عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

الحديث (قال الشيخ) بعد ذكر هذا الحديث (ما لفظه) فانه لو سلم ان ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع في حكم الوقائع إلى الرّواة أعني الاستفتاء منهم إلّا ان التعليل بأنهم حجته عليه‌السلام يدل على وجوب قبول خبرهم (انتهى) وهو جيد

(وما رواه) في الباب عن أحمد بن حاتم بن ما ماهويه قال كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عمن آخذ معالم ديني وكتب أخوه أيضاً بذلك فكتب إليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى.

(وما رواه) في باب عدم جواز تقليد غير المعصوم عن الطبرسي في الاحتجاج عن أبي محمد العسكري عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة (الحديث) دل بمنطوقه على جواز تقليد الفقيه على الشرائط المذكورة فيها ومفهوماً على قبول ما نسبوه إلى الأئمة بشرط ان لا يركبوا من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة وهو معنى حجية خبر الواحد العادل كما لا يخفى.

(الطائفة الرابعة) الأخبار العلاجية المستفادة منها مفروغية اعتبار خبر الثقة بين السائل والإمام عليه‌السلام وانما وقع الكلام بينهما في لزوم العمل بأي الخبرين عند تعارضهما فبعضها يأمر بالتخيير وبعضها بالترجيح.

(مثل ما رواه) في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال فيه قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.

(وما رواه) في الباب عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن

٢٤١

محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلها في المحمل وروي بعضهم لا تصلها الا على الأرض فوقع عليه‌السلام موسع عليك بأية عملت.

(وما ذكره الشيخ) في الرسائل من رواية غوالي اللئالي المروية عن العلامة المرفوعة إلى زرارة قال قلت يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نأخذ قال خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر قلت فإنهما معاً مشهوران قال خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي سيأتي تفصيلها في محلها إن شاء الله تعالى.

(ثم إن هاهنا) طوائف أخر يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد كما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه وان كان في دلالة كل واحد منها مستقلا نظر (مثل النبوي) المستفيض بل المتواتر ان من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله فقيهاً عالماً يوم القيامة (قال الشيخ) قال شيخنا البهائي (ره) في أول أربعينه إن دلالة هذا الخبر على حجية خبر الواحد لا يقصر عن دلالة آية النفر انتهى.

(ومثل ما ورد) من الأخبار الكثيرة في الترغيب والحث على الرواية وإبلاغ ما في كتب الشيعة.

(وما ورد) في مذاكرة الحديث والأمر بكتابته إلى غير ذلك مما يظهر من المجموع جواز العمل بخبر الواحد وصحة الاعتماد عليه وانه أمر مفروغ عنه في الجملة (وإن شئت التفصيل) فراجع الأبواب الثلاثة من قضاء الوسائل أعني باب وجوب العمل بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وباب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وباب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى الرّواة وان كان فيما ذكرناه من الطوائف الأربع غنى وكفاية عن غيرها إن شاء الله تعالى.

٢٤٢

(قوله إلّا انه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد ... إلخ)

وقد تقدم هذا الإشكال بعينه من المصنف في استدلال المانعين بأخبار الآحاد على عدم حجية أخبار الآحاد غير انه كان وجه الإشكال هناك انه لو استدل باخبار الآحاد على عدم حجية اخبار الآحاد لمنعت عن نفسها أيضاً (ووجه الإشكال) في المقام انه لو استدل بأخبار الآحاد على حجية خبر الآحاد لزم الدور فان الاستدلال بهذه الاخبار متوقفة على حجية اخبار الآحاد فلو كانت حجية اخبار الآحاد متوقفة على الاستدلال بهذه الأخبار لدار.

(قوله فتكون متواترة لفظاً أو معنى ... إلخ)

أي فانها غير متفقة على لفظ ولا على معنى كي تكون متواترة لفظاً أو معنى.

(قوله ولكنه مندفع بأنها وان كانت كذلك إلّا انها متواترة إجمالا إلى آخره)

(وحاصل الدفع) ان الأخبار التي دلت على حجية اخبار الآحاد وان كانت غير متفقة على لفظ ولا على معنى كي تكون متواترة لفظاً أو معنى ولكنها متواترة إجمالا وقد عرفت شرح كل من التواتر اللفظي والمعنوي والإجمالي عند الجواب عن المانعين فلا نعيد ومقتضي تواترها الإجمالي هو حجية خبر من بين أخبار الحجية كان أخص الكل مضموناً وأضيقها دائرة فانه القدر الجامع بين الكل فإذا دل بعضها مثلا على حجية خبر الثقة وبعضها على حجية الثقة العدل وبعضها على حجية الثقة العدل المشهور بين الأصحاب فالحجة من بين الكل هو ما دل على حجية خبر الثقة العدل المشهور بين الأصحاب فانه الّذي توافقت عليه اخبار الحجية وأطبقت على صحة مؤداه وهو وإن لم يكف بمعظم الفقه بل ولا بأقل قليل منه لندرته جداً ولكن إذا كان في اخبار الحجية خبر بهذه الخصوصيات الثلاث وقد دل على حجية ما هو أعم وأوسع كحجية خبر الثقة مطلقاً من غير ضم خصوصية أخرى

٢٤٣

إلى الوثاقة فنتعدى عنه إلى الأعم الأوسع ويكفي بمعظم الفقه لشيوعه وعدم ندرته بلا كلام.

