موجود (وفيه ما لا يخفى) فان الدليل في المقام وهو الانسداد قائم على أحد المتلازمين وهو كون شيء حجة شرعاً فيكون دليلا على الآخر قهراً وهو كون هذا حجة قطعاً لا قائم على مجرد الملازمة (وان شئت قلت) ان اليقين بالاعتبار في المقام تنجيزي غير انه حصل من ناحية الانسداد لا تقديري (وعليه) فالحق في مقام الدفع هو ما أفاده الشيخ كما عرفت آنفاً (هذا) مضافاً إلى ان اليقين بالاعتبار هنا لو كان تقديرياً فالمتيقن بالاعتبار لا يكون أمراً آخر غير مظنون الاعتبار فلما ذا قد عطف المصنف في الطريق الواصل بطريقه مظنون الاعتبار على متيقن الاعتبار (حيث قال) وإلّا

٣٤٧

فلا بدّ من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه بإجراء مقدمات دليل الانسداد ... إلخ.

في معممات النتيجة سبباً ومرتبة بناء على

الكشف والإهمال

(قوله ثم لا يخفى ان الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره ... إلخ)

ولتوضيح المقام لا بد من تمهيد مقدمة وهي ان الشيخ أعلى الله مقامه (لما اختار) كما تقدم ان النتيجة على الكشف كلية بحسب الموارد يعني بها المسائل الفقهية بدعوى الإجماع القطعي على ان العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه وانها مهملة بحسب الأسباب والمرتبة (ذكر من القوم) للتعميم من جهة الأسباب والمرتبة وجوهاً (قال) في صدر المقام الثاني (ما لفظه) اما على تقدير كون العقل كاشفاً عن حكم الشارع بحجية الظن في الجملة فقد عرفت ان الإهمال بحسب الأسباب والمرتبة ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه.

(الأول) عدم المرجح لبعضها على بعض فيثبت التعميم لبطلان الترجيح بلا مرجح والإجماع على بطلان التخيير والتعميم بهذا الوجه يحتاج إلى ذكر ما يصلح أن يكون مرجحاً وإبطاله (إلى ان قال) إذا تمهد فنقول ما يصلح أن يكون معيناً أو مرجحاً أحد أمور ثلاثة.

(الأول) كون بعض الظنون متيقناً بالنسبة إلى الباقي بمعنى كونه واجب العمل قطعاً على كل تقدير فيؤخذ به ويطرح الباقي للشك في حجيته.

(إلى ان قال الثاني) كون بعض الظنون أقوى من بعض فيتعين العمل عليه

٣٤٨

(إلى ان قال الثالث) كون بعض الظنون مظنون الحجية فانه في مقام دوران الأمر بينه وبين غيره يكون أولى من غيره إما لكونه أقرب إلى الحجية من غيره (إلى ان قال) وإما لكونه أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع (إلى ان قال) هذه غاية ما يمكن ان يقال في ترجيح بعض الظنون على بعض لكن نقول ان المسلم من هذه في الترجيح لا ينفع والّذي ينفع غير مسلم كونه مرجحاً (قال توضيح ذلك) هو ان المرجح الأول وهو تيقن البعض بالنسبة إلى الباقي وان كان من المرجحات بل لا يقال له المرجح لكونه معلوم الحجية تفصيلا وغيره مشكوك الحجية فيبقى تحت الأصل لكنه لا ينفع لقلته وعدم كفايته لأن القدر المتيقن من هذه الأمارات هو الخبر الّذي زكي جميع رواته بعدلين ولم يعمل في تصحيح رجاله ولا في تمييز مشتركاته بظن أضعف نوعاً من ساير الأمارات الآخر ولم يوهن لمعارضة شيء منها وكان معمولا به عند الأصحاب كلا أو جلا مفيداً للظن الاطمئناني بالصدور (إلى ان قال واما المرجح الثاني) وهو كون بعضها أقوى ظناً من الباقي ففيه ان ضبط مرتبة خاصة له متعسر أو متعذر لأن القوة والضعف إضافيان وليس تعارض القوي مع الضعيف هنا في متعلق واحد حتى يذهب الظن من الأضعف ويبقى في الأمارة الأخرى نعم يوجد مرتبة خاصة وهو الظن الاطمئناني الملحق بالعلم حكماً بل موضوعاً لكنه نادر التحقق (قال علي ان) كون القوة معينة للقضية المجملة محل منع إذ لا يستحيل ان يعتبر الشارع في حال الانسداد ظناً يكون أضعف من غيره كما هو المشاهد في الظنون الخاصة فانها ليست على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة (إلى ان قال) واما المرجح الثالث وهو الظن باعتبار بعض فيؤخذ به لأحد الوجهين المتقدمين يعني بهما إما لكون مظنون الحجية اقرب إلى الحجية من غيره أو اقرب إلى إحراز مصلحة الواقع (ففيه) مع ان الوجه الثاني لا يفيد لزوم التقديم بل أولويته ان الترجيح على هذا الوجه يعني به الوجه الثاني كما ستعرف يشبه الترجيح بالقوة والضعف في ان مداره على الأقرب إلى الواقع وحينئذ فإذا

