عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٠

كان مع المخاطب التنزيلي كي لا يقتضى بالاختصاص بل تشمل حتى المعدومين فضلا عن الغائبين (وحاصل كلام المصنف) أن ألفاظ الخطاب كأدوات النداء وضمائر التخاطب موضوعة لإنشاء مطلق التخاطب ولإيقاع مجرد المخاطبة سواء كان مع المخاطب الحقيقي أو التنزيلي ففي مثل يا كوكبا ما كان أقصر عمره الّذي ليس المخاطب فيه حقيقيا لعدم كونه حاضرا ملتفتا لا تجوز في أداة الخطاب أصلا بل هي مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من إنشاء النداء والخطاب وان كان هناك عناية في المخاطبة بتنزيل غير الحاضر الملتفت منزلة الحاضر الملتفت (ويشهد لذلك) عدم مشاهدة عناية ولا رعاية علاقة في نفس أداة الخطاب وان نشاهد العناية والتنزيل في المخاطبة مع هذا المخاطب الغير الحقيقي (وقد تقدم) في صيغة الطلب وصيغ الاستفهام والتمني والترجي ما يقرب من ذلك من انها موضوعة لإنشاء الطلب أو لإنشاء تلك الصفات المخصوصة مطلقا سواء كان بداعي ثبوت الطلب النفسانيّ أو ثبوت تلك الصفات واقعا من طلب الفهم والتمني والترجي أو كان بدواعي أخر كالتهديد والإنذار والاحتقار أو إظهار المحبة أو التوبيخ أو الإنكار إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله ففي جميع ذلك كله تكون الصيغة مستعملة فيما هو معناها الحقيقي ولا تجوز فيها أصلا وان كانت بمقتضى طبعها الأصلي منصرفة إلى الإنشاء بداعي ثبوت تلك الصفات حقيقة كما أن أدوات الخطاب بطبعها الأصلي منصرفة إلى إنشاء التخاطب مع المخاطب الحقيقي غير أن في الخطابات الإلهية ما يمنع عن هذا الانصراف وهو وضوح عدم اختصاص الحكم فيها بطبقة دون طبقة أو بجيل دون جيل (وعليه) فلا وجه لاختصاص الخطابات الإلهية بالحاضرين في مجلس الخطاب فقط بل يعم الغائبين والمعدومين جميعا لعدم وضع الأدوات فيها للخطاب مع المخاطب الحقيقي كي يوجب استعمالها فيه اختصاصها بهم ولا

٣٠١

هي منصرفة إليه بعد وجود ما يمنع عن الانصراف في خطاباته تعالى كما أشير آنفا

(أقول) ان المصنف قد استنتج من مجرد عدم وضع الأدوات للخطاب مع المخاطب الحقيقي وعدم انصرافها إليه في الخطابات الإلهية عموم الخطابات الشفاهية وشمولها للغائبين والمعدومين جميعا نظرا إلى انها لو عمتهما لم يلزم تجوز في الأدوات أصلا (وهو كما ترى ضعيف جدا) فانه بعد الاعتراف بكون المخاطبة الحقيقية مع المعدوم مما لا تصح الا تنزيلا فالخطابات الإلهية هب انها لو حملت على العموم لم يلزم تجوز في الأدوات أصلا ولكن يلزم لا محالة عناية في المخاطبة كما لا يخفى (وعليه) فالأولى الاعتراف بان حمل الخطابات الشفاهية على العموم والشمول مستلزم للعناية والتنزيل وان كان ذلك في المخاطبة لا في الأدوات غايته أن القرينة التي قد منعت عن انصراف الأدوات إلى التخاطب مع المخاطب الحقيقي هي التي دلت على كون المخاطبة تنزيلية ليست هي مع خصوص المخاطب الحقيقي أي مع الحاضر الملتفت كي لا تشمل الغائب والمعدوم جميعا.

(وبالجملة) ان الخطابات الشفاهية القرآنية بقرينة عدم اختصاص الحكم فيها بطبقة دون طبقة وعصر دون عصر وأنه يشترك فيه الكل إلى يوم القيامة ظاهرة جدا في العموم والشمول للجميع من الحاضر والغائب والمعدوم جميعا ولكن ذلك مما يوجب العناية والتنزيل في المخاطبة بتنزيل الغائب والمعدوم منزلة الحاضر الملتفت وان لم يوجب ذلك عناية في أدوات الخطاب أصلا نظرا إلى وضعها لمطلق الخطاب الإيقاعي لا لخصوص الخطاب مع المخاطب الحقيقي فتدبر جيدا.

(قوله كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره ... إلخ) أي كما أن مقتضى إرادة العموم مما يقع في تلوه لغير الحاضرين من الغائبين

٣٠٢

والمعدومين جميعا هو استعمال ما وضع للخطاب في غير الخطاب مع المخاطب الحقيقي

(قوله ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات ... إلخ) أي ويشهد لما ذكرنا من أن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك أي للخطاب مع المخاطب الحقيقي بل للخطاب الإيقاعي الإنشائيّ صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من الواقع تلوها للغائبين والمعدومين جميعا بلا عناية ولا رعاية علاقة في نفس الأدوات أصلا وان كان هناك عناية في المخاطبة معهم حيث ينزل فيها الغائب والمعدوم منزلة الحاضر الملتفت.

