عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

(قوله مع انها كما لا يخفى تعريفات لفظية لشرح الاسم وليست بالحد ولا بالرسم ... إلخ) التعريف الحقيقي هو تعريف الشيء بحقيقته وكنهه فان كان بالجنس والفصل أو بالفصل وحده فهو بالحد وإن كان بالجنس والعرض الخاصّ أو بالعرض الخاصّ وحده فهو بالرسم في قبال التعريف اللفظي الّذي يسمى بشرح الاسم وهو تعريف الشيء لا بحقيقته وكنهه بل لحصول الميز في الجملة كتعريف السعدانة بأنه نبت أو الرمد بأنه داء أو السنا بأنه دواء وهكذا (ثم ان المصنف) قدس‌سره قد استدل لكون تعاريف القوم كلها لفظية لشرح الاسم لا حقيقية لبيان حقيقة الشيء بكنهه وخواصه بأمرين :

(أحدهما) ما سيأتي منه في صدر بحث العام والخاصّ.

(وثانيهما) ما سيأتي منه في صدر بحث الاجتهاد والتقليد وسنتعرضهما إن شاء الله تعالى في العام والخاصّ مع ما فيهما من النقض والإبرام فانتظر.

(قوله وإن كان بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس ... إلخ) الظاهر ان كلمة (كانا) زائدة لا محصل لها ولذا قد ضرب عليها في بعض النسخ.

(قوله ثم الظاهر ان الواجب المشروط كما أشرنا إليه أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط ... إلخ) الظاهر ان كلمة (أن) الثانية زائدة ككلمة (كانا) المتقدمة ولذا قد ضرب عليها أيضا في بعض النسخ ومقصوده من قوله (كما أشرنا إليه) هو ما تقدم من قوله في المتن ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ... إلخ بل وقوله إن كان وجوبه غير مشروط به ... إلخ (وعلى كل حال) ان الوجوب على قسمين :

(فتارة) مطلق ثابت في كل حال وفي كل تقدير كما في قوله أكرم زيدا.

(وأخرى) يكون مشروطا ثابتا في حال دون حال وفي تقدير دون تقدير كما في قوله ان جاءك زيد فأكرمه فالإنشاء وان لم يعقل فيه التقدير فانه

٣٠١

اما أن يكون واما أن لا يكون ولكن المنشأ مما يعقل فيه التقدير.

(فتارة) ينشأ طلبا مطلقا ثابتا في كل حال وفي كل تقدير كما في المثال الأول

(وأخرى) ينشأ طلبا مشروطا تقديريا ثابتا في حال دون حال وفي تقدير دون تقدير كما في المثال الثاني وهو سنخ من الطلب ونحو من الحكم يسمى بالطلب المشروط وقد استند المصنف في اشتراط نفس الوجوب في الواجب المشروط دون الواجب بظهور خطاب ان جاءك زيد فأكرمه في كون الشرط من قيود الهيئة أي الطلب لا من قيود المادة أي الواجب نظير قوله يجب عليك الإكرام على تقدير المجيء بحيث كان الوجوب حاليا والواجب استقباليا كالواجب المعلق الّذي سيأتي تفصيله من صاحب الفصول.

(قوله كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة ... إلخ) أي كما نسب كون الشرط من قيود المادة لا الهيئة إلى شيخنا العلامة يعنى به الأنصاري أعلى الله مقامه فان صاحب التقريرات قد تكلم حول ذلك في مقامين :

(الأول) في الهداية التي تبحث عن كون لفظ الواجب حقيقة في الواجب المشروط أم لا وعن كون الهيئة حقيقة في الطلب المشروط أم لا.

(الثاني) في الهداية التي تبحث عن الموارد التي اتفق فيها الحكم بوجوب المقدمة من قبل وجوب ذي المقدمة ونحن نذكر كلامه في الموضع الثاني فانه أجمع وأتم (قال) بعد أن ذكر ما للفصول من التخلص عن هذه العويصة بالالتزام بالواجب المعلق وان الوجوب فيه حالي والواجب استقبالي فلا ينافى وجوب المقدمة من قبل وجوب ذي المقدمة حيث فرق واضح بين قول القائل إذا دخل وقت كذا فافعل كذا وبين قوله أفعل كذا في وقت كذا (ما هذا لفظه) ان الموجود في نفس الآمر والطالب شيء واحد لا اختلاف فيه على الوجهين وانما الاختلاف راجع في الحقيقة إلى التعبير (ثم ساق الكلام

