عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

جواز أخذ الأجرة على الواجب بين العيني والكفائي فان الكفائي أيضا واجب على الكل كالعيني فيكون عمل الجميع مستحقا للغير غايته انه إذا أتى أحدهم بالفعل يحصل به الغرض ويسقط به الأمر (كما انه لا فرق) بين التعييني والتخييري أيضا فان التخييري واجب بجميع خصاله كالتعييني فيكون الجميع مستحقا للغير غير انه إذا أتى بأحد الخصال حصل به الغرض وسقط به الأمر (هذا تمام الكلام) في أخذ الأجرة على الواجبات (واما المستحبات) فان كانت توصلية فلا بأس بأخذ الأجرة عليها إذا العمل بمجرد الأمر الندبي مما لا يكون حقا للغير ومملوكا للمولى كي لا يجوز أخذ الأجرة عليه بل للعبد ان يأتي به وله ان لا يأتي به وان كانت تعبدية فلا يجوز أخذ الأجرة عليها لكن لوجه واحد وهو منافاة أخذ الأجرة مع القربة المعتبر فيها بعد فرض كونها تعبدية لا لكون العمل مستحقا للغير وحقا للمولى فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله وربما يجعل من الثمرة اجتماع الوجوب والحرمة ... إلخ) هذه ثمرة رابعة للمسألة وهي منسوبة إلى الوحيد البهبهاني (وحاصله) ان من ثمرات بحث مقدمة الواجب انه لو قيل بوجوب المقدمة فالمقدمة المحرمة تكون من مصاديق اجتماع الأمر والنهي فعلى القول بالجواز يجتمع فيها الأمر والنهي جميعا وعلى القول بالامتناع لا يجتمعان إلا أحدهما (وقد أورد عليه المصنف) من وجوه (الأول) ان المقدمة المحرمة على القول بالملازمة لا تكون من مصاديق اجتماع الأمر والنهي لما تقدم في صدر البحث في ذيل تقسيم المقدمة إلى الداخلية والخارجية من انه يعتبر في باب الاجتماع ان يكون هناك عنوانان متعددان أحدهما تحت الأمر والآخر تحت النهي وفي المقدمة المحرمة كالسير إلى الحج مع الدّابّة المغصوبة وان كان عنوان الغصب مما تعلق به النهي في لسان

٤٠١

الدليل ولكن عنوان المقدمة مما لم يتعلق به الأمر الغيري في لسان الدليل فان الأمر الغيري مما يترشح إلى ذات المقدمة وهو المعنون بعنوان المقدمة أي إلى ما هو بالحمل الشائع مقدمة لا إلى عنوان المقدمة فان العنوان علة لترشح الأمر الغيري إلى المعنون لا انه بنفسه متعلق للأمر الغيري الترشحي فإذا يكون المقام من النهي في العبادات والمعاملات لا من مصاديق مسألة الاجتماع (وفيه) ان اعتبار تعدد العنوانين في مسألة الاجتماع إنما هو لأجل أن يتعدد المتعلق بزعم المجوز وهو بعينه موجود في العنوان والمعنون أيضا من غير اختصاص بالعنوانين فقط (مضافا) إلى انه لو سلم هذا كله فالمقام بمجرد ان لم يكن فيه عنوانان أحدهما تحت الأمر والآخر تحت النهي بل كان عنوان ومعنون لا يكاد يكون من مسألة النهي في العبادات والمعاملات فان النسبة بين متعلقي الأمر والنهي في النهي في العبادات والمعاملات عموم مطلق وفي مسألة الاجتماع عموم من وجه (الوجه الثاني) ان المقدمة المحرمة على القول بالملازمة مما لا يلزم فيها الاجتماع إذ مع عدم انحصار المقدمة بالمحرمة يتعلق الوجوب بما سواها ومع الانحصار تقع المزاحمة بين وجوب ذي المقدمة وبين حرمة المقدمة فإما لا وجوب لذي المقدمة لأهمية حرمة المقدمة وإما لا حرمة للمقدمة لأهمية وجوب ذي المقدمة وعليه فلا اجتماع في البين أصلا (وفيه) ان هذا الوجه أضعف من سابقه ولعل من هنا قد أسقطوه في بعض النسخ فان الصلاة في الدار الغصبي وهكذا كل مصداق من مصاديق مسألة الاجتماع هو من هذا القبيل فيلزم أن يقال فيها مثل ذلك ففي صورة عدم الانحصار يتعلق الوجوب بما سوى الصلاة في الغصب وفي صورة الانحصار تقع المزاحمة بين الحكمين ويلاحظ مرجحات باب التزاحم فلا اجتماع أيضا فكما يقال في حل ذلك ان في الصلاة في الغصب يكون لكل من الدليلين إطلاق يشمل المجمع حتى في

