عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٨

محضة ولكنها بأداء الأمارة إليها تصير فعلية (وحاصل الجواب) عن القول المزبور ان الأمارة لا يحرز بها لا حقيقة ولا تعبدا الا ما هو الثابت في الواقع والمفروض ان الثابت في الواقع هو الإنشائيّ المحض ولا يحرز بها الحكم الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة بهذا القيد كي يكون الحكم الإنشائيّ بوسيلة هذا القيد فعليا فإذا قامت الأمارة على الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة فقد قامت على الحكم الفعلي فيتنجز اما عدم الإحراز بها حقيقة فواضح واما عدم الإحراز بها تعبدا فلان أقصى ما يقتضيه أدلة اعتبار الأمارة ان مؤداها هو الواقع لا الواقع الّذي أدت إليه الأمارة.

(أقول)

ويرد على الجواب.

(أولا) ان القيد المذكور أي أداء الأمارة لو كان مما يوجب صيرورة الإنشائيّ فعليا كما هو ظاهر قول المصنف لا حكم إنشائي أدت إليه الأمارة ... إلخ فالأمارة هب انها لا يحرز بها لا حقيقة ولا تعبدا الا ما هو الثابت في الواقع وهو الإنشائي المحض لا الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة ولكن الإنشائيّ المحض بعد ما قامت عليه الأمارة يكون من الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة فيحصل له هذا القيد ويصير لأجله فعليا ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

(وثانيا) ان أداء الأمارة ليس مما يوجب صيرورة الإنشائي فعليا كي إذا فرضنا انه يحرز بالأمارة الحكم الإنشائيّ الّذي أدت إليه الأمارة لكانت الأمارة القائمة عليه قائمة على الحكم الفعلي فان الإنشائيّ لا يصير فعليا إلّا ببلوغه عن مرتبة السكوت إلى مرتبة الإبلاغ والإعلام لنوع المكلفين وان لم يعلم به بعض المكلفين لا بمجرد قيام الأمارة عليه وأداء الأمارة إليه فان الإنشائيّ إذا لم يبلغ مرتبة الإبلاغ والإعلام للنوع لم يصر فعليا

١٠١

ولم يجب الإتيان به ولو أدته سبعون أمارة وقام عليه سبعون طريق ومن هنا يظهر لك ضعف القول المزبور من أصله وهو الّذي أشار إليه المصنف بقوله لا يقال ... إلخ كضعف جوابه كذلك أي من أصله فتدبر جيدا.

(قوله فافهم ... إلخ)

قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله اللهم إلّا أن يقال ... إلخ)

وحاصل القول ان أقصى ما تقتضيه أدلة اعتبار الأمارة وان كان تنزيل مؤداها منزلة الواقع وهو الإنشائي المحض لا منزلة الواقع الّذي أدت إليه الأمارة ولكن بدلالة الاقتضاء وصون كلام الحكيم من اللغوية لا بد من حمل دليل الحجية على تنزيل المؤدي منزلة الواقع الّذي أدت إليه الأمارة أي منزلة الأحكام الفعلية لا منزلة الواقع الصرف وهو الإنشائيّ المحض كي يكون التنزيل بلا ثمرة ولا فائدة بعد وضوح عدم وجوب الإتيان بالأحكام الإنشائية المحضة لكن أورد عليه المصنف بنفسه ما ملخصه ان دلالة الاقتضاء انما تتم إذا لم يكن لتنزيل المؤدي منزلة الواقع الصرف وهو الإنشائيّ المحض فائدة وليس كذلك وذلك لما تقدم في القطع قبيل الشروع في التجري ان موافقة الإنشائيّ المحض مما يوجب استحقاق المثوبة وان لم يوجب مخالفته استحقاق العقوبة فراجع.

(قوله وأخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والأصول ... إلخ)

هذا عدل لقوله المتقدم كي يشكل تارة ... إلخ والمعنى كما تقدم قبلا هكذا أي فانقدح بما ذكرناه من الجواب الأخير الثالث للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي انه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي فعليا ولا الالتزام بكونه فعليا منجزا كي يشكل.

١٠٢

(تارة) أي على الالتزام الأول بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه لعدم لزوم الإتيان بالحكم الإنشائيّ المحض.

(وأخرى) أي على الالتزام الثاني بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والأصول على خلاف ما أدته الطرق والأصول فيتنافيان الحكمان لكونهما فعليين منجزين واحتمال المتنافيين محال كالقطع بالمتنافيين.

(اما) عدم ورود الإشكال الأول فلما عرفت.

