عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٠

في الأشهر الأغلب تقليلا للمجاز (انتهى) (فيقول المصنف) ومعه يعنى مع ضرورة أن مثل لفظ كل وما يرادفه في أي لغة كان تخص العموم ولا يخص الخصوص ولا يعمهما بان كان مشتركا بينهما لا يكاد يصغى إلى الأمرين المذكورين مضافا إلى أن تيقن إرادة الخصوص في الدليل الأول مما لا يوجب اختصاص الوضع به وان اشتهار التخصيص في الدليل الثاني مما لا يوجب كثرة المجاز كي يقال ان الظاهر يقتضى كونه حقيقة في الأشهر الأغلب تقليلا للمجاز لما ستعرف من أن التخصيص مما لا يوجب التجوز مع أن كثرة المجاز مما لا محذور فيه إذا كان بالقرينة.

(أقول) هذا مضافا إلى أن الخصوص ليس له حد خاص ومرتبة مخصوصة كي يمكن الالتزام بوضع صيغ العموم لذلك الحد الخاصّ فان العام إذا خرج منه فرد واحد فالباقي خاص وان خرج منه فردان فهو أيضا خاص وهكذا إلى أن يصل إلى حد لا يجوز أن يتجاوز عنه التخصيص فان قلنا بوضع الصيغ لجميع هذه المراتب بنحو الاشتراك اللفظي فهذا باطل جدا وان قلنا بوضعها للجميع بنحو الاشتراك المعنوي فهو كذلك لوضوح عدم الجامع بينها فقهرا يتعين الوضع للعموم وهذا واضح.

في بيان ما دل على العموم

(قوله فصل ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي أو النهي ... إلخ) المقصود من عقد هذا الفصل بعد ما عرفت في الفصل السابق أن للعموم صيغة تخصه وأنه لا يعبأ بخلاف من خالف هو عد صيغ العموم والأدوات الدالة عليه.

٢٤١

(وقد عد منها) لفظة كل وجميع وكافة وقاطبة وأجمع وأكتع وأبتع وأبصع.

(أقول) أما لفظة كل وجميع فهي مما يفيد العموم تأسيسا بمعنى انها مما توجب أن يستغرق مدخوله جميع مصاديقه وأفراده (فتقول) كل رجل آمن بالله دخل الجنة وجميع رجل كفر بالله دخل النار وأما ما سواهما فهو مما يفيد العموم تأكيدا (فتقول) أجمع العلماء كافة أو لعن الله بنى أمية قاطبة (أو تقول) اشتريت العبد كله أجمع أكتع أبتع أبصع أو اشتريت الجارية كلها كتعاء بتعاء بصعاء أو جاءني القوم كلهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون أو قامت النسوة كلهن جمع كتع بتع بصع فأصل العموم يستفاد من أمر آخر وتلك الألفاظ مما تؤكد العموم من غير أن تؤسسه.

(وقد عد أيضا) من صيغ العموم من وما وأي الشرطية والاستفهامية والموصولة (تقول) في الشرطية من أكرمني أكرمه أو ما تصنع أصنع أو أيا تضرب أضرب (وتقول) في الاستفهامية من جاءك أو ما دهاك أو أيكم يأتيني به (وأما الموصولة) فهي كقول الله عزوجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا أو إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أو لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا.

(أقول) عد هذه الصيغ كلها من صيغ العموم بعد ما بينا لك معنى العام من أنه عبارة عما استغرق جميع مصاديقه بنحو العطف بواو مما لا يخلو عن مسامحة فان الاستغراق فيها يكون بنحو العطف بأو كما صرح به المحقق القمي في خصوص أي (قال) في القانون الثاني إلا انها يعنى صيغة أي ليست للتكرار بخلاف كل فلو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد فأعطه درهما اقتصر على إعطاء واحد بخلاف ما لو قال كل رجل فانه يعطى الجميع (انتهى) (نعم

٢٤٢

لا بأس) بإطلاق العموم البدلي عليها إلا إنك قد عرفت أن العموم البدلي هو إطلاق في الحقيقة يعبر عنه أحيانا بالعموم كما أنه قد يعبر عن العموم بالإطلاق الشمولي غير أن الإطلاق قد ينعقد بمقدمات الحكمة كما في أسامي الأجناس على ما سيأتي في المطلق والمقيد وقد يكون بالوضع كما في الصيغ المذكورة (ثم لا يخفى عليك) الفرق بين الصيغ المذكورة كلها وبين الصيغ المتقدمة عليها من لفظة كل وأخواتها بل ولام الاستغراق أيضا والنفي والنهي فان كلا من لفظة كل وأخواتها ولام الاستغراق والنفي والنهي مما يوجب أن يستغرق مدخوله جميع مصاديقه وأفراده فهو أداة العموم ومدخوله عام ينطبق عليه التعاريف المتقدمة في صدر البحث بل وهكذا الجمع المضاف أو المفرد المضاف على ما سيأتي فإضافته سبب لاستغراقه جميع المصاديق والأفراد بخلاف مثل من وما وأي فهو أداة وذو الأداة وليس سببا لاستغراق الغير جميع مصاديقه وأفراده فالتعاريف المذكورة صادقة عليه بنفسه لا على مدخوله فتأمل جيدا

(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم النكرة في سياق النفي أو النهي كما في قولك ما ظلمت أحدا أو لا تظلم أحدا (والظاهر) أن إفادتها العموم مما لا خلاف فيه (قال المحقق القمي) لا خلاف ظاهرا في أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم (وقال في الفصول) لا ريب في أن النكرة في سياق النفي يقتضى العموم (بل المصنف) قد ادعى فوق ذلك وهو أن دلالتها على العموم عقلية نظرا إلى أن النفي أو النهي للعدم والنكرة هي الطبيعة ولا تنعدم الطبيعة إلّا بانعدام جميع أفرادها وإلّا لما كانت معدومة.

(أقول) والظاهر أن مرادهم من النكرة في المقام هو اسم الجنس لا النكرة بمعناها المصطلح وهو اسم الجنس إذا دخل عليه التنوين وأفاد الوحدة وإلّا فمقتضى نفى الواحد أو النهي عنه ليس هو نفى الجميع أو النهي عن الجميع

٢٤٣

ولذا صح أن يقال ما جاءني رجل بل رجال أي ما جاءني رجل واحد بل جاءني رجال كثيرون (كما ان الظاهر) انه لا وجه لتخصيص اسم الجنس بالذكر فيشمل الحكم حتى المعرف بلام الجنس كما في قولك ما أكلت الحرام طول حياتي أولا تأكل الحرام طيلة عمرك.

(وبالجملة) مهما وقع اسم الجنس في سياق النفي أو النهي سواء كان معرفا بلام الجنس كما في الأخيرين أو مجردا عن اللام ولم يدخل عليه التنوين كما في لا رجل في الدار أو لا رفث في الحج أو دخل عليه التنوين ولم يرد منه الوحدة كما في قولك ما ضربت أحدا أو لا تضرب أحدا فهو للعموم ومهما دخل عليه التنوين وأريد منه الوحدة ولو بقرينة الإضراب ببل كما في قولك ما جاءني رجل بل رجلان أو رجال أو لا تجئني برجل بل برجلين أو برجال فهو ليس للعموم

(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم الجمع المحلى باللام حيث لا عهد والمفرد المحلى باللام أيضا حيث لا عهد.

(أما الأول) (فقال فيه صاحب المعالم) ولا نعرف في ذلك مخالفا من الأصحاب ومحققو مخالفينا على هذا أيضا وربما خالف في ذلك بعض من لا يعتد به منهم (وقال صاحب الفصول) ما يقرب من ذلك.

(وأما الثاني) فهو محل الخلاف (قال في المعالم) فذهب جمع من الناس إلى أنه يفيد العموم وعزاه المحقق إلى الشيخ وقال قوم بعدم إفادته واختاره المحقق والعلامة (وقال في الفصول أيضا) ما يقرب من ذلك.

(أقول) وتحقيق الكلام فيهما مما يقتضى ذكر مقدمة وهي أن كلمة أل على وجوه.

(منها) أن تكون زائدة كالداخلة على بعض الأعلام كالحسن والحسين والعباس والقاسم وهذه أجنبية عن المقام جدا.

٢٤٤

(ومنها) أن تكون موصولة بمعنى الّذي كالداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين ونحوهما كقولك جاء الظالم أو المظلوم أو القاتل أو السارق وهذه أيضا أجنبية عن المقام جدا.

(ومنها) أن تكون حرف تعريف وإشارة كالداخلة على الجمع المنكر والمفرد المنكر وهذه هي المربوطة بالمقام وهي على نوعين عهدية وجنسية (أما العهدية) فهي على أقسام فانها سواء دخلت على الجمع أو المفرد.

(تارة) تكون إشارة إلى المذكور في الكلام.

(وأخرى) إلى الحاضر في مجلس الخطاب.

(وثالثة) إلى المعهود في ذهن المخاطب تقول أكرم الرّجال مشيرا باللام إلى رجال مذكورين في الكلام أو إلى رجال حاضرين في مجلس الخطاب أو إلى رجال معهودين في ذهن المخاطب وهكذا تقول أكرم الرّجل مشيرا بها إلى رجل مذكور أو حاضر أو معهود (وأما الجنسية) فهي على قسمين :

(الأول) أن تكون للإشارة إلى الأفراد والمصاديق الخارجية ويقال لها لام الاستغراق سواء كانت في الجمع أو في المفرد تقول جمع الأمير الصاغة أو جمع الأمير العسكر أي جمع كل فرد من أفراد الصائغ أو العسكر.

(الثاني) أن تكون للإشارة إلى الماهية والطبيعة سواء كانت في الجمع أيضا أو في المفرد تقول في الجمع الرّجال قوامون على النساء أو النساء ناقصات العقول وتقول في المفرد الرّجل خير من المرأة أو الإنسان حيوان ناطق فيكون اللام في هذا القسم الثاني لتعريف الجنس والإشارة إلى الماهية ويكون الحكم فيه على محض الطبيعة والحقيقة ويعرف الفرق بين الجنس والاستغراق بمناسبة الحكم والموضوع إذا عرفت هذا كله (فنقول) ان المحلى بلام الجنس سواء كان جمعا أو مفردا ان كان لامه لام الاستغراق وللإشارة بها إلى الأفراد

٢٤٥

والمصاديق الخارجية فهو للعموم قطعا وان كان لامه لمجرد الإشارة بها إلى الماهية والحقيقة فهو للعموم أيضا لكن إذا اقتضته مقدمات الحكمة كما اشتهر في مثل أحل الله البيع وحرم الربا أي أحل الله كل فرد من أفراد البيع الا ما خرج بالدليل وحرم كل فرد من أفراد الربا الا ما خرج بالدليل وإلّا فهو للإطلاق كما في مثل كل التمر واشرب الماء فان المنعقد فيهما بوسيلة المقدمات هو الإطلاق كما أعتق رقبة أي أي تمر كان أو أي ماء كان أو أي رقبة كانت لا كل فرد من أفراد التمر أو الماء أو الرقبة فتفطن ولا تغفل.

(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم الجمع المضاف كقولك أكرم علماء البلد أو أطعم فقراء المدينة أو ارحم مساكين القرية وهكذا (قال المحقق القمي) في القانون الثالث أما الجمع المعرف باللام فالظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا في إفادته العموم (إلى أن قال) وكذلك الجمع المضاف عند جمهور الأصوليين (وقال في الفصول) فصل الجمع المضاف ظاهر في العموم كمعرفة باللام وهذا مما لا خفاء فيه بعد ملاحظة موارد إطلاقه وانما الإشكال في منشأ هذا الظهور.

(أقول) ولا يهمنا منشأ الظهور بعد التسالم على ظهوره في العموم كما لا يخفى فان المتبع عند العرف والعقلاء هو الظهور من أينما حصل ونشأ كما سيأتي تحقيقه في حجية الظواهر.

(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم المفرد المضاف كقولك أكرم حاج البيت أو أطعم زائر الحسين عليه السلام أو ارحم فقير بلدك (قال في الفصول) في ذيل الجمع المضاف وأما المفرد المضاف فالحق أنه لا يفيد العموم.

(أقول) بل الحق أنه يفيد العموم سيما إذا كان المفرد المضاف اسم معنى كما إذا قال أحل الله نكاح الأمة وحرم وطي الحائض وأمر بصلاة العيدين

٢٤٦

ونهى عن صوم الوصال وهكذا ففي الجميع يشمل الحكم جميع الأفراد والمصاديق بنحو العطف بواو وهو معنى العموم كما بينا.

(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم الجمع المنكر كما في قولك جاءني رجال أو رأيت رجالا أو جئني برجال (قال في المعالم) أكثر العلماء على أن الجمع المنكر لا يفيد العموم بل يحمل على أقل مراتبه وذهب بعضهم على إفادته ذلك وحكاه المحقق عن الشيخ بالنظر إلى الحكمة والأصح الأول (إلى أن قال) حجة الشيخ أن هذه اللفظة إذا دلت على القلة والكثرة وصدرت من حكيم فلو أراد القلة لبينها وحيث لا قرينة وجب حمله على الكل.

(أقول) والحق ما اختاره الأكثر من عدم إفادته العموم فان مقدمات الحكمة وان كانت قد تقتضي العموم كما في المحلى بلام الجنس على ما أشرنا ولكنها في الجمع المكر مما لا تقتضي العموم وذلك من جهة التنوين فانه كما إذا دخل على المفرد سمى بالنكرة ومنعه عن إفادة العموم كما في قولك جئني برجل وان لم يمنع عن انعقاد الإطلاق له فكذلك إذا دخل على الجمع وسمى بالجمع المنكر كما في قولك جئني برجال فيمنعه عن إفادة العموم وان لم يمنع عن انعقاد الإطلاق له.

(قوله لكن لا يخفى انها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة ... إلخ) أي لكن لا يخفى أن النكرة في سياق النفي أو النهي تفيد العموم إذا أخذت مرسلة أي إذا أحرز إرسالها بمقدمات الحكمة كما صرح به في تعليقته على الكتاب لا مبهمة وإلّا فسلب الطبيعة المبهمة مما لا يقتضى إلّا استيعاب السلب للافراد المتيقنة لا مطلق الأفراد وما تقدم من أن دلالة النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي على العموم عقلية فهو لا ينافى ذلك فان نفى الطبيعة وان لم يكن الا بنفي جميع أفرادها لكن إذا أخذت مرسلة مطلقة لا مبهمة أو مقيدة

٢٤٧

كما أن دلالة لفظة كل على العموم وضعا لا ينافى كون عمومها بحسب ما يراد من مدخولها سعة وضيقا فان كان المدخول وسيعا غير مقيد فهي تستوعب جميع أفراده على سعته وان كان مقيدا بقيد فهي تستوعب جميع أفراد المقيد ومن هنا لا يكون تقييد مدخوله ولو بقيود كثيرة منافيا لمعنى لفظة كل فهي في الكل مستوعبة لأفراد مدخولها غايته أن المدخول يختلف سعة وضيقا ففي كل من أكرم كل رجل وأكرم كل رجل عالم قد استعملت اللفظة فيما هو معناها الحقيقي وهو استيعاب تمام أفراد المدخول.

(وبالجملة) حاصل مقصود المصنف كما تقدمت الإشارة إليه في بحث الاجتماع في مرجحات النهي أن كلا من النفي والنهي ولفظة كل مما يدل على العموم واستيعاب المدخول لكن بمعونة مقدمات الحكمة المحرزة بها سعة المدخول وإرساله وإطلاقه (ولكن يرجع عن هذا كله) في المقام بقوله نعم لا يبعد ... إلخ كما رجع هناك بقوله اللهم إلّا أن يقال ... إلخ وحاصله أنه لا يبعد أن يكون نفس إطلاق النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي وعدم تقييدها بشيء كافيا في استيعاب النفي أو النهي تمام أفرادها ومصاديقها من دون حاجة إلى مقدمات الحكمة وإحراز سعة المدخول وإرساله بها غير أنه رجع هناك في كل من النفي والنهي ولفظة كل جميعا ورجوعه في المقام ظاهر في خصوص الأولين فقط.

(أقول) نعم نفس إطلاق النكرة وعدم تقييدها بشيء في لسان الدليل يكفى في استيعاب النفي أو النهي تمام أفرادها ولكن إحراز الإرسال في مدخول النفي أو النهي مما لا يحتاج إلى أكثر من ذلك لما سيأتي منا في المطلق والمقيد من أن الدخيل من بين مقدمات الحكمة في انعقاد الإطلاق والسريان هو مجرد انتفاء ما يوجب التعيين والتقييد في لسان الدليل بل وانتفاء المتيقن

٢٤٨

في مقام التخاطب أيضا كما سيأتي شرحه وأما إحراز كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده فهو دخيل في حجية الإطلاق واعتباره لا في تحقق أصل الإطلاق وانعقاده.

(وبالجملة) إحراز سعة المدخول وإرساله أمر لازم فما لم يحرز لم يفد لفظة كل ولا جميع ولا النفي ولا النهي ولا لام الاستغراق بل ولا إضافة الجمع أو إضافة المفرد بناء على إفادتهما العموم كما تقدم آنفا استيعاب تمام الأفراد واستغراق جميع المصاديق ولكن إحراز سعة المدخول مما لا يحتاج إلى أكثر من إطلاقه وعدم تقييده في لسان الدليل بشيء كما لا يخفى.

(قوله نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها ... إلخ) استدراك عن قوله لا يخفى انها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة كما أشرنا آنفا (ومن هنا يظهر) أن الصحيح كان أن يقول نعم لا يبعد أن تكون ظاهرة عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها ... إلخ بتأنيث كلمة ظاهرة لا بتذكيرها.

(قوله وهذا هو الحال في المحلى باللام ... إلخ) أي وكون العموم بحسب ما يراد من المدخول هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا بناء على إفادتهما العموم.

(قوله وإطلاق التخصيص على تقييده ... إلخ) دفع لما قد يتوهم من أن العموم لو كان بحسب ما يراد من المدخول سعة وضيقا ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة فلم يطلق التخصيص على تقييد المدخول فان التخصيص فرع أن يكون هناك عموم وشمول فتتضيق الدائرة بمخصص لها (فيقول) في دفعه إن إطلاق التخصيص على تقييد المدخول ليس بمعناه الحقيقي بل من قبيل قوله ضيق فم الركية أي من الأول أوجد فم البئر ضيقا لا أنه

٢٤٩

ضيقه بعد ان كان وسيعا.

(قوله لكن دلالته على العموم وضعا محل منع ... إلخ) أي ولكن دلالة المحلى باللام وضعا على العموم محل منع بل العموم المستفاد منه يكون بمقدمات الحكمة أو بقرينة شخصية وذلك لعدم وضع اللام فيه للعموم ولا وضع مدخوله له ولا وضع آخر للمركب منهما (وفيه مضافا) إلى ما ستعرفه في المطلق والمقيد من إثبات وضع اللام بحكم التبادر للتعريف والإشارة إما إلى جميع الأفراد فيكون للعموم والاستغراق أو إلى الجنس والماهية أو إلى المعهود بأقسامه من الحضوري والذكرى والذهني ما سيأتي من المصنف من الاعتراف صريحا هناك باستناد العموم فيه إلى وضع المجموع للعموم (قال قدس‌سره) هناك وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على انها تكون لأجل دلالة اللام على التعيين (إلى أن قال) فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين (انتهى).

هل العام المخصص حجة في الباقي

(قوله فصل لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي ... إلخ) مقصود القوم من عقد هذه المسألة هو بيان أن العام إذا خصص بشيء فهل يوجب تخصيصه به سقوطه عن الحجية بالنسبة إلى الباقي ولو كان المخصص أمرا مبينا معلوما لا إجمال فيه لا مفهوما ولا مصداقا أم لا يوجب ذلك (فيه) أقوال (قول) بالسقوط عن الحجية بمجرد التخصيص وقد نسبه التقريرات إلى بعض العامة (وقول) بعدم السقوط وقد نسبه إلى المشهور

