عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

(والتقريب الثاني) هو التقريب المتعارف المشهور الّذي جعل الشرط فيه نفس مجيء الفاسق بالنبإ كما هو كذلك واقعا وقد أشار إليه المصنف بقوله نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به ... إلخ.

(والتقريب الثالث) هو هذا التقريب الّذي أشار إليه بقوله مع انه يمكن أن يقال ... إلخ (ومحصله) ان القضية الشرطية في الآية الشريفة وان كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع ولكنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين بنبإ الفاسق فقط ومقتضاه انه إذا انتفى نبأ الفاسق وتحقق موضوع آخر مكانه كنبإ العادل لم يجب التبين عنه (وفيه) ان هذه الدعوى مما لا شاهد لها ولا دليل عليها ولا يساعدها فهم العرف فلا يتم التقريب كما لم يتم التقريبين السابقين أصلا.

والأظهر أن يتمسك بالآية الشريفة بتقريب مفهوم الوصف فانه وإن تقدم في محله انه لا مفهوم للوصف على نحو يدل على الانتفاء عند الانتفاء مطلقا ولكن تقدم منا انه يدل على الانتفاء عند الانتفاء في الجملة بمعنى ان نبأ الفاسق إذا وجب التبين عنه فنبأ العادل مما لا يجب التبين عنه في الجملة وإلا بأن وجب التبين عن نبأ العادل أيضا بجميع أفراده كما في نبأ الفاسق عينا لكان التقييد بالفاسق لغوا جدا وهذا المقدار مما يكفي في إبطال دعوى السلب الكلي أي عدم حجية خبر الواحد مطلقا فتأمل جيدا.

(قوله ولكنه يشكل بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم ان أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك ... إلخ)

إشارة إلى الإيراد الثاني من الإيرادين المشهورين بعدم إمكان دفعهما (قال الشيخ) أعلى الله مقامه الثاني ما أورده في محكي العدة والذريعة والغنية ومجمع البيان والمعارج وغيرها من أنا لو سلمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن نقول ان مقتضي عموم التعليل وجوب التبين في كل خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا فيعارض المفهوم والترجيح مع ظهور التعليل

٢٠١

انتهى (ومحصله) انا سلمنا ان الآية الشريفة تدل مفهوما اما من جهة الشرط أو الوصف على ان خبر العادل حجة مطلقا ولو لم يفد العلم ولكن التعليل بقوله تعالى أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين مما يدل منطوقا على ان الخبر الّذي لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به ليس بحجة ولو كان المخبر عادلا والترجيح للتعليل (فانه مضافا) إلى كونه منطوقا لا مفهوما ان نفس التعليل بأمر عام مشترك بين كل من نبأ الفاسق والعادل الغير المفيد للعلم جميعا وهو إصابة القوم بجهالة مما يوجب نفي المفهوم للآية الشريفة من حجية نبأ العادل مطلقا ولو لم يفد العلم فتدبر جيدا.

(قوله ولا يخفى ان الإشكال انما يبتنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة ... إلخ)

إشارة إلى ما تفصي به بعضهم عن الإيراد الثاني من الإيرادين المشهورين بعدم إمكان دفعهما (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ثم ان المحكي عن بعض منع دلالة التعليل على عدم جواز الإقدام على ما هو مخالف للواقع بان المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله لا مقابل العلم بدليل قوله تعالى فتصبحوا على ما فعلتم نادمين انتهى (وحاصله) ان المراد بالجهالة ليس ما يقابل العلم كي يكون التعليل مشتركا بين كل من نبأ الفاسق والعادل الغير المفيد للعلم جميعا ويوجب نفي المفهوم للآية الشريفة بل المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل فيختص بنبإ الفاسق فقط ولا يكاد يشمل نبأ العادل كي ينافي المفهوم وحجية نبئه مطلقا ولو لم يفد العلم

(أقول)

ويؤيده بل يدل عليه قوله تعالى في سورة النساء انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم الآية (فان الظاهر) من الجهالة فيها بقرينة قوله ثم يتوبون من قريب ليس ما يقابل العلم بل المراد منها

٢٠٢

صدور ما لا ينبغي صدوره عن العاقل المتأمل في عواقب الأمور أي انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بسفاهة ثم يندمون ويتوبون من قريب فيتوب الله عليهم (وقد ذكر الطبرسي) أعلى الله مقامه في تفسير الآية انه روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال كل ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه فقد حكى الله تعالى قول يوسف لإخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله انتهى (هذا ولكن قد أورد الشيخ) أعلى الله مقامه على التفصي المذكور بقوله وفيه مضافا إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ان الإقدام على مقتضي قول الوليد يعني به من نزلت الآية في حقه لم يكن سفاهة قطعا إذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الأمور من دون وثوق بخبر المخبر بها انتهى.