(قوله مع حصوله بذلك لو كان ارتكازيا ... إلخ) أي مع حصول العلم بالتنزيل بسبب الالتفات إليه والتفتيش عن حاله لو كان التنزيل ارتكازيا وإلّا فمن أين يعلم بثبوته كذلك وهل هو إلّا بسبب الالتفات إليه والتفتيش عن حاله.

(قوله وان أبيت الا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي ... إلخ) وحاصله انك ان أبيت عما تقدم منا من وضع الأدوات للخطاب الإيقاعي الإنشائي والتزمت بوضعها للخطاب مع المخاطب الحقيقي فلا مناص حينئذ عن الالتزام باختصاص ما يقع في تلوها بالحاضرين في مجلس الخطاب فقط وان الخطابات الإلهية كغيرها من الخطابات تختص بالمشافهين خاصة فيما لم تكن هناك قرينة على التعميم.

(أقول) نعم ولكن قد عرفت آنفا أنه يمكن دعوى وجود القرينة غالبا على التعميم في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل يا أيها الناس اتقوا أو يا أيها الذين آمنوا بمن حضر في مجلس الخطاب فقط بل يعم الجميع بلا شبهة ولا ارتياب بل بالضرورة من الدين.

(قوله أو بنفس توجيه الكلام بدون الأدوات ... إلخ) وقد مثل له

٣٠٣

في التقريرات بآية الحج (قال) وكيف كان فما ذكر من معنى الخطاب يحصل بمجرد المواجهة بالكلام نحو الغير وان لم يكن الكلام مقرونا بواحدة من أداة الخطاب كالنداء ونحوه كما في قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.

(قوله وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال فاسد ... إلخ) رد على بعض أدلة القائلين بشمول الخطابات الشفاهية للمعدومين (قال في الفصول) بعد أن ذكر من الحنابلة القائلين بالشمول المعدومين وجهين متعددين (ما هذا لفظه) وقد يتشبث على الإثبات بوجوه أخر (إلى أن قال) ومنها أن دليل المنع على تقدير صحته لا يجري في خطاباته تعالى لأن الموجودين في زمن الخطاب والمعدومين عنده سواء (فيقول المصنف) ردا عليه ان إحاطته تعالى بالموجود والمعدوم على حد سواء مما لا يصحح المخاطبة مع المعدوم ولا الغائب حقيقة كما أن عدم صحتها معهما حقيقة ليس إلّا لقصور فيهما لا لنقص في ناحيته جل وعلا.

(قوله كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة ... إلخ) رد على القول بشمول الخطابات الشفاهية للغائبين عن مجلس الخطاب وان لم تشمل المعدومين (قال المحقق القمي) في التنبيه الأول (ما هذا لفظه) قيل بشمول الخطابات المذكورة للمكلفين الموجودين وان كانوا غائبين عن مجلس الوحي لأن الخطاب عن الله تعالى ولا يتفاوت بتفاوت الأمكنة ويظهر من بعضهم عدم الشمول انتهى (وقال في التقريرات) في التنبيه الأول أيضا (ما هذا لفظه) الظاهر عدم الفرق بين المعدوم والغائب عن مجلس الخطاب

٣٠٤

في عدم تحقق المخاطبة لو لا التنزيل كما تقدم إليه الإشارة واستواء الكل بالنسبة إليه تعالى غيبة وحضورا لا يجدى في المقام أما أولا فلأن ذلك مبنى على أن يكون المخاطب بالكسر هو الله تعالى ولا دليل عليه (إلى أن قال) وأما ثانيا فبأن استواءه غيبة وحضورا لا يجدى مع اختلاف حال المخاطبين بالعلم والسماع فان النقص فيهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا مضافا إلى أن الاستواء انما هو موجود في الموجود والمعدوم أيضا ولم يظهر التزامه من المورد فبدون التنزيل لا يعقل الخطاب في المقامين ومعه لا إشكال فيهما (انتهى) (فيقول المصنف) ردا على القول المذكور ان خطابه تعالى اللفظي حيث أنه تدريجي متصرم الوجود وليس أمرا قابلا للبقاء لم يقبل الشمول للغائبين فانهم حين الخطاب لا حضور لهم كي يشملهم الخطاب وبعد حضورهم لا خطاب له تعالى كي يشملهم

(قوله هذا لو قلنا بان الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلخ) أي أن تمام ما تقدم إلى هنا انما هو لو قلنا ان الخطاب من الله تعالى حقيقة في مثل يا أيها الناس اتقوا أو يا أيها الذين آمنوا أو نحوهما إلى غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وأما لو قلنا) ان المخاطب الحقيقي له تعالى هو خصوص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره فأدوات النداء في مثلهما مستعملة قهرا في غير الخطاب مع المخاطب الحقيقي بل في الخطاب الإيقاعي الإنشائيّ ولو مجازا فإذا كانت مستعملة في الخطاب الإيقاعي الإنشائيّ مجازا وكان المخاطب غير المخاطب الحقيقي فلا فرق حينئذ بين أن يكون المخاطب خصوص الحاضرين فقط أو ما يعم الغائبين والمعدومين جميعا

٣٠٥

في ثمرة البحث

(قوله فصل ربما قيل إنه يظهر لعمومات الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان الأولى حجية ظهور الخطابات في الكتاب لهم كالمشافهين ... إلخ) هذه الثمرة الأولى للمحقق القمي رحمه‌الله فانه ذكر في بحث الخطابات الشفاهية أن ثمرة عموم الخطابات القرآنية للمعدومين وعدمه هو حجية ظواهرها لهم وعدمها وأساس هذه الثمرة مبتن على مقدمتين قد أشار إليهما في القانون الثاني من الاجتهاد والتقليد.