٤٠٢

صورة عدم الانحصار فعلى الجواز يكون كلا الحكمين فعليين بدعوى ان تعدد الجهة مما يجدى في ذلك وعلى الامتناع تقع المزاحمة ويسقط أحد الحكمين عن الفعلية مع ثبوت أصل الحكم بمقتضى الإطلاق فكذلك يقال في المقام حرفا بحرف (الوجه الثالث) انه لا ثمرة في صيرورة المقدمة المحرمة على الملازمة من مصاديق مسألة الاجتماع إذ لو كانت المقدمة توصلية فيه مما يسقط به الغرض لا محالة سواء قلنا بوجوب المقدمة أم لم نقل وعلى القول بالوجوب سواء قلنا بالجواز في مسألة الاجتماع أم لم نقل وأما إذا كانت المقدمة تعبدية فصحتها وفسادها مبنيان على القول بالجواز والامتناع في مسألة الاجتماع سواء قلنا في المقام بوجوب المقدمة أم لم نقل وذلك لأن المقدمات التعبدية كالطهارات الثلاث مما لها أمر غيري مستقل لا محالة مثل قوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... إلخ من غير فرق بين ان قلنا بالملازمة أم لم نقل وليس وجوبها ترشحيا كي يبتنى على القول بالملازمة وعدمه هذا تمام الكلام في الثمرات الأربع (وقد ذكر في التقريرات) ثمرتين آخرتين (الأولى) ان القول بوجوب المقدمة مما يؤثر في صحتها إذا كانت عبادة كما ان القول بعدم الوجوب مما يقضى بفسادها حينئذ (وفيه) ما عرفت آنفا من ان المقدمات العبادية مما لها أوامر غيرية مستقلة غير محتاجة وجوبها غيريا إلى القول بالملازمة إذ ليس وجوبها ترشحيا كي يبتنى على القول بالملازمة وعدمها مضافا إلى انه قد قلنا ان المقدمات العبادية هي عبادات نفسية راجحة في حد ذاتها فلا محالة يكون صحتها قبل الوقت بالأمر الاستحبابي النفسيّ وبعد الوقت بملاكه الثابت فيه من غير احتياج إلى تصحيحها بالأمر المقدمي أصلا وان صح قصده أيضا بعد الوقت كما تقدم (الثانية) ان القول بوجوب المقدمة مما يؤثر في فساد العبادة التي يتوقف على تركها فعل الضد الأهم كالإزالة المتوقفة على

٤٠٣

ترك الصلاة فيجب ترك الصلاة مقدمة ويحرم فعلها ويفسد بخلاف ما إذا لم نقل بوجوب المقدمة فلا يكون تركها واجبا كي يحرم فعلها ويفسد (وفيه) ما سيأتي في بحث الضد إن شاء الله تعالى من منع مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الآخر كي إذا قلنا بوجوب المقدمة ترشح الوجوب من الإزالة إلى ترك الصلاة غيريا فيحرم فعلها ويفسد فانتظر يسيرا.

(قوله فانه يمكن التوصل بها إن كانت توصلية ولو لم نقل بجواز الاجتماع ... إلخ) كان الأولى ان يقول هكذا فانه يمكن التوصل بها إن كانت توصلية سواء قلنا بوجوب المقدمة أم لم نقل وعلى القول بوجوبها سواء قلنا بجواز الاجتماع أم لم نقل.

في تأسيس الأصل في المسألة

(قوله اعلم انه لا أصل في محل البحث في المسألة ... إلخ) والسر فيه ان المهم المبحوث عنه كما تقدم في صدر المسألة هي الملازمة العقلية بين وجوب شيء شرعا ووجوب مقدمته كذلك وهي مما ليس لها حالة سابقة في الأزل كي تستصحب فان القائل بها يثبتها من الأول والنافي لها ينفيها من الأزل وليست حالتها السابقة متسالمة عليها عند الفريقين وجودا أو عدما كي إذا عجزنا عن إقامة الدليل على أحد الطرفين رجعنا إلى الحالة الأولية واعتمدنا عليها وأخذنا بها نعم لو كان المهم المبحوث عنه في المسألة هو نفس وجوب المقدمة كان ذلك مما له حالة سابقة وكان مقتضى الأصل عدم وجوبها كما صرح به المصنف في المتن فان وجوب المقدمة شرعا لو قيل به هو أمر حادث مسبوق بالعدم فإذا شك فيه يستصحب عدمه وهذا واضح.

٤٠٤

(قوله وتوهم عدم جريانه لكون وجوبها على الملازمة من قبيل لوازم الماهية ... إلخ) وحاصل التوهم انه لا يجري أصالة عدم وجوب المقدمة عند الشك في الملازمة والعجز عن إقامة الدليل على أحد طرفي المسألة لأن وجوب المقدمة على القول به بالنسبة إلى وجوب ذيها من قبيل لوازم الماهية كالزوجية للأربعة فان الأربعة أينما تحققت سواء كان في الخارج أو في الذهن هي زوج في قبال لازم الوجود الخارجي كالإحراق للنار فانها إذا تحققت في الخارج محرقة دون ما إذا تحققت في الذهن وفي قبال لازم الوجود الذهني كالكلية للإنسان فانه كلما تحقق في الذهن هو كلي قابل للانطباق على كثيرين دون ما إذا تحقق في الخارج فإذا كان وجوب المقدمة من قبيل لوازم الماهية فهو غير مجعول شرعا ولا أثر مجعول يترتب عليه إلا بنذر وشبهه ومن المعلوم انه يشترط في جريان الأصل ان يكون المجرى اما حكما شرعيا مجعولا كما في استصحاب وجوب صلاة الجمعة أو موضوعا يترتب عليه حكم شرعي مجعول كما في استصحاب الخمرية المترتبة عليها الحرمة فإذا لم يكن المجرى في المقام امرا مجعولا ولا أثر مجعول يترتب عليه لم يجر فيه الأصل ولم يثبت به عدمه (وحاصل الدفع) ان وجوب المقدمة على الملازمة وان لم يكن مجعولا للشارع لا بالجعل البسيط وهو تكوين الشيء وإيجاده المعبر عنه بمفاد كان التامة كما في كان زيد ولا بالجعل التأليفي وهو جعل شيء لشيء المعبر عنه بمفاد كان الناقصة كما في كان زيد عالما ولكنه مجعول شرعا تبعا أي بتبع جعل وجوب ذي المقدمة وهذا المقدار من المجعولية الشرعية مما يكفى في جريان الأصل فيه فيجري ويثبت به نفى وجوب المقدمة عند الشك في الملازمة.