(واما) عدم ورود الإشكال الثاني فلما عرفت أيضا من ان الأحكام الواقعية وان كانت فعلية ولكنها غير منجزة وليست على طبقها بعث أو زجر أي إرادة أو كراهة كي تنافي الأحكام الظاهرية المتحققة بقيام الأمارة أو الأصل بل هي فعلية بمعنى كونها على صفة لو علم بها المكلف لتنجزت عليه كسائر التكاليف (ومن هنا) يظهر لك ان العبارة كما أشير قبلا من صدرها ناقصة والصحيح التام هكذا أي فانقدح بما ذكرنا انه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي فعليا ولا الالتزام بكونه فعليا منجزا كي يشكل تارة بعدم لزوم الإتيان ... إلخ وأخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك ... إلخ فتدبر جيدا.

(قوله فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الّذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلى ... إلخ)

تفريع على مجموع ما ذكره المصنف في الجواب الأخير الثالث للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي (ومن هنا) يظهر لك ان هذه العبارة أيضا ناقصة والصحيح التام هكذا فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الّذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلي ولا بالالتزام بكونه فعليا منجزا (وذلك) لما عرفت من انه على الالتزام الأول بشكل

١٠٣

بعدم لزوم الإتيان بما قامت الأمارة على وجوبه ... إلخ وعلى الالتزام الثاني يشكل بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والأصول ... إلخ.

(قوله كما لا يصح التوفيق بان الحكمين ليسا في مرتبة واحدة ... إلخ) ولعله إشارة إلى ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في أول البراءة وفي أول التعادل والتراجيح أيضا (قال) في أول البراءة ما لفظه ومما ذكرنا من تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي لأجل تقييد موضوعه بالشك في الحكم الواقعي يظهر لك وجه تقديم الأدلة على الأصول لأن موضوع الأصول يرتفع بوجود الدليل فلا معارضة بينهما لا لعدم اتحاد الموضوع بل لارتفاع موضوع الأصل وهو الشك بوجود الدليل ألا ترى انه لا معارضة ولا تنافي بين كون حكم شرب التتن المشكوك حكمه هي الإباحة وبين كون حكم شرب التتن في نفسه مع قطع النّظر عن الشك فيه هي الحرمة فإذا علمنا بالثاني يعني الدليل لكونه علميا والمفروض سلامته عن معارضة الأول يعني الأصول خرج شرب التتن عن موضوع دليل الأول وهو كونه مشكوك الحكم لا عن حكمه حتى يلزم تخصيص وطرح لظاهره (وقال) في أول التعادل والتراجيح ما لفظه وكيف كان فلا يتحقق يعني التعارض الا بعد اتحاد الموضوع وإلّا لم يمتنع اجتماعهما ومنه يعلم انه لا تعارض بين الأصول وما يحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادية لأن موضوع الحكم في الأصول الشيء بوصف انه مجهول الحكم وفي الدليل نفس ذلك الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم له فضلا عن الجهل بحكمه فلا منافاة بين كون العصير المتصف بجهالة حكمه حلالا على ما هو مقتضي الأصل وبين كون نفس العصير حراما كما هو مقتضي الدليل الدال على حرمته (انتهى) ولكن مقصوده أعلى الله مقامه في كلا الموضعين نفي المعارضة بين الأدلة الاجتهادية والأصول

١٠٤

العملية وان موضوع الأصل وهو الشك يرتفع بالدليل الاجتهادي وليس بصدد التوفيق بين مطلق الأحكام الظاهرية سواء كانت في موارد الأدلة الاجتهادية أو في الأصول العملية وبين الأحكام الواقعية المشتركة بين الكل من العالم والجاهل جميعا كما هو المبحوث عنه في المقام كي يعترض عليه بأن مجرد تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي برتبة مما لا يكفي في الجمع بينهما (وعلى كل حال) حاصل ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب هذا التوفيق الّذي قد أشار إليه المصنف بقوله كما لا يصح التوفيق ... إلخ ان الحكم الظاهري متأخر عن الشك في الحكم الواقعي تأخر الحكم عن الموضوع والشك في الواقعي متأخر أيضا عن الواقعي نظير تأخر العلم عن المعلوم فيكون الظاهري متأخرا عن الواقعي بمرتبتين فإذا كان متأخرا عنه في المرتبة فليس هو في عرضه كي يتنافيان ويتضادان (وحاصل جواب المصنف) ان الظاهري وان كان متأخرا عن الواقعي بمرتبتين وليس هو في مرتبته ولكن الواقعي موجود محفوظ في مرتبة الظاهري لوضوح ان بمجرد الشك في الحكم الواقعي وقيام الأمارة أو الأصل على خلافه لا يكاد يضمحل الواقعي المشترك بين الكل فإذا تحقق الظاهري بقيام الأمارة أو الأصل على خلاف الواقعي وكان الواقعي محفوظا في مرتبته ورتبته لزم اجتماع الضدين من إيجاب وتحريم أو ندب وكراهة وهكذا فتأمل جيدا.