(الأولى) اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه ولو كان متأخرا عن زمان الخطاب ولم يكن مشافها له أصلا كما في تصنيف المصنفين وتأليف المؤلفين دون من لم يقصد افهامه.

(الثانية) أن غير المشافهين للخطابات القرآنية ليسوا مقصودين بالإفهام فالكتاب العزيز ليس كتصنيف المصنفين وتأليف المؤلفين فإذا تم هاتان المقدمتان اختص قهرا حجية ظواهر الكتاب بالمشافهين فقط كما صرح به في حجية الكتاب فيتم حينئذ الثمرة الأولى في المقام فعلى القول بعموم الخطابات القرآنية وشمولها لغير المشافهين تكون هي حجة لنا وإلّا فلا (وقد رد المصنف) على كلتا المقدمتين جميعا.

(فعلى الأولى) بقوله وفيه أنه مبنى على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام وقد حقق عدم الاختصاص بهم.

(وعلى الثانية) بقوله ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع ... إلخ.

٣٠٦

(قوله الثانية صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم ... إلخ) هذه الثمرة الثانية مذكورة في التقريرات ولم يحسن تقريرها وقد ذكرها المحقق القمي أيضا وأصلها منسوب إلى المحقق البهبهاني رحمه‌الله وتقريرها على نحو أحسن ان المعدومين إذا وجدوا وبلغوا وكانوا مخالفين مع الموجودين في حال الخطاب في الصنف أي في خصوصية مصنفه نحتمل دخلها ثبوتا في الحكم على نحو شك فعلا في ثبوته لهم كاختلافهم في درك حضور الإمام عليه‌السلام المحتمل دخله في مثل صلاة الجمعة (فان قلنا) بشمول الخطابات للمعدومين وتوجهها إليهم فيجوز لهم التمسك بإطلاقاتها لرفع دخالة ما شك في دخله كما جاز التمسك بإطلاقاتها للموجودين (وإن لم نقل) بشمولها لهم فلا يجوز لهم التمسك بإطلاقاتها أصلا فان التمسك بالإطلاق فرع توجه الخطاب فإذا لم يتمسك بالإطلاق فلا يبقى في البين سوى دليل الاشتراك ولا دليل على الاشتراك إلا الاجتماع وهو دليل لبي لا إطلاق له فلا يثبت به الحكم الا مع الاتحاد في الصنف وحيث لا اتحاد في الصنف فلا دليل على الحكم أصلا

(قوله ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد ... إلخ) هذا جواب عن الثمرة الثانية (وحاصله) أن مع عدم عموم الخطاب للمعدومين وإن لم يصح لهم التمسك بإطلاقه لرفع دخالة ما شك في دخله مما كان المعدمون فاقدين له وكان المشافهون واجدين له ولكن صح التمسك بإطلاقه لرفع دخالته في حق المشافهين قطعا فإذا ارتفع دخله في حقهم ثبت اتحاد المعدومين معهم في الصنف إذ ليس المراد من اتحادهم في الصنف الا الاتحاد فيما كان له دخل في الحكم لا الاتحاد في جميع الخصوصيات مما يكثر الاختلاف بحسبه كالطول والقصر والسواد والبياض والسمن والهزال ونحو ذلك مما لا يوجب اختلافا في الحكم فإذا ثبت اتحادهم معهم في الصنف ثبت الحكم لهم قهرا بدليل الاشتراك

٣٠٧

وان كان الدليل لبيا لا إطلاق له وهذا واضح.

(قوله وكونهم كذلك لا يوجب صحة الإطلاق مع إرادة المقيد منه فيما يمكن أن يتطرق الفقدان ... إلخ) دفع لما قد يقال من أنه لا يصح التمسك بالإطلاق في حق المشافهين أيضا كي يرتفع به دخل ما شك في دخله ويثبت به اتحاد المعدومين مع الموجودين في الصنف ويلحقهم الحكم بدليل الاشتراك ولو كان لبيا وذلك كله لأن المشافهين كانوا واجدين لما شك في دخله ومع كونهم كذلك لا يكون الإطلاق كاشفا عن عدم دخله في الحكم لمكان الدخل فيه ثبوتا وان الإطلاق كان من جهة الاتكال على حصوله لهم وتحققه فيهم (فيقول المصنف) إن ذلك انما يتم في الخصوصيات التي لا يتطرق إليها الفقدان كالعربية والعجمية والقرشية والنبطية وأشباه ذلك مما لا يزول فإذا شك في دخل مثل هذه الأمور وكان المشافهون واجدين له فمن إطلاق الخطاب لهم لا يستكشف عدم دخله في حقهم وذلك لجواز دخله فيه ثبوتا وان الإطلاق كان لأجل الاتكال على وجوده فيهم وحصوله لهم وأما فيما يمكن تطرق الفقدان إليه كالقوة والضعف والغنى والفقر والعلم والجهل وأشباه ذلك مما يقبل الزوال والفناء فمن إطلاق الحكم يعرف لا محالة عدم دخله في حقهم إذ لو كان دخيلا في حقهم لكان على المولى تقييد الحكم به ولم يصح منه الاتكال على تحققه فيهم وحصوله لهم بعد كونه في معرض الزوال والفناء كما لا يخفى.