(قوله ولزوم التفكيك بين الوجوبين مع الشك ... إلخ) دفع لما قد يتوهم من انه مع وجوب ذي المقدمة إذا أجرينا أصالة عدم وجوب المقدمة

٤٠٥

فيثبت بها التفكيك لا محالة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة والتفكيك بينهما عبارة أخرى عن نفى الملازمة فكيف ادعى انه لا أصل في المسألة يثبت به حال الملازمة (وحاصل الدفع) ان الأصل إنما يرتفع به الملازمة الظاهرية بين الحكمين الفعليين أي لا يبقى معه ملازمة بين وجوب ذي المقدمة فعلا ووجوب مقدمته كذلك ولا يكاد يرتفع به الملازمة الواقعية بين الحكمين الواقعيين بحيث يثبت به ان مع وجوب ذي المقدمة واقعا لا تكون المقدمة واجبة واقعا بل المقدمة على تقدير الملازمة ثبوتا واجبة واقعا وان لم تكن واجبة ظاهرا بحكم الأصل للشك في الملازمة إثباتا.

(قوله لصح التمسك بالأصل ... إلخ) وفي بعض النسخ لما صح التمسك بالأصل وهو غير صحيح والصحيح لصح التمسك بالأصل أي لنفي الملازمة الفعلية.

في الاستدلال على وجوب المقدمة

(قوله إذا عرفت ما ذكرنا فقد تصدى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على الملازمة ... إلخ) قد ذكر في التقريرات عن القوم اثني عشر دليلا لوجوب المقدمة أكثرها للمحقق السبزواري وأهمها من حيث النقض والإبرام حتى ان المصنف عبر عنه كما سيأتي في المتن بالأصل بالنسبة إلى سائر الاستدلالات ما نسب إلى أبي الحسين البصري ولكن أسدها وأقواها لدى التدبر ما احتج به صاحب التقريرات أعلى الله مقامه وتبعه المصنف في الكتاب من شهادة الوجدان بمعنى ان من راجع وجدانه وجد استقلال العقل بالملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدماته مما يتوقف عليه وجوده غايته انه قد يلتفت إلى المقدمة تفصيلا فيتعلق بها إرادته التفصيلية

٤٠٦

المستقلة وربما يجعلها في قالب الطلب المستقل ويقول مثلا أدخل السوق واشتر اللحم فيكون وجوبها حينئذ أصليا كوجوب ذيها وقد لا يلتفت إليها على التفصيل فيتعلق بها إرادته الإجمالية تبعا لإرادة غيره فيكون وجوبها حينئذ تبعيا لا أصليا فان الإرادة المتعلقة بالمقدمة وإن كانت مطلقا لازمة لإرادة ذيها ولكن إذا كانت المقدمة تحت الالتفات فهي تفصيلية مستقلة وإذا لم تكن تحت الالتفات فهي إجمالية تبعية.

(قوله ان الإنسان إذا أراد شيئا له مقدمات أراد تلك المقدمات لو التفت إليها ... إلخ) وفي العبارة مسامحة واضحة فان الإنسان إذا أراد شيئا له مقدمات أراد تلك المقدمات لا محالة ولو لم يلتفت إليها غايته انه إذا التفت إلى المقدمات أرادها تفصيلا مستقلا وإلا أرادها إجمالا تبعا.

(قوله ترشحت منها له إرادة أخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليها ... إلخ) وفي العبارة مسامحة أيضا يظهر وجهها مما تقدم آنفا فانه إذا تعلقت إرادته بشراء عبده اللحم ترشحت منها إرادة أخرى بدخول عبده السوق لا محالة وان لم يلتفت إلى دخول السوق أصلا غايته انه إذا التفت إليه ترشحت منها إرادة تفصيلية مستقلة وإلا فتترشح منها إرادة إجمالية تبعية.

(قوله ويؤيد الوجدان بل يكون من أوضح البرهان وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ... إلخ) وقد أفاد في وجه ذلك في الكتاب (ما حاصله) انه لا يكاد يتعلق الأمر الغيري بمقدمة شرعا كما في قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... إلخ. أو عرفا كما في قول المولى ادخل السوق واشتر اللحم إلا إذا كان فيها مناطه وإذا كان فيها مناطه كان في مثلها مما لم يؤمر به فيصح الأمر الغيري به أيضا لتحقق المناط فيه (وفيه) ان المقصود من ذلك إن كان مجرد صحة تعلق الأمر الغيري بمثلها لوجود المناط فيه فهذا مما

٤٠٧

لا ينكره أحد غير ان مجرد صحة تعلق الأمر به مما لا يدل على تعلقه به خارجا وإن كان المقصود منه ان مثلها أيضا قد تعلق به الأمر الغيري فان كان المراد تعلق الغيري الاستقلالي فهذا خلاف الواقع قطعا فان الاستقلالي مما يحتاج إلى خطاب مستقل نظير قوله ادخل السوق واشتر اللحم ولا يكاد يكفيه مجرد المناط كما لا يخفى وان كان المراد تعلق الغيري الترشحي ففيه ان مجرد وجود المناط في كل شيء مما لا يكفى في اتصافه بالوجوب الغيري الترشحي ما لم تثبت الملازمة وهي وان أثبتها المصنف بالوجدان ولكن وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات مما لا يكون دليلا عليها نعم هو مما يؤيد الوجدان لا من أوضح البرهان وهذا واضح.

(قوله ولا بأس بذكر الاستدلال الّذي هو كالأصل لغيره ... إلخ) وهو كما في التقريرات ما احتج به جماعة أو لهم على ما ذكروه أبو الحسين البصري وتبعه من تأخر عنه وهو ان المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها وحينئذ فان بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق أو بالمحال كما في تعبير التقريرات وإلا يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا (وقد أورد عليه المصنف) (أولا) بما حاصله انه يجب إصلاح الاستدلال المزبور من ناحيتين وإلا فهو ناقص سقيم (الأولى) ان يراد من الجواز في الشرطية الأولى وهي قوله لو لم تكن المقدمة واجبة لجاز تركها عدم المنع الشرعي أي لو لم تكن المقدمة واجبة لم يمنع شرعا تركها لا الإباحة الشرعية إذ لا ملازمة عقلا بين نفى وجوب المقدمة شرعا وبين الإباحة الشرعية وذلك لجواز استحبابها شرعا أو عدم كونها محكومة بحكم شرعي أصلا كما أشير قبلا ويأتي في المتلازمين في مسألة الضد إن شاء الله تعالى وان وجب أن لا تكون فعلا محكومة بحكم مخالف لذي المقدمة مع جواز كونها محكومة بحكم مخالف له واقعا غير فعلى وقد أشار المصنف إلى

٤٠٨

ذلك كله بقوله الآتي في المتن بداهة انه لو لم يجب شرعا لا يلزم أن يكون جائزا شرعا وعقلا لإمكان أن لا يكون محكوما بحكم شرعا إلخ. (الثانية) ان يراد مما أضيف إليه الظرف أي من لفظ (إذ) المضاف إليه كلمة (حين) خصوص الترك أي وحين تركها فان بقي الواجب على وجوبه إلخ ، لا حين أن جاز تركها وإلا فبمجرد ان جاز ترك المقدمة لا يلزم ان بقي الواجب على وجوبه التكليف بما لا يطاق أو المحال ، وقد أشار المصنف إلى ذلك كله بقوله الآتي وإلا فمجرد الجواز بدون الترك لا يكاد يتوهم صدق قضية الشرطية الثانية إلخ. (وثانيا) ان ترك المقدمة بمجرد ان لم يمنع عنه شرعا لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين الأخيرتين أي ان بقي الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لا يطاق أو المحال وإلا خرج الواجب المطلق عن وجوبه لأنا نختار الشق الثاني وهو عدم بقاء الواجب على وجوبه ولا يلزم خروج الواجب المطلق عن وجوبه بمعنى صيرورته مشروطا بالإتيان بالمقدمة وذلك لأن سقوط الوجوب حينئذ يكون بالعصيان لتمكنه من الإطاعة والإتيان وقد اختار الترك بترك المقدمة بسوء اختياره مع حكم العقل بلزوم إتيانها إرشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب نعم لو كان ترك المقدمة مما جاز شرعا وعقلا كان يلزم أحد المحذورين إما لزوم التكليف بما لا يطاق أو المحال. وإما خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا إلا ان الملازمة على هذا في الشرطية الأولى وهي قوله ان المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها ممنوعة لوضوح عدم الملازمة بين عدم وجوب المقدمة شرعا وبين جواز تركها شرعا وعقلا وذلك لإمكان ان لا تكون المقدمة محكومة بحكم فعلى شرعا كما تقدم مع كونها واجبة عقلا إرشادا فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.

٤٠٩

في بيان تفصيلين في المسألة

بين السبب وغيره وبين الشرط الشرعي وغيره

(قوله وأما التفصيل بين السبب وغيره إلخ) بمعنى ان المقدمة ان كانت من الأسباب كالعقود والإيقاعات بالنسبة إلى المسببات فتجب وإلا بأن كانت من المعدات كدخول السوق لشراء اللحم أو نصب السلم للكون على السطح ونحو ذلك فلا تجب (وبعبارة أخرى) إن كان ذو المقدمة من الأفعال التسبيبية التوليدية كالزواج والطلاق والعتاق ونحو ذلك مما ليس بنفسه تحت القدرة والاختيار إلا أسبابها من العقود والإيقاعات ونحوهما فهذا مما يجب مقدمته وإلا بأن كان ذو المقدمة من الأفعال المباشرة كشراء اللحم والصعود على السطح ونحوهما مما كان بنفسه تحت القدرة والاختيار فهذا مما لا يجب مقدمته (والسر في الوجوب) في الأول دون الثاني ان الواجب في الأول بنفسه ليس أمرا مقدورا للمكلف فلا بد من صرف التكليف النفسيّ منه إلى مقدمته بخلافه في الثاني فهو بنفسه مقدور له فلا ملزم لصرفه عنه إلى مقدمته فلا يجب مقدمته (وقد أجاب عنه المصنف) بأمرين : (الأول) ان هذا ليس تفصيلا في الوجوب الغيري المتنازع فيه وإنما هو تفصيل في اتصاف المقدمة بالوجوب النفسيّ المتعلق بذي المقدمة بزعم لزوم صرفه إليها في خصوص التسبيبيات لعدم كونها تحت القدرة والاختيار دون المباشريات (الثاني) ان الواجب في التسبيبيات مقدور للمكلف ولو بالواسطة وهذا المقدار من القدرة مما يكفى في تعلق التكليف به عقلا فلا موجب لصرفه عنه إلى مقدمته.

٤١٠

(أقول) هذا كله مضافا إلى ان مقتضى ما استند إليه المفصل هو صرف التكليف النفسيّ من ذي المقدمة إلى مجموع العلة التامة من السبب والشرط وعدم المانع والمعد لا إلى خصوص السبب فقط من بين أجزاء العلة التامة ولعل مقصود المفصل من السبب هو مجموع العلة فلا إشكال عليه من هذه الناحية.

(قوله وأما التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره إلخ) بمعنى ان مثل الطهارات الثلاث والستر والقبلة ونحو ذلك من الشرائط الشرعية واجب شرعا نظرا إلى انه لو لا وجوبه شرعا لما كان شرطا فانه ليس مما لا بد منه عقلا أو عادة كي يعرف بذلك انه شرط فإذا كان مع ذلك شرطا يعرف انه واجب شرعا وبه صار شرطا (هذا) في الشرط الشرعي (وأما غيره) من المقدمات العقلية والعادية كالسير إلى الحج أو دخول السوق لشراء اللحم أو نصب السلم للصعود على السطح ونحو ذلك مما يتوقف عليه الواجب عقلا أو عادة فهو غير واجب شرعا (وقد أورد عليه المصنف) من وجهين : (الأول) ما تقدم في صدر المسألة من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي (وفيه) ان مقتضى ذلك في نظر المفصل هو عدم وجوب الشرعي كالعقلي لا وجوب العقلي كالشرعي كما هو مقصد المصنف (اللهم) إلا إذا كان مراد المصنف مجرد إبطال التفصيل وإبداء عدم الفرق بينهما لا إلحاق العقلي بالشرعي في الوجوب (الثاني) ان تعلق الوجوب الغيري بشيء هو مما يتوقف على مقدميته وشرطيته فلو كانت شرطيته تتوقف على تعلق الوجوب الغيري به كما يظهر من المفصل حيث قال لو لا وجوبه شرعا لما كان شرطا لدار (لا يقال) ان الشرطية منتزعة عن التكليف فهي متوقفة لا محالة على الوجوب الشرعي كما أفاد المفصل ولا محيص عن الدور (لأنه يقال) ان الشرطية منتزعة عن التكليف النفسيّ المتعلق بما قيد بالشرط لا عن التكليف الغيري المتعلق بالشرط كي يلزم الدور (وفيه)

٤١١

ان الشرطية كما انها إذا كانت منتزعة عن التكليف الغيري المتعلق بالشرط يلزم الدور فكذلك إذا كانت منتزعة عن التكليف النفسيّ المتعلق بما قيد بالشرط يلزم الدور فان تعلق الوجوب النفسيّ بما قيد بالشرط فرع شرطية الشرط فإذا كانت شرطية الشرط منتزعة عن التكليف النفسيّ المتعلق بما قيد بالشرط لدار ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم (والحل) ان تعلق الوجوب الغيري بالشرط أو الوجوب النفسيّ بما قيد بالشرط يتوقف على شرطية الشرط ثبوتا وعلى دخالته في المصلحة والملاك لبا وانتزاع عنوان الشرطية إثباتا يتوقف على تعلق الوجوب الغيري بالشرط أو الوجوب النفسيّ بما قيد بالشرط فالشرطية المتوقفة عليها الوجوب الغيري أو النفسيّ المتعلق بما قيد بالشرط (ثم ان اللازم) على هذا في مقام الرد على المفصل ان يقال ان الاستدلال المزبور أي لو لا وجوب الشرط شرعا لما كان شرطا وان صح إلا ان هذا مما لا ينافى وجوب بقية المقدمات أيضا بقاعدة الملازمة كما تقدم (مضافا) إلى ان كلا منها هاهنا في هذا البحث إنما هو في الوجوب الغيري الترشحي بحيث لو لم يكن إلا وجوب ذي المقدمة فهل كنا نقول بترشح الوجوب الغيري منه إلى المقدمة بقاعدة الملازمة أم لا لا في الوجوب الغيري الاستقلالي المستفاد من خطاب مستقل مثل قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلخ. أو قول المولى ادخل السوق واشتر اللحم ومن المعلوم ان الشروط الشرعية كلها من قبيل الثاني ويكون بخطاب مستقل فلا بحث فيه ولا نزاع وهذا واضح.

(قوله فافهم إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

٤١٢

في مقدمة المستحب ومقدمة الحرام

ومقدمة المكروه

(قوله تتمة لا شبهة في ان مقدمة المستحب كمقدمة الواجب فتكون مستحبة لو قيل بالملازمة إلخ) غايته انه في مقدمة الواجب يترشح الوجوب الغيري وفي مقدمة المستحب يترشح الاستحباب الغيري (وبالجملة) بناء على استقلال العقل بالملازمة بين إرادة الشيء وإرادة ما يتوقف عليه ذلك الشيء لا فرق بين إرادة الشيء إيجابا وإرادته استحبابا ففي كليهما تتعلق الإرادة بالمقدمة غايته انه إن كانت إيجابية فإيجابية وإن كانت استحبابية فاستحبابية.

(قوله وأما مقدمة الحرام والمكروه فلا يكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة إلخ) والسر فيه ان المطلوب في الواجب أو المستحب هو الفعل والفعل يتوقف على المقدمات فتجب المقدمات أو تستحب ولكن المطلوب في الحرام أو المكروه هو الترك والترك مما لا يتوقف على ترك المقدمات كي يحرم فعلها أو يكره وذلك لجواز أن يؤتى بالمقدمات جميعا ولا يؤتى بالحرام أو المكروه خارجا (نعم المقدمة) التي لا يبقى معها اختيار ترك الحرام أو المكروه محفوظا بل بمجرد ان يؤتى بها خارجا يتحقق الحرام أو المكروه قهرا كما في المقدمة الأخيرة في الأفعال التسبيبية وان شئت قلت كالجزء الأخير من العلة التامة للحرام مما لا محيص عن حرمتها أو كراهتها بمعنى ترشح الحرمة الغيرية إليها فإذا حرم مثلا إحراق المسلم لم يحرم حفر الحفيرة ولا جمع الحطب ولا تأجيج النار ونحو ذلك من المقدمات لجواز أن يتحقق جميع هذه المقدمات ولا يتحقق

٤١٣

الإحراق في الخارج ولكن يحرم من بين تمام المقدمات خصوص الإلقاء في النار لأنه المقدمة الأخيرة التي لا يتمكن معها من ترك الإحراق خارجا.

(قوله فلو لم يكن للحرام مقدمة لا يبقى معها اختيار تركه إلخ) كما في الأفعال الاختيارية المباشرية التي لو أتى بتمام مقدماتها كان اختيار المكلف باقيا محفوظا على حاله إن شاء أتى بالفعل وإن شاء لم يأت به كالزناء والقمار وشرب الخمر ونحو ذلك من المحرمات التي هي من الأفعال المباشرية في قبال الأفعال التسبيبية التي لو أتى فيها بالمقدمات تحقق الفعل قهرا بلا اختيار له كالقتل والإحراق ونحوهما فإذا قطع أوداجه أو شق بطنه أو ألقاه في حفيرة النار زهق روحه بلا اختيار للفاعل بحيث لو ندم بعد القطع أو الشق أو الإلقاء وأراد أن لا يزهق الروح لم يتمكن (وعليه) ففي المحرمات المباشرية حيث انه ليس مقدمة لا يبقى معها اختيار ترك الحرام محفوظا لا تتصف مقدمة من مقدماتها بالحرمة أبدا بخلاف التسبيبية فيحرم الجزء الأخير من العلة التامة :

(قوله لا يقال كيف ولا يكاد يكون فعل إلا عن مقدمة لا محالة معها يوجد إلخ) (أي لا يقال) ما من فعل إلا وله مقدمة لا محالة معها يوجد ويتحقق خارجا وهي الجزء الأخير من العلة التامة فكيف يقال انه ليس في المحرمات المباشرية مقدمة لا يبقى معها اختيار الحرام محفوظا فلا تتصف بالحرمة مقدمة من مقدماتها أبدا بل على هذا يجب أن يتصف الجزء الأخير من علتها التامة بالحرمة الغيرية كما في الجزء الأخير منها في المحرمات التسبيبية عينا (لأنه يقال) نعم ولكن الجزء الأخير في المحرمات المباشرية مبادئ الاختيار من الخطور والميل والجزم والشوق الأكيد المعبر عنه بالإرادة المحركة للعضلات ومبادئ الاختيار ليست باختيارية وإلا لكانت اختياريتها بمبادئ أخر وهكذا فيتسلسل فإذا لم تكن المبادي اختيارية لم يمكن اتصافها بالحرمة (وعليه) ففي

٤١٤

المحرمات المباشرية لا تتصف مقدمة من مقدماتها بالحرمة بخلاف التسبيبية فتتصف المقدمة الأخيرة من بين مقدماتها بالحرمة.

(أقول) قد عرفت منا غير مرة سيما في دفع شبهة الجبر في ذيل الطلب والإرادة اختيارية الإرادة باختيارية بعض مقدماتها فان اختيارية الأفعال تكون بها فكيف يعقل أن لا تكون هي اختيارية (وعليه) فإذا كانت الإرادة اختيارية جاز اتصافها بالحرمة غيريا كما في الجزء الأخير من العلة التامة في المحرمات التسبيبية عينا.

في مسألة الضد وبيان أقوالها

(قوله الأمر بالشيء هل يقتضى النهي عن ضده أو لا فيه أقوال إلخ) في هذه المسألة مقامان من البحث : (الأول) وهو أهم المقامين في اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاصّ فإذا أمر مثلا بإزالة النجاسة عن المسجد فهل هو يقتضى النهي عن الصلاة أم لا (الثاني) في اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده العام أي الترك فإذا أمر بشيء مخصوص فهل هو يقتضى النهي عن تركه أم لا (أما المقام الثاني) فقال في التقريرات في المقدمة الخامسة (ما هذا لفظه) الأقوال في الضد العام خمسة (أحدها) نفى الاقتضاء رأسا وهذا صريح العضدي والحاجبي والمنسوب إلى العميدي وجمهور المعتزلة وكثير من الأشاعرة ودعوى بعض كصاحب المعالم انه لا خلاف في الضد العام في أصل الاقتضاء بل في كيفيته كما تقدم لا أصل لها (وثانيها) الاقتضاء على وجه العينية على معنى ان الأمر بالشيء والنهي عن تركه عنوانا متحدان ممتازان بحسب المفهوم (وثالثها) الاقتضاء على وجه التضمن (رابعها وخامسها) الالتزام اللفظي والعقلي (انتهى)

٤١٥

والظاهر ان المراد من الالتزام اللفظي في القول الرابع هو ان الأمر بالشيء مما يدل على النهي عن الضد العام بالالتزام لفظا بدعوى كون النهي عن الضد العام من اللوازم البينة بالمعنى الأخص للأمر بالشيء وفي الخامس يدل عقلا بدعوى عدم كونه من اللوازم البينة بالمعنى الأخص لكنه من لوازمه عقلا (وأما المقام الأول) فقد قال في التقريرات في المقدمة الخامسة أيضا بعد الفراغ عن أقوال الضد العام (ما هذا لفظه) وفي الضد الخاصّ أربعة إذ لم نجد ولا حكى عن أحد القول بالتضمن (انتهى) ولكن في مقام نقل الحجج قد ذكر للقول بالتضمن حجة مستقلة مدعيا كونها مذكورة في كتب القوم ومن المعلوم ان ذكر الحجة هو فرع وجود القائل بها (وعليه) فالأقوال في الضد الخاصّ أيضا خمسة بل سبعة (سادسها) ما حكاه التقريرات بعد قوله وفي الضد الخاصّ أربعة بفصل يسير (قال) وفي الضد الخاصّ قول آخر للبهائي رحمه‌الله وهو ان الأمر بالشيء لو قيل انه يقتضى عدم الأمر بالضد مكان النهي عنه لكان أولى إلخ (وسابعها) ما حكاه في التقريرات أيضا في أواخر المسألة من التفصيل فيها (قال) ما هذا لفظه بقي الكلام في قولين آخرين أحدهما لبعض المحققين من متأخري المتأخرين والثاني لشيخنا البهائي وقد تقدم لذلك ذكرا أما القول الأول فهو التفصيل بين ما إذا كان الضد من أسباب امتناع المأمور به في حق المكلف كالمسافرة في البحر بالنسبة إلى إيصال الدين الواجب المضيق ونحوه وبين ما إذا لم يكن كذلك كقراءة القرآن بالنسبة إلى أداء الشهادة (انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه).

(قوله الأول الاقتضاء في العنوان أعم من أن يكون بنحو العينية أو الجزئية أو اللزوم إلخ) كما انك قد عرفت مما تقدم ان اللزوم أعم من أن يكون لفظيا على نحو كان النهي عن الضد من اللوازم البينة بالمعنى الأخص للأمر

٤١٦

بالشيء أو عقليا على نحو كان من اللوازم البينة بالمعنى الأعم له بل قد عرفت مما تقدم أمرين آخرين أيضا (أحدهما) ان المسألة ليست لفظية محضة ولا عقلية محضة وذلك لما سبق من ان النزاع فيها مما لا ينحصر بدلالة الأمر بالشيء على النهي عن الضد بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام اللفظي بل يقع النزاع في دلالته مطلقا ولو بالالتزام العقلي (ومن هنا قال في المعالم) الحق ان الأمر بالشيء على وجه الإيجاب لا يقتضى النهي عن ضده الخاصّ لا لفظا ولا معنى يعنى في قبال من فصل بين الاقتضاء لفظا فنفاه وبين الاقتضاء معنى أي عقلا فأثبته وهو القول الخامس في المسألة كما تقدم (ثانيهما) ان المسألة أصولية فان الضد على القول بالاقتضاء مما يحرم فيفسد إذا كان عبادة بناء على ان النهي في العبادات مما يوجب الفساد كما سيأتي وعلى القول بعدم الاقتضاء لا يحرم فلا يفسد وهذا حكم شرعي كلي يترتب ثبوتا ونفيا على طرفي المسألة فتكون أصولية نعم إنما تتم الثمرة إذا لم نقل بجواز الترتب وإلا فيصح الضد ولو كان عبادة حتى على القول بالاقتضاء على ما ستعرف شرحه وتفصيله فانتظر.

(بقي أمر واحد) مهم وهو ان موضع النزاع في هذا البحث هل هو يختص بما إذا كان الشيء المأمور به مضيقا وكان ضده موسعا كما في الإزالة والصلاة فان الأول مضيق بمعنى كونه فوريا والثاني موسع بمعنى عدم كونه فوريا أم لا بل يشمل ما إذا كانا موسعين جميعا كأداء الشهادة والصلاة فيما إذا لم يفرض ضيق وقتهما أو كانا مضيقين جميعا كالإزالة والصلاة في آخر الوقت أو لم يكن الضد واجبا أصلا فضلا عن ان يكون موسعا أو مضيقا كما في الإقامة لقضاء شهر رمضان عند ضيق الوقت مع السفر (مختار المحقق القمي) هو الأول (ومختار صاحب التقريرات) هو الثاني (قال المحقق المذكور) ما هذا لفظه الرابعة موضع النزاع ما إذا كان المأمور به مضيقا والضد موسعا

٤١٧

ولو كانا موسعين فلا نزاع واما لو كانا مضيقين فيلاحظ ما هو الأهم. انتهى (وقال في التقريرات) في المقدمة الثانية بعد ما نقل العبارة المذكورة وشيئا مما بعدها ما هذا لفظه ويمكن المناقشة في هذا الكلام أو لا بان إخراج الموسعين عن محل النزاع مما لا وجه له فان الملازمة التي أثبتوها بين الأمر بالشيء والنهي عن ضده عقلية سارية في جميع الأوامر فكما ان الأمر المضيق يقتضى النهي عن ضده الموسع كذلك الأمر الموسع يقتضى ذلك من غير فرق والحاكم بذلك هو العقل على القول بالاقتضاء غاية الأمر ان النهي في الموضعين يختلف حسب اختلاف الأمرين فالأمر المضيق يقتضى النهي عن ضده على جهة التضييق والتعيين والأمر الموسع يقتضيه على جهة التوسعة والتخيير (إلى ان قال) وهكذا الكلام في المضيقين المتساويين في الأهمية فان قاعدة الاقتضاء المزبورة قاضية باقتضاء كل منهما النهي عن الآخر على سبيل التخيير العارض للأمرين باعتبار التزاحم والتكافؤ (إلى ان قال) وثانيا بان حصر النزاع في ما إذا كان الضد من الواجبات الموسعة غير جيد لأنهم يتفرعون على هذه المسألة حرمة السفر وفساد المعاملات مع عدم كونهما من الواجبات جدا فضلا عن كونهما موسعين فالتحقيق إرخاء عنان البحث إلى أودية المباحات والمكروهات والمستحبات أيضا لأن اقتضاء الأمر المضيق النهي عن الضد لا اختصاص له بما إذا كان الضد واجبا كما لا يخفى (انتهى) وهو جيد متين كما يظهر بالتأمل (وبالجملة) على القول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد لا ينبغي الفرق بين ان يكون الشيء وضده واجبين مضيقين أو موسعين أو كان الأول مضيقا والثاني موسعا بل لا فرق بين ان يكون الضد واجبا أم لا نعم فيما إذا كان الشيء واجبا موسعا فالنهي الّذي يقتضيه عن الضد على القول به هو النهي عنه موسعا وهو لا يقتضى البطلان وان كان عبادة فتأمل جيدا.

٤١٨

(قوله من جهة التلازم بين طلب أحد الضدين وطلب ترك الآخر أو المقدمية ... إلخ) فان القائلين بالاقتضاء بنحو الالتزام سواء كان لفظيا كما في القول الرابع أو عقليا كما في القول الخامس هم بين من يقول به من جهة التلازم بين طلب أحد الضدين وطلب ترك الآخر (وبعبارة أخرى) من جهة سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الآخر فإذا وجب أحد الضدين سرى الوجوب منه إلى ملازمه أي إلى عدم الضد الآخر فيحرم فعله وبين من يقول به من جهة مقدمية عدم الضد الآخر لوجود هذا الضد فإذا وجب هذا الضد وجب ترك ذاك الضد مقدمة وحرم فعله.

(قوله كما ان المراد بالضد هاهنا هو مطلق المعاند والمنافي وجوديا كان أو عدميا ... إلخ) كل أمر قد لوحظ مع أمر آخر ان كانا من نوع واحد فهما متماثلان وإلا فان كانا غير آبيين عن الاجتماع كالسواد والحلاوة فهما متخالفان وإلا فهما متقابلان وأقسام التقابل أربعة فالمتقابلان أما وجوديان أو أحدهما وجودي والآخر عدمي ولا تقابل بين العدميين فالمتقابلان الوجوديان إن كانا متلازمين في التعقل والتصور فهما المتضايفان كالأبوة والبنوة وإلا فهما المتضادان كالسواد والبياض ونحوهما والمتقابلان اللذان أحدهما وجودي والآخر عدمي إن كان العدمي منهما مما يشترط في صدقه قابلية المحل كما في العمى والبصر إذ لا يصدق العمى إلا على محل كان من شأنه البصر فهما العدم والملكة وإلا فهما الإيجاب والسلب وهو الشيء ونقيضه كالإنسان واللاإنسان (ثم ان) الضدين في اصطلاح أهل المعقول يطلقان على الأمرين الوجوديين الآبيين عن الاجتماع مع عدم التلازم بينهما في التعقل والتصور ولكن المراد من الضد لدى الأصوليين هو مطلق المعاند والمنافي الشامل للنقيض أيضا بقرينة وقوع النزاع في الضد العام أيضا وهو الترك وهذا واضح ظاهر.

٤١٩

(قوله الثاني ان الجهة المبحوثة عنها في المسألة وإن كانت انه هل يكون للأمر اقتضاء بنحو من الأنحاء المذكورة إلا انه لما كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاصّ إنما ذهبوا إليه لأجل توهم مقدمية ترك الضد ... إلخ) قد عرفت ان الأقوال في الضد الخاصّ خمسة بل سبعة أحدها للنافين والبقية للقائلين بالاقتضاء والعمدة من بين أقوال الاقتضاء هو القول باللزوم العقلي فلا عبرة بدعوى العينية أو التضمن ولا بالالتزام اللفظي وهو القول الرابع بدعوى كون النهي عن الضد الخاصّ من اللوازم البينة بالمعنى الأخص للأمر بالشيء بل وهكذا لا عبرة بالقول السابع وهو التفصيل بين ما يوجب الامتناع عن إتيان المأمور به وبين غيره بل لم يؤشر إليه المصنف أصلا. وأما السادس وهو قول البهائي رحمه‌الله من اقتضاء الأمر بالشيء عدم الأمر بالضد فليس لدى الحقيقة قولا آخر في المسألة غير نفى الاقتضاء رأسا وسيأتي التكلم حوله عند بيان ثمرة المسألة فانتظر (ثم ان القائلين) بالالتزام العقلي الذين هم العمدة في المسألة بين من يقول به لأجل مقدمية عدم أحد الضدين لوجود الآخر فإذا وجب أحدهما وجب ترك الآخر مقدمة وحرم فعله وبين من يقول به لأجل كون ترك أحد الضدين ملازما للضد الآخر فإذا وجب أحد الضدين سرى الوجوب منه إلى عدم الضد الآخر وحرم فعله كما ان العمدة من هؤلاء القائلين بالالتزام العقلي هم القائلون به من جهة المقدمية كصاحب الفصول وغيره (وعليه) فاللازم في هذا البحث أولا هو صرف عنان الكلام إلى بيان الحال في المقدمية وعدمها ثم إلى بيان الحال في سراية الحكم من الملازم إلى الملازم وعدمها عند تعرض المصنف لها وان تقدم الكلام فيها مختصرا عند ثمرة القول بالموصلة وأما الجواب عن بقية أقوال المسألة فنتكل على وضوح فسادها كما فعل المصنف قدس‌سره.

٤٢٠