عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

الإجماع قطعا فان الإجماع انما يكشف عن رأي المعصوم إذا لم يكن هناك أمر يحتمل كونه مدركا له وإلّا فلا يكاد يكشف عن رأي الإمام عليه‌السلام واما المحتمل مدركيته في المقام كما أشار إليه المصنف فهو اعتقاد كون الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها مما اتفق عليه العقلاء.

(قوله هو اعتقاد انه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها ... إلخ)

قد أشار بقوله هذا إلى دليل ثالث في المسألة هو أوسع من جميع ما تقدم كله وهو ما حكى عن الفاضل السبزواري (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ما نصه قال الفاضل السبزواري فيما حكى عنه في هذا المقام ما هذا لفظه صحة المراجعة إلى أصحاب الصناعات البارزين في صنعتهم البارعين في فنهم فيما اختص بصناعتهم مما اتفق عليه العقلاء في كل عصر وزمان (انتهى).

(قوله والمتيقن من ذلك انما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمئنان ... إلخ)

هذا جواب عن الدليل الثالث أي والمتيقن من رجوع العقلاء إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها انما هو فيما إذا كان الرجوع مما يوجب الوثوق والاطمئنان

(أقول)

والعجب انه قد أجاب عن هذا الدليل بهذا الجواب ولم يجب به عن الدليل الأول وهو اتفاق العلماء بل العقلاء على الرجوع إلى قول اللغويين في تعيين الأوضاع واستعلام اللغات مع ان المناط فيهما واحد بل اقتصر في الأول على ما أجاب به الشيخ أعلى الله مقامه من ان المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة (وعلى كل حال) قد عرفت ان المتيقن مطلقا هو الرجوع فيما أوجب الوثوق والاطمئنان ولا ضير في العمل بقول اللغوي ولا بغيره إذا حصل

١٤١

منه ذلك ومن المعلوم ان ذلك مما لا يحصل إلا أحيانا لا دائما (وعليه) فالقول بحجية قول اللغوي مطلقا مما لا وجه له.

(قوله ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع ... إلخ) والإنصاف ان منع حصول الوثوق من قول اللغوي مطلقا خلاف الإنصاف نعم لا يحصل منه ذلك دائما كما أشرنا آنفا لا مطلقا ولو أحيانا.

(قوله بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك ... إلخ) وحاصله ان اللغوي انما هو من أهل خبرة موارد الاستعمالات لا تعيين ان أيا منها حقيقة وأيا منها مجاز وإلّا لوضعوا لذلك علامة (وقد أخذ) هذا الجواب من الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد ما أجاب عن اتفاق العلماء بل العقلاء على الرجوع إلى اللغويين بأن المتيقن منه هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة (ما لفظه) هذا مع انه لا يعرف الحقيقة عن المجاز بمجرد قول اللغوي كما اعترف به المستدل في بعض كلماته فلا ينفع في تشخيص الظواهر (انتهى).

(أقول)

وليت شعري لو لم يكن اللغوي من أهل خبرة ذلك ولم يعرف من قوله المعاني الحقيقية من المجازية فمن يكون خبرة ذلك وبقول من تعرف هي بل لا إشكال في ان الخبير بذلك هو اللغوي وأن همه هو تعيين المعاني الحقيقية نعم قد يذكر المعاني المجازية أيضا في خلال المعاني الحقيقية ولكنها تعرف غالبا بتصريح أو بقرائن أخرى فالإنصاف ان الجواب بمنع الصغرى أي بمنع كون اللغوي من أهل خبرة ذلك ليس كما ينبغي فالصحيح هو تسليم الصغرى وانه من أهل الخبرة ولكن يمنع سعة الكبرى وإطلاقها أي الرجوع إلى قول أهل الخبرة من كل فن مطلقا ولو لم يحصل منه الوثوق والاطمئنان فان المتيقن من السيرة العقلائية هو الرجوع إلى قولهم إذا حصل منه الوثوق والاطمئنان لا مطلقا.

١٤٢

(قوله وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة ... إلخ)

دفع لما قد يقال من ان ذكر المعنى أولا هو علامة كون اللفظ حقيقة فيه فلا يتم قول المصنف آنفا وإلّا لوضعوا لذلك علامة (فيجيب عنه) بالانتقاض بالمشترك اللفظي فان المعنى الثاني فيه أيضا حقيقة كالأول فلا تتم العلامة.

(أقول)

إن ذكر المعنى أولا وان لم يكن علامة للحقيقة كما ذكر المصنف ولكن قد أشرنا ان من كلام اللغوي يعرف المعاني الحقيقية من المجازية غالبا إما بتصريح منه أو بقرائن أخرى من دون حاجة إلى هذه العلامة أصلا.

(قوله وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا ... إلخ)

وشرح هذه العبارة مما يحتاج إلى ذكر مقدمتين.