(أقول)

وفيه مضافا إلى ان المعنى المذكور أي فعل ما لا ينبغي صدوره عن العاقل هو الظاهر من لفظ الجهالة كما عرفت في آية التوبة سيما بعد ورود الحديث المذكور في تفسيرها (ان العاقل) قد يقدم على فعل ما لا ينبغي صدوره عنه غفلة منه في الأمر الّذي أقدم فيه فينبهه الأعقل إلى فعله وانه قد أقدم على ما لا ينبغي صدوره عنه فيتركه ويدعه (ثم ان الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكر معنى آخر للجهالة يحصل به التفصي أيضا وهو ان يكون المراد من التبين في قوله تعالى فتبينوا هو الظهور والانكشاف الاطمئناني لا التبين العلمي ويكون المراد من الجهالة ما يقابل الظهور والانكشاف الاطمئناني فيختص التعليل بنبإ الفاسق فقط ولا يعم نبأ العادل كي ينافي المفهوم فان خبر العادل مما يورث الانكشاف الاطمئناني غالبا بخلاف نبأ الفاسق (قال أعلى الله مقامه) وهذا الإيراد يعني به الإيراد الثاني المحكي عن العدة والذريعة وغيرهما مبني على ان المراد بالتبين هو التبين العلمي كما هو مقتضي اشتقاقه ويمكن أن يقال ان المراد منه ما يعم الظهور العرفي الحاصل من الاطمئنان الّذي هو في مقابل الجهالة

٢٠٣

(إلى ان قال) فالأولى لمن يريد التفصي عن هذا الإيراد التشبث بما ذكرنا من ان المراد بالتبين تحصيل الاطمئنان وبالجهالة الشك أو الظن الابتدائي الزائل بعد الدقة والتأمل.

(أقول)

ان حمل التبين على الانكشاف الاطمئناني وإن كان مما يحصل به التفصي عن الإشكال كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه ولكن حمل الجهالة على فعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل بقرينة آية التوبة سيما بعد ما عرفت من الحديث الشريف الوارد في تفسيرها أقرب وأولى جدا فتأمل جيدا.

في إشكال عدم شمول الآية للروايات

مع الواسطة

(قوله ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام بواسطة أو وسائط إلى آخره)

إشارة إلى أشهر الإيرادات التي يمكن دفعها والجواب عنها ولو باللتيا والتي (قال الشيخ) أعلى الله مقامه واما ما أورد على الآية بما هو قابل للذب فكثير وذكر كثيرا منها ومن جملتها هذا الإشكال المعروف (وحاصل) ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريبه وجوه.

(الوجه الأول) ما أشار إليه الشيخ في صدر كلامه ولم يؤشر إليه المصنف (قال ومنها) ان الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة لانصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة فلا يعم الروايات المأثورة عن الأئمة عليهم‌السلام لاشتمالها على وسائط

٢٠٤

(ثم قال) وضعف هذا الإيراد على ظاهره واضح لأن كل واسطة من الوسائط انما يخبر خبرا بلا واسطة فان الشيخ إذا قال حدثني المفيد قال حدثني الصدوق قال حدثني أبي قال حدثني الصفار قال كتب إلى العسكري عليه‌السلام بكذا فان هناك أخبارا متعددة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ قوله حدثني المفيد ... إلخ وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه فإذا حكم بصدقة وثبت شرعا ان المفيد حدث الشيخ بقوله حدثني الصدوق فهذا الاخبار أعني قول المفيد الثابت بخبر الشيخ حدثني الصدوق أيضا خبر عادل وهو المفيد فنحكم بصدقة وان الصدوق حدثه فيكون كما لو سمعنا من الصدوق اخباره بقوله حدثني أبي والصدوق عادل فيصدق في خبره فيكون كما لو سمعنا أباه يحدث بقوله حدثني الصفار فنصدقه لأنه عادل فيثبت خبر الصفار انه كتب إليه العسكري عليه‌السلام وإذا كان الصفار عادلا وجب تصديقه والحكم بأن العسكري عليه‌السلام كتب إليه ذلك القول كما لو شاهدنا الإمام عليه‌السلام يكتب إليه فيكون المكتوب حجة فيثبت بخبر كل لا حق إخبار سابقه ولهذا يعتبر العدالة في جميع الطبقات لأن كل واسطة مخبر بخبر مستقل (انتهى).

(الوجه الثاني) ما أشار إليه المصنف بقوله فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق ... إلخ (وحاصله) انه لو سلم دلالة آية النبأ مفهوما على حجية قول العادل ووجوب تصديقه فيما أخبر به فالحكم بوجوب تصديقه فيما إذا أخبر عن موضوع من الموضوعات لا يمكن إلّا بلحاظ الآثار الشرعية المترتبة على المخبر به فإذا أخبرنا العادل ان هذا خمر مثلا فالحكم بوجوب تصديقه ليس إلّا بلحاظ الأثر الشرعي المترتب على الخمر وهو الحرمة (وفي المقام) إذا أخبرنا العادل باخبار عادل له فلا يترتب على المخبر به وهو إخبار العادل له سوى وجوب التصديق أيضا فيلزم ان يكون الحكم بوجوب التصديق بلحاظ نفسه أي بلحاظ وجوب التصديق وهو محال للزوم اتحاد الحكم والموضوع فان وجوب تصديق العادل حكم وكل من العادل وخبره والأثر المترتب على ما أخبر به موضوع يجب تحققه في المرتبة السابقة (كما

٢٠٥

ان العادل) إذا أخبر عن عدالة المخبر لزم عين المحذور أيضا وإن كان أجنبيا عن المقام فإذا أخبرنا المخبر مثلا عن شيء وشككنا في عدالته ثم أخبرنا عادل بعدالته فلا يترتب حينئذ على ما أخبر به العادل وهو عدالة المخبر سوى وجوب التصديق أيضا للمخبر المشكوك عدالته (وإلى هذا) قد أشار المصنف بقوله فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ... إلخ.

