عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٠

ارتد عن الدين فاقتله وإن زنى بمحصنة فاقتله ثم ارتد وزنى بمحصنة فهو خارج عن محل النزاع قطعا إذ لا يجري فيه التكرار وعدم التداخل كي يمكن القول فيه بذلك وحينئذ (فان كان المسبب) قابلا للتأكد كما في المثال فلا بد من التداخل في المسببات فيؤثر السبب الثاني في الوجوب كالسبب الأول عينا وحيث لا يمكن تعلق الوجوب الثاني بفرد آخر من القتل فيتعلق لا محالة بعين ما تعلق به الوجوب الأول ويندك فيه ويتأكد الوجوب الأول به (وإلا) بان لم يكن المسبب قابلا للتأكد كما في الحدث الأصغر على ما مثلنا به فلا محيص هاهنا عن التداخل في الأسباب والالتزام بعدم تأثير السبب الثاني في شيء أبدا.

في مفهوم الوصف

(قوله فصل الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه ... إلخ) المراد بالوصف هي المشتقات الجارية على الذوات كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وصيغ المبالغة واسم الزمان واسم المكان بل المنسوبات أيضا كبغدادي (والمراد) مما بحكمه ما يؤدى معناه كذي علم ونحوه أو ما هو كناية عنه كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن يمتلئ بطن الرّجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا فان امتلاء البطن من الشعر كناية عن الشعر الكثير وقد عبر عنه في الفصول بالوصف الغير الصريح وفي التقريرات بالوصف الضمني وفي القوانين بالوصف المقدر (ويحتمل) أن يكون المراد مما بحكم الوصف الأسامي الجامدة الجارية على الذوات بلحاظ اتصافها بعرض كالسواد والبياض أو بعرضي كالزوجية والملكية ونحوهما مما تقدم شرحه في المشتق ولعل احتمال الأخير أقوى من الأول والثاني (وعلى كل حال) إذا أخذ الوصف موضوعا لحكم كما

٢٠١

في أكرم العالم فهل الوصف يدل على انتفاء الحكم بانتفائه بحيث لو دل دليل آخر على وجوب إكرام زيد الجاهل كان ذلك مخصصا لمفهوم قوله أكرم العالم أم لا (قال في الفصول) فأثبته أي المفهوم جماعة وعزي ذلك إلى ظاهر الشيخ وحكى عن الشهيد أنه جنح إليه في الذكرى ونفاه جماعة وهو المنقول عن السيد والمحقق والعلامة (وقال في التقريرات) ولعل المشهور بين أصحابنا هو العدم (انتهى) (وقد حكى) قبله عن العلامة التفصيل بين ما كان الوصف علة كما في قوله أكرم زيدا لأنه عالم وبين غيره (ثم ان) في كل من الفصول والتقريرات تفاصيل أخر لا يعبأ بها كالتفصيل بين ما كان في مقام البيان وغيره فانه لو أحرز كونه في مقام بيان ما هو موضوع الحكم ولم يبين سوى الوصف المأخوذ موضوعا للحكم فلا كلام حينئذ في الانتفاء عند الانتفاء (وقال المحقق القمي) ولي في المسألة التوقف وان كان الظاهر في النّظر أنه لا يخلو عن اشعار كما هو المشهور إذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه في الاحتجاج إلّا أن ينضم إليه قرينة (ومختار المصنف) تبعا للمشهور عدم المفهوم نظرا إلى وجوه عديدة.

(أحدها) عدم ثبوت الوضع له بمعنى أن الوصف لم يوضع لمعنى يستتبع المفهوم والانتفاء عند الانتفاء كالعلية المنحصرة لوضوح استعماله في غيرها بلا عناية ولا رعاية علاقة فلا يصغى إلى ما احتج به المثبتون على ما في التقريرات من دعوى التبادر عرفا ان كان مرادهم من التبادر هو الانسباق الحاقي المستند إلى الوضع.

(ثانيها) عدم لزوم اللغوية بدون المفهوم لجواز أن يكون التوصيف لشدة الاهتمام بمورد الوصف مثل قوله إياك وظلم اليتيم أو إياك وظلم المظلوم أو إياك وغيبة العلماء أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف كما في قوله

٢٠٢

تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق أو لعدم احتياج السامع إلى ما سوى مورد الوصف كقولك لمن لا يجد غير ماء البئر ماء البئر طاهر مطهر أو لغير ذلك من أمور أخر فلا يصغى إلى ما احتج به المثبتون من أنه لو لا المفهوم لزم اللغو والعراء عن الفائدة.

(ثالثها) أنه لا قرينة أخرى عامة تستلزم المفهوم إذ لو كانت لكانت هي الانصراف إلى العلية المنحصرة ولا منشأ له إلا كثرة الاستعمال فيها أو أكمليتها وكل منهما ممنوع كما عرفت في مفهوم الشرط.

(أقول) إن الوصف المأخوذ موضوعا للحكم كما تقدم في المشتق في ذيل تمسك الأعمي بآية لا ينال عهدي الظالمين (قد يكون) لمجرد الإشارة إلى المعنون من دون دخل للعنوان في الحكم أصلا كما في قولك مشيرا إلى زيد أكرم هذا الجالس وفي هذا القسم لا يكون للوصف مفهوم أصلا فحاله حال اللقب كما سيأتي فهو بمنزلة أن يقول أكرم زيدا (وقد يكون) للإشارة إلى علية العنوان للحكم إما حدوثا لا بقاء كما في الزانية والزاني فاجلدوا ... إلخ أو حدوثا وبقاء كما في أكرم العالم أو قلد المجتهد وفي هذا القسم الثاني لا محيص عن الانتفاء عند الانتفاء في الجملة فان الحكم وإن جاز أن لا ينتفي بانتفاء الوصف الّذي هو علة الحكم لجواز أن يقوم مقامه علة أخرى ولكن إذا انتفى الوصف وكل علة أخرى سواه انتفى الحكم قهرا (وبعبارة أخرى) ان مثل قوله أكرم العالم وإن لم يدل على انتفاء وجوب الإكرام فيما عدى العالم عموما كما يدعيه القائل بالمفهوم ولكنه يدل على انتفائه فيما عدى العالم في الجملة وإلا بان كان وجوب الإكرام في كل ما سوى العالم موجودا أيضا فتعليق الحكم على العالم لغو جدا (ودعوى) أن التوصيف قد يكون لشدة الاهتمام بمورد الوصف أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف أو لغير ذلك

٢٠٣

مما تقدم شرحه آنفا (يدفعها) أنه ليس دائما من هذا القبيل فلو لم يدل الوصف على الانتفاء عند الانتفاء في الجملة كان التوصيف لغوا غالبا (ثم ان الظاهر) أن مجرد أخذ الوصف موضوعا للحكم ظاهر في القسم الثاني أي للإشارة إلى علية الوصف ولو انصرافا لا وضعا فيكون ظاهرا في الانتفاء عند الانتفاء في الجملة وإن لم يكن ظاهرا في عليته المنحصرة كي يستلزم الانتفاء عند الانتفاء مطلقا (كما أن الظاهر) من إطلاق عناوين القوم هو عدم اختصاص محل النزاع بما إذا كان الوصف معتمدا على الموصوف وان صرح في الفصول أنه اقتصر بعضهم في تحرير محل النزاع عليه ولكن الحق كما ذهب إليه الفصول بنفسه عدم الاختصاص به إذ لا فرق بين قوله أكرم الرّجل العالم وبين قوله أكرم العالم فان منشأ المفهوم على القول به في الجملة أو مطلقا هو استفادة علية المبدأ أو عليته المنحصرة ومن المعلوم أنه لا يتفاوت الأمر في ذلك بين ذكر الموصوف وعدمه (ومن هنا) يظهر لك فساد ما قد يتوهم من أن الوصف لو لم يكن معتمدا فحاله حال القلب (ووجه الفساد) أنه ليس في اللقب مبدأ يتصف به الذات كي يستفاد منه عليته للحكم بنحو الانحصار أو بغير الانحصار ويقال بالمفهوم مطلقا أو في الجملة فالقياس باطل جدا.

(قوله مطلقا ... إلخ) إشارة إلى نفى التفاصيل التي فصلوها في المسألة كتفصيل العلامة الّذي قد حكاه التقريرات فيما تقدم آنفا بين ما كان الوصف علة مثل قوله أكرم زيدا لأنه عالم وبين غيره أي لا مفهوم الموصف وما بحكمه مطلقا ولو كان علة.

(قوله لعدم ثبوت الوضع ... إلخ) إشارة إلى الوجه الأول من وجوه عدم المفهوم وقد أبطل به دعوى المثبتين تبادر المفهوم عرفا كما تقدم شرحه.

٢٠٤

(قوله وعدم لزوم اللغوية بدونه ... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني من وجوه عدم المفهوم وقد أبطل به دعوى المثبتين أنه لو لا المفهوم لزم اللغو والعراء عن الفائدة كما تقدم أيضا شرحه.

(قوله وعدم قرينة أخرى ملازمة له ... إلخ) إشارة إلى الوجه الثالث من وجوه عدم المفهوم وقد أبطل به في الحقيقة دعوى الانصراف إلى العلية المنحصرة اما لكثرة الاستعمال فيها أو لأكمليتها على ما عرفت تفصيل الدعوى آنفا فلا نعيد.

(قوله وعليته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له ... إلخ) تضعيف لتفصيل العلامة أعلى الله مقامه وهو كما أشير قبلا قد فصل بين ما إذا كان الوصف علة مثل قوله أكرم زيدا لأنه عالم فله المفهوم وبين ما إذا لم يكن كذلك فلا مفهوم له (وحاصل التضعيف) أن علية الوصف فيما إذا استفيدت غير مقتضية للمفهوم أي للانتفاء عند الانتفاء ما لم يحرز كونها علة منحصرة ومع إحراز كونها كذلك فهو ليس من باب مفهوم الوصف بل من باب اقتضاء العلية المنحصرة المستفادة من القرينة عليها بالخصوص.

(قوله ولا ينافى ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ... إلخ) إشارة إلى ما ذكره المحقق صاحب الحاشية (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) ثم ان هاهنا أمورا ربما يتوهم منافاته للخلاف المذكور في المقام (إلى أن قال) أحدها ما اشتهر في الألسنة من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا (انتهى) (وحاصل التوهم) أن الأصل في القيد كما اشتهر على الألسنة أن يكون احترازيا ولا يكون احترازيا كما في قولك جئني بحيوان ناطق إلّا بدلالته مفهوما على عدم وجوب الإتيان بحيوان غير ناطق (وحاصل الجواب) أن أقصى ما تقتضيه الاحترازية أن توجب هي تضييق

٢٠٥

دائرة موضوع الحكم مثل أن يقول من الأول جئني بإنسان من غير دلالة له مفهوما على انتفاء الحكم فيما سواه (وفيه) أن الوصف كما تقدم منا بمقتضى ظهوره في العلية ولو انصرافا لا وضعا له ظهور في الانتفاء عند الانتفاء في الجملة وان لم يكن ظاهرا في العلية المنحصرة كي يدل على الانتفاء عند الانتفاء مطلقا (وعليه) فالوصف إذا جعل قيدا فمعنى احترازيته ليس مجرد تضييق دائرة الموضوع به المستلزم لانتفاء شخص الحكم بانتفائه الموجود ذلك حتى في اللقب بل معناه الدلالة على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه في الجملة فإذا فرق بين قوله جئني بإنسان وقوله جئني بحيوان ناطق فالأوّل ساكت عما سواه والثاني يدل على الانتفاء عما عداه في الجملة (ثم ان صاحب الحاشية) قد ساق الكلام بعد هذا إلى أن قال (ما لفظه) ثانيها عدهم الصفات من المخصصات المتصلة للعمومات ولا خلاف لهم في ذلك في مباحث التخصيص وهذا بظاهره مناف لما ذكروه من انتفاء الدلالة في المقام (انتهى) وحاصله أن الصفة في مثل قوله أكرم العلماء العدول مما يعد عندهم من المخصصات المتصلة كما في قوله أكرم العلماء الا فساقهم ولا تكون الصفة مخصصة إلّا إذا دلت مفهوما على الانتفاء عند الانتفاء (والمصنف) وان لم يؤشر إلى هذا الأمر الثاني ولكن يظهر حال جوابه عنه مما أجاب به عن الأمر الأول من أن أقصى ما تقتضيه المخصصية هو تضييق دائرة الموضوع ويجري فيه أيضا ما اعترضنا عليه من اقتضاء الوصف فوق ذلك وهو الانتفاء عن فساق العلماء في المثال المذكور في الجملة لا مجرد تضييق دائرة الموضوع المستلزم لانتفاء شخص الحكم بانتفائه الموجود ذلك حتى في اللقب.

(قوله كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه إلا ذلك ... إلخ) إشارة إلى الأمر الثالث من الأمور المتوهمة منافاتها مع

٢٠٦

الخلاف في المقام (قال المحقق صاحب الحاشية) بعد أن نقل الأمرين المتقدمين (ما لفظه) ثالثها ما اتفقوا عليه من لزوم حمل المطلق على المقيد مع اتحاد الموجب كما إذا قيل ان ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة فانه لا إشكال عندهم حينئذ في وجوب حمل المطلق على المقيد مع أنه لا معارضة بينهما ليفتقر إلى الحمل إلا مع البناء على دلالة المقيد على انتفاء الحكم بانتفاء القيد لتقع المعارضة بينه وبين إطلاق منطوق الآخر (انتهى) (وحاصله) أنه لا ريب في وجوب حمل المطلق على المقيد مع اتحاد الموجب الّذي قد أشار إليه المصنف بقوله فيما وجد شرائطه كما لا ريب في أن ذلك ليس إلا من جهة المعارضة بينهما وهي مبتنية على القول بالمفهوم ودلالة الوصف على الانتفاء عند الانتفاء وإلا لم تكن معارضة بينهما كي توجب حمل المطلق على المقيد (وحاصل جواب المصنف) أن القيد لما أوجب تضييق دائرة الموضوع حصلت المعارضة بين المطلق والمقيد فحمل الأول على الثاني لهذه الجهة وليست المعارضة من جهة دلالة الوصف على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء (وفيه) أن مجرد ضيق دائرة الموضوع في أحد الدليلين مما لا يوجب التعارض بينهما كما في قولك أكرم العالم وقولك أكرم زيد العالم بل المعارضة مما لا تحصل إلا من المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فالأولى بل اللازم الاعتراف بالمفهوم بهذا المقدار كما تقدم منا قبلا وقد عرفت وجهه.

(وبالجملة) إنا نرى فرقا واضحا بين قولك أكرم العالم وأكرم زيد العالم وبين قولك أكرم العالم وأكرم العالم العادل إذ نشاهد المعارضة في الثاني دون الأول مع أن ضيق دائرة الموضوع موجود في كليهما جميعا (والسر) في ذلك ليس إلّا ما أشير إليه من أن أكرم زيد العالم مما لا يدل على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فلا يعارض أكرم العالم إلّا إذا قيل بمفهوم اللقب

٢٠٧

بخلاف قولك أكرم العالم العادل فيدل على الانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فيعارض إطلاق أكرم العالم فيحمل المطلق على المقيد فتأمل جيدا.

(قوله بل ربما قيل انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ... إلخ) القائل هو صاحب التقريرات (قال ما هذا لفظه) ان حمل المطلق على المقيد انما هو من جهة المنطوق من غير ملاحظة المفهوم بل لو فرض اعتبار المفهوم فلقائل أن يقول بعدم الحمل أما الأول فلان محصل الحمل هو أن المراد من المطلق هو المقيد فيكون غير المقيد في قولك أعتق رقبة غير واجب بمعنى أن اللفظ المذكور والإنشاء الخاصّ لا يدل على وجوبه (إلى أن قال) وأما الثاني فلأنا لو قلنا بثبوت المفهوم الوصف كان التعارض بين المطلق والمقيد من قبيل تعارض الظاهرين وقد تقرر في مقامه أنه لا بد في مثله من التوقف والحكم بمقتضى الأصول العملية فلا سبيل إلى الحمل (انتهى).

(أقول) ومما ذكرنا آنفا يظهر لك ما في كلامي التقريرات جميعا.

(أما الأول) فلان حمل المطلق على المقيد ليس من جهة المنطوق وتضييق دائرة الموضوع في المقيد وإلّا لوجب الحمل حتى في مثل أكرم العالم وأكرم زيد العالم مع أنه لا معارضة بينهما أصلا ولا يحمل الأول على الثاني أبدا وذلك لعدم التنافي بينهما.

(وأما الثاني) فلأنه لو فرض اعتبار المفهوم فليس لقائل أن يقول بعدم الحمل بدعوى كون التعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين فان التعارض بينهما وان كان من هذا القبيل ولكن المفهوم من جهة ضيق دائرته أظهر فيقدم (ومنه يظهر) ما في كلام المصنف أيضا من قوله فان ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق ... إلخ فان المنطوقية وان كانت مقتضية للأقوائية

٢٠٨

ولكنها مما لا تقاوم الأقوائية الناشئة من جهة ضيق الدائرة الكائنة في المفهوم فلا تغفل.

(قوله وأما الاستدلال على ذلك أي عدم الدلالة على المفهوم بآية وربائبكم اللاتي في حجوركم ففيه أن الاستعمال ... إلخ) لم أر في الكتب الأصولية التي بأيدينا من تمسك بالآية الشريفة لنفي مفهوم الوصف ولعل مقصود المصنف هو دفع توهم الاستدلال بها لنفي المفهوم لا دفع ما وقع من الاستدلال بها في الخارج (وكيف كان) حاصل جواب المصنف عن الاستدلال بها أن الاستعمال في غير المفهوم أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر.

(قوله مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية ... إلخ) هذا جواب آخر عن الاستدلال بالآية الشريفة لنفي مفهوم الوصف (وحاصله) أنه يعتبر في دلالة الوصف على المفهوم عند القائل به أن لا يكون الوصف واردا مورد الغالب كما في الآية فان الربائب غالبا تكون في الحجور كالأولاد (ووجه الاعتبار) أنه لا دلالة للوصف منطوقا مع وروده مورد الغالب على اختصاص الحكم بمورده كي يدل مفهوما على انتفاء الحكم عن غير مورده فان الورود مورد الغالب قرينة عامة على صرف الوصف عما كان ظاهرا فيه بالمنطوق من تضييق دائرة الموضوع به واختصاص الحكم بمورده فقهرا لا يدل بالمفهوم على انتفاء الحكم عن غير مورده.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعل قوله فافهم إشارة إلى أن نفس الورود مورد الغالب في الآية الشريفة هو القرينة القائمة على الاستعمال في غير المفهوم الّذي قد يتفق أحيانا (وعليه) فلا يكون قوله مع أنه يعتبر في دلالته عليه ... إلخ جوابا آخر غير ما أجاب به أولا بقوله ففيه أن الاستعمال في غيره

٢٠٩

أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر (اللهم) إلّا أن يقال ان المراد من القرينة في الجواب الأول هو الإجماع والنصوص التي قامت على حرمة الربائب مطلقا ولو لم تكن في الحجور بعد الدخول بالأمهات (وعليه) فيكون الورود مورد الغالب قرينة أخرى على عدم المفهوم في الآية الشريفة فيكون هو جوابا آخر عن الاستدلال بها فلا يبقى وجه لقوله فافهم جيدا.

(قوله تذنيب ... إلخ) (لا إشكال) في عدم جريان النزاع فيما إذا كان الوصف مساويا مع الموصوف أو كان أعم كما في قولك جئني بإنسان ضاحك أو جئني بإنسان حساس (وقد علله) التقريرات بما حاصله أن الموضوع مما لا يبقى فيهما بانتفاء الوصف (وهو جيد) إذ لو دل قولك جئني بإنسان ضاحك أو حساس على نفى الحكم عن غير موضوعه كالحيوان الغير الضاحك أو الجماد الغير الحساس فهو من باب مفهوم اللقب أي كلمة الإنسان لا من باب مفهوم الوصف وهذا واضح (كما لا إشكال) في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من الموصوف كما في قولك جئني بإنسان زنجي فان مع انتفاء الوصف يبقى الموضوع على حاله وهو الإنسان فيقع الكلام في دلالة الوصف على انتفاء الحكم بانتفائه وعدمها (وأما الوصف الأخص من وجه) كما في قوله في الغنم السائمة زكاة (فلا إشكال أيضا) في جريان النزاع في مادة الافتراق من جانب الموصوف أي الغنم الغير السائمة وذلك لبقاء الموضوع على حاله (كما لا إشكال) في عدم جريان النزاع في مادة الافتراق من جانب الوصف أي في السائمة من غير الغنم كالإبل السائمة وذلك لعدم بقاء الموضوع فيه فان قوله في الغنم السائمة زكاة لو دل على نفى الزكاة عن الإبل السائمة فهو من باب مفهوم اللقب أي كلمة الغنم لا من باب مفهوم الوصف أي السائمة وهذا أيضا واضح (وأما في مادة الافتراق من الوصف والموصوف) جميعا كالإبل

٢١٠

المعلوفة فيظهر من بعض الشافعية على ما في التقريرات جريان النزاع فيه حيث قال ان قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل (وقد استظهر) التقريرات خلاف ذلك نظرا إلى اختلاف الموضوع وهو جيد أيضا فان قوله في الغنم السائمة زكاة لو دل على عدم الزكاة في الإبل المعلوفة فهو من باب مفهوم اللقب كدلالته على عدم الزكاة في الإبل السائمة على ما أشرنا آنفا (ثم استدرك) التقريرات بقوله نعم يتم ذلك فيما لو قلنا بان الوصف علة مستقلة يعنى بها المنحصرة (قال) كما في منصوص العلة فيخرج بذلك عن مفهوم الوصف (انتهى) (وحاصله) أنه لو قلنا ان السوم في المثال علة منحصرة لوجوب الزكاة كما في منصوص العلة كقوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر فيتم ما ادعاه بعض الشافعية فكما أن قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر مما يدل على نفى حرمة ما لم يسكر ولو لم يكن خمرا فكذلك قوله في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة فيما ليس بسائمة ولو لم يكن غنما كالإبل المعلوفة غير أنه ليس حينئذ من باب مفهوم الوصف بل من باب استفادة العلية المنحصرة من الوصف (فيقول المصنف) معترضا على التقريرات أنه لو كان وجه ما ادعاه بعض الشافعية هو ذلك أي استفادة العلية المنحصرة من الوصف فيجري النزاع حينئذ حتى في الوصف المساوي أو الأعم المطلق فيدل مثل قوله جئني بإنسان ضاحك أو حساس على عدم وجوب الإتيان بغير الضاحك أو بغير الحساس ولو لم يكن إنسانا كالحمار أو الجماد فلا وجه لتفصيله بين الوصف المساوي والأعم المطلق والالتزام بخروجهما عن محل النزاع وبين الوصف الأخص من وجه في مادة الافتراق من الوصف والموصوف جميعا كالإبل المعلوفة والالتزام بجريان النزاع فيه.

(أقول) والظاهر أن الاعتراض في غير محله فان التقريرات يعترف

٢١١

بأنه لو قلنا باستفادة العلية المنحصرة من الوصف الأخص من وجه فهو ليس من باب مفهوم الوصف فهو لا يذعن أنه من باب مفهوم الوصف كي يعترض عليه بأنه لا وجه للتفصيل بينه وبين الوصف المساوي والأعم بخروج الأخيرين عن محل النزاع ودخول الأول فيه.

(نعم) يرد على التقريرات أن أقصى ما تقتضيه العلة المنصوصة كما في قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر هو حرمة المسكر مطلقا ولو لم يكن خمرا لا عدم حرمة ما لم يسكر ولو لم يكن خمرا إلّا إذا استفيد ان العلة للحرمة منحصرة بالإسكار وهي غير العلة المنصوصة.

(وبالجملة) قياس العلة المنحصرة على العلة المنصوصة مما لا وجه له.

(قوله وأما في غيره ... إلخ) أي في مورد الافتراق من جانب الوصف والموصوف جميعا فانه الّذي يظهر عن بعض الشافعية جريان النزاع فيه لا مطلقا ولو كان الافتراق من جانب الوصف فقط كالسائمة من غير الغنم (قوله فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف ... إلخ) العبارة ناقصة والصحيح هكذا فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف والموصوف جميعا فان كلام بعض الشافعية كان في مورد الافتراق من جانبهما كليهما كالإبل المعلوفة لا من جانب الوصف فقط كالإبل السائمة ومنشؤه هو نقص عبارة صاحب التقريرات رحمه‌الله فان المصنف نقلها على ما هي عليه من غير أن يتفطن نقصها فيتداركه فراجع.

٢١٢

في مفهوم الغاية

(قوله فصل هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ... إلخ) في الغاية مقامان من الكلام.

(الأول) أن الغاية هل هي داخلة في المغيا أم خارجة عنه فإذا قال مثلا صم من أول الشهر إلى اليوم العاشر فهل يجب صوم يوم العاشر كما يجب قبله أم لا

(الثاني) أن الغاية سواء كانت داخلة في المغيا أم خارجة عنه هل هي تدل مفهوما على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية بناء على دخولها في المعنى أو عن نفس الغاية وبعدها بناء على خروجها عن المغيا أم لا.

(أما المقام الأول) فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له.

(وأما المقام الثاني) ففي التقريرات أن المشهور بل المعظم على الأول أي الدلالة وأنه ذهب جماعة منهم السيد والشيخ إلى الثاني أي عدم الدلالة (وأما تحقيق المصنف) هاهنا فحاصله أن الغاية (إن كانت) بحسب القواعد العربية أي بحسب متفاهم أهل اللسان قيدا للحكم كما في قوله كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام أو كل شيء طاهر حتى تعرف أنه قذر فهي تدل على ارتفاع الحكم بمجرد حصول الغاية وذلك للتبادر ولكونه مقتضى التقييد بها (وإن كانت) بحسبها قيدا للموضوع يعنى به متعلق الحكم كالسير في قولك سر من البصرة إلى الكوفة فحالها حال الوصف في عدم المفهوم فلا تدل على ارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية وإن ارتفع به شخص الحكم ولكنه ليس من باب المفهوم كما عرفته مرارا (ووجه) عدم الدلالة عدم وضعها لذلك لغة وعدم قرينة عامة ملازمة لذلك غالبا (وأما فائدة) التحديد بها كسائر التحديدات

٢١٣

على ما مر في الوصف غير منحصرة بالمفهوم فكما أن التوصيف جاز أن يكون لشدة الاهتمام بمورد الوصف أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف أو لغير ذلك من أمور أخر فكذلك التحديد بالغاية جاز أن يكون لشدة الاهتمام بما قبل الغاية كما في قوله إذا حضر شهر رمضان فاتلوا القرآن حتى ينسلخ الشهر أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لما قبل الغاية كما في قوله أحسن إلى من أبغضك إلى أن يحبك.

(أقول) ان الغاية وان لم تدل على ارتفاع الحكم بحصول الغاية مطلقا على وجه لو قال صم إلى اليوم العاشر ثم قال ومن العشرين إلى الآخر كان الثاني منافيا لمفهوم الأول بحيث وجب تخصيص المفهوم به ولكنها مما تدل على ارتفاع الحكم بحصول الغاية في الجملة وإلّا لكان التحديد بها لغوا غالبا (وأما التحديد) بها لأجل شدة الاهتمام بما قبل الغاية أو لغيرها وان كان قد يتفق أحيانا ولكنه ليس دائما من هذا القبيل ففي الأغلب يكون لأجل ارتفاع الحكم بحصول الغاية ولو في الجملة وإلّا لكان التحديد بها عبثا جدا (وأما الفرق) بين تحديد الحكم بها وبين تحديد متعلقه بها فمما لا وجه له فان الحكم الظاهري كما في الحديثين الشريفين وان كان مما يرتفع مطلقا بمجرد حصول غايته وهو العلم إذ لا يعقل ثبوت الحلية الظاهرية أو الطهارة الظاهرية مع حصول العلم وارتفاع الجهل ولكن الحكم الواقعي ليس من هذا القبيل فيجوز أن يجتمع مع حصول غايته ولو في الجملة فإذا قال مثلا يجب عليك الصوم من أول الشهر إلى العاشر جاز أن يقول ومن العشرين إلى الآخر من دون أن يكون بينهما تناف عرفا.

(وبالجملة) التحديد بالغاية فيما سوى الحكم الظاهري مما يدل على ارتفاع الحكم في الجملة وان لم يدل على ارتفاعه مطلقا من غير فرق بين كون الغاية قيدا للحكم الواقعي أو لمتعلقه.

٢١٤

(قوله وأما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع ... إلخ) ويعنى بالموضوع متعلق الحكم كما أشرنا وان كان إطلاق الموضوع على متعلق الحكم خلاف الاصطلاح.

(قوله وان كان تحديده بها بملاحظة حكمه ... إلخ) وحاصله أن تحديد الموضوع بالغاية وان كان هو بملاحظة حكمه المتعلق به ويكون مرجعه إلى تحديد الحكم بها ولكنه مع ذلك إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية ومتفاهم أهل اللسان قيدا للموضوع لا للحكم لا تدل على ارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية وقد عرفت معنى ارتفاع السنخ في مفهوم الشرط فلا نعيد.

(قوله وقضيته ليس إلّا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيا ... إلخ) أي وقضية تحديد الموضوع بالغاية ليس إلّا عدم الحكم في القضية إلّا بالمغيا من دون دلالة لها على المفهوم وارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية.

(قوله وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد غير منحصرة بإفادته ... إلخ) دفع لما قد يتوهم من أن التحديد بالغاية لو لم يدل على ارتفاع الحكم بحصول الغاية فما فائدة التحديد بها فيقول ان فائدة التحديد بها مما لا ينحصر بالمفهوم كما مر في الوصف بل قد يكون لشدة الاهتمام بما قبل الغاية أو لدفع توهم شمول الحكم لما قبل الغاية وقد تقدم التمثيل لهما فتذكر.

(قوله ثم انه في الغاية خلاف آخر كما أشرنا إليه ... إلخ) هذا هو المقام الأول الّذي قد أخره المصنف عن المقام الثاني ومقصوده من قوله كما أشرنا إليه هو ما تقدم من قوله في صدر البحث بناء على دخول الغاية في المغيا أو عنها وبعدها بناء على خروجها ... إلخ (وعلى كل حال) ان في هذا المقام أقوال عديدة (قال في التقريرات) أما المقام الأول فاختلف القوم فيه على أقوال فذهب نجم الأئمة إلى الخروج مطلقا نظرا إلى أن حدود الشيء خارجة

٢١٥

عنه وحمل الموارد التي يظهر فيها الدخول على وجود القرينة فيها وقيل بالدخول مطلقا وفصل ثالث بين حتى وإلى فقال بالدخول في الأول وبعدمه في الثاني اختاره الزمخشري على ما نسب إليه وادعى بعض النحاة الإجماع على الدخول في حتى ولعله خلط بين العاطفة والخافضة كما نصّ عليه ابن هشام وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما قبل الغاية وما بعدها متحدين في الجنس فقال بالدخول وبين غيره وهنا أقوال أخر (انتهى) ومختار المصنف قدس‌سره هو ما ذهب إليه نجم الأئمة من الخروج مطلقا ما لم تقم على الدخول قرينة بالخصوص نظرا إلى كون الغاية من حدود الشيء وهي خارجة عنه (وفيه) أن حد الشيء ان كان عبارة عن أول جزء من الأمر الملاصق للشيء فهو خارج عنه وان كان عبارة عن آخر جزء من أجزاء الشيء فهو داخل فيه ولم يعلم كونه عبارة عن الأول (وعليه) فدعوى خروج الغاية لكونها من الحدود مما لا يخلو عن نظر (والحق) أن الغاية تختلف دخولا وخروجا باختلاف المقامات ولا ضابطة لها (فقد تكون) خارجة عن المغيا كما في قوله تعالى وأتموا الصيام إلى الليل (وقد تكون) داخلة فيه كما في قولك صم إلى آخر الشهر وهكذا الأمر في حتى الخافضة التي هي للغاية وتكون بمعنى إلى (فقد تكون) الغاية فيها خارجة عن المغيا كما في قوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود أو كما نمت البارحة حتى الصباح (وقد تكون) داخلة فيه كما في قولك سرت اليوم حتى الكوفة أو صمت الشهر حتى آخره فاللازم في كل مورد مراعاة القرائن والشواهد الحالية أو المقالية الموجودة فيه فان كان هناك دليل على خروجها أو دخولها فهو وإلّا فنفس الغاية بطبعها الأصلي مما لا دلالة لها على الدخول ولا الخروج فلا بد عند الشك في حكمها من حيث اللحوق بما قبلها وعدمه من الرجوع إلى الأصل العملي وأما حتى العاطفة كما في قولك

٢١٦

أكلت السمكة حتى رأسها أو مات الناس حتى الأنبياء فهي خارجة عن محل الكلام لعدم كونها للغاية ومدخولها ملحق بما قبلها اتفاقا كما نصّ عليه ابن هشام (قال) فيما أفاده في كلمة حتى (ما لفظه) وزعم الشيخ شهاب الدين القرافي أنه لا خلاف في وجوب دخول ما بعد حتى وليس كما ذكر بل الخلاف فيها مشهور وإنما الاتفاق في حتى العاطفة لا الخافضة والفرق أن العاطفة بمنزلة الواو (انتهى).

(قوله وعليه يكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول ... إلخ) أي وبناء على خروج الغاية عن المغيا تكون الغاية كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول فان قلنا في الخلاف السابق بالمفهوم وارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية فالحكم مرتفع عنها كما بعدها وإن قلنا بسكوت الغاية عن ارتفاع سنخ الحكم بحصولها فهي ساكتة عن نفسها كما بعدها كما أن بناء على دخول الغاية في المغيا تكون كما قبلها داخلة في المنطوق ومحكومة بحكمه.

(قوله ثم لا يخفى ان هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم فلا تغفل ... إلخ) ووجه عدم الجريان على ما يظهر من تعليقته على الكتاب أن الغاية إذا كانت قيدا للحكم فالمغيا هو نفس الحكم ولا يعقل دخول الغاية في نفس الحكم نعم يعقل النزاع حينئذ بنحو آخر بأن يقال هل الحكم ينقطع بمجرد حصول الغاية أو لا ينقطع إلا بتحقق تمام الغاية فإذا قال مثلا يجب عليك الصوم من أول الشهر إلى العاشر فهل الوجوب ينقطع بمجرد الشروع في العاشر أو لا ينقطع إلا بتحقق تمام العاشر.

(أقول) إن دخول الغاية في المغيا في كل مقام بحسبه وإلا ففيما كانت الغاية قيدا لمتعلق الحكم أيضا لا معنى لدخول الغاية في متعلق الحكم فإذا قال مثلا سر من البصرة إلى الكوفة فلا معنى لدخول الكوفة في السير فكما يقال إن

٢١٧

دخولها فيه يكون بمعنى اندراجه تحت وجوب السير فكذلك يقال إن دخول العاشر في الوجوب يكون بمعنى عدم انقطاعه عنه (وعليه) فلا تحتاج إلى هذا التفصيل والتطويل أبدا.

في مفهوم الاستثناء

(قوله فصل لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا أو إيجابا بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا ومن الإثبات نفيا ... إلخ) لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص شخص الحكم الّذي أنشأه المتكلم سلبيا كان أو إيجابيا بالمستثنى منه فان الاستثناء قد أخرج المستثنى وتضيقت به دائرة الموضوع والحكم لا يكاد يشمل الا موضوعه (ولكن) هل ينتفي سنخ الحكم ونوعه عن المستثنى (وبعبارة أخرى) هل يدل الاستثناء مفهوما على نقيض الحكم في المستثنى بحيث كان الاستثناء من النفي إثباتا ومن الإثبات نفيا (والحق) تبعا للمشهور أنه يدل وذلك للانسباق فان الاستثناء وان كان مدلوله المطابقي هو القطع كالمقراض فيخرج المستثنى من المستثنى منه ولازمه العقلي هو اختصاص شخص الحكم بالمستثنى منه وانتفائه عن المستثنى ولكن العرف يستفيد فوق ذلك وهو انتفاء السنخ أيضا بل وثبوت النقيض المستثنى فلو قال مثلا أكرم العلماء الا زيدا وثبت بدليل آخر وبإنشاء جديد وجوب إكرام زيد كان ذلك معارضا للأول وليس ذلك إلّا لاستفادة انتفاء السنخ عن المستثنى فوق الشخص بل وثبوت النقيض له عرفا فتأمل جيدا.

(ثم ان) المحكي عن أبي حنيفة أنه قد خالف المشهور في الاستثناء

٢١٨

محتجا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا صلاة إلّا بطهور بل يظهر من الفصول وقد عنون المسألة في العام والخاصّ أنه احتج بمثل لا علم إلّا بحياة أيضا (وظاهر التقريرات) أن خلافه ناظر إلى كلا الشقين فلا الاستثناء من النفي يفيد الإثبات ولا الاستثناء من الإثبات يفيد النفي ولكن ظاهر استدلاله المذكور هو الاختصاص بالشق الأول بمعنى أن الاستثناء من النفي لا يفيد الإثبات لأن الصلاة لا تكون بمجرد الطهور (ويؤيده) ما حكى عن البهائي في حاشيته على الزبدة من أن المشهور أن الحنفية يوافقون في الاستثناء من الإثبات (وعلى كل حال) قد أجاب عنه المصنف بجوابين.

(الأول) أن المراد من الصلاة هي الصلاة الواجدة للأجزاء والشرائط أي لا صلاة واجدة للأجزاء والشرائط إلّا بالطهور ومن المعلوم أن الصلاة كذلك تكون بالطهور.

(الثاني) أنه لو سلم عدم كون الاستثناء من النفي إثباتا فالاستعمال مع القرينة أحيانا كما في المثال ونحوه مما علم فيه الحال لا يكاد يجدى (وأجاب عنه) في تعليقته على الكتاب بنحو ثالث قال عند التعليق على قوله بكون المراد من مثله (ما هذا لفظه) بل المراد من مثله في المستثنى منه نفى الإمكان ذاته وأنه لا يكاد يكون بدون المستثنى وقضيته ليس إلّا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلا لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا (انتهى) وحاصله أن المعنى هكذا أي لا صلاة بممكنة إلّا بطهور فتمكن به لا أنه لا صلاة بموجودة إلّا بطهور فتوجد به كي يقال إن الصلاة لا توجد بمجرد الطهور وهذا لمن تدبر أمثاله من القضايا واضح كقولك لا إحراق إلّا بحطب أي لا إحراق بممكن إلّا بحطب فيمكن به أو لا حج إلّا بالزاد والراحلة أي لا حج بممكن إلّا بالزاد والراحلة فيمكن بهما وهكذا.

٢١٩

(أقول) ويمكن الجواب عنه بنحو رابع بأن يقال إن المنفي بكلمة لا ليس هو الإمكان كما ادعاه المصنف في الجواب الثالث وان جاز دعواه بل المنفي هو الوجود كما هو المفروض في الجواب الأول ويشهد له صحة التصريح به بأن يقال لا صلاة بموجودة إلّا بطهور ولكن المقصود من الاستثناء من النفي ليس إثبات الوجود بنحو العلية التامة كما في لا نهار الا بالشمس ولا ليل الا بغروب ولا شيء الا بمشية الله وهكذا كي يقال إنه لا توجد الصلاة بمجرد الطهور بل المراد إثبات الوجود بنحو الاقتضاء أي مع انضمام ساير ما له الدخل شطرا أو شرطا كما في لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ولا علم إلّا بحياة ولا حياة الا بماء وهكذا الأمر في مثالي الإحراق والحج وغيرهما.

(ثم) إن في الاستثناء نزاع آخر غير ما تقدم وعرفت لم يؤشر إليه المصنف وهو أن الاستثناء من النفي هل يدل على حصر النقيض بالمستثنى أم لا فإذا قال مثلا ما جاءني القوم الا زيدا فهل يدل على حصر الجائي بزيد على نحو لو ثبت بعدا أنه جاء مع زيد رجل آخر كان ذلك مخصصا للحصر المستفاد من القضية أم لا.

(أقول) والظاهر أن هذا النزاع بعد الفراغ عن النزاع الأول فبعد الفراغ عن كون الاستثناء من النفي إثباتا وأنه يدل بالمفهوم على نقيض الحكم في المستثنى يقع الكلام في دلالته مفهوما على حصر النقيض بالمستثنى (والظاهر) أنه لا إشكال في استفادة الحصر منه عرفا فوق ثبوت أصل النقيض له غير أنه لا وجه لحصر النزاع بالاستثناء من النفي بل ينبغي إجرائه في الاستثناء من الإثبات أيضا غايته أن الاستثناء من النفي يدل على حصر الحكم الإيجابي بالمستثنى والاستثناء من الإيجاب يدل على حصر الحكم السلبي بالمستثنى.

(قوله لا تكون صلاة على وجه ... إلخ) أي على القول بالصحيح

٢٢٠