عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

ذلك على خلاف طبعها الأصلي وإن لم يكن مجازا كما سيأتي نظرا إلى كونه بنحو تعدد الدال والمدلول (وعليه) فإذا طرأ التقييد للمادة ولو بتبع تقييد الهيئة كان ذلك على خلاف الأصل أيضا (وبالجملة) المراد من كون التقييد على خلاف الأصل ليس كونه على خلاف الظهور المنعقد للمطلق بوسيلة المقدمات كما أفاد المصنف كي لا يكون العمل المشارك مع التقييد في الأثر بل ولا نفس التقييد أيضا إذا كان بمتصل على خلاف الأصل نظرا إلى عدم انعقاد الإطلاق حينئذ كي يكون التقييد أو العمل المشارك معه في الأثر على خلاف ظهوره ويكون على خلاف الأصل بل المراد من كونه على خلاف الأصل انه على خلاف الطبع الأصلي للماهيات المبهمة المهملة كما أن الإطلاق أيضا هو على خلاف الأصل بهذا المعنى (وعلى هذا كله) فكل من التقييد والعمل المشارك معه في الأثر يكون على خلاف الأصل والطبع الأصلي فتأمل جيدا (ثم ان من تمام ما ذكر إلى هنا) يظهر لك أن الحق في دوران أمر القيد بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة كما أشرنا قبلا هو التوقف والرجوع إلى الأصل العملي لا ترجيح إطلاق الهيئة على إطلاق المادة كما أفاد التقريرات وذلك إذ لم يتم في المقام شيء من وجهيه المذكورين (أما عدم الوجه الأول) فلما عرفت من المصنف من عدم العبرة بالشمولية والاستيعاب كما عرفت منا أنه لا عبرة بالاستناد إلى الوضع أيضا بل العبرة بظهور الكلام في أحد الإطلاقين فان كان ظهور في البين كذلك فهو وإلا فيتوقف ويرجع إلى الأصل (وأما عدم الوجه الثاني) فلان التقييد وإن كان على خلاف الأصل وهكذا العمل المشارك معه في الأثر ولكن لا عبرة بتقليل خلاف الأصل ما لم يكن ذاك موجبا لظهور اللفظ في أحد الإطلاقين فان العبرة كما أشرنا هو بالظهور العرفي لا بمثل هذه الوجوه الاستحسانية التي لا اعتبار لها ما لم توجب ظهور اللفظ في شيء عرفا.

٣٤١

(قوله فتأمل ... إلخ) ولعله إشارة إلى ضعف ما ادعاه من عدم كون العمل المشارك مع التقييد في الأثر على خلاف الأصل وذلك لما أوردناه عليه نقضا وحلا كما عرفت آنفا فلا نعيد.

في تقسيم الواجب إلى النفسيّ والغيري

(قوله ومنها تقسيمه إلى النفسيّ والغيري ... إلخ) إن صاحب التقريرات قبل أن يشرع في تحديد كل من النفسيّ والغيري قد مهد مقدمة (ملخصها) أن متعلق الطلب قد يكون أمرا مطلوبا في ذاته كالمعرفة بالله الكريم وقد يكون أمرا يترتب عليه فائدة خارجة عن حقيقة المطلوب وهذا يتصور على وجهين.

(أحدهما) أن يكون ما يترتب عليه أمرا لا يكون متعلقا لطلب في الظاهر فيكون من قبيل الخواصّ المترتبة على الأفعال التي ليست داخلة تحت مقدرة المكلف حتى يتعلق الأمر بها بنفسها.

(وثانيهما) أن يكون ما يترتب عليه هو التمكن من فعل واجب آخر والوصول إليه (ثم قال ما هذا لفظه) وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أنه قد فسر في كلام غير واحد منهم الواجب النفسيّ بما أمر به لنفسه والغيري بما أمر به لأجل غيره (ثم قال) وعلى ما ذكرنا في التمهيد يلزم أن يكون جميع الواجبات الشرعية أو أكثرها أي ما سوى المعرفة بالله الكريم من الواجبات الغيرية إذ المطلوب النفسيّ قلما يوجد في الأوامر فان جلها مطلوبات لأجل الغايات التي هي خارجة عن حقيقتها فيكون أحدهما غير منعكس أي تعريف النفسيّ لعدم شموله لأكثر الواجبات النفسيّة مما وجب لأجل ما فيه من الخواصّ

٣٤٢

والفوائد ويلزمه أن يكون الآخر غير مطرد أي تعريف الغيري لدخول أكثر الواجبات النفسيّة فيه (إلى أن قال) فالأولى في تحديدهما أن يقال ان الواجب الغيري ما أمر به للتوصل إلى واجب آخر والنفسيّ ما لم يكن كذلك فيتم العكس والطرد (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.

(أقول) ومن جميع ذلك كله يظهر لك أن ما ذكره المصنف في تعريف النفسيّ والغيري بقوله في الكتاب فان كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب لا يكاد التوصل بدونه إليه لتوقفه عليه فالواجب غيري وإلّا فهو نفسي سواء كان الداعي محبوبية الواجب بنفسه كالمعرفة بالله أو محبوبيته بماله من فائدة مترتبة عليه كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات ... إلخ هو بعينه ما ذكره صاحب التقريرات غير أن المصنف أورد عليه أخيرا بقوله هذا لكنه لا يخفى ... إلخ (وحاصل الإيراد) أن أكثر الواجبات النفسيّة التي أمر بها لأجل ما فيها من الخواصّ والفوائد على هذا تكون واجبات غيرية فان تلك الفوائد لو لم تكن لازمة واجبة لما دعت المولى إلى إيجاب ذي الفوائد فينطبق حينئذ على أكثر الواجبات النفسيّة تعريف الغيري وهو ما أمر به للتوصل إلى واجب آخر فإذا كان مثل هذه الواجبات النفسيّة غيرية فقد اختل كل من تعريف النفسيّ والغيري جميعا فالغيري يختل طردا والنفسيّ عكسا