٢٥٠

قال بل ولم يظهر من أصحابنا فيه خلاف (وقول) بالتفصيل بين المخصص المتصل فيكون العام حجة في الباقي وبين المنفصل فلا يكون حجة فيه وقد نسبه إلى جماعة من العامة قال منهم البلخي على ما حكى (والمقصود) من عقد المسألة الآتية بعد الفراغ هاهنا من عدم سقوط العام عن الحجية بمجرد التخصيص هو البحث في أن العام إذا خصص بأمر مجمل مفهوما أو مصداقا كما إذا خصص أكرم العلماء بلا تكرم فساق العلماء وكان الفاسق مجملا بحسب المفهوم مرددا بين أمرين متباينين أو بين الأقل والأكثر كما سيأتي توضيح الكل إن شاء الله تعالى أو كان مجملا مصداقا بان كان هناك أفراد مشتبهة الحال مرددة بين الفسق والعدالة بنحو الشبهة الموضوعية فهل العام يكون حجة في موارد الإجمال والشبهة كما يكون حجة في غير موارد الشبهة من معلوم العدالة أم لا (وقد خلط المصنف) بين المسألتين واشتبه عليه بعنوان المسألة فزعم أن النزاع في مسألتنا هذه أيضا مفروض فيما إذا كان المخصص مجملا وكان له أفراد معلومة وأفراد محتملة (فقال) حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا ولو كان متصلا وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا أي حجة في ما علم خروجه عن المخصص مطلقا سواء كان المخصص متصلا أو منفصلا وذلك للقطع بخروجه كما هو المفروض وحجة أيضا في محتمل الخروج إذا كان المخصص منفصلا وكأنه لانعقاد الظهور حينئذ للعالم بعد فرض انفصال المخصص المجمل عنه فيكون حجة في الأفراد المحتملة الخروج عن المخصص ولم يتفطن أن مفروض الكلام في هذه المسألة ليس في المخصص المجمل بل الكلام فيها متمحض في أن العام بمجرد أن خصص ولو بأمر مبين معلوم مفهوما ومصداقا هل هو يسقط عن الحجية في الباقي أم لا (والعجب) أن الأصحاب قد صرحوا بذلك ومع ذلك لم يلتفت إليه المصنف (قال في التقريرات) هداية إذا خصص العام بأمر معلوم

٢٥١

مفهوما ومصداقا فلا ينبغي الإشكال في حجية العام في الباقي (وقال في الفصول) فصل إذا تخصص العام بمجمل سقط عن الحجية في مورد الإجمال اتفاقا (إلى أن قال) واختلفوا فيما إذا تخصص بما عداه في أنه هل يبقى حجة في الباقي أو لا إلى أقوال ثالثها أنه ان خص بمتصل كان حجة فيه وإلّا فلا (وقال المحقق القمي) قانون العام المخصص بمجمل ليس بحجة اتفاقا (إلى أن قال) وأما المخصص بمبين فالمعروف من مذهب أصحابنا الحجية في الباقي مطلقا ونقل بعض الأصحاب اتفاقهم على ذلك واختلف العامة فمنهم من قال بعدم الحجية مطلقا ومنهم من خص الحجية بما لو كان المخصص متصلا (وقال في المعالم) أصل الأقرب عندي أن تخصيص العام لا يخرجه عن الحجية في غير محل التخصيص ان لم يكن المخصص مجملا مطلقا ولا أعرف في ذلك من الأصحاب مخالفا (إلى أن قال) ومن الناس من أنكر حجيته مطلقا ومنهم من فصل (انتهى موضع الحاجة من كلامهم) أعلى الله تعالى مقامهم (هذا كله مع ما يرد) على المصنف من حكمه في المقام بحجية العام فيما احتمل دخوله في المخصص إذا كان منفصلا مطلقا من غير فرق بين الشبهة المفهومية والمصداقية حيث أنه سيأتي منه في المسألة الآتية من التفصيل في المخصص المنفصل فان كان مجملا مفهوما مرددا بين الأقل والأكثر فالعام حجة فيما سوى الأقل وهكذا ان كان مجملا مصداقا وكان المخصص لبيا فيكون العام حجة في الشبهات المصداقية وأما إذا كان مجملا مفهوما مرددا بين المتباينين أو كان مجملا مصداقا وكان المخصص لفظيا فلا يكون العام حجة في موارد الإجمال والشبهة فانتظر وتأمل.

(قوله واحتج النافي بالإجمال لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات وتعين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح ... إلخ) هذه عمدة ما استدل به النافي مطلقا وإلّا فهو مستدل بأمرين حقيقة أحدهما

٢٥٢

ما ذكره المصنف والآخر ما ذكره في الفصول وغيره (قال في الفصول) حجة النافي مطلقا أمران الأول أن اللفظ حقيقة في العموم ولم يرد منه وما دونه من المراتب مجازات واللفظ صالح لها ولا دليل على تعيين البعض فيبقى اللفظ مجملا مترددا بينها (إلى أن قال) الثاني أن تخصيص العام يخرجه عن كونه ظاهرا وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة.

(أقول) والظاهر أن مرجع الثاني إلى الأول إذ لا معنى لخروج العام بالتخصيص عن كونه ظاهرا الا إجماله ولا وجه لإجماله الا تردده بين مراتب الخصوصيات وعدم تعين الباقي من بينها لا أمر آخر ولعله لذلك تركه المصنف ولم يذكره أصلا الا الوجه الأول.

(قوله والتحقيق في الجواب أن يقال إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا ... إلخ) وتوضيح الجواب كما هو حقه أن لنا دعويين.

(إحداهما) في المقام وهي أن التخصيص لا يستلزم تجوزا في العام مطلقا سواء كان المخصص متصلا أو منفصلا.

(وأخراهما) ما سيأتي في المطلق والمقيد من أن التقييد أيضا لا يستلزم تجوزا في المطلق مطلقا سواء كان المقيد متصلا أو منفصلا (ثم إن) إثبات الدعوى الأولى حيث يتوقف على إثبات الدعوى الثانية فلا محيص عن تقديم الثانية وذكرها أولا (فنقول) ان تقييد مثل لفظ الرقبة بمؤمنة سواء كانت المؤمنة متصلة بها كما إذا قال أعتق رقبة مؤمنة أو منفصلة عنها كما إذا قال أعتق رقبة ثم قال أعتق رقبة مؤمنة لا يكاد يستلزم تجوزا في لفظ الرقبة أبدا وذلك لأن التجوز يتوقف على أحد أمرين.

(الأول) أن يكون الإرسال والإطلاق داخلين في معنى المطلق كي ينافيهما التقييد وهذا خلاف التحقيق لما ستعرف من وضع أسامي الأجناس

٢٥٣

للطبيعة بما هي هي مبهمة مهملة لا بما هي مرسلة سارية في جميع الأفراد كي ينافيهما التقييد.

(الثاني) أن يكون لفظ الرقبة مستعملة في خصوص الرقبة المؤمنة على أن تكون الخصوصية داخلة فيما استعمل فيه اللفظ ويكون لفظ المؤمنة قرينة عليه وهذا خلاف الظاهر فان الظاهر أن الرقبة مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من الطبيعة بما هي هي وأن الخصوصية قد استفيدت من لفظة المؤمنة بنحو تعدد الدال والمدلول فلنا دالان ومدلولان كل منهما قد استعمل فيما هو معناه الحقيقي من غير فرق بين اتصال كل منهما بالآخر أو انفصالهما عن الآخر غايته انهما ان كانا متصلين فتمام المراد قد أداه المتكلم بكلام واحد وان كانا منفصلين فقد أداه بكلامين لحكمة مقتضية لذلك (وعليه) فلا تجوز في التقييد أصلا سواء كان بمتصل أو بمنفصل وهذا لدى التدبر واضح هذا تمام الكلام في الدعوى الثانية (وأما الدعوى الأولى) فحاصل الكلام فيها أن التخصيص أيضا مما لا يستلزم التجوز في العام مطلقا سواء كان المخصص متصلا بان قال مثلا أكرم كل عالم عادل أو كان منفصلا عنه بان قال مثلا أكرم كل عالم ثم قال لا تكرم العالم الفاسق (والمقصود) من عدم التجوز في العام أنه لا تجوز لا في أداة العموم ولا في مدخولها (أما عدم التجوز في المدخول) وهو لفظ العالم في المثال المذكور فلما عرفت من أن التقييد مطلقا سواء كان بمتصل أو بمنفصل لا يستلزم التجوز في المطلق (وأما عدم التجوز في أداة العموم) فلأن المخصص إذا كان متصلا بالعامّ فأداة العموم مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من استغراق تمام أفراد المدخول غايته أن دائرة المدخول مضيقة من جهة التقييد وقد أشرنا في الفصل المتقدم أن عموم لفظ كل إنما هو بحسب ما يراد من مدخوله سعة وضيقا فهو على كل حال مستوعب لتمام أفراد المدخول من

٢٥٤

دون تجوز فيه أصلا (وأما إذا كان المخصص منفصلا) بأن قال مثلا أكرم كل عالم ثم قال ولا تكرم العالم الفاسق فأداة العموم حينئذ وإن كان يدور أمر استعمالها ثبوتا بين نحوين (بين أن تكون) مستعملة في العموم حقيقة وهو استغراق تمام أفراد المدخول ويكون الخاصّ المنفصل قرينة على إرادة الخصوص لبا وواقعا ومانعا عن حجية ظهورها في العموم بالنسبة إلى مورد الخاصّ تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادما لأصل ظهورها بالنسبة إليه (وبين أن تكون) مستعملة في الخصوص مجازا وهو استغراق بعض أفراد المدخول ويكون الخاصّ المنفصل قرينة على استعمالها فيه كما يكون قرينة على إرادة الخصوص لبا وواقعا (ولكن الظاهر) أن ظهورها في العموم يكون دليلا على استعمالها على النحو الأول أي في العموم حقيقة وهو استغراق تمام أفراد المدخول ليكون قاعدة يعمل بها عند الشك في التخصيص وان الخاصّ المنفصل يكون قرينة على إرادة الخصوص لبا وواقعا لا على استعمالها في الخصوص مجازا.

(وبالجملة) إن ظهور العام في العموم أمارة على أمرين على استعمال العام في العموم وعلى إرادته جدا فإذا ورد خاص منفصل فهو قرينة على عدم إرادة العموم جدا ولا وجه لقرينيته على عدم إرادته استعمالا وقاعدة بل ظهوره في العموم باق على أماريته على استعمال العام في العموم فإذا كان مستعملا في العموم فالعموم حجة فيما لم يكن حجة أقوى منه أي في غير مورد المخصص فلا وجه لعدم حجية العام في الباقي بعد عدم حجة أقوى منه بالنسبة إلى الباقي فتأمل جيدا.