٣٠٢

طويلا) إلى أن قال وكيف كان فلا فرق فيما ينقدح في نفس الآمر بين أن يكون الزمان بحسب القواعد اللغوية قيدا للفعل كما إذا قيل افعل في وقت كذا أو للحكم كما إذا قيل إذا جاء وقت كذا افعل كذا (إلى أن قال) ولعل اتحاد المعنى على الوجهين ظاهر بناء على ما ذهب إليه الإمامية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد إذ الفعل يختلف مصالحه ومفاسده باعتبار قيوده الطارية عليه (إلى أن قال) ولا يعقل أن يكون القيد الزماني راجعا إلى نفس الطلب دون الفعل المطلوب فان تقييد الطلب حقيقة مما لا معنى له إذ لا إطلاق في الفرد الموجود منه المتعلق بالفعل حتى يصح القول بتقييده بالزمان أو نحوه فكلما يحتمل رجوعه إلى الطلب الّذي يدل عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة (إلى أن قال) بل التحقيق ان ذلك غير مبنى على مذهب العدلية إذ على القول بانتفاء المصلحة والمفسدة أيضا يتم ما ذكرنا فان العاقل إذا توجه إلى أمر والتفت إليه فاما ان يتعلق طلبه بذلك الشيء أو لا يتعلق طلبه به لا كلام على الثاني وعلى الأول فاما أن يكون ذلك الأمر موردا لأمره وطلبه مطلقا على جميع اختلاف طوارئه أو على تقدير خاص وذلك التقدير الخاصّ قد يكون شيئا من الأمور الاختيارية كما في قولك ان دخلت الدار فافعل كذا (إلى أن قال) ما حاصله وقد يكون من الأمور الغير الاختيارية كالزمان كما ان الاختياري قد يكون مأخوذا على نحو يكون موردا للتكليف كما إذا قال مثلا صل عن طهارة وأخرى يكون على نحو لا يكون موردا للتكليف كما إذا قال حج عند الاستطاعة (انتهى موضع الحاجة مما أفاده صاحب التقريرات)

(أقول) ومرجع جميع ما ذكره إلى هنا كما فهمه المصنف إلى دعويين :

(إحداهما) وهي التي أخرها التقريرات وقدمها المصنف في الذّكر ان مفاد الهيئة جزئيّ وهو فرد من الطلب والفرد مما لا يقبل التقييد ومراده من

٣٠٣

الطلب الطلب الحقيقي المنقدح في نفس الطالب كما يظهر ذلك من قوله المتقدم ان الموجود في نفس الآمر والطالب شيء واحد لا اختلاف فيه ... إلخ بل وسيأتي منه التصريح بذلك عند الشك في النفسيّة والغيرية فانتظر.

(وأخراهما) وهي التي قدمها التقريرات وأخرها المصنف في الذّكر أن الطلب المنقدح في نفس الآمر والطالب شيء واحد لا اختلاف فيه وانما الاختلاف راجع إلى التعبير والقيد راجع إلى الفعل لبا إذ الفعل هو الّذي يختلف مصالحه ومفاسده باعتبار قيوده الطارية عليه بناء على ما ذهب إليه الإمامية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد بل القيد راجع إلى الفعل لبا ولو لم نقل بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد فان العاقل إذا توجه إلى شيء فاما ان لا يريده أو يريده مطلقا أو يريده مقيدا بشيء ... إلخ فالتقدير لا محالة راجع إلى الفعل دون الطلب (هذا ويمكن أن يقال) أن مرجع دعويي التقريرات إلى دعوى واحدة ففي بدو الأمر قد ادعى ان الطلب المنقدح في نفس الآمر هو شيء واحد لا يرجع إليه القيد وفي ختام الأمر قد برهن على ذلك بجزئية الطلب الّذي هو مفاد الهيئة وعدم قابليته لرجوع القيد إليه فليس في المقام دعويان بل دعوى واحدة وبرهان واحد فتدبر جيدا.

(قوله بان قضيته القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ... إلخ) ولعل المراد من القواعد العربية المقتضية لذلك هي ظهور الجملة الشرطية بحسب متفاهم العرف وأهل اللسان فانها ظاهرة عندهم في رجوع الشرط إلى الهيئة أي إلى الطلب المستفاد منها دون الفعل أي المادة.

(قوله من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد والقول بعدم التبعية ... إلخ) قالت العدلية بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد فان الله تعالى لا يفعل ولا يأمر ولا ينهى الا لغرض وفائدة نظرا

٣٠٤

إلى أن الفعل بلا غرض ولا فائدة عبث والعبث قبيح والقبيح يستحيل عليه تعالى وقالت الأشاعرة بعدم تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد بل جوزوا عليه تعالى أن يفعل أو يأمر أو ينهى بغير غرض وفائدة فان الفعل لغرض وفائدة من شأن الناقص المستكمل بذلك الغرض والفائدة وهو تبارك وتعالى كامل لا نقص فيه (وأجيب عنه) بان النقص إنما يلزم إذا كان النّفع عائدا إليه تعالى وأما إذا كان عائدا إلى غيره فلا يوجب ذلك نقصا فيه تعالى وهذا واضح.

