عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

حرم ترك الصلاة قهرا مع كون الإنقاذ وترك الصلاة متلازمين فكيف يختلفان في الحكم فيجب أحدهما ويحرم الآخر (وفيه) ان عدم جواز اختلافهما في الحكم إنما هو في الحكمين العرضيين لا بنحو الترتب فانه في تقدير امتثال الأهم لا أمر بالمهم منجزا كي يحرم تركه كذلك ويلزم اختلاف المتلازمين في الحكمين الفعليين وفي تقدير عصيان الأهم وإن كان الأمر بالمهم منجزا ويحرم تركه كذلك ولكن لم يبق الأمر بالأهم على حاله كي يلزم اختلاف المتلازمين في الحكمين الفعليين فتأمل جيدا.

(ومنها) انه لو قيل بجواز الأمر بضدين بنحو الترتب لزم طلب الحاصل المحال في ضدين لا ثالث لهما كالحركة والسكون فإذا أمر بالحركة وأمر بالسكون على تقدير عصيان الأمر بالحركة فالامر الثاني يكون من طلب الحاصل فان السكون على تقدير عصيان الأمر بالحركة حاصل بنفسه فكيف يؤمر به ولو مترتبا (وفيه) ان القائل بالترتب إنما يقول به في الأضداد الخاصة التي يمكن فيها ترك كل من الأهم والمهم جميعا كالإنقاذ والصلاة أو الإزالة والصلاة ونحو ذلك وإذا فرض تصريح بعض القائلين بالترتب بجوازه حتى في ضدين لا ثالث لهما فهو غفلة منه وذهول فلا يقاس عليه بقية القائلين بالترتب (هذه جملة) ما أورد على الترتب الّذي يقال به في فرض عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاصّ (واما ما أورد) على الترتب الّذي يقال به حتى في فرض اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاصّ كما اختاره الشيخ الكبير في كشف الغطاء وتبعناه في ذلك كما أشير قبلا فهي أمور أخر أيضا غير ما ذكرناه

(منها) انه لو قيل بصحة الترتب حتى على القول بالاقتضاء لزم الأمر بالمتناقضين في فعل المهم فانه إذا وجب الإنقاذ ووجب ترك الصلاة اما مقدمة أو لأجل سراية الحكم من الملازمة إلى الملازم وقلنا بوجوب الصلاة بنحو الترتب

٤٤١

على العصيان لزم الأمر بترك الصلاة والأمر بفعلها جميعا وهو الأمر بالمتناقضين (وفيه) ان الأمر بالمتناقضين إذا كان بنحو الترتب فمما لا محذور فيه فانه في تقدير امتثال الإنقاذ وترك الصلاة لا أمر بالصلاة منجزا كي يلزم الأمر بالمتناقضين فيها وفي تقدير عصيان الإنقاذ وإن كان الأمر بالصلاة منجزا ولكن لا أمر بالإنقاذ وترك الصلاة كي يلزم الأمر بالمتناقضين أيضا وهذا واضح.

(ومنها) انه لو قيل بصحة الترتب حتى على القول بالاقتضاء لزم الأمر بالمتناقضين في فعل الأهم فإذا أمر بالإنقاذ وجب فعله وإذا أمر بالصلاة بنحو الترتب وجب ترك الإنقاذ اما مقدمة أو لأجل سراية الحكم من الملازم إلى الملازم فإذا وجب فعل الإنقاذ ووجب تركه لزم الأمر بالمتناقضين في فعل الأهم كما ذكرنا (وفيه) ان الأمر بالمتناقضين كما أشير آنفا إذا كان بنحو الترتب فمما لا محذور فيه فانه في تقدير امتثال الإنقاذ لا أمر بالصلاة منجزا كي يجب ترك الإنقاذ اما مقدمة أو لأجل السراية ويلزم الأمر بالمتناقضين فيه وفي تقدير عصيانه وإن كان يجب الصلاة منجزا ولكن لا أمر بالإنقاذ فعلا كي يلزم فيه الأمر بالمتناقضين أي بفعله وتركه جميعا فتأمل جيدا.

(ومنها) ان النهي يقتضى الفساد لا محالة ولو في خصوص العبادات فكيف يمكن القول باقتضاء مثل الأمر بالإنقاذ النهي عن الصلاة ومع ذلك تصح الصلاة للأمر الترتبي (وفيه) ان النهي وإن كان يقتضى الفساد ولو كان غيريا ولكن في تقدير عصيان الأهم لا أمر بالأهم كي يقتضى النهي عن المهم ويفسد إذا كان عبادة سوى الأمر المنجز بالمهم في هذا التقدير (ومن هنا) يظهر ضعف ما عن صاحب الحاشية من ان النهي الغيري لا يقتضى الفساد وان الصحيح في الجواب ما ذكرناه لا ما ذكره.

٤٤٢

(ومنها) انه لا إشكال في ان الواجب إذا انحصر مقدمته بالحرام الأهم سقط وجوبه وفي المقام على الاقتضاء ومقدمية ترك أحد الضدين لفعل الآخر يتوقف فعل المهم على ترك الأهم وهو محرم أهم فمع أهميته كيف يجب فعل المهم ولا يسقط وجوبه (وفيه) ان اللازم في الفرض المذكور وإن كان سقوط وجوب الواجب عن التنجز لانحصار مقدمته بالحرام الأهم ولكن لا مانع من وجوبه معلقا على العصيان ففي تقدير عدم العصيان والإتيان بالأهم لا أمر بالمهم إلا معلقا وهو مما لا ينافى حرمة ترك الأهم وفي تقدير العصيان يكون الأمر بالمهم منجزا ولكن لا أمر حينئذ بالأهم ويحرم تركه كي ينافيه الأمر بالمهم فتأمل جيدا.

(قوله أو العزم عليها ... إلخ) عطف على المعصية أي بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص أو بمجرد العزم عليها.

(قوله لا يقال نعم لكنه بسوء اختيار المكلف حيث يعصى فيما بعد بالاختيار ... إلخ) (حاصل الإشكال) انه نعم يلزم طلب الضدين من القول بالترتب على التقريب المتقدم شرحه لدى التعليق على قول المصنف قلت ما هو ملاك استحالة طلب الضدين ... إلخ ولكن ذلك بسوء اختيار المكلف فلو لم يختر المعصية بترك الأهم لم يتوجه إليه طلب الضدين في حال واحد (وحاصل الجواب) ان طلب الضدين هو طلب المحال وهو من الآمر الحكيم بل مطلق من التفت إلى محاليته محال من غير اختصاص لذلك بحال دون حال وإلا لصح الأمر بضدين في عرض واحد فيما علق على الأمر الاختياري كما إذا قال افعل كذا وان عصيت فتحرك واسكن في زمان واحد بلا حاجة إلى تصحيح الأمر بهما بنحو الترتب فكما ان سوء اختيار المكلف مما لا يصح الأمر بضدين في عرض واحد لأنه طلب المحال فكذلك لا يصحح الأمر بهما

٤٤٣

بنحو الترتب أيضا بعد لزوم اجتماعهما في حال واحد عند فعليه المهم قبل سقوط الأهم.

(أقول) هذا ولكنك قد عرفت منا تصوير الأمر الترتبي بنحو صحيح لا يستلزم الأمر بضدين في حال واحد أصلا فنحن ممن لا يعترف بلزوم طلب الضدين في حال واحد كي يعتذر عنه انه بسوء اختيار المكلف فيجيب عنه المصنف بما أجاب وعرفت فتدبر ولا تشتبه.

(قوله ان قلت فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك ... إلخ) (وحاصل الإشكال) انه فرق بين طلب الضدين في عرض واحد وبين طلب الضدين بنحو الترتب فان الطلب في كل من الضدين في الأول يطارد الآخر بخلافه في الثاني فان طلب المهم لا يطارد طلب الأهم فان المهم ليس إلا في تقدير عصيان الأهم وأما في تقدير عدم عصيانه فلا أمر بالمهم كي يطارد الأهم (وحاصل الجواب) ان المهم وان لم يطارد الأهم في تقدير عدم العصيان ولكن في تقدير العصيان يكون الأمر بالمهم فعليا ويكون الأمر بالأهم أيضا فعليا لوضوح عدم سقوطه بمجرد فرض تحقق المعصية فيما بعد أو بمجرد تحقق العزم على المعصية قبلا أو فعلا ما لم يتحقق المعصية بنفسها في الخارج فإذا كان الأمران فعليين وقعت المطاردة بين الطرفين كما في طلب الضدين في عرض واحد عينا بل يكفى الطرد من طرف الأهم فقط فانه يطرد طلب المهم في هذا الحال كما يطرد أي ضد كان في كل حال (وعليه) فلا يبقى للمهم مع الأهم مجال.

(أقول) إن المطاردة من الطرفين أو من طرف واحد إنما يكون إذا قلنا بالترتب بأحد الأنحاء التي تعرضها المصنف في صدر البحث من الترتب على المعصية بنحو الشرط المتأخر أو على البناء على المعصية بنحو الشرط المتقدم

٤٤٤

أو المقارن واما إذا قلنا به بنحو الواجب المعلق على التفصيل الّذي تقدم منا شرحه وبيانه فلا يكاد يلزم المطاردة أصلا (اما في تقدير عدم المعصية) فواضح إذ لا أمر حينئذ بالمهم منجزا كالأهم كي يطارد كل منهما الآخر أو الأهم المهم واما في تقدير المعصية فكذلك لا مطاردة إذ لم يبق حينئذ أمر للأهم كي يطارد المهم أو يطارده المهم فتأمل جيدا.

(قوله ان قلت فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين في العرفيات ... إلخ) كما إذا قال أنفذ ولدى وان عصيت فأنقذ أخي بل وقد ادعى وقوعه في الشرعيات أيضا في موارد عديدة وجعل ذلك من أقوى الأدلة على صحة الترتب فان الوقوع أدل دليل على الإمكان.

(منها) ما إذا وجب عليه السفر في شهر رمضان لحفظ نفس أو لحفظ عرض ونحوهما وعصى ولم يسافر فانه في تقدير العصيان يجب عليه الصوم قطعا فهو مكلف في حال واحد بضدين بنحو الترتب بالسفر مطلقا وبالصوم على تقدير المعصية.

(ومنها) ما إذا حرمت عليه الإقامة في بلده اما للخوف على نفسه أو على عرضه ونحوهما وعصى وأقام فيه فانه في تقدير العصيان يجب عليه إتمام الصلاة ويجب عليه الصيام أيضا إذا كان في شهر رمضان.

(ومنها) ما إذا وجب عليه قصد الإقامة في أثناء السفر كما إذا كان عليه قضاء شهر رمضان وقد ضاق به الوقت فعصى ولم ينو الإقامة فيه فانه في تقدير المعصية يجب عليه القصر ويحرم عليه الصوم شرعا.

(ومنها) ما إذا شرع في الصلاة في آخر الوقت ثم وجب عليه القطع لإنقاذ غريق أو لإطفاء حريق فانه على تقدير المعصية يجب عليه إتمام الصلاة بلا كلام بحيث إذا عصى ولم ينقذ الغريق أو لم يطفأ الحريق ولم يتم صلاته

٤٤٥

أيضا جاز للمولى عقابه على كل من التركين جميعا بلا شبهة إلى غير ذلك من الفروع الفقهية التي يظفر عليها بالتتبع (ثم) ان حاصل ما أجاب به المصنف عما وقع من الترتب في العرفيات أو الشرعيات هو أحد أمرين على البدل (فاما أن يلتزم) فيها بتجاوز المولى عن الأمر بالأهم فلا اجتماع للأمرين حينئذ أصلا (وفيه ما لا يخفى) فان للمولى ان يعاقب على ترك الأهم بلا شبهة وان كان قد أتى بالمهم فلو كان المولى قد تجاوز عن الأمر بالأهم لم يصح عقابه عليه (وإما أن يلتزم) فيها بكون الأمر بالمهم إرشادا إلى محبوبيته وبقاء الملاك فيه (وفيه ما لا يخفى) أيضا فان الأمر بالمهم مع فعلية الأهم لو كان يرتفع استحالته بمجرد فرضه إرشاديا لكان ذلك مما يجوز حتى في الأمر بضدين في عرض واحد وهو باطل قطعا.

(قوله ثم انه لا أظن ان يلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه ... إلخ) هذا هو الإيراد الثاني الّذي قد أشير إليه قبلا وأورده المصنف على القول بالترتب وقد عرفت تفصيله وتفصيل الجواب عنه فلا نعيد.

(قوله فقد ظهر انه لا وجه لصحة العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها إلا ملاك الأمر ... إلخ) بل قد ظهر لك بحمد الله بما لا مزيد عليه ان المصحح للعبادة مما لا ينحصر بملاك الأمر فقط وإن كان الملاك كافيا في تصحيحها وان الأمر الترتبي أيضا مما يصححها كالملاك الثابت فيها عينا.

(قوله نعم فيما إذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت ... إلخ) استدراك عن قوله فقد ظهر انه لا وجه لصحة العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها الا ملاك الأمر ... إلخ (وحاصله) ان الضد إذا كان عبادة موسعة كالصلاة وكان مزاحما بالأهم ببعض الوقت لا بتمام الوقت بمعنى ان الأهم لم يشغل إلا بعض وقت الضد فحينئذ حيث يكون الأمر بالضد باقيا على حاله

٤٤٦

ولو بالنسبة إلى ما لم يزاحم بالأهم أمكن القول بجواز الإتيان بما زوحم بداعي الأمر المتعلق بما لم يزاحم لكونه وافيا بالغرض مثله عينا (لا يقال) ان الأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلق به وما زوحم بالأهم قد خرج عن تحت الأمر فكيف يؤتى به بداعي الأمر المتعلق بما لم يزاحم (لأنه يقال) نعم قد خرج ولكن لم يخرج بالتخصيص الكاشف عن عدم الملاك فيه بل بالمزاحمة الغير الكاشف عن ذلك فإذا لا تفاوت في نظر العقل بينه وبين غيره وصح الإتيان به بداعي الأمر كالباقي تحت الأمر.

(أقول) وهذا من المصنف عجيب غريب فان مجرد بقاء الملاك في المزاحم بالأهم وكونه وافيا بالغرض كالغير المزاحم عينا وعدم التفاوت بينهما في نظر العقل أصلا هو مما لا يوجب صحة الإتيان بالمزاحم بداعي الأمر المتعلق بغير المزاحم بعد فرض سقوط أمره بالمزاحمة وخروجه عن تحت الأمر بسببها.

(قوله واما بناء على تعلقها بالافراد فكذلك وان كان جريانه عليه أخفى كما لا يخفى فتأمل ... إلخ) فانا إذا جوزنا الإتيان بالفرد الساقط أمره بالمزاحمة بداعي الأمر المتعلق بما سواه بمجرد كونه وافيا بالغرض مثله فلا فرق حينئذ بين ان يكون الأمر المتعلق بما سواه متعلقا بالطبيعة أو بالفرد وان كان جريانه على الثاني أخفى كما أفاده المصنف ومن هنا يظهر انه لا وجه لقوله فتأمل إذا أراد الإشارة إلى تردده في المقام.

(قوله ثم لا يخفى انه بناء على إمكان الترتب وصحته ... إلخ) وحاصله ان بناء على إمكان الترتب وصحته ثبوتا لا نكاد نحتاج في وقوعه في الشرعيات إلى ورود دليل عليه إثباتا بل يكفى في وقوعها مجرد إمكانها وصحتها (وبيان ذلك) ان كلا من مثل دليل الإنقاذ ودليل الصلاة له إطلاق يشمل صورة

٤٤٧

المزاحمة وغيرها جميعا فان لم نقل بصحة الترتب عقلا وزوحم كل منهما بالآخر فيستقل العقل حينئذ بسقوط حكم المهم من أصله أي سواء أتى بالأهم أو لم يأت به وان قلنا بصحة الترتب عقلا فالعقل لا محالة يقتصر في التصرف في دليل المهم على تقدير خاص فقط وهو تقدير الإتيان بالأهم لا مطلقا ولو في تقدير عدم الإتيان به إذ لا ملزم حينئذ للتصرف في دليله بعد عدم المحذور عقلا في بقائه على حاله (وبالجملة) ان تصرف العقل في دليل المهم عند المزاحمة بالأهم لازم على كل حال فان لم نقل بالترتب سقط دليل المهم من أصله وإلا ففي تقدير دون تقدير لا مطلقا.

في أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

(قوله فصل لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ... إلخ) كان اللازم إسقاط هذا البحث بالمرة إذ هو مما لا ثمرة فيه ولو كانت فهي غير مهمة (وعلى كل حال) لا إشكال في ان المراد من شرطه في المقام ليس هو شرط المأمور به وان لم يأب عنوان الفصول بل المعالم أيضا من عود الضمير إليه.

(فقال) في الفصول اختلفوا في جواز الأمر بالشيء مع علم الآمر بانتفاء شرطه (وقال) في المعالم قال أكثر مخالفينا ان الأمر بالفعل المشروط جائز وان علم الآمر انتفاء شرطه (انتهى) ولكن المقصود واضح ظاهر ضرورة جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرط المأمور به وإمكان تحصيله خارجا بلا كلام كالطهارة والستر ونحوهما بالنسبة إلى الصلاة فيحصله المكلف أو لا ثم يأتي بالمأمور به مستجمعا للشرائط كلها (كما لا إشكال) في ان المراد من

٤٤٨

شرط الأمر بعد التأمل في كلماتهم نقضا وإبراما هو خصوص القدرة والتمكن من المأمور به أي هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء قدرة المكلف على الفعل أم لا وليس المراد هو مطلق شرط الوجوب كالوقت بالنسبة إلى الصلاة ونحوها

(ثم ان) القائل بالجواز كما عرفت من عبارة المعالم هو أكثر مخالفينا وقد صرح المحقق صاحب الحاشية بأنهم الأشاعرة وقال في القوانين انهم جمهور العامة والقائل بعدم الجواز أصحابنا رضوان الله عليهم (قال في المعالم) وشرط أصحابنا في جوازه مع انتفاء الشرط كون الآمر جاهلا بالانتفاء كأن يأمر السيد عبده بالفعل في غد مثلا ويتفق موته قبله فان الأمر هنا جائز باعتبار عدم العلم بانتفاء الشرط ويكون مشروطا ببقاء العبد إلى الوقت المعين واما مع علم الآمر كأمر الله تعالى زيدا بصوم غد وهو يعلم موته فيه فليس بجائز وهو الحق (انتهى).

(أقول) نعم الحق هو ما ذهب إليه الأصحاب من عدم الجواز ولكن الكلام في تعيين معنى عدم الجواز (فهل هو) بمعنى انه قبيح عقلا مع إمكانه ذاتا وان استحيل صدوره من الحكيم عرضا نظير صدور الظلم منه كما هو ظاهر المحقق القمي حيث استدل على عدم الجواز بكونه تكليفا بما لا يطاق (أم هو) محال ذاتا كاجتماع الضدين أو ارتفاع المتناقضين كما يظهر ذلك من المصنف حيث استدل على عدم الجواز بكون الشرط من أجزاء علة الأمر ولا يكاد يكون الشيء مع عدم علته (وان كان هذا الاستدلال) مما لا يخلو عن مناقشة فان الشيء وإن لم يكن مع عدم علته ولكن الكلام في أن الشرط في المقام أي القدرة هل هو شرط وجود الأمر كي ينتفي وجوده بانتفاء وجوده أو هو شرط صحته وعدم قبحه كي لا ينتفي وجوده بانتفاء وجوده وإن انتفت صحته وعدم قبحه ومن المعلوم ان المصنف لم يقم برهانا على كون القدرة شرطا

٤٤٩

لوجوده كي ينتفي وجوده بانتفاء وجودها (وكيف كان) ان الصواب أن أمر الآمر مع جهله بانتفاء شرطه جائز بتمام المعنى فهو صحيح لا قبح فيه أصلا فضلا عن عدم إمكانه الذاتي ومع علمه بانتفاء القدرة لا يجوز بتمام المعنى فهو مما لا يمكن ذاتا فضلا عن صحته وعدم قبحه وذلك نظرا إلى ما تقدم في محله من ان الأمر حقيقة في إنشاء الطلب بداعي الإرادة الحتمية ومن المعلوم ان مع العلم بانتفاء قدرة المكلف على الفعل واستحالة صدوره منه يستحيل عقلا تعلق الإرادة القلبية به نعم لا بأس بالأمر به صورة لا بداعي الإرادة القلبية بل بداعي آخر كالامتحان ونحوه ولكن تسمية ذلك بالأمر الحقيقي مما لا يخلو عن مسامحة بل تجوز محض كما لا يخفى فان الصيغة وإن تقدم انها موضوعة لإنشاء الطلب مطلقا بأي داعي كان ولكن مادة الأمر قد قلنا انها ما لم يكن الطلب منشأ بداعي الطلب الحقيقي النفسانيّ لم تكن حقيقة فيه وإن أطلق عليه الأمر صورة (وبالجملة) تحقق الأمر الفعلي المنجز مع علم الآمر بانتفاء الشرط محال ذاتا لا انه ممكن ذاتا محال عرضا نظير صدور الظلم من الحكيم واما تحققه بمرتبة الإنشاء بداعي أمر عقلائي كالامتحان ونحوه وإن جاز عقلا ولكنه ليس بأمر حقيقة بل صورة (هذا) ولكن يظهر من السيد أعلى الله مقامه ان المبحوث عنه ليس جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه بل جواز الأمر مشروطا بالقدرة مع علم الآمر بانتفاء القدرة وقد اختار ان ذلك مما لا يجوز من العالم بعواقب الأمور بل يجب أن يوجه الأمر إلى خصوص من يتمكن دون من لا يتمكن ولو مشروطا وقد استجوده صاحب المعالم في ترجمة البحث (قال في المعالم) بعد قوله المتقدم وشرط أصحابنا إلى قوله وهو الحق (ما هذا لفظه) لكن لا تعجبني الترجمة عن البحث بما ترى (إلى أن قال) ولقد أجاد علم الهدى رحمه‌الله حيث تنحى عن هذا المسلك وأحسن التأدية عن أصل

٤٥٠

المطلب فقال وفي الفقهاء والمتكلمين من يجوز ان يأمر الله تعالى بشرط ان لا يمنع المكلف من الفعل أو بشرط ان يقدره ويزعمون انه يكون مأمورا بذلك مع المنع وهذا غلط لأن الشرط إنما يحسن فيمن لا يعلم العواقب ولا طريق له إلى علمها فاما العالم بالعواقب وبأحوال المكلف فلا يجوز أن يأمره بشرط (قال) والّذي يبين ذلك ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أعلمنا ان زيدا لا يتمكن من الفعل في وقت مخصوص قبح منا أن نأمره بذلك لا محالة وإنما حسن دخول الشرط فيمن نأمره فقد علمنا بصفته في المستقبل (إلى ان قال) وإذا كان القديم تعالى عالما بتمكن من يتمكن وجب ان يوجه الأمر نحوه دون من يعلم انه لا يتمكن (إلى ان قال) صاحب المعالم قلت هذه الجملة التي أفادها السيد رحمه‌الله كافية في تحرير المقام وافية في إثبات المذهب المختار (انتهى).

(أقول) إن البحث عن جواز الأمر مشروطا بالقدرة مع العلم بانتفاء القدرة هي مسألة أخرى غير مسألتنا هذه فهو نزاع آخر لا ربط له بالنزاع المشهور كما صرح بذلك المحقق صاحب الحاشية (قال أعلى الله مقامه) ما لفظه وأنت خبير بان تخصيصه النزاع بالصورة المذكورة مخالف لظاهر كلمات القوم بل صريحها وما يقتضيه أدلتهم في المسألة حسب ما سيجيء الإشارة إليه فان قضية كلماتهم وقوع النزاع في تعلق التكليف بالمكلف فعلا مع علم الآمر بانتفاء شرطه في المستقبل لا أن يكون البحث في خصوص التكليف المعلق على الشرط كما ذكره السيد (إلى ان قال) وكأنه رحمه‌الله قرر النزاع فيما ذكره لوضوح فساد ذلك وكونه من قبيل التكليف بالمحال (إلى ان قال) ان ظهور وهن الخلاف في شيء لا يقتضى عدم كونه موردا للخلاف مع اشتهار المخالف وتنزيله الخلاف فيه على ما ذكره مما لا وجه له بعد تصريحهم بخلافه

٤٥١

وان أمكن وقوع الخلاف فيه أيضا إلا انه غير المسألة المفروضة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (بقي شيء) وهو بيان معنى قول السيد رحمه‌الله ويزعمون انه يكون مأمورا بذلك مع المنع ... إلخ فانهم إذا جوزوا أمر الله تعالى بشرط ان لا يمنع المكلف من الفعل كيف يزعمون انه مأمور بذلك مع المنع وهل فائدة الشرط إلا انتفاء المشروط بانتفاء الشرط ولكن المراد على الظاهر كما نبه عليه صاحب الحاشية انه يكون مأمورا بالأمر المشروط التعليقي لا الأمر المطلق التنجيزي كي ينافى الاشتراط وفقد الشرط فتأمل جيدا.

(قوله وكون الجواز في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي بعيد ... إلخ) فان المصنف في عنوان البحث وإن في الجواز بمعنى نفى الإمكان الذاتي بقرينة ما استدل به من قوله لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته ... إلخ. ولكن مقصوده ان الجواز في العنوان عند القوم بعيد أن يكون بمعنى الإمكان الذاتي بحيث كان مراد المجوزين مجرد الإمكان الذاتي بل الظاهر من استدلالات المجوزين هو الوقوع فوق الإمكان الذاتي مثل قولهم انه لو لم يصح أي الأمر بالشيء مع العلم بانتفاء شرطه لم يعلم إبراهيم وجوب ذبح ولده لانتفاء شرطه عند وقته وهو عدم النسخ وقد علم وإلا لم يقدم على ذبح ولده ولم يحتج إلى فداء ... إلخ.

(قوله نعم لو كان المراد من لفظ الأمر ... إلخ) استدراك من قوله في عنوان البحث لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ... إلخ.

(قوله وفي وقوعه في الشرعيات والعرفيات غنى وكفاية ... إلخ) ولعل نظره في وقوعه في الشرعيات إلى أمره تعالى إبراهيم عليه‌السلام بذبح ولده فانه تعالى قد أنشأ الطلب لا بداعي الطلب النفسانيّ الحقيقي ليكون أمرا

٤٥٢

حقيقيا بل بداعي الامتحان والاختبار فكان أمرا صوريا اختباريا (ومن هنا يظهر) ضعف ما أجاب به المعالم عن الخصم بالمنع عن تكليف إبراهيم عليه‌السلام بالذبح الّذي هو فري الأوداج بل كلف بمقدماته كالإضجاع وتناول المدية وما يجري مجرى ذلك (ووجه الضعف) انه تعالى لم يأمر بالمقدمات بل أمر بنفس الذبح غير انه كان أمرا صوريا ليختبر به إبراهيم عليه‌السلام لا حقيقيا جديا

(قوله وربما يكون غير ذلك ... إلخ) مما تقدم في بحث صيغة الأمر من دواعي إنشاء الطلب من التمني والترجي والإنذار والتهديد والتحقير والتعجيز والتسخير ونحو ذلك مما ذكر فتذكر.

(قوله وربما يقع به التصالح بين الجانبين ... إلخ) بل لا يقع به التصالح بين الجانبين أصلا إذ من المستبعد جدا بل من المقطوع خلافه ان يكون مراد القائلين بالجواز الأمر ببعض مراتبه أي مرتبة الإنشاء ومراد المانعين من عدم الجواز عدم جواز الأمر بمرتبة الفعلية والتنجز (فانه مضافا) إلى ان ظاهر كلمات المجوزين بل صريحهم هو جواز الأمر حقيقة لا صورة ان القول بتعدد مراتب الأمر من الإنشاء والفعلية والتنجز هو أمر حادث متأخر لم يتفطنه الأولون فكيف يحمل كلامهم عليه.

في تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع

(قوله فصل الحق ان الأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الافراد ... إلخ) لا إشكال في ان متعلق الطلب في الأمر هو الوجود وفي النهي هو الترك ولكن الإشكال في ان متعلق طلب الوجود أو الترك هل هو الطبيعة أو الفرد بمعنى ان متعلق الأول أو الثاني هل هو الطبيعة المحضة ليس

٤٥٣

معها شيء أو هو الطبيعة المنضمة إليها الخصوصيات والتشخصات التي بها يكون الفرد فردا فعلى الأول للمطلوب جزء واحد وهي الطبيعة المحضة وان كانت الخصوصيات الفردية مما لا ينفك عنها في الخارج ولكنها لازم المطلوب وعلى الثاني للمطلوب جزءان أحدهما الطبيعة والآخر الخصوصيات المنضمة إليها التي بها يكون الفرد فردا (ومن هنا يظهر) ان المتعلق هو على كل حال أمر كلي غايته انه على الأول يكون المكلف مأمورا بإيجاد الطبيعة المحضة وعلى الثاني يكون مأمورا بإيجاد الفرد أي الطبيعة المنضمة إليها الخصوصيات وكل منهما كلي صادق على كثيرين (وعليه) فما يظهر من عبارة المحقق القمي من تعلق الطلب على الثاني بالجزئي هو مما لا يخلو عن مسامحة بل غير معقول فان الجزئي هو الفرد الخارجي ولا يعقل تعلق الطلب بالفرد الخارجي فانه من طلب الحاصل.

(وعلى كل حال) الحق هو القول الأول وهو تعلق كل من طلب الوجود في الأمر وطلب الترك في النهي بالطبيعة المحضة دون الطبيعة المنضمة إليها الخصوصيات الفردية (وقد استدل) عليه المصنف بمراجعة الوجدان وهو جيد فانا إذا راجعنا الوجدان وجدنا انه لا غرض لنا في مطلوباتنا إلا نفس الطبائع والماهيات من دون نظر إلى الخصوصيات الخارجية الغير المنفكة عنها سوى الخصوصيات التي نحن ندخلها تحت الطلب والأمر كما في قولك أعتق رقبة مؤمنة أو أكرم عالما عادلا ونحو ذلك فبعد الخصوصيات المأخوذة في لسان الدليل لا نظر لنا إلا إلى نفس الطبيعة المحضة بحيث لو أمكن للمكلف التفكيك بين الطبيعة والخصوصيات الفردية وأن يأتي بها في الخارج مجردا عن كل خصوصية لأجزأ وكفى (هذا وقد استدل) عليه صاحب الفصول والمحقق القمي بأمرين آخرين.

(أحدهما) تبادر طلب وجود الطبيعة أو تركها من الأوامر والنواهي.

٤٥٤

(ثانيهما) ان مادة المشتقات مأخوذة من المصادر المجردة عن اللام والتنوين وهي حقيقة في الطبيعة على ما نقل السكاكي إجماع أهل العربية عليه فإذا كان مفاد الهيئة هو طلب الوجود أو الترك ومفاد المادة هي الطبيعة المحضة كان لا محالة مفاد المجموع هو طلب وجود الطبيعة أو طلب تركها وهو المطلوب

(أقول) ان المصنف وان ناقش في كون المصدر مادة للمشتقات على ما تقدم منه في المرة والتكرار ولذا لم يستدل في المقام بالوجه الثاني ولكن لا وجه لتركه الاستدلال بالوجه الأول وهو التبادر بل قد عرفت منا تصحيح كون المصدر مادة للمشتقات فلا بأس بالاستدلال بالوجه الثاني أيضا كالأول ولا أقل من جعله مؤيدا في المسألة ان لم يكن دليلا برأسه (ثم ان) ظاهر المحقق القمي وصريح الفصول ان القائلين بتعلق الأوامر والنواهي بالأفراد دون الطبائع هم يستندون إلى ان الطبيعة مما يمتنع وجودها في الخارج بخلاف الفرد فيتعلق الطلب بوجوده دون وجودها وهو كما ترى ضعيف فان وجود الطبيعي في الخارج هو عين وجود افراده فان الفرد ليس إلّا حصة من الطبيعة بانضمام الخصوصيات الفردية التي بها يكون الفرد فردا فكما صح تعلق الطلب بوجود الفرد فكذلك صح تعلقه بوجود الطبيعة غايته انه على الأول تكون الخصوصيات داخلة تحت الطلب وعلى الثاني تكون خارجة عنه نعم لو كان الطلب يتعلق بوجود الطبيعة بشرط لا لم يمكن تحققها في الخارج إذ لا يمكن إيجادها منفكة عن الخصوصيات الفردية ولكنه لا يتعلق الطلب بها كذلك بل بالطبيعة لا بشرط والخصوصيات الفردية مما تلازم المطلوب غير منفكة عنها كما تقدمت الإشارة إليه آنفا.

(قوله والمقيدة بقيود ... إلخ) مما كان دخيلا في الغرض والمقصود وكان داخلا تحت الطلب في لسان الدليل كما في قولك اضربه ضربا شديدا أو

٤٥٥

أعطه عطاء جزيلا ونحو ذلك.

(قوله كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الأحكام ... إلخ) كما في قولك الإنسان حيوان ناطق أو الفرس حيوان صاهل ونحو ذلك من القضايا التي يحكم فيها بثبوت المحمول لنفس الكلي وحقيقته.

(قوله بل في المحصورة على ما حقق في غير المقام ... إلخ) وهي القضايا التي يحكم فيها بثبوت المحمول للافراد مع بيان كمية افراد المحكوم عليها بكلمة كل أو لا شيء أو بعض ليس ونحو ذلك مما تسمى سورا كما في قولك كل إنسان حيوان ناطق أو لا شيء من الإنسان بحجر أو بعض الإنسان عالم أو بعض الإنسان ليس بجاهل في قبال المهملة وهي غير المسورة بما يبين كمية افراد المحكوم عليها (هذا) على المشهور عند المنطقيين (واما المصنف) فيلتزم بثبوت الحكم للطبيعة حتى في القضايا المحصورة لا للافراد وهو حسن جيد فان الخصوصيات الفردية في كل من الطبيعية والمحصورة خارجة عن تحت الحكم قطعا غير انه في الطبيعية يحكم على نفس الطبيعة وفي المحصورة على وجودات الطبيعة وحصصها المتعددة وفي شيء منها لا دخل للخصوصيات الفردية أصلا.

(قوله وان نفس وجودها السعي بما هو وجودها تمام المطلوب ... إلخ) الوجود السعي للطبيعة هو في قبال الوجود الخاصّ الجزئي الغير القابل للصدق على كثيرين كما أشار إليه بقوله قبالا لخصوص الوجود أي لوجود الخاصّ الجزئي (ثم لا يخفى) انه ليس مقصود المصنف هو عدم تعلق الطلب بوجودها السعي على القول بالفرد وانه على هذا القول يتعلق بوجود الخاصّ الجزئي ولو كان مقصوده ذلك فهو اشتباه محض فان القائل بالفرد أيضا يقول بتعلق الطلب بوجودها السعي غايته انه بوجودها السعي وبوجود الخصوصيات الفردية جميعا القابلين للانطباق على كثيرين وذلك لما عرفت من ان المتعلق

٤٥٦

على كل من القولين كلي لا جزئيّ غايته ان المتعلق على أحدهما هي الطبيعة المحضة وعلى الآخر هي الطبيعة المنضمة إليها الخصوصيات الفردية (وبعبارة أخرى) ان المكلف على أحدهما مأمور بإيجاد الطبيعة وعلى الآخر مأمور بإيجاد الطبيعة والخصوصيات الفردية جميعا بزعم دخولها تحت الطلب كالطبيعة.

(قوله كما ربما يتوهم ... إلخ) أي يتوهم تعلق الطلب بنفس الطبيعة بما هي هي لا بوجودها وهو فاسد جدا فان الطبيعة بما هي هي ليست إلا هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة بل لا بد في تعلق الطلب بها اما لحاظ الوجود فيطلب وجودها أو الترك فيطلب تركها.

(قوله نعم هي كذلك تكون متعلقة للأمر فانه طلب الوجود ... إلخ) وحاصله ان الطبيعة بما هي هي لا يتعلق بها الطلب لما عرفت من انها كذلك ليست إلا هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة ولكنها بما هي هي يتعلق بها الأمر فان الأمر هو طلب الوجود فإذا تعلق الأمر بالطبيعة فقد تعلق الطلب بوجود الطبيعة.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى أن الأمر ليس إلّا مجرد الطلب الحتمي الصادر من العالي وليس في مدلوله الوجود أصلا (وعليه) فيكون حال مادة الأمر كحال لفظ الطلب عينا فكما لا يصح تعلق الطلب بالطبيعة ما لم يتعلق بوجودها فكذلك لا يصح تعلق الأمر أيضا بالطبيعة ما لم يتعلق بوجودها.

(قوله دفع وهم ... إلخ) بل في المقام وهمان كما يظهر بمراجعة المتن على الدقة.

(أحدهما) أنه لو تعلق الطلب بوجود الطبيعة لزم طلب الحاصل (وفيه) أن المقصود من تعلق الطلب بوجود الطبيعة ليس تعلقه بوجودها الثابت في

٤٥٧

الخارج كي يلزم طلب الحاصل بل بإيجاد الطبيعة وعليه فلا إشكال ولا إيراد.