٣٤٩

فرضنا كون الظن الّذي لم يظن بحجيته أقوى ظناً بمراتب من الظن الّذي ظن حجيته فليس بناء العقلاء على ترجيح الثاني فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصة وعدم وجود ضابطة كلية بحيث يؤخذ بها في ترجيح الظن المظنون الاعتبار نعم لو فرض تساوي أبعاض الظنون دائماً من حيث القوة والضعف كان ذلك المرجح بنفسه منضبطاً ولكن الفرض مستبعد بل مستحيل (إلى ان قال) واما الوجه الأول المذكور في تقريب ترجيح مظنون الاعتبار على غيره.

(ففيه أولا) انه لا أمارة تفيد الظن بحجية أمارة على الإطلاق يعني بذلك انه لا أمارة لنا تكون هي مظنونة الاعتبار على وجه الإطلاق فان الأمارات التي تفيد الظن بحجية أمارة هي مختلفة جداً فبعضها يعتبر شيئاً في حجيتها وبعضها شيئاً آخر وهكذا.

(إلى ان قال وثانياً) انه لا دليل على اعتبار مطلق الظن في مسألة تعيين هذا الظن المجمل.

(أقول)

لا يخفى انه إذا تم بطلان المرجح الأول بمعنى عدم كفايته وتم بطلان هذا المرجح الثالث ثبت التعميم بالنسبة إلى الأسباب وإذا ثبت بطلان المرجح الثاني ثبت التعميم بالنسبة إلى المرتبة والظاهر ان إليه ناظر قول الشيخ فيما تقدم ويذكر للتعميم من جهتهما وجوه ... إلخ وإلّا فالمعمم الثاني والثالث كما ستعرفهما راجعان إلى الأسباب فقط دون المرتبة (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد قوله المتقدم وثانياً انه لا دليل على اعتبار مطلق الظن ... إلخ ساق كلاماً طويلا (إلى ان قال).

(الثاني) من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية ثم أفاد في وجه ذلك (ما ملخصه) انهم اعترفوا بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه بأن مقتضي القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار على مظنون الاعتبار ثم على المشكوك ثم يتعدى إلى الموهوم لكن الظنون المظنونة الاعتبار

٣٥٠

غير كافية إما بأنفسها بناء على انحصارها في الاخبار الصحيحة بتزكية عدلين وإما لأجل العلم الإجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني المرادة منها ووجود مخصصاتها ومقيداتها والقرائن لمجازاتها في الظنون المشكوكة الاعتبار (فلا بدّ) بمقتضى قاعدة الانسداد ولزوم المحذور من الرجوع إلى الأصول من التعدي إلى الظنون المشكوكة الاعتبار التي دلت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار فيعمل بما هو مشكوك الاعتبار مما هو مخصص لعمومات مظنون الاعتبار ومقيد لإطلاقاته وقرائن لمجازاته فإذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ثبت وجوب العمل لغيرها مما ليس فيها معارضة لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار بالإجماع المركب بل بالأولوية القطعية لأنه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الّذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار فالعمل بما ليس له معارض أولى (ثم نقول) بعين ذلك كله في التعدي إلى موهوم الاعتبار أيضاً طابق النعل بالنعل (ثم أورد عليه الشيخ) أعلى الله مقامه (بما هذا لفظه) ففيه.