(قوله ولا يخفى ما فيه أما حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة ... إلخ) هذا جواب عن إحدى الدعويين المتقدمتين للتقريرات من أن مفاد الهيئة جزئيّ أي فرد من الطلب والجزئي مما لا يقبل التقييد (وحاصل الجواب) بمزيد توضيح منا ان الهيئات بتمامها ومنها هيئة افعل ملحقة بالحروف وقد تقدم في محله أن حال الحروف كحال الأسماء موضوعة لمعنى عام ومستعمل في ذلك المعنى العام وليس الموضوع له ولا المستعمل فيه خاصا لا خارجا ولا ذهنا وقد أبطل المصنف كلتا الخصوصيّتين هناك سيما الأخيرة منهما أشد إبطال فكما تقدم هناك أن الاسم والحرف قد وضعا لمعنى واحد غايته أن الاسم وضع ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه والحرف ليراد منه معناه بما هو حالة لغيره وكل من اللحاظين خارج عن الموضوع له والمستعمل فيه فكذلك نقول إن الهيئة موضوعة للطلب لينشأ بها ذلك فالإنشاء خارج عن الموضوع له وعن المستعمل فيه والتشخص إنما نشأ من قبل الإنشاء لا أنه داخل في الموضوع له أو المستعمل فيه (وقد أشار المصنف) هناك إلى وضع الهيئات عند الفرق بين الإخبار والإنشاء فتذكر (وعليه) فكل من الموضوع له والمستعمل فيه للهيئة وهو الطلب عام قابل للتقييد (ولو سلم انها مستعملة في الفرد من الطلب فالفرد إنما لا يقبل التقييد إذا إنشاء أو لا مطلقا ثم أريد

٣٠٥

تقييده فهذا هو الّذي لا يمكن تقييده عقلا وأما إذا أنشأ الفرد من الأول مقيدا أي على تقدير دون تقدير فهذا مما لا محذور فيه.

(أقول) ويرد على المصنف مضافا إلى أن مراد التقريرات كما ذكرنا من الطلب هو الطلب الحقيقي النفسانيّ ومراد المصنف من الطلب في الجواب هو الطلب المنشأ بالصيغة فلا يطابق الكلامان بعضهما مع بعض أن وضع الصيغة للطلب لينشأ بها ذلك هو خلاف التحقيق فان الإنشاء هو أصل المعنى للهيئة لا أن معناها الطلب والإنشاء خارج عنه (نعم) يمكن التكلم حول أن معنى الهيئة هل هو الإنشاء فقط ويكون الطلب خارجا عن أصل المعنى وان كان طرف إضافة له نظير خروج البصر عن معنى العمى وكونه طرف إضافة له فان معنى العمى هو العدم المضاف إلى البصر فيكون معنى الهيئة أيضا هو الإنشاء المضاف إلى الطلب كما استظهرنا ذلك قبلا في الفرق بين الإخبار والإنشاء أم لا بل معنى الهيئة هو مجموع إنشاء الطلب لا الإنشاء وحده (وعلى كل حال) لا إشكال في أن الإنشاء مما لا يعقل تعلقه بالفرد ولا بالكلي فان كلا من الفرد والكلي مما لا يقبل الإنشاء في الخارج أما الأول فلان الفرد هو أمر خارجي والخارجي مما لا يعقل إيجاده ثانيا وأما الثاني فلان الكلي لا موطن له الا في الذهن دون الخارج فان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ومع تشخصه لا يكاد يبقى كليته (وعليه) فالإنشاء يتعلق لا محالة بطبيعة الطلب المبهمة المهملة ومن المعلوم انها مما يقبل التقييد بقيد غير أنه يشكل الأمر فيما إذا وقع القيد بعد الطلب كما في قوله أكرم زيدا إن جاءك ولم يقل إن جاءك زيد فأكرمه فان طبيعة الطلب بعد ما أنشأ بالصيغة وصار فردا خارجيا لا يكاد يمكن تقييده بقيد (والّذي يحسم الإشكال من أصله) ويحصل به الجواب عن صاحب التقريرات على كل حال بعد إثبات أن مفاد الصيغة ليس هو الطلب الحقيقي المنقدح في

٣٠٦

نفس الطالب كما سيأتي شرحه عند الشك في النفسيّة والغيرية بل هو الطلب الاعتباري القابل للإنشاء أن مفاد الصيغة والمنشأ بها وان كان طلبا جزئيا والجزئي مما لا إطلاق له بحسب الأفراد ولكن له إطلاق بحسب الحالات فان وجوب الإكرام مثلا في قوله أكرم زيدا له إطلاق ثابت على كل حال وعلى كل تقدير أي سواء جاءك زيد أو لم يجئك سلم عليك أو لم يسلم جاءك ليلا أو نهارا إلى غير ذلك من التقادير فإذا كان له إطلاق بحسب الأحوال والتقادير صح تقييده حينئذ من هذا الحديث فيقيد بحال دون حال وتقدير دون تقدير كما في قوله ان جاءك زيد فأكرمه فيكون المنشأ طلبا مشروطا ثابتا على تقدير المجيء لا طلبا مطلقا على كل تقدير فتأمل جيدا.