(قوله فان قلت نعم وان كان وجودها محبوبا لزوما ... إلخ) هذا تصحيح لتعريفي التقريرات للنفسي والغيري المتقدمين آنفا ودفع لما أورده المصنف عليهما بقوله هذا لكنه لا يخفى (وحاصله) ان الخواصّ والفوائد المترتبة على أكثر الواجبات النفسيّة وان كانت لازمة قطعا ولكنها حيث كانت خارجة عن تحت قدرة المكلف لم يصح تعلق التكليف بها لتكون واجبة وينطبق حينئذ على أكثر الواجبات النفسيّة تعريف الغيري وهو ما أمر به

٣٤٣

للتوصل إلى واجب آخر بخلاف غايات الواجبات الغيرية فانها مقدورة للمكلف بنفسها فيتعلق بها التكليف وينطبق على ذيها حينئذ تعريف الغيري وهو ما أمر به للتوصل إلى واجب آخر (ثم ان هذا التصحيح) لدى الحقيقة مقتبس من الكلام المتقدم للتقريرات حيث قال فيه فيكون من قبيل الخواصّ المترتبة على الأفعال التي ليست داخلة تحت مقدرة المكلف حتى يتعلق الأمر بها بنفسها ... إلخ (وقد أجاب المصنف) عن هذا التصحيح بقوله قلت ... إلخ وحاصله أن الفوائد وان كانت بنفسها خارجة عن تحت القدرة ولكنها مقدورة للمكلف بالواسطة وهي تكفي في صحة تعلق التكليف بها فان القدرة على السبب قدرة على المسبب ولذا قد يؤمر بالتطهير والتمليك والطلاق والعتاق إلى غير ذلك من المسببات التي هي خارجة بنفسها عن تحت القدرة وان كانت أسبابها تحت قدرة المكلف فإذا صح تعلق التكليف بالفوائد استكشفنا وجوبها إنا من إيجاب ذي الفوائد فينطبق حينئذ على أكثر الواجبات النفسيّة تعريف الغيري وهو ما أمر به للتوصل إلى واجب آخر ولا يتم التصحيح أصلا (انتهى) حاصل الجواب وهو جيد.

(قوله فالأولى أن يقال ... إلخ) هذا لدى الحقيقة تصحيح آخر لتعريفي التقريرات للنفسي والغيري ودفع لما أورده المصنف عليهما بقوله هذا لكنه لا يخفى ... إلخ فالتصحيح الأول كان مقتبسا من الكلام المتقدم للتقريرات ولم يقبله المصنف وقد أجاد وهذا تصحيح آخر ذكره المصنف من عند نفسه (وحاصله) أن الواجب النفسيّ معنون بعنوان حسن في نفسه ولم يؤمر به الا لحسنه الكذائي وان كان مقدمة لواجب آخر أي لما يترتب عليه من الخواصّ والفوائد اللازمة الواجبة والواجب الغيري ما أمر به لأجل واجب آخر وان كان معنونا بعنوان حسن في نفسه كما في الطهارات الثلاث (وفيه)

٣٤٤

ان الواجبات النفسيّة وان كانت معنونة بعنوان حسن قطعا ولكن ليس حسنها في الأغلب في نفسها كالمعرفة بالله الكريم بل لأجل ما يترتب عليها من الخواصّ والفوائد وعليه فإذا أمر بها لحسنها فقد أمر بها لأجل خواصها وفوائدها وهي لازمة واجبة كما أن الواجب الغيري حيث أنه مما يتوصل به إلى واجب آخر يكون حسنا لهذه الجهة فإذا أمر به لأجل واجب آخر فقد أمر به لحسنه قطعا فإذا لا يبقى فرق بين النفسيّ والغيري أصلا ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فتأمل (وعلى كل حال) إن شيئا من التصحيحين لم يتم لا التصحيح المقتبس من كلام التقريرات كما أشير آنفا ولا التصحيح الّذي كان من المصنف بنفسه ولكن التعريفين مع ذلك مما لا نقص فيه فان الإيراد الّذي أورده المصنف عليهما بقوله المتقدم هذا ولكنه لا يخفى ... إلخ مما لا يرد عليهما فان المراد من الواجب في تعريف التقريرات للغيري بما أمر به للتوصل إلى واجب آخر ليس مطلق الأمر اللازم الواجب بل اللازم الّذي قد تعلق به الأمر في الظاهر وفي لسان الدليل وذلك بقرينة قوله المتقدم أحدهما أن يكون ما يترتب عليه أمرا لا يكون متعلقا لطلب في الظاهر ... إلخ ومن المعلوم ان الخواصّ والفوائد المترتبة على الواجبات النفسيّة ليست من هذا القبيل فانها وإن كانت لازمة في حد ذاتها ولكنها مما لم يؤمر بها في الظاهر وفي لسان الدليل وإن كانت مما جاز الأمر بها شرعا بلا مانع عنه ولا محذور لكونها مقدورة للمكلف بالواسطة (وعلى هذا) فالفرق بين النفسيّ والغيري محفوظ ثابت لا يختلط بعضهما ببعض فالغيري ما أمر به لواجب آخر قد أمر به في الظاهر وفي لسان الدليل والنفسيّ ما لم يكن كذلك سواء كان محبوبا بنفسه وفي ذاته كالمعرفة بالله الكريم أو كان محبوبا لأجل ما يترتب عليه من الخواصّ والفوائد اللازمة الواجبة كأغلب الواجبات النفسيّة فتأمل جيدا.