(أقول)

وفيه انا لا نكاد نحتاج إلى هذه التكلفات الشديدة فإنا إذا راجعنا الطوائف المذكورة من الأخبار نجدها متواترة بحسب المعنى مطبقة على حجية خبر الثقة المأمون من دون حاجة إلى ضم خصوصية أخرى إليها كي توجب تضييق الدائرة وعدم الكفاية بمعظم الفقه ونحتاج في التعدي عنه إلى ما إذا كان في اخبار الحجية خبر بالخصوصيات الثلاث المتقدمة وقد دل على حجية ما هو أعم (ولعله) إليه أشار أخيراً بقوله فافهم (ويمكن) ان يكون إشارة إلى ان الخبر الّذي كان أخص الكل مضموناً وقد اعتبر الوثاقة والعدالة والشهرة بين الأصحاب مثلا هو مما يعارض الخبر الّذي كان بهذه الخصوصيات الثلاث وقد دل على حجية ما هو أعم وأوسع (وعلى كل حال) ان المصنف قد سامح إنصافاً في ذكر الاخبار فلم يتعرضها ولا أشار إلى طوائفها الأربع ولو إجمالا مع ان الأخبار هي من أقوى أدلة خبر الواحد وأهمها كما أن مسألة خبر الواحد هي من أهم المسائل الأصولية وأنفعها كما أشير إليه في صدر البحث فتذكر.

(قوله ضرورة انه يعلم بصدور بعضها منهم عليهم‌السلام ... إلخ)

قد عرفت منا في ذيل الجواب عن حجج المانعين ان هذا التعليل للتواتر الإجمالي في غير محله فإن الأخبار المتواترة لفظاً أو معنى وإن نعلم تفصيلا بصدق كل منها بخلاف الاخبار المتواترة إجمالا المختلفة لفظاً ومعنى فانا لا نعلم إلا إجمالا بصدق أحدها ولا نعلم بصدق جميعها ولكن الصحيح في التعليل له ان يقال ضرورة ان بين الكل قدر جامع كل يقول بذلك القدر الجامع وهو الّذي توافقت عليه أخبار الحجية وأجمعت على صحته واعتباره كخبر الثقة العدل المشهور بين الأصحاب مثلا

٢٤٤

(قوله وقضيته وان كان حجية خبر دل على حجية أخصها مضموناً إلى آخره)

في العبارة مسامحة واضحة والصحيح هكذا وقضيته وان كان حجية خبر دل على الحجية وكان أخصها مضموناً ... إلخ.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير آنفاً إلى وجهين لقوله فافهم فلا تغفل.

في الإجماع على حجية خبر الواحد

(قوله فصل في الإجماع على حجية الخبر وتقريره من وجوه ... إلخ)

من وجوه ستة على ما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه غير ان المصنف قد انتخب منها وجوهاً ثلاثة ولم يذكر ما سواها.

(قوله أحدها دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية إلى آخره)

من هاهنا إلى آخر قوله أو من تتبع الإجماعات المنقولة على الحجية هو الوجه الأول من الوجوه الستة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) واما الإجماع فتقريره من وجوه.

(أحدها) الإجماع على حجية خبر الواحد في مقابل السيد وأتباعه وطريق تحصيله أحد وجهين على سبيل منع الخلو.

(أحدهما) تتبع أقوال العلماء من زماننا إلى زمان الشيخين فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضاء الإمام عليه‌السلام بالحكم أو عن وجود نصّ معتبر في المسألة ولا يعتني بخلاف السيد واتباعه إما لكونهم معلومي النسب كما

٢٤٥

ذكره الشيخ في العدة واما للاطلاع على ان ذلك لشبهة حصلت لهم كما ذكره العلامة في النهاية ويمكن أن يستفاد من العدة أيضا واما لعدم اعتبار اتفاق الكل في الإجماع على طريق المتأخرين المبني على الحدس.

(الثاني) تتبع الإجماعات المنقولة في ذلك (فمنها) ما حكى عن الشيخ رضوان الله عليه في العدة في هذا المقام حيث قال واما ما اخترته من المذهب وهو ان الخبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة وكان ذلك مروياً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أحد الأئمة عليهم‌السلام وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديداً في نقله ولم يكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنته الخبر لأنه إذا كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجباً للعلم كما تقدمت القرائن جاز العمل به والّذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإني وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصنيفاتهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون ثم ساق الكلام طويلا (إلى ان قال) وممن نقل الإجماع على حجية أخبار الآحاد السيد الجليل رضي الدين بن طاوس حيث قال في جملة كلام له يطعن فيه على السيد (ره) ولا يكاد تعجبي ينقضي كيف اشتبه عليه ان الشيعة لا يعمل بأخبار الآحاد في الأمور الشرعية ومن اطلع على التواريخ والأخبار وشاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب العدة وغيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة وغيرهم من المصنفين (إلى ان قال) وممن نقل الإجماع أيضاً العلامة في النهاية حيث قال إن الأخباريين منهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه الا على أخبار الآحاد والأصوليين منهم كأبي جعفر الطوسي عمل بها ولم ينكره سوى المرتضى واتباعه لشبهة حصلت لهم انتهى (ثم قال) وممن ادعاه أيضاً المحدث المجلسي (ره) في بعض رسائله حيث ادعى تواتر الأخبار وعمل الشيعة في جميع الأعصار على