(قوله غاية الأمر قد دل عليه بدالين ... إلخ) فالصيغة على الطلب والشرط على التقييد.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى أنه لو سلم أن الطلب إذا أنشأ أو لا مطلقا فلا يقبل التقييد بعدا فما الحيلة في مثل قوله أكرم زيدا ان جاءك بحيث أخر الشرط عن الطلب ولم يقل إن جاءك زيد فأكرمه فان الطلب قد أنشأ أو لا مطلقا فكيف يقيد بالشرط بعدا.

(قوله فان قلت على ذلك يلزم تفكيك الإنشاء عن المنشأ ... إلخ) الظاهر أن هذا راجع إلى أصل المطلب وحاصله أنه لو سلم رجوع الشرط إلى الهيئة دون المادة وتعقلنا الطلب التقديري فيلزم تفكيك الإنشاء عن المنشأ فالإنشاء يكون فعليا والمنشأ وهو وجوب الإكرام يكون استقباليا حاصلا بعد المجيء وهذا غير معقول (وقد أجاب عنه المصنف) بما حاصله ان الإنشاء حيث تعلق بالطلب التقديري فلا بد أن لا يكون الطلب حاصلا فعلا قبل حصول الشرط وإلّا لزم تخلف الإنشاء عن المنشأ.

٣٠٧

(أقول) والحق في الجواب أن يقال إن الطلب التقديري موجود فعلا قبل حصول الشرط وهو سنخ من الطلب ونحو من الحكم كما أشرنا قبلا في قبال العدم المحض وفي قبال الطلب المطلق الحالي وعليه فلا تفكيك بين الإنشاء والمنشأ نعم بعد حصول الشرط وتحقق التقدير يبلغ الطلب التقديري بحد الكمال وهي مرتبة الإطلاق والفعلية وهذا واضح.

(قوله كالإخبار به بمكان من الإمكان ... إلخ) أي كالاخبار بأمر على تقدير نظير قولك إن أكرمتني أكرمتك وإن زرتني زرتك وهكذا.

(قوله وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبا ... إلخ) هذا جواب عن الدعوى الثانية للتقريرات من أن الطلب النفسانيّ المنقدح في نفس الآمر والطالب شيء واحد لا اختلاف فيه وان القيد راجع إلى الفعل لبا ... إلخ وظاهر المصنف في مقام الجواب هو تسليم ذلك وان الطلب النفسانيّ المنقدح في نفس الطالب مطلق دائما لا اشتراط فيه ولا قيد له وأن القيد راجع إلى الفعل لبا غير أن الإنسان قد يتوجه إلى شيء فيتعلق به طلبه النفسانيّ لأجل ما فيه من المصلحة ولكن يمنعه مانع عن إنشاء الطلب المطلق الحالي ولو بنحو الواجب المعلق الاستقبالي فيضطر إلى إنشاء طلب مشروط بشرط مترقب الحصول المقارن لزوال المانع ثبوتا (وهذا) بناء على تبعية الأحكام للمصالح في نفس الأحكام واضح إذ كما قد تكون المصلحة في الحكم المطلق فكذلك قد تكون المصلحة في الحكم المشروط المقيد (وأما بناء) على تبعية الأحكام للمصالح في المتعلقات وهي أفعال المكلفين فكذلك فان التبعية إنما تكون في الأحكام الواقعية فان الشيء بعد ما كانت فيه مصلحة تامة فلا محالة يتبعها الحكم الواقعي ولكن الحكم الفعلي قد يتخلف عنها كما في موارد قيام الأمارات أو الأصول على خلاف الأحكام الواقعية الموجب لسقوطها عن

٣٠٨

الفعلية أو في بعض الأحكام في أول البعثة فكم من واجب كانت فيه مصلحة تامة والحكم كان مجعولا على طبقها واقعا ومع ذلك كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مانع عن إنفاذه وإظهاره والمقام من هذا القبيل فقد يكون الشيء فيه صلاح كامل ويتبعه الحكم الواقعي ولكن يعوق الآمر وجود المانع عن إنشاء الطلب المطلق الفعلي فينشأ الطلب المشروط الثابت على تقدير شرط متوقع الحصول المقارن لزوال المانع خوفا من أن لا يتمكن من الجعل والإيجاب المطلق عند زوال المانع فينشأ الطلب من الآن مشروطا بشرط كي يصير فعليا عند حصول الشرط بنفسه بلا حاجة إلى خطاب آخر جديد.