٣٤٥

(قوله فلا يتوجه عليه الاعتراض بان جل الواجبات لو لا الكل يلزم أن يكون من الواجبات الغيرية ... إلخ) يعنى به الاعتراض الّذي أورده التقريرات في كلامه المتقدم على تفسير غير واحد منهم للواجب النفسيّ بما أمر به لنفسه والغيري بما أمر به لأجل غيره (حيث قال) وعلى ما ذكرنا في التمهيد يلزم أن يكون جميع الواجبات الشرعية أو أكثرها أي ما سوى المعرفة بالله الكريم من الواجبات الشرعية إذ المطلوب النفسيّ فلما يوجد في الأوامر فان جلها مطلوبات لأجل الغايات التي هي خارجة عن حقيقتها ... إلخ (قوله فتأمل ... إلخ) قد ذكرنا آنفا وجها لقوله فتأمل ويحتمل أن يكون إشارة إلى ضعف قوله ولعله مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه وما أمر به لأجل غيره ... إلخ إذ من المستبعد جدا أن يكون المراد مما أمر به لنفسه أي قد أمر به لكونه معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله بل وبذم تاركه.

إذا شك في واجب أنه نفسي أو غيري

(قوله ثم انه لا إشكال فيما إذا علم بأحد القسمين وأما إذا شك في واجب أنه نفسي أو غيري ... إلخ) تقدم الكلام في ذلك في المبحث السادس من مباحث الصيغة بعد بحث التعبدي والتوصلي (فقال المصنف) هناك ان قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا لكون كل واحد مما يقابلها يعنى الغيري والتخييري والكفائي يكون فيه تقييد الوجوب وتضييق دائرته ... إلخ ولكن صاحب التقريرات حيث تكلم في المقام في الشك في النفسيّة والغيرية مشروحا فأعاد المصنف الكلام فيه ثانيا (قال في

٣٤٦

التقريرات) بعد ما قسم الواجب باعتبار اختلاف دواعي الطلب على وجه خاص إلى غيري ونفسي وفرغ من تحديدهما مع ما لهما من النقض والإبرام (ما هذا لفظه) ثم انه إذا علمنا بأحد القسمين فلا إشكال وإذا شك في واجب أنه من الواجبات الغيرية أو النفسيّة فهناك صور (إلى أن قال) والتحقيق هو القول بان هيئة الأمر موضوعة لخصوصيات الطلب المنقدحة في نفس الطالب باعتبار دواعيها التي تدعو إليها (إلى أن قال) فلا وجه للاستناد إلى إطلاق الهيئة لدفع الشك المذكور بعد كون مفادها الافراد التي لا يعقل فيها التقييد نعم لو كان مفاد الأمر هو مفهوم الطلب صح القول بالإطلاق لكنه بمراحل عن الواقع إذ لا شك في اتصاف الفعل بالمطلوبية بالطلب المستفاد من الأمر ولا يعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب فان الفعل يصير مرادا بواسطة تعلق واقع الإرادة وحقيقتها لا بواسطة مفهومها وذلك أمر ظاهر لا يكاد يعتريه ريب نعم يصح التمسك بالإطلاق من جهة المادة حيث ان المطلوب لو كان الفعل على وجه يكون شرطا للغير يجب التنبيه عليه من المتكلم الحكيم وحيث ليس ما يصلح أن يكون بيانا فيجب الأخذ بالإطلاق ويحكم بان الواجب نفسي غير منوط بالغير على وجه لو فرض امتناع الغير يجب الإتيان به مع إمكانه (انتهى موضع الحاجة من كلامه) رفع مقامه (وملخصه) ان الصيغة موضوعة للافراد من الطلب الحقيقي المنقدح في نفس الطالب لا لمفهوم الطلب فان الفعل لا يتصف بالمطلوبية إلا بواسطة الطلب المستفاد من الأمر لا بواسطة مفهوم الطلب ومن المعلوم ان الفرد من الطلب الحقيقي المنقدح في نفس الطالب جزئيّ لا يعقل فيه التقييد والإطلاق فلا معنى للتمسك بإطلاق الصيغة لكون الواجب نفسيا لا غيريا وان صح التمسك له بإطلاق المادة هذا ملخص كلام التقريرات (واما جواب المصنف عنه) فملخصه

٣٤٧

ان مفاد الصيغة هو مفهوم الطلب الإنشائي لا الفرد من الطلب الحقيقي فان الطلب الحقيقي من الصفات الخارجية كالشجاعة والجود والبخل والعلم والجهل ونحو ذلك مما لا يقبل الإنشاء بالصيغة وليس هو من الأمور الاعتبارية القابلة للإنشاء كالزوجية والملكية والحرية ونحو ذلك واما اتصاف الفعل بالمطلوبية بواسطة تعلق الطلب الإنشائيّ أيضا فاتصافه بالمطلوبية الواقعية يحتاج إلى تعلق الطلب الحقيقي به واتصافه بالمطلوبية بالطلب الإنشائيّ يحتاج إلى تعلق الطلب الإنشائيّ به ومن المعلوم ان مفهوم الطلب الإنشائيّ الّذي قلنا انه مفاد الصيغة هو مما يقبل التقييد والإطلاق جميعا فإذا لا إشكال في الاستناد إلى إطلاق الهيئة لدفع الشك في كون الواجب نفسيا أو غيريا ويثبت بوسيلة الإطلاق انه نفسي لا غيري.