(قوله ودليل الاشتراك إنما يجدى في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين ... إلخ) لا يبعد أن يكون ذلك دفعا لما قد يتوهم من أنه لا حاجة في المقام إلى التمسك بالإطلاق للمشافهين كي يرتفع به دخل ما شك في دخله ويثبت به اتحاد المعدومين معهم في الصنف فيلحقهم الحكم بدليل الاشتراك بل يكفى في تسرية الحكم من المشافهين إلى المعدومين نفس دليل

٣٠٨

الاشتراك فقط (فيقول المصنف) في دفعه إن دليل الاشتراك إنما يجدى في عدم اختصاص الحكم بالمشافهين وفي تسريته إلى غيرهم إذا لم يكونوا واجدين لخصوصية نحتمل دخلها في الحكم فلو لا الإطلاق وإثبات عدم دخل تلك الخصوصية وثبوت اتحاد غير المشافهين معهم في الصنف بوسيلة الإطلاق لم يجد دليل الاشتراك في التسرية منهم إلى غيرهم ومع الإطلاق وثبوت الاتحاد في الصنف بوسيلته يعم الحكم بدليل الاشتراك لغير المشافهين مطلقا من الغائبين والمعدومين جميعا وإن لم يكونوا مخاطبين بالخطابات الشفاهية أصلا فتأمل جيدا.

(قوله وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام ... إلخ) أي وقد حقق عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه في بحث حجية الظواهر

(قوله وأشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام ... إلخ) حيث قال قدس‌سره ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك وان لم يعمهم الخطاب ... إلخ.

في تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده

(قوله فصل هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه به أولا ... إلخ) وقد اشتهر التمثيل لذلك بقوله تعالى في أواسط البقرة والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك (الآية) أي وبعولتهن أحق بردهن في ذلك الأجل الّذي قدر لهن وهو أيام العدة (فالضمير) في بعولتهن راجع إلى خصوص الرجعيات من

٣٠٩

المطلقات فإنهن اللاتي بعولتهن أحق بردهن لا إلى المطلقات مطلقا ولو كانت بائنات وهي الصغيرة وغير المدخول بها واليائسة والمختلعة والمباراة والمطلقة ثلاثا (فهل عود) الضمير إلى بعض أفراد المطلقات مما يوجب تخصيصها به ويكون المراد منها لبا هو خصوص الرجعيات ويختص التربص بهن فقط بحيث نحتاج في إثبات العدة لبعض البائنات كالمختلعة والمباراة والمطلقة ثلاثا إلى دليل آخر (أم لا يوجب) ذلك بل المراد من المطلقات مطلق المطلقات ويثبت التربص لجميعهن بحيث نحتاج في عدم العدة على الصغيرة وغير المدخول بها واليائسة إلى دليل آخر (فيه خلاف) بين الأعلام (قال في الفصول) ذهب إلى كل فريق وتوقف قوم (ونسب في المعالم) الأول إلى العلامة في النهاية وإلى جمع من الناس والثاني إلى العلامة في التهذيب والمرتضى وجماعة من العامة وذكر أن المحقق قد حكاه عن الشيخ ونسب التوقف إلى المحقق (إلى أن قال) وهذا هو الأقرب يعنى التوقف.

(قوله وليكن محل الخلاف ... إلخ) وحاصل كلام المصنف أنه يجب أن يكون محل الخلاف فيما إذا وقع العام والضمير العائد إلى بعض أفراده في كلامين أو في كلام واحد مع استقلال العام بحكم يختص به كما في الآية الشريفة فان المطلقات حكمها التربص والضمير العائد إلى بعض أفرادها في بعولتهن حكمه أحقية الزوج بردهن وأما إذا كانا في كلام واحد وكانا محكومين بحكم واحد كما لو قيل والمطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا ينبغي الريب في تخصيص العام به.

(أقول) ومأخذ هذا الكلام هو صاحب الفصول رحمه‌الله (قال ما هذا لفظه) ثم الظاهر أن النزاع فيما إذا كان العام والضمير في كلامين مستقلين كما يساعد عليه التمثيل بالآية أو فيه وفيما إذا كانا في كلام واحد واستغنى العام

٣١٠

عن عود الضمير إليه نحو أكرم العلماء وخدامهم إذا علم اختصاص الحكم بخدام العدول منهم وأما إذا كانا في كلام واحد واستدعى العام عود الضمير إليه كما لو قيل والمطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا إشكال في تخصيص العام بتخصيص الضمير بالبعض (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه وهو عين ما أفاده المصنف غير أنه عبر عن استقلال العام بحكم يختص به باستغناء العام عن عود الضمير إليه كما أنه عبر عن اشتراكهما في حكم واحد باستدعاء العام عود الضمير إليه.