(الأولى) انه قال الشيخ أعلى الله مقامه بعد ما أجاب عن اتفاق العلماء بل العقلاء كما تقدم بأن المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ... إلخ (ما هذا لفظه) ولا يتوهم ان طرح قول اللغوي الغير المفيد للعلم في ألفاظ الكتاب والسنة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام لاندفاع ذلك بأن أكثر مواد اللغات الا ما شذ وندر كلفظ الصعيد ونحوه معلوم من العرف واللغة كما لا يخفى والمتبع في الهيئات هي القواعد العربية المستفادة من الاستقراء القطعي واتفاق أهل العربية أو التبادر (إلى ان قال) وبالجملة فالحاجة إلى قول اللغوي الّذي لا يحصل العلم بقوله لقلة مواردها لا تصلح سببا للحكم باعتباره لأجل الحاجة نعم سيجيء ان كل من عمل بالظن في مطلق الأحكام الشرعية الفرعية يلزمه العمل بالظن بالحكم الناشئ من الظن بقول اللغوي لكنه لا يحتاج إلى دعوى انسداد باب العلم في اللغات بل العبرة عنده بانسداد باب العلم في معظم الأحكام فانه يوجب الرجوع إلى الظن بالحكم الحاصل من الظن باللغة

١٤٣

وإن فرض انفتاح باب العلم فيما عدا هذا المورد من اللغات (انتهى) (وحاصل التوهم) ولو بملاحظة ما يظهر من الشيخ في دفعه ان موارد الحاجة إلى قول اللغوي الغير المفيد للعلم كثيرة وذلك مما يوجب الحكم باعتباره وإلّا لزم انسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام ومرجعه لدى الحقيقة إلى شبه انسداد في اللغات فيكون دليلا رابعا في المسألة الأول اتفاق العلماء بل العقلاء الثاني الإجماع الثالث اتفاق العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة الرابع هو هذا الدليل (ومحصل الجواب) بعد التدبر التام في عبارة الشيخ أمران.

(أحدهما) ان أكثر مواد اللغات وهكذا الهيئات الا ما شذ وندر معلوم من العرف واللغة فلا يكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي الغير المفيد للعلم الا قليلا فلا موجب للحكم باعتباره.

(ثانيهما) ان العبرة في الانسداد هو انسداد باب العلم. في معظم الأحكام (فان قلنا به) كان مطلق الظن حجة ومنه الظن بالحكم الحاصل من قول اللغوي بان الصعيد مثلا لمطلق وجه الأرض ولو كان باب العلم في اللغة نوعا مفتوحا فيما عدا هذا المورد إذ لو كان باب العلم مفتوحا حتى في هذا المورد لكان باب العلم بالحكم الشرعي فيه مفتوحا ومع انفتاحه لم يجز العمل بالظن المطلق قطعا (وان لم نقل) بانسداد باب العلم في معظم الأحكام لم يكن مطلق الظن حجة وان فرض انسداد باب العلم في اللغات غالبا إذ لو توقفنا فيها لم يلزم منه محذور بعد فرض انفتاح باب العلم بمعظم الأحكام الشرعية هذا تمام الكلام في المقدمة الأولى.

(واما المقدمة الثانية) فهي انه قال الشيخ أيضا في آخر البحث (ما لفظه) هذا ولكن الإنصاف ان موارد الحاجة إلى قول اللغويين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول الأفراد المشكوكة أو خروجها وان كان المعنى في الجملة معلوما من دون مراجعة قول اللغوي كما في مثل ألفاظ الوطن والمفازة والتمر والفاكهة والكنز والمعدن والغوص وغير ذلك من متعلقات الأحكام مما لا

١٤٤

يحصى وإن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقف فيها محذورا ولعل هذا المقدار مع الاتفاقات المستفيضة كاف في المطلب فتأمل (انتهى) (وحاصله) ان موارد الحاجة إلى قول اللغوي في معرفة تفاصيل المعاني دون أصل المعنى وان لم تكن كثيرة بحد لو توقفنا فيها لزم المحذور وهو ما ادعاه المتوهم من انسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام ولكنها مع ذلك نفس كثرتها بما هي هي بانضمام تلك الاتفاقات المستفيضة على العمل بقول اللغوي أو مطلق أهل الخبرة كاف في اعتبار قول اللغوي.

(أقول)

إن موارد الحاجة إذا لم تكن هي بحد لو توقفنا فيها لزم المحذور وهكذا الاتفاقات المستفيضة إذا لم تكن بإطلاقاتها مسلمة مقبولة مرضية بل كان المتيقن منها هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة كما تقدم من الشيخ فكيف حينئذ إذا انضم أحدهما إلى الآخر يكفي في المطلب ويحكم باعتبار قول اللغوي والظاهر انه إليه أشار أخيرا بقوله فتأمل ... إلخ هذا كله حاصل الكلام في المقدمتين وإذا عرفتهما (فنقول) ان المصنف قد أشار بقوله وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي ... إلخ إلى الكلام الأخير للشيخ وأجاب عنه بعين الجواب الثاني الّذي استفدناه من الكلام الأول للشيخ في دفع التوهم المتقدم فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله نعم لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد ان يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة ... إلخ)

استدراك عما أفاده من ان انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات غالبا مما لا يوجب اعتبار قول اللغوي أي نعم لو كان دليل على اعتباره بالخصوص فالانسداد كذلك مما لا يبعد ان يكون حكمة لاعتباره لا علة له بحيث يدور الحكم مداره في كل مورد بالخصوص (وتظهر الثمرة) بين الحكمة والعلة في الموارد التي كان باب العلم فيها

١٤٥

مفتوحا علينا فعلى الأول قول اللغوي حجة فيها وعلى الثاني لا يكون حجة لفقد العلة (ثم ان) هذا المعنى قد اقتبسه المصنف من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (قال) في صدر البحث (ما هذا لفظه) فان المشهور كونه أي قول اللغويين من الظنون الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النّظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية وان كانت الحكمة في اعتبارها انسداد باب العلم في غالب مواردها فان الظاهر ان حكمة اعتبار أكثر الظنون الخاصة كأصالة الحقيقة المتقدم ذكرها وغيرها انسداد. باب العلم في غالب مواردها من العرفيات والشرعيات (انتهى).