(أقول) والحق في مقام الجواب عدم تسليم كون الطلب النفسانيّ المنقدح في نفس الآمر والطالب مطلقا دائما وان القيد راجع إلى الفعل لبا كي نحتاج إلى هذه التكلفات من فرض وجود المانع عن إنشاء الطلب المطلق الحالي ولو بنحو الواجب المعلق والالتزام بثبوت الحكم الواقعي تبعا للمصلحة بل نقول أن حال الطلب النفسانيّ كحال الطلب الإنشائيّ فان الإنسان إذا راجع وجدانه والتفت إلى شيء فقد لا يريده أصلا وقد يريده على كل حال وقد يريده على تقدير دون تقدير وحال دون حال فالإرادة التقديرية أي الطلب النفسانيّ التقديري سنخ من الإرادة ونحو من الطلب الحقيقي يجدها الإنسان عند مراجعة نفسه من غير تكلف ولا مئونة.

(قوله بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها ... إلخ) الظاهر ان مقصوده من غير المصلحة هو الغرض (وفيه ما لا يخفى) فان الغرض هو المصلحة والمصلحة هو الغرض والأشعري المنكر للمصلحة منكر للغرض أيضا كما تقدم آنفا لا أنه ينكر المصلحة ويعترف بالغرض كما يوهمه عبارة المصنف بل قد توهمه بعض الأعلام.

٣٠٩

(قوله الا الطلب والبعث معلقا بحصوله ... إلخ) أي مشروطا بحصوله وليس مقصوده من المعلق هنا هو المعلق المصطلح من كون الوجوب فيه حاليا والواجب استقباليا.

(قوله لا مطلقا ولو متعلقا بذاك على التقدير ... إلخ) أي ولو بنحو الواجب المعلق بحيث كان الوجوب حاليا والواجب استقباليا من جهة تقيده بأمر متأخر آت من زمان ونحوه.

(قوله ان قلت فما فائدة الإنشاء إذا لم يكن المنشأ به طلبا فعليا ... إلخ) هذا الإشكال راجع إلى أصل الجواب عن الدعوى الثانية (وحاصله) أنه سلمنا أن الإنسان قد يتوجه إلى شيء فيتعلق به طلبه النفسانيّ لما فيه من المصلحة ويمنعه مانع عن إنشاء الطلب المطلق الحالي ولو بنحو الواجب المعلق الاستقبالي ولكن لم ينشأ الطلب فعلا مشروطا بشرط متوقع الحصول وما فائدته وثمرته إذ من الممكن أن يؤجله إلى زوال المانع فينشأ الحكم عند ذلك حكما مطلقا فعليا لا مشروطا تقديريا (فيجيب عنه) بما حاصله أن المولى انما ينشأ الحكم فعلا مشروطا بشرط ليصير فعليا بنفسه بعد حصول الشرط خارجا بلا حاجة إلى خطاب آخر جديد ولعله لا يتمكن في ذلك الوقت من الإيجاب والإنشاء والمطلق كما أشرنا إلى ذلك آنفا (هذا مضافا) إلى ما فيه من فائدة أخرى وهي اشتمال الخطاب المشروط على الحكم الفعلي بالنسبة إلى من كان الشرط حاصلا له الآن فيكون الخطاب الواحد بالنسبة إلى بعض فعليا وبالنسبة إلى آخر مشروطا تقديريا.

(قوله ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع ... إلخ) إشارة إلى ما قد يدعيه بعضهم على ما يظهر من التقريرات من خروج المقدمات الوجودية للواجب المشروط عن محل النزاع

٣١٠

نظرا إلى أنه لا يعقل وجوبها مع عدم وجوب ذي المقدمة (فيجيب عنه المصنف) بما حاصله أنه لا وجه لتخصيص النزاع بمقدمات الواجب المطلق بل مقدمات المشروط أيضا داخلة تحت النزاع غايته انها يتبع ذيها في الإطلاق والاشتراط فان كان مشروطا فمشروطا وان كان مطلقا فمطلقا كما يتبعه في أصل الوجوب بناء على الملازمة وهذا واضح.

(قوله وأما الشرط المعلق عليه الإيجاب في ظاهر الخطاب فخروجه مما لا شبهة فيه ... إلخ) إشارة إلى ما قد يتخيل في المقام من أن المقدمات الوجوبية أي التي علق عليها الوجوب في ظاهر الخطاب يشكل خروجها عن محل النزاع بناء على ما تقدم من تقريرات الشيخ أعلى الله مقامه من إنكار الواجب المشروط ورجوع الشروط كلها إلى الفعل لبا دون الطلب بل يجب القول حينئذ بوجوبها بناء على الملازمة (فيجيب عنه المصنف) بما حاصله ان المقدمات الوجوبية المعلق عليها الوجوب في ظاهر الخطاب خارجة عن محل النزاع على كل حال سواء قلنا بمقالة المشهور من تعقل الواجب المشروط أو قلنا بمقالة الشيخ من عدم تعقله ورجوع الشروط كلها إلى المادة.