مقتضي الأصل فيما شك في اعتباره

(قوله ثالثها ان الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبد به واقعا عدم حجيته جزما ... إلخ)

المقصود من عقد هذا الأمر الثالث هو بيان مقتضي الأصل فيما شك في

١٠٥

اعتباره شرعا فان الأمارة الظنية قد يعلم بحجيتها وقد يعلم بعدم حجيتها وقد يقع الشك في حجيتها فإذا وقع الشك فهل الأصل حجيتها أو عدم حجيتها (فيقول) إن الأصل عدم حجيتها جزما بمعنى انه بمجرد أن شك في حجية أمارة ثبوتا يقطع بعدم حجيتها إثباتا أي لا يترتب عليها آثار الحجية في مقام الإثبات وذلك لأن آثار الحجية من المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ وحكم العقل بوجوب المتابعة لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف بالحجية الفعلية أي المحرزة بالعلم في مقام الإثبات لا على ما اتصف بمطلق الحجية ولو ثبوتا وإن لم يعلم بها إثباتا.

(أقول)

بل الأمارة المشكوكة الاعتبار مما يحرم العمل به شرعا وعقلا مضافا إلى عدم حجيتها في ظرف الشك وعدم ترتب الآثار عليها إثباتا.

(اما شرعا) فلقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم والأمارة المشكوكة مما ليس لنا به علم بل ولعموم الآيات الناهية عن الظن مثل قوله تعالى ان الظن لا يغني من الحق شيئا خرج منها ما علم اعتباره بالخصوص ويبقى ما شك في اعتباره وما علم بعدم اعتباره.

(واما عقلا) فلقبح التعبد والتدين بما لا يعلم اعتباره نعم لا بأس بالحركة على وفقه والمشي على طبقه احتياطا برجاء اعتباره ثبوتا ما لم يعارضه احتياط آخر كما إذا قام على وجوب شيء لا نحتمل حرمته بخلاف ما إذا قام على حلية ما نحتمل حرمته فان الاحتياط حينئذ في ترك هذا الاحتياط (وعلى كل حال) ان العمل على طبق ما شك في اعتباره احتياطا غير العمل به على وجه الاستناد إليه والتعبد والتدين به فالأوّل حسن عقلا والثاني قبيح عقلا وهذا واضح.

١٠٦

(قوله ضرورة انه بدونه لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف ... إلخ)

علة لعدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة إلا على ما أحرز حجيته وإشارة إلى نفي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ فيما لم يحرز حجيته فانه إذا قامت أمارة لم يحرز اعتبارها على تكليف إلزامي وقد أصابت واقعا ولم يعمل بها المكلف لم يصح للمولى مؤاخذته كما انها إذا قامت على ارتفاع تكليف ثابت وقد أخطأت وعمل بها المكلف وفات منه التكليف لم يصح له الاعتذار بها عن فوته.

(قوله ولا يكون مخالفته تجريا ولا تكون موافقته بما هي موافقته انقيادا ... إلخ)

إشارة إلى نفي أثرين آخرين للحجة عند عدم إحراز حجية أمارة ظنية وهما كون مخالفتها عند الخطأ تجريا وموافقتها كذلك بما هي موافقتها انقيادا فإن شأن الحجة كما تقدم في القطع ان يكون مخالفتها عند الخطأ تجريا وموافقتها كذلك انقيادا.

(نعم) إذا قامت أمارة لم يحرز حجيتها وقد أخطأت والمكلف قد وافقها لا بعنوان انه موافقتها بل برجاء اصابتها للواقع كان ذلك انقيادا أيضا (وقد أشار المصنف) إلى ذلك بقوله وان كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك أي انقيادا.

(قوله للقطع بانتفاء الموضوع معه ... إلخ)

أي للقطع بانتفاء موضوع الآثار مع الشك في التعبد به والموضوع كما أشير إليه هو ما اتصف بالحجية فعلا وأحرز التعبد به شرعا فلا تغفل.

(قوله واما صحة الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليسا من آثارها ... إلخ)

هذا رد على الشيخ وتفصيله انه أعلى الله مقامه قد جعل مجري الأصل هي

١٠٧

الأمارة التي لم يرد دليل على اعتبارها لا الأمارة المشكوكة الاعتبار (وبعبارة أخرى) إن المصنف جعل مجري الأصل هي الأمارة التي لم يحرز التعبد بها والشيخ أعلى الله مقامه قد جعل مجري الأصل هي الأمارة التي أحرز عدم التعبد بها فالأصل هل يقتضي جواز العمل بمثل هذه الأمارة أم لا فاختار أعلى الله مقامه حرمته واستدل لها بالأدلة الأربعة (قال) التعبد بالظن الّذي لم يدل دليل على وقوع التعبد به محرم بالأدلة الأربعة ويكفي من الكتاب قوله تعالى قل الله أذن لكم أم على الله تفترون دل على ان ما ليس بإذن من الله من اسناد الحكم إلى الشارع فهو افتراء.