٢٤٦

العمل بخبر الواحد (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

(قوله ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات ... إلخ)

(وفيه ما لا يخفى) فإن اختلاف الفتاوي فيما أخذ في اعتبار الخبر من الخصوصيات كعمل الأصحاب أو عدالة الراوي أو وثاقته أو مجرد الظن بصدور الرواية إلى غير ذلك مما تقدم في صدر المسألة مما لا يضر بثبوت أصل الحجية في الجملة ما دامت الفتاوي مشتركة في قدر جامع بين الكل كل يقول بذلك الجامع (وإليه أشار) المصنف بقوله اللهم إلّا أن يدعي تواطؤها على الحجية في الجملة وانما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها ... إلخ.

(نعم يمكن الإشكال) في أصل الصغرى بمعنى منع إطباق الأصحاب على الفتوى بالحجية مع مخالفة مثل السيد (ره) وأتباعه (وإليه أشار) المصنف بقوله ولكن دون إثباته خرط القتاد انتهى لكن قد عرفت آنفاً في كلام الشيخ أعلى الله مقامه وجوه عدم الاعتناء بخلاف السيد وأتباعه وانه مما لا يضر بانعقاد الإجماع الكاشف عن رضاء الإمام عليه‌السلام أبداً.

(قوله ولكن دون إثباته خرط القتاد ... إلخ)

أي دون إثبات تواطؤ الفتاوي على الحجية خرط القتاد.

(قوله ثانيها دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية ... إلخ)

هذا هو الوجه الثالث من الوجوه الستة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) الثالث من وجوه تقرير الإجماع استقرار سيرة المسلمين طراً على استفادة الأحكام الشرعية من أخبار الثقات المتوسطة بينهم وبين الإمام عليه‌السلام أو المجتهد أترى أن المقلدين يتوقفون في العمل بما يخبرهم الثقة عن المجتهد أو الزوجة تتوقف فيما يحكيه زوجها من المجتهد في مسائل حيضها وما يتعلق بها إلى أن يعلموا

٢٤٧

من المجتهد تجويز العمل بالخبر الغير العلمي وهذا مما لا شك فيه ودعوى حصول القطع لهم في جميع الموارد بعيدة عن الإنصاف نعم المتيقن من ذلك صورة حصول الاطمئنان بحيث لا يعتني باحتمال الخلاف انتهى.

(أقول)

والفرق بين هذا الوجه وسابقه ان الوجه السابق إجماع قولي من العلماء خاصة وهم أهل الفتوى والاستنباط وهذا إجماع عملي من المسلمين عامة على العمل بخبر الثقة في الأمور الشرعية وأخذ الأحكام والمسائل الفرعية (ومن هنا) يظهر انه لو قال المصنف ثانيها دعوى استقرار سيرة المسلمين عملا على العمل بخبر الواحد ... إلخ بدون ذكر اتفاق العلماء كان أولى وأصح.

(قوله وفيه مضافاً إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول ... إلخ) يعني به ما أورده من اختلاف الفتاوي فيما أخذ في اعتبار الخبر من الخصوصيات وان معه لا مجال لتحصيل القطع برضائه عليه‌السلام (هذا ولكنك) قد عرفت ان اختلاف الفتاوي في ذلك مما لا يضر بثبوت أصل الحجية في الجملة كما اعترف به المصنف أخيراً (مضافاً) إلى ان ذلك انما يرد إذا كان الوجه الثاني عبارة عن اتفاق العلماء قولا فيقال حينئذ إنهم مختلفون فيما أخذ في اعتبار الخبر واما إذا كان عبارة عن استقرار سيرة المسلمين كافة عملا كما أشرنا إليه فلا يكاد يرد عليه ذلك فإنهم مطبقون في الأحكام الشرعية على العمل بخبر الثقة من دون اعتبار شيء فيه سوى ما أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه من حصول الاطمئنان على نحو لا يعتني باحتمال الخلاف أصلا.

(قوله انه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز انهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين أو بما هم عقلاء ... إلخ) (وحاصل هذا الإيراد الثاني) انه لم يعلم ان المسلمين قد اتفقوا على العمل بخبر الثقة في الأمور الشرعية بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين ليكون ذلك وجهاً

٢٤٨

مستقلا في قبال الوجه الآتي أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين فان العقلاء يعملون بخبر الثقة في عامة أمورهم ولو في غير الأمور الدينية من الأمور العادية فيكون ذلك من شعب الوجه الآتي ومن صغرياته المندرجة فيه لا وجهاً مستقلا برأسه.

(قوله فيرجع إلى ثالث الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة ... إلخ)

هذا هو الوجه الرابع من الوجوه الستة التي ذكرها الشيخ أعلى الله مقامه وهو عمدة الوجوه بل عمدة الأدلة التي أقيمت على حجية خبر الواحد بعد الاخبار بطوائفها الأربع بل الظاهر من شدة اهتمام المصنف بهذا الوجه انه في نظره عمدة الأدلة حتى بالنسبة إلى الأخبار وعلى كل حال (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ما لفظه الرابع استقرار طريقة العقلاء طراً على الرجوع إلى خبر الثقة في أمورهم العادية ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد فنقول إن الشارع إن اكتفى بذلك منهم في الأحكام الشرعية فهو وإلّا وجب عليه ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشرعية كما ردع في مواضع خاصة وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك لأن اللازم في باب الإطاعة والمعصية الأخذ بما يعد طاعة في العرف وترك ما يعد معصية كذلك انتهى.