(قوله لا يقال علي هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة ... إلخ)

وحاصل الإشكال ان بناء على عدم اعتبار قول اللغوي لا فائدة في الرجوع إلى اللغة أصلا (وحاصل الجواب) انه مع ذلك لا يخلو عن فائدة إذ قد يحصل العلم بالمعنى اللغوي بسبب الرجوع إليها كما إذا اتفق اللغويون جميعا بان اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني وقد يحصل العلم بالظهور بسبب الرجوع إليها كما إذا شككنا في معنى لفظ واقع في آية أو رواية وقد راجعنا اللغة وظفرنا فيها على معنيين أو أكثر وكان أحد المعنيين أو المعاني مناسبا مع المورد فحينئذ يوجب ذلك الرجوع ظهور اللفظ فيه وان لم يوجب القطع بالمراد جدا ولا القطع بكون المعنى الظاهر هو المعنى الحقيقي لعدم تصريحهم به وتنصيصهم عليه وهذا واضح.

في الإجماع المنقول

(قوله فصل الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة انه من أفراده ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الفصل هو البحث عن الملازمة بين حجية خبر الواحد وحجية الإجماع المنقول وعدمها بمعنى انه إذا قلنا بحجية خبر الواحد فهل هو يستلزم حجية

١٤٦

الإجماع المنقول نظرا إلى كونه من أفراده ومصاديقه فتشمله أدلته أم لا يستلزم (قال الشيخ) أعلى الله مقامه ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص نظرا إلى انه من افراده فيشمله أدلته والمقصود من ذكره هنا مقدما على بيان الحال في الأخبار هو التعرض للملازمة بين حجية الخبر وحجيته (انتهى).

(أقول)

ومنه يظهر انه لو أخره الشيخ أعلى الله مقامه عن بحث خبر الواحد كان أنسب وأولى فان مرجع البحث فيه إلى شمول أدلة الخبر له وعدمه ومعرفة الأدلة كما هي حقها مما لا تكون الا في خبر الواحد وإن أمكنت الإشارة إليها قبلا بنحو الإجمال مختصرا.

(قوله وتحقيق القول فيه يستدعى رسم أمور الأول ان وجه اعتبار الإجماع هو القطع برأي الإمام عليه‌السلام ومستند القطع به لحاكيه ... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر هو بيان مستند القطع برأي الإمام عليه‌السلام لمن يحكي الإجماع (وبعبارة أخرى) هو بيان طرق حجية الإجماع المحصل عند الأصحاب وقبل الشروع في ذلك ينبغي الإشارة إلى معنى الإجماع لغة واصطلاحا (فنقول) (أما لغة) فهو بمعنى الاتفاق فأجمعوا على كذا أي اتفقوا عليه وبمعنى العزم ومنه قوله تعالى وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب أي عزموا على إلقائه فيها وقوله عليه‌السلام من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له أي من لم يعزم عليه فينويه من الليل فلا صيام له (وأما اصطلاحا) فهو اتفاق مخصوص.

(وقد) اختلف كل من العامة والخاصة في تحديد الإجماع على أقوال.

(اما العامة) الذين هم الأصل له وهو الأصل لهم فيظهر من الفصول انه (عرفه الغزالي) باتفاق أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمر من الأمور الدينية (والفخر الرازي) باتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه

١٤٧

وآله وسلم على أمر من الأمور الدينية (والحاجبي) بإجماع المجتهدين من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عصر على أمر بل ويظهر من شيخ الطائفة في العدة انهم اختلفوا في انحصاره بإجماع الصحابة دون غيرهم من أهل الأعصار أو بإجماع أهل المدينة في كل عصر دون غيرها من ساير الأمصار أو بعدم انحصاره بالصحابة ولا بأهل المدينة فينعقد من غيرهم في كل عصر من جميع الأمصار.

(واما الخاصة) (ففي المعالم) انه اتفاق من يعتبر قوله من الأمة في الفتاوي الشرعية على أمر من الأمور الدينية (وفي الفصول) انه عرفه بعض الأصحاب بإجماع رؤساء الدين من هذه الأمة في عصر على أمر وان العلامة قد اختار تعريف الفخر الرازي أي اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمر من الأمور الدينية (وفي الرسائل) انه عرفه صاحب غاية البادي في شرح المبادي باتفاق أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه يشتمل على قول المعصوم عليه‌السلام إلى غير ذلك من التعاريف المختلفة سعة وضيقا من العامة والخاصة جميعا (ثم ان) الإجماع عند جمهور العامة مما قام الدليل السمعي على اعتباره مثل ما نسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ان أمتي لا تجتمع على الخطأ فنفس الاتفاق بما هو هو يكون حجة شرعا كحجية خبر الثقة ونحوه وعند الشاذ منهم مما دل العقل على اعتباره (وقد ذكر شيخ الطائفة) في العدة كلا من دليليهم العقلي والنقلي جميعا مع ما له من الجواب مشروحا (واما عند) الخاصة فلا يكون الإجماع بما هو هو حجة لا شرعا ولا عقلا وإنما هو حجة من جهة حكايته رأي الإمام عليه‌السلام اما تضمنا أو التزاما عقلا أو عادة على ما ستعرف تفصيل الكل إن شاء الله تعالى (ثم انك) إذا عرفت هذا كله.