(أقول)

ولو استدل أعلى الله مقامه من الكتاب العزيز مضافا إلى ذلك بالآيات الناهية عن الظن أيضا مثل قوله تعالى ان الظن لا يغني من الحق شيئا كان بمحله (قال) ومن السنة قوله عليه‌السلام في عداد القضاة من أهل النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم.

(أقول)

والظاهر انه يعنى بذلك انه لو قامت عندنا أمارة لم يرد التعبد بها شرعا وقد أفتينا على طبقها وفرضنا انها كانت مصيبة واقعا فنحن ممن قضى بالحق وهو لا يعلم فنكون من أهل النار (قال) ومن الإجماع ما ادعاه الفريد البهبهاني في بعض رسائله من كون عدم الجواز بديهيا عند العوام فضلا عن العلماء (ثم قال) ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى.

(أقول)

ولو قال ومن العقل تقبيح العقلاء التعبد بما لم يرد التعبد به عن المولى كان أنسب بصدر عبارته جدا (ثم انه أعلى الله مقامه) قد ساق كلاما

١٠٨

طويلا (إلى ان قال) هذا ولكن حقيقة العمل بالظن هو الاستناد إليه في العمل والالتزام بكون مؤداه حكم الله في حقه ... إلخ فيكون نتيجة كلامه من الأول إلى الآخر هي ان الّذي يحرم بالأدلة الأربعة هو الاستناد إلى الظن والالتزام بكون مؤداه حكم الله في حقه دون غيرهما.

(فيقول المصنف) تضعيفا لذلك كله ما ملخصه ان صحة الالتزام بما أدى إليه الظن من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى ليسا من آثار الحجية كي إذا لم تصح الالتزام والنسبة كشف ذلك إنا عن عدم الحجية وذلك كما في الظن على الانسداد والحكومة فانه حجة عقلا كالعلم في حال الانفتاح مع عدم صحة الالتزام بما أدى إليه وعدم صحة نسبته إليه تعالى إذ المفروض عدم القول بالكشف وإن الظن طريق منصوب من الشرع كي صح الالتزام بمؤداه وصح نسبته إليه تعالى بل هو حجة عقلا يجب العمل على طبقه والحركة على وفقه.

(قوله ضرورة ان حجية الظن عقلا على تقرير الحكومة ... إلخ)

وفي بعض النسخ ضرورة ان حجية الظن عملا على تقرير الحكومة ولعله بمعنى حجيته في الفروع العملية في قبال حجيته في الأمور الاعتقادية كما سيأتي تفصيلهما جميعا.

(قوله فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدى في الحجية شيئا ... إلخ)

تفريع على قوله فليسا من آثارها ... إلخ فان صحة الالتزام والنسبة إذا لم يكونا من آثار الحجية فقهرا لو فرض صحة الالتزام والنسبة فيما شك في اعتباره لم يجد في إثبات حجيته ما لم يترتب عليه آثار الحجية من المنجزية والعذرية ومع الترتب المذكور لم يضر عدم صحتهما كما عرفت في الظن على

١٠٩

الانسداد والحكومة فالمدار في الحجية وعدمها على ترتب آثارها وعدم ترتبها لا على صحة الالتزام والنسبة وعدمهما.

(أقول)

إن صحة الالتزام والنسبة وان لم يكونا من آثار الحجية لما عرفت من جواز انفكاك الحجة عنهما كما في الظن الانسدادي على الحكومة ولكن لا يكاد يجوز تحققهما في غير الحجة فليس كل حجة مما صح الالتزام بكون مؤداه حكم الله وصح نسبته إليه تعالى ولكن كلما صح الالتزام بكون مؤداه حكم الله وصح نسبته إليه تعالى كان حجة قطعا (وعليه) فإذا فرض صحتهما في مورد مع الشك في التعبد به كشف ذلك إنا عن حجيته قطعا فقول المصنف فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا مما لا وجه له (هذا) مضافا إلى ان الكلام في المقام بمقتضى قوله المتقدم في صدر البحث (إن الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ... إلخ) ليس إلا في الأمارة المشكوكة حجيتها شرعا والحجية الشرعية لا يكاد تنفك عن صحة الالتزام والنسبة كما ان صحتهما أيضا لا تكاد تنفك عن الحجية الشرعية فمطلق الحجية وان كانت قابلة للانفكاك عن صحة الالتزام والنسبة كما في الظن على الانسداد والحكومة ولكن الحجية الشرعية في قبال الحجية العقلية هي مما لا تكاد تنفك عن صحتهما أبدا (وعليه) فقول المصنف واما صحة الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليسا من آثارها ... إلخ مما لا وجه له أيضا فافهم جيدا.