(ثم ان المصنف) قد أجاب عن هذا الوجه الثاني بما حاصله.

(أولا) ان الإشكال انما يرد إذا لم تكن قضية صدق العادل المساوقة لقوله رتب الأثر على ما أخبر به بلحاظ طبيعة الأثر بل كان بلحاظ مصاديق الآثار الخارجية واما إذا كانت القضية طبيعية أي كان الحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر فالحكم فيها يسرى إلى نفسه أيضا سراية الحكم في قولك كل خبري صادق إلى نفسه من دون ان يلزم منه اتحاد الحكم والموضوع.

(وثانيا) انا نقطع ان المناط الموجود في ساير الآثار المترتبة على ما أخبر به العادل موجود في هذا الأثر أيضا.

(وثالثا) لا قول بالفصل بينه وبين ساير الآثار في وجوب ترتيبه لدى الإخبار بموضوع ذي أثر.

(وفيه) ان هذه الأجوبة الثلاثة كلها في غير محلها إذ لو كان مقصود المستشكل من الإشكال في الوجه الثاني ان الأثر المترتب على المخبر به فيما إذا أخبرنا عادل عن إخبار عادل له أو عن عدالة مخبر وهو وجوب التصديق له هو مما فيه قصور ونقص وانه لا بد من أثر جديد آخر غيره لكانت الأجوبة الثلاثة كلها بمحلها بمعنى انه صح حينئذ ان يقال له في جواب الإشكال إن قضية صدق العادل وإن لم تشمل نفس وجوب التصديق لفظا ولكنها طبيعية يسرى الحكم فيها إلى نفس وجوب التصديق أيضا فلا ضير حينئذ في ان يكون هو الأثر المترتب على المخبر به وهكذا بقية الأجوبة (ولكن مقصود المستشكل) ليس ذلك بل مقصوده

٢٠٦

ان الحكم بوجوب التصديق والتعبد بموضوع من الموضوعات لا يمكن إلّا بلحاظ الأثر الشرعي المترتب عليه في المترتبة السابقة قبل التعبد به والمفروض في المقام ان المخبر به مما لا أثر له في المرتبة السابقة سوى نفس وجوب التصديق الّذي هو عين الحكم والتعبد فيلزم اتحاد الحكم مع الموضوع الواجب تحققه في المرتبة السابقة ومن المعلوم ان هذا الإشكال مما لا يجديه شيء من الوجوه المتقدمة كلها فإنها مما لا يثبت بها التغاير والاثنينية بين الحكم والموضوع ولا تقدم أحدهما على الآخر رتبة أصلا وعليه.

(فالحق) في جواب الإشكال على الوجه الثاني من وجوه تقريبه أن يقال إنه لا إشكال في أن قضية صدق العادل كسائر القضايا نحو أكرم العالم ولا تشرب الخمر وغيرهما تنحل إلى قضايا متعددة جزئية بتعدد الأفراد والمصاديق بحيث كان لكل فرد حكم جزئي مختص به منشعب عن القضية الكبيرة المنحلة (كما لا إشكال) في ان المقصود من لزوم كون المخبر به موضوعا ذا أثر شرعي ان يكون المخبر به على تقدير صدق المخبر ذا أثر شرعي لا ان يكون الأثر مترتبا عليه فعلا ولو لم يكن المخبر صادقا وإلّا لما احتجنا إلى التعبد ووجوب التصديق أصلا (فإذا أخبرنا) مثلا بنعق الغراب فلا يصح التعبد به إذ المخبر به على تقدير صدق المخبر مما لا يكون له أثر شرعي بخلاف ما إذا أخبرنا بخمرية مائع موجود فانه على تقدير صدق المخبر يكون المخبر به مما له أثر شرعي وهو حرمة شربه (وعلى هذا) فإذا أخبرنا المفيد عن الصفار عن العسكري عليه‌السلام انه يجب كذا وكذا فيصح التعبد بخبر المفيد والحكم بوجوب تصديقه فانه على تقدير صدقه يكون المخبر به وهو اخبار الصفار لهذا أثر شرعي وهو وجوب تصديق آخر جزئي متعلق به غير ما تعلق بخبر المفيد وهكذا فالحكم فرد من افراد وجوب التصديق والأثر المترتب على المخبر به فرد آخر منه مختص به فلا يتحد الحكم مع الموضوع حينئذ أي مع الأثر المترتب على المخبر به كي يستحيل عقلا.

٢٠٧

(ثم ان هذا الوجه الثاني) من تقريب الإشكال قد أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما ذكر الوجه الأول ولكن ليس في كلماته الشريفة جواب عن هذا التقريب أصلا (قال) بعد العبارة المتقدمة في بيان الوجه الأول (ما لفظه) ولكن قد يشكل الأمر بأن الآية انما تدل على وجوب تصديق كل مخبر ومعنى وجوب تصديقه ليس إلّا ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على صدقه عليه فإذا قال المخبر ان زيدا عدل فمعنى وجوب تصديقه وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على عدالة زيد من جواز الاقتداء به وقبول شهادته وإذا قال المخبر أخبرني عمرو ان زيدا عادل فمعنى تصديق المخبر على ما عرفت وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد ومن الآثار الشرعية يعني من جملة الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد إذا كان عادلا وإن كان هو وجوب تصديقه في عدالة زيد إلا ان هذا الحكم الشرعي لإخبار عمرو إنما ثبت بهذه الآية وليس من الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به مع قطع النّظر عن الآية حتى نحكم بمقتضى الآية بترتيبه على إخبار عمرو به (قال) والحاصل ان الآية تدل على ترتيب الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعي على إخبار العادل ومن المعلوم ان المراد من الآثار غير هذا الأثر الشرعي الثابت بنفس الآية (انتهى).