١٤٨

في بيان طرق حجية الإجماع المحصل

(فنقول) إن للأصحاب في وجه حجية الإجماع طرق ومسالك.

(الأول) ما اختاره شيخ الطائفة في العدة وصاحب المعالم في المعالم ونسبه الفصول إلى العلامة وجماعة ويظهر من الشيخ في الرسائل انه دل عليه كلام المفيد والمرتضى وابن زهرة والمحقق والعلامة والشهيدين ومن تأخر عنهم بل نسبه قبيل ذلك إلى الإمامية رضوان الله عليهم (قال في العدة) رضوان الله عليه في صدر بحث الإجماع والّذي نذهب إليه أن الأمة لا يجوز ان تجتمع على الخطأ وأن ما يجمع عليه لا يكون إلّا صوابا وحجة لأن عندنا انه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع يكون قوله حجة يجب الرجوع إليه كما يجب الرجوع إلى قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد دللنا على ذلك في كتابنا تلخيص الشافي واستوفينا كل ما يسأل عن ذلك من الأصالة وإذا ثبت ذلك فمتى اجتمعت الأمة على قول فلا بدّ من كونها حجة لدخول الإمام المعصوم في جملتها (وقال في المعالم) ونحن لما ثبت عندنا بالأدلة العقلية والنقليّة كما حقق مستقصى في كتب أصحابنا الكلامية ان زمان التكليف لا يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه فمتى اجتمعت الأمة على قول كان داخلا في جملتها لأنه سيدها والخطأ مأمون على قوله فيكون ذلك الإجماع حجة (وقال في الفصول) في مقام ذكر طرق الأصحاب في حجية الإجماع (ما لفظه) الأول ما ذكره العلامة وجماعة وهو ان الأمة إذا قالت بقول فقد قال المعصوم به أيضا لأنه من الأمة وسيدها ورئيسها والخطأ مأمون عليه (انتهى) (وحاصل هذا الطريق) الأول على ما يظهر من مجموع كلماتهم تماما ان الإمام عليه‌السلام موجود في كل عصر فإذا انعقد الإجماع من الأمة فهو داخل في أشخاصهم وقوله داخل في أقوالهم فانه منهم وسيدهم

١٤٩

ورئيسهم فلا محالة يكون إجماعهم حجة لتضمنه واشتماله على قول الإمام عليه‌السلام وقد اشتهر هذا الطريق الأول بالإجماع التضمني (وفيه) ان مجرد كون الإمام عليه‌السلام موجودا في كل عصر مما لا يقتضي انه إذا انعقد الإجماع من الأمة كان شخصه عليه‌السلام داخلا في أشخاصهم وقوله في أقوالهم فانه مما يبتني على كون الإمام عليه‌السلام في كل عصر يعيش في جملة الناس وان يكون ساكنا في بلادهم وحاضرا في مجالسهم ومجامعهم على نحو يفتى لهم بالحلال والحرام بصورة أحد العلماء فعند ذلك إذا أفتوا بشيء وأجمعوا على أمر كان فتواه عليه‌السلام داخلا قهرا في فتاواهم وقوله في أقوالهم ولكن ذلك غير معلوم لنا بل المعلوم لنا خلافه فانه عليه‌السلام كما في الحديث ممن يسكن البراري والقفار والأودية والصحار خوفا من شرور الأعداء وقاه الله تعالى شرهم (وعليه) فإذا أفتوا بشيء وأجمعوا على أمر لم يكن قوله عليه‌السلام في أقوالهم ولا شخصه في أشخاصهم فلا يكون إجماعهم حجة من هذا الوجه والطريق أصلا (وعلى كل حال) يعتبر في هذا الطريق الأول ان يكون في المجمعين مجهول النسب ليمكن انطباق الإمام عليه‌السلام عليه كما صرح به في العدة والمعالم بل وان يكون مجهول النسب فوق الواحد كي لا يتميز الإمام عليه‌السلام من بين المجمعين بعينه فيعدم فائدة الإجماع (كما انه لا يضر) بحجية الإجماع من هذا الطريق بل ولا بصدقة المسامحي خروج معلوم النسب إذا كان واحدا أو اثنين أو ما يقرب من ذلك إلّا إذا خرج جمع كثير فيخل ذلك بتسمية الإجماع حتى المسامحي منه وان لم يخل بحجيته إذا فرض العلم بدخول الإمام عليه‌السلام في البقية (بل بعض عبائر الأصحاب) مما يوهم عدم إخلال ذلك حتى بالتسمية بمعنى انه مهما اتفق جماعة من أصحابنا رضوان الله عليهم في الفتوى وقد علم بدخول الإمام عليه‌السلام فيهم كان ذلك إجماعا وإن قلت الجماعة ولكن الظاهر ان المقصود من ذلك ان إجماع كل جماعة قد علم بدخول الإمام عليه‌السلام فيها فإجماعها حجة لوجود المناط في إجماعهم لا انه إجماع في الاصطلاح كما أشار بذلك

١٥٠

الشيخ أيضا (قال أعلى الله مقامه) انه قال السيد المرتضى إذا كان علة كون الإجماع حجة كون الإمام فيهم فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام عليه‌السلام في أقوالها فإجماعها حجة (وقال أيضا) قال المحقق في المعتبر بعد إناطة حجية الإجماع بدخول قول الإمام عليه‌السلام انه لو خلا المائة من فقهائنا من قوله لم يكن قولهم حجة ولو حصل في اثنين كان قولهما حجة (وقال أيضا) قال العلامة بعد قوله ان الإجماع عندنا حجة لاشتماله على قول المعصوم وكل جماعة قلت أو كثرت كان قول الإمام عليه‌السلام في جملة أقوالها فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع (ثم قال أعلى الله مقامه) هذا ولكن لا يلزم من كونه حجة تسميته إجماعا في الاصطلاح كما انه ليس كل خبر جماعة يفيد العلم متواترا في الاصطلاح (انتهى) وهو جيد متين.