(قوله فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل ... إلخ)

فان ما علم اعتباره شرعا خارج موضوعا عما شك في اعتباره الّذي هو مجري الأصل عند المصنف وهكذا عما علم بعدم الدليل على اعتباره الّذي هو مجري الأصل عند الشيخ أعلى الله مقامه.

١١٠

في حجية الظواهر

(قوله فصل لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة)

(اما قوله في الجملة) فهو إشارة إلى التفاصيل التي في المسألة وستعرف تفصيلها إن شاء الله تعالى واحدا بعد واحد (واما الظهور) فالظاهر انه عبارة عن تجلي المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن وخطوره في الخاطر بحيث إذا ألقى اللفظ إلى العرف حملوه عليه (سواء) حصل منه الظن بالمراد أم لا فان تحقق الظهور مما لا يدور مدار الظن بالمراد كما ان الظن بالمراد مما لا يدور مدار الظهور (فقد يكون) اللفظ ظاهرا في معنى بحسب الانفهام العرفي ولا ظن بالمراد أصلا (وقد يحصل) الظن بالمراد ولو من الخارج ولا يكون اللفظ ظاهرا فيه أصلا وقد يجتمعان كما في الأغلب (وسواء) أيضا حصل الظهور من الواضع كما هو الغالب أو من قرائن شخصية أو نوعية كوقوع الأمر عقيب الحظر الموجب لظهوره في الإباحة أو كثرة الاستعمال في معنى أو غلبة وجوده في الخارج ونحوهما الموجبان لانصراف اللفظ إليه (هذا) وقد عبر الشيخ أعلى الله مقامه عن الظهورات بالأصول المعمولة لتشخيص مراد المتكلم (قال) في المقام ما هذا لفظه منها أي من الأمور الخارجة عن تحت أصالة حرمة العمل بما سوى العلم الأمارات المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من ألفاظ الكتاب والسنة وهي على قسمين القسم الأول ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادة خلاف ذلك كأصالة الحقيقة عند احتمال إرادة المجاز وأصالة العموم والإطلاق ومرجع الكل إلى أصالة عدم القرينة الصارفة عن

١١١

المعنى الّذي يقطع بإرادة المتكلم الحكيم له لو حصل القطع بعدم القرينة كغلبة استعمال المطلق في الفرد الشائع بناء على عدم وصوله إلى حد الوضع وكالقرائن المقامية التي يعتمدها أهل اللسان في محاوراتهم كوقوع الأمر عقيب توهم الحظر ونحو ذلك (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.

(أقول)

ولو عبر أعلى الله مقامه بدلا عن أصالة الحقيقة والعموم والإطلاق بأصالة الظهور كان أخصر وأجمع اما كونه أخصر فواضح واما كونه أجمع فلأن اللفظ قد يكون ظاهرا في معنى من غير استناد إلى الوضع بل بقرائن شخصية أو نوعية غير قطعية بحيث يحتمل معها إرادة غير الظاهر ولو احتمالا بعيدا فحينئذ تجري أصالة الظهور ولا تجري شيء من تلك الأصول الثلاثة أصلا (هذا مضافا) إلى ان جريان تلك الأصول الثلاثة مما لا ينحصر بما إذا احتمل وجود القرينة الصارفة في الكلام كما يظهر منه أعلى الله مقامه بل تجري حتى مع القطع بانتفاء القرينة الصارفة مع احتمال إرادة المتكلم ثبوتا غير المعنى الظاهر إثباتا لحكمة مقتضية لذلك قد دعته هي إلى عدم نصب القرينة كما يتفق ذلك كثيرا فتأمل جيدا.

(قوله لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات ... إلخ)

وقد استدل الشيخ أعلى الله مقامه على حجية الظواهر بما يقرب من ذلك (قال) اما القسم الأول يعني به ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادة خلاف ذلك فاعتباره في الجملة مما لا إشكال فيه ولا خلاف لأن المفروض كون تلك الأمور معتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم المقصود بها التفهيم ومن المعلوم بديهة ان طريق محاورات الشارع في تفهيم

١١٢

مقاصده للمخاطبين لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات أهل اللسان في تفهيم مقاصدهم (انتهى).