(الوجه الثالث) ما أشار إليه المصنف بقوله ولا يخفى انه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك للإشكال في خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا ... إلخ (وحاصله) انه لا إشكال في الواسطة الأولى أي في مبدأ السلسلة فان إخبارها لنا أمر محسوس بالوجدان فتشملها الآية ويجب تصديقها ولكن الواسطة الثانية لم يثبت إخبارها لنا إلّا بشمول الآية للواسطة الأولى وبوجوب تصديقها علينا فكيف يمكن أن تشمل الآية الواسطة الثانية أيضا مع انها هي التي حققتها شرعا فإذا أخبرنا المفيد مثلا انه أخبره الصفار انه قال العسكري عليه‌السلام كذا وكذا فإخبار المفيد محرز محسوس لنا بالوجدان فتشمله قضية صدق العادل

٢٠٨

المستفادة من الآية الشريفة وبوسيلة هذا الشمول ووجوب التصديق له يثبت المخبر به وهو إخبار الصفار له وحينئذ كيف يعقل ان تشمل القضية إخبار الصفار أيضا مع انها هي التي أوجدته تعبدا فانه لو شملته الآية لزم تقدم الشيء على نفسه في الرتبة فإن إخبار الصفار بما انه قد تحقق بوجوب تصديق المفيد متأخر عن وجوب التصديق تأخر المعلول عن العلة فإذا تعلق وجوب التصديق بنفس خبر الصفار أيضا لزم تقدمه على وجوب التصديق تقدم الموضوع على الحكم وهذا هو تقدم الشيء على نفسه في الرتبة.

(ثم ان المصنف) قد أجاب عن هذا الوجه الثالث بعين ما أجاب به عن الوجه الثاني (وحاصله) انه بعد ما اندفع الإشكال في الوجه المتقدم بشمول الآية المبدإ السلسلة وهو المفيد في المثال المذكور نظرا إلى ان ما أخبر به وهو اخبار الصفار له ذو أثر شرعي ولو كان هو نفس وجوب التصديق إما لأن القضية طبيعية يسرى الحكم فيها إلى نفسها أو لأن المناط الموجود في ساير الآثار موجود فيه أو لعدم الفصل بينه وبين ساير الآثار فلا بدّ حينئذ من ترتيب أثره عليه بمعنى انه لا بد من تصديق الصفار الّذي هو واسطة ثانية فلا مجال للإشكال في خصوصها أو في الوسائط من بعدها لو كانت بعدها وسائط (وفيه) ان هذا الجواب في غير محله أيضا فان الإشكال على الوجه الثالث ليس من ناحية كون الواسطة الثانية مما لا أثر له كي يقال في دفعه إنها مما له أثر شرعي بمقتضى الجهات الثلاث المذكورة بل من ناحية استحالة شمول وجوب التصديق لها نظرا إلى ان خبريتها تكون بوسيلته فكيف يكون هو حكمها وتلك موضوعه.

(والحق) في جوابه ما تقدم منا في دفع الوجه الثاني من انحلال قضية صدق العادل إلى قضايا متعددة جزئية بتعدد الاخبار في الخارج فما تعلق بخبر المفيد وتحقق به إخبار الصفار له فرد خاص من الحكم وما تعلق بإخبار الصفار له فرد آخر من الحكم غير ما تحقق به تعبدا وهكذا فلا يلزم تقدم الشيء على نفسه في الرتبة.

٢٠٩

(ثم ان هذا الوجه الثالث) قد أشار إليه الشيخ أعلى الله مقامه على ما في بعض النسخ في الهامش بعد ما فرغ من الوجه الأول ففي المتن بعد ما ذكر الوجه الأول ذكر الوجه الثاني وفي الهامش ذكر الوجه الثالث بدلا عن الثاني (وهذا لفظه) قال ولكن قد يشكل الأمر بأن ما يحكيه الشيخ من المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق فكيف يصير موضوعا لوجوب التصديق الّذي لم يثبت موضوع الخبرية إلا به (ثم قال في المتن) وبعبارة أخرى الآية لا تدل على وجوب قبول الخبر الّذي لم يثبت موضوع الخبرية له إلا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر لأن الحكم لا يشمل الفرد الّذي يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر ومن هنا يتجه ان يقال إن أدلة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة لأن الأصل لا يدخل في موضوع الشاهد الا بعد قبول شهادة الفرع لكن يضعف هذا الإشكال أولا بانتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالإجماع كالإقرار بالإقرار وإخبار العادل بعدالة مخبر فإن الآية تشمل الإخبار بالعدالة بغير إشكال وعدم قبول الشهادة على الشهادة لو سلم ليس من هذه الجهة (ثم شرع) أعلى الله مقامه في تضعيف الإشكال بالحل واضطربت النسخ في بيان جوابه الحلي (ومحصله) بعد اللتيا والتي ان قضية صدق العادل وان كانت قاصرة لفظا عن شمول مثل خبر الصفار المحكي بخبر المفيد نظرا إلى ان القضية هي التي حققت خبر الصفار فكيف تشمله هي ولكن المناط الموجود في ساير الاخبار موجود في هذا الخبر أيضا بل لا قصور فيها بعد ما علم ان المحمول لها وهو وجوب التصديق وصف لازم لطبيعة الموضوع وهو الخبر لا يكاد ينفك عنه أصلا.