(أما على الأول) فواضح إذ لا وجوب لذي المقدمة قبل مقدمة الوجوب كي يترشح الوجوب إليها وبعد حصولها في الخارج لا يعقل ترشح الوجوب إليها وهل يعقل طلب الحاصل كلا وقد تقدم منا هذا التقريب لخروجها عن محل النزاع في تقسيم المقدمة إلى مقدمة الوجود ومقدمة الصحة ومقدمة الوجوب ومقدمة العلم وسيأتي من المصنف أيضا بيانه في التنبيه الّذي عقده للواجب المعلق فانتظر.

(وأما على الثاني) فلان الشيخ أعلى الله مقامه وان كان أرجع القيود كلها إلى الفعل ولكن القيود تختلف.

٣١١

(فتارة) يكون غير اختياري كالوقت كما في مثل قوله حج في الموسم أو صل عند الزوال فهذا مما لا يعقل وجوبه.

(وأخرى) يكون اختياريا ولكن قد أخذ على نحو لا يترشح إليه الوجوب كما لو قال حج عند الاستطاعة أو صل عند ما تطهرت فان القيد في هذا القسم وإن كان راجعا إلى الفعل وهو أمر اختياري ولكنه قد أخذ على نحو لا يترشح إليه الوجوب فلا يجب تحصيله.

(وثالثة) يكون اختياريا وقد أخذ على نحو يترشح إليه الوجوب كما إذا قال حج عن استطاعة أو صل عن طهارة وفي هذا القسم يجب تحصيل القيد غيريا (وعليه) فليس القيد بمجرد رجوعه إلى المادة دون الهيئة مما يلزم القول بوجوب تحصيله وهذا واضح.

(قوله فانه جعل الشيء واجبا على تقدير حصول ذاك الشرط ... إلخ) علة لقوله أخذ على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه ... إلخ أي فان الشيخ جعل مثل الحج واجبا على تقدير حصول الاستطاعة ومع حصولها كيف يترشح عليها الوجوب ويتعلق بها الطلب وهل هو إلا طلب الحاصل (وفيه ما لا يخفى) فان الشيخ وإن جعل مثل الحج واجبا على تقدير حصول الاستطاعة ولكن لقائل أن يقول أنه على تقدير حصولها يكون الوجوب مطلقا حاليا فعلا من قبل حصول الشرط ومعه لا يكون ترشح الوجوب إليه من طلب الحاصل (والأولى) في وجه عدم ترشح الوجوب إلى الشرط أن يقال ان ذلك مستند إلى كيفية التعبير واختلاف لسان الدليل فان قال يجب عليك الحج عن استطاعة ترشح الوجوب إليها ووجب علينا تحصيلها مثل ما وجب تحصيل الطهارة للصلاة وان قال يجب عليك الحج عند الاستطاعة لم يجب علينا شرعا تحصيلها وفي كليهما تكون الاستطاعة من قيود المادة دون

٣١٢

الهيئة فتأمل جيدا.

(قوله على تقدير اتفاق وجود الشرط في الاستقبال ... إلخ) أي على تقدير حصول الشرط الّذي قد أخذ قيدا للواجب على نحو لا يترشح إليه الوجوب في الاستقبال.

(قوله هذا في غير المعرفة والتعلم من المقدمات ... إلخ) هذا استثناء عما أفاده آنفا من تبعية المقدمة لذي المقدمة في الإطلاق والاشتراط (فيقول) هذا في غير المعرفة والتعلم من المقدمات وأما فيهما فلا يبعد القول بوجوبهما حتى في الواجب المشروط من قبل حصول شرطه (وتوضيح المقال فيهما) يكون بذكر صور في المقام مع ما لكل منها من الأحكام فنقول وعليه الاتكال.

(الأولى) أن يعلم المكلف إجمالا بتكاليف مطلقة فعلية متوجهة إليه لا يعلم تفاصيلها كما إذا علم إجمالا بوجوب الصلاة والصيام والزكاة والخمس وغير ذلك فعلا ولكن لا يعرف كيفياتها ففي هذه الصورة لا إشكال من ناحية وجوب المعرفة والتعلم ويكون وجوبهما على طبق القاعدة لأن المفروض أن التكاليف مطلقة فعلية فيترشح منها الوجوب إلى مقدماتها الوجودية ومنها المعرفة والتعلم إذ من المعلوم توقف الصلاة والصيام وغيرهما على معرفتها ولو عادة لا عقلا.