(نعم) يظهر من قول المصنف أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى والمطلقات يتربصن ... إلخ أن الآية الشريفة هي من قبيل ما إذا وقع العام والضمير في كلام واحد ويظهر من قول الفصول المتقدم ثم الظاهر أن النزاع فيما إذا كان العام والضمير في كلامين مستقلين كما يساعد عليه التمثيل بالآية ... إلخ أن الآية هي من قبيل ما إذا وقع العام والضمير في كلامين لا في كلام واحد وهو اختلاف يسير ليس بمهم (ثم إنه يظهر من التقريرات) في تعيين محل الخلاف ما مرجعه إلى ما أفاده المصنف أيضا فجعل المعيار في محل الكلام أن يكون حكم الضمير مغايرا لحكم العام سواء كان الحكمان من سنخ واحد وفي كلام واحد كما في أكرم العلماء وأكرم خدامهم إذا فرض عود الضمير لعدو لهم أو كان الحكمان من سنخين وفي كلامين كما في الآية المباركة لما فيها من وجوب التربص وأحقية الزوج بردهن وأما إذا كان حكم العام والضمير واحدا كما في قوله تعالى في صدر الآية والمطلقات يتربصن فلا نزاع في تخصيص العام به فان ضمير الجمع فيها عائد إلى ما سوى الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها لأنهن لا يتربصن وليس عليهن عدة.

٣١١

(قوله والتحقيق أن يقال إنه حيث دار الأمر بين التصرف في العام ... إلخ) وحاصل تحقيق المصنف أنه لا بد في المقام من ارتكاب خلاف الظهور بأحد وجوه ثلاثة (إما بالتصرف) في العام بالتزام التخصيص فيه فيكون المراد من المطلقات الرجعيات (وإما بالتصرف) في الضمير بنحو الاستخدام بإرجاعه إلى بعض ما أريد من المرجع فان الاستخدام على ما حقق في البديع عبارة عن عود الضمير إلى اللفظ بغير المعنى الّذي أريد منه من غير فرق بين أن يكون الغير مباينا مع المعنى رأسا أو كان الغير بعضه (وإما بالتصرف) في الضمير بنحو التجوز في الإسناد فيسند أحقية الزوج بردهن إلى جميع المطلقات تجوزا مع كون المسند إليه الحقيقي هو خصوص الرجعيات فقط دون غيرهن (والترجيح) لأصالة الظهور في طرف العام لا لأصالة الظهور في طرف الضمير والسر فيه أن المتيقن من بناء العقلاء الّذي هو مدرك أصالة الظهور هو اتباعها في تعيين المراد لا في تعيين كيفية الاستعمال والمراد في طرف العام غير معلوم إذ لم يعلم أنه قد أريد منه العموم أو أريد منه الخصوص فيكون أصالة الظهور حجة فيه بخلاف المراد في جانب الضمير فانه معلوم على كل حال لأن أحقية الزوج بردهن هي للرجعيات لا محالة ولكن لم يعلم أن العام قد أريد منه الخصوص ليكون استعمال الضمير على نحو الحقيقة أو أريد منه العموم وأن الضمير قد رجع إلى بعض ما أريد من المرجع أما بنحو الاستخدام أو بنحو التجوز في الإسناد فلا تكون أصالة الظهور حجة فيه

(وفيه) أن المتيقن من بناء العقلاء وان كان هو اتباع الظهور في تعيين المراد والمراد في جانب العام غير معلوم بخلافه في جانب الضمير لكن هذا كله إذا كان الظهور منعقدا للعام وفي المقام انعقاده له مع عود الضمير إلى بعض أفراده الصالح للقرينية على التخصيص غير معلوم ولو كانا في كلامين إذا المراد

٣١٢

من وقوعهما في كلامين هو وقوعهما في كلام واحد طويل وإلّا لم يصح عود الضمير إليه ولعل إلى هذا قد أشار بقوله فافهم (هذا مضافا) إلى أن التصرف في الضمير بنحو التجوز في الإسناد مما لا وجه له فان الإسناد إلى غير ما هو له كالاستعمال في غير ما وضع له هو مما يحتاج إلى استحسان الطبع له ولا يستحسن الطبع اسناد الحكم إلى عموم المطلقات بلحاظ قسم خاص منها وهو الرجعيات (وعليه) فارتكاب خلاف الظهور في المقام يكون بأحد وجهين لا بأحد وجوه ثلاثة فتأمل جيدا.

(قوله سالمة عنها في جانب الضمير ... إلخ) يعنى سالمة عن أصالة الظهور في جانب الضمير أي عن معارضتها.