(أقول)

ولعمري ان هذا الجواب هو من ضيق الخناق وعسر الموقف والصحيح في الجواب هو ما أجبنا به عن الوجه الثاني والثالث جميعا من انحلال قضية صدق العادل إلى قضايا متعددة جزئية بتعدد الأخبار في الخارج ... إلخ فتأمله جيدا.

٢١٠

(الوجه الرابع) هو ما تعرضه بعضهم في ضمن الوجوه المتقدمة (وحاصله) ان المخبر به لا بد وان يكون حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي والمخبر به في الإخبار مع الواسطة ليس حكما شرعيا من وجوب أو حرمة أو نحوهما ولا موضوعا ذا حكم شرعي نظير العدالة المترتبة عليها جواز الاقتداء ونحوه أو الخمر المترتب عليه حرمة الشرب ونحوها فلا يصح التعبد به.

(وفيه) مضافا إلى انه لو صح ذلك لجرى الإشكال حتى في الإخبار بلا واسطة كما إذا أخبرنا الصفار انه قال العسكري عليه‌السلام يجب كذا وكذا فان الصفار لا يخبر الا عن قول العسكري وقوله عليه‌السلام ليس حكما شرعيا بل مقوله حكم شرعي كما انه ليس موضوعا ذا حكم شرعي نظير العدالة وان كان موضوعا يلزم منه حكم شرعي (انه يكفي) في صحة التعبد بشيء وعدم كونه لغوا عبثا أن يكون المتعبد به مما ينتهي إلى الحكم الشرعي ولو بعد سبعين واسطة فضلا عن واسطتين أو ثلاث أو أكثر ففي وعاء إخبار الشيخ مثلا عن المفيد عن الصفار عن العسكري عليه‌السلام يقع التعبد بإخبار الشيخ ليثبت به ما أخبر به وهو اخبار المفيد له ليقع التعبد بإخباره أيضا ويثبت به ما أخبر به وهو إخبار الصفار له ليقع التعبد بإخباره أيضا ويثبت به ما أخبر به وهو إخبار العسكري عليه‌السلام له ليثبت به الحكم الشرعي الإلهي وهو مما يكفي في صحة التعبد بجميع هذه الإخبارات كلها تماما.

(قوله فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق ... إلخ)

شروع في الوجه الثاني من وجوه تقريب الإشكال وقد أشرنا قبلا ان هذه العبارة هي إشارة إلى الوجه الثاني كما أشرنا ان المصنف لم يؤشر إلى الوجه الأول أصلا.

(قوله فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ... إلخ)

قد أشرنا إلى شرح هذه العبارة في ذيل الوجه الثاني فتذكر.

٢١١

(قوله نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في ان يكون بلحاظه أيضا حيث انه صار أثرا بجعل آخر ... إلخ)

بمعنى انه في وعاء إخبار المفيد مثلا عن الصفار عن العسكري عليه‌السلام إذا أنشأ وجوب التصديق أولا لإخبار الصفار ثم أنشأ هذا الحكم ثانيا لإخبار المفيد الحاكي لإخبار الصفار فلا بأس ان يكون الحكم بوجوب تصديق المفيد وترتيب الأثر على كلامه بلحاظ وجوب التصديق المترتب على خبر الصفار إذ المترتب على خبر الصفار حينئذ مجعول بجعل آخر لا بجعل واحد كي يلزم منه ان يكون الحكم بلحاظ نفسه ويلزم اتحاد الحكم والموضوع.

(قوله ويمكن الذب عن الإشكال ... إلخ)

في العبارة مسامحة والصحيح ان يقال ويمكن ذب الإشكال أي دفعه (وعلى كل حال) هذا شروع في الجواب عن الوجه الثاني من وجوه تقريب الإشكال وقد عرفت انه مع ما يتلوه من الجوابين الآخرين عن هذا الوجه الثاني في غير محله وان الجواب الصحيح هو ما ذكرناه من انحلال قضية صدق العادل إلى قضايا متعددة جزئية وان الحكم فرد والموضوع فرد آخر.

(قوله بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع ... إلخ)

بل قد عرفت ان المحذور باق على حاله وان الجواب المذكور مع ما يتلوه من الجوابين الآخرين مما لا يجدي في إثبات التغاير والاثنينية بين الحكم والموضوع ولا تقدم أحدهما على الآخر رتبة وان المجدي له هو ما ذكرناه من الانحلال.

(قوله وان كان لا يمكن ان تكون ملحوظة لأجل المحذور ... إلخ)

لا وجه لتأنيث الصفة والصحيح كما في بعض النسخ هكذا وان كان لا يمكن ان يكون ملحوظا لأجل المحذور أي لأجل اتحاد الحكم والموضوع.