(الثانية) ان يشك في تكليف مطلق فعلى ولو بعد انحلال العلم الإجماليّ كما إذا شك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو شك في حرمة شرب الدخان أو العصير أو غير ذلك من أمور أخر وفي هذه الصورة لا إشكال في وجوب المعرفة والتعلم والبحث والفحص بحد اليأس فان كان عاميا وجب عليه الرجوع إلى المجتهد وان كان مجتهدا وجب عليه الرجوع إلى المدارك المعتبرة فان ظفر على دليل يدل على الوجوب أو الحرمة فهو وإلّا فعند ذلك يجوز له ترك الأول

٣١٣

وإتيان الثاني وحينئذ يقع الإشكال في أن المكلف في هذه الصورة لا علم له بالتكليف بل شاك فيه فكيف يقال فيها بوجوب المعرفة والتعلم وبترشح الوجوب منه إليهما (فنقول) انه يجب المعرفة والتعلم في هذه الصورة شرعا غيريا لحفظ الواقعيات بأدلة خاصة من الإجماع القطعي والكتاب والسنة من الآيات والروايات التي سيأتي تفصيل الكل في خاتمة الأصول إن شاء الله تعالى المقيدة لإطلاقات أدلة البراءة الشرعية وان لم تجر البراءة العقلية بنفسها من غير حاجة إلى ما يقيدها فان موضوعها اللابيان وما لم يتفحص لم يحرز اللابيان (وبالجملة) ان البراءة العقلية في هذه الصورة الثانية مما لا تجري قبل البحث والفحص بحد اليأس فإذا لم تجر البراءة العقلية استقل العقل قهرا بتنجز الأحكام على الأنام بمجرد احتمالها ولكن إطلاقات أدلة البراءة الشرعية واردة على حكم العقل رافعة لموضوعها كما أن الأدلة الخاصة من الإجماع القطعي والكتاب والسنة من الآيات والروايات الدالة على وجوب المعرفة والتعلم مقيدة لإطلاقات أدلة البراءة الشرعية فيكون الدليل بالأخرة على وجوب المعرفة والتعلم هي الأدلة الخاصة دون غيرها.

(الثالثة) أن يعلم المكلف إجمالا بتكاليف مشروطة بشرائط غير حاصلة فعلا لا يعلم كيفيات تلك التكاليف كما إذا علم إجمالا بوجوب الحج مشروطا بالاستطاعة الغير الحاصلة فعلا أو بوجوب صلاة الآيات مشروطا بالخسوف أو الكسوف أو غيرهما الغير الحاصل في هذا الحال من دون أن يعرف تفصيل الحج ولا تفصيل صلاة الآيات أصلا (ففي هذه الصورة) لا إشكال أيضا في وجوب المعرفة والتعلم ولو من قبل حصول الشرط وآيته أنه لو ترك المعرفة والتعلم حتى حصل الشرط ولم يتمكن عنده من المعرفة والتعلم وفات منه الواجب استحق العقاب قطعا فحينئذ (يقع الإشكال) في أنه كيف وجبت

٣١٤

المعرفة والتعلم من قبل حصول الشرط وفعلية الواجب وترشح الوجوب إليهما (فيجاب عنه) بأنه يجب المعرفة والتعلم في هذه الصورة أيضا شرعا غيريا لأجل حفظ الواقعيات لإطلاق الأدلة المتقدمة أعني الآيات والروايات التي سيأتي تفصيلهما في خاتمة الأصول إن شاء الله تعالى والوجوب الغيري انما يستحيل تقدمه على وجوب ذي المقدمة إذا كان ترشحيا وأما إذا كان منشأ بخطاب مستقل غيري ففي كمال الإمكان وسيأتي توضيح ذلك عند التخلص عن العويصة المشهورة أعني وجوب المقدمة من قبل وجوب ذيها في موارد عديدة فانتظر (نعم قد تجب المعرفة والتعلم) في هذه الصورة عقلا غيريا من باب استقلال العقل بلزوم حفظ القدرة على الواجب وتفصيله كما سيأتي عند التخلص عن العويصة المذكورة ان المكلف إذا علم في الواجب المشروط بحصول الشرط بعدا وعلم أيضا بانتفاء القدرة على الواجب بعد حصول الشرط إلّا إذا حصل مقدماته من الآن فيستقل العقل حينئذ بوجوب تحصيل تلك المقدمات التي لا تتيسر بعد الشرط وذلك لئلا يفوت الواجب في محله (ففي المقام) إذا علم بواجب مشروط يقطع بحصول شرطه بعدا ويعلم بعدم تمكنه من المعرفة والتعلم بعد حصول شرطه فمن الآن يستقل العقل بوجوب المعرفة والتعلم لئلا يفوت الواجب في موطنه من غير حاجة إلى قيام دليل شرعي على وجوبها غيريا لأجل حفظ الواقعيات إلّا أن ذلك ليس دائما كما لا يخفى (وعليه) فالجواب الجاري في جميع الواجبات المشروطة أو الموقتة هو ما أشير إليه من أنه يجب المعرفة والتعلم فيها شرعا غيريا بأدلة خاصة مأثورة من الشرع وان كان قد يتفق فيها وجوبهما عقلا أيضا من جهة اندراجهما تحت كبرى حكم العقل بلزوم حفظ القدرة على الواجب (ثم ان) من تمام ما ذكر إلى هنا ظهر لك ما وقع من المصنف من الخلط والاشتباه في مقام الجواب فانه قد ذكر ان وجوب المعرفة