(أقول)

والفرق بين هذا الوجه وسابقه ان الوجه السابق كان سيرة المسلمين خاصة على العمل بخبر الثقة في خصوص الأمور الشرعية وهذه سيرة العقلاء عامة على العمل بخبر الثقة في تمام أمورهم العادية ومنها الأمور الدينية فهذا الوجه أوسع من سابقه كما ان السابق كان أوسع من الأول (والظاهر) ان عمل العقلاء بخبر الثقة انما يكون إذا أفاد الوثوق والاطمئنان لا بما هو هو إذ لا تعبد في أمورهم كما لا يخفى بل يعملون بكل ما أفاد الوثوق والاطمئنان ولو لم يكن خبر ثقة أو لم يكن خبراً

٢٤٩

أصلا بل كان أمارة أخرى غير الخبر فالتعبير باستقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة انما هو من جهة حصول الوثوق والاطمئنان منه نوعاً وإلّا فلا خصوصية لخبر الثقة ولا لغيره أصلا (فالمناط) كل المناط في نظرهم هو حصول الوثوق والاطمئنان من أينما حصلا وتحققا فيعاملون معهما معاملة العلم واليقين بلا شبهة (بل لا يبعد) دعوى كون عملهم بالعلم واليقين هو بملاك الوثوق والاطمئنان وسكون النّفس فلو فرض انفكاك العلم واليقين في مورد عن سكون النّفس والاطمئنان لم يعملوا على طبقهما ولم يتحركوا على وفقهما (ولعل) من هنا لا يقدمون على الدخول في الأماكن الموحشة حتى مع العلم بعدم الضرر فانه ليس ذلك إلا لفقد سكون النّفس والاطمئنان كما لا يخفى (ولعل) من هذا الباب كان سؤال إبراهيم عليه‌السلام من ربه أن يريه كيف يحيى الموتى فقال تعالى أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فهو مع إيمانه بالله تعالى وعلمه بأنه جل وعلا قادر على كل شيء أراد أن يشاهد إحياء الموتى حساً ليحصل له من سكون النّفس واطمئنان القلب ما لم يكن حاصلا له قبله.

(وبالجملة) ان مفاد الطوائف المتقدمة من الأخبار هو حجية خبر الثقة مطلقاً ولو لم يحصل منه الوثوق والاطمئنان ومفاد سيرة العقلاء بعد الجواب عما سيأتي من إشكال الردع عنها هو حجية كل ما أفاد الوثوق والاطمئنان ولو لم يكن خبر ثقة بل ولو لم يكن خبراً أصلا (ومن هنا) يقوي في النّظر صحة الاعتماد على الوثوق والاطمئنان حتى في الموضوعات فضلا عن الأحكام وذلك لعموم السيرة وعدم اختصاصها بالأمور الدينية وأخذ المسائل الفرعية.

(نعم لا يصح) الاعتماد عليهما في مقام القضاء ودفع الخصومات والحكم بين الناس سواء كان في حقوق الله أو في حقوق العباد وذلك لاعتبار الطريق الخاصّ في مقام القضاء والحكم من شهادة عدلين أو رجل وامرأتين أو رجل واحد مع اليمين ونحو ذلك من الطرق المختلفة بحسب اختلاف المقامات (وان كان) لا يبعد

٢٥٠

جواز اعتماد القاضي عليهما بالنسبة إلى عمل نفسه شخصاً فإذا اطمأن وحصل له الوثوق بأن هذه الدار مثلا هي غصب بيد زيد وانها لعمرو لم يصح له التصرف فيها بدون اذن عمرو وان لم يجز له الحكم بغصبيتها ونزعها من يد زيد وإعطائها لعمرو بمجرد الوثوق والاطمئنان مع انتفاء البينة في البين فتأمل جيداً.

(قوله إن قلت يكفى في الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم ... إلخ)

(هذا الإشكال) من الشيخ أعلى الله مقامه (قال ما لفظه) فإن قلت يكفي في ردعهم يعني العقلاء الآيات المتكاثرة والأخبار المتظافرة بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم (انتهى) وهو إشكال لا يخلو عن قوة والتخلص عنه لا يخلو عن كلفة (ومن هنا) قد اهتم الشيخ والمصنف جميعاً في جوابه ودفعه كمال الاهتمام (ومحصل الإشكال) ان سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة في عامة أمورهم وان كانت مسلمة ولكن من المسلم أيضا ان السيرة بما هي هي لا تكون حجة ولو كانت من المسلمين بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين فضلا عما إذا كان من العقلاء بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين ما لم يمضها الشارع ويرض بها ويأذن فيها وعدم الردع عنها وان كان مما يكفي في إمضائها ولكن الآيات بل الروايات الناهية عن العمل بما سوى العلم مثل قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله عليه‌السلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا إلى غير ذلك من الآيات والروايات التي تقدم تفصيلهما عند استدلال المانعين بهما رادعة عنها مانعة عن دليليتها فلا تصلح السيرة للاستدلال بها أصلا هذا محصل الإشكال وبيانه.

