عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٠

إلى جملة من الأمور وهي التي لم يؤخذ شرطا في لسان الدليل بل الصحة والفساد قد يكونان إضافيين وقد يكونان واقعيين.

(قوله وحيث أن الأمر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأولى والثانوي والظاهري والأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيد ان الإجزاء أو لا يفيدان ... إلخ) شروع في بيان كيفية اختلاف الصحة والفساد بحسب الآثار والأنظار فالإتيان بالمأمور به الاضطراري أي الواقعي الثانوي وهكذا الإتيان بالمأمور به الظاهري يكون موافقة للأمر الاضطراري أو الظاهري فيكون صحيحا بالنسبة إليه ومخالفة للأمر الواقعي الأولى فيكون فاسدا بالنسبة إليه (وقد أشار) إلى ذلك بقوله كان الإتيان بعبادة موافقة لأمر ومخالفة لآخر ... إلخ بل الإتيان بالاضطراري والظاهري حيث يكون إجزاؤهما عن الواقع محل الخلاف كما تقدم فيكون صحيحا مسقطا للقضاء والإعادة بنظر وفاسدا غير مسقط لهما بنظر آخر (وقد أشار) إليه بقوله أو مسقطا للقضاء والإعادة بنظر وغير مسقط لهما بنظر آخر ... إلخ.

(قوله فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه ... إلخ) إشارة إلى كلام لهم حول النسبة بين التفسيرين أي تفسير المتكلم والفقيه (قال في التقريرات) ثم انهم قد ذكروا أن النسبة بين التفسيرين عموم مطلق لأن العبادة التي توجب سقوط القضاء يجب مطابقتها للأمر وليس كل ما يطابق الأمر مسقطا للقضاء لأن الصلاة بالطهارة المستصحبة مطابقة للأمر يعنى الظاهري وليست مسقطة للقضاء لأنه يجب إذا انكشف الخلاف (انتهى) (فيقول المصنف) وقد وجه كلامه حول المأمور به الظاهري الّذي ادعوا أنه مطابق للأمر وليس مسقطا للقضاء أي صحيح عند المتكلم دون الفقيه (ما محصله) أن المراد من الأمر في تفسير المتكلم للصحة إن كان ما يعم

١٤١

الأمر الظاهري ونحن قلنا باجزاء الظاهري عن الواقعي فالمأمور به الظاهري صحيح على كلا التفسيرين جميعا وإن لم نقل باجزاء الظاهري عن الواقعي وكان المراد من الأمر في تفسير المتكلم للصحة خصوص الواقعي فالمأمور به الظاهري غير صحيح على كلا التفسيرين وهو معنى قول المصنف وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته بناء على عدم الاجزاء وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي عند المتكلم بناء على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي ... إلخ.

(أقول) نعم ولكن إذا لم نقل باجزاء الظاهري عن الواقعي كما حققناه في محله وكان المراد من الأمر في تفسير المتكلم للصحة ما يعم الأمر الظاهري كما هو الظاهر فحينئذ يكون المأمور به الظاهري صحيحا عند المتكلم دون الفقيه أي يكون مطابقا للأمر وليس مسقطا للقضاء فتدبر جيدا.

(قوله وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي ... إلخ) أي وكون الاتصاف بالصحّة مراعى بموافقة الأمر الواقعي.

(قوله تنبيه وهو أنه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ... إلخ) (قال في التقريرات) في تذنيب الأمر الرابع (ما لفظه) ان الصحة والفساد وصفان اعتباريان ينتزعان من الموارد بعد ملاحظة العقل انطباق المورد لما هو المأمور به أو لما هو المجعول سببا وعدمه مطلقا سواء كان في العبادات أو في المعاملات وسواء فسرت الصحة بما فسرها المتكلمون أو بما فسرها الفقهاء (انتهى) ومحصله أن الصحة والفساد سواء كانا في العبادات أو في المعاملات كانا بتفسير المتكلم أو بتفسير الفقيه هما وصفان انتزاعيان غايته أنه في العبادات ينتزعان من مطابقة المورد لما هو المأمور به وفي المعاملات من مطابقته لما هو المجعول سببا هذا في نظر التقريرات (وأما المصنف) ففي العبادات فصل بين تفسيري المتكلم والفقيه (فعلى تفسير

١٤٢

المتكلم) هما وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به لما هو المأمور به كما اختاره التقريرات (وأما على تفسير الفقيه) أي سقوط القضاء والإعادة ففي المأمور به الواقعي هي لازم عقلي بمعنى أن العقل يحكم بأنه مسقط للقضاء والإعادة وفي غيره من الاضطراري والظاهري على القول بالاجزاء فيهما هي حكم شرعي بمعنى أن الشرع يحكم بأنه مسقط للقضاء والإعادة منة منه على العباد وتخفيفا عنهم مع ثبوت المقتضى لهما لفوت الواقعي الأولى.

(نعم) الصحة في الموارد الخاصة والمصاديق الجزئية للاضطراري والظاهري ليست حكما شرعيا وانما تتصف الموارد بالصحّة بمعنى انطباقها لما هو المأمور به كما أفاد التقريرات هذا كله في العبادات (وأما المعاملات) فالصحة فيها حكم شرعي ولو إمضاء نعم في الموارد الخاصة والمصاديق الجزئية ليست حكما شرعيا بل تتصف الموارد بالصحّة بمعنى انطباقها لما هو المجعول سببا كما هو الحال في الأحكام التكليفية عينا فان المصداق الجزئي من الواجب أو الحرام تتصف بالوجوب أو الحرمة بمعنى انطباقه لما هو الواجب الكلي أو الحرام الكلي.

(أقول) ويرد عليه.

(أولا) ان الشارع الحاكم في الاضطراري والظاهري بكونهما مسقطين للقضاء والإعادة بناء على الإجزاء فيهما هو بنفسه أيضا يحكم في مصاديقهما الجزئية بذلك وهكذا في المعاملات غايته أن حكمه في الكلي كلي وفي المصاديق الجزئية جزئيّ.

(وثانيا) ان الصحة إذا قلنا بأنها عند الكل بمعنى واحد كما تقدم وهو التمامية وأن اختلاف المتكلم والفقيه في التعريف انما هو لتعبير كل منهما بما يهمه من الأثر فهي لا محالة وصف اعتباري منتزع عن واحدية الشيء لتمام

١٤٣

ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط سواء كان الشيء من المركبات الشرعية كالصلاة والصوم والحج وما أشبهها أو من المركبات العرفية المترتبة عليها الآثار الشرعية كالعقود والإيقاعات ونحوهما أو المترتبة عليها الخواصّ والآثار العرفية كما في الحبوب والمعاجين وغيرهما المركبة عن أمور خاصة فالصحة في الكل بمعنى واحد وهو التمامية منتزعة عن واجدية الشيء لتمام ما يعتبر فيه جزءا وشرطا من غير فرق في ذلك كله بين العبادات أو المعاملات ولا بين كليها أو جزأيها فتدبر جيدا.

(قوله ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف ... إلخ) فالوضعي المجعول بنفسه هو كما إذا قال السورة جزء للصلاة والوضعي المجعول بتبع التكليف هو كما إذا أمر بقراءة السورة في الصلاة وبتبع جعل الوجوب لها قد جعلت الجزئية.

(قوله إلّا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم ... إلخ) مقصوده من المتوهم هو صاحب التقريرات كما تقدم فانه الّذي ادعى أن الصحة والفساد وصفان اعتباريان ينتزعان من انطباق المورد لما هو المأمور به أو لما هو المجعول سببا مطلقا سواء كان في العبادات أو في المعاملات وسواء فسرت الصحة بما فسرها المتكلمون أو بما فسرها الفقهاء.

(قوله وفي غيره فالسقوط ربما يكون مجعولا ... إلخ) أي وفي غير المأمور به الواقعي الأولى من المأمور به الاضطراري والظاهري ربما يكون السقوط مجعولا شرعا أي على القول بالإجزاء فيهما.

(قوله كما ربما يحكم بثبوتهما ... إلخ) أي بثبوت القضاء والإعادة في المأمور به الاضطراري والظاهري بناء على عدم الإجزاء فيهما.

(قوله بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ... إلخ) من الأحكام التكليفية كالاستحباب والكراهة ونحوهما.

١٤٤

في تحقيق حال الأصل في المسألة

(قوله السابع لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه ... إلخ) وحاصل الكلام في هذا الأمر السابع أنه إذا أثبتنا في المسألة الأصولية أن النهي يدل على الفساد أو أنه لا يدل عليه فهو وان عجزنا عن ذلك نفيا وإثباتا وشك في دلالته على الفساد وعدمه فلا أصل لنا في المسألة يقتضى دلالة النهي على الفساد أو عدم دلالته عليه (نعم في المسألة الفقهية) وهي فساد العبادة أو المعاملة المنهية عنها وعدمه الأصل يقتضى الفساد (أما في المعاملات) بعد فرض عدم عموم أو إطلاق يقتضى الصحة فيها فلأنها بعد ما تعلق النهي بها وشك في دلالته على فسادها إذا تحققت هي في الخارج فلا محالة يقع الشك في حصول الأثر المترتب عليها من ملكية أو زوجية أو بينونة ونحو ذلك فيستصحب عدم حصول الأثر وهذا هو معنى أصالة الفساد المشتهرة على الألسن في المعاملات (وفيه) أن مقتضى الأصل وان كان عدم حصول الأثر المترتب عليها ولكن هذا إذا لم يكن هناك أصل سببي يرتفع به الشك فانا مهما شككنا في اعتبار شيء في السبب شرعا كاعتبار الماضوية أو العربية ونحوهما في عقد النكاح مثلا والصلاة بالطهارة المستصحبة مطابقة للأمر يعنى الظاهري وليست مسقطة للقضاء لأنه عقلا بعد الفحص عنه بحد اليأس فالبراءة الجارية عن المشكوك مما يوجب تحديد أجزاء السبب وحصرها بحسب الظاهر بالاجزاء المعلومة فإذا تحققت هي فلا محالة يترتب عليها الأثر ولا يبقى مجال لاستصحاب عدمه وسيأتي نظير ذلك في الواجب الارتباطي إذا دار أمره بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن وجوب الأكثر وبها يرتفع الإجمال والتردد

١٤٥

بحسب الظاهر وتعينه في الأول كما صرح به المصنف هناك فتكون واردة على أصل الاشتغال أو استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقل فكما ان البراءة هناك واردة على أصل الاشتغال أو على استصحابه فكذلك البراءة في المقام واردة على أصالة الفساد واستصحاب عدم الأثر (وأما في العبادات) فلان العبادة بعد ما تعلق النهي بها كما في صوم العيدين وشك في اقتضاء حرمتها فسادها هي مما لا أمر له قطعا وهو مما يكفى في بطلان العبادة والاكتفاء بقصد الملاك في العبادة المزاحمة بالأهم إنما هو من جهة شمول إطلاق الأمر لها وهو يكفى في إحراز الملاك فيها وان كان الأمر ساقطا فعلا عن التنجز لأجل المزاحمة بالأهم وهذا بخلاف المقام فان مع تعلق النهي بالعبادة بالخصوص يكون الأمر بها منقطعا من أصله فلا أمر ولا محرز للملاك أصلا.

(أقول) نعم إلا أن هذا التقريب إنما يتم في العبادات التي تحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها وأما العبادات الذاتيّة التي تقدمت الإشارة إليها من المصنف في الأمر الرابع ولا يحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها كالسجود والخضوع والخشوع والتسبيح والتقديس ونحو ذلك فلا يكاد يتم فيها هذا التقريب فإذا تعلق بها النهي وشك في مفسدية النهي لها فلا وجه للالتزام بأصالة الفساد فيها من أجل عدم الأمر بها إذ المفروض أن عباديتها ليست بسبب الأمر كي يقال إن النهي إذا شك في مفسديته لها فعدم الأمر بها كاف في بطلانها بل مقتضى القاعدة في هذا القسم من العبادات إذا فرض الشك في مفسدية النهي له هو الصحة وبقائه على ما كان عليه من قبل النهي فتأمل جيدا.

١٤٦

في أقسام تعلق النهي بالعبادة

(قوله الثامن ان متعلق النهي اما أن يكون نفس العبادة أو جزئها أو شرطها الخارج عنها أو وصفها الملازم لها كالجهر والإخفات للقراءة أو وصفها الغير الملازم ... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر الثامن بيان أقسام تعلق النهي بالعبادة وبيان حكم كل منها على حده من حيث الدخول في محل النزاع وعدمه (فيقول) إن النهي :

(تارة) يتعلق بنفس العبادة كالنهي عن الصلاة في أيام الحيض بناء على حرمتها الذاتية أو النهي عن الصوم في يوم العيدين أو نحو ذلك من العبادات المحرمة.

(وأخرى) يتعلق بجزء العبادة كما إذا نهى عن سور العزائم في الصلاة

(وثالثة) يتعلق بشرط العبادة الخارج عنها كما إذا نهى عن تطهير الثوب أو البدن بماء الغصب للصلاة أو الطواف ونحوهما.

(ورابعة) يتعلق بوصفها الملازم لها كما إذا نهى عن الجهر بالقراءة فان الجهر بالقراءة مما لا ينفك عن القراءة وان جاز انفكاك القراءة عن الجهر بها وهكذا الأمر في النهي عن الإخفات بالقراءة ولو عدل المصنف عن المثال المذكور إلى النهي عن الجهر بالصلاة أو الإخفات بها كما في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها كان أولى فان الأولى نهى عن الوصف الملازم لجزء العبادة والثاني نهى عن الوصف الملازم لنفس العبادة.

(وخامسة) يتعلق بوصفها الغير الملازم لها أي القابلة للانفكاك عنها وهذا على نحوين.

١٤٧

(فتارة) يكون الوصف الغير الملازم غير متحد مع العبادة في مورد الاجتماع كالجهر مع القراءة فان الجهر غير القراءة والقراءة غير الجهر وقد جاز انفكاك كل منهما عن الآخر وهكذا الأمر في الإخفات والفرق بين هذا والقسم الرابع أن النهي في القسم الرابع تعلق بخصوص الجهر بالقراءة أو بالإخفات بها فلا ينفك عنها وهاهنا تعلق بمطلق الجهر أو الإخفات وهو قابل للانفكاك عن القراءة فلا تغفل.

(وأخرى) يكون متحدا مع الصلاة في مورد الاجتماع كالغصب مع أفعال الصلاة فانه في مورد الاجتماع يكون عين الركوع والسجود والقيام والهوى والنهوض ونحو ذلك وهي عينه.

(قوله كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها ... إلخ) وفي التمثيل ما لا يخفى فانه مثال للوصف الغير الملازم للعبادة المتحد معها وجودا وهذا غير صحيح فان الأكوان ليست هي من أجزاء الصلاة كي إذا اتحد الغصب معها اتحد مع الصلاة والصحيح كان أن يقول كالغصب لأفعال الصلاة كما مثلنا به فهو وصف مفارق يتحد مع العبادة وجودا عند الاجتماع معها.

(قوله لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع وكذا القسم الثاني ... إلخ) شروع في بيان حكم كل قسم من الأقسام الخمسة على حده من حيث الدخول في محل النزاع وعدمه بعد الفراغ عن ذكر الأقسام كلها.

(قوله إلّا أن يستلزم محذورا آخر ... إلخ) كفوت الموالاة إذا كان الجزء المحرم الفاسد طويلا لا يلتئم ما بعده بما قبله.

(قوله وأما القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ... إلخ) وفاقا لصاحب التقريرات (قال) في آخر الأمر السابع فحرمة الشرط لا دليل على سرايتها إلى المشروط فلا يقتضى الفساد

١٤٨

قطعا فان النهي عن شيء مباين للشيء كيف يعقل اقتضائه الفساد (انتهى).

(قوله وأما القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ... إلخ) (وفيه ما لا يخفى) فان الوصف ما لم يكن متحدا مع الموصوف وجودا كما في النحو الثاني من القسم الخامس فلا وجه لسراية الحرمة من الوصف إلى الموصوف وإن فرض كونه ملازما له واستحالة كون الموصوف واجبا حينئذ وجوبا منجزا وإن كان حقا ولكن لا يجب أن يكون محكوما بحكمه كما تقدم غير مرة فإذا لم يكن الموصوف محكوما بحكم الوصف أي لم يكن حراما شرعا كفى في صحته قصد الملاك المحرز فيه بإطلاق الأمر الساقط عن مرتبة التنجز.

(وبالجملة) الجهر بالقراءة مع القراءة شيئان خارجا كالبياض والجسم وإن كان الأول مما لا يتحقق إلا مع الثاني فإذا كانا أمرين وجودا فلا وجه لسراية الحرمة من أحدهما إلى الآخر وإن كانا متلازمين خارجا فإذا لم يحرم الموصوف فلا وجه لفساده بل يصححه الملاك المحرز فيه بوسيلة إطلاق الأمر كما في ساير الموارد فان المولى إذا أمر بالقراءة فقد شمل جميع أفرادها وإذا نهى عن وصفها الملازم لها الغير المتحد معها وجودا سقط أمر الموصوف من جهة الملازمة مع الحرام عن مرتبة التنجز وبقي الملاك فيه محرزا بوسيلة الإطلاق فتصح القراءة ولا تفسد.

(قوله وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور ... إلخ) وحاصله أنه إذا نهى عن العبادة لأجل النهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف فان كان من قبيل الوصف بحال المتعلق كما في قولك زيد منطلق أبوه (وبعبارة أخرى) كان اسناد النهي إليها بالعرض والمجاز من قبيل اسناد الجري إلى الميزاب وكان المنهي عنه حقيقة هو الجزء أو الشرط أو الوصف لا نفس

١٤٩

العبادة فحال هذا النهي حال النهي عن أحد هذه الأمور من حيث كونه داخلا في محل النزاع أم لا (وأما إذا كان) النهي عن العبادة على نحو الحقيقة بان كان المقصود هو تحريم نفس العبادة وان كان السبب لتحريمها مبغوضية جزئها أو شرطها أو وصفها بحيث كان أحد هذه الأمور واسطة في الثبوت كالنار لحرارة الماء لا في العروض كالماء في اسناد الجري إلى الميزاب فحال هذا النهي حال النهي في القسم الأول من الأقسام المتقدمة أي النهي عن نفس العبادة بل هو عينه حقيقة.

(قوله ربما تزيد على العشرة على ما قيل ... إلخ) القائل هو صاحب التقريرات (قال) في صدر الهداية الثانية من المسألة (ما لفظه) فاعلم أنهم اختلفوا في مورد النزاع في دلالة النهي على الفساد على أقوال ربما تزيد على العشرة (انتهى).

في اقتضاء النهي الفساد في العبادات

(قوله من بسط المقال في مقامين الأول في العبادات فنقول وعلى الله الاتكال ... إلخ) والأولى في تقريب الاستدلال على اقتضاء النهي الفساد في العبادات أن يقال بنحو الاختصار ان النهي مما يدل على الحرمة والحرمة مما لا تجتمع مع التقرب المعتبر في العبادات قطعا فتفسد قهرا إذا تعلق بها النهي وهذا من غير حاجة إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام كما فعل المصنف.

(قوله بالعبادة بنفسها ... إلخ) أي لا بشرطها ولا بوصفها ولكن قد عرفت أن تعلق النهي بوصفها الغير الملازم المتحد معها وجودا مما يوجب

١٥٠

السراية إليها بل وحتى الملازم الغير المتحد معها وجودا في نظر المصنف (وعليه) فلا وجه لتخصيص اقتضاء الفساد بالنهي المتعلق بالعبادة بنفسها دون غيره.

(قوله ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة كما عرفت ... إلخ) أي كما عرفت أن جزء العبادة عبادة حيث قال فيما تقدم وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة.

(قوله لدلالته على حرمتها ذاتا ... إلخ) الحرمة الذاتيّة هي التي تكون عن مفسدة في الفعل وتوجب مبغوضيته شرعا ولو لم يأت به عن تشريع وافتراء على المولى في قبال الحرمة التشريعية وهي التي تكون عند الإتيان بالفعل على نحو التشريع والافتراء على المولى فيكون صدوره حينئذ قبيحا مبغوضا على المكلف وان لم يكن في حد ذاته قبيحا مبغوضا واقعا.

(قوله لا يقال هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتيّة ولا يكاد يتصف بها العبادة ... إلخ) (وحاصل الإشكال) أن اقتضاء النهي الفساد في العبادات انما يتم إذا كان النهي المتعلق بها دالا على الحرمة الذاتيّة ولا يكاد يتصف بها العبادة وبعبارة أخرى لا يعقل تحريمها ذاتا فان المكلف إذا لم يقصد القربة فلا عبادة كي تحرم بالنهي ذاتا وتفسد وإذا قصدها فهذا غير مقدور له إذ لا أمر في البين كي يقصد ويتحقق به العبادة وتحرم ذاتا وتفسد إلّا إذا قصد القربة تشريعا ومعه يتصف الفعل بالحرمة التشريعية دون الذاتيّة لامتناع اجتماع المثلين (وقد أجاب المصنف) عن الإشكال من وجوه.

(الأول) أن المراد من تحريم العبادة في المسألة كما تقدم في الأمر الرابع هو تحريم ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا لا يكاد يسقط إلّا بقصد القربة كسائر أقرانه وأمثاله نظير صوم العيدين أو الصلاة في أيام الحيض بناء على حرمتها ذاتا ونحو ذلك ومن المعلوم أن تحريم ذلك ذاتا في كمال الإمكان

١٥١

هذا في العبادات الغير الذاتيّة (وأما العبادات الذاتيّة) كالركوع والسجود والخضوع والخشوع ونحوها مما لا يحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها بل ولا يضر بعباديتها حرمتها شرعا وان أضرت بمقربيتها كما تقدم فجواز تحريمها ذاتا أوضح وأظهر كما لا يخفى.

(الثاني) أن تحريم الفعل المأتي به بقصد القربة تشريعا أمر ممكن ميسور من دون أن يجتمع فيه المثلان فان التشريعية تتعلق بفعل القلب وهو الاعتقاد بوجوبه وعقد القلب عليه مع العلم بعدمه كما هو الحال في التجري أيضا من حيث كون العقاب فيه على فعل القلب في نظر المصنف على ما سيأتي أي على قصد العصيان والعزم على الطغيان وأما الحرمة الذاتيّة فتتعلق هي بفعل الجوارح لا بفعل القلب فيتعدد المتعلق ولا اجتماع المثلين (وفيه) ان الحرمة التشريعية في المقام وحرمة التجري هناك تتعلقان جميعا بفعل الجوارح كسائر الأحكام التكليفية وأما فعل القلب وهو الاعتقاد بوجوب ما ليس بواجب عمدا أو قصد العصيان والعزم على الطغيان فهو السبب لتحقق عنوان التشريع أو التجري للفعل وهو المصحح للعقاب عليه وان كان مجرد فعل القلب أيضا من دون صدور فعل من الجوارح مما يوجب استحقاق العقاب عقلا لكن دون عقاب من صدر عنه الفعل في الخارج ولم يقتصر على فعل القلب فقط ولعله إلى هذا كله قد أشار أخيرا بقوله فافهم (وعليه) فالحق في الجواب الثاني أن يقال انه لا مانع من اجتماع الحرمتين في فعل واحد الحرمة التشريعية والذاتيّة جميعا لكونهما اعتباريين فيندك بعضهما في بعض ويتأكد بعضهما ببعض فيكون هناك حرمة واحدة أكيدة متعلقة بفعل واحد.

(الثالث) انه لو سلم أن النهي في العبادات لا يكون دالا على الحرمة الذاتيّة نظرا إلى الإشكال المتقدم فالنهي فيها مما يدل على الفساد من جهة

١٥٢

أخرى وهي دلالته على حرمتها التشريعية فانه لا أقل من دلالته على سقوط الأمر عنها وانها ليست بمأمورة بها من أصلها وهو يكفى في فسادها وعدم وقوعها عبادة مقربة (وفيه) أن ذلك إنما يتم في العبادات الغير الذاتيّة مما كانت عباديتها تحتاج إلى تعلق الأمر بها كالصلاة والزكاة والصيام وما أشبهها وأما العبادات الذاتيّة التي لا تحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها كالسجود والركوع والخضوع والخشوع ونحوها إذا تعلق النهي بها وفرض عدم كونه للحرمة الذاتيّة فالنهي عنها وإن كان دالا على عدم الأمر بها ولكن مجرد عدم الأمر بها مما لا يكفى في فسادها كما لا يخفى.

(قوله مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية ... إلخ) إشارة إلى الجواب الثاني من الإشكال وقد عرفت تفصيله مع ما فيه

(قوله فافهم ... إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية ... إلخ) إشارة إلى الجواب الثالث عن الإشكال وقد عرفت أيضا تفصيله مع ما فيه (مضافا) إلى أنه لا يخلو عن سوء التعبير فان النهي مما لا يدل على الحرمة التشريعية ومراده أن النهي يدل على سقوط الأمر وانقطاع العموم أو الإطلاق من أصله فيكون العمل تشريعا قهرا.

(قوله نعم لو لم يكن النهي عنها الا عرضا ... إلخ) استدراك عن قوله لكان دالا على الفساد أي نعم لو لم يكن النهي عن العبادة إلا بالعرض والمجاز من قبيل اسناد الجري إلى الميزاب وكان المنهي عنه حقيقة غيرها كما إذا نهى عن فعل الصلاة عند تنجس المسجد وكان المقصود من النهي عنها هو النهي عن ترك الإزالة فلا يكون النهي حينئذ مقتضيا لفساد العبادة بناء على

١٥٣

ما تقدم في بحث الضد من عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد الخاصّ وعليه فيخصص بمثل هذا النهي العرضي عموم قولنا النهي في العبادات يقتضى الفساد أو يقيد به إطلاقه.

في عدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات

(قوله المقام الثاني في المعاملات ونخبة القول أن النهي الدال على حرمتها لا يقتضى الفساد ... إلخ) وقد أفاد في وجه عدم الفساد أنه لا ملازمة لغة ولا عرفا بين حرمة المعاملة وفسادها (سواء كانت) الحرمة متعلقة بنفس السبب بما هو فعل مباشري كالإيجاب والقبول في وقت النداء على نحو كان المبغوض هو نفس الإيجاب والقبول من دون أن يكون الأمر المترتب عليهما مبغوضا شرعا (أو كانت) الحرمة متعلقة بالمسبب بما هو فعل تسبيبي على نحو كان المبغوض شرعا هو نفس الأمر المترتب على السبب دون السبب بنفسه كتمليك المسلم من الكافر أو المصحف منه فانه فعل تسبيبي حاصل بالسبب الخاصّ فالسبب وان كان حراما شرعا غيريا ولكن المبغوض النفسيّ هو نفس تمليك المسلم أو المصحف من الكافر الحاصل بهذا السبب الخاصّ (أو كانت) الحرمة متعلقة بالتسبب بسبب خاص كما إذا نهى عن تمليك الزيادة بوسيلة البيع الربوي على نحو كان المبغوض هو التمليك بهذا السبب الخاصّ فلو حصل التمليك بسبب آخر غير البيع الربوي كالهبة ونحوها لم يبغضه الشارع

(قوله وانما يقتضى الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها مثل النهي عن أكل الثمن أو الثمن ... إلخ) بل يمكن أن يقال ان النهي في هذا القسم أيضا مما لا يدل على الفساد فان تحريم ثمن الخمر

١٥٤

أو الكلب أو الخنزير أو ثمن كل شيء حرمه الله تعالى كما في الحديث مما لا يستلزم عقلا عدم نفوذ المعاملة وذلك لجواز حصول النقل والانتقال شرعا وصيرورة الثمن ملكا للبائع والثمن ملكا للمشتري ومع ذلك يحرم على البائع أكل الثمن وعلى المشتري أكل الثمن تعبدا (بل الظاهر) أن وجه حرمة الثمن أو المثمن ليس مجرد فساد المعاملة وعدم حصول النقل والانتقال بسببها وأنه مال الغير فلا يجوز أكله فانه لو كانت الحرمة لذلك لجاز أكله فيما لو علم بطيب نفس المشتري أو البائع على كل تقدير مع أنه لا يجوز قطعا ولو علم برضائه كذلك.

(قوله في بيع أو بيع شيء ... إلخ) كما إذا حرم أكل الثمن أو المثمن في بيع خاص كبيع الربوي أو بيع شيء خاص كبيع الخمر أو الكلب أو الخنزير ونحوها.

(قوله لكنه في المعاملات بمعنى العقود والإيقاعات ... إلخ) لا وجه لتخصيص ظهور النهي في الإرشاد إلى الفساد دون الحرمة الذاتيّة بالمعاملات بالمعنى الأخص فقط أي العقود والإيقاعات بل لا يبعد ظهوره حتى في المعاملات بالمعنى الأعم مما يقبل الاتصاف بالصحّة والفساد كغسل النجاسات والمتبع على كل حال هو الظهور فان كان النهي ظاهرا في الإرشاد بقرينة حال أو مقال فهو وإلّا فلا بد من الأخذ بما هو ظاهر النهي لو لا القرينة وهو الحرمة وقد عرفت انها مما لا تقتضي الفساد الا في العبادات.

(قوله نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه ... إلخ) (قال في الفصول) واحتج من أثبت دلالته على فساد المعاملة شرعا فيما إذا تعلق بعينها أو لازمها بما يرجع محصله إلى وجوه (إلى أن قال) الثالث ظاهر جملة من الاخبار منها ما رواه زرارة في الصحيح

١٥٥

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما قلت أصلحك الله ان الحكم ابن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد ولا تحل له إجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه‌السلام انه لم يعص الله انما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز (قال) وفي روايته الأخرى بعد أن ذكر حكمه عليه‌السلام بصحة نكاح العبد مع لحوق الإجازة قال فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام فانه في أصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر عليه‌السلام انما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله وانما عصى سيده ولم يعص الله ان ذلك ليس كإتيانه ما حرم الله تعالى عليه من نكاح في عدة وأشباهه (ثم قال) ووجه الدلالة أن الروايتين دلتا على أن نكاح العبد الغير المأذون انما لم يفسد مع لحوق الإجازة لأنه لم يعص الله فيه وانما عصى سيده فيدل على أن عصيان الله في النكاح الّذي من أقسام المعاملة يوجب الفساد (انتهى) (وقال المحقق القمي) رحمه‌الله وقد يستدل بما ورد في بعض الأخبار من صحة عقد المملوك إذا كان بغير اذن مولاه ثم رضى به معللا بأنه لم يعص الله بل عصى سيده فانه يدل على أنه إذا كان فيه معصية بالنسبة إليه تعالى وكان منهيا عنه فيكون فاسدا (انتهى) هذا حاصل ما توهم من استتباع الحرمة للفساد شرعا في المعاملات من جهة دلالة غير واحد من الاخبار وستعرف الجواب عنه في الحاشية الآتية.

(قوله ولا يخفى ان الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه ... إلخ) وحاصل الجواب عن التوهم المذكور بمزيد توضيح منا أن المراد من العصيان في قوله عليه‌السلام أنه لم يعص الله انما عصى سيده ليس هو العصيان التكليفي لأنه قد عصى الله تكليفا لا محالة فان من عصى سيده فقد عصى الله بل المراد هو العصيان الوضعي أي

١٥٦

لم يأت بما لم يمضه الله ولم يشرعه كالنكاح في العدة وأشباهه بل عصى سيده بمعنى أنه أتى بما لم يأذن به سيده ولو لم يسبق منه نهى عنه ومن المعلوم أن العصيان الوضعي مما يوجب الفساد وعدم ترتب الأثر شرعا فافهم جيدا.

(قوله وهكذا حال ساير أخبار الواردة في هذا الباب ... إلخ) وهو باب تزويج الإماء والعبيد (في الوافي) وباب أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج ولا يتصرف في ماله إلّا بإذن مولاه (في الوسائل) وفيه أيضا باب أن العبد إذا تزوج بغير اذن مولاه كان العقد موقوفا على الإجازة منه فراجع.

فيما حكي عن أبي حنيفة والشيباني من دلالة

النهي على الصحة

(قوله تذنيب حكي عن أبي حنفية والشيباني دلالة النهي على الصحة وعن الفخر أنه وافقهما في ذلك ... إلخ) المراد من الفخر هو فخر المحققين نجل العلامة لا امام المشككين أحد علماء العامة (قال) في التقريرات حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة والمنقول عن نهاية العلامة التوقف ووافقهما فخر المحققين في نهاية المأمول وأحال الأمر على شرح التهذيب (انتهى).

(أقول) أما دلالة النهي على الصحة (ففي المعاملات) حق لا ريب فيه فان تحريم الشيء فرع القدرة عليه وإلّا لم يصح تحريمه ومن المعلوم أن القدرة على الشيء مما يساوق صحته وإمكان تحققه في الخارج (وأما في العبادات) فان كان المقصود من الصحة التي يقتضيها النهي هو تحقق ماهياتها ومسمياتها

١٥٧

فهذا أيضا حق لما عرفت مشروحا في التعبدي والتوصلي من خروج قصد القربة عن ماهية العبادات ومسمياتها وجواز تحقق الماهية بدونه وإن كان المقصود من الصحة التي يقتضيها النهي هو وقوع الفعل عبادة مقربة إلى الله فهذا ممنوع أشد المنع لما عرفت في الاستدلال على اقتضاء النهي الفساد في العبادات عدم اجتماع الحرمة مع وقوع الفعل عبادة مقربة إليه وإن اجتمعت في العبادات عدم اجتماع الحرمة مع وقوع الفعل عبادة مقربة إليه وإن اجتمعت في العبادات الذاتيّة مع عباديتها دون مقربيتها (والظاهر) أن مراد القائل من دلالة النهي على الصحة هو المعنى الأول أي تحقق الماهية والمسمى فالنهي يدل على الصحة أي على إمكان تحقق ماهية المنهي عنه ومسماه.

(قوله والتحقيق أنه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبب ... إلخ) وحاصل تحقيقه في المقام أن النهي (في المعاملات) مما يدل على الصحة إذا كان عن المسبب أو عن التسبب وقد عرفت التمثيل لهما فيما تقدم (ووجه الدلالة) اعتبار القدرة في متعلق النهي عقلا كالأمر ولا يكاد يقدر على المسبب أو التسبب إلا فيما إذا كانت المعاملة مؤثرة صحيحة وأما إذا كان النهي عن السبب فلا يكاد يدل على الصحة وذلك لجواز كونه مقدورا وان لم يكن مؤثرا صحيحا نعم لا يدل النهي فيه على الفساد كما تقدم ولكنه غير الدلالة على الصحة كما لا يخفى (وفيه) أن النهي في السبب أيضا مما يدل على الصحة وذلك لعين ما اعترف به في المسبب والتسبب من اعتبار القدرة في متعلق النهي ودعوى جواز كون السبب مقدورا وان لم يكن صحيحا مما لا وجه له فان السبب وان جاز أن يكون مقدورا مع عدم تأثيره في النقل والانتقال لفقد شرط أو لوجود مانع ولكن صحة كل شيء بحسبه وليس صحة السبب بمعنى أن يترتب عليه الأثر خارجا فان الأثر مترتب على مجموع السبب والشرط وفقد المانع لا على السبب وحده بل صحة السبب هو بمعنى أنه إذا انضم إليه الشرط وفقد

١٥٨

المانع أثر أثره أي في النقل والانتقال ومن المعلوم حصول هذا المعنى في السبب ولو مع النهي عنه كما لا يخفى هذا كله تحقيق المصنف في المعاملات مع ما فيه من المناقشة (وأما العبادات) فقد قسمها إلى قسمين :

(الأول) ما كان منها عبادة ذاتية كالركوع والسجود والخضوع والخشوع ونحوها مما لا يحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها وفي هذا القسم ذهب إلى كونه مقدورا مع النهي عنه كما إذا كان مأمورا به (وفيه) أن مجرد المقدورية مما لا يكشف عن الصحة فان العبادات الذاتيّة وان كانت عبادة حتى مع النهي عنها كما تقدم غير مرة ولكنها ليست مقربة إلى الله تعالى وهو مما يكفى في عدم صحتها وفسادها بمعنى عدم ترتب الأثر المرغوب منها عليها اللهم إلّا إذا كان المقصود من صحتها حينئذ هو تحقق عباديتها إذ المفروض انها عبادة ذاتية لا تتخلف عباديتها حتى مع النهي عنها.

(الثاني) ما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأمورا به وفي هذا القسم ذهب إلى عدم كونه مقدورا مع النهي عنه إلّا إذا قيل بجواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوان واحد (وفيه) أن المراد من القسم الثاني هو العبادة التقديرية أي ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا لا يكاد يسقط الا مع قصد القربة كما تقدم في الأمر الرابع ويشهد به قوله في المقام لو كان مأمورا به وقوله أيضا بمعنى أنه لو كان مأمورا به كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط إلّا بقصد القربة ... إلخ ومن الواضح المعلوم عدم توقف القدرة على العبادة التقديرية مع النهي عنها على القول بجواز الاجتماع في شيء واحد بعنوان واحد فان الّذي يتوقف على ذلك هو العبادة الفعلية أي ما تعلق الأمر به فعلا أمرا عباديا لا يكاد يسقط الا مع قصد القربة لا العبادة التقديرية والظاهر أن إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

١٥٩

(ثم) ان للمصنف تعليقة في المقام قد لخص فيها تحقيقه على نحو تسلم مما أوردناه عليه في المعاملات والعبادات جميعا (قال) لدى التعليق على قوله والتحقيق ... إلخ ما لفظه ملخصه أن الكبرى وهي أن النهي حقيقة إذا تعلق بشيء ذي أثر كان دالا على صحته وترتب أثره عليه لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي كذلك يعنى حقيقة وان كانت مسلمة إلّا أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الأمر وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأول وان كان ممكنا إلّا أن أثر المرغوب منها عقلا أو شرعا غير مترتب عليها مطلقا بل على خصوص ما ليس بحرام منها وهكذا الحال في المعاملات فان كان الأثر في معاملة مترتبا عليها ولازما لوجودها كان النهي عنها دالا على ترتبه عليها لما عرفت يعنى لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي حقيقة (انتهى).

في المنطوق والمفهوم

(قوله المقصد الثالث في المفاهيم ... إلخ) كان الأولى أن يقول المقصد الثالث في المنطوق والمفهوم كما هو دأب الأصوليين والظاهر أن العدول عن ذلك لأجل الفرار عن تعرض حال المنطوق وعلى كل حال يقع الكلام هاهنا في جهات عديدة.

(الأولى) في تعريف المنطوق والمفهوم (وقد عرف الحاجبي) المنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم بما دل عليه اللفظ لا في محل النطق (وقد فسر العضدي) التعريف الأول بقوله أن يكون حكما لمذكور وحالا من أحواله وفسر التعريف الثاني بقوله بان يكون حكما لغير مذكور وحالا من

١٦٠