(الطريق الثاني) ما يستفاد من مواضع متعددة من كلمات شيخ الطائفة في العدة المشتهر بقاعدة اللطف (قال رضوان الله عليه) في حكم ما إذا اختلفت الإمامية على أقوال (ما هذا لفظه) ومتى فرضنا ان يكون الحق في واحد من الأقوال ولم يكن هناك ما يميز ذلك القول من غيره فلا يجوز للإمام المعصوم حينئذ الاستتار ووجب عليه ان يظهر ويبين الحق في تلك المسألة أو يعلم بعض ثقاته الّذي يسكن إليه الحق من تلك الأقوال حتى يؤدي ذلك إلى الأمة ويقترن بقوله علم معجز يدل على صدقه لأنه متى لم يكن كذلك لم يحسن التكليف (ثم قال) بعد ذلك بقليل بعد ان جعل اختلاف الإمامية على قسمين قسم يجوز وقسم يمتنع (ما لفظه) فإن قيل فإذا اتفق ما أجزتموه من القسمين أي اتفق القسم الجائز كيف يكون قولكم فيه قيل متى اتفق ذلك فإن كان على القول الّذي انفرد به الإمام عليه‌السلام دليل من كتاب أو سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور ولا الدلالة على ذلك لأن الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف ومتى لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة (إلى ان قال) وذكر

١٥١

المرتضى علي بن الحسين الموسوي قدس الله روحه انه يجوز ان يكون الحق عند الإمام والأقوال الأخر كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لأنا إذا كنا نحن السبب في استتاره فكل ما يفوتنا من الانتفاع به وبما يكون معه من الأحكام قد فاتنا من قبل أنفسنا ولو أن لنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الّذي كان عنده (قال) وهذا عندي غير صحيح لأنه يؤدي إلى ان لا يصح الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا لأنا لا نعلم دخول الإمام عليه‌السلام فيها إلا بالاعتبار الّذي بينا ومتى جوزنا انفراده بالقول وانه لا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع (وقال) أيضا فيما أفاده في أواخر بحث الإجماع (ما لفظه) إذا ظهر بين الطائفة القول ولم يعرف له مخالف هل يدل ذلك على انه إجماع منهم على صحته أم لا (فقال) ما ملخصه إن كان هناك ما يطابقه من الدليل الموجب للعلم عرفنا صحته وإن كان هناك ما يخالفه من الدليل الموجب للعلم عرفنا فساده (ثم قال) ما لفظه فان عدمنا الطريقين معا ولم نجد ما يدل على صحة ذلك ولا على فساده وجب القطع على صحة ذلك القول وانه موافق لقول المعصوم عليه‌السلام لأنه لو كان قول المعصوم مخالفا له لوجب ان يظهره وإلّا لكان يقبح التكليف الّذي ذلك القول لطف فيه (انتهى) هذا تمام ما في إجماع العدة من العبائر التي يمكن استفادة قاعدة اللطف منها (وحاصل المجموع) انه لا يجوز انفراد الإمام عليه‌السلام بقول الحق فيما لم يكن عليه دليل من كتاب أو سنة ولا يجوز ان تكون الأمة مجتمعين على الباطل فهما اتفق ذلك وجب على الإمام عليه‌السلام لطفا منه على العباد ان يظهر لهم الحق إما بنفسه أو يبعث إليهم من يثق به فيظهر لهم الحق مع اقترانه بمعجز يصدقه الناس به.

(أقول)

والمشهور ان هذا الطريق الثاني هو طريق مستقل لا ربط له بالطريق الأول الّذي هو طريق القدماء غير انه يظهر من المحقق القمي ان لشيخ الطائفة طريقين أي الأول

١٥٢

والثاني جميعا ويظهر من شيخنا الأنصاري ان طريقه منحصر بالثاني وليس له طريق آخر سواه وقد أصر على ذلك واستشهد ببعض العبائر المحكية عن التهذيب مع ان التدبر التام فيما نقلناه مما يقضي بأنه ليس له طريق آخر سوى الطريق الأول المشتهر بالإجماع التضمني كيف ولو كان له طريق آخر غير الأول لذكره في صدر بحث الإجماع كما ذكر الطريق الأول ولم يذكره نعم جعل رضوان الله عليه قاعدة اللطف مدركا للإجماع التضمني ومنشأ للعلم بدخول شخص الإمام عليه‌السلام في أشخاص المجمعين وقوله في أقوالهم كما ينادي بذلك قوله في رد السيد لأنا لا نعلم دخول الإمام عليه‌السلام فيها أي في الطائفة إلّا بالاعتبار الّذي بيناه يعني به وجوب إظهار الحق على الإمام عليه‌السلام أو إظهار من يبين لهم الحق في المسألة (وعلى كل حال) يرد على هذا الطريق الثاني ان إظهار الحق عند إجماع الأمة على الخطأ وإن كان لطفا منه عليه‌السلام ولا يجوز له الإخلال به عقلا ولكن مجرد ذلك مما لا يكفي في استكشاف مطابقة الإجماع لرأي الإمام عليه‌السلام وذلك لجواز أن يكون إظهار الحق مقرونا بمانع أو بمصلحة أهم في الإخفاء فان إظهار الحق ليس بأهم من ظهور نفسه عليه‌السلام فكما انه مقرون قطعا إما بمانع أو بمصلحة أهم في الإخفاء وإلّا لظهر وبرز فكذلك جاز أن يكون إظهار الحق والصواب إما بنفسه أو بإرسال من يثق به مقرونا بمانع أو بمصلحة أهم في الإخفاء (وعليه) فإذا أفتوا العلماء بشيء وأجمعوا كلهم على أمر شرعي ديني لم يكن إجماعهم حجة من هذا الوجه والطريق أبدا.