(قوله قلت لا يكاد يكفى تلك الآيات في ذلك ... إلخ)

قد أشرنا آنفاً ان الإشكال المذكور مما لا يخلو عن قوة وان التخلص عنه مما لا يخلو عن كلفة (وعليه) فينبغي أن نشير أولا إلى ما أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه عن الإشكال ثم نذكر أجوبة المصنف ثم نتبعهما بما عندنا من الجواب.

٢٥١

(فنقول) اما ما أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه (فمحصله) بنحو الاختصار ان مفاد أدلة حرمة العمل بما عدا العلم راجع إلى أحد وجهين.

(الأول) ان العمل والتعبد بما عدا العلم من دون اذن من الشارع تشريع محرم بالأدلة الأربعة.

(الثاني) انه طرح للأصول المعتبرة التي هي في مورده من العملية واللفظية جميعاً وشيء من الوجهين مما لا يجري بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة.

(اما الأول) فلانتفاء التشريع مع استقرار سيرتهم على سلوكه.

(واما الثاني) فلأن الأصول مما لا دليل على جريانها في مقابل خبر الثقة (هذا محصل ما أفاده الشيخ) أعلى الله مقامه في الجواب عن الإشكال المتقدم (وفيه ما لا يخفى) فان التشريع انما ينتفي إذا أمضى الشارع سيرة العقلاء والمفروض ان الشارع لم يمضها بل ردع عنها بتلك الآيات والروايات فضلا عن أن يمضيها ويقررها.

(واما الأصول) المعتبرة فاللفظية منها التي هي مدركها بناء العقلاء كما تقدم في بحث الظواهر وان لم يكن دليل على جريانها في مقابل خبر الثقة كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه إذ لا بناء لهم على العمل بها في قباله (ولكن العملية منها) ليست كذلك (إذ العملية العقلية) التي مدركها حكم العقل كالبراءة العقلية والاحتياط والتخيير فالعقل مما لا يرفع يده عنها حتى يقوم دليل قاطع على اعتبار خبر الثقة القائم على خلافها ومجرد استقرار سيرة العقلاء على العمل به مما لا يكفي في نظره ما لم يمضها الشارع والمفروض انه قد ردع عنها بتلك الآيات والروايات ولم يمضها أبداً.

(واما العملية الشرعية) أي التي استفيد اعتبارها من الأخبار المأثورة فأدلتها مطلقة تشمل حتى ما إذا قام خبر الثقة على خلافها ما لم يقم دليل بالخصوص

٢٥٢

على اعتباره ليكون حاكماً أو وارداً عليها على التفصيل الآتي في محله إن شاء الله تعالى والمفروض ان دليل اعتباره هو السيرة وهي بنفسها ليست بحجة ما لم يمضها الشارع ولم يمضها بل ردعها بالآيات والروايات كما لا يخفى.

(واما المصنف) فقد أجاب عن الإشكال بأمور ثلاثة.

(الأول) ان الآيات الناهية قد وردت إرشاداً إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين وقد تقدم منا عند الجواب عن استدلال المانعين بها ما يؤيد ذلك من ورود كثير منها في موارد اتباع الظن في الأمور الاعتقادية غير ان هذا جواب عن رادعية الآيات فقط دون الروايات.

(الثاني) ان المتيقن من الآيات الناهية لو لا المنصرف إليه إطلاقها هو الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة.

(وفيه أولا) ان مجرد كون المتيقن من إطلاقها ذلك هو مما لا يضر بالإطلاق وإلا لم يبق لنا إطلاق قد جاز التمسك به وذلك لوجود المتيقن منه ما لم يكن القدر المتيقن في مقام التخاطب كما تقدم شرحه في مقدمات الحكمة في المطلق والمقيد ومن المعلوم انه لا متيقن لنا كذلك في المقام الا المتيقن بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب ولا عبرة به.

(وثانياً) سلمنا ان المتيقن بل المنصرف من إطلاقها هو الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة ولكن من أين علم ان خبر الثقة مما قام على اعتباره حجة ليكون خارجاً عن انصرافها إذ المفروض ان دليل اعتباره هو سيرة العقلاء وهي مما لا تكون حجة ما لم يمضها الشارع ولم يمضها بل ردع عنها بالآيات والروايات.

(الثالث) وهو عمدة الأجوبة الثلاثة ان رادعية الآيات عن سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة دورية فإن رادعية الآيات عن السيرة تتوقف على عدم مخصصية السيرة لها وإلّا فلا تكون الآيات رادعة عنها وعدم مخصصية السيرة لها يتوقف على رادعية الآيات عنها وإلّا فتكون السيرة مخصصة لها فرادعية

٢٥٣

الآيات تتوقف على رادعية الآيات وهو دور محال (وفيه ما لا يخفى) إذ يرد عليه حينئذ نقضاً وحلا.

(اما النقض) فحاصله ان عدم رادعية الآيات عن السيرة أيضاً دوري فإن عدم رادعيتها عنها يتوقف على مخصصية السيرة لها وإلّا فتكون الآيات رادعة عنها ومخصصية السيرة لها يتوقف على عدم رادعيتها عنها وإلّا فلا تكون السيرة مخصصة لها وهو دور محال كما في رادعية الآيات عنها.