(قوله لوضوح عدم اختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه ... إلخ)

علة لقوله مع القطع بعدم الردع عنها أي عن طريقة العقلاء على اتباع الظهورات فان الشارع لو ردع عن طريقتهم لاخترع لنفسه طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه ولم يتكل على الظهورات في تفهيم المرادات كسائر العقلاء فحيث لم يخترع لم يردع (واما رادعية) الآيات الناهية عن الظن ومنه الظواهر فسيأتي الكلام فيها في خبر الواحد إن شاء الله تعالى وانها دورية بنظر المصنف وان كان الدور مما لا يخلو عن إشكال كما ستعرف ونحن نجيب عن الرادعية بطريق آخر غير الدور (مضافا) إلى ان دلالة الآيات على النهي عن الظواهر تكون هي بالعموم والعموم ظهور ولا يعقل النهي عن الظواهر بالظهور وإلّا لمنع عن نفسه وهذا واضح.

في ذكر تفصيلين في المسألة

(قوله والظاهر ان سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بإفادتها الظن فعلا ولا بعدم الظن كذلك على خلافها ... إلخ)

إشارة إلى تفصيلين في المسألة قد أشار إليهما الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد الفراغ عن التفصيل الآتي للمحقق القمي (ما هذا لفظه) ثم انك قد عرفت ان مناط الحجية والاعتبار في دلالة الألفاظ هو الظهور العرفي وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو بواسطة القرائن المقامية المكتنفة بالكلام فلا فرق بين إفادة الظن بالمراد وعدمها ولا بين

١١٣

وجود الظن الغير المعتبر على خلافه وعدمه لأن ما ذكرنا من الحجة على العمل بها جار في جميع الصور المذكورة (إلى ان قال) نعم ربما يجري على لسان بعض متأخري المتأخرين من المعاصرين عدم الدليل على حجية الظواهر إذا لم تفد الظن أو إذا حصل الظن الغير المعتبر على خلافها لكن الإنصاف انه مخالف لطريقة أرباب اللسان والعلماء في كل زمان (انتهى) (فالشيخ أعلى الله مقامه) كما ترى قد استدل على بطلان التفصيلين بجريان الحجة وهي سيرة العقلاء وطريقة أرباب اللسان في جميع الصور المذكورة أي سواء كان الظهور مفيدا للظن بالمراد أم لا وسواء كان الظن الغير المعتبر على خلافه أم لا (واستدل المصنف) على جريان السيرة في جميع الصور المذكورة بقوله ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف ... إلخ.

(أقول)

نعم لا يصح الاعتذار عن مخالفة الظواهر بمجرد عدم افادتها الظن بالمراد أو بوجود الظن الغير المعتبر على الخلاف بعد الاعتراف بظهور الكلام في المعنى وبتجليه عن اللفظ وانسباقه إلى الذهن وانفهامه منه عرفا ولكن ذلك في مقام امتثال التكاليف الصادرة عن الموالي واما في مقام عمل العقلاء بعضهم بكلام بعض في الأمور الراجعة إلى أنفسهم في مصالحهم ومعاشهم فالظاهر انهم لا يعلمون على طبق الظاهر ما لم يحصل منه الظن بالمراد بل الوثوق والاطمئنان فضلا عما إذا كان الظن على الخلاف (اللهم) إلا إذا كان المعنى الظاهر من الأمور المهمة فيؤتى به حينئذ احتياطا ورجاء وهو غير العمل بالظاهر والاستناد إليه والاعتماد عليه.

(ثم ان الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما فرغ عن التفصيلين المذكورين ذكر تفصيلين آخرين.

١١٤

(أحدهما) ما أشار إليه بقوله وربما فصل بعض المعاصرين تفصيلا يرجع حاصله إلى ان الكلام إن كان مقرونا بحال أو مقال يصلح ان يكون صارفا عن المعنى الحقيقي فلا يتمسك فيه بأصالة الحقيقة وان كان الشك في أصل وجود الصارف أو كان هناك أمر منفصل يصلح لكونه صارفا فيعمل على أصالة الحقيقة (قال) وهذا تفصيل حسن متين لكنه تفصيل في العمل بأصالة الحقيقة عند الشك في الصارف لا في حجية الظهور اللفظي بل مرجعه إلى تعيين الظهور العرفي وتمييزه عن موارد الإجمال فان اللفظ في القسم الأول يخرج عن الظهور إلى الإجمال بشهادة العرف.

(أقول)

نعم ان التفصيل المذكور حسن متين إلا انه لا يختص بأصالة الحقيقة فقط بل يجري حتى في أصالة العموم والإطلاق فإذا اقترن بالكلام ما يصلح للمخصصية أو المقيدية على نحو أخل بظهور العام في العموم أو بظهور المطلق في الإطلاق فلا يتمسك بأصالة العموم أو الإطلاق بخلاف ما إذا شك في وجود المخصص أو المقيد أو في مخصصية الأمر المنفصل أو مقيديته فيتمسك حينئذ بأصالة العموم أو الإطلاق.