أقول لا إشكال في أن الصيغة ليست موضوعة للطلب الحقيقي كما أفاد المصنف لا لمفهومه ولا لمصداقه فانه ليس من المعاني القابلة للإنشاء كما أشير آنفا بل للطلب الإنشائيّ ولكن الإشكال في أنها (هل هي موضوعة) لنفس الطلب لتستعمل في إنشائه فيكون الموضوع له والمستعمل فيه هو نفس الطلب ويكون الإنشاء من مسوغات الاستعمال كما تقدم ذلك من المصنف في الفرق بين الإخبار والإنشاء بعد الحروف وأشار إليه في المطلق والمشروط أيضا في رجوع الشرط إلى الهيئة دون المادة (أو انها موضوعة) للإنشاء المضاف إلى الطلب على ان يكون الطلب خارجا عن معنى الصيغة وكان طرف إضافة له كما استظهرنا نحن ذلك في كلا المقامين. فيكون من قبيل وضع لفظ العمى للعدم المضاف إلى البصر مع خروج البصر عن متن معناه (أو أنها موضوعة) لمجموع إنشاء الطلب (وعلى كل حال) لا إشكال في إن الإنشاء مما لا يعقل تعلقه بالفرد

٣٤٨

ولا بالكلي فان كلا من الفرد والكلي مما لا يقبل الإنشاء في الخارج بل يتعلق الإنشاء لا محالة بطبيعة الطلب المبهمة المهملة ومن المعلوم انها مما تقبل التقييد والإطلاق جميعا كما ادعى المصنف (غير أنه يشكل الأمر) فيما إذا ذكر القيد بعد إنشاء الطلب كما إذا قال أكرم زيدا ان جاءك ولم يقل ان جاءك زيد فأكرمه فان الطلب بعد ما أنشأ بالصيغة وصار فردا خارجيا لا يكاد يعقل تقييده بل يستحيل عقلا فيختل جواب المصنف قهرا (وعليه) فاللازم في مقام الجواب عن التقريرات والتمسك بإطلاق الصيغة لكون الوجوب نفسيا لا غيريا أن يتمسك بإطلاقها الأحوالي لا الأفرادي فان الطلب المنشأ بالصيغة وإن كان فردا والفرد مما لا يقبل التقييد والإطلاق بحسب الأفراد ولكنه مما يقبل التقييد والإطلاق بحسب الأحوال والتقادير فقد يكون ثابتا في كل حال وعلى كل تقدير وقد يكون ثابتا في حال دون حال وعلى تقدير دون تقدير (هذا ولكنك) قد عرفت منا في المبحث السادس من مباحث الصيغة انه لا يصح التمسك بإطلاق الهيئة ولو كان أحواليا فان الوجوب الغيري ليس مقيدا في لسان الدليل دائما بوجوب ذيها كما في قوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... إلخ كي يعرف من إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا لا غيريا وان جاز التمسك بإطلاقها لكون الواجب مطلقا لا مشروطا (بل إنك إذا تأملت) يظهر لك ضعف ما أفاده التقريرات أيضا من التمسك بإطلاق المادة لكون الوجوب نفسيا لا غيريا فان المادة أيضا في الواجب الغيري ليست مقيدة دائما في لسان الدليل أي بحيث يعرف منه انها مقدمة للغير كما في قولك ادخل السوق لتشتري اللحم كي يعرف من إطلاقها ان الواجب نفسي لا غيري بل قد تكون مطلقة كما إذا قلت لعبدك ادخل مع السوق ثم بعد ما دخل فيه قلت له اشتر اللحم بحيث عرف بعدا ان الأمر بدخول السوق كان

٣٤٩

غيريا لشراء اللحم لا نفسيا وهذا واضح ظاهر لدى التدبر والتأمل فتدبر وتأمل جيدا.

(قوله فانه لو كان شرطا لغيره لوجب التنبيه عليه على المتكلم الحكيم ... إلخ) أي فان الواجب لو كان شرطا لغيره كالطهارة للصلاة أو الدخول في السوق لشراء اللحم لوجب التنبيه عليه فحيث لم ينبه علم ان الواجب نفسي لا غيري (أقول) ان هذا التعليل مما يناسب من تمسك بإطلاق المادة عند الشك في النفسيّة والغيرية كالتقريرات لا بإطلاق الهيئة كالمصنف فان المناسب له في مقام التعليل ان يقول فان الوجوب لو كان مشروطا بوجوب الغير لوجب التنبيه عليه وقد صرح في المبحث السادس من مباحث الصيغة بالتمسك بإطلاق الصيغة يعنى الهيئة للشك في النفسيّة والغيرية نظرا إلى ما في الوجوب الغيري من تقييد الوجوب وتضييق دائرته في نظره فراجع (ثم ان هذه العبارة) هي مقتبسة من العبارة المتقدمة للتقريرات أعني من قوله حيث أن المطلوب لو كان هو الفعل على وجه يكون شرطا للغير يجب التنبيه عليه من المتكلم الحكيم ... إلخ (وعلى كل حال) كان الأولى للمصنف بل وللتقريرات أيضا أن يقول فانه لو كان مقدمة لغيره لوجب التنبيه عليه ... إلخ وذلك ليعم أقسام المقدمة بتمامها ولا يختص بالشرط فقط من بين المقدمات (وكيف كان) الأمر قد عرفت منا ضعف هذا التعليل جدا فلا نعيد لك ضعفه هاهنا ثانيا.

(قوله وأما ما قيل ... إلخ) قد عرفت ان القائل هو صاحب التقريرات وقد ذكرنا نحن عبارته بنحو أبسط فلا تغفل.