(قوله بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة ... إلخ) أي بل من الممكن قطعا استعماله مع إرادة الخصوص واقعا في العموم قاعدة

٢٥٥

(قوله لا يقال هذا مجرد احتمال ولا يرتفع به الإجمال ... إلخ) (وحاصل الإشكال) أن استعمال العام في العموم وكون الخاصّ مانعا عن حجية ظهوره في الخصوص تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر وإن كان ممكنا ثبوتا إلا أن ذلك مجرد احتمال لا يرتفع به الإجمال لاحتمال استعمال العام في الخصوص مجازا وكون الخاصّ قرينة عليه فإذا استعمل العام في الخاصّ فقد أجمل المعنى لا محالة لتردد العام حينئذ بين مراتب الخصوصات وعدم تعين الباقي من بينها كما تقدم (وحاصل الجواب) هو ما أشرنا إليه من أن ظهور العام في العموم دليل إثباتا على استعماله على النحو الأول لا على النحو الثاني المستلزم للإجمال فتدبر جيدا.

(قوله وقد أجيب عن الاحتجاج بأن الباقي أقرب المجازات ... إلخ) هذا الجواب هو للمحقق القمي أعلى الله مقامه (قال) بعد ما ذكر وجهي احتجاج الباقي مطلقا (ما هذا لفظه) والجواب عن الأول منع الإجمال وعدم المرجح إذ الأقربية إلى العام مرجح (وقد أخذ منه) هذا الجواب صاحب الفصول (قال قدس‌سره) والجواب عن الأول أما أولا فبأنا لا نسلم أن كل تخصيص يوجب التجوز (إلى أن قال) وأما ثانيا فبأن ما دون العموم من المراتب على تقدير كونها مجازات له ليست متساوية بل بعضها وهو الباقي أظهر مما دونه لكونه أقرب إلى العموم من حيث المعنى فيتعين بالترجيح.

(قوله وفيه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار ... إلخ) (وحاصل رد المصنف) على جوابي القمي والفصول جميعا أنه لا وجه لأقربية الباقي إلى العام إلّا بحسب المقدار ولا اعتبار بها وانما المدار على الأقربية بحسب الأنس الناشئ من كثرة الاستعمال الموجب للتميز عن بقية المجازات وهي مفقودة في المقام إذ ليس للباقي حد خاص كي يكثر الاستعمال فيه ويشتد أنسه مع اللفظ

٢٥٦

ويتميز عن ساير مراتب الخصوصات ويتعين وأصل هذا الرد من صاحب التقريرات (قال رحمه‌الله) بعد ما ذكر احتجاج النافي (ما هذا لفظه) وأجيب عنه بان المرجح هو أقربية الباقي لمدلول العام فإن أريد من الأقربية ما هي معتبرة في الترجيح فلا نسلم تحققها إذ الأقربية المعتبرة ما تكون منوطة بغلبة استعمال اللفظ بعد صرفه عن الحقيقة مثل استعمال الأسد في الشجاع لا في الأبخر مثلا ولا سبيل إلى إثبات غلبة استعمال العام المخصص في الباقي إذ المراد مصداق الباقي وهو مختلف جدا فلا تتحقق الغلبة كما لا يخفى وإن أريد غيرها فلا يكفى في الترجيح.

(أقول) نعم لا اعتبار بالأقرب مقدارا بما هو هو ولكنه في المقام حيث يكون هو أقرب إلى أظهر خواص المعنى الحقيقي وهو العموم والسعة فلا محالة يكون هو المتعين من بين ساير المجازات وإن لم يكن الاستعمال فيه أكثر فإذا فرض أن استعمال الأسد مجازا في كل من الرّجل الشجاع والرّجل الأبخر على حد سواء وقامت القرينة على عدم استعماله في معناه الحقيقي فالرجل الشجاع هو المتعين لكونه أقرب إلى أظهر خواص المعنى الحقيقي وأشبه إليه من غيره وان لم يكن الاستعمال فيه أكثر وهذا واضح.

(قوله وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ قدس‌سره في مقام الجواب عن الاحتجاج ما هذا لفظه ... إلخ) (وحاصل جوابه عن الاحتجاج) أنا نسلم أن الباقي مجاز كسائر مراتب الخصوصات ولكنه متعين من بينها لا من جهة كونه أقرب المجازات بل من جهة وجود المقتضى للحمل عليه وفقد المانع عنه (أما وجود المقتضى) فهو دلالة العام عليه فان دلالة العام على كل فرد من أفراده ليس مرتبطا بدلالته على فرد آخر فإذا لم يدل على فرد لخروجه عنه بدليل خاص لم يستلزم عدم دلالته على بقية الأفراد أيضا ولو كان دلالته

٢٥٧

على البقية مجازا فان المجازية لم تحدث بدخول فرد أجنبي في أفراده كي لا يدل عليه بل بخروج بعض أفراده الداخلة تحته (وأما فقد المانع) فلان المانع ليس إلّا المخصص ولا مخصص للباقي إلّا بالنسبة إلى ما علم خروجه بدليل خاص ولو فرض الشك في وجود أكثر مما علم فهو مرفوع بالأصل فإذا كان المقتضى وهو دلالة العام موجودا والمانع عنه وهو المخصص مفقودا ولو بالأصل وجب الحمل على الباقي وتعين من بين مراتب المجازات والخصوصات.

(قوله قلت لا يخفى أن دلالته على كل فرد انما كانت لأجل دلالته على العموم ... إلخ) (وحاصل جواب المصنف) عن جواب التقريرات أن دلالة العام على كل فرد انما يكون في ضمن دلالة العام على العموم وفي ضمن استعماله في المعنى الحقيقي الموضوع له وأما إذا قام دليل على التخصيص وقلنا أنه قرينة على عدم استعمال العام في العموم كما هو مفروض التقريرات فتعين الباقي من بين مراتب الخصوصات مما لا وجه له بعد عدم كونه موضوعا له وعدم قرينة على تعيينه بالخصوص وعدم كون أقربيته إلى العام موجبة لتعينه كما اعترف به (وعليه) فالمانع عن حمل العام على الباقي وان لم يكن موجودا ولكن المقتضى لحمله عليه غير موجود (نعم لو قيل) أن العام مستعمل في العموم كما اخترنا ذلك وبيناه وان الخاصّ مانع عن حجية العام بالنسبة إلى مورد الخاصّ فالمقتضى للحمل على الباقي حينئذ موجود وهو دلالة العام عليه في ضمن دلالته على العموم والمانع عن الحمل عليه وهو المخصص له مفقود ولو احتمل وجوده فرضا فهو مرفوع بالأصل.

(قوله مما جاز انتهاء التخصيص إليه ... إلخ) وهو ما لم يلزم تخصيص الأكثر.

(قوله واستعمال العام فيه مجازا ... إلخ) عطف على انتهاء التخصيص إليه

٢٥٨

(قوله بعد رفع اليد عن الوضع ... إلخ) أي عن الموضوع له والاستعمال فيه وهو العموم.

(قوله نعم انما يجدى إذا لم يكن مستعملا الا في العموم ... إلخ) أي نعم انما يجدى رفع المانع بالأصل إذا لم يكن العام مستعملا الا في العموم كما اخترنا ذلك وبيناه فيكون المقتضى حينئذ موجودا وهو دلالة العام على الباقي في ضمن دلالته على العموم فإذا انضم إليه عدم المانع ولو بالأصل ثم المطلوب وهو وجوب الحمل على الباقي.

إذا خصص العام بمجمل مفهوما أو مصداقا

(قوله فصل إذا كان الخاصّ بحسب المفهوم مجملا ... إلخ) هذا من أهم مباحث العام والخاصّ وأنفعها في الفقه (وحاصل الكلام) فيه أنه إذا خصص العام بمجمل فاما أن يكون مجملا مصداقا وهذا سيأتي الكلام فيه وإما أن يكون مجملا مفهوما.

(والمجمل المفهومي تارة) يكون مجملا من جميع الوجوه كما في قوله تعالى أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم أو كما في قولك أكرم العلماء الا بعضهم وفي هذا القسم لا كلام في سقوط العام عن الحجية رأسا فلا يمكن التمسك به أصلا.

(وأخرى) يكون مجملا في الجملة بحيث يبقى للعام موارد خالية عن الإجمال كما إذا قال أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم وكان للعلماء أفراد نعلم بعدم فسقهم على كل حال وأفراد نشك في فسقهم لإجمال مفهوم الفسق وهذا هو محل الكلام في المقام بمعنى أن العام حينئذ هل يكون حجة في موارد الإجمال

٢٥٩

من المخصص أم لا (فنقول) ان المخصص المجمل بحسب المفهوم على أربعة أقسام (فتارة) يكون متصلا بالعامّ.

(وأخرى) يكون منفصلا عنه وكل منهما.

(تارة) يكون إجماله لأجل الدوران بين الأقل والأكثر بأن علم في مثل أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم أن مرتكب الكبيرة فاسق قطعا ولم يعلم أن المصر على الصغيرة أيضا فاسق أم لا.

(وأخرى) يكون إجماله لأجل الدوران بين المتباينين بأن لم يعلم في المثال أن الفاسق هل هو مرتكب الكبيرة أو المصر على الصغيرة (أما المجمل المتصل) بالعامّ سواء كان إجماله لأجل الدوران بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين فالعام مما لا ظهور له فيه أصلا فضلا عن أن يكون حجة فيه إذا المجمل المتصل بالعامّ مما يمنع عن انعقاد الظهور للعام إلا فيما علم خروجه عن المخصص على كل حال وهو من لم يرتكب الكبيرة ولم يصر على الصغيرة (وأما المجمل المنفصل فان كان إجماله لأجل الدوران بين الأقل والأكثر) فالعام ظاهر في القدر الزائد على الأقل وحجة فيه (أما ظهوره فيه) فواضح لأن العام من جهة انفصاله عن الخاصّ قد انعقد له الظهور في الجميع حتى في الفاسق اليقينيّ وهو مرتكب الكبيرة فكيف بالفاسق المشكوك وهو المصر على الصغيرة (وأما حجيته فيه) فلان الثابت من مزاحمة الخاصّ لحجية ظهور العام انما هو في المتيقن من معنى الفاسق تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا في غيره فيكون العام حجة فيما لا يكون الخاصّ حجة فيه (وبعبارة أخرى) كما أنه إذا شككنا في أصل التخصيص بنحو الشبهة البدوية نتمسك بأصالة العموم لرفعه فكذلك إذا علمنا إجمالا بالتخصيص وانحل العلم الإجماليّ لأجل دورانه بين الأقل والأكثر إلى علم تفصيلي وشك بدوي فنتمسك أيضا بأصالة العموم

٢٦٠