٣١٥

والتعلم في الصورة الثالثة يعنى في الواجبات المشروطة من قبل حصول شرطها يكون من باب استقلال العقل بتنجز الأحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها لعدم البراءة فيها كي يحصل بها الأمن من العقوبة إلا بعد التعلم والفحص بحد اليأس وهو كما ترى ضعيف إذ ليس في الصورة الثالثة احتمال التكليف المطلق كي يكون منجزا عليه على تقدير وجوده بل إنما هو في الصورة الثانية كما لا يخفى (كما أنه قد ظهر لك) أيضا من جميع ما ذكر إلى هنا حكم الصورة.

(الرابعة) وهي ما إذا شك في واجب مشروط فانه يجب فيها المعرفة والتعلم أيضا شرعا غيريا لأجل حفظ الواقعيات لإطلاق الأدلة المتقدمة وآيته أنه لو ترك الفحص والتعلم وكان المشكوك واجبا واقعا ثم حصل شرطه بعدا وقد فات الواجب منه لترك تعلمه ومعرفته من الآن لاستحق العقاب قطعا.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى ما أشرنا إليه آنفا مما وقع من المصنف من الخلط والاشتباه في مقام الجواب فلا تغفل.

(قوله تذنيب ... إلخ) إشارة إلى النزاعين المعروفين من أن لفظ الواجب هل هو حقيقة في الواجب المشروط أم لا ومن أن الصيغة هل هي حقيقة في إنشاء الطلب المشروط أم لا وقد عقد لهما في التقريرات هداية مستقلة وأطال الكلام فيهما وبالغ (وعلى كل حال) حاصل ما أفاده المصنف ان إطلاق الواجب على المشروط إن كان بلحاظ حال حصول الشرط فهو حقيقة مطلقا سواء قلنا بمقالة الشيخ من إنكار المشروط ورجوع الشرط لبا إلى المادة أم لا وإن كان بلحاظ حال قبل حصول الشرط فهو حقيقة على مختار الشيخ فقط لأن الوجوب فيه حالي وإن كان الواجب استقباليا كما في معلق الفصول الآتي بخلافه على مختار المشهور لعدم كون الوجوب فيه فعليا قبل حصول الشرط فيكون مجازا قهرا بعلاقة الأول أو المشارفة كما صرح به

٣١٦

البهائي على ما ذكر في التقريرات (بقي الكلام) في استعمال الصيغة في إنشاء الطلب المشروط فيقول إنها حقيقة فيه مطلقا أما على مختار الشيخ من كون الطلب مطلقا حاليا وان الشرط راجع إلى المادة لبا فواضح وأما على مختار المشهور فلأنها وان استعملت في إنشاء الطلب المقيد ولكنها بتعدد الدال والمدلول فالصيغة قد استعملت في الطلب والشرط قد استعمل في التقييد فلا تجوز.

(قوله كما هو الحال فيما إذا أريد منها المطلق المقابل للمقيد ... إلخ) أي كما هو الحال فيما إذا أريد من الصيغة الطلب المطلق المقابل للمقيد المنعقد له الإطلاق بمقدمات الحكمة لا الطلب المطلق المبهم المقسم فان استعمال الصيغة في الأول أيضا يكون بنحو تعدد الدال والمدلول كاستعمالها في الطلب المقيد فالصيغة قد استفيد منها الطلب ومقدمات الحكمة قد استفيد منها الإطلاق نعم ينحصر استعمال الصيغة لا بنحو تعدد الدال والمدلول في خصوص ما إذا استعملت وأريد منها الطلب المطلق المبهم المقسم.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى احتمال أن لا تكون الصيغة مستعملة في كل من الطلب المقيد والطلب المطلق المقابل للمقيد بنحو تعدد الدال والمدلول بل تكون الصيغة بنفسها مستعملة في الطلب المقيد أو في الطلب المطلق المقابل للمقيد غايته أن الشرط أو مقدمات الحكