عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

هنا يظهر ما في دعواه الأخرى من تبعية مقام الإثبات للثبوت وتفرع الكشف على الواقع المكشوف فانه وإن كان حقا لكنه بنظر القاطع ومن حصل له الكشف ما لم ينكشف له الخلاف والخطأ لا ثبوتا وواقعا (وبالجملة) كل من الدلالة التصديقية الظنية والقطعية وإن كانت حجة يعمل بها ويعتمد عليها ما لم ينكشف الخلاف بحيث يظهر عدم اصابتها للواقع ولكن شيئا منهما مما لا يستلزم الإرادة ثبوتا وواقعا بل جاز الانفكاك بينهما عقلا.

(قوله ولذا لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة في إثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه ودلالته على الإرادة وإلّا لما كانت لكلامه هذه الدلالة ... إلخ) هذا شاهد لقوله فانه لو لا الثبوت في الواقع لما كان للإثبات والكشف والدلالة مجال وبعبارة أخرى شاهد لتبعية الدلالة التصديقية للإرادة وهو كما ترى ضعيف فان وجوب إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة ولو بأصل عقلائي في انعقاد الدلالة التصديقية لكلامه مما لا يشهد لتبعية الدلالة التصديقية للإرادة وأنه لو لا الإرادة ثبوتا لما كان للدلالة مجال إثباتا إذ من الجائز إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة وانعقاد الدلالة التصديقية لكلامه على نحو لو ألقى إلى المخاطب قد حصل له الظن أو القطع بإرادة ما هو ظاهر كلامه ومع ذلك لم يكن المتكلم مريدا له ثبوتا بل أراد غيره واقعا.

في وضع المركبات

(قوله السادس لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ... إلخ) لا إشكال في وضع المفردات بموادها شخصيا كوضع الزاء والياء والدال في لفظ زيد لشخص خاص ووضع الراء والجيم واللام في لفظ رجل لطبيعة

٤١

مخصوصة وهذا القسم من الوضع يسمى بوضع المادة وهو لا يخلو عن مسامحة فانه لدى الحقيقة وضع لمجموع المادة والهيئة (كما لا إشكال) في وضع المفردات بهيئاتها نوعيا كهيئات الأفعال وهيئات الأسامي المشتقة فان الأفعال والأسامي المشتقة كما أن لمادتها وضع شخصي وهو وضع مصادرها السيالة في جميع ما يشتق منه فكذلك لهيئاتها وضع نوعي أي في ضمن أي مادة كانت فهيئة فعل بالتحريك وضعت لقيام المبدأ بفاعل مذكر في ضمن أي مادة كانت من فعل أو ضرب أو قتل ونحو ذلك من المصادر وهكذا هيئة فاعل ومفعول بل وهكذا الأمر في هيئة بعض الأسامي الجامدة كهيئة رجيل فانها موضوعة نوعيا للتصغير أو التعظيم بل وهيئات تمام الأسامي الجامدة هيئاتها الإعرابية كهيئة زيد للفاعل وزيدا للمفعول وزيد للمضاف إليه بناء على أن للهيئات الإعرابية وضع خاص كما يظهر من المصنف (وهكذا لا إشكال) في وضع هيئات المركبات أي الجمل التركيبية نوعيا لخصوصيات النسب والإضافات كالتأكيد في الجملة الاسمية مطلقا وكالحصر في مثل إياك نعبد وإياك نستعين وكالدوام والثبوت ونحو ذلك (وأما وضع) المركبات بجملتها أي بموادها وهي مفرداتها وبهيئاتها من حيث المجموع فقد وقع فيه الخلاف وبنوا عليه أمر المجاز المركب على ما في الفصول نظرا إلى أن مثل جملة أريك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ان كان مجازا في المتردد المتحير فهو فرع وضعه لمن يقدم رجلا ويؤخر أخرى حقيقة فان المجاز فرع الوضع للمعنى الحقيقي وقد أنكر المصنف ذلك أي وضع المركبات بجملتها وهي مجموع المادة والهيئة نظرا إلى عدم الحاجة إليه لاستلزامه دلالتها على المعنى مرتين مرة بملاحظة وضع مفرداتها ومرة بملاحظة وضع نفسها.

(أقول) بل ولاستلزامه الوضع في المركبات فوق الإحصاء بل فوق ما يتناهى فان وضع المفردات وان كان مما يتناهى ولكن المركب منها مما لا

٤٢

يتناهى وأما استعمال الجملة المذكورة في المتردد الّذي ادعى أنه فرع وضعها لمعنى حقيقي آخر وهو من يقدم رجلا ويؤخر أخرى حقيقة فنجيب عنه بان الجملة لم تستعمل في المتردد كي يستلزم وضعها لمعنى حقيقي آخر بل قد أسند التقدم والتأخر فيها إلى المتردد مجازا فالتجوز في الإسناد لا في الكلمة كي يستكشف منه وضع الجملة لمعنى حقيقي آخر.

(قوله بعد وضعها بموادها ... إلخ) أي بعد وضع المفردات بموادها شخصيا وبهيئاتها نوعيا.

(قوله ومنها خصوص الهيئات المركبات ... إلخ) أي ومن الهيئات المخصوصة خصوص الهيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والإضافات

(قوله ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك ... إلخ) أي ولعل المراد من العبارات الموهمة لوضع المركبات بجملتها من موادها وهيئاتها هو وضع الهيئات أي هيئات المركبات الّذي اعترفنا به لخصوصيات النسب والإضافات لا وضع المركبات بجملتها علاوة على وضع كل من مفرداتها وهيئاتها

في علائم الحقيقة والمجاز

(قوله السابع لا يخفى أن تبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه ... إلخ) وقد ذكر المحقق القمي أول العلائم تنصيص أهل اللغة بان اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني ولكنه مبنى على حجية قول اللغوي وهي كما سيأتي في بحث الظنون الخاصة محل كلام بل منع ما لم يفد الوثوق والاطمئنان وعلى كل حال أول علائم الحقيقة حسب ذكر المصنف لها هو التبادر وهو أقواها وأشهرها والمراد من التبادر

٤٣

تبادر المعنى وانسباقه إلى الذهن من حاق اللفظ لا بمعونة القرينة ولو كانت هي كثرة الإطلاق والاستعمال أو غلبة الوجود أو الأكملية كما في الانصرافات المستندة إليها فالمعيار هو التبادر الحاقي لا الإطلاقي وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله من نفسه وبلا قرينة.

(قوله لا يقال كيف يكون علامة مع توقفه على العلم بأنه موضوع له ... إلخ) وقد أورد على التبادر من وجوه عديدة كما في الفصول أوجهها ما أشار إليه المصنف وهو الدور وتقريبه أن تبادر المعنى من اللفظ يتوقف على العلم بالمعنى الموضوع له وإلّا فكيف يتبادر وأي شيء يتبادر فلو توقف العلم بالمعنى الموضوع له على التبادر بمقتضى كونه علامة للوضع لزم الدور.

(قوله فانه يقال الموقوف عليه غير الموقوف عليه ... إلخ) هذا جواب عن الدور أي فانه يقال إن الموقوف على التبادر غير الموقوف عليه التبادر فالموقوف على التبادر هو العلم التفصيلي بالموضوع له والموقوف عليه التبادر هو العلم الإجمالي الارتكازي بالمعنى فلا دور والظاهر أن المراد من العلم الإجمالي الارتكازي في المقام هو العلم بالمعنى إجمالا من غير معرفة بأنه معنى حقيقي موضوع له أو معنى مجاري قد استعمل فيه اللفظ بالعناية فالتفصيل يعرف بالتبادر والتبادر يتوقف على العلم الإجمالي فتأمل جيدا.

(قوله هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم وأما إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة فالتغاير أوضح ... إلخ) بمعنى أن تبادر المعنى من اللفظ عند أهل المحاورة يكون علامة للحقيقة للجاهل المستعلم وعليه فالموقوف على التبادر هو علم المستعلم والموقوف عليه التبادر هو علم أهل المحاورة فلا دور (قوله ثم أن هذا فيما لو علم استناد الانسباق إلى نفس اللفظ وأما فيما احتمل استناده إلى قرينة ... إلخ) وحاصله أنه إذا علم أن تبادر المعنى مستند

٤٤

إلى حاق اللفظ أو إلى القرينة فلا كلام وأما إذا شك ولم يعلم أن تبادر المعنى هل هو مستند إلى حاق اللفظ كي يكون اللفظ حقيقة فيه أو إلى القرينة كي لا يكون حقيقة فيه فلا يجدى أصالة عدم القرينة في إحرازها كون الاستناد إلى حاق اللفظ لا إلى القرينة كما يظهر ذلك من المحقق القمي بل ومن الفصول أيضا (نعم) إذا عرف المعنى الحقيقي واستعمل اللفظ وشك في إرادته منه لاحتمال وجود القرينة الصارفة عنه فحينئذ تجري أصالة عدم القرينة ويحرز بها إرادة المعنى الحقيقي وهذا معنى قول المصنف في المتن لعدم الدليل عليها الا في إحراز المراد لا الاستناد.

(قوله ثم ان عدم صحة سلب اللفظ ... إلخ) هذه هي العلامة الثانية للحقيقة وسنذكر تفصيلها كما ينبغي.

(قوله كذلك عن معنى ... إلخ) كان الأولى تأخير كلمة كذلك من كلمة عن معنى أي ثم ان عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن إجمالا عن معنى كذلك تكون علامة كونه حقيقة فيه كالتبادر بعينه.

(قوله كما أن صحة سلبه عنه علامة كونه مجازا في الجملة والتفصيل ... إلخ) قوله في الجملة راجع إلى كل من عدم صحة سلب اللفظ وصحة سلب اللفظ وذلك بقرينة ما سيأتي من التفصيل (وحاصل) تفصيله أن عدم صحة سلب اللفظ عن معنى وصحة حمله عليه بالحمل الأولى الذاتي الّذي ملاكه الاتحاد المفهومي كما في قولك الإنسان بشر علامة كون الموضوع هو معنى المحمول وعدم صحة سلبه عنه وصحة حمله عليه بالحمل الشائع الصناعي الّذي ملاكه الاتحاد الوجوديّ كما في قولك زيد ضاحك علامة كون الموضوع من مصاديق المحمول ومن أفراده الحقيقة هذا في عدم صحة السلب (وأما) صحة السلب كصحة سلب الأسد عن الرّجل الشجاع فهو علامة عدم كون المسلوب عنه من مصاديق المسلوب ومن