(واما الحل) فحاصله ان رادعية الآيات عن السيرة ومخصصية السيرة للآيات هما ضدان لا يجتمعان خارجاً فوجود كل منهما مع عدم الآخر متلازمان في عرض واحد ليس لأحدهما توقف على الآخر وذلك لعدم العلية والمعلولية بينهما كما تقدم تفصيله في بحث الضد فهما من قبيل استقبال الجنوب واستدبار الشمال فكما ان استقبال الجنوب لا يتوقف على استدبار الشمال واستدبار الشمال لا يتوقف على استقبال الجنوب بل يتوقفان على علة ثالثة وهي التي توجدهما دفعة واحدة فكذلك في المقام وجود كل من الرادعية والمخصصية مع عدم الآخر في عرض واحد لا يتوقف أحدهما على الآخر فلا رادعية الآيات تتوقف على عدم مخصصية السيرة لها كما ادعى المصنف ولا عدم رادعية الآيات تتوقف على مخصصية السيرة لها كما ادعينا نحن في النقض عليه بل توجدان الطرفان أعني وجود كل من الرادعية والمخصصية مع عدم الآخر بتحقق علتهما في الخارج دفعة واحدة فلا الرادعية دورية ولا عدم الرادعية وعلى هذا.

(فالحق) في مقام الجواب عن رادعية الآيات عن السيرة بعد الاعتراف بصلاحيتها للردع عنها من دون لزوم دور محال (ان يقال) انا نعلم من الخارج بخروج خبر الثقة بل مطلق الوثوق والاطمئنان عن تحت الآيات الناهية إذ العمل بخبر الثقة مع استقرار سيرة العقلاء عليه طراً ومعاملتهم معه معاملة العلم واليقين جميعاً في عامة أمورهم العادية ومنها الأمور الدينية لو كان مبغوضاً محرماً شرعاً

٢٥٤

لكان الشارع ينهى عنه بأدلة خاصة صادرة في شأنه كثيراً ولم يكتف في الردع عنها بعموم تلك الآيات الناهية (ألا ترى) ان القياس ظن محرم شرعاً وكيف نهى الشارع عنه وبالغ في تحريمه وإبطاله حتى ورد في حقه مئات من الأخبار بحيث عرف كل مجتهد بل كل شيعي حرمة القياس وفساده مع ان العمل بالقياس ليس مثل العمل بخبر الثقة مما يعم به البلوى ويكون من شأن كل أحد بل هو من شأن خصوص أهل الفتوى والاجتهاد والنّظر والاستنباط فلو كان العمل بخبر الثقة محرماً مبغوضاً كالعمل بالقياس لورد في تحريمه ألوف من الأخبار ولم يسمع انه ورد في النهي عنه خبر واحد فضلا عن أخبار كثيرة بل قد عرفت منا ورود الأخبار المتواترة في جواز العمل به غير انها دليل مستقل لا ربط لها بسيرة العقلاء (هذا تمام الكلام) في الجواب عن رادعية الآيات الناهية.

(واما الجواب) عن رادعية الروايات فقد عرفت شرحه عند الجواب عن استدلال المانعين بها وانها بين ما لا يقبل التخصيص والحمل على خبر غير الثقة وبين ما يقبل التخصيص.

(اما الطائفة الأولى) فهي محمولة على الخبر المخالف لنص الكتاب وصريحه بشهادة القطع بصدور الأخبار الكثيرة المخالفة لظاهر الكتاب.

(واما الطائفة الثانية) فهي محمولة على خبر غير الثقة بشهادة الأخبار المتواترة الآمرة بالعمل بخبر الثقة فإذا كانت محمولة على غير الثقة فلا تكون الروايات رادعة عن السيرة العقلائية غير انه يرد حينئذ ان التخلص عن رادعية الروايات عن السيرة يكون بوسيلة الاخبار المتواترة الآمرة بالعمل بخبر الثقة فلولاها لم تتم السيرة ولم تكن هي دليلا مستقلا برأسه فتأمل جيداً فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله فانه مضافاً إلى انها وردت إرشاداً ... إلخ)

إشارة إلى الجواب الأول من الأجوبة الثلاثة عن رادعية الآيات وقد عرفت منا

٢٥٥

ما يؤيده غير انه كان جواباً عن رادعية الآيات فقط دون الروايات.

(قوله ولو سلم فانما المتيقن لو لا انه المنصرف إليه ... إلخ)

إشارة إلى الجواب الثاني من الأجوبة الثلاثة المتقدمة وقد عرفت منا ضعفه من وجهين

(قوله لا يكاد يكون الردع بها الا على وجه دائر ... إلخ)

إشارة إلى الجواب الثالث من الأجوبة المتقدمة وقد أشرنا انه عمدة الأجوبة ولكنك قد عرفت منا ضعفه أيضاً نقضاً وحلا فلا تنس.