(ثانيهما) ما أشار إليه بقوله وبإزاء التفصيل المذكور تفصيل آخر ضعيف وهو ان احتمال إرادة خلاف مقتضي اللفظ إن حصل من أمارة غير معتبرة فلا يصح رفع اليد عن الحقيقة وإن حصل من دليل معتبر فلا يعمل بأصالة الحقيقة ومثل له بما إذا ورد في السنة المتواترة عام وورد فيها أيضا خطاب مجمل يوجب الإجمال في ذلك العام ولا يوجب الظن فلا دليل على لزوم العمل بالأصل تعبدا (انتهى).

(أقول)

ليس المدار في الاعتناء باحتمال إرادة خلاف مقتضي اللفظ على حصوله من

١١٥

أمارة معتبرة أو غير معتبرة بل المدار بإخلاله بالظهور العرفي وعدمه (فقد يحصل) من أمارة غير معتبرة ويعتني به لاتصال الأمارة بالكلام وإخلالها بالظهور العرفي (وقد يحصل) من أمارة معتبرة كما في مثال المفصل ولا يعتني به لانفصال الأمارة عن الكلام وعدم إخلالها بالظهور العرفي وإن أخل بحصول الظن بالمراد وليس بهم لما عرفت من عدم اعتبار حصوله (ومن هنا يظهر) ما في زعم المفصل من ان الخطاب المجمل الوارد في السنة مما يوجب إجمال العام الوارد فيها مع فرض الانفصال عنه وانه يوجب ان لا يحصل الظن بالمراد من العام وانه لو عمل بأصالة الحقيقة حينئذ فهو من باب العمل بالأصل تعبدا والكل كما ترى ضعيف.

(اما الأول) فلان المجمل المنفصل مما لا يوجب إجمال العام بل ظهوره في العموم باق على حاله.

(واما الثاني) فلان الخطاب المجمل هب انه أوجب عدم حصول الظن بالمراد من العام ولكن ذلك مما لا يضر بعد ما عرفت من عدم اعتبار الظن بالمراد في حجية الظواهر.

(واما الثالث) فلان العمل بأصالة الحقيقة حينئذ هو من باب العمل بأصالة الظهور لما عرفت من بقاء ظهور العام على حاله فليس هو من العمل بالأصل تعبدا قطعا فتأمل جيدا.

في تفصيل المحقق القمي

(قوله كما ان الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه ... إلخ)

إشارة إلى تفصيل المحقق القمي في حجية الظواهر (قال الشيخ أعلى الله مقامه) واما التفصيل الآخر يعني به من التفصيلين الذين قد أشار إليهما في صدر

١١٦

حجية الظواهر وكان أحدهما للأخباريين وقد قدمه في الذّكر وأخره المصنف للاهتمام به وطوله كما ستعرف فهو الّذي يظهر من صاحب القوانين قدس‌سره في آخر مسألة حجية الكتاب وفي أول مسألة الاجتهاد والتقليد وهو الفرق بين من قصد إفهامه بالكلام فالظواهر حجة بالنسبة إليه من باب الظن الخاصّ سواء كان مخاطبا كما في الخطابات الشفاهية أم لا كما في الناظر في الكتب المصنفة لرجوع كل من ينظر إليها وبين من لم يقصد إفهامه بالخطاب كأمثالنا بالنسبة إلى أخبار الأئمة الصادرة عنهم في مقام الجواب عن سؤال السائلين وبالنسبة إلى الكتاب العزيز بناء على عدم كون خطاباته موجهة إلينا وعدم كونه من باب تأليف المصنفين فالظهور اللفظي ليس حجة حينئذ لنا إلا من باب الظن المطلق الثابت حجيته عند انسداد باب العلم (انتهى).

(ثم ان الشيخ) بعد ما وجه هذا التفصيل توجيها طويلا لا يسع المقام ذكره (قال ما هذا لفظه) ولكن الإنصاف انه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد فان جميع ما دل من إجماع العلماء وأهل اللسان على حجية الظواهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار فيمن لم يقصد لأن أهل اللسان إذا نظروا إلى كلام صادر من متكلم إلى مخاطب يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص في مظان وجودها ولا يفرقون في استخراج مرادات المتكلمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه فإذا وقع المكتوب الموجه من شخص إلى شخص بيد ثالث فلا يتأمل في استخراج مرادات المتكلم من الخطاب الموجه إلى المكتوب إليه فإذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منهم فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطلاع على مراد المولى وهذا واضح لمن

١١٧

راجع الأمثلة العرفية هذا حال أهل اللسان في الكلمات الواردة إليهم واما العلماء فلا خلاف بينهم في الرجوع إلى أصالة الحقيقة في الألفاظ المجردة عن القرائن الموجهة من متكلم إلى مخاطب سواء كان ذلك في الأحكام الجزئية كالوصايا الصادرة عن الموصي المعين إلى شخص معين ثم مست الحاجة إلى العمل بها مع فقد الموصي إليه فان العلماء لا يتأملون في الإفتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجه إلى الموصي إليه المفقود وكذا في الأقارير أم كان في الأحكام الكلية كالاخبار الصادرة عن الأئمة مع كون المقصود منها تفهيم مخاطبهم لا غير فانه لا يتأمل أحد من العلماء في استفادة الأحكام من ظواهرها معتذرا بعدم الدليل على حجية أصالة عدم القرينة بالنسبة إلى غير المخاطب أو من قصد إفهامه (انتهى موضع الحاجة) من كلامه أعلى الله تعالى مقامه.

(قوله ولذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام المولى من تكليف يعمه أو يخصه ... إلخ)

هذا مقتبس مما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم آنفا بقوله فإذا وقع المكتوب الموجه من شخص إلى شخص بيد ثالث (إلى ان قال) فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطلاع على مراد المولى.

(قوله كما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه فضلا عما إذا لم يكن بصدد إفهامه ... إلخ)

هذا أيضا مقتبس مما أفاده الشيخ في كلامه المتقدم آنفا بقوله واما العلماء فلا خلاف بينهم إلى قوله وكذا في الأقارير (وعلى كل حال) حاصل مقصود المصنف انه إذا أقر زيد على نفسه بشيء مثل كونه مديونا لعمرو بكذا وقد سمعه بكر صح لبكر أن يشهد عليه عند الحاكم وإن لم يكن مقصودا بالإفهام بل كان مقصودا بعدم الإفهام وقد فهم أحيانا.

١١٨

في تفصيل جماعة من الأخباريين

(قوله ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين والأئمة الطاهرين وإن ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب إلى آخره)

إشارة إلى تفصيل جماعة من الأخباريين (قال الشيخ أعلى الله مقامه) اما القسم الأول يعني به ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادة خلاف ذلك كأصالة الحقيقة عند احتمال إرادة المجاز وأصالة العموم والإطلاق فاعتباره في الجملة مما لا إشكال فيه ولا خلاف (إلى ان قال) وانما الخلاف والإشكال وقع في موضعين.

(أحدهما) جواز العمل بظواهر الكتاب (إلى ان قال) اما الكلام في الخلاف الأول فتفصيله انه ذهب جماعة من الأخباريين إلى المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون ما يرد التفسير وكشف المراد عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.

(قوله إما بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به ... إلخ)

قد ذكر المصنف للأخباريين وجوها خمسة واما الشيخ فقد ذكر لهم وجهين لا غيرهما.

(الأول) الأخبار وهي (بين ما يدل) على اختصاص فهم القرآن بمن خوطب به وقد جعله المصنف أول الوجوه (وبين ما يدل) على النهي عن تفسير القرآن بالرأي وقد جعله المصنف خامس الوجوه.

١١٩

(الثاني) العلم الإجمالي بطرو التقييد والتخصيص والتجوز في أكثر ظواهر الكتاب وذلك ومما يسقطها عن الظهور وقد جعله المصنف رابع الوجوه (واما ثاني الوجوه) الخمسة فلم يذكره الشيخ ولعل المصنف وجده في ساير كلماتهم.

(واما ثالث الوجوه) الخمسة فهو للسيد الصدر شارح الوافية وقد ذكره الشيخ بعد الوجهين السابقين (وعلى كل حال) ان ما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به حديثان.

(أحدهما) ما ورد في ردع أبي حنيفة وهو ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي مسندا عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي حنيفة أنت فقيه أهل العراق قال نعم قال فبم تفتيهم قال بكتاب الله وسنة نبيه قال يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ قال نعم قال يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ويلك ولا هو الا عند الخاصّ من ذرية نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ورثك الله من كتابه حرفا الحديث.

(ثانيهما) ما ورد في ردع قتادة وهو ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن مسندا عن زيد الشحام قال دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه‌السلام فقال يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة فقال هكذا يزعمون فقال أبو جعفر عليه‌السلام بلغني انك تفسر القرآن فقال له قتادة نعم فقال له أبو جعفر عليه‌السلام فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك (إلى ان قال) أبو جعفر عليه‌السلام ويحك يا قتادة انما يعرف القرآن من خوطب به.

١٢٠