(الطريق الثالث) ما نسبه المحقق القمي إلى جماعة من محققي المتأخرين ونسبه الفصول إلى معظم المحققين المشتهر هذا الطريق بالإجماع الحدسي (قال في الفصول) الثالث وهو الطريق المعزي إلى معظم المحققين ان يستكشف عن قول المعصوم باتفاق علمائنا الأعلام الذين ديدنهم الانقطاع إلى الأئمة في الأحكام وطريقتهم التحرز عن القول بالرأي ومستحسنات الأوهام فإن اتفاقهم على قول وتسالمهم

١٥٣

عليه مع ما يرى من اختلاف أنظارهم وتباين أفكارهم مما يؤدي بمقتضى العقل والعادة عند أولى الحدس الصائب والنّظر الثاقب إلى العلم بأن ذلك قول أئمتهم ومذهب رؤسائهم وانهم إنما أخذوه منهم واستفادوه من لدنهم إما بتنصيص أو بتقرير (انتهى) (وحاصل هذا الوجه) ان اتفاق جميع العلماء مع ما هم عليه من اختلاف الأنظار والأفكار ومع تجنبهم عن الاستحسانات الظنية والاعتبارات الوهمية وتحرزهم عن القول والعمل بغير علم أو علمي مما يوجب الحدس القطعي واليقين العادي برأي الإمام عليه‌السلام وان الحكم قد نشأ من جانبه ووصل إليهم من قبله بلغهم ذلك خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل (والظاهر) انه يعتبر في هذا الطريق الثالث اتفاق جميع العلماء في جميع الأعصار والأمصار من الأول إلى الآخر فان اتفاقهم كذلك مما يوجب الحدس واليقين برأيه عليه‌السلام وان قولهم نشأ من قوله ورأيهم من رأيه لا مجرد اتفاقهم في عصر واحد فان الاتفاق في عصر واحد انما يكفي على الطريقين المتقدمين من انه عليه‌السلام موجود في كل عصر فإذا اتفق علماء عصر من الأعصار فهو منهم ورئيسهم وشخصه داخل في أشخاصهم وقوله داخل في أقوالهم أو انه لا يجوز انفراد الإمام عليه‌السلام بقول الحق وان العلماء مهما اتفقوا على قول غير حق وجب على الإمام عليه‌السلام لطفا منه على العباد إظهار الحق لهم إما بنفسه أو بإظهار من يبين لهم الحق ولا يكاد يكفي ذلك على هذا الطريق الثالث أبدا (وعلى كل حال) يرد على هذا الطريق ان اتفاق العلماء جميعا انما يستلزم الحدس والقطع عادة برأيه عليه‌السلام إذا انضم إليهم أصحاب الأئمة وحملة الأحاديث الذين ليست أقوالهم مستندة إلى الرّأي والاستنباط والنّظر والاجتهاد بل إلى محض السماع عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة أو مع الواسطة وإلّا فمجرد اتفاق أهل الرّأي والاستنباط والنّظر والاجتهاد مما لا يستلزم القطع عادة برأيه عليه‌السلام لجواز استناد الجميع إلى اجتهادهم وإمكان خطأهم في الاجتهاد جميعا كما لا يخفى (مضافا) إلى انه لو سلم ان اتفاق العلماء وأرباب

١٥٤

النّظر والفتوى مما يستلزم القطع برأيه عليه‌السلام عادة من دون حاجة إلى ضم أقوال الرّواة وحملة الأحاديث إليهم فتحصيل اتفاق العلماء بأجمعهم مشكل جدا بل محال عادة كيف وتحصيل فتاوى علماء عصر واحد في غاية الإشكال فكيف باتفاق العلماء في جميع الأعصار وتمام الأمصار (وعليه) فالطريق الأول والثاني مخدوشان من حيث الكبرى بمعنى ان مجرد كون الإمام عليه‌السلام موجودا في كل عصر وانه منهم وسيدهم ورئيسهم مما لا يقتضي دخول شخص الإمام عليه‌السلام في أشخاصهم وقوله في أقوالهم كما ان مجرد كون إظهار الحق من الإمام عليه‌السلام عند إجماع الأمة على الخطأ الباطل لطفا منه على العباد مما لا يقتضي استكشاف مطابقة رأيه عليه‌السلام مع الإجماع وهذا الطريق الثالث مخدوش كبرى وصغرى بمعنى ان اتفاق العلماء وأهل الفتوى بتمامهم مما لا يستلزم القطع برأيه عليه‌السلام عادة ما لم ينضم إليه أقوال الرّواة وحملة الأحاديث بأجمعهم (ولو سلم ذلك) فتحصيل اتفاق الكل مما لا يتفق نوعا لأحد كي يستلزم القطع برأيه عليه‌السلام عادة (نعم قد يحصل القطع) برأيه عليه‌السلام من اتفاق جماعة من العلماء كما صرح به الشيخ أيضا ولكن ذلك على سبيل الاتفاق والصدفة وليس مما يحصل منه القطع دائما فتدبر جيدا.