(قوله لا يقال علي هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضاً الا على وجه دائر ... إلخ)

إشارة إلى النقض الّذي أوردناه نحن على الجواب الثالث (ومحصله) ان اعتبار خبر الثقة بالسيرة مما يتوقف على عدم رادعية الآيات عنها وهو دوري كرادعيتها عنها عيناً بمعنى ان عدم رادعيتها عنها يتوقف على مخصصية السيرة لها ومخصصية السيرة لها يتوقف على عدم رادعيتها عنها وهو دور محال (غير ان المصنف) لم يعجبه هذا النقض فأجاب عنه بما حاصله انه يكفي في اعتبار خبر الثقة بالسيرة عدم ثبوت ما يصلح للردع عنها لا ثبوت عدم رادعية الآيات عنها كي يتوقف ذلك على مخصصية السيرة لها ومخصصية السيرة لها يتوقف على عدم رادعية الآيات عنها ويلزم الدور المحال كما انه يكفي أيضاً عدم ثبوت ما يصلح للردع عن السيرة في مخصصية السيرة للآيات فان ما جرت عليه السيرة متبع ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه (وفيه) انه لو صح ذلك وتم لكفى أيضاً في رادعية الآيات عن السيرة عدم ثبوت ما يصلح لتخصيصها فان عموم تلك الآيات متبع ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه.

(قوله كما يكفى في تخصيصها لها ذلك ... إلخ)

أي كما يكفي في تخصيص السيرة للآيات عدم ثبوت الردع عنها وقد عرفت منا النقض آنفاً فلا تغفل.

٢٥٦

(قوله فافهم وتأمل ... إلخ)

يظهر من تعليقته على الكتاب ان هذا إشارة إلى أن خبر الثقة حجة متبعة ولو قيل بسقوط كل من السيرة وإطلاق الآيات الناهية عن الاعتبار بسبب دوران الأمر بين ردعها به وتقييده بها وذلك لاستصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين يعني بهما قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله تعالى ان الظن لا يغني من الحق شيئاً أقول إذا اعترف المصنف بسقوط كل من السيرة والإطلاق عن الاعتبار للسبب المذكور فهو مساوق لرفع اليد عن دليلية السيرة لحجية خبر الثقة ويكون تشبثاً بالاستصحاب كما لا يخفى.

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية

خبر الواحد وبيان الوجه الأول منها

(قوله فصل في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد أحدها انه يعلم إجمالا ... إلخ)

هذا الوجه الأول هو من الشيخ أعلى الله مقامه وكان يعتمد عليه سابقاً على ما صرح به (وملخصه) انه لا شك للمتتبع في أحوال الرّواة المذكورة في تراجمهم وفي كيفية اهتمام أرباب الكتب من المشايخ الثلاثة ومن تقدمهم في تنقيح ما أودعوه في كتبهم وعدم اكتفائهم بأخذ الرواية من كتاب وإيداعها في تصانيفهم حذراً من كون ذلك الكتاب مدسوساً فيه من بعض الكذابين أن أكثر الأخبار بل جلها الا ما شذ وندر صادر عن الأئمة عليهم‌السلام فإذا ثبت العلم الإجمالي بوجود الأخبار الصادرة فيجب بحكم العقل العمل بكل خبر مظنون الصدور لأن تحصيل الواقع

٢٥٧

الّذي يجب العمل به إذا لم يمكن على وجه العلم تعين المصير إلى الظن في تعيينه توصلا إلى العمل بالأخبار الصادرة بل ربما يدعي وجوب العمل بكل واحد منها مع عدم المعارض والعمل بمظنون الصدور أو بمظنون المطابقة للواقع من المتعارضين (انتهى) ملخصه (ثم ان الشيخ) بنفسه قد أورد على هذا الوجه أموراً.

(الأول) ما ملخصه ان وجوب العمل بالأخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام ليس إلا من جهة كاشفيتها عن أحكام الله الواقعية المدلول عليها بتلك الأخبار (وعليه) فالعلم الإجمالي بالأخبار الصادرة فيما بأيدينا من الأخبار يساوق العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية وحينئذ (فنقول) ان العلم الإجمالي بها ليس مختصاً بالأخبار بل العلم الإجمالي بها حاصل في مجموع ما بأيدينا من الأخبار والأمارات الأخر كالشهرة في الفتوى ونحوها فهنا علم إجمالي حاصل في الاخبار وعلم إجمالي حاصل بملاحظة مجموع الاخبار وساير الأمارات ولذا لو فرضنا عزل طائفة من الاخبار بمقدار المعلوم بالإجمال فيها وضممنا إلى الباقي ساير الأمارات كان العلم الإجمالي باقياً على حاله فلو كان العلم الإجمالي مختصاً بالأخبار فقط لانحل العلم الإجمالي بمجرد عزل طائفة منها بمقدار المعلوم بالإجمال فيها وان انضم إلى الباقي ساير الأمارات (ونظير المقام) ما إذا علمنا إجمالا بوجود شياة محرمة في خصوص السود من الغنم وعلمنا أيضاً بوجود شياة محرمة في مجموع القطيع من السود والبيض جميعاً فإذا عزلنا من السود بمقدار المعلوم بالإجمال فيه وضممنا إلى الباقي باقي القطيع كان العلم الإجمالي باقياً على حاله فلو كان العلم الإجمالي مختصاً بالسود فقط لانحل العلم الإجمالي بمجرد عزل مقدار منه بمقدار المعلوم بالإجمال فيه وان انضم إلى الباقي باقي القطيع (وعليه) فاللازم في المقام وكل مقام آخر كان من هذا القبيل هو مراعاة العلم الإجمالي الكبير الأوسع ففي المقام لا بد أولا من الاحتياط في مجموع الأخبار وساير الأمارات ومع تعذره أو تعسره أو قيام الدليل على عدم وجوبه يرجع إلى كل ما أفاد الظن بصدور الحكم عن الحجة

٢٥٨

سواء كان خبراً أو شهرة أو غيرهما فهذا الدليل مما لا يفيد حجية خصوص الخبر وانما يفيد حجية كل ما ظن منه بصدور الحكم عن الحجة وان لم يكن خبراً.