(قوله فافهم ... إلخ) قد أشرنا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله لكنه إذا عقد للكلام ظهور في العموم ... إلخ) استدراك عن قوله كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير (وحاصله) أن العام إذا كان عند العرف من الكلام المكتنف بالضمير العائد إلى بعض أفراده لم ينعقد له ظهور أصلا بل يحكم عليه بالإجمال ففي مورد الشك نرجع إلى الأصول العملية إلّا إذا قيل باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ولو لم يكن اللفظ ظاهرا في معناه الحقيقي إلّا أنّك قد عرفت غير مرة ان الأصول اللفظية مدركها بناء العقلاء وهم لا يبنون تعبدا على أحد طرفي الاحتمال ما لم يكن هناك ظهور عرفا (وعليه) فإذا قال مثلا أكرم العلماء وصل خلفهم واحتملنا تخصيص العام بقرينة عود الضمير إلى عدو لهم وان الإكرام مختص بالعدول فقط كجواز الاقتداء بهم واحتملنا أيضا بقاء العام على عمومه وان الإكرام شامل لجميع العلماء حتى الفاسق منهم وان الضمير عائد إلى عدو لهم بنحو الاستخدام ففي العالم الفاسق نرجع لا محالة إلى أصل البراءة.

٣١٣

(أقول) انك قد عرف منا أن العام الّذي يعود الضمير إلى بعض أفراده هو دائما من هذا القبيل وأنه مما لا ظهور له في العموم أصلا ولو كانا في كلامين إذ المراد من وقوعهما كذلك هو وقوعهما في كلام واحد طويل كالآية الشريفة وإلّا لم يصح عود الضمير إليه كما لا يخفى.

(قوله كما عن بعض الفحول ... إلخ) يحتمل أن يكون هو صاحب الفصول فانه بعد ما رجح الاستخدام على تخصيص العام (قال ما هذا لفظه) فلا أقل من الشك في تحقق التكافؤ وهو لا يكفى في صرف ما ثبت عمومه عن العموم بل لا بد من ثبوت الصارف (وحاصله) أن مع احتمال التكافؤ بين التصرفين وعدم إحراز ظهور العام في العموم نأخذ بعمومه إلى أن يثبت الصارف عنه وهو عين العمل بأصالة الحقيقة تعبدا وان لم يكن هناك ظهور عرفا ولكنه تنظر فيه أخيرا بقوله وفي هذا نظر وهو في محله.

هل يخصص العام بالمفهوم المخالف

(قوله فصل قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق ... إلخ) قد عرفت في صدر المفهوم والمنطوق أن المفهوم الغير المطابق للمنطوق في الإيجاب والسلب يسمى بالمفهوم المخالف ويعبر عنه بدليل الخطاب والمفهوم المطابق للمنطوق في الإيجاب والسلب يسمى بالمفهوم الموافق ويعبر عنه بلحن الخطاب أو فحوى الخطاب كما أنه قد يعبر عن الجميع بلازم الخطاب (وعلى كل حال) إذا قال مثلا ولا تقل لأبويك أف وان فسقا واستفدنا منه حرمة إهانتهما وان فسقا بالفحوى جاز أن يكون هذا المفهوم الموافق مخصصا لعموم قوله أهن الفساق بلا كلام (وأما

٣١٤

إذا قال) ان عدل زيد العالم فأكرمه ونحن قلنا بمفهوم الشرط واستفدنا منه عدم وجوب إكرامه ان لم يعدل فهل جاز أن يكون هذا المفهوم المخالف مخصصا لعموم قوله أكرم العلماء أم لا (فيه خلاف) بين الأعلام (قال في المعالم) والأكثرون على جوازه وهو الأقوى (ثم استدل عليه) بقوله لنا أنه دليل شرعي عارض مثله وفي العمل به جمع بين الدليلين فيجب (ثم ذكر) بعد ذلك حجة الخصم (فقال) احتج المخالف بان الخاصّ انما يقدم على العام لكون دلالته على ما تحته أقوى من دلالة العام على خصوص ذلك الخاصّ وأرجحية الأقوى ظاهرة وليس الأمر هاهنا كذلك فان المنطوق أقوى دلالة من المفهوم وان كان المفهوم خاصا فلا يصلح لمعارضته وحينئذ فلا يجب حمله عليه (انتهى).

(أقول) وفي كل من دليلي الجواز والمنع ما لا يخفى (أما دليل الجواز) فلان مجرد الجمع بين الدليلين مما لا دليل على وجوبه ما لم يكن أحدهما أقوى دلالة وأشد ظهورا بحيث يوفق بينهما عرفا بحمل الظاهر على الأظهر أو على النص (وقريب منه) ما أورده الفصول عليه من أن الجمع كما يمكن بإلغاء العموم كذلك يمكن بإلغاء المفهوم فيستدعي ترجيح الأول من مرجح ومجرد كونه طريق جمع لا يكفى فان الثاني أيضا طريق جمع (انتهى) وهو جيد (وأما دليل المنع) فلان المفهوم وان كان بمقتضى طبعه أضعف من المنطوق ولكن ما لم يعرضه جهة تجعله أقوى دلالة وأشد ظهورا وهي أخصية المدلول وأضيقيته بالنسبة إلى مدلول العام وإلّا فهو أدل وأظهر فقول الخصم في حجته المتقدمة ان المنطوق أقوى دلالة من المفهوم وان كان المفهوم خاصا هو ممنوع أشد المنع ومردود عليه أشد الرد (ولعل من هنا) قال المصنف وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور (انتهى).