(قوله ففيه أن مفاد الهيئة كما مرت الإشارة إليه ليس الافراد بل هو مفهوم الطلب كما عرفت تحقيقه في وضع الحروف ... إلخ) لم يتقدم في وضع الحروف تحقيق من المصنف حول هيئة افعل وانها هي لمفهوم الطلب أو لغير إلا

٣٥٠

ان الهيئات مطلقا حيث كانت ملحقة بالحروف فكان الكلام فيها قد تقدم في ضمن الكلام في الحروف فكما ان الحرف والاسم كانا موضوعين لمعنى واحد وكان كل من لحاظ الآلية والاستقلالية خارجا عن متن المعنى غايته انه قد وضع الحرف ليراد منه معناه بما هو حالة للغير والاسم بما هو هو وفي نفسه وهكذا اسم الإشارة والضمائر كانا موضوعين لمعنى واحد وهو المفرد المذكر مثلا وكان كل من الإشارة والتخاطب خارجا عن أصل المعنى غايته انه قد وضع الأول وبعض الثاني ليشار به إليه ووضع بعض الضمائر ليخاطب به معه فكذلك صيغة أفعل موضوعة لمفهوم الطلب والإنشاء خارج عن أصل المعنى وضعت لينشأ بها ذلك (ثم ان هذا كله) بحسب مختار المصنف قدس‌سره وإلا فقد عرفت منا ان التحقيق في خلاف هذا كله فتأمل جيدا.

(قوله كما يكون غيره أحيانا ... إلخ) كما في موارد الاختبار إذ لا طلب فيها طلبا حقيقيا في النّفس كي يكون هو السبب الإنشاء الطلب بالصيغة بل السبب هو الاختبار والامتحان كما لا يخفى.

(قوله ولعمري انه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق ... إلخ) فاشتبه مفهوم الطلب الإنشائيّ بمصداق الطلب الحقيقي.

(قوله كما مر هاهنا بعض الكلام ... إلخ) يعنى به عند الرد على دعوى الشيخ أعلى الله مقامه من امتناع رجوع القيد إلى الهيئة بدعوى كون مفادها فردا من الطلب الحقيقي والفرد مما لا يقبل التقييد.

(قوله وقد تقدم في مسألة اتحاد الطلب والإرادة ... إلخ) أي تقدم هناك ان الطلب والإرادة موضوعان لمعنى واحد غير أن المعنى على صنفين حقيقي ثابت في النّفس وإنشائي يحصل بالصيغة ولفظ الطلب أظهر في الثاني ولفظ الإرادة أظهر في الأول مع كون كل من لفظي الطلب والإرادة حقيقة

٣٥١

في كلا الصنفين جميعا.

(قوله هذا إذا كان هناك إطلاق ... إلخ) أي تمام ما مر عليك من التمسك بإطلاق الهيئة عند الشك في كون الوجوب نفسيا أو غيريا إنما يتم إذا كان هناك إطلاق بوسيلة مقدمات الحكمة واما إذا اختل إحدى المقدمات كما إذا لم يكن المولى في مقام البيان مثلا فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي فان كان التكليف بالغير الّذي يحتمل كون الواجب مقدمة له فعليا فيجب الإتيان بهذا الواجب على كل حال للعلم بوجوبه حينئذ على أي تقدير سواء كان نفسيا أو غيريا وان لم يكن فعليا كما إذا لم يدخل بعد وقت الغير فلا يجب حينئذ الإتيان بهذا الواجب المشكوك نفسيته وغيريته فانه ان كان نفسيا وجب الإتيان به وان كان غيريا لم يجب الإتيان به لعدم وجوب ذي المقدمة بعد ومن المعلوم انه مهما شك في وجوب شيء ولم يكن هناك بيان عليه من الشرع ولا من العقل جرت البراءة عنه شرعا وعقلا كما سيأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى.

في تذنيبين راجعين إلى النفسيّ والغيري

(قوله تذنيبان الأول ... إلخ) في هذا التذنيب الأول مسألتان : (الأولى) ان الأمر النفسيّ هل يستحق الثواب على امتثاله ويستحق العقاب على عصيانه أم لا (فيقول المصنف) نعم لا ريب في استحقاقهما عليهما عقلا (وفيه ما لا يخفى) فان استقلال العقل باستحقاق العقاب على عصيانه وان كان مما لا ريب فيه ولكن استقلاله باستحقاق الثواب على امتثاله بحيث إذا امتثل العبد أمر مولاه استقل العقل بثبوت حق له فغير معلوم بل من المعلوم خلافه فان المولى ليس إلا من له حق ثابت على العبد أن يمتثل أوامره ونواهيه