(أولا) انه مبني على زعم كون مظنون الاعتبار منحصراً في الخبر الصحيح بتزكية عدلين وليس كذلك بل الأمارات الظنية من الشهرة وما دل على اعتبار قول الثقة مضافاً إلى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النّفس من الروايات وفي تشخيص أحول الرواة يوجب الظن القوي بحجية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد والخبر الموثق والضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية ومن المعلوم كفاية ذلك وعدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الأمارة إلى الأصول.

(وثانياً) ان العلم الإجمالي الّذي ادعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار ومن المعلوم ان العمل بها لأجل ذلك لا يوجب التعدي إلى ما ليس فيه هذه العلة أعني مشكوكات الاعتبار الغير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار (إلى ان قال)

٣٥١

ودعوى الإجماع لا يخفى ما فيها لأن الحكم بالحجية في القسم الأول لعلة غير مطردة في القسم الثاني حكم عقلي فعلم بعدم تعرض الإمام عليه‌السلام له قولا ولا فعلا الا من باب تقرير حكم العقل والمفروض عدم جريان حكم العقل في غير مورد العلة وهي وجود العلم الإجمالي ومن ذلك يعرف الكلام في دعوى الأولوية فإن المناط في العمل بالقسم الأول إذا كان هو العلم الإجمالي فكيف يتعدى إلى ما لا يوجد فيه المناط فضلا عن كونه أولى (إلى ان قال).

(الثالث) من طرق التعميم ما ذكره بعض مشايخنا طاب ثراه من قاعدة الاشتغال بناء على ان الثابت من دليل الانسداد وجوب العمل بالظن في الجملة فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب العمل بكل ظن (إلى ان قال) ولكن فيه ان قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية كما إذا اقتضى الاحتياط في الفرع وجوب السورة وكان ظن مشكوك الاعتبار على عدم وجوبها فانه يجب مراعاة قاعدة الاحتياط في الفروع وقراءة السورة لاحتمال وجوبها ولا ينافيه الاحتياط في المسألة الأصولية (انتهى) هذا كله ملخص الكلام في المعممات الثلاثة التي ذكروها لتعميم جهتي الأسباب والمرتبة جميعاً وظاهر الشيخ أعلى الله مقامه هو تسليم المعمم الأول وإن أورد على كل من المعمم الثاني والثالث بما تقدم وعرفت.

(واما المصنف) فهو لم يتعرض المعمم الثاني من أصله.

(كما ان المعمم الثالث) سيأتي تعرضه له في أواخر البحث.

(واما المعمم الأول) فقد عرفت ان التعميم به مما يبتني على إبطال المرجحات الثلاثة وهي كون بعض الظنون متيقناً بالنسبة إلى الباقي وكون بعض الظنون أقوى من بعض وكون بعض الظنون مظنون الحجية.

(اما المرجح الأول) فلم يتعرضه في المقام سوى ما أشار إليه في ضمن كلماته السابقة بقوله لو لم يكن بينها ما هو المتيقن ... إلخ أو بقوله فلا بدّ من

٣٥٢

الاقتصار على متيقن الاعتبار منها ... إلخ ونحو ذلك.

(واما المرجح الثالث) وهو الظن باعتبار بعض الظنون فحاصل كلامه فيه انه مما يوجب اليقين بالاعتبار على الطريق الواصل بنفسه وإلّا يلزم عدم الوصول كما لا يخفى (وقد تقدم منه) انه على الطريق الواصل بنفسه لا إهمال في النتيجة بحسب الأسباب فالكل حجة لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار فإذا ادعى في المقام ان الظن بالاعتبار مما يوجب اليقين بالاعتبار فقهراً تكون النتيجة على الطريق الواصل بنفسه جزئية بحسب الأسباب لا كلية بمعنى انه تختص الحجية بمتيقن الاعتبار ولو من ناحية الانسداد دون غيره.