٣١٥

(قوله وتحقيق المقام أنه إذا ورد العام ... إلخ) وحاصل هذا التحقيق ان ما له العموم وما له المفهوم إذا وردا في كلام واحد أو في كلامين ولكن كان كل منهما قرينة متصلة للآخر لعدم فصل طويل بينهما ودار الأمر بين تخصيص العموم أو رفع اليد عن المفهوم (فان كان) كل من العموم والمفهوم بمقدمات الحكمة كما في المفرد المعرف باللام إذا انعقد له العموم بالمقدمات وفي الجملة الشرطية إذا لم نقل بوضعها للمفهوم وانعقد لها ذلك بمقدمات الحكمة أحيانا كما تقدم تفصيله في محله أو كان كل من العموم والمفهوم بالوضع كما في صيغة كل وما أشبهها وفي الجملة الشرطية أو الوصفية إذا قلنا فيهما بالمفهوم مستندا إلى الوضع فلا عموم حينئذ ولا مفهوم لعدم تمامية المقدمات بالنسبة إلى شيء منهما في الأول ولمزاحمة ظهور كل منهما مع الآخر في الثاني فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل العملي في محل الشك فإذا قال مثلا أكرم العلماء وقال أيضا ان عدل العلماء فأكرمهم ودار الأمر في العالم الفاسق بين تخصيص العموم بالمفهوم كي لا يجب إكرامه وبين رفع اليد عن المفهوم ليجب إكرامه فلا محيص حينئذ عن أصل البراءة إلّا إذا فرض أحدهما أظهر فيؤخذ به هذا كله ان كان ما له العموم وما له المفهوم في كلام واحد أو في كلامين ليس بينهما فصل طويل كما أشرنا (وأما إذا كانا) في كلامين بينهما فصل طويل وكان كل منهما بمقدمات الحكمة أو بالوضع فالظهور لا محالة وان كان ينعقد لكل منهما ولكن لا بد حينئذ من أن يعامل معهما معاملة المجمل لتكافئهما في الظهور ان لم يكن أحدهما أظهر وإلّا فيكون هو القرينة على التصرف في الآخر (هذا كله تحقيق المصنف) وهو مع نقصانه وعدم استيعابه تمام الصور لعدم تعرضه في كلا الفرضين صورة كون أحدهما بالوضع والآخر بمقدمات الحكمة وان لم يبعد أن يكون حكمها في نظره تقديم جانب الوضع

٣١٦

(هو تطويل) بلا طائل فان المفهوم للجملة الشرطية إنما ينعقد أحيانا بمقدمات الحكمة إذا أحرز كون المتكلم في مقام بيان تمام ما هو العلة للحكم ولم يذكر سوى الشرط المذكور في المنطوق ومع الإحراز كذلك يعرف لا محالة انحصار العلة به والانتفاء عند الانتفاء فيقدم المفهوم قهرا لأخصية مدلوله وأضيقية معناه على العموم وإن كان العموم بالوضع.

(وبالجملة) الحق في المقام أن يقال إن المفهوم بعد القول به في الجملة الشرطية أو الوصفية أو غيرهما سواء كان بالوضع أو بغيره من الانصراف أو بمقدمات الحكمة هو مما يقدم على عموم العام لا محالة نظرا إلى أخصيته وأضيقيته فيكون المفهوم المخالف مخصصا للمنطوق كما صح أن يكون المنطوق مخصصا للمنطوق وإن كان مخصصية الثاني أجلى وأظهر.

(قوله وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر ... إلخ) أي وإلا بان كان أحدهما أظهر انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر .....

إلخ أي وإلا بان كان أحدهما أظهر كان ذلك مانعا عن انعقاد الظهور للآخر إذا كانا في كلام واحد أو عن استقراره له إذا كانا في كلامين على نحو كان كل منهما قرينة متصلة للآخر.

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة

(قوله فصل الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ... إلخ) بمعنى أن الاستثناء إذا تعقب جملا متعددة وقد أمكن رجوعه إلى الكل كما في قوله أكرم العلماء وأطعم الفقراء وارحم الضعفاء إلا الفساق لا ما إذا لم يصح رجوعه إلا إلى الجملة الأخيرة كما في أكرم العدول وجالس الفحول الا الفساق (فهل هو) ظاهر في الرجوع إلى الكل (أو إلى) خصوص الأخيرة (أو لا

٣١٧

ظهور له) أصلا بل لا بد في التعيين من قرينة أقوال (قيل) بظهوره في الرجوع إلى الكل وهو المنسوب إلى الشيخ والشافعية (وقيل) بظهوره في الرجوع إلى خصوص الأخيرة وهو المنسوب إلى أبي حنيفة وأتباعه (وقيل) مشترك بينهما لفظا وهو المنسوب إلى السيد رحمه‌الله (وقيل) بالوقف بمعنى لا ندري أنه حقيقة في أي الأمرين وهو المنسوب إلى الغزالي ولا يخفى أن عد ذلك من الأقوال غريب جدا (وقيل) بالاشتراك المعنوي بينهما وهو الّذي اختاره صاحب المعالم وان لم يصرح بلفظ الاشتراك المعنوي.