(قوله هو علمه بدخوله عليه‌السلام ... إلخ)

إشارة إلى الطريق الأول من الطرق الثلاثة المتقدمة وهو الإجماع التضمني.

(قوله أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عقلا من باب اللطف ... إلخ)

إشارة إلى الطريق الثاني من الطرق الثلاثة المتقدمة وهو الإجماع اللطفي.

(قوله أو عادة ... إلخ)

إشارة إلى الوجه الأول من وجوه الطريق الثالث وهو الإجماع الحدسي فإن الحدسي كما يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه على وجوه (فقد يحصل) الحدس لمدعي الإجماع من مبادئ محسوسة ملزومة عادة لمطابقة رأي الإمام عليه‌السلام كما إذا حصل

١٥٥

الحدس من اتفاق الكل من الأول إلى الآخر (وقد يحصل) من مبادئ محسوسة غير ملزومة عادة لمطابقة رأي الإمام عليه‌السلام كما إذا حصل الحدس من فتوى جماعة اتفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ (وقد يحصل) من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ (قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما فرغ من بيان الطريق الأول والثاني جميعا (ما لفظه) الثالث من طرق انكشاف قول الإمام عليه‌السلام لمدعي الإجماع الحدس وهذا على وجهين.

(أحدهما) ان يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطأناه في استكشافه وهذا على وجهين.

(أحدهما) ان يحصل له الحدس الضروري من مبادئ محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحس فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار يحصل لنا العلم كما حصل له.

(ثانيهما) ان يحصل الحدس له من اخبار جماعة اتفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ لكن ليس اخبارهم ملزوما عادة للمطابقة لقول الإمام عليه‌السلام بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.

(الثاني) ان يحصل ذلك من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ بل علمنا بخطإ بعضها في موارد كثيرة من نقلة الإجماع علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد واستظهرنا ذلك منهم في موارد أخر (انتهى).

(قوله أو اتفاقا من جهة حدس رأيه عليه‌السلام وان لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة ... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني من وجوه الطريق الثالث وهو الإجماع الحدسي وقد أشير الآن إلى وجوهه الثلاثة بأجمعها وانها تظهر جميعا من كلام الشيخ أعلى الله مقامه (نعم) لم يؤشر المصنف إلى الوجه الثالث كما أشار إلى الأول والثاني.

١٥٦

(قوله كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الإجماع ... إلخ) إشارة إلى قوله أو اتفاقا من جهة حدس رأيه عليه‌السلام بمعنى ان الوجه الثاني من وجوه الإجماع الحدسي وهو الحاصل من اتفاق جماعة اتفاقا هو طريقة المتأخرين وسيتضح لك هذا المعنى من نفس قول المصنف بعد هذا بلا فصل وهو قوله حيث انهم مع عدم الاعتقاد ... إلخ.

(قوله حيث انهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه عليه‌السلام في المجمعين يحكون الإجماع كثيرا ... إلخ)

من هذا التعليل كما أشرنا آنفا يعرف ان قوله المتقدم كما هو طريقة المتأخرين ... إلخ إشارة إلى قوله أو اتفاقا من جهة حدس رأيه عليه‌السلام ... إلخ (ثم ان هذا التعليل) لا يخلو عن علة فان المتأخرين وان لم يعتقدوا بالملازمة العقلية أي بين اتفاق العلماء ولو في عصر واحد وبين استكشاف رأيه عليه‌السلام عقلا بقاعدة اللطف ولا بالإجماع التضمني حيث لا علم لهم بدخول جنابه عليه‌السلام في المجمعين ولكن لم يعلم انهم لا يعتقدون بالملازمة العادية أي بين اتفاق الكل من الأول إلى الآخر وبين استكشاف رأيه عليه‌السلام عادة بل المشهور انه لا طريقة لهم سوى ذلك (ويؤيده) ما تقدم من المحقق القمي وصاحب الفصول جميعا من نسبة الطريق الثالث إلى محققي المتأخرين ومعظمهم.

(نعم يمكن) ان يقال إن تحصيل اتفاق الكل من الأول إلى الآخر في جميع الأعصار والأمصار الملزوم لرأيه عليه‌السلام عادة حيث يكون نادرا جدا بل محالا عادة كما أشرنا فقهرا إجماعاتهم المنقولة تكون محمولة على الحدسي الاتفاقي أي الحاصل من فتوى جماعة اتفق لهم العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ وإن ذكر الشيخ أعلى الله مقامه في محامل الإجماعات وجوها أخر مثل كونه حاصلا من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ ونحو ذلك.

١٥٧

(قوله كما انه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب انه استند في دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله عليه‌السلام ... إلخ)

وذلك لما عرفت من ان خروج معلوم النسب مما لا يضر بحجية الإجماع التضمني بعد فرض العلم بدخول الإمام عليه‌السلام في البقية بل ولا يضر بصدق مسمى الإجماع تسامحا إذا كان الخارج واحدا أو اثنين أو ما يقرب من ذلك إلا إذا كان الخارج جمعا كثيرا فيضر بالاسم حينئذ ولو مع العلم بدخول الإمام عليه‌السلام في البقية وكان اتفاقهم حجة لأجله.