(قوله وهو خبر العدل وعدالة المخبر ... إلخ)

الأول في المقام والثاني في غير المقام.

٢١٢

(قوله ولو بنفس الحكم في الآية ... إلخ)

فان الحكم بوجوب تصديق العادل المستفاد من الآية الشريفة حيث كان بنحو القضية الطبيعية وقد سرى إلى نفس وجوب التصديق أيضا فصار وجوب التصديق أثرا شرعيا للمخبر به وهو خبر العدل بحكم الآية.

(قوله فافهم ... إلخ)

ولعله إشارة إلى ضعف الأجوبة الثلاثة المتقدمة كلها وانها في غير محلها جميعا بالنسبة إلى تقرير الإشكال على الوجه الثاني وان التغاير والاثنينية بين الحكم والموضوع مما لا يثبت بمجرد كون القضية طبيعية والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر أو بمجرد القطع بتحقق المناط الموجود في ساير الآثار في هذا الأثر أو بعدم القول بالفصل بينه وبين ساير الآثار وقد أوضحنا لك وجه الضعف كما هو حقه في ذيل بيان الوجه الثاني بعد ذكر أجوبة المصنف كلها فتذكر.

(قوله ولا يخفى انه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك للإشكال في خصوص الوسائط من الاخبار ... إلخ)

شروع في الوجه الثالث من وجوه تقريب الإشكال كما أشرنا قبلا.

(قوله وذلك لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي ... إلخ)

شروع في الجواب عن الوجه الثالث وقد عرفت انه في غير محله كأجوبته الثلاثة المتقدمة عن الوجه الثاني والصحيح في الجواب هو ما ذكرناه من الانحلال والمعنى بحسب المثال المذكور في الكتاب هكذا وذلك لأنه إذا كان ما أخبر به العدل يعني به المفيد وهو إخبار الصفار له ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية لإحدى الجهات الثلاث المتقدمة وجب ترتيبه عليه فلا مجال للإشكال فيه من ناحية كونه واسطة ثانية

(قوله أو لشمول الحكم فيها له مناطا ... إلخ)

أي لشمول الحكم في القضية الطبيعية لنفس الحكم مناطا بمعنى ان المناط الموجود في ساير الآثار موجود في نفس وجوب التصديق أيضا.

٢١٣

في الاستدلال بآية النفر

(قوله ومنها آية النفر قال الله تبارك وتعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية ... إلخ)

هي في سورة التوبة قبل أن تنتهي بآيات وتمام الآية هكذا وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.

(قوله وربما يستدل بها من وجوه ... إلخ)

بل الاستدلال بها من وجه واحد وهو دلالة الآية الشريفة على وجوب الحذر عند إنذار المتفقه في الدين مطلقا سواء حصل منه العلم أم لا وهو معنى حجية خبر الواحد تعبدا (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ذكر الآية الشريفة (ما لفظه) دلت على وجوب الحذر عند إنذار المنذرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد (انتهى) نعم الاستدلال لوجوب الحذر من وجهين على ما يظهر من الشيخ بل من وجوه كما ستعرف تفصيلها.

(ثم انه لو تم الاستدلال بالآية) فهي كما تدل على حجية قول المتفقه في الدين مطلقا من غير فرق بين أن يحصل منه العلم أم لا فتكون من أدلة حجية خبر الواحد فكذلك تدل على حجية قوله مطلقا من ناحية أخرى أي من غير فرق بين أن يبين الحكم بنحو الإخبار عن المعصوم أو بنحو الفتوى فتكون من أدلة التقليد أيضا كما ستأتي الإشارة إليه في محله إن شاء الله تعالى.

(قوله أحدهما أن كلمة لعل ... إلخ)

(وحاصل) هذا الوجه أن كلمة لعل بل وساير الصيغ الإنشائية على ما تقدم في بعض مباحث الصيغة وان كانت مستعملة في معناها الحقيقي وهو إنشاء الترجي حتى

٢١٤

فيما إذا وقعت في كلامه تعالى ولكن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه جل وعلا فلا محالة تكون مستعملة بداعي محبوبية التحذر وإذا ثبت محبوبية التحذر ثبت وجوبه شرعا وعقلا (اما شرعا) فللإجماع المركب فان الأمة بين من لا يجوز العمل بخبر الواحد أصلا وبين من يجوزه ويلتزم بوجوبه فالقول بجواز العمل به ورجحانه دون وجوبه قول بالفصل (واما عقلا) فلأنه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه فان المقتضي للحذر ان كان موجودا فقد وجب الحذر وإلّا فلا يحسن من أصله بل لا يمكن الحذر بدون المقتضي أصلا (وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى كلتا الجهتين جميعا (فقال) وإذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه اما لما ذكره في المعالم من انه لا معنى لندب الحذر إذ مع قيام المقتضي يجب ومع عدمه لا يحسن واما لأن رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالإجماع المركب لأن كل من أجازه فقد أوجبه (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(قوله ثانيها انه لما وجب الإنذار ... إلخ)

(وحاصل) هذا الوجه الثاني ان النفر واجب بمقتضى كلمة لو لا التحضيضية فان التحضيض هو الطلب بحث وإزعاج فإذا وجب النفر وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وإذا وجب الإنذار وجب التحذر والقبول من المنذر وإلّا لغي وجوب الإنذار كما لا يخفى.