٣٥٢

فإذا أطاع العبد أمر مولاه فقد أدى حقه إليه ومن المعلوم أن بأداء حقه إليه لا يصير العبد ذا حق عليه وإلا لتسلسل فان العبد على هذا إذا امتثل أمر مولاه وأدى حقه إليه صار ذا حق عليه والمولى إذا أثاب عبده وأدى حقه إليه صار ذا حق على العبد ، وهلم جرا وهذا باطل قطعا (وعليه) فالمثوبات كلها تكون من التفضل لا من باب الاستحقاق وهذا لدى التدبر واضح ظاهر (الثانية) ان الأمر الغيري هل يستحق الثواب على امتثاله ويستحق العقاب على عصيانه أو لا يستحق شيء منهما أو يفصل بين ما إذا كان الوجوب الغيري مستفادا من خطاب أصلي فيترتب أو تبعي فلا يترتب أو يفصل بين الثواب والعقاب فلا يترتب الأول ويترتب الثاني (وجوه) كما في التقريرات (قال) بل لعله أقوال (انتهى) ومختار المصنف تبعا للتقريرات هو الوجه الثاني أي لا يستحق الثواب على امتثال الأمر الغيري ولا العقاب على عصيانه وقد استشهدا جميعا بحكم العقل بمعنى أنه إذا أتى بالواجب بماله من المقدمات لم يستقل العقل إلا باستحقاق ثواب واحد وإذا ترك الواجب بما له من المقدمات لم يستقل العقل إلا باستحقاق عقاب واحد (غير ان المصنف) علل حكم العقل بعدم الثواب والعقاب على الأمر الغيري كما سيأتي بأن الثواب والعقاب من تبعات القرب والبعد والأمر الغيري مما لا يوجب إطاعته قربا ولا عصيانه بعدا سوى القرب أو البعد الحاصلين من الإتيان بالواجب النفسيّ أو من تركه (وصاحب التقريرات) قد علل فقط حكم العقل بعدم الثواب بما حاصله ان الثواب من فروع الامتثال والامتثال هو الإتيان بالمأمور به على وجه يكون الداعي إلى إيجاده هو الأمر والأمر الغيري لا يصلح للداعوية بل يصلح للتوصل بالمقدمة إلى ذي المقدمة ومع التوصل بها إليه يكون الامتثال امتثالا لذي المقدمة لا للمقدمة

(أقول) اما عدم استحقاق العقاب على ترك المقدمة سوى العقاب

٣٥٣

المترتب على ترك ذي المقدمة بل من حين ترك المقدمة كما سيأتي التصريح به من المصنف فهذا حق لا شبهة فيه وأما عدم استحقاق الثواب بامتثال الغيري فهذا أيضا حق فان استحقاق الثواب مما أنكرناه نحن في الواجب النفسيّ فكيف بالواجب الغيري نعم لا ننكر التفضل فيهما جميعا (ولكن دعوى) ان امتثال الأمر الغيري مما لا يقرب كما أفاد المصنف أو ان الأمر الغيري مما لا يصلح للداعوية كما أفاد التقريرات مما لا وجه له (اما الأول) فلاستقلال العقل بحصول القرب بمجرد الإتيان بالمقدمة إذا كان بداعي وجوبه الغيري وبقصد التوصل بها إلى ذيها ولو لم يتمكن بعدا من الإتيان بذيها اما لطرو أمر أهم أو لموت المكلف أو لغيرهما من الموانع فإذا قال المولى مثلا لعبيده أدخلوا السوق واشتروا لي اللحم وقد دخل بعضهم السوق لا لأجل شراء اللحم ودخل بعضهم بداعي وجوبه الغيري قاصدا به التوصل إلى شراء اللحم ثم لم يتمكنوا جميعا من شراء اللحم استقل العقل بالتفاوت بين العبيد من حيث حصول القرب إلى المولى وعدمه فمن دخل السوق قاصدا به شراء اللحم قد حصل له القرب إليه بخلاف من دخله لا لهذا القصد فلا قرب له ولا كرامة.

(واما الثاني) أي ما أفاده التقريرات فلان الأمر الغيري لا يكاد يقصر عن الأمر النفسيّ في صلاحيته للداعوية غاية الأمر أن داعوية الغيري لا تكاد تنفك عن قصد التوصل به إلى ذي المقدمة بمعنى ان من أتى بالمقدمة بداعي وجوبها الغيري فهو قاصد لا محالة للتوصل بها إلى ذيها وهذا غير دعوى عدم صلاحية الأمر الغيري للداعوية أصلا فتدبر جيدا.

(قوله وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدمات ... إلخ) شرح هذه العبارة إلى قوله فتأمل جيدا. يتوقف على الإشارة إلى ما في

٣٥٤

التقريرات في الجملة (فنقول قال فيه رحمه‌الله) بعد أن ذكر الوجوه بل الأقوال الأربعة المتقدمة في الأمر الغيري من حيث الثواب والعقاب (ما هذا لفظه) والتحقيق عندنا هو القول الثاني أي عدم ترتب الثواب والعقاب على الأمر الغيري مطلقا والّذي يدل على ذلك هو أن الحاكم بالثواب والعقاب اما العقل أو النقل وليس في شيء منهما دلالة على ذلك اما العقل فهو مستقل بعدم استحقاق الآتي بالمقدمة للثواب غير ما يترتب على ذيها (إلى أن قال) واما النقل فغاية ما يمكن الاستناد إليه امران (أحدهما) الآيات الدالة على ترتب الثواب والعقاب على الإطاعة والعصيان الشاملين بعمومها لجميع المطلوبات الشرعية غيريا كان أو نفسيا كقوله من يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وقوله ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا إلى غير ذلك (والجواب عنه) ظاهر بعد ما عرفت من عدم صدق الإطاعة والمعصية في الواجبات الغيرية وذلك ظاهر (وثانيهما) الأدلة الدالة على ترتب الثواب على خصوص بعض المقدمات ويستكشف عن ذلك جواز ترتبه عليها مطلقا فيكون من الطاعات أو يستند في الباقي إلى دعوى عدم الفصل وذلك مثل قوله تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون فان دلالة الآية على ترتب الثواب على المقدمات التي يترتب عليها الجهاد من قطع البوادي وإنفاق الأموال وصرف المئونات مما لا ينبغي إنكارها (مضافا) إلى ما ورد في زيارة مولانا الحسين عليه‌السلام من أنه لكل قدم

