عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٠٠

التفكيك بين حكم الشرع وحكم العقل فالشرع يحرم الخروج والعقل يوجبه ويأمر به وهو غير معقول (وأضعف من الكل) جوابه الثاني من الالتزام بسقوط وجوب ذي المقدمة شرعا مع بقاء وجوبه عقلا فتأمل جيدا.

(قوله وإلزام العقل به لذلك إرشادا ... إلخ) ليس الواو عطفا بل للاستئناف أي وإلزام العقل بالإتيان بذي المقدمة إرشادا لأجل الخروج عن عهدة ما تنجز عليه سابقا والفرار عن الوقوع في المحذور الأشد كاف لا حاجة معه إلى بقاء وجوبه شرعا.

(قوله وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه ... إلخ) شروع في الرد على الفصول القائل بكون الخروج مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه لكونه منهيا عنه في السابق أي قبل الدخول وقد عصاه بسوء اختياره (ووجه الظهور) ما تقدم من المصنف في وجه عدم كونه مأمورا به من أن الخروج وإن كان مقدمة للواجب الأهم ولكن التوقف والانحصار به حيث كان بسوء الاختيار فلا يجب ولكن قد عرفت منا ضعفه بما لا مزيد عليه وان سوء الاختيار مما لا دخل له في نفى وجوبه غيريا بعد صيرورته مقدمة للواجب الأهم ما لم يرفع المولى يده عن الواجب الأهم أو نحن نرفع يدنا عن الملازمة التي ادعيناها في مقدمة الواجب بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته وأن الحق على هذا هو مع صاحب الفصول رحمه‌الله في كون الخروج مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه.

(قوله مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والإيجاب قبل الدخول أو بعده كما في الفصول مع اتحاد زمان الفعل ... إلخ) هذا رد آخر على الفصول غير ما أشير إليه آنفا وقبل توضيحه لا بأس بذكر جملة من عبائر

١٠١

الفصول مما يناسب المقام ثم الشروع في النقض والإبرام بما يتضح به المرام فنقول (قال) في جملة ما أفاده هنا (ما هذا لفظه) لا يقال لو صح ذلك لزم أن يكون الخروج طاعة وعصيانا وهو محال لأن الطاعة والعصيان أمر ان متنافيان بالضرورة فيمتنع استنادهما إلى شيء واحدا أو تواردهما على محل واحد لأنا نقول ان أريد أن الطاعة والعصيان متنافيان من حيث نفسيهما فممنوع لأن معناهما موافقة الطلب ومخالفته ولا منافاة بينهما مع تعدد الطلب وان أريد انهما متنافيان من حيث ما أضيفا إليه من الأمر والنهي فممنوع أيضا لأنهما انما يتنافيان إذا اجتمعا في الزمان كما هو شأن التضاد وقد بينهما أن زمن الأمر غير زمن النهي (إلى أن قال) فيكون للخروج بالقياس إلى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادان أحدهما مطلق وهو النهي عن الخروج والآخر مشروط بالدخول وهو الأمر به وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين بل يتصف بكل في زمان (انتهى موضع الحاجة من كلامه) رفع مقامه (فيقول المصنف) في رده إنه لو قلنا بكون الخروج مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه للنهي السابق لزم أن يكون الخروج مع وحدة عنوانه حراما وواجبا (وما تشبث به الفصول) في دفع التضاد باختلاف زمان الحرمة والوجوب وان الحرمة كانت في السابق والأمر به يكون في اللاحق (مما لا يجدى) مع اتحاد زمان الفعل وموطنه إذ لا إشكال في أن الخروج موطنه هو بعد الدخول فمعنى حرمته قبلا أنه يحرم الخروج بعد الدخول فإذا فرض أنه بمجرد تحقق الدخول في الخارج يجب الخروج غيريا لزم التضاد لوحدة زمان الفعل نظير قولك في يوم الأربعاء أكرم زيدا يوم الجمعة وقولك في يوم الخميس لا تكرم زيدا يوم الجمعة فهما متناقضان من حيث وحدة زمان الفعل وان كان زمان الإيجاب والتحريم متعددا فالمجدي لدفع التناقض هو

١٠٢

تعدد زمان الفعل كما في قولك أكرم زيدا يوم الجمعة ولا تكرم زيدا يوم السبت وان كان زمان الحكمين واحدا لا تعدد زمان الإيجاب والتحريم مع وحدة زمان الفعل (كما أن ما تشبث به الفصول) أخيرا من كون النهي مطلقا والأمر مشروطا بالدخول (مما لا يجدى أيضا) فان حرمة الشيء على نحو الإطلاق إلى الآخر والوجوب في بعض الأحوال متنافيان جدا.

(أقول) ان المصنف كما تقدم قبلا وان لم يلتزم بكون الخروج بعد الدخول واجبا ولكن قد التزم بكونه منهيا عنه في السابق قبل الدخول وأنه بالدخول يسقط نهيه لحدوث الاضطرار إليه (وعليه) فيتوجه إليه الإشكال مثل ما يتوجه إلى الفصول عينا غايته أنه يتوجه إلى الفصول لزوم اتصاف الخروج بالحرمة والوجوب مع اتحاد زمان الفعل ويتوجه إلى المصنف لزوم اتصاف الخروج بالحرمة وعدم الحرمة مع اتحاد زمان الفعل ومن المعلوم أنه كما تكون الحرمة والوجوب متضادين لا يجتمعان فكذلك تكون الحرمة وعدم الحرمة متناقضين لا يجتمعان (هذا مضافا) إلى أنه لا محذور عقلا في اتصاف شيء واحد بالوجوب والحرمة مع اختلاف زمانهما واتحاد زمان الفعل فان المستحيل عقلا هو اتصاف شيء واحد بالوجوب والحرمة مع اتحاد زمان الحكمين واتحاد زمان الفعل جميعا وأما مع اختلاف زمان الإيجاب والحرمة واتحاد زمان الفعل بان يقول المولى في يوم الأربعاء لا تكرم زيدا يوم الجمعة وبعد مجيء يوم الخميس يقول أكرم زيدا يوم الجمعة فلا محذور فيه أبدا بل يكون من قبيل النسخ والبداء غايته أن هذا النحو من التحريم والإيجاب يحتاج إلى داع عقلائي وحكمة عقلائية وهي موجودة في المقام لأن الخروج من الغصب فيه مفسدة الغصب وفيه مصلحة التخلص فالمولى من قبل الدخول في الغصب يطلب منه ترك الخروج ولو بترك الدخول من أصله فإذا ترك الدخول

١٠٣

سلم من المفسدة ولا يفوته المصلحة وهو التخلص لأنها حاصلة بنفسها وبعد تحقق الدخول في الغصب يرفع المولى يده عن النهي ويأمر بالخروج مع ما فيه من المفسدة نظرا إلى ما فيه من المصلحة الغالبة وهي التخلص عن الغصب وهكذا الأمر في شرب الخمر في المهلكة حرفا بحرف فيطلب منه أو لا تركه بترك الوقوع في المهلكة وبعد الوقوع فيها يأمر بفعله لما فيه من المصلحة الغالبة فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي السابق وإطاعة للأمر اللاحق فعلا ... إلخ) قد عرفت الجواب عن هذا الإشكال من نفس كلام الفصول فان التنافي في كون الخروج إطاعة وعصيانا ان كان من حيث نفس الطاعة والعصيان فهذا ممنوع لكون الخروج إطاعة لطلب وعصيانا لطلب آخر وان كان التنافي من حيث ما أضيفا إليه من الأمر والنهي فقد عرفت أنه لا تنافي بينهما بعد اختلافهما زمانا وان اتحد زمان الفعل وموطنه بالتقريب الّذي قد عرفته منا آنفا.

(نعم) لم يكف تقريب الفصول بنفسه في تصحيحهما وفي دفع التنافي بينهما (بل) لم يصح دعواه الأخيرة من كون النهي مطلقا والأمر مشروطا فان النهي أمده إلى أن يتحقق الدخول في الخارج لا إلى الآخر والأمر يحدث بعد الدخول.

(قوله ومبغوضا ومحبوبا كذلك ... إلخ) أي فعلا وفيه عدم لزوم ذلك فان الخروج فعلا أي بعد الدخول باق على ما كان عليه من المبغوضية السابقة لاشتماله على مفسدة الغصب ولكن المولى انما يأمر به فعلا فرارا عما هو أبغض وأشد وهو البقاء في الغصب نظير أمره بأكل الميتة عند الاضطرار إليه فرارا عما هو أبغض وأشد محذورا وهو هلاك النّفس.

١٠٤

(قوله وأما القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه ... إلخ) وهو القول الرابع في المسألة وقد عرفت أنه مختار المحقق القمي رحمه‌الله وأنه نسبه إلى أبي هاشم وأكثر أفاضل متأخرينا بل وظاهر الفقهاء (وقد رد عليه المصنف) هاهنا من قبل أن يذكر دليله الّذي استدل به وكان الأولى عكس ذلك فهو من قبيل الشرح قبل المتن (وعلى كل حال) قد استدل المحقق القمي لمختاره بعبارات طويلة مضطربة غير وافية بمقصوده وقد لخصها التقريرات بعبارة مختصرة وافية (قال أعلى الله مقامه) حجة القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه هو أن المقتضى وهو إطلاق الأدلة الدالة على حرمة الغصب ووجوب التخلص موجود ولا مانع منه لأن المانع اما اجتماع الضدين أو التكليف بما لا يطاق وشيء منهما لا يصلح لذلك أما الأول فلما عرفت من إجداء تعدد الجهتين في اجتماعهما وأما الثاني فلأنه لا نسلم بطلان التكليف بما لا يطاق فيما إذا كان المكلف سببا له فان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار (انتهى) وحاصله أن الخروج من الغصب هو من صغريات مسألة الاجتماع وقد اخترنا فيها الجواز فالخروج بعنوان أنه غصب حرام وبعنوان أنه تخلص واجب والمندوحة وان اعتبرناها هناك حذرا عن لزوم التكليف بما لا يطاق ولكنها لا تعتبر في المقام لكون الانحصار بسوء الاختيار والامتناع بالاختيار مما لا ينافى الاختيار.

(نعم) المحقق المذكور لم يصرح في كلامه بلفظ أن الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار ولكنه قد أفاد ما يؤدى ذلك عينا (قال) وأما فيما نحن فيه فانه وإن كان يلزم تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلف كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخره اختيارا وان فات استطاعته (انتهى كلامه) هذا كله

١٠٥

حاصل الاستدلال (وأما الجواب عنه) فالحق أن يقال.

(أولا) إن الخروج وإن كان غصبا ولكنه ليس تخلصا عن الغصب بل به يحصل التخلص عن الغصب فهو مقدمة له وسبب له والمحقق المذكور ممن لا يقول بوجوب المقدمة كي يجتمع في الخروج النهي النفسيّ والأمر الغيري وتوضيحه أن الخروج كما أشير قبلا في صدر البحث في ذيل التعليق على قول المصنف كما إذا لم يكن هناك توقف عليه ... إلخ مقدمة للكون في خارج الغصب وترك الكون في الغصب فان الكون في خارجه وترك الكون في داخله متلازمان في عرض واحد فإذا كان مقدمة لأحدهما كان مقدمة للآخر أيضا (ثم ان) التخلص هو عنوان وجودي منتزع عن خصوص ترك الكون في الغصب منطبق عليه انطباق عنوان الصوم على تروك خاصة وليس التخلص هو عنوان منطبق على نفس الخروج الّذي هو مقدمة له.

(وثانيا) لو سلم أن الخروج بنفسه تخلص عن الغصب فليست النسبة بين العنوانين المنطبقين على الخروج من الغصب والتخلص عموما من وجه بل عموم مطلق فان كل تخلص عن الغصب غصب ولا عكس والمحقق المذكور وإن حاول إثبات كون النسبة بينهما عموما من وجه بدعوى إمكان التخلص بوجه آخر غير الخروج الغصبي بان يحمله غير الغاصب ويخرجه من دون اختياره ولكنه ضعيف فانه مضافا إلى أن ذلك انما يتم إذا لم يكن الفضاء غصبيا وإلا فخروجه محمولا على الغير أيضا غصب أن مفروض البحث هو انحصار التخلص عن الغصب بالخروج الغصبي المحرم لا بغيره مما ليس بغصب.

(وثالثا) لو سلم كون الخروج ذات عنوانين بينهما عموم من وجه فنحن قد أثبتنا الامتناع في مسألة الاجتماع ومعه لا يكاد يبقى مجال لدعوى الجواز أصلا.

١٠٦

(ورابعا) لو سلم الجواز في مسألة الاجتماع ففي المقام لا نقول به لانتفاء المندوحة فانها كما تقدم قبلا وإن لم تعتبر هي فيما هو المهم المبحوث عنه من استحالة الاجتماع وعدمها استنادا إلى وحده المتعلق أو تعدده ولكن قد قلنا أنه على الجواز وفعلية كلا الحكمين لا بد من وجود المندوحة وتمكن المكلف من التفكيك بين التكليفين في مقام الامتثال كي لا يلزم التكليف بالمحال أي بغير المقدور (وأما ما قيل) من أن الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار (فهو كلام) في قبال الأشاعرة المدعين لكون الأفعال غير اختيارية نظرا إلى أن الشيء ما لم يجب من ناحية العلة لم يوجد فإذا وجب خرج عن تحت الاختيار فيقال لهم إن خروج الشيء عن تحت الاختيار بإيجاد العلة له هو مما لا ينافى الاختيار من جهة انتهائه بالأخرة إلى ما بالاختيار وليس المقصود من ذلك أن الشيء بعد أن امتنع ولو بسوء الاختيار صح أن يتعلق به التكليف فعلا فانه غير معقول (وأما حكم الفقهاء) بوجوب الحج على من زالت استطاعته فهو في صورة بقاء القدرة العقلية عليه بان تمكن من الحج متسكعا لا مطلقا حتى مع زوال القدرة العقلية رأسا (ثم ان) جميع ما تقدم من أول بحث الخروج إلى هنا كان تفصيل الكلام في قول التقريرات وقول الفصول وقول المحقق القمي وقول المصنف وبقي في المقام قول واحد وهو القول الأول في المسألة من كون الخروج منهيا عنه كما في السابق مع عدم كونه مأمورا به (وقد احتج) القائل به على ما في التقريرات بأنه تصرف في ملك الغير وهو غصب عند عدم الاذن وهو منهي عنه وبان الواجب هو عدم التصرف والخروج انما هو مقدمة له فهي ليست بواجبة.

(أقول) وضعف هذا القول يظهر من جميع ما تقدم إلى هنا فانه مع حدوث الاضطرار إلى الخروج ولو كان بسوء الاختيار لا يكاد يعقل بقاء

١٠٧

النهي على حاله وأما دعوى عدم كون المقدمة واجبة فقد عرفت ضعفها في بحث المقدمة بما لا مزيد عليه فلا نعيد.

(قوله ففيه مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع ... إلخ) إشارة إلى الجواب الثالث من الأجوبة المتقدمة.

(قوله فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه سببا للتخلص ... إلخ) إشارة إلى الجواب الأول من الأجوبة المتقدمة وليس في كلام المصنف من الجواب الثاني عين ولا أثر.

(قوله عن ترك الحرام المسبب عن الخروج ... إلخ) المصنف بمقتضى قوله هذا يعترف ويصرح بان الخروج سبب ومقدمة لترك الكون في الغصب ولكن سبق منه تعليقة على قوله المتقدم في صدر البحث كما إذا لم يكن هناك توقف عليه ... إلخ قد أنكر فيها مقدمية الخروج لترك الكون في الغصب وإنما هو مقدمة للكون في خارج الغصب ونحن قد ضعفناه بان الكون في خارج الغصب وترك الكون في داخله متلازمان في عرض واحد فإذا كان مقدمة لأحدهما كان مقدمة للآخر أيضا وهاهنا أيضا له تعليقة على قوله هذا يكرر فيها كلامه المتقدم في تعليقته السابقة ولكنك بعد ما عرفت منا ضعفه جدا فلا يكاد ينفعه التكرار ولو كان مرارا عديدة.

(قوله أن الاجتماع هاهنا لو سلم أنه لا يكون بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد كان محالا لأجل كونه طلب المحال حيث لا مندوحة هنا ... إلخ) هذا شروع في الجواب الرابع من الأجوبة المتقدمة وقد عرفت أنه أبسطها وأقواها.

(قوله وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ... إلخ) فانه بعد ما ثبت الامتناع عقلا وجب تقييد أحد الحكمين لا محالة فان قلنا

١٠٨

بالتعارض وجب إخراج المجمع عن تحت أحد الحكمين رأسا فيكون بمنزلة التخصيص العرفي كما في العام والخاصّ وان قلنا بالتزاحم كما اخترنا ذلك وتقدم شرحه وجب إسقاط أحد الحكمين عن التنجز فقط فيكون التخصيص عقليا ناشئا عن تقديم أحد الحكمين بإحدى مرجحات باب التزاحم وسيأتي تصريح المصنف بان وزان التخصيص في المقام وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فانتظر يسيرا.

في ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي

(قوله ثم لا يخفى انه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ... إلخ) هذا شروع في ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي إذا توسطها بسوء الاختيار ولكن قد ذكر المصنف في المقام فروعا عديدة تظهر الثمرة في الفرع الثالث منها والظاهر أن المراد من قوله مطلقا أنه تصح الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع على كل حال من غير فرق بين كونها مع الاضطرار إلى الغصب أم لا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار أم بغير سوء الاختيار كانت الصلاة في حال الخروج أو في حال الدخول أو في حال البقاء ففي جميع هذه الصور كلها تصح الصلاة في الغصب على القول بجواز الاجتماع وتعدد المتعلق وعدم سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر وان كان المصلى آثما في بعض الصور.

(أقول) أما صحة الصلاة في المغصوبة على القول بالاجتماع لا مع الاضطرار إلى الغصب فواضح (وأما مع الاضطرار بسوء الاختيار) فلان المجوز وإن اعتبر المندوحة في فعلية الحكمين ولا مندوحة في هذا الفرض

١٠٩

ولكن صرح المحقق القمي في محكي كلامه المتقدم بعدم بطلان التكليف بما لا يطاق إذا كان المكلف هو السبب لتوجهه إليه مستدلا بان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار (وأما إذا كان الاضطرار لا بسوء الاختيار) فلا محالة يلتزم بسقوط النهي حينئذ وبقاء الأمر فتصح العبادة قهرا.

(قوله وأما على القول بالامتناع فكذلك مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار ... إلخ) نعم تصح الصلاة في الغصب مع الاضطرار إليه لا بسوء الاختيار لكن على نحو لا تستلزم تصرفا زائدا كما أشير قبلا (وعليه) فلا يركع ولا يسجد إلا بالإيماء ومنه يظهر عدم جواز البدار حينئذ إلا مع اليأس عن طرو الاختيار والله العالم.

(قوله أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج على القول بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه ... إلخ) هذا هو الفرع الثالث الّذي تظهر فيه ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي فبعد القول بالامتناع والاضطرار إلى الغصب بسوء الاختيار (ان قلنا) أن الخروج مأمور به بدون أن يجري عليه حكم المعصية كما اختاره التقريرات فتصح الصلاة حينئذ في حال الخروج وإلّا فلا تصح سواء قلنا بكون الخروج منهيا عنه فعلا كما في السابق أو قلنا بكونه مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه أو لا منهيا عنه فعلا ولا مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه (وقد أشار التقريرات) إلى هذه الثمرة فقال (ما لفظه) والأقوى كونه يعنى الخروج مأمورا به فقط ولا يكون منهيا عنه (إلى أن قال) ولعله ظاهر الفقهاء حيث حكموا بصحة الصلاة في حال الخروج (انتهى) فاستكشف رحمه‌الله من حكمهم بصحة الصلاة في حال الخروج كون الخروج مأمورا به عندهم من دون إجراء حكم المعصية عليه.

(أقول) لا إشكال في صحة الصلاة المندوبة في حال الخروج على هذا

١١٠

القول نظرا إلى كفاية الإيماء فيها في حال المشي بدلا عن الركوع والسجود حتى في حال الاختيار ولا يعتبر فيها الاستقرار ولا الاستقبال (وأما الصلاة الفريضة) فلا بد من فرض ضيق الوقت فيها على نحو لا يتمكن من إيقاع الصلاة في خارج الغصب مع الركوع والسجود والاستقرار والاستقبال وإلّا فلا تصح وإذا فرض ضيق الوقت بالنسبة إلى الفريضة حتى جاز الإتيان بها في حال الخروج موميا الركوع والسجود بلا رعاية للاستقرار والاستقبال فلا فرق حينئذ بين القول بإجراء حكم المعصية عليه أم لا وذلك لما عرفت منا في صدر البحث من أنه إذا اضطر إلى الصلاة في الغصب صحت الصلاة فيه إذا لم تستلزم تصرفا زائدا بل هي مأمورة بها ولو كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار واستحق عليها العقاب بعدا فراجع.

(قوله أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت أما مع الحسنة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه ... إلخ) عطف على قوله مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار والمعنى هكذا وأما على القول بالامتناع فكذلك لا إشكال في صحة الصلاة في الدار المغصوبة مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي لكن في ضيق الوقت وأما مع السعة والتمكن من إتيان الصلاة في غير الغصب فصحتها مبتنية على عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاصّ وإلّا فلا تصح نظرا إلى أن الأمر في الصورة المفروضة يتعلق بالصلاة في خارج الغصب لخلوها عن المنقصة والصلاة في الغصب مما يضادها ويعاندها بناء على أنه لا يبقى مع أحدهما مجال للأخرى كما صرح في المتن فتقع الصلاة في الغصب منهية عنها فتفسد.

(أقول) إذا فرض عدم تعلق الأمر بالصلاة في الغصب مع غلبة ملاك

١١١

الأمر الا مع الضيق دون السعة فالأمر المتعلق بالصلاة في خارج الغصب عند السعة أمر موسع والأمر الموسع على القول بالاقتضاء لا يقتضى إلّا النهي الموسع والنهي الموسع مما لا يوجب الفساد كما تقدم تحقيقه في صدر مسألة الضد ما لم يتضيق الأمر فيقتضى النهي المضيق فيوجب الفساد.

(قوله فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة ... إلخ) تفريع على عدم الاقتضاء أي وعليه فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة مع غلبة ملاك الأمر على النهي كما هو المفروض في الفرع الأخير فلا تغفل.

(قوله وان لم تكن مأمورا بها ... إلخ) بل وتكون مأمورة بها أيضا على القول بالترتب كما هو الأصح على ما حققناه.

(قوله الأمر الثاني قد مر في بعض المقدمات أنه لا تعارض بين مثل خطاب صل ولا تغصب على الامتناع ... إلخ) قد مر ذلك في الأمر الثامن حيث قال فيه أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلّا إذا كان في كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا حتى في مورد التصادق والاجتماع (إلى أن قال) وأما إذا لم يكن المتعلقين مناط كذلك فلا يكون من هذا الباب (إلى أن قال) فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني (إلى أن قال) وإلّا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات ... إلخ (ثم ان المقصود) من صدر هذا التنبيه كما تقدم في الأمر الثامن هو بيان أنه إذا أحرز المناطات في المجمع وكان على الامتناع من صغريات باب التزاحم فكيف يصنع به وما حكم

١١٢

التزاحم بين المقتضيين وقد عبرنا نحن عن ذلك فيما تقدم بالمقام الثالث واستقصينا الكلام فيه بقدر الحاجة فتذكر ولا نعيد.

(قوله ثم لا يخفى ان ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأسا ... إلخ) رد على التقريرات على ما يظهر من الفوائد (قال في التقريرات) وأما الترجيح بحسب الدلالة فقيل أنه مرعي في المقام حيث أنه يحكم بتقديم النهي في مورد الاجتماع لأن دلالة الأمر على مطلوبية محل الاجتماع بالإطلاق ودلالة النهي على مبغوضيته بالعموم ولا شك أن العام أظهر من المطلق في استيعابه لافراده ويمكن أن يقال إن ملاحظة الترجيح في الدلالة يوجب المصير إلى أن مورد الاجتماع خارج عن المطلوب بجميع أحواله وأطواره وهو يوجب فساد المورد بواسطة ارتفاع المطلوبية والأمر ولو حال الغفلة عن الحرمة وقد عرفت أن المانعين لا يلتزمون به (انتهى) فيقول المصنف إن ترجيح أحد الدليلين في المسألة مما لا يوجب خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا كما هو مقتضى التقييد والتخصيص بل يوجب خروجه عن تحت فعلية الآخر وتنجزه مع محفوظية مرتبة الإنشاء وإحراز الملاك فيه بوسيلتها وعليه فإذا وقعت الصلاة في الغصب لاضطرار أو جهل أو نسيان وقد زال النهي عن التنجز والتأثير في البطلان أثر لا محالة ملاك الأمر الموجود فيها في الصحة ولا تفسد.

(أقول) نعم ترجيح أحد الدليلين في المسألة مما لا يوجب خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا كما ذكر المصنف ولكن هذا إذا كان ترجيحه بمرجحات باب التزاحم لا ترجيحه بأقوائية الدلالة كما هو مقصود التقريرات وإلّا فالترجيح بها مما يوجب لا محالة خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا

١١٣

فلا يبقى وجه للصحة في حال الغفلة عن الحرمة أصلا فاللازم في قبال الكلام المذكور للتقريرات هو منع الصغرى وعدم تسليم كون أحد الدليلين في المسألة أقوى دلالة كما سيأتي بل منع كون المسألة من باب التعارض كي تصل النوبة إلى الترجيح الدلالي بل هي من باب التزاحم كما عرفت تفصيله في الأمر الثامن لا منع الكبرى أي منع كون ترجيح أحد الدليلين في الدلالة موجبا لخروج المجمع عن تحت الآخر رأسا فافهم جيدا.

(قوله بل قضيته ليس إلا خروجه فيما كان الحكم الّذي هو مفاد الآخر فعليا ... إلخ) كان الصحيح أن يقول بل قضيته ليس إلا خروجه عن فعلية الحكم الّذي هو مفاد الآخر.

(قوله أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا ... إلخ) فان الصلاة في هذا الفرض صحيحة أيضا لعدم فعلية النهي وتنجزه كي يمنع عن الصحة وينافى القربة ولكن تقدم منا في المقام الثاني من المقامات المتقدمة في الأمر الثامن أن الدليلين دائما بصدد الحكم الفعلي فلا معنى لكون أحدهما بصدد الحكم الاقتضائي فضلا عن أن يكون كلاهما كذلك.

(قوله كما هو الحال فيما إذا كان الخطابات من أول الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا ... إلخ) أي كما هو الحال من حيث الإشكال في صحة الصلاة لا من حيث فساد الإشكال فلا تشتبه.

(قوله وذلك لثبوت المقتضى في هذا الباب ... إلخ) علة لفساد الإشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما.

(قوله كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي ... إلخ) بل ولو كانا متكفلين للحكم الفعلي فانه قد وفق بين الفعليين في الأمر التاسع بحملهما على الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر وإلا فخصوص الظاهر

١١٤

وقد عامل معهما في المقام معاملة المتزاحمين حيث حكم بتقديم الأقوى منهما دلالة أو سندا وبطريق الإن أحرز أن مدلوله أقوى مقتضيا من الآخر.

(قوله وزان التخصيص العقلي ... إلخ) الفرق بين التخصيص العقلي والتخصيص العرفي أن التخصيص العرفي كما في العام والخاصّ هو مما ينقطع به الحكم من أصله والتخصيص العقلي كما في المتزاحمين هو مما ينقطع به الحكم عن المرتبة الفعلية والتنجز مع بقاء مرتبة الإنشاء على حالها.

(قوله المقتضى لصحة مورد الاجتماع مع الأمر أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضى للنهي له أو عن فعليته ... إلخ) (أما قوله) المقتضى لصحة مورد الاجتماع فهو صفة للتخصيص العقلي (وأما الترديد) في صحة مورد الاجتماع بين كونها مع الأمر أو بدونه فهو للإشارة إلى ما تقدم منه في الأمر العاشر من الحكم بصحة الصلاة في الغصب على الامتناع وترجيح جانب النهي إذا كانت الصلاة بلا التفات إلى الحرمة قصورا وان لم تكن امتثالا للأمر بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح (فان قلنا) بتبعية الأحكام لما هو الأقوى فالصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا عن قصور صحيحة ولا أمر لها لما فرض من تبعية الأحكام للجهة الغالبة وهي جهة النهي (وإن قلنا) بتبعيتها لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح فالصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا عن قصور صحيحة ولها الأمر لما فرض من تبعية الأحكام للجهة المؤثرة للحسن أو القبح وهي جهة الأمر التي قد أثرت فعلا في الحسن الصدوري (وأما مقصوده) من المانع عن تأثير المقتضى للنهي له فهو النسيان أو الجهل القصوري ونحوهما كالاضطرار (بقي شيء) وهو الترديد بين كون المانع مانعا عن تأثير المقتضى للنهي له أو عن فعليته وهو على الظاهر مما لا وجه له فان المانع عن

١١٥

تأثير المقتضى للنهي له ليس إلا النسيان أو الجهل قصورا أو الاضطرار وهو مما لا يرفع النهي من أصله الا فعليته وإلّا فبأي وسيلة قد أحرزنا المناط في المجمع وكان من باب التزاحم وحكمنا بصحة الصلاة في الغصب مع النسيان أو الجهل القصوري أو مع الاضطرار (مضافا) إلى أن نسيان الحكم أو الجهل به لو كان رافعا للحكم من أصله وكان النهي منوطا بالذكر والعلم لزم الدور كما لا يخفى وان لم يجر ذلك في نسيان الموضوع أو الجهل به فتفطن.

(قوله كما مر تفصيله ... إلخ) أي في الأمر العاشر كما أشير آنفا.

في مرجحات النهي على الأمر

(قوله وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها منها أنه أقوى دلالة ... إلخ) قد ذكر القائلون بالامتناع لترجيح جانب النهي على الأمر وجوها.

(منها) أنه أقوى دلالة ووجه أقوائيته في الدلالة كما يظهر من العبارة المتقدمة للتقريرات أن دلالة الأمر على وجوب مورد الاجتماع يكون بالإطلاق ودلالة النهي على حرمته يكون بالعموم والعموم أقوى دلالة من الإطلاق فيقدم عليه (وقد أورد عليه) بان عموم النهي أيضا لا يكون إلّا بوسيلة مقدمات الحكمة الجارية في المتعلق كمادة الغصب ونحوها فإذا لا فرق بين إطلاق الأمر وعموم النهي من حيث كونهما مستفادين من الحكمة لا بالوضع فلا ترجيح (وقد انتصر بعضهم) للوجه المذكور فأورد على الإيراد بما حاصله أنه لو كان العموم في النهي مستندا إلى مقدمات الحكمة لم يكن استعمال مثل لا تغصب في بعض أفراد الغصب ولو بالقرينة مجازا لعدم تمامية المقدمات حينئذ فلا يبقى موجب للتجوز وهو فاسد بل العموم فيه مستند إلى دلالة النهي عليه

١١٦

بالالتزام نظرا إلى وقوع الطبيعة في حين النهي فلا ينتهى عنها إلّا بالانتهاء عن جميع أفرادها فيكون العموم للنهي من المداليل الالتزامية وان لم تكن لفظية بل عقلية لعدم اللزوم البين بالمعنى الأخص (وفيه) أن العموم في النهي وان كان مستفادا من دلالته عليه بالالتزام كما ذكره المنتصر ولكن الاستدلال لنفي استفادته من الحكمة بما ذكره في المقام في غير محله فان الاستعمال في بعض الأفراد سواء كان بمخصص متصل أو منفصل لا يكاد يكون مجازا كما سيأتي شرحه في العام والخاصّ من غير فرق بين كون العموم مستفادا من الحكمة أو من الوضع أو من الدلالة عليه بالالتزام كما في النهي والنفي الداخلين على الطبيعة (ثم ان المصنف) قد حكم بين المورد والمنتصر بما حاصله أن دلالة النهي أو النفي على العموم مما لا شبهة فيه ولكن العموم في المقام ليس مستفادا من خصوص الحكمة فقط كما زعم المورد ولا من خصوص دلالة النهي عليه فقط بالالتزام كما زعم المنتصر بل بكليهما جميعا فبمقدمات الحكمة تتعين دائرة الغصب سعة وضيقا ثم بالنهي الداخل عليه يستوعب تمام أفراده كما هو الحال في لفظ كل رجل فاستفادة العموم منه يكون بمجموع الأمرين لا ببعضهما دون بعض ولكن قد رجع عنه أخيرا بقوله اللهم إلّا أن يقال ... إلخ كما رجع عنه في العام والخاصّ أيضا على ما سيأتي تفصيله بدعوى أن لفظ الكل أو النهي أو النفي الداخل على الجنس بنفسه كاف في الدلالة على استيعاب تمام أفراد المدخول من دون حاجة إلى مقدمات الحكمة في المتعلق (وعليه) فيكون الحق مع المنتصر من حيث كون العموم في النهي مستندا إلى مجرد الدلالة عليه بالالتزام والإطلاق في الأمر يكون مستندا إلى مقدمات الحكمة فيكون النهي أقوى دلالة فيقدم.

(أقول) لو سلم أن الحق مع المنتصر كما رجع المصنف أخيرا بان كان

١١٧

العموم في جانب النهي مستفادا من الدلالة عليه بالالتزام والإطلاق في جانب الأمر مستفادا من مقدمات الحكمة (فيرد عليه أولا) أن مجرد ذلك مما لا يوجب أقوائية الدلالة والأظهرية في جانب النهي بحسب المتفاهم العرفي بحيث لو أعطى مثل خطابي صل ولا تغصب بيد العرف عرفوا منهما أن الصلاة في الغصب داخل تحت النهي وخارج عن تحت الأمر كما هو الحال في العام والخاصّ نظير قوله صل ولا تصل في الغصب حيث يرون فيهما أن المجمع داخل تحت الخاصّ لا العام نظرا إلى أظهرية الخاصّ فيه دون العام.

(وثانيا) ان المسألة ليست من باب التعارض كي تصل النوبة إلى مرجحات هذا الباب وهي أقوائية الدلالة ثم أقوائية السند إذا تساويا في الدلالة بل من باب التزاحم فقد يقدم الأقوى فيه مناطا وإن كان أضعف دلالة أو سندا (وعليه) فالصحيح في مقام ترجيح جانب النهي على الأمر بعد القول بالامتناع وكون المجمع من باب التزاحم لا التعارض كما أثبتناه في الجهة الأولى في ذيل الأمر الثامن هو أن يقال كما تقدم شرحه في الجهة الثانية إن النهي إنما يقدم على الأمر من جهة كونه تعيينيا لا بدل له والأمر تخييريا له البدل فكل فرد من أفراد الغصب يحرم على التعيين بخلاف أفراد الصلاة فيجب على التخيير ولو عقلا ومهما وقع التزاحم بين تكليفين كذلك قدم ما لا بدل له على ما له البدل وأما الترجيح بأغلبية المناط كما تقدم من المصنف في صدر هذا التنبيه الثاني فقد عرفت منا أنه لا يكاد يكون إلا بعد تساوى الطرفين من حيث اللابدلية والبدلية كما إذا انحصر الواجب في المقام بفرد واحد لا بدل له لا الترجيح بها من الأول.

(قوله وإن كان لا يلزم مجاز أصلا لو أريد منه خاص بالقرينة ... إلخ) كما في قوله أكرم كل رجل عالم فانه لا تجوز فيه أصلا لا في لفظة كل

١١٨

لاستعمالها في استيعاب تمام أفراد المدخول أي الرّجل العالم ولا في المدخول إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول فان الرّجل قد دل عليه الطبيعة المهملة والخصوصية الموجبة للتضييق قد استفيدت من كلمة العالم.

(قوله ومنها ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة وقد أورد عليه في القوانين بأنه مطلقا ممنوع ... إلخ) هذا هو الوجه الثاني من وجوه ترجيح جانب النهي على الأمر وحاصل رد القوانين عليه أن في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا كان تعيينيا وقد أجاب عنه المصنف بما حاصله أن في ترك الواجب فوت المصلحة وهي غير درك المفسدة.

(قوله ولكن يرد عليه أن الأولوية مطلقا ممنوعة بل ربما يكون العكس أولى ... إلخ) قد أورد المصنف على هذا الوجه الثاني من وجوه شتى.

(منها) وهو أصحها أن أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة على الإطلاق ممنوعة إذ قد ينعكس الأمر فيكون منفعة أهم وجلبها أولى من دفع المفسدة.

(ومنها) أنه لو سلم إطلاق الأولوية فهي أجنبية عن المقام فانها جارية فيما إذا دار الأمر بين الواجب والحرام فان أتى بالواجب لم يترك الحرام وان ترك الحرام لم يأت بالواجب كما إذا توقف إنقاذ غريق على اجتياز أرض غصبي لا فيما إذا دار الأمر في فعل واحد بين الوجوب والحرمة كما في المجمع على الامتناع فانه يدور أمره بين رجحان جانب النهي أو الأمر (وفيه) أنه لا وجه لتخصيص القاعدة على تقدير صحتها بما إذا دار الأمر بين الواجب والحرام فان الملاك في جريانها ليس إلّا دوران الأمر بين مفسدة الحرام ومصلحة الواجب وهو بعينه موجود في مثل المجمع لما فيه من المفسدة والمصلحة جميعا بل وتجري القاعدة حتى في الفعل الّذي دار أمره ثبوتا بين كونه اما

١١٩

حراما فيه المفسدة أو واجبا فيه المصلحة فان القاعدة على القول بها كما تقدم بها الحرام على الواجب فكذلك يقدم بها احتمال الحرمة على احتمال الوجوب

(ومنها) أنه لو سلم أن القاعدة ليست أجنبية عن المقام فهي انما تجدي إذا حصل القطع بالأولوية إذ لا عبرة بالأولوية الظنية ونحوها.

(ومنها) أنه لو سلم أن القاعدة مما تجدي حتى إذا لم يحصل القطع بالأولوية وكنا مترددين في رجحان جانب النهي على الأمر لعدم القطع بالأولوية فهي انما تجري إذا لم يكن هناك مجال لجريان الأصل العملي عن الحرمة من جهة العلم الإجمالي كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين وأما المجمع الدائر أمره بين الوجوب التخييري والحرمة التعيينية فلا مانع عن جريان أصالة البراءة عن حرمته الفعلية فان الوجوب التخييري كما سيأتي في محله مما لا تجري البراءة عنه حتى مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي فيبقى الأصل العملي في جانب الحرمة بلا مانع عنه فيجري وتصح الصلاة في الغصب لوجود المقتضى فيها وفقد المانع عن التقرب بها وهو النهي الفعلي المرتفع بالبراءة وان قيل بجريان الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين وذلك لأن المانع هناك واقعي فإذا رفعنا المانع بالبراءة في الظاهر فلا يرتفع بها في الواقع على تقدير وجوده فجاز أن نقول إنه لا يقطع ببراءة الذّمّة إلّا بالاحتياط ولكن المانع في المقام على تقدير وجوده هو الحرمة الفعلية لا الحرمة الواقعية فإذا ارتفعت الفعلية بالأصل العملي فلا يبقى مانع عن الصحة أصلا (وفيه) ما سيأتي من المنع الأكيد عن عدم جريان البراءة عن الوجوب التخييري وذلك لما ستعرف من جريان بعض أدلتها عنه وان لم يجر كلها فإذا جرى الأصل عن الوجوب التخييري عارض قهرا الأصل الجاري عن الحرمة التعيينية ولم يتم الإيراد الرابع الأخير للمصنف أصلا.

١٢٠