(قوله ثالثها انه جعل غاية للإنذار الواجب ... إلخ)

(وحاصل) هذا الوجه الثالث ان النفر واجب بمقتضى كلمة لو لا التحضيضية كما في الوجه الثاني فإذا وجب النفر وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وإذا وجب الإنذار وجب التحذر لكونه غاية أيضا للإنذار الواجب (والفرق) بين هذا الوجه وسابقه ان في الوجه السابق أثبت المستدل وجوب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب وأثبت وجوب الحذر للملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب التحذر والقبول وإلّا لغي وجوب الإنذار (وفي هذا الوجه) قد أثبت وجوب الإنذار

٢١٥

لكونه غاية للنفر الواجب وأثبت وجوب التحذر أيضا لكونه غاية للإنذار الواجب (ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد أشار إلى كل من الوجه الثاني والثالث بنحو أو في (قال ما هذا لفظه) الثاني ان ظاهر الآية وجوب الإنذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا فإذا وجب الإنذار أفاد وجوب الحذر لوجهين.

(أحدهما) وقوعه غاية للواجب فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الآمر به بانتفائه سواء كان من الأفعال المتعلقة للتكليف يعني به مثل قولك ادخل السوق واشتر اللحم (قال) أم لا كما في قولك تب لعلك تفلح وأسلم لعلك تدخل الجنة وقوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى.

(الثاني) انه إذا وجب الإنذار ثبت وجوب القبول وإلّا لغي الإنذار (قال) ونظير ذلك ما تمسك به في المسالك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها في العدة من قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فاستدل بتحريم الكتمان ووجوب الإظهار عليهن على قبول قولهن بالنسبة إلى ما في الأرحام (انتهى) كلامه رفع مقامه.

(قوله ويشكل الوجه الأول ... إلخ)

قد عرفت ان المستدل في الوجه الأول بعد ما أثبت محبوبية التحذر بكلمة لعل قد تشبث لإثبات وجوب التحذر بأمرين بالإجماع المركب وبأنه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه إذ مع قيام المقتضي يجب ومع عدمه لا يحسن (فالمصنف) يناقش في كلا الأمرين جميعا.

(اما في الثاني) فبالنقض بالشبهات البدوية التي لا حجة فيها على التكليف من علم أو علمي حيث يحسن التحذر فيها لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في فوت المصلحة أو درك المفسدة ولا يجب فيها التحذر.

(واما في الأول) فبأن الثابت في المقام عدم القول بالفصل لا عدم الفصل ولعل في الواقع فصل لم يقل به أحد.

٢١٦

(أقول)

وفي كلتا المناقشتين ما لا يخفى.

(اما الأولى) فلان الّذي يحسن في الشبهات البدوية لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في فوت المصلحة أو درك المفسدة انما هو الاحتياط بحكم العقل لا الحذر بعد فرض الأمن من العقاب والقطع بانتفائه بمقتضى البراءة الشرعية والنقليّة جميعا.

(واما الثانية) فلان مجرد عدم القول بالفصل بمعنى اختلاف الأمة على قولين بعضها على قول وبعضها على قول آخر وإطباقهم على نفي الثالث بالالتزام المسمى بالإجماع المركب مما يكفي في ثبوت عدم الفصل.

(نعم) يرد على هذا الوجه ان محبوبية الحذر وان كانت هي مسلمة لأجل كلمة لعل ومحبوبيته مستلزمة لوجوبه شرعا وعقلا ولكن وجوبه على الإطلاق ولو لم يحصل العلم من قول المنذر غير واضح ولا ظاهر ومن المعلوم ان المدعى وهو حجية خبر الواحد تعبدا مما يتوقف على وجوبه كذلك لا على وجوبه في الجملة.

(قوله والوجه الثاني والثالث بعد انحصار فائدة الإنذار بإيجاب التحذر تعبدا ... إلخ)

(وحاصل الإشكال) على الوجه الثاني والثالث ان الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر في الجملة مسلمة ولكنها بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر مطلقا تعبدا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ليكون مساوقا لحجية خبر الواحد ممنوعة إذ لا ينحصر فائدة الإنذار بالتحذر تعبدا ولعل وجوب الإنذار هو لأجل أن يكثر المنذرون فيحصل العلم من قولهم للمنذرين بالفتح فيعملون بعلمهم لا بقول المنذرين تعبدا.

(أقول)

نعم ولكن ذلك إشكال على خصوص الوجه الثاني فان المستدل لم يستدل في الوجه

٢١٧

الثالث بالملازمة بل بكون الحذر غاية للإنذار الواجب وغاية الواجب واجب (اللهم) إلّا إذا كان رجوع الثالث إلى الثاني وان غاية الواجب لا يكون واجبا الا لأجل الملازمة بين وجوب الواجب ووجوب غايته إذا كان فعلا للمكلف وإلّا لزم اللغو كما لا يخفى.