(قوله ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال ضرورة ان رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة ... إلخ) مضافا إلى أنه لا قائل بالعود إلى غير الأخيرة خاصة كما يظهر بمراجعة كلماتهم.

(قوله وكذا في صحة رجوعه إلى الكل ... إلخ) (وفيه) ان صحة رجوعه إلى الكل على كل من القول الأول والاشتراك اللفظي والمعنوي وان صح ولكن على القول برجوعه إلى خصوص الأخيرة مما لا يصح بل يظهر من بعض الوجوه التي استند إليها القائل بهذا القول أنه يستحيل عقلا (قال في المعالم) الرابع أي من الوجوه التي احتج بها القائل بهذا القول أنه لو رجع الاستثناء إلى الجميع فان أضمر مع كل جملة استثناء لزم مخالفة الأصل وان لم يضمر كان العامل فيما بعد الاستثناء أكثر من واحد ولا يجوز تعدد العامل على معمول واحد في إعراب واحد لنص سيبويه عليه وقوله حجة ولئلا يجتمع المؤثر ان المستقلان على الأثر الواحد (انتهى) (اللهم) إلّا إذا كان مقصود المصنف من صحة رجوعه إلى الكل صحة رجوعه إليه في نظره كما يظهر من تعليله الآتي أعني قوله وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا ... إلخ.

٣١٨

(قوله وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه‌الله حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه أنه محل الإشكال والتأمل ... إلخ) إذ لو لم يكن صحة الرجوع إلى الكل عنده محل إشكال وتأمل لم يمهد لها مقدمة طويلة خارجة عن وضع الكتاب جدا (قال أعلى الله مقامه) ولنقدم على توجيه المختار مقدمة يسهل بتدبرها كشف الحجاب عن وجه المرام وتزداد بتذكرها بصيرة في تحقيق المقام وهي ان الواضع لا بد له من تصور المعنى في الوضع (ثم ساق كلاما طويلا) في إثبات أقسام ثلاثة للوضع من الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ كما في الأعلام والوضع العام والموضوع له العام كما في أسامي الأجناس والوضع العام والموضوع له الخاصّ وادعى أنه في أسامي الإشارة وساير المبهمات والحروف ومقصوده من هذا كله إثبات ان أدوات الاستثناء التي هي من جملة الحروف وضعها عام وان كان الموضوع له فيها خاصا فإذا كان الوضع فيها عاما صح إرجاعها إلى الكل كما صح إرجاعها إلى الأخيرة فقط وان احتجنا في التعيين إلى القرينة (قال) فيما أفاده بعد تمهيد المقدمة الطويلة (ما لفظه) وعلى هذا فأي الأمرين أريد من الاستثناء كان استعماله فيه حقيقة واحتيج في فهم المراد منه إلى القرينة كما في نظائره فان إفادة المعنى المراد من الموضوع بالوضع العام انما هي بالقرينة وليس ذلك من الاشتراك في شيء يعنى اللفظي لاتحاد الوضع فيه وتعدده في المشترك لكنه في حكمه باعتبار الاحتياج إلى القرينة (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.

(قوله وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة ... إلخ) علة كما أشير آنفا لقوله وكذا في صحة رجوعه إلى الكل (ومنه يظهر) ان مختار المصنف هو عين ما اختاره صاحب المعالم من الاشتراك المعنوي بين الإخراج عن الجميع والإخراج عن الأخيرة

٣١٩

خاصة غير أنه يثبته بطريق آخر وهو أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى كما في قولك أكرم العلماء الا الفساق والشعراء والحكماء مما لا يوجب تفاوتا في ناحية الأداة سواء قلنا بكون كل من الوضع والموضوع له في الحروف عاما كما تقدم في صدر الكتاب أو قلنا بكون الوضع عاما والموضوع له فيها خاصا كما أفاده صاحب المعالم وفاقا لغير واحد من أهل العربية (كما أن منه يظهر) ان الاستثناء المتعقب لجمل متعددة لا يكون ظاهرا في الرجوع إلى الجميع ولا في الرجوع إلى خصوص الأخيرة بعد صلوحه لكل منهما وان كان الرجوع إلى الأخيرة متيقنا معلوما فإذا لم يكن ظاهرا في شيء منهما لم يكن ما سوى الأخيرة ظاهرا في العموم لاكتنافه بما يصلح للرجوع إليه فلا بد في محل الشك من الرجوع إلى الأصل العملي ففي العالم الفاسق والفقير الفاسق في المثال المتقدم في صدر المسألة نرجع إلى أصل البراءة.

(قوله وكان المستعمل فيه الأداة ... إلخ) راجع إلى قوله المتقدم لا يوجب تفاوتا ... إلخ أي ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا عين المستعمل فيه فيما كان واحدا.

(قوله كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال ... إلخ) أي فيكون المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى متعددا عين المستعمل فيه فيما كان متعددا.

(قوله اللهم إلّا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور ... إلخ) فحينئذ يؤخذ بعموم ما سوى الجملة الأخيرة وان لم يكن ظاهرا في العموم من جهة اكتنافه بما يصلح للرجوع إليه ولكن قد عرفت غير مرة ان أصالة الحقيقة تعبدا مما لا أصل له فانه أصل عقلائي ولا تعبد في

٣٢٠