(قوله وممن اعتذر عنه بانقراض عصره انه استند إلى قاعدة اللطف إلى آخره)

فان اتفاق علماء عصر واحد وان كان يعتبر في كل من الإجماع التضمني واللطفي جميعا من غير اختصاص بالأخير فقط فانهم ما لم يتفقوا كذلك لم يحصل العلم بدخوله عليه‌السلام فيهم بدعوى انه منهم وسيدهم ورئيسهم ولا القطع بموافقته معهم عقلا من باب قاعدة اللطف ولكنك قد عرفت ان عدم قدح خروج معلوم النسب هو مما يختص بالإجماع التضمني فقط وعلى هذا فالاعتذار عن المخالف بانقراض عصره يكون ظاهرا في الإجماع اللطفي دون التضمني وإلّا كان الاعتذار عن المخالف بكونه معلوم النسب أولى كما لا يخفى.

(قوله هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به مراجعة كلماتهم إلى آخره)

أي هذا مضافا إلى تصريحات المتأخرين بالإجماع الحدسي الاتفاقي على ما يشهد به مراجعة كلماتهم.

(أقول)

بل مراجعة كلماتهم يشهد بتصريحاتهم بالحدسي الحاصل من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ أيضا (قال الشيخ) أعلى الله مقامه في بيان محامل الإجماعات

١٥٨

المنقولة (ما لفظه) الثالث ان يستفيد اتفاق الكل على الفتوى من اتفاقهم على العمل بالأصل عند عدم الدليل أو بعموم دليل عند عدم وجدان المخصص أو بخبر معتبر عند عدم وجدان المعارض أو اتفاقهم على مسألة أصولية نقلية أو عقلية يستلزم القول بها الحكم في المسألة المفروضة (إلى ان قال) ومن المعلوم ان نسبة هذا الحكم إلى العلماء في مثل ذلك لم ينشأ إلا من مقدمتين أثبتهما المدعي باجتهاده أحدهما كون ذلك الأمر المتفق عليه مقتضياً ودليلا للحكم لو لا المانع والثانية انتفاء المانع والمعارض (إلى ان قال) ثم ان الظاهر ان الإجماعات المتعارضة من شخص واحد أو من معاصرين أو متقاربي العصرين ورجوع المدعي عن الفتوى الّذي ادعي الإجماع فيها ودعوى الإجماع في مسائل غير معنونة في كلام من تقدم على المدعى وفي مسائل قد اشتهرت خلافها بعد المدعي بل في زمانه بل فيما قبله كل ذلك مبني على الاستناد في نسبة القول إلى العلماء على هذا الوجه ولا بأس بذكر بعض موارد صرح المدعي بنفسه أو غيره في مقام توجيه كلامه فيها بذلك (ثم ذكر أعلى الله مقامه) موارد متعددة فمن شاء الوقوف عليها فليراجع الرسائل لكن أغلبها في كلمات المتقدمين دون المتأخرين.

(قوله وربما يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه‌السلام ... إلخ)

(قال في أوثق الوسائل) عند نقل الشيخ عبارة كشف القناع لدى التعليق على قول الشيخ ولا على الوجه الأخير (ما هذا لفظه) هو الوجه الثاني عشر الّذي ذكره في رسالته وهو ان يرى الفقيه الإمام عليه‌السلام في أمثال زماننا ويأخذ منه الفتوى لكنه يريد ان يجمع بين إظهار الحق وكتمان السر فيدعي الإجماع في المسألة انتهى (وفيه) ان الفقيه بعد تسليم جواز رؤيته الإمام عليه‌السلام في أمثال زماننا من الغيبة الكبرى وانه يجوز له ان يكذب بهذا الداعي الغير المعلوم مسوغيته له كما لا يمكنه إفشاء السر وإظهار أخذ الفتوى من الإمام عليه‌السلام لبعض دواعي الإخفاء

١٥٩

فكذلك لا يمكنه دعوى الإجماع في المسألة فانه لا يدعي الإجماع للعوام من الناس كي يمكن الالتباس عليهم بذلك بل يدعيه للعلماء الاعلام وهم يعلمون ان المسألة خلافية ليس فيها إجماع ولا إطباق إذ المفروض انها ليست إجماعية وانما ادعى الإجماع فيها جمعاً بين إظهار الحق وكتمان السر وهذا واضح.

في بيان نوعي نقل الإجماع من السبب

والمسبب تارة والسبب فقط أخرى

(قوله الأمر الثاني انه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع ... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر الثاني هو بيان نوعي نقل الإجماع.

(فتارة) ينقل قول الإمام عليه‌السلام في ضمن حكاية الإجماع كما إذا قال أجمع المسلمون عامة أو المؤمنون كافة أو أهل الحق قاطبة أو نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام عليه‌السلام معهم وقد اشتهر هذا النوع بنقل السبب والمسبب جميعا فالسبب هو قول من عدى الإمام فانه السبب لكشف قوله عليه‌السلام والمسبب هو نفس قول الإمام المكشوف بقول من عداه.

(وأخرى) لا ينقل إلّا قول من عدى الإمام عليه‌السلام كما إذا قال أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا أو نحو ذلك مما ظاهره من عدى الإمام عليه‌السلام وقد اشتهر هذا النوع بنقل السبب فقط وستعرف في الأمر الثالث ان لكل من هذين النوعين أقسام ثلاثة فانتظر.

(قوله فتارة ينقل رأيه عليه‌السلام في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب أو حسا وهو نادر جدا ... إلخ)

قوله حدسا تمييز لنقل رأيه عليه‌السلام والمراد بالحدس في المقام ما يقابل الحس

١٦٠