٤٥

أفراده الحقيقية غايته أنه ان قلنا بمقالة السكاكي في الاستعارات فاستعمال المسلوب في المسلوب عنه يكون من باب الحقيقة الادعائية وإلّا فهو من باب المجاز في الكلمة والظاهر أن حاصل كلام السكاكي في مثل قولك رأيت أسدا يرمي مع كون الرامي رجلا شجاعا لا حيوانا مفترسا أن لفظ الأسد لم يستعمل في الرّجل الشجاع كي يكون ذلك تصرفا في اللغة بلحاظ كونه استعمالا له في غير الموضوع له بل نزل الرّجل الشجاع أولا منزلة الأسد بدعوى أنه هو بعينه ثم استعمل اللفظ فيه فيكون ذلك تصرفا في أمر عقلي واستعمالا للفظ في المعنى الحقيقي الادعائي لا في المعنى المجازي كما هو المشهور.

(أقول) الحمل الأولى الذاتي على قسمين فتارة يكون الموضوع والمحمول فيه متحدين مفهوما وماهية كما في الإنسان بشر وأخرى يكون الموضوع والمحمول فيه متحدين ماهية لا مفهوما كما في الإنسان حيوان ناطق فانهما متحدان بحسب الماهية دون المفهوم كيف ومفهوم الإنسان بسيط ومفهوم الحيوان الناطق مركب وعليه فملاك الحمل الأولى الذاتي هو الاتحاد الماهوي لا المفهومي وحينئذ فالحمل الأولى الذاتي مطلقا يكون علامة لاتحاد الموضوع والمحمول ماهية لا لكون المحمول حقيقة في الموضوع بحيث كان هذا لفظا وذاك معناه فان هذا لا يكون إلّا في القسم الأول من الحمل الأولى الذاتي وهو حمل أحد المترادفين على الآخر كما في الإنسان بشر بل صح أن يقال أن الحمل الأولى الذاتي مطلقا سواء كان من القسم الأول أو الثاني مما لا يصلح لأن يكون علامة لشيء أصلا حتى لاتحاد الماهوي فضلا عن الاتحاد المفهومي وذلك لأن العلم بكون الحمل أوليا ذاتيا مما يتوقف على العلم بكون الموضوع والمحمول متحدين بحسب الماهية أو بحسب المفهوم والماهية فلو كان العلم باتحادهما ماهية أو مفهوما وماهية مما يتوقف على العلم بالحمل الأولى الذاتي

٤٦

لدار (ودعوى) التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالإجمال والتفصيل مما لا تنفع المقام فان العلم بكون الحمل أوليا ذاتيا مما يتوقف على العلم التفصيلي باتحاد الموضوع والمحمول بحسب الماهية أو بحسب المفهوم والماهية لا على العلم الإجماليّ الارتكازي هذا كله في الحمل الأولى الذاتي (وأما الحمل) الشائع الصناعي فتارة يكون الموضوع فردا والمحمول كليا كما في زيد ضاحك وأخرى يكون الموضوع كليا أخص من المحمول كما في الزنجي ضاحك وثالثة يكون كليا مساويا مع المحمول كما في الإنسان ضاحك ولا رابع للاقسام فضلا عن الخامس لعدم جواز حمل الأخص على الأعم وعليه فخصوص القسم الأول من الحمل الشائع يكون علامة لكون الموضوع من مصاديق المحمول ومن أفراده الحقيقية كما ذكر المصنف بخلاف القسم الثاني والثالث ومن هنا تفطن في تعليقته على الكتاب (فقال) معلقا على قوله وأفراده الحقيقية ما هذا لفظه فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا لا فيما إذا كانا كليين متساويين أو غيرهما كما لا يخفى (انتهى) نعم في القسم الثاني يكون الحمل علامة لكون الموضوع من أصناف المحمول ومن أقسامه الحقيقية كما أنه في القسم الثالث يكون الحمل علامة لاتحاد الموضوع مع المحمول وجودا وخارجا (وبالجملة) ان الجاهل المستعلم منهما رأى أنه صح حمل شيء على شيء بلا عناية ولا رعاية علاقة فيمكنه أن يعرف بذلك أحد أمور ثلاثة فان كان الموضوع فردا فيعرف منه أنه من مصاديق المحمول ومن أفراده الحقيقية وإن كان كليا أخص فيعرف منه أنه من أصنافه ومن أقسامه الحقيقية وإن كان كليا مساويا مع المحمول فيعرف منه أن الموضوع متحد مع المحمول وجودا وخارجا.

(قوله بنحو من أنحاء الاتحاد ... إلخ) كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور أو الإيجاد على ما سيأتي تفصيله في المشتق ففي مثل العالم يكون

٤٧

الاتحاد بين الذات والمبدأ حلوليا وفي مثل الحادث والسابق واللاحق يكون انتزاعيا بمعنى كون المبدأ منتزعا عن الذات ومتحدا معها نحو اتحاد وفي مثل الضارب والقاتل ونحوهما يكون صدوريا وفي مثل المتكلم يكون إيجاديا (هذا) ولكن الظاهر أن أنحاء الاتحاد في باب المشتق إنما يكون بين المبدأ والذات لا بين المحمول والموضوع كما في المقام فان الاتحاد بينهما ليس الأعلى نحو واحد دائما وهو الاتحاد الوجوديّ الخارجي ففي كل من زيد عالم أو حادث أو ضارب أو متكلم يكون المحمول متحدا مع الموضوع وجودا وخارجا لا حلولا أو انتزاعا أو صدورا أو إيجادا وعليه فكان الأولى ترك قوله بنحو من أنحاء الاتحاد وأن يقتصر على ذكره في باب المشتق فقط.

(قوله ثم إنه قد ذكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا ... إلخ) هذه هي العلامة الثالثة للحقيقة والمجاز وحاصل كلام المصنف فيها أن ما ذكروه من كون الاطراد علامة للحقيقة وعدم الاطراد علامة للمجاز لعله يكون بملاحظة نوع العلائق فمثلا استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس مطرد وفي نوع المشابه له غير مطرد بمعنى أنه قد يستعمل كما في الرّجل الشجاع وقد لا يستعمل كما في الرّجل الأبخر مع كون كل منهما مشابها له وهكذا اسناد السؤال إلى ذوي العقول فهو مطرد وإلى نوع المحل والمقر لهم غير مطرد فقد يسند إليه كما في واسأل القرية وقد لا يسند إليه كما في واسأل البساط مع كون كل من القرية والبساط محلا لذوي العقول ومقرا لهم وأما إذا كان بملاحظة الصنف الخاصّ من العلاقة الّذي صح معه الاستعمال كالشجاعة من بين أصناف الشباهة أو المسكن من بين أصناف المحل والمقر فاستعمال اللفظ في المعنى المجازي مطرد كالحقيقة فكما أن استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس مطرد فكذلك استعماله في الرّجل الشجاع بل في كل شجاع مطرد وهكذا الأمر في

٤٨

اسناد السؤال فكما أن إسناده إلى ذوي العقول مطرد فكذلك إسناده إلى كل مسكن لهم مطرد فيقال واسأل القرية واسأل المحلة واسأل الدار وهكذا فإذا لم يكن الاطراد من خصائص الحقيقة بل كان مشتركا بين الحقيقة والمجاز بان كان موجودا في كل منهما فلا يكون الاطراد علامة للحقيقة ولا عدم الاطراد علامة للمجاز بل يكون عدم الاطراد علامة لعدم جواز الاستعمال رأسا لا حقيقة ولا مجازا فيكون غلطا مستهجنا كما في قولك واسأل البساط أو هذا أسد مشيرا إلى الرّجل الأبخر.

(قوله وزيادة قيد من غير تأويل أو على وجه الحقيقة ... إلخ) هذه الزيادة من صاحب الفصول فيقول المصنف واعترف به صاحب الفصول أيضا أخيرا أن زيادة هذا القيد مما لا يجدى فانها وإن كانت توجب اختصاص الاطراد مع القيد المذكور بالحقيقة إلا أنه حينئذ لا يكون علامة للحقيقة فان الاطراد من غير تأويل أو على وجه الحقيقة مما يتوقف على العلم بالمعنى الحقيقي فلو توقف العلم بالمعنى الحقيقي على الاطراد كذلك بمقتضى كونه علامة للوضع لدار ولا يمكن التفصي عن الدور في المقام مما تقدم من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالإجمال والتفصيل إذ من المعلوم أن الاطراد من غير تأويل أو على وجه الحقيقة مما يتوقف على العلم التفصيلي بأنه معنى حقيقي موضوع له وأن الاستعمال فيه يكون بلا تأويل وعلى وجه الحقيقة لا على العلم الإجمالي الارتكازي.

في تعارض الأحوال

(قوله الثامن أنه اللفظ أحوال خمسة وهي التجوز والاشتراك

٤٩

والتخصيص والنقل والإضمار ... إلخ) هاهنا مقامات ثلاثة من الكلام ينبغي الإشارة إلى كل منها مختصرا فنقول :

(المقام الأول) إذا استعمل اللفظ في معنى ولم يعلم وضعه له (فهل يحكم) بمجرد استعماله فيه كونه حقيقة فيه كما نسب ذلك إلى السيد نظرا إلى ظهور الاستعمال فيه (أو يحكم) بكونه مجازا فيه كما نسب ذلك إلى بعض المتأخرين نظرا إلى أن أغلب لغة العرب مجازات والظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب (أو يفصل) بين ما إذا كان المعنى المستعمل فيه واحدا فيحكم بكونه حقيقة فيه نظرا إلى أن المجاز مستلزم للحقيقة فلا يمكن القول بمجازيته وبين ما كان متعددا فيحكم بكونه حقيقة في أحد المعاني ومجازا في البقية نظرا إلى كون المجاز خيرا من الاشتراك والتمييز بين المعنى الحقيقي وما عداه بأمارات الحقيقة والمجاز (أو يتوقف) مطلقا نظرا إلى كون الاستعمال أعم من الحقيقة وجوه أظهرها وأشهرها الأخير.

(المقام الثاني) إذا علم المعنى الحقيقي وهكذا المعنى المجازي على التفصيل والدقة واستعمل اللفظ ودار الأمر بين إرادة المعنى الحقيقي وبين إرادة المعنى المجازي فلا يصار إلى المعنى المجازي إلّا بدليل خاص أي بقرينة صارفة عن المعنى الحقيقي وذلك لأصالة الحقيقة المعمولة بها عند الشك والترديد بين إرادة المعنى الحقيقي والمجازي (وهكذا) إذا دار الأمر بين إرادة المعنى الحقيقي المعلوم وبين الاشتراك اللفظي بان احتمل وضع اللفظ لمعنى آخر قد أريد منه هنا فلا يعتنى بهذا الاحتمال وذلك لأصالة عدم الاشتراك (وهكذا) إذا دار الأمر بين المعنى الحقيقي وبين التخصيص أو التقييد فيؤخذ بالمعنى الحقيقي ولا يعتنى باحتمال التخصيص أو التقييد وذلك لأصالة العموم أو الإطلاق وان لم يكن التخصيص أو التقييد مجازا كما سيأتي في محله (وهكذا) إذا دار الأمر

٥٠

بين المعنى الحقيقي وبين النقل بان احتمل نقل اللفظ عن المعنى الحقيقي الّذي نعلمه بالتفصيل إلى معنى آخر لا نعلمه وأنه قد أريد منه هنا فلا يعتنى باحتمال النقل ويؤخذ بالمعنى الحقيقي المعلوم بالتفصيل وذلك لأصالة عدم النقل (وهكذا) إذا دار الأمر بين المعنى الحقيقي وبين الإضمار كما في قوله طاب زيد فيحتمل أن يكون المراد هو نفس زيد ويحتمل الإضمار وأن يكون المراد طاب أخلاق زيد فيؤخذ بالأول دون الثاني لأصالة عدم الإضمار (ثم أن) مرجع تمام هذه الأصول اللفظية من أصالة الحقيقة وأصالة عدم الاشتراك وأصالة العموم أو الإطلاق وأصالة عدم النقل وأصالة عدم الإضمار إلى أصل واحد وهو أصالة الظهور فيكون هو الأصل الأصيل المعتبر عند العرف والعقلاء فيعتمدون عليه من باب العمل بظاهر الكلام الّذي سيأتي حجيته في الظنون الخاصة إن شاء الله تعالى.

(المقام الثالث) إذا دار الأمر بين أحد الأحوال الخمسة للفظ المخالفة كلها للأصل وبين بعضها الآخر كما إذا دار الأمر بين المجاز والاشتراك أو بين الاشتراك والنقل أو بين التخصيص والإضمار إلى غير ذلك من الصور فالأصوليون قد ذكروا لترجيح بعض الأحوال على الآخر أمورا (مثل) كون المجاز خيرا من الاشتراك لكثرته وأوسعيته في العبارة وكونه أفيد لأنه لا توقف فيه أبدا أو كون الاشتراك خيرا من المجاز حيث أنه أبعد من الخطأ إذ مع عدم القرينة يتوقف بخلاف المجاز فيحمل على الحقيقة ولعلها غير مرادة في نفس الأمر (ومثل) كون الاشتراك خيرا من النقل لأن النقل يقتضى الوضع في المعنيين مع نسخ الوضع الأول بخلاف الاشتراك أو كون النقل خيرا من الاشتراك لأن مفاسد النقل أقل من مفاسد الاشتراك لأن المنقول محمول على المعنى الثاني إذا كان مجردا عن القرينة بخلاف المشترك فانه إذا تجرد

٥١

عنها كان محملا فيكون فائدة النقل أكثر (ومثل) كون التخصيص خيرا من الإضمار لكونه خيرا من المجاز المساوي للإضمار أو لكونه أغلب فيقدم على الإضمار إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في ساير الصور إلّا أن الكل كما يقول المصنف أمور استحسانية لا اعتبار بها فلا يمكن التعويل عليها في تشخيص المراد من اللفظ اللهم إلّا إذا صارت موجبة لظهور اللفظ في أحد طرفي الاحتمال فعند ذلك يؤخذ بالطرف الراجح لأجل ظهور اللفظ فيه ولحجية الظهور عند العرف والعقلاء والشارع قد أمضاه كما سيأتي في الظنون الخاصة لا لتلك المزايا والوجوه الاستحسانية (ثم أن المصنف) لم يؤشر في هذا الأمر الثاني إلى المقام الأول من الكلام غير أنه في طي جملة من المباحث الآتية يؤشر إليه ويقول إن الاستعمال أعم من الحقيقة يعنى به هذا المقام الأول من الكلام الّذي فيه نزاع معروف بين السيد والمشهور وقد أشار إلى المقام الثاني بقوله لا يكاد يصار إلى أحدها فيما إذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي ... إلخ كما أنه قد أشار إلى المقام الثالث بقوله وأما إذا دار الأمر بينها ... إلخ.

في الحقيقة الشرعية

(قوله التاسع انه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه ... إلخ) بمعنى أن ألفاظ العبادات كالصلاة والزكاة والحج ونحوها وهكذا بعض ألفاظ المعاملات كالطهارة والنجاسة والفسق والعدالة والخلع والمباراة ونحو ذلك هل هي صارت حقائق في المعاني المذكورة في لسان الشارع أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كي تحمل عليها إذا وقعت في كلامه مجردا عن كل قرينة أم لا فلا

٥٢

يحمل عليها إلّا بالقرينة.

(قوله على أقوال ... إلخ) فأثبتها قوم ونفاها آخرون وفصل ثالث بين الألفاظ المتداولة وغيرها فقال بها في الأول دون الثاني ورابع بين العبادات والمعاملات فنفاها في الثاني وأثبتها في الأول بعد تسالم الباقين ظاهرا على ثبوت الحقيقة المتشرعة أي في لسان المتشرعين في الجملة وان اختلفوا في زمان تحققها من زمان الشارع إلى زمان الصادقين عليهما‌السلام نعم نسب إلى الباقلاني كما سيأتي في الصحيح والأعم أن تلك المعاني أمور لغوية قديمة قد أضاف إليها الشارع أجزاء وشرائط وعليه فتلك الألفاظ في تلك المعاني حقائق لغوية لا شرعية ولا متشرعة.

(قوله لا بأس بتمهيد مقال وهو أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له ... إلخ) وحاصله ان الوضع كما يحصل بتصريح الواضع بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له بان يجعل الحاكي عن المعنى والدال عليه نفس اللفظ لا القرينة وإن كان لا بد في المقام من نصب قرينة لكن للدلالة على الاستعمال في غير ما وضع له كما إذا وضع له لا على إرادة المعنى كما في المجاز هذا حاصل ما أفاده المصنف (وفيه) أن القرينة في المجاز أيضا لا تكون حاكية عن المعنى ولا دالة عليه بل الحاكي عنه والدال عليه هو نفس اللفظ غايته أن القرينة تدل على أن اللفظ قد أريد منه ذاك المعنى المجازي لا الآخر الحقيقي وليست هي بنفسها مما تدل على المعنى وتحكى عنه ولعله لذلك قال قدس‌سره كما سيأتي (فافهم) فالأولى في مقام الفرق بين القرينتين أن يقال إن القرينة في ساير المقامات تدل على أن اللفظ قد استعمل في غير ما وضع له تجوزا وفي المقام تدل على استعماله فيه بقصد حصول الوضع به لا تجوزا

٥٣

(ودعوى) أن الاستعمال حينئذ لا يكون بحقيقة ولا مجاز لعدم كون المعنى موضوعا له في السابق كي يكون حقيقة ولا المستعمل قد راعى العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي الأول كي يكون مجازا إذ المفروض أنه استعمله فيه قاصدا به الوضع لا على نحو التجوز (غير ضائرة) بعد ما عرفت في الأمر الثالث من أن صحة استعمال اللفظ في غير ما وضع له هو بالطبع لا بالوضع النوعيّ كما في المجازاة طرا.

(قوله فافهم ... إلخ) قد أشرنا آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله وقد عرفت سابقا ... إلخ) أي قد عرفت في الأمر الرابع بل وأشير في آخر الأمر الثالث أيضا أن استعمال اللفظ في النوع أو الصنف أو المثل ليس بحقيقة ولا مجاز إذ لم يوضع له اللفظ لا شخصا كي يكون حقيقة فيه ولا نوعا كي يكون مجازا فيه وإلّا لزم كون المهملات موضوعة لذلك وهو باطل جدا نعم لم يسبق التصريح بذلك هناك وانما هو أمر يعرف مما حققناه هناك فتفطن.

(قوله إذا عرفت هذا فدعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدا ... إلخ) بل بعيد جدا وانما القريب هو دعوى الوضع التعيني الناشئ من استعمال الشارع تلك الألفاظ في تلك المعاني مرارا عديدة إلى أن حصل الوضع فان الوضع التعييني التصريحي كما أنه بعيد من الشارع فكذلك الوضع التعييني الاستعمالي أي الحاصل باستعمال اللفظ قاصدا به حصول الوضع والحقيقة.

(قوله ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها في محاوراته ... إلخ) نعم يدل عليه التبادر لكن يدل على حصول الوضع في لسان الشارع لا على حصوله بالكيفية الخاصة التي ادعاها المصنف من الوضع التعييني الناشئ

٥٤

بالاستعمال في غير ما وضع له كما إذا وضع له بان يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة.

(قوله ويؤيد ذلك أنه ربما لا يكون علاقة معتبرة بين المعاني الشرعية واللغوية ... إلخ) ولعل وجه عدم الاستدلال به أن مجرد فقد العلائق المعتبرة في المجاز بين المعاني الشرعية واللغوية لا يكون دليلا على أن استعمال تلك الألفاظ في تلك المعاني كان بقصد الوضع وذلك لجواز كونه لا بقصد الوضع ولا بنحو التجوز بل من قبيل استعمال اللفظ في النوع أو الصنف أو المثل بعد ما عرفت أن صحة استعماله فيه انما هو بالطبع لا بالوضع الشخصي ولا بالوضع النوعيّ المعتبر في المجازاة.

(قوله ما يعتبر من علاقة الجزء والكل ... إلخ) فان علاقة الجزء والكل انما هي فيما كان الجزء مما ينتفي بانتفائه الكل فإذا كان الجزء بهذه الخصوصية فيصح استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل كالرقبة في الإنسان ومن المعلوم أن الدعاء ليس بهذه الخصوصية أي على نحو إذا انتفى الدعاء انتفت الصلاة كي يدعى أن استعمال لفظ الصلاة الموضوع للدعاء في الصلاة المشتملة عليه يكون من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل مجازا.

(قوله هذا كله بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا ... إلخ) بمعنى أن النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه وأن الشارع هل هو قد وضع تلك الألفاظ بإزاء تلك المعاني أو استعملها فيها مجازا انما يجري بناء على كون تلك المعاني مستحدثة في شرعنا وأما إذا قلنا بثبوتها في الشرائع السابقة كما دلت عليه آيات من الكتاب فتلك الألفاظ حقائق لغوية في معانيها لا شرعية (وفيه ما لا يخفى) فان النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه مما لا يبتنى على ذلك فان تلك المعاني هب أنها كانت ثابتة في الشرائع السابقة

٥٥

بمقتضى الآيات الشريفة ولكن لم تكن بهذه الألفاظ قطعا فالصلاة والزكاة والحج مثلا وإن فرض كونها ثابتة في الشرائع السابقة بمقتضى (قوله تعالى) وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (وقوله تعالى) واذن في الناس بالحج ولكنها لم تكن بهذه الألفاظ جدا بل بألفاظ أخر سريانية أو عبرانية ولفظ الصلاة والزكاة والحج في اللغة العربية كانت موضوعة لمعاني أخر وهي الدعاء والنموّ والقصد فحينئذ من الممكن أن صاحب شرعنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي نقل لفظ الصلاة والزكاة والحج من الدعاء والنموّ والقصد إلى المعاني الثابتة في الشرائع السابقة فتكون الألفاظ حقائق شرعية لا لغوية وهكذا الأمر في ساير الألفاظ من الصوم وغيره (وبالجملة) دعوى ابتناء النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على القول بكون تلك المعاني مستحدثة في شرعنا لا في الشرائع السابقة مما لا وجه له بل النزاع يجري حتى على القول بثبوتها في الشرائع السابقة فتفطن.

(قوله ثم لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال ... إلخ) أي مع احتمال كون المعاني ثابتة في الشرائع السابقة كما هو قضية غير واحد من الآيات لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقائق شرعية لكن قد عرفت منا ضعف ذلك آنفا فلا تغفل.

(قوله ومنه انقدح حال دعوى الوضع التعيني معه ... إلخ) أي ومما ذكر انقدح حال دعوى الوضع التعيني الحاصل من كثرة استعمال الشارع إلى أن يحصل الوضع مع هذا الاحتمال المتقدم.

(قوله ومع الغض عنه فالإنصاف أن منع حصوله في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة نعم حصوله في خصوص لسانه ممنوع فتأمل ... إلخ) هذا في قبال قوله المتقدم ثم لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال ...

٥٦

إلخ فيكون المعنى هكذا ان مع احتمال كون المعاني ثابتة في الشرائع السابقة لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقائق شرعية ومع الغض عن هذا الاحتمال فالإنصاف أن منع حصول الوضع في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة نعم حصوله في خصوص لسانه ممنوع.

(أقول) ويرد عليه حينئذ من وجوه :

(الأول) ان المصنف قد ادعى في صدر البحث الوضع التعييني في خصوص لسان الشارع فقال فدعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدا فقوله في المقام نعم حصوله في خصوص لسانه ممنوع يكون منافيا لما أفاده هناك.

(الثاني) ان المصنف قد ادعى الوضع التعييني الحاصل من الاستعمال في غير ما وضع له كما إذا وضع له ومن المعلوم أن هذا النحو من الوضع التعييني لا يكاد يحصل الا في لسان شخص واحد اما الشارع أو أحد تابعيه ولا معنى لدعوى حصوله في لسان الشارع ولسان تابعيه جميعا كما يظهر من قوله فالإنصاف أن منع حصوله في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة نعم لو قلنا بالوضع التعيني الحاصل من كثرة الاستعمال فهذا مما يمكن دعوى حصوله في لسان الشارع ولسان تابعية جميعا ولكن المصنف لم يقل به في المقام.

(الثالث) ان الوضع إذا حصل في لسان الشارع ولسان تابعيه جميعا فالحقيقة حينئذ ليست شرعية بل متشرعة ونحن كلامنا في الحقيقة الشرعية ولعله إلى هذه الوجوه كلا أو بعضا قد أشار أخيرا بقوله فتأمل.

(قوله وأما الثمرة ... إلخ) قد أشرنا إليها في صدر البحث بقدر الحاجة فلا نعيد الكلام فيها ثانيا.

٥٧

(قوله وأصالة تأخر الاستعمال ... إلخ) ومحصل كلام المصنف أن في أصالة تأخر الاستعمال عن الوضع فيما إذا جهل تاريخهما إشكالان.

(أحدهما) معارضتها بأصالة تأخر الوضع عن الاستعمال.

(ثانيهما) ان أصالة تأخر الاستعمال عن الوضع ان قيل باعتبارها من باب التعبد بان كانت عبارة عن استصحاب عدم الاستعمال إلى بعد الوضع فهي مما تحتاج إلى القول بالأصل المثبت كي يكون استصحاب عدم الاستعمال إلى بعد لوضع مثبتا لإرادة المعنى الشرعي الجديد لا اللغوي القديم وسيأتي في محله أن حجية الأصل المثبت محل خلاف بل منع وأن الاستصحاب مما لا يثبت به إلّا الآثار الشرعية المترتبة على نفس المستصحب بلا واسطة لا اللازم أو الملازم أو الملزوم العقلي أو العادي وان قبل ان أصالة تأخر الاستعمال بنفسها أصل عقلائي مستقل غير مربوط بالاستصحاب ليبتنى على القول بالأصل المثبت قلنا لم يثبت بناء من العقلاء على تأخر الاستعمال عند الشك في تقدمه وتأخره نعم أصالة عدم النقل أصل عقلائي مستقل ولكنها مما تجري عند الشك في أصل النقل كما تقدم في الأمر الثاني لا عند العلم الإجماليّ بأصل النقل والشك في تقدمه وتأخره.

(قوله فتأمل ... إلخ) ولعله إشارة إلى أنه إذا سلم استقرار بناء العقلاء على عدم النقل عند الشك في أصله فلا يبعد استقرار بنائهم على تأخر النقل أيضا عند العلم الإجماليّ بأصله والشك في تقدمه وتأخره وعليه فينحصر الإيراد حينئذ بالإشكال الأول وهو معارضة أصالة تأخر الاستعمال بأصالة تأخر الوضع والإشكال الثاني على تقدير القول باعتبار أصالة تأخر الاستعمال من باب التعبد وأما على التقدير الآخر فيقال ان الأصل العقلائي بالعكس هو تأخر الوضع عن الاستعمال.

٥٨

في الصحيح والأعم

(قوله العاشر أنه وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسامي لخصوص الصحيحة أو للأعم منها ... إلخ) بل يظهر من التقريرات أن الخلاف مما يعم ألفاظ المعاملات أيضا (قال) ما لفظه وهل النزاع مخصوص بألفاظ العبادات كما هو المأخوذ في العنوان أو يعم ألفاظ المعاملات ظاهر جماعة منهم الشهيدان هو الثاني وارتضاه بعض الأجلة (انتهى) والظاهر أنه يعنى ببعض الأجلة صاحب الفصول وعلى كل حال قد ذكر صاحب التقريرات في المسألة أقوالا ثلاثة (قولا) بالصحيح (وقولا) بالأعم (وقولا) بالتفصيل بين الأجزاء والشرائط فيلتزم بالصحيح في الأول وبالأعم في الثاني (قال) في صدر المسألة ما لفظه قد اختلفت إنظار أهل النّظر في ان ألفاظ العبادات هل هي أسامي للصحيح أو الأعم منه ومن الفاسد على أقوال ثالثها التفصيل بين الأجزاء والشرائط بالمصير إلى الأول في الأول وإلى الثاني في الثاني (انتهى) أقول وسيأتي من المصنف في آخر المسألة في الأمر الثالث الإشارة إلى هذا التفصيل فانتظر.

(قوله منها أنه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية وفي جريانه على القول بالعدم إشكال ... إلخ) بل حكى المنع الصريح عن غير واحد وما قيل في وجه المنع أو صح أن يقال وجوه ثلاثة.

(قال) في التقريرات لا إشكال في جريان النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعية وهل جريانه موقوف عليه فلا يجري على تقدير عدمه أو لا قولان ظاهر بعض الأفاضل هو الأول وهو المحكي عن بعض الأجلة تبعا

٥٩

لبعض أفاضل سادات المتأخرين والحق وفاقا لصريح جماعة من المحققين هو الثاني (قال) واستظهر الأول من ملاحظة العناوين فان في التعبير بالأسامي تلويحا بل تصريحا بالوضع ويؤيده أدلة الطرفين من دعوى التبادر وغيره من خواص الحقيقة والمجاز. (ثم قال) مضافا إلى عدم تعقل النزاع على تقدير عدم الوضع لأن القائل بالأعم حينئذ ان أراد صحة استعمال اللفظ في الأعم أو وقوعه مجازا فهو مما لا سبيل لإنكاره فان القائل بالصحيح يعترف في الجواب عن أدلة الأعمي بوقوعه وصحته كما أنه لا سبيل لإنكار استعمال اللفظ في الصحيح إذ لم يدع القائل به أنه على وجه الحقيقة (انتهى) أقول ومرجع هذا كله إلى وجوه ثلاثة كما أشرنا وهي التعبير في عنوان البحث بالأسامي واستدلال الطرفين بالتبادر ونحوه من علائم الوضع وعدم تعقل النزاع على القول بعدم الحقيقة الشرعية وسيأتي الجواب من نفس التقريرات عن كل من هذه الوجوه جميعا فانتظر.

(قوله وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره ... إلخ) قد عرفت آنفا ان ما قيل أو يمكن أن يقال في وجه عدم جريان النزاع على القول بعدم الحقيقة الشرعية وجوه ثلاثة (أما الأول والثاني) فقد أجاب عنهما في التقريرات (بما هذا لفظه) أقول الوجه في اختصاص العنوان بعد تسليم دلالة الاسم على الوضع أن عنوان النزاع انما هو من القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية وانما تبعهم في العنوان من لا يقول بها جريا على ما هو المعنون في كلامهم (إلى أن قال) ومنه يظهر الوجه في اختصاص الأدلة يعنى بها أدلة الطرفين من التبادر ونحوه (قال) فانها تابعة لما هو الواقع في العنوان ولم يظهر من النافي للحقيقة الشرعية مع ذهابه في المقام إلى أحد الوجهين التمسك بما ينافى ما اختاره من العدم (انتهى) (وأما الوجه الثالث) وهو عدم تعقل النزاع على القول

٦٠