(قوله لعدم إطلاق يقتضى وجوبه على الإطلاق ... إلخ)

إشارة إلى الإشكال الأول من الإشكالات التي أوردها الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بالآية الشريفة وهو أهمها وعمدتها (وحاصله) انه لا إطلاق في المقام يقتضي وجوب الحذر عند الإنذار مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر كي يثبت به حجية خبر الواحد ويتم به المطلوب (غير ان المصنف) علل عدم الإطلاق بكون الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لغائية التحذر ولعل وجوبه مشروط بما إذا حصل العلم من قول المنذر (والشيخ) علل عدم الإطلاق بكون الآية مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون (قال أعلى الله مقامه) بعد ما فرغ من تقريب الاستدلال بالآية (ما لفظه) لكن الإنصاف عدم جواز الاستدلال بها من وجوه الأول انه لا يستفاد من الكلام الا مطلوبية الحذر عقيب الإنذار بما يتفقهون في الجملة لكن ليس فيها إطلاق لوجوب الحذر بل يمكن أن يتوقف وجوبه على حصول العلم فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بما أنذروا وهذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل ولهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس في هذه الآية تخصيص للأدلة الناهية للعمل بما لم يعلم ولذا استشهد الإمام عليه‌السلام فيما سمعت من الأخبار المتقدمة على وجوب النفر في معرفة الإمام عليه‌السلام وإنذار النافرين للمتخلفين مع أن الإمامة لا تثبت إلّا بالعلم (انتهى) ومقصوده من الأخبار المتقدمة ما ذكره قبل ذلك بيسير (من صحيحة) يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس قال أين قول الله عزوجل فلو لا نفر

٢١٨

الآية قال هم في عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين هم ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم (وصحيحة) عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول العامة إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية قال حق والله قلت فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه إن الإمام إذا مات دفعت حجة وصيه على من هو معه في البلد وحق النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إن الله عزوجل يقول فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية (وصحيحة) محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها قلت أفيسع الناس إذا مات العالم ان لا يعرفوا الّذي بعده فقال اما أهل هذه البلدة فلا يعني أهل المدينة واما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم ان الله عزوجل يقول فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية (ثم ان ظاهر المصنف) بل الشيخ أيضا ان المراد من الإطلاق المنفي في المقام ليس هو الإطلاق اللفظي وذلك لوضوح عدم استفادة وجوب الحذر من صيغة الأمر كي يقع الكلام في إطلاقها اللفظي بل المراد هو الإطلاق المقامي أي ليست الآية في مقام بيان وجوب الحذر عند الإنذار بحيث إذا شك في اشتراط وجوبه بشيء أمكن التمسك بإطلاقها المقامي لنفي اشتراطه به بل في مقام بيان وجوب النفر من كل فرقة منهم طائفة أو في مقام مطلوبية الإنذار من المتفقهين بعد رجوعهم إلى قومهم ولذا لو شك في اشتراط وجوب النفر أو الإنذار بشيء مثل كون النافر أو المنذر كهلا أو ذا مال كثير أو نحو ذلك صح التمسك بإطلاقها المقامي لنفي اشتراطه به وانه لو كان لوجوب النفر أو الإنذار شرط خاص غير الشرائط العامة من البلوغ والعقل والعلم والقدرة لكان عليه البيان وهذا واضح.

(قوله لو لم نقل بكونه مشروطا به ... إلخ)

إشارة إلى الإشكال الثاني مما أورده الشيخ أعلى الله مقامه على الاستدلال بالآية الشريفة (قال ما لفظه) الثاني ان التفقه الواجب ليس إلّا معرفة الأمور الواقعية

٢١٩

من الدين فالإنذار الواجب هو الإنذار بهذه الأمور المتفقه فيها فالحذر لا يجب إلا عقيب الإنذار بها فإذا لم يعرف المنذر بالفتح ان الإنذار هل هو وقع بالأمور الدينية الواقعية أو بغيرها خطأ أو تعمدا من المنذر بالكسر لم يجب الحذر حينئذ فانحصر وجوب الحذر فيما إذا علم المنذر صدق المنذر في إنذاره بالأحكام الواقعية (انتهى) موضوع الحاجة من كلامه رفع مقامه (والفرق) بين هذا الجواب وسابقه كما أشار إليه الشيخ بنفسه في بعض كلماته في المقام ان الآية على الجواب السابق ساكتة عن إطلاق وجوب الحذر واشتراطه وان المستفاد منها أصل وجوب الحذر في الجملة فلا ينافي اشتراطه بما إذا حصل العلم من قول المنذر وعلى الجواب الثاني ناطقة بوجوب الحذر عند الإنذار بما تفقه المنذر المستلزم لاشتراط وجوب الحذر بما إذا حصل العلم بصدق المنذر وإحراز كون الإنذار بما تفقه في الدين.

(قوله كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية إلى آخره)

بل قيل في تفسير الآية وجوه (قال الطبرسي) أعلى الله مقامه في تفسير الآية (ما لفظه) اختلف في معناه على وجوه.

(أحدها) ان معناه فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة ليتفقهوا في الدين يعني الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم القرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم ان الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا وقد تعلمناه فيتعلمه السرايا فذاك قوله ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم أي وليعلموهم القرآن ويخوفوهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس في رواية الوالبي وقتادة والضحاك (وقال الباقر عليه‌السلام) كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله ان تنفر منهم طائفة ويقيم طائفة للتفقه وان يكون الغزو نوبا.

٢٢٠