عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

الإجمالي وصار الشك بدوياً فلا موجب للاحتياط أصلا ولو في بعض الأطراف (وعليه) ففي مراعاة الاحتياط في المظنونات لا بد من دعوى وجوبه شرعاً اما لاستكشافه بنحو اللم من شدة اهتمام الشارع بتكاليفه أو للإجماع عليه في هذا الحال كما سبق في جواب ان قلت المتقدم فتذكر.

(قوله واما الرجوع إلى الأصول فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها عقلا ... إلخ)

هذه هي الفقرة الثانية من المقدمة الرابعة وهي الرجوع في كل مسألة إلى الأصل العملي المناسب لها من استصحاب أو تخيير أو براءة أو اشتغال (قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) واما الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة (إلى ان قال) فيرد هذا الوجه ان العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات يمنع عن إجراء البراءة أو الاستصحاب المطابق لها المخالف للاحتياط بل وكذا العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط يمنع عن العمل بالاستصحابات من حيث انها استصحابات وان كان لا يمنع من العمل بها من حيث الاحتياط لكن الاحتياط في جميع ذلك يوجب العسر (قال) وبالجملة فالعمل بالأصول النافية للتكليف في مواردها مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة وبالأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحاب مستلزم للحرج وهذا لكثرة المشتبهات في المقامين كما لا يخفى على المتأمل (انتهى) كلامه رفع مقامه (وملخصه) لدى التدبر ان العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات مما يمنع عن الأصول النافية للتكليف من البراءة والاستصحابات المطابقة لها (كما ان العسر) والحرج هما يمنعان عن الأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له (هذا مضافاً) إلى ما في خصوص الاستصحابات المطابقة للاحتياط من وجه آخر للمنع وهو العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات فيها المانع عن العمل بها من حيث انها استصحابات.

٣٠١

(أقول)

اما العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات فلا بدّ من تعميمه إلى موارد الأصول النافية أيضاً نظراً إلى قلة موارد الأصول المثبتة وانها بالنسبة إلى التكاليف الكثيرة المعلومة بالإجمال أقل قليل وإلّا فمجرد العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات في مجموع المشتبهات مع احتمال كونهما جميعاً في موارد الأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له مما لا يمنع عن الأصول النافية بل يجري حينئذ كل من الأصول المثبتة والنافية جميعاً وينحل العلم الإجمالي من أصله (نظير) ما إذا علمنا إجمالا بوقوع النجس في أحد الأواني الثلاثة وكانت الحالة السابقة في اثنين منها الطهارة وفي واحد منها النجاسة فيجري استصحاب الطهارة في الاثنين واستصحاب النجاسة في الثالث وينحل العلم الإجمالي من أصله.

(واما العلم الإجمالي) بوجود غير الواجبات والمحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط فهو غير معلوم وذلك لجواز بقاء التكليف في تمام استصحابات التكليف على حاله (ومجرد العلم الإجمالي) بوجود غير الواجبات والمحرمات في مجموع المشتبهات مع احتمال كونه بتمامه في موارد الأصول النافية (مما لا يجدي) في عدم جريان الاستصحابات المطابقة للاحتياط بل تجري الاستصحابات المثبتة بل والنافية أيضاً لو لم يكن مانع آخر عنها وينحل العلم الإجمالي بالعدم من أصله.

(واما دعوى) ان العمل بالأصول المثبتة من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له مستلزم للعسر والحرج فهي ممنوعة جداً فانها ليست من الكثرة بحد لو عمل بها لزم العسر كما لا يخفى (هذا مضافاً) إلى ان الشيخ أعلى الله مقامه لم يتعرض حكم أصالة التخيير أصلا والظاهر انه لا مانع عن جريانها كأصالة الاحتياط والاستصحابات المطابقة لها عيناً.

(وبالجملة) إن الأصول النافية مما لا تجري للعلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات في مواردها ولكن الأصول المثبتة أي الاحتياط الخاصّ بالمسألة من جهة

٣٠٢

العلم الإجمالي بالتكليف فيها كالعلم الإجمالي بوجوب القصر والإتمام في مورد خاص والاستصحابات المطابقة للاحتياط فيما كان للتكليف حالة سابقة كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة ونحوها وهكذا أصالة التخيير فيما إذا دار الأمر بين المحذورين مما لا مانع عن جريانها أبداً (هذا كله محصل كلام الشيخ) وما فيه من النقض والإبرام.

(واما المصنف) فحاصل كلامه أن الأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له مما لا مانع عن جريانها عقلا فإذا علم مثلا إجمالا بوجوب القصر أو الإتمام جرت قاعدة الاحتياط وإذا شك في بقاء وجوب صلاة الجمعة جرت قاعدة الاستصحاب (اما الأول) فلحكم العقل (واما الثاني) فلعموم النقل وإن قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي من جهة المناقضة بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما سيأتي من الشيخ في تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى فانه لو علم مثلا إجمالا بوجود النجس في أحد الإناءين وكانا في السابق طاهرين لم يمكن استصحاب طهارتهما جميعاً إذ لو استصحب طهارتهما كذلك عملا بقوله عليه‌السلام لا ينقض اليقين بالشك كان ذلك طرحاً لقوله عليه‌السلام ولكن ينقضه بيقين آخر وقد تيقنا إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (والسر في عموم النقل) وان قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي من جهة المناقضة ان المجتهد الّذي يجري الاستصحاب المثبت للتكليف في المشتبهات ممن لا شك له فعلا الا في هذا الطرف الملتفت إليه لا في ساير الأطراف كي يتم أركانه في الجميع ولم يمكن إجرائه في الكل من جهة المناقضة بين الصدر والذيل بل ولا في البعض لمعارضة الطرف الآخر معه.

(أقول)

إن من الجائز ان يحصل للمجتهد حين الاستصحاب التفات إلى تمام موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف نظراً إلى قلتها وحصرها بموارد معدودة فيصير

٣٠٣

الشك حينئذ في الجميع فعلياً فيمنع عنها (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم (والصحيح) في وجه جريان الاستصحابات المثبتة للتكليف هو ما أشرنا إليه من المنع عن العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات والمحرمات فيها هذا كله حاصل كلام المصنف في الأصول المثبتة.

(واما الأصول النافية) فحاصل كلامه فيها انه لا مانع أيضاً عن جريانها من ناحية لزوم التناقض بين صدر الدليل وذيله بعد عدم فعلية الشك في تمام الأطراف دفعة واحدة ان لم يكن مانع آخر عنه شرعاً أو عقلا كالعلم الإجمالي بالتكليف ولا مانع عنه كذلك إذا كان مجموع موارد الأصول المثبتة للتكليف بضميمة ما علم حكمه تفصيلا أو نهض عليه الظن الخاصّ المعتبر بالخصوص بمقدار المعلوم بالإجمال بل بمقدار لا يبقى معه شيء مهم يوجب استكشاف وجوب الاحتياط فان الانسدادي وإن أنكر انفتاح باب العلم والعلمي بمعظم المسائل الفقهية ولكن لا ينكر العلم ببعض المسائل التي يعرف حكمها من الكتاب أو السنة أو من العقل أو الإجماع كما لا ينكر أيضاً بعض الظنون الخاصة المعتبرة بالخصوص كظاهر الكتاب والسنة وان أنكر وجود الظن الخاصّ الوافي بمعظم الفقه كخبر الثقة ونحوه (هذا إذا كان) مجموع موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم حكمه تفصيلا أو نهض عليه الظن الخاصّ المعتبر بالخصوص بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف وإلّا فاللازم هو الاحتياط في خصوص مجاري الأصول النافية مطلقاً ولو من موهومات التكليف إلّا بمقدار رفع اختلال النظام أو رفع العسر لا الاحتياط في محتملات التكليف مطلقاً ولو كانت في موارد الأصول المثبتة فان العمل بالتكاليف فيها يكون من باب قيام الحجة عليها وهي الأصول العملية لا من باب الاحتياط كما لا يخفى.

(أقول)

اما عدم فعلية الشك في تمام الأطراف دفعة واحدة فقد عرفت ضعفه (واما)

٣٠٤

انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بدعوى كون مجموع موارد الأصول المثبتة مع الضميمة بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف فأضعف فإن موارد الأصول المثبتة مع الضميمة ليست إلّا أقل قليل بالنسبة إلى التكاليف المعلومة بالإجمال في مجموع المشتبهات (نعم دعوى) انه إذا لم ينحل العلم الإجمالي كان خصوص موارد الأصول النافية محلا للاحتياط دون المثبتة هي في محلها فان العمل في موارد المثبتة يكون بملاك قيام الحجة على التكليف وهي الأصول العملية لا بملاك الاحتياط من جهة العلم الإجمالي بالتكاليف (وعلى كل حال) قد تحصل لك من جميع ما ذكر إلى هنا انه يجوز الرجوع في المسألة إلى الأصول العملية المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحابات المطابقة له بل وإلى أصالة التخيير أيضاً ولا يجوز الرجوع فيها إلى الأصول النافية أصلا فتدبر جيداً فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير آنفاً إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله لو لم يكن هناك مانع عقلا أو شرعاً ... إلخ)

المانع عن الأصول النافية هو العلم الإجمالي بالتكاليف ولعل قوله عقلا أو شرعاً إشارة إلى ان العلم الإجمالي بالتكليف ان كان تأثيره في التنجيز بنحو العقلية التامة بحيث لا يمكن الترخيص من الشرع في أطرافه لا كلا ولا بعضاً للزوم المناقضة أو احتمالها المحال فالمانع عقلي واما إذا كان تأثيره فيه بنحو الاقتضاء بحيث جاز الترخيص من الشرع فيها كلا أو بعضاً بلا لزوم المناقضة أو احتمالها المحال غايته انه لم يرد من الشرع دليل يصلح بظاهره للجريان في أطرافه كلا أو بعضاً فالمانع شرعي بمعنى انه كان له ان يمنع عن تأثيره ولم يفعل بل أقره على حاله وقد تقدم منا في العلم الإجمالي ما له نفع تام في تحقيق هذا المقام فراجع ولا نعيد.