(ثانيهما) أن الطلب يتعلق بنفس الطبيعة غايته أنه يجعل وجودها أو تركها غاية لتعلقه بها أي يطلبها لتوجد أو لتترك (وقد أجاب عنه المصنف) بان الطبيعة بما هي هي كما تقدمت لا تعقل أن يتعلق بها الطلب ولو بجعل الوجود أو الترك غاية له وذلك لما عرفت من انها بما هي هي ليست إلا هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة بل لا بد في تعلقه بها من لحاظ الوجود فيتعلق الطلب به أو لحاظ العدم فيتعلق الطلب بالترك (هذا) بناء على أصالة الوجود وأنه الأمر الأصيل المتحقق في الخارج وان الماهية أمر اعتباري محض كما نسب إلى أكثر المحققين (وإما) بناء على أصالة الماهية وانها الأمر الأصيل المتحقق في الخارج وان الوجود امر اعتباري محض كما نسب إلى بعضهم فالطلب أيضا لا يتعلق بالطبيعة بما هي هي بل بالطبيعة الخارجية أي ليجعلها المكلف من الخارجيات والأعيان الثابتات (وبالجملة) إن القول بتعلق الطلب بالطبيعة لتوجد مما لا وجه له إما بناء على أصالة الوجود فلتعلقه بوجود الطبيعة لا بالطبيعة لتوجد وإما بناء على أصالة الماهية فلتعلقه بالماهية الخارجية أي ليجعلها المكلف من الخارجيات لا بالطبيعة لتوجد أو تترك.

(أقول) لا يبعد أن يكون النزاع في ذلك أي في تعلق الطلب بوجود الطبيعة كما يقوله المصنف أو بالطبيعة لتوجد كما يقوله المتوهم نزاعا لفظيا فان مرجعهما لدى التدبر إلى واحد كما أن مرجع تعلق الطلب بالطبيعة لتوجد أو بالطبيعة الخارجية أي ليجعلها المكلف من الخارجيات والأعيان الثابتات إلى واحد غير أن الأول للقائلين بأصالة الوجود والثاني للقائلين بأصالة الماهية (ولو قيل) إن الطلب على القول بأصالة الوجود يتعلق بوجود الطبيعة أي بإيجادها وعلى القول بأصالة الماهية يتعلق بخارجية الماهية أي بجعلها من

٤٥٨

الخارجيات كان هو الصواب المستقيم فتأمل جيدا.

(قوله من الماهية الخارجية أو الوجود ... إلخ) فالأوّل ملحوظ للقائل بأصالة الماهية والثاني للقائل بأصالة الوجود.

إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز

(قوله فصل إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم ولا بالمعنى الأخص ... إلخ) أما عدم دلالتهما على بقاء الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة الشرعية المتساوية طرفاها من دون رجحان لأحدهما فواضح فان نفى شيء خاص مما لا يدل على إثبات شيء آخر وإن دل التزاما على ثبوت حكم آخر إجمالا بناء على عدم جواز خلو الواقعة عن الحكم (واما عدم دلالتهما) على بقاء الجواز بالمعنى الأعم وهو الإذن في الفعل المشترك بين الوجوب والندب والإباحة والكراهة كما صرح به في المعالم فلان الوجوب ليس مركبا من أمرين أحدهما الإذن في الفعل وثانيهما المنع من الترك كي يقال إن دليل المنسوخ دل على ثبوت كل من الجزءين والمتيقن من الارتفاع بالناسخ هو المنع من الترك فيبقى دلالة المنسوخ على الجزء الأول على حالها بلا مزاحم لها بل الوجوب طلب أكيد ومرتبة شديدة من الطلب فإذا ارتفع الطلب فلا يبقى دلالة على بقاء الإذن في الفعل أصلا

(قوله ولا مجال لاستصحاب الجواز إلّا بناء على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ... إلخ) المقصود من الجواز هنا هو الجواز بالمعنى الأعم أي الإذن في الفعل المشترك بين الأحكام الأربعة كما تقدم فان الجواز بالمعنى الأخص مما لم يتعلق به اليقين في السابق كي يستصحب الآن بل

٤٥٩

قد تعلق اليقين بخلافه (ثم ان حاصل) ما قيل أو يمكن أن يقال في وجه جريان استصحاب الجواز بالمعنى الأعم ان الإذن في الفعل أمر كلي مشترك بين الأحكام الأربعة قد تيقنا به في السابق عند اليقين بالوجوب فان الإذن في الفعل لو لم يكن الوجوب مركبا منه ومن المنع من الترك فلا محالة هو مما يلازم الوجوب كما يلازم الاستحباب والإباحة والكراهة فإذا نسخ الوجوب واحتمل بقائه فلا مانع من استصحابه (وفيه) ان هذا الاستصحاب من القسم الثالث من استصحاب الكلي والحق عدم جريانه كما سيأتي في محله فان الكلي الّذي نتيقن بوجوده في السابق.

(تارة) يقع الشك في بقائه من جهة الشك في بقاء الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه كالشك في بقاء الحيوان من جهة الشك في بقاء زيد الّذي كان الحيوان متحققا في ضمنه وفي هذا يجري استصحاب الكلي بلا كلام.

(وأخرى) يقع الشك في بقاء الكلي من جهة تردد الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه بين القصير والطويل كالبق والفيل فان كان في ضمن البق فلم يبق وإن كان في ضمن الفيل فهو باق وفي هذا أيضا يجري استصحاب الكلي بعد الجواب عما يرد عليه مما ستعرف شرحه في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(وثالثة) يقع الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في حدوث فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد الّذي كان الكلي متحققا في ضمنه أو مقارنا لحدوثه كما إذا قطع بوجود الحيوان في الدار في ضمن زيد وقد علم بخروجه قطعا ولكن شك في بقاء الحيوان لاحتمال مجيء عمرو مقارنا لخروج زيد أو مقارنا لوجود زيد في السابق وفي هذا القسم لا يكاد يجري استصحاب الكلي وستعرف وجهه في مبحث الاستصحاب أيضا إن شاء الله تعالى مبسوطا واستصحاب الجواز بالمعنى

٤٦٠