٣٥٥

ثواب عتق عبد من أولاد إسماعيل وغيره من الأخبار الصريحة في ذلك (إلى أن قال) والإنصاف أن منع ظهور هذه الروايات أو دلالتها على ترتب الثواب على فعل المقدمات مما لا وجه له إلا أنه مع ذلك لا دلالة فيها على المدعى إذ المقصود في المقام إثبات الاستحقاق ولا أثر من ذلك فيها فلعله مستند إلى فضل الرب الكريم فان الفضل بيده يؤتيه من يشاء (مع أنه) يحتمل أن يقال احتمالا ظاهرا ان الثواب المترتب عليها في هذه المقامات بالحقيقة هو الثواب المترتب على فعل ذي المقدمة ولكنه إذا وزع على الأفعال الصادرة من المكلف في تحصيله يكون لكل واحد من أفعاله شيء من الثواب نظير ما يقول التاجر المسافر الساعي في تحصيل الأرباح عند توزيعه ما حصل له على أيام مسافرته (ومما يؤيد ذلك) ما ورد في بعض الأخبار من ترتب الثواب على الإقدام بعد المراجعة من الزيارة الحسينية فانها ليست من المقدمات جدا (إلى أن قال) لا يقال لو كان الثواب المترتب على فعل المقدمات هو الثواب المترتب على ذويها من دون مدخلية لها فيه يلزم مساواة زيارة البعيد والقريب لأنا نقول لا ريب في أن عسر المقدمات يوجب ازدياد ثواب الواجب فان أفضل الأعمال أشقها ولعل ذلك أمر ظاهر لا سترة عليه جدا (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه (وملخصه) ان الآيات والروايات الظاهرة في ترتب الثواب على المقدمة اما محمولة على التفضل أو على توزيع ثواب ذي المقدمة على المقدمة وان المقدمات مهما كثرت ازداد ثواب ذي المقدمة لصيرورته حينئذ من أفضل الأعمال حيث صار أشقها والمصنف قد اختار هذين الجوابين بعينهما غير انه في الذّكر قد أخر المتقدم وقدم المتأخر.

(أقول) إن حمل الآيات والروايات على التفضل وان كان مما لا بأس به بل هو المتعين فيما دل على ترتب الثواب على الواجبات النفسيّة لما أنكرنا

٣٥٦

الاستحقاق فيها عقلا فكيف بالمقدمات ولكن حملها على التوزيع فيه ما لا يخفى وذلك لما عرفت من حصول القرب بإتيان نفس المقدمات إذا كان بداعي وجوبها الغيري والتوصل بها إلى ذيها وان لم يؤت بذي المقدمة بعدا لطرو مانع عنه خارجا فلو كان الثواب المترتب على المقدمات هو نفس ثواب ذي المقدمة وقد وزع عليها لاقتضى ذلك عدم حصول القرب بها فيما إذا لم يؤت بذيها أصلا.

(قوله وذلك لبداهة ان موافقة الأمر الغيري بما هو أمر ... إلخ) علة لقوله ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد أو لثواب كذلك ... إلخ. وقد أشرنا قبلا ان المصنف قد علل حكم العقل بعدم استحقاق الثواب والعقاب على المقدمات بأنها ليست مقربة ولا مبعدة فهذا هو تعليله له فلا تغفل.

(قوله لا بما هو شروع في إطاعة الأمر النفسيّ ... إلخ) المفهوم من هذا الكلام ان الإتيان بالمقدمة بما هو شروع في امتثال الأمر بذي المقدمة مما يوجب القرب والثواب على ذي المقدمة وسيأتي الإشارة إليه في المقدمة المقصودة بها التوصل أيضا.

(أقول) ان قلنا ان امتثال الأمر الغيري مقرب كامتثال الأمر النفسيّ بحيث إذا أتى بالمقدمة بداعي أمرها الغيري وبقصد التوصل بها إلى ذيها فقد حصل له القرب إلى المولى وان لم يمكنه الإتيان بذي المقدمة بعدا لطرو مانع عنه خارجا فهو وإلا بان قلنا ان المقرب إلى المولى هو مما ينحصر بامتثال الأمر النفسيّ فحينئذ دعوى ان الإتيان بالمقدمة حيث يكون شروعا في امتثال الأمر النفسيّ فيحصل به القرب والثواب على ذي المقدمة مما لا وجه له فان الشروع في امتثال الأمر النفسيّ ليس إلا من زمان الإتيان بنفس الواجب لا الإتيان

٣٥٧

بالمقدمة (وبالجملة) استحقاق العقاب على ترك ذي المقدمة من حين ترك المقدمة مما لا بأس به كما تقدم لأن تركها سبب لتركه ولكن استحقاق الثواب على ذي المقدمة على القول به من حين الإتيان بالمقدمة بدعوى ان الشروع فيها شروع في امتثال ذي المقدمة مما لا يخلو عن مسامحة فان الشروع في امتثال الأمر النفسيّ ليس إلا من حين الشروع بذي المقدمة لا بالمقدمة.

(قوله إشكال ودفع ... إلخ) هاهنا إشكالان قد أفرزهما التقريرات في الذّكر ولكن المصنف قد جعلهما في الظاهر إشكالا واحدا وان أشار إلى كل منهما على حدة (الأول) ما حاصله ان الواجب الغيري على ما تقدم آنفا مما لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب على خلاف الواجب النفسيّ فكيف يترتب الثواب على الطهارات الثلاث مع كونها واجبات غيرية فان الأخبار في ترتب الثواب عليها فوق الاستفاضة ولا سبيل إلى دفع الإشكال بما تقدم في مثل مقدمات الجهاد أو نقل الأقدام إلى زيارة الحسين عليه‌السلام من احتمال التفضل أو التوزيع إذ لعله قد يأباه مساق الأخبار الدالة على ذلك (الثاني) وهو الّذي أشار إليه المصنف بقوله هذا مضافا ... إلخ. ما حاصله ان الواجب الغيري امر توصلي ليس الغرض منه إلا التوصل به إلى ذيه فهو كسائر الواجبات التوصلية مما يحصل الغرض منها بمجرد الإتيان بها كيف ما اتفق ولو على نحو محرم ولذا لو سار إلى الحج على النحو الحرام كما إذا ركب الدّابّة المغصوبة أجزأ وكفى وان أثم في الغصب (وعليه) فكيف يعتبر في الطهارات الثلاث وهي واجبات غيرية قصد القربة والامتثال حيث لا يكاد يكفى مجرد الإتيان بها بدون قصد القربة إجماعا هذا ملخص الإشكالين (وقد تفصى صاحب التقريرات عن الأول) بما حاصله ان الطهارات عبادات في أنفسها مستحبات في حد ذاتها فإذا لا إشكال في ترتب المثوبة عليها (ولكنه ناقش أخيرا في