(الثاني) ما ملخصه ان اللازم من هذا العلم الإجمالي هو العمل بالظن في مضمون تلك الأخبار لا العمل بالظن في صدور تلك الأخبار وذلك لما عرفت من ان العمل بالخبر الصادر انما هو باعتبار كون مضمونه حكم الله الّذي يجب العمل به وحينئذ فكلما ظن بمضمون خبر منها ولو من جهة الشهرة على طبقه يؤخذ به ولو لم يكن مظنون الصدور وكل خبر لم يحصل الظن بكون مضمونه حكم الله لا يؤخذ به ولو كان مظنون الصدور كما في الخبر الّذي ظن بصدوره تقية فالعبرة هي بظن مطابقة الخبر للواقع لا بظن صدوره.

(الثالث) وهو عمدة الأمور الثلاثة ما ملخصه انه لا يثبت بهذا الدليل الا وجوب العمل بالخبر المثبت للتكليف واما الخبر النافي للتكليف فلا يجب العلم به وإن جاز ذلك قطعاً وهكذا لا يثبت به حجية الاخبار على وجه ينهض لصرف ظواهر الكتاب والسنة القطعية وانما يجب العمل بمثبته احتياطاً من جهة العلم الإجمالي بالصدور ومعنى حجية الخبر هو كونه دليلا متبعاً في مخالفة الأصول العملية واللفظية مطلقاً أي سواء كان الخبر مثبتاً للتكليف أو نافياً له وسواء كان الأصل اللفظي هي أصالة العموم أو أصالة الإطلاق أو أصالة الحقيقة وهذا المعنى مما لا يكاد يثبت بالدليل المذكور كما لا يخفى.

(أقول)

اما الإيراد الثالث فهو وارد إنصافاً لا محيط عنه ولا مفر (ومن هنا) قد ارتضاه المصنف كما ستعرف ذلك وجعله جواباً عن هذا الوجه الأول.

(واما الإيراد الثاني) فهو غير مهم فان المقصود من الاستدلال بهذا الوجه هو حجية الخبر ولو في الجملة سواء كان مظنون الصدور أو مظنون المطابقة ومن هنا ليس عنه في كلام المصنف عين ولا أثر.

٢٥٩

(واما الإيراد الأول) وهو دعوى ان لنا علمين إجماليين أحدهما في خصوص الأخبار والآخر في مجموع ما بأيدينا من الاخبار وساير الأمارات وان اللازم هو مراعاة العلم الإجمالي الكبير الأوسع فينتج حجية كل أمارة ولو لم يكن خبراً فهو غير وارد إنصافاً فإنا وان كنا نعلم إجمالا في بدو الأمر بوجود تكاليف شرعية في مجموع ما بأيدينا من الاخبار وساير الأمارات ولكن بعد التتبع في أحوال الرّواة والتأمل في كيفية اهتمام أرباب الكتب من المشايخ الثلاثة ومن تقدمهم في تنقيح ما أودعوه في كتبهم إلى غير ذلك مما ذكر عند الاستدلال بهذا الوجه الأول نعلم إجمالا بصدور كثير من الاخبار التي بأيدينا بمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف الشرعية في المجموع فينحل العلم الإجمالي الكبير قهراً إلى العلم الإجمالي الصغير في خصوص الاخبار فيجب الاحتياط أو التنزل إلى الظن في خصوص الاخبار لا في مجموع ما بأيدينا من الاخبار وساير الأمارات (ومن هنا عدل المصنف) في بيان هذا الوجه الأول عن النحو الّذي قرره الشيخ إلى نحو يسلم من هذا الإيراد أي من تعدد العلم الإجمالي ولزوم مراعاة العلم الإجمالي الكبير الأوسع (فقال) أحدها انه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لانحل علمنا الإجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وساير الأمارات إلى العلم التفصيليّ بالتكاليف في مضامين الاخبار إلى آخره يعني بذلك انحلال العلم الإجمالي الكبير الموجود في المجموع إلى العلم الإجمالي الصغير المختص بالأخبار كما سيأتي تصريحه به في آخر هذا الوجه فانتظر.

(قوله ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الأخبار المثبتة ... إلخ)

(نعم) لازم ذلك هو ما ذكره المصنف ولكن فيما كان العلم الإجمالي بالصدور متعلقاً بالأخبار المثبتة للتكليف وإلّا فمجرد العلم الإجمالي بالصدور مما لا يجدي شيئاً بعد جواز كون الصادر بتمامه في الاخبار النافية (وقد تفطن الشيخ أعلى الله مقامه) لهذه النكتة (فقال) فيما أفاده في تقريب الوجه المذكور (ما لفظه)

٢٦٠