(واما المرجح الثاني) وهو كون بعض الظنون أقوى من بعض فهو أيضاً كالظن بالاعتبار مما يوجب اليقين بالاعتبار على الطريق الواصل بنفسه (وإليه أشار) بقوله الآتي ومن هنا ظهر حال القوة ... إلخ فقهراً تكون النتيجة على الطريق الواصل بنفسه جزئية أيضاً بحسب المرتبة لا كلية بمعنى انه تختص الحجية بالمرتبة القوية من الظن دون غيرها (وإن تقدم منه) قبلا ان النتيجة مهملة بحسب المرتبة على الطريق الواصل بنفسه (فقال) واما بحسب المرتبة ففيها إهمال لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافياً فلا بدّ من الاقتصار عليه ... إلخ (هذا كله) حال السبب والمرتبة على الطريق الواصل بنفسه واما على غيره فقد تقدم كلام المصنف فيه فلا نعيد.

(قوله ولعل نظر من رجح بهما إلى هذا الفرض وكان منع شيخنا العلامة أعلى الله مقامه ... إلخ)

هذا بعيد جداً لما عرفت من ان التفصيل بين الطريق الواصل بنفسه والطريق الواصل بطريقه والطريق ولو لم يصل أصلا لم يكن عنه في كلام الشيخ أعلى الله مقامه ومن تقدم عليه عين ولا أثر وانما هو شيء أحدثه المصنف ومعه كيف يمكن التوفيق بين كلام من رجح بالظن بالاعتبار ورجح بالقوة وبين كلام من منع عن الترجيح

٣٥٣

بهما كالشيخ أعلى الله مقامه بما ذكره المصنف من ان نظر المرجح بهما إلى فرض الطريق الواصل بنفسه وان نظر المانع عن الترجيح بهما إلى فرض الطريق الواصل ولو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا.

(قوله واما تعميم النتيجة بان قضية العلم الإجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه ... إلخ)

رد على المعمم الثالث المتقدم آنفاً (وحاصله) ان التعميم بقاعدة الاحتياط انما يتم على القول بكون النتيجة هي نصب الطريق ولو لم يصل أصلا كما تقدم واما على القول بنصب الطريق الواصل بنفسه أو بطريقه فقد عرفت التفصيل فيه من دون وجوب الاحتياط في الطرق أصلا.

(قوله مع ان التعميم بذلك لا يوجب العمل الا على وفق المثبتات من الأطراف ... إلخ)

هذا رد ثاني على المعمم الثالث وقد أخذه المصنف من الجواب المتقدم للشيخ (وحاصله) ان التعميم بقاعدة الاحتياط مما لا يوجب إلّا العمل بالطرق المثبتة للتكليف لا الطرق النافية فان الاحتياط في الطرق لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا وجب كما إذا اقتضى الاحتياط فيها وجوب السورة بأن لم نقل بالبراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين فانه لا ينافي الاحتياط فيها مع الاحتياط في الطرق كيف ويجوز الاحتياط في المسألة الفرعية حتى مع قيام الحجة المعتبرة بالخصوص على نفي التكليف فكيف مع قيام طريق لا نقطع باعتباره الا من جهة كونه من أطراف العلم الإجمالي بنصب الطريق في الجملة.

(قوله الا فيما إذا كان هناك ناف من جميع الأصناف ... إلخ)

بأن قام جميع أصناف الأمارات والأسباب المفيدة للظن على نفي وجوب السورة في المثال المتقدم فحينئذ يجوز رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية والسر فيه انه إذا قام جميع الأصناف على النفي فيكون في ضمنه الطريق المعلوم نصبه بالإجمال

٣٥٤

فتكون الحجة قائمة على نفي التكليف فلا يجب الاحتياط معه وان جاز الاحتياط مع ذلك عقلا بل يحسن ما لم يحصل القطع بنفي التكليف واقعاً.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف الرد الثاني فان القائل بالمعمم الثالث لم يعلم منه القول بالاحتياط حتى في النافيات كي يتوجه إليه هذا الرد (وعليه) فينحصر الجواب عنه بالرد الأول فقط دون غيره.

في إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة

(قوله فصل قد اشتهر الإشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة ... إلخ)

(وحاصل الكلام) في هذا الفصل انه إذا قلنا بالانسداد على تقرير الكشف وعممنا النتيجة بأحد المعممات السابقة فلا إشكال من ناحية خروج القياس عن عموم النتيجة فان الأدلة القائمة على حرمة العمل بالقياس مما يوجب لنا ان نستكشف بمقدمات الانسداد نصب طريق ما سوى القياس المحرم (واما إذا قلنا) بالانسداد على تقرير الحكومة وان العقل مما يستقل في الحكم بحجية الظن في حال الانسداد كحكمه بحجية العلم في حال الانفتاح فيقع الإشكال حينئذ من ناحية خروج القياس عن تحت عموم حكم العقل بحجية الظن وانه كيف يخرج عن تحت عمومه مع ان حكم العقل مما لا يخصص ورفع حكمه عن موضوعه مما لا يمكن إلّا إذا انتفى الموضوع فينتفي الحكم بانتفائه أو خرج الفرد عن تحت الحكم موضوعاً فيسمى بالتخصص (والسر) في عدم جواز تخصيص حكم العقل كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه هو لزوم التناقض فان العقل إذا حكم حكماً عاماً بنحو يشمل هذا الفرد بعينه ثم خصصنا حكمه ورفعناه عن هذا الفرد لزم التناقض بين حكمه وبين التخصيص وهذا بخلاف التخصيص

٣٥٥

في العمومات اللفظية فان التناقض فيها صوري لا جدي وحكم العقل ليس من قبيل اللفظ كي يعقل فيه التناقض الصوري (قال) أعلى الله مقامه في ذيل تقرير الإشكال (ما هذا لفظه) وهذا من افراد ما اشتهر من ان الدليل العقلي لا يقبل التخصيص ومنشؤه لزوم التناقض ولا يندفع إلّا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجاً عن الموضوع وهو التخصص وعدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية انما هو لكون العموم صورياً فلا يلزم الا التناقض الصوري (انتهى).

(قوله ويقبح على الآمر والمأمور التعدي عنه ... إلخ)

بمعنى انه لا يجوز مؤاخذة الشارع بأزيد من الإطاعة الظنية ولا يجوز اقتصار المكلف بما دونها وقد عرفت تفصيل ذلك في الكشف والحكومة فتذكر.

(قوله فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكناً جرى في غير القياس ... إلخ)

هذا لدى الحقيقة إشكال ثاني في المقام (وحاصله) انا إذا جوزنا النهي عن مثل القياس لجري احتمال ذلك في غير القياس أيضاً كالشهرة في الفتوى ونحوها غايته انه قد وصلنا النهي عن القياس ولم يصلنا النهي عن غيره فإذا احتملنا النهي عن غيره سقط العقل عن الاستقلال بحجيته قهراً ضرورة عدم اجتماع استقلاله في الحكم بحجيته مع احتمال النهي عنه شرعاً فانه من قبيل احتمال المتناقضين كما لا يخفى ولا دافع لاحتمال النهي عنه الا قبحه على الشارع في حال الانسداد فان احتمال صدور أمر ممكن ذاتاً عن الحكيم من قبيل مؤاخذة من لا ذنب له ونحوه مما لا يرتفع إلّا بقبحه عليه فيستحيل صدوره منه ووقوعه في الخارج وهذا واضح.

(قوله وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقاً على عدم نصب الشارع طريقاً وأصلا ... إلخ)

بل لهذا الإشكال وقع عظيم جداً وقد اهتم به الأصحاب اهتماماً شديداً حتى ان الشيخ أعلى الله مقامه قد ذكر من نفسه ومن غيره وجوهاً سبعة في دفعه (قال) بعد ما

٣٥٦

فرغ من الوجوه الآتية إن شاء الله تعالى هذه جملة ما حضرني من نفسي ومن غيري في دفع الإشكال وعليك بالتأمل في هذا المجال والله العالم بحقيقة الحال انتهى (وعلى كل حال) حاصل كلام المصنف في الجواب عن الإشكال بمزيد توضيح منا (انه كما لا إشكال) في ان الشارع إذا نصب طريقاً خاصاً لا يفيد الظن وفرض انه لا ينافي الانسداد لعدم كونه وافياً بمعظم الفقه فيجب متابعة هذا الطريق المنصوب في موارد قيامه وعدم الاعتناء بالظن بالخلاف الحاصل في مورده من أمارة أخرى نظراً إلى كون حكم العقل بحجية الظن معلقاً على عدم النصب وان معه ينتفي موضوعه ولا يبقى له حكومة واستقلال أصلا (فكذلك لا إشكال) مع النهي عن الظن الحاصل من سبب خاص حرفاً بحرف فيرتفع به موضوع حكم العقل ولا يبقى له حكومة واستقلال بالحجية أصلا نظراً إلى كون حكمه معلقاً على عدمه.

(أقول)

نعم حكم العقل بحجية الظن هو معلق على عدم النهي عن ظن حاصل من سبب خاص ولكن المصنف لم يبين السر في كونه معلقاً عليه ومجرد قياس النهي على النصب مما لا يجدي بعد كون القياس مع الفارق إذ مع النصب يتحقق العلمي في المسألة ولا حكم للعقل مع العلم أو العلمي فيها بخلاف النهي (ودعوى) ان النهي يستلزم النصب فيما كان في مورده أصل شرعي كما سيأتي من المصنف (انما يتم) إذا كان الأصل الشرعي مثبتاً للتكليف لا مطلقاً ولو كان نافياً وذلك لما تقدم من عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية على الانسداد (ومن هنا يظهر) انه لا وجه لتعجب المصنف كما سيأتي من تخصيصهم الإشكال بالنهي عن القياس بعد وجود الفرق بينه وبين نصب طريق غير مفيد للظن (وعليه) فالصحيح في وجه تعليق حكم العقل على عدم النهي ان يقال ان حكم العقل بحجية الظن في ظرف الانسداد ليس إلّا من جهة العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية وتنجزها عليه بسبب العلم الإجمالي بها وتعذر الاحتياط أو تعسره عليه ففي هذا الوعاء يحكم بمنجزية الظن عند

٣٥٧

الإصابة وعذريته عند الخطأ (ومن الواضح) ان مع نهي الشارع عن ظن خاص لا يكاد يحكم العقل بمنجزية ذلك الظن عند الإصابة بل إذا أصاب وفات تكليف من تلك التكاليف المعلومة بالإجمال بسبب ترك العمل به فهو في عهدة الشارع الّذي نهي عن اتباعه كما لا يكاد يحكم أيضاً بعذريته عند الخطأ بل إذا أخطأ وفات تكليف من تلك التكاليف المعلومة بالإجمال بسبب العمل به فهو في عهدة المكلف الّذي اتبعه مع نهي الشارع عنه فهذا هو السر في كون حكم العقل بحجية الظن معلقاً على عدم نهي الشارع عنه لا مجرد قياس النهي على النصب بعد ما عرفت وجود الفارق بينهما جداً فتدبر جيداً.

(قوله بداهة ان من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي ... إلخ)

قد عرفت ان هذا هو الفارق بين النصب والنهي فبالنصب يتحقق العلمي ولا حكم للعقل مع تحقق العلمي كما لا حكم له مع العلم أيضاً وهذا بخلاف النهي فلا يتحقق معه العلمي فقياس النهي على النصب بقوله والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلّا كنصب شيء ... إلخ قياس مع الفارق كما أشرنا.

(قوله بل هو يستلزم فيما كان في مورده أصل شرعي ... إلخ)

قد عرفت ان ذلك انما يتم إذا كان الأصل الشرعي الّذي في مورده مثبتاً للتكليف لا مطلقاً ولو كان نافياً فإذا اقتضى القياس عدم التكليف وكان في مورده استصحاب التكليف فالنهي عن القياس حينئذ يستلزم نصب هذا الاستصحاب المثبت واما إذا اقتضى القياس وجود التكليف وكان في مورده البراءة الشرعية المقتضية لنفي التكليف فالنهي عن القياس مما لا يستلزم نصب هذه البراءة وذلك لما عرفت من عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية بعد تمامية الانسداد بمقدماتها الخمس المتقدمة تفصيلها.

(قوله نعم لا بأس بالإشكال فيه في نفسه كما أشكل فيه برأسه. إلخ)

أي نعم لا بأس بالإشكال في النهي عن القياس في حد ذاته مع قطع النّظر عن

٣٥٨

الانسداد وحكم العقل بحجية الظن (كما أشكل) في النصب برأسه عند البحث عن إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية وبيان الجواب عن المحاذير التي قيل أو يمكن أن يقال بلزومها من التعبد بغير العلم غايته ان تلك المحاذير كانت تلزم هناك عند خطأ الطريق المنصوب وفي المقام تلزم عند إصابة القياس المنهي عنه (فإذا أدى القياس) إلى وجوب شيء مثلا وقد أصاب فيلزم من النهي عنه اجتماع الضدين أي الوجوب والحرمة في ذلك الشيء اما الحرمة فلتحريم العمل بالقياس واما الوجوب فلفرض إصابة القياس مع الواقع وهكذا يلزم منه تفويت المصلحة (وإذا ادى القياس) إلى حرمة شيء وقد أصاب فيلزم من النهي عنه الأمر بالمتناقضين أي حرمة الشيء وحرمة تركه اما الأول فلإصابة القياس واما الثاني فلحرمة العمل بالقياس وهكذا يلزم منه الإلقاء في المفسدة (وإذا أدى القياس) إلى وجوب ضد الحرام وقد أصاب فيلزم من النهي عنه تحريم الضدين اما هذا الضد الّذي ادى القياس إلى وجوبه فلحرمة العمل بالقياس واما حرمة الضد الآخر فلفرض إصابة القياس الّذي أدى إلى وجوب ضد الحرام.

(نعم) محذور اجتماع المثلين كان يلزم هناك عند إصابة الطريق المنصوب وهاهنا يلزم عند خطأ القياس المنهي فإذا أدى إلى وجوب شيء حرام فيلزم من النهي عنه اجتماع الحرمتين في هذا الشيء أي الحرمة الواقعية لفرض خطأ القياس وأدائه إلى وجوب ما هو الحرام واقعاً والحرمة الناشئة من تحريم العمل بالقياس وهذا كله لدى التدبر واضح فتدبر.

(قوله واستلزام إمكان المنع عنه لاحتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا ... إلخ)

(جواب عن) الإشكال الثاني الّذي قد أشار إليه المصنف في ذيل تقريره إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة بقوله فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكناً جرى في غير القياس فلا يكون العقل

٣٥٩

مستقلا إذ لعله نهي عن أمارة مثل ما نهى عن القياس واختفى علينا ... إلخ (وحاصل الجواب) ان إمكان المنع عن القياس وان استلزم احتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا وهو يوجب سقوط العقل عن الحكم بالحجية ضرورة عدم اجتماع استقلال العقل بها مع احتمال المنع الشرعي عنها ولكن ذلك بشرط كفاية بقية الأمارات بمعظم الفقه وإلّا فيستقل العقل حينئذ بحجية هذه الأمارة قطعاً وبه يرتفع احتمال المنع الشرعي عنها في حال الانسداد لا محالة.

(قوله وقياس حكم العقل بكون الظن مناطاً للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطاً لها في حال الانفتاح ... إلخ)

هذا جواب عما تقدم في تقرير إشكال خروج القياس عن عموم النتيجة من انه كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطاً للإطاعة والمعصية ... إلخ وحاصله ان الإشكال عبارة عن قياس حكم العقل بحجية الظن في حال الانسداد على حكمه بحجية العلم في حال الانفتاح فكما ان حكمه الثاني مما لا يقبل التخصيص ولا يمكن إخراج بعض افراد العلم عن تحته فكذلك حكمه الأول مما لا يقبل التخصيص ولا يمكن إخراج بعض افراد الظن عن تحته وهذا قياس مع الفارق فان حكمه بحجية العلم حكم تنجيزي فلا يقبل التخصيص أصلا بخلاف حكمه بحجية الظن فإنه تعليقي أي من الأول معلق على عدم نهي الشارع عن ظن بالخصوص فإذا نهي عنه كذلك انتفى حكم العقل لانتفاء موضوعه لا لارتفاع حكمه عن موضوعه كي يلزم التخصيص

(قوله ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الإشكال بالنهي عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد للظن ... إلخ)

قد عرفت منا انه لا وجه لتعجب المصنف من حيث تخصيصهم الإشكال بالنهي عن القياس وان قياسه على النصب والأمر بما لا يفيد الظن قياس مع الفارق إذ بالنصب يتحقق العلمي في المسألة ولا حكم للعقل مع العلمي بخلاف النهي عن القياس فلا يتحقق به العلمي واما دعوى ان النهي مما يستلزم النصب فقد عرفت ما فيها

٣٦٠