٣٥٨

هذا التفصي) من جهة ان اللازم على هذا التقدير هو القصد إلى الطلب النفسيّ الندبي ولو في ضمن الطلب الغيري الوجوبيّ كي يترتب عليها الثواب والمعلوم من طريقة الفقهاء هو القول بترتب الثواب على الطهارات وان انحصر الداعي إلى إيجادها الأمر المقدمي على وجه لو لم يعلم باستحبابها النفسيّ كان ذلك كافيا في ترتب الثواب عليها ومن هنا عدل عن هذا الجواب (وقال في الآخر) فالقول بان الثواب من جهة عموم فضله وسعة رحمته أو احتمال التوزيع لعله أقرب فتأمل (انتهى) هذا تفصيله عن الإشكال الأول (وأما تفصيه عن الإشكال الثاني) وهو اعتبار قصد القربة في الطهارات فهو بوجوه ثلاثة (أحدها) ما أجاب به عن الإشكال الأول من أنها عبادات في أنفسها مستحبات في حد ذاتها ثم ناقش فيه أيضا من وجهين (الأول) ان التيمم على ما هو المشهور لم يقم دليل على كونه مطلوبا نفسيا فالإشكال فيه باق على حاله (الثاني) ما حاصله ان الطهارات لو كانت عبادات نفسية فكيف يؤتى بها على وجه القربة بواسطة الأمر المقدمي الّذي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب وكيف يعقل أن يقع الفعل عبادة بإتيانه بداعي أمره الغيري لا النفسيّ العبادي ولذا قد عدل أيضا عن هذا التفصي إلى الوجهين الذين سيذكرهما المصنف بعد هذا فانتظر هذا كله من أمر صاحب التقريرات (واما المصنف) فقد تفصى عن الإشكالين بكون الطهارات عبادات في أنفسها مستحبات في حد ذاتها ولم يعدل عنه إلى جواب آخر إلى الآخر فيتوجه إليه حينئذ ان الطهارات لو كانت عبادات في أنفسها ولذا يترتب عليها الثواب ويعتبر فيها قصد القربة فلم لا يقصد أمرها النفسيّ ويكتفى في مقام الامتثال بقصد أمرها الغيري وقد تقدم قبلا اعترافه بان امتثال الأمر الغيري مما لا يقرب إلى المولى أصلا فكيف يثاب على الأمر

٣٥٩

الّذي لا يقرب إليه وكيف يقع الفعل عبادة بقصد الأمر الّذي لا يؤثر في القرب أبدا (وقد تخلص عن هذا الإيراد) بقوله والاكتفاء بقصد أمرها ... إلخ. وحاصله ان الاكتفاء بقصد أمرها الغيري إنما هو لأجل انه لا يدعو إلا إلى ما هو عبادة في نفسه فانها المقدمة والمتعلق للأمر الغيري فإذا أتى بالطهارات بداعي أمرها الغيري فقد قصد في الحقيقة إتيان ما هو عبادة في نفسه فيكون قصد الأمر الغيري عنوانا إجماليا ومرآتا لقصد ما هو العبادة في نفسه فيكفى (وفيه) ان الاكتفاء بقصد أمرها الغيري لو كان لذلك لصح قصده وصفا أيضا كما صح قصده غاية بان ينوي مثلا الإتيان بالوضوء الواجب لداع من الدواعي النفسانيّة لا القرية فيكون قصده وصفا عنوانا إجماليا لما هو العبادة في نفسه بعين ما إذا قصده غاية بان نوى الإتيان به لوجوبه شرعا مع انه لا يكفى قصده وصفا بلا كلام وسيأتي من المصنف توجيه هذا الإشكال على الوجه الثاني من وجوه تفصى التقريرات فانتظر له ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم والله العالم.

(أقول) والتخلص الصحيح عن الإشكالين مما لا يمكن إلا على ما اخترناه من كون الأمر الغيري مقربا إلى الله تعالى كالأمر النفسيّ بعينه فيقال حينئذ في دفع إشكال ترتب المثوبة واعتبار قصد القربة ان الطهارات عبادات نفسية ندبية كما أفاد المصنف وصاحب التقريرات جميعا فقبل الأمر بغاياتها يمكن الإتيان بها بداعي امرها النفسيّ الندبي أو بداعي حسنها ورجحانها وبعد الأمر بغاياتها حيث لا يبقى الأمر الندبي بحده ويندك في الأمر الغيري يمكن الإتيان بها بقصد ملاك الأمر الندبي أو بداعي حسنها ورجحانها كما انه يمكن الاكتفاء بقصد وجوبها الغيري أيضا وهو الغالب وكل من هذه الأمور مما صح ان يثاب عليه ويقع الفعل بسببه عبادة ومقربا إلى الله تعالى كما لا يخفى

٣٦٠