٣٠٥

(قوله ومن الواضح انه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال إلى آخره)

فرب شخص كان ما علمه تفصيلا أو نهض عليه علمي هو بمقدار كثير لو انضم إلى موارد الأصول المثبتة لانحل العلم الإجمالي بالتكاليف من أصله ولم يبق له مانع عن الأصول النافية أصلا بخلاف شخص آخر وهكذا قد يتفق الاختلاف باختلاف الأحوال والأزمان فرب حال وزمان أمكن فيه تحصيل العلم التفصيليّ أو العلمي بمقدار لو انضم إلى الأصول المثبتة لانحل العلم الإجمالي بالتكاليف من أصله بخلاف حال آخر وزمان غيره وهذا واضح.

(قوله ولو من مظنونات عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا ويرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر ... إلخ)

(مقصوده) من مظنونات عدم التكليف هو موهومات التكليف (كما ان مقصوده) من رفع اليد عن الاحتياط فيها كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر هو الرد على الانسدادي الملتزم بالاحتياط في خصوص مظنونات التكليف وقد رفع اليد عنه في المشكوكات والموهومات جميعاً فيشير بقوله هذا إلى انه لا ملزم لرفع اليد عن الاحتياط في المشكوكات بل ولا في الموهومات إلّا بمقدار رفع العسر أو الإخلال بالنظام (وقد تقدم) منا هذا الإشكال على الانسدادي عند بيان المقدمة الخامسة وذكرنا عبارة الشيخ فيه أيضاً بل ذكرنا منه عبارتين يظهر من إحداهما رفع اليد عن الاحتياط في خصوص الموهومات كلا أو بعضاً بمقدار دفع العسر ومن أخراهما رفع اليد عن الاحتياط في الموهومات التي كان الظن الاطمئناني بخلاف التكليف لا مطلق الظن فراجع.

(قوله لا محتملات التكليف مطلقاً ... إلخ)

عطف على موارد أصول النافية أي كما ظهر انه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد أصول النافية مطلقاً ولو من موهومات التكليف محلا للاحتياط لا محتملات

٣٠٦

التكليف مطلقاً ولو كانت في موارد الأصول المثبتة فان العمل في موارد الأصول المثبتة كما أشير آنفاً يكون بملاك قيام الحجة على التكليف وهي الأصول العملية المعتبرة لا بملاك الاحتياط من جهة العلم الإجمالي بالتكاليف (ويحتمل ضعيفاً) ان يكون عطفاً على قوله فيها كلا أو بعضاً أي ويرفع اليد عن الاحتياط في موهومات التكليف كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر لا في محتملات التكليف مطلقاً أي في المشكوكات والموهومات جميعاً كما زعم الانسدادي.

(قوله واما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز ... إلخ)

هذه هي الفقرة الثالثة من المقدمة الرابعة وهي الرجوع إلى فتوى مجتهد آخر انفتاحي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه واما رجوع هذا الجاهل الّذي انسد عليه باب العلم في المسائل المشتبهة إلى فتوى العالم بها وتقليده فيها فهو باطل لوجهين (أحدهما) الإجماع القطعي (والثاني) ان الجاهل الّذي وظيفته الرجوع إلى العالم هو الجاهل العاجز عن الفحص واما الجاهل الّذي يبذل الجهد وشاهد مستند العالم وغلطه في استناده إليه واعتقاده عنه فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه وليست فتواه من الطرق المقررة لهذا الجاهل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.

(والمصنف) قدس‌سره وإن لم يؤشر إلى الوجه الأول وكأنه لضعفه ولكنه قد أشار إلى الوجه الثاني بقوله واما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز ضرورة انه لا يجوز إلّا للجاهل لا للفاضل الّذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم والعلمي فهل يكون رجوعه إليه بنظره الا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل (انتهى).

٣٠٧

الكلام حول المقدمة الخامسة

من مقدمات الانسداد

(قوله واما المقدمة الخامسة فلاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل إلى آخره)

وحاصل كلام المصنف هنا هو تسليم المقدمة الخامسة وهي كون ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً وذلك لاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية يعني بها الإجمالية وهي الاحتياط التام أو عدم وجوبها الا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية وذلك لبداهة مرجوحيتهما بالنسبة إليها.

(أقول)

نعم إن العقل يستقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح ولكن لا يستقل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها بالتنزل إلى خصوص الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية بل إلى الإطاعة الظنية والشكية جميعاً دون الوهمية وذلك لما عرفت عند بيان المقدمة الخامسة من اندفاع العسر برفع اليد عن الاحتياط في خصوص الموهومات فقط وانه لا موجب لحصر الاحتياط بالمظنونات فقط الّذي سماه الانسدادي بالإطاعة الظنية تارة وبحجية الظن أخرى بل يحتاط في المظنونات والمشكوكات جميعاً بل عرفت منا كفاية رفع اليد عن الاحتياط في بعض الموهومات فقط واندفاع العسر بهذا المقدار خاصة كما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه بل ومن المصنف أيضاً آنفاً حيث قال ويرفع اليد عنه فيها أي في مظنونات عدم التكليف يعني بها الموهومات كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر ... إلخ (وعلى هذا) فالواجب هو التنزل إلى الإطاعة الظنية والشكية وشيء من الوهمية

٣٠٨

جميعاً لا إلى خصوص الظنية فقط (فما يظهر من المصنف) في المقام من تسليم عدم جواز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها الا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية هو في غير محله جداً فتدبر جيداً.

(قوله لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية إلى آخره)

استدراك عن تسليم المقدمة الخامسة (وحاصله) ان المقدمة الخامسة وان كانت هي مسلمة لا ريب فيها وذلك لاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها الا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية ولكنك قد عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية كي تقدم الظنية على الشكية والوهمية (وذلك) لما أورده المصنف على المقدمة الأولى من انحلال العلم الإجمالي الكبير الموجود في مجموع المشتبهات إلى العلم الإجمالي الصغير بل الأصغر الموجود في خصوص اخبار الكتب المعتمدة للشيعة وان الاحتياط فيها مما لا يوجب العسر فضلا عن اختلال النظام بل (وما أورده) على المقدمة الرابعة أيضاً على الفقرة الثانية منها وهي عدم جواز الرجوع في كل مسألة إلى الأصل العملي المناسب لها من جواز الرجوع إلى الأصول العملية مطلقاً ولو كانت نافية إذا كان العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية منحلا من جهة كون موارد الأصول المثبتة مع ما علم تفصيلا أو نهض عليه الظن الخاصّ بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف وإلّا فيرجع إلى الأصول المثبتة فقط وكان حينئذ خصوص موارد الأصول النافية محلا للاحتياط وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها لا موارد الأصول العملية مطلقاً ولو كانت مثبتة.

(أقول)

كان من اللازم أن يؤشر المصنف إلى ما أورده على المقدمة الثانية أيضاً وهي انسداد باب العلم والعلمي فانها كما أشرنا من قبل هي عمدة مقدمات الانسداد وأهمها وبها

٣٠٩

سميت المقدمات مقدمات الانسداد بل ادعي كفايتها لحجية الظن المطلق كما تقدم وقد أبطلها المصنف بمنع انسداد باب العلمي بقوله لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقة وهو بحمد الله وأف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا كما لا يخفى ... إلخ وعلى هذا فكانت المقدمة الثانية هي أحق بالإشارة إلى ما أورد عليها من غيرها فلا تغفل أنت كما غفل المصنف قدس‌سره.

(قوله لوجود المقتضى وفقد المانع عنه ... إلخ)

(اما المقتضي) فهو حكم العقل وعموم النقل المتقدمين في كلامه السابق حول الرجوع إلى الأصول العملية.

(واما المانع) فهو العلم الإجمالي بالتكاليف الّذي قد ادعي انحلاله لو كان مجموع موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه الظن الخاصّ المعتبر بمقدار المعلوم بالإجمال.

(قوله وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها ... إلخ)

بل المصنف لم يرجح مظنونات التكليف في موارد الأصول النافية على غيرها حيث حكم بالاحتياط فيها جميعاً الا في موهومات التكليف فلم يحتط فيها بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر (فقال) فيما تقدم آنفاً ما لفظه كما ظهر انه لو لم ينحل بذلك كان خصوص موارد أصول النافية مطلقاً ولو من مظنونات عدم التكليف محلا للاحتياط فعلا ويرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضاً بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر ... إلخ.

(قوله ولو بعد استكشاف وجوب الاحتياط في الجملة شرعاً بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعاً أو عقلا على ما عرفت تفصيله ... إلخ)

إشارة إلى دفع ما قد يقال من انه إذا جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطراف العلم الإجمالي لدفع العسر أو لدفع اختلال النظام فلا موجب للاحتياط في بقية لأطراف كي يحكم العقل بترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها ولو في خصوص

٣١٠

موارد الأصول النافية فانه ليس إلّا من قبيل ما إذا علمنا إجمالا بوجود النجس في أطراف نضطر إلى شرب بعضها فكما ان العلم الإجمالي هنا مما لا يؤثر شيئاً لجواز كون المعلوم بالإجمال في الطرف المرخص فيه فكذلك في المقام لا يؤثر شيئاً عيناً (فيقول في دفعه) كما أشير غير مرة نعم لا موجب للاحتياط في بقية الأطراف إلّا أنه نحن نستكشف وجوبه شرعاً في الجملة أي في خصوص مظنونات التكليف لما من شدة اهتمام الشارع بتكاليفه أو من الإجماع القطعي عليه على ما تقدم تفصيل كل من الإشكال ودفعه بصورة إن قلت وقلت في ذيل التكلم حول المقدمة الثالثة (ومن هنا) قال المصنف على ما عرفت تفصيله يعني به الإشارة إلى هناك فتأمل جيداً.

في الظن بالطريق والظن بالواقع

(قوله فصل هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما أقوال ... إلخ)

(وحاصل الكلام) ان مقتضي مقدمات الانسداد على تقدير سلامة الجميع وصحة الكل واقتضائها حجية الظن لا التبعيض في الاحتياط كما عرفت شرحه (هل هو حجية الظن بالواقع) أي بالحكم الشرعي الفرعي مثل ان يحصل الظن بوجوب غسل الجمعة أو بوجوب الاستعاذة في الصلاة ونحو ذلك (أو حجية الظن بالطريق) أي بالمسألة الأصولية مثل ان يحصل الظن بحجية خبر الثقة أو بحجية الظواهر ونحو ذلك (أو حجية الظن بكليهما جميعاً) فيه أقوال (قد اختار الشيخ) أعلى الله مقامه القول الأخير (وتبعه المصنف) (قال في الرسائل) وينبغي التنبيه على أمور الأول انك قد عرفت ان قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني للأحكام المجهولة فاعلم انه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي

٣١١

كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي وبين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا فإذا ظن حجية القرعة حصل الامتثال الظني في مورد القرعة وإن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي إلّا انه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة وليس الواقع بما هو واقع مقصوداً للمكلف الا من حيث كون تحققه مبرئاً للذمة فكما انه لا فرق في مقام التمكن من العلم بين تحصيل العلم بنفس الواقع وبين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرئاً للذمة في نظر الشارع فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع وبين الظن ببراءة الذّمّة في نظر الشارع (انتهى) كلامه رفع مقامه (وملخصه) انه كما لا فرق في حال الانفتاح بين الإتيان بالواقع المعلوم أو الإتيان بمؤدى طريق معلوم وان كلا منهما مبرأ قطعي فكذلك في حال الانسداد لا فرق بين الإتيان بالواقع المظنون أو الإتيان بمؤدى طريق مظنون فان كلا منهما مبرأ ظني (هذا) ملخص ما أفاده الشيخ في وجه حجية كل من الظن بالواقع والظن بالطريق.

(واما المصنف) فملخص كلامه انه لا شبهة في استقلال العقل بأنه كلما كان القطع به مؤمناً في حال الانفتاح كان الظن به مؤمناً في حال الانسداد وان المؤمن في حال الانفتاح كان كل من القطع بإتيان المكلف به الواقعي والقطع بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي أي مؤدي الطريق المجعول من قبل الشارع فالمؤمن في حال الانسداد هو كل من الظن بإتيان المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي ومن المعلوم ان مقتضي ذلك هو حجية الظن في تعيين كل من الواقع والطريق جميعاً (ثم إن المصنف) وان لم يصرح في الكتاب بكون المؤمن في حال الانسداد هو كل من الظن بإتيان المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي (ولكن) صرح بأنه كلما كان القطع به مؤمناً في حال الانفتاح كان الظن به مؤمناً في حال الانسداد وأن المؤمن في حال الانفتاح

٣١٢

هو كل من القطع بإتيان المكلف به الواقعي والقطع بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي ولازم التصريحين هو ما ذكرناه من كون المؤمن في حال الانسداد هو الظن بإتيان المكلف به الواقعي أو الظن بإتيان المكلف به الظاهري الجعلي وهو تعبير لا يخلو عن مناقشة فان الظن بالإتيان.

(تارة) ينشأ من جهة كون الإتيان ظنياً وهذا ليس بمراد المصنف قطعاً.

(وأخرى) ينشأ من جهة كون المأتي به ظنياً وهذا هو مراد المصنف ولكن التعبير قاصر.

(والأولى) في التعبير ان يقال لا شبهة في ان المؤمن في حال الانفتاح هو كل من الإتيان بالمكلف به الواقعي القطعي والإتيان بالمكلف به الظاهري القطعي فهكذا في حال الانسداد يكون المؤمن هو كل من الإتيان بالمكلف به الواقعي الظني والإتيان بالمكلف به الظاهري الظني.

ويمكن تقرير حجية كل من الظن بالواقع والظن بالطريق بنحو ثالث أسهل بأن يقال لا شبهة في انه في حال الانفتاح كان كل من العلم بالواقع والعلم بالطريق الشرعي القائم على الواقع حجية بمعنى انه كان منجزاً للواقع عند الإصابة وعذراً لفوته عند الخطأ (فهكذا) في حال الانسداد يكون كل من الظن بالواقع والظن بالطريق الشرعي القائم على الواقع حجة بمعنى كونه منجزاً للواقع عند الإصابة وعذراً لفوته عند الخطأ وذلك لاستقلال العقل بأنه كلما كان العلم به حجة في حال الانفتاح كان الظن به حجة في حال الانسداد.

(قوله وان المؤمن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق العلم وهو طريق شرعاً وعقلا ... إلخ) (مقصوده) من قوله لا بما هو معلوم ومؤدي الطريق ... إلخ هو الرد على المحقق صاحب الحاشية فانه كما سيأتي في الوجه الأول من وجهي الظن بالطريق قائل

٣١٣

بصرف التكاليف عن الواقع إلى مؤديات الطرق وتقييد الواقع بأداء الطريق له (قال) فيما يأتي ذكره ما لفظه وحصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين به نظراً إلى أداء الواقع وكونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقاً إلى الواقع في حكم العقل والشرع.

(فيقول المصنف) مشيراً إلى الرد عليه ان المؤمن في حال الانفتاح بمقتضى حكم العقل هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو هو لا بما هو مؤدي الطريق العقلي والشرعي يعني القطع كيف وقد عرفت ان القطع طريق بنفسه لا تناله يد الجعل التشريعي لا نفياً ولا إثباتاً لا إحداثاً ولا إمضاء كيف والإمضاء فرع جواز الرد كما لا يخفى.

(قوله ولا يخفى ان قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق ... إلخ) وفيه ان مقتضي ما ذكره قدس‌سره هو التنزل في حال الانسداد إلى الظن بكل من الإتيان بالمكلف به الواقعي والإتيان بالمكلف به الظاهري الجعلي لا التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.

(نعم) مقتضي التنزل إلى الظن بكل من الإتيان بالمكلف به الواقعي والإتيان بالمكلف به الظاهري الجعلي هو حجية الظن بكل واحد من الواقع والطريق جميعاً

٣١٤

في بيان ما استدل به لحجية الظن

بالواقع دون غيره

(قوله ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع الا توهم انه قضية اختصاص المقدمات بالفروع ... إلخ)

قد ذكر الشيخ أعلى الله مقامه منشأ توهم الاختصاص بالظن بالواقع في التنبيه الثالث من تنبيهات الانسداد (قال ما هذا لفظه) ثم انه قد ظهر مما ذكرنا ان الظن في المسائل الأصولية العملية حجة بالنسبة إلى ما يتولد منه من الظن بالحكم الفرعي الواقعي أو الظاهري وربما منع منه غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم وما استند إليه أو يصح الاستناد إليه للمنع أمران.

(أحدهما) أصالة الحرمة وعدم شمول دليل الانسداد لأن دليل الانسداد (اما ان يجري) في خصوص المسائل الأصولية كما يجري في خصوص الفروع (واما أن يقرر) دليل الانسداد بالنسبة إلى جميع الأحكام الشرعية فيثبت حجية الظن في الجميع ويندرج فيها المسائل الأصولية (واما ان يجري) في خصوص المسائل الفرعية فيثبت به اعتبار الظن في خصوص الفروع لكن الظن بالمسألة الأصولية يستلزم الظن بالمسألة الفرعية التي تبتني عليها وهذه الوجوه بين ما لا يصح وبين ما لا يجدي.

(اما الأول) فهو غير صحيح لأن المسائل الأصولية التي ينسد فيها باب العلم ليست في أنفسها من الكثرة بحيث يستلزم من إجراء الأصول فيها محذور كان يلزم من إجراء الأصول في المسائل الفرعية التي انسد فيها باب العلم إلى ان قال.

(واما الثاني) وهو إجراء دليل الانسداد في مطلق الأحكام الشرعية فرعية

٣١٥

كانت أو أصلية فهو غير مجد لأن النتيجة وهو العمل بالظن لا يثبت عمومه من حيث موارد الظن الا بالإجماع المركب أو الترجيح بلا مرجح بأن يقال ان العمل بالظن في الطهارات دون الدّيات مثلا ترجيح بلا مرجح ومخالف للإجماع وهذان الوجهان مفقودان في التعميم والتسوية بين المسائل الفرعية والمسائل الأصولية اما فقد الإجماع فواضح لأن المشهور كما قيل على عدم اعتبار الظن في الأصول واما وجود المرجح فلأن الاهتمام بالمطالب الأصولية أكثر لابتناء الفروع عليها وكلما كانت المسألة مهمة كان الاهتمام فيها أكثر والتحفظ عن الخطأ فيها آكد إلى ان قال.

(واما الثالث) وهو اختصاص مقدمات الانسداد ونتيجتها بالمسائل الفرعية إلّا ان الظن بالمسألة الفرعية قد يتولد من الظن بالمسألة الأصولية فالمسألة الأصولية بمنزلة المسائل اللغوية يعتبر الظن فيها من حيث كونه منشأ للظن بالحكم الفرعي ففيه ان الظن بالمسألة الأصولية ان كان منشأ للظن بالحكم الفرعي الواقعي كالباحثة عن الموضوعات المستنبطة والمسائل العقلية مثل وجوب المقدمة وامتناع اجتماع الأمر والنهي فقد اعترفنا بحجية الظن فيها واما ما لا يتعلق بذلك وتكون باحثة عن أحوال الدليل من حيث الاعتبار في نفسه أو عند المعارضة وهي التي منعنا عن حجية الظن فيها فليس يتولد عن الظن فيها الظن بالحكم الفرعي الواقعي وانما ينشأ منه الظن بالحكم الفرعي الظاهري وهو مما لم يقتض انسداد باب العلم بالاحكام الواقعية العمل بالظن فيه فان انسداد باب العلم في حكم العصير العنبي انما يقتضي العمل بالظن في ذلك الحكم المنسد لا في حكم العصير من حيث أخبر عادل بحرمته إلى ان قال

(الثاني من دليلي المنع) هو الشهرة المحققة والإجماع المنقول على عدم حجية الظن في مسائل أصول الفقه وهي مسألة أصولية فلو كان الظن فيها حجة وجب الأخذ بالشهرة ونقل الإجماع في المسألة (انتهى الاستدلال بطوله) والمقصود من الموضوعات المستنبطة هو مثل كون الصعيد مطلق وجه الأرض أو كون الراوي

٣١٦

عادلا أو ثقة أو أن زرارة في سند الحديث هو ابن أعين لا ابن لطيفة إلى غير ذلك من الموضوعات التي تترتب عليها الأحكام الشرعية.

(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد أجاب عن الأمر الأول (بما حاصله) ان دليل الانسداد وارد على أصالة حرمة العمل بالظن أي رافع لموضوعه وهو الانفتاح من أصله فإن الظن انما يحرم العمل به في حال الانفتاح واما في حال الانسداد فهو حجة قطعاً إما حكومة أو كشفاً على الخلاف الّذي أشير إليه فيما تقدم ويأتي تفصيله مشروحاً (واما الشقوق) الثلاثة المذكورة في وجه عدم شمول دليل الانسداد للظن بالطريق فالمختار منها هو الشق الثالث أي نختار جريان الانسداد في الأحكام الفرعية وان الظن في المسائل الأصولية مستلزم للظن في المسألة الفرعية (وما ذكره) المستدل من كون اللازم منه هو الظن بالحكم الفرعي الظاهري صحيح إلّا ان ما ذكره من أن انسداد باب العلم في الأحكام الواقعية لا يقتضي إلّا اعتبار الظن بالحكم الفرعي الواقعي غير صحيح بل الانسداد في الأحكام الفرعية الواقعية يقتضي اعتبار الظن بالحكم الفرعي الواقعي والظاهري جميعاً نظراً إلى ان كلا من الامتثال الظني للحكم الواقعي والظاهري مسقط للواقعي في ظرف الانسداد كما ان كلا من الامتثال العلمي للحكم الواقعي والظاهري مسقط عن الواقعي في حال الانفتاح بعد كون الظاهري بدلا عن الواقعي.

(وأجاب عن الأمر الثاني) بوجوه خمسة أوجهها الأول وهو المنع عن الشهرة والإجماع نظراً إلى ان المسألة من المستحدثات فدعوى الإجماع فيها مساوقة لدعوى الشهرة (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.

(واما المصنف) فلم يؤشر إلى الأمر الثاني أصلا وأشار إلى الأمر الأول فقط وقد اختار فيه الشق الثالث كما اختاره الشيخ عيناً من اختصاص المقدمات بالأحكام الفرعية (ولكن قد أجاب عنه) بما محصله ان المؤمن بحكم العقل في هذا الحال هو كل من الظن بإتيان المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به الظاهري

٣١٧

الجعلي الّذي هو مؤدي الطريق.

(قوله وان كان باب العلم في غالب الأصول مفتوحاً ... إلخ) أي فيما سوى مسألة الطرق الشرعية كمسألة خبر الواحد وغيره إذ لو كان باب العلم في الأصول مفتوحاً حتى في مسألة الطرق لكان باب العلمي بالاحكام الشرعية الفرعية مفتوحاً قطعاً ولم تتم المقدمات في الفروع أصلا.

في الوجه الأول مما استدل به لحجية

الظن بالطريق دون غيره

(قوله كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان أحدهما ما أفاده بعض الفحول ... إلخ)

(اما بعض الفحول) فهو المحقق صاحب الحاشية.

(واما ما أفاده) فهو عبارة عن الوجه الثاني من الوجوه الثمانية التي أقامها على إبطال حجية مطلق الظن وإثبات حجية الظنون الخاصة والطرق المخصوصة وقد أشرنا إليها في ثالث الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية خبر الواحد وأن أكثرها ينفع لحجية الظن بالطريق لا حجية الظنون الخاصة والمدارك المخصوصة (قال) في الوجه الثاني منها (ما هذا لفظه) الثاني انه كما قرر الشارع أحياناً واقعة كذا قرر طريقاً للوصول إليها إما العلم بالواقع أو مطلق الظن أو غيرهما قبل انسداد باب العلم أو بعده وحينئذ فان كان سبيل العلم بذلك الطريق مفتوحاً فالواجب الأخذ به والجري على مقتضاه ولا يجوز الأخذ بغيره مما لا يقطع معه بالوصول إلى الواقع من غير خلاف بين الفريقين وإن انسد سبيل العلم به تعين الرجوع إلى الظن به فيكون ما ظن انه طريق مقرر من الشارع طريقاً قطعياً حينئذ

٣١٨

إلى الواقع (إلى ان قال) معترضاً على نفسه ويمكن الإيراد في المقام بأنه كما انسد سبيل العلم بالطريق المقرر كذا انسد سبيل العلم بالاحكام المقررة في الشريعة وكما ننتقل من العلم بالطريق المقرر بعد انسداد سبيله إلى الظن به فكذا ننتقل من العلم بالاحكام الشرعية إلى ظنها تنزلا من العلم إلى الظن في المقامين لكون العلم طريقاً قطعياً إلى الأمرين فبعد انسداد طريقه يؤخذ بالظن بهما فغاية ما يستفاد إذن من الوجه المذكور كون الظن بالطريق أيضا حجة كالظن بالواقع ولا يستفاد منه حجية خصوص ظنون الخاصة دون مطلق الظن بل قضية ما ذكر حجية الأمرين ولا يأبى عنه القائل بحجية مطلق الظن (إلى ان قال) قلت لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل والطريق المقرر مستقلا صح ذلك لقيام الظن في كل من التكليفين مقام العلم به مع قطع النّظر عن الآخر واما إذا كان أحد التكليفين منوطاً بالآخر مقيداً له فمجرد حصول الظن بأحدهما من دون حصول ظن بالآخر الّذي قيد به لا يقتضي الحكم بالبراءة وحصول البراءة في صورة العلم بأداء الواقع انما هو لحصول الأمرين به نظراً إلى أداء الواقع وكونه من الوجه المقرر لكون العلم طريقاً إلى الواقع في حكم العقل والشرع (انتهى موضع الحاجة) من كلامه أعلى الله مقامه (وملخصه) يرجع إلى أمرين.

(أحدهما) العلم الإجمالي بنصب طرق مخصوصة للوصول إلى الواقعيات وانسداد باب العلم بها والتنزل من العلم فيها إلى الظن بها.

(ثانيهما) ان التكاليف الواقعية بعد نصب الطرق للوصول إليها مصروفة عن الواقعيات إلى مؤديات الطرق ومقيدة بأداء الطرق لها وهذا هو المشتهر على الألسن بالصرف والتقييد (وقد صرح) في بعض عبائره في المقام بان المطلوب أداء ما هو الواقع لكن من الطريق الّذي قرره الشارع ... إلخ ونتيجة هذين الأمرين جميعاً هو حجية خصوص الظن بالطريق دون الظن بالواقع وهذا واضح.

٣١٩

(قوله وتبعه في الفصول قال فيها إنا كما نقطع بأنا مكلفون ... إلخ) ان ما أفاده في الفصول وإن كان مرجعه إلى ما ذكره بعض الفحول وهو أخوه المحقق صاحب الحاشية ولكن يغايره في العبارة جداً بل في المضمون يسيراً حتى ادعى انه لم يسبقني إلى هذا الوجه أحد (ثم إن المصنف) تبعاً للشيخ قد نقل عبارة الفصول دون المحقق ولعله لسهولة الاطلاع عليها ولكن أسقط منها ما هو عمدتها ولعله سهواً من بين قوله وكلفنا تكليفاً فعلياً بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة وبين قوله وحيث انه لا سبيل غالباً ... إلخ وهو قوله ومرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد وهو القطع بأنا مكلفون تكليفاً فعلياً بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة ... إلخ فان الّذي يستفاد منه الصرف والتقييد ويبتني عليه حجية خصوص الظن بالطريق دون الظن بالواقع هو هذه العبارة كما صرح به الشيخ لا غيرها (قال) في الجواب الخامس عن الفصول كما سيأتي (ما لفظه) وكأن المستدل توهم ان مجرد نصب الطريق ولو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق كما ينبئ عنه قوله وحاصل القطعين إلى أمر واحد وهو التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق (انتهى) وكأن الشيخ نقل عبارة الفصول بالمعنى لا بلفظه وإلّا فهو مخالف لما نقلناه آنفا (وعلى كل حال) ان مرجع كلام الفصول أيضاً ككلام أخيه المحقق صاحب الحاشية إلى أمرين.

(أحدهما) العلم الإجمالي بنصب طرق مخصوصة للوصول بها إلى الأحكام الواقعية وانسداد باب العلم والعلمي بتلك الطرق والتنزل من العلم بها إلى الظن.

(ثانيهما) صرف التكاليف عن الواقعيات بعد نصب الطرق المخصوصة إلى مؤديات الطرق وتقييد الواقعيات بأداء الطريق لها فيكون المكلف به حينئذ شيئاً واحداً وهو الواقع الّذي أداه الطريق دون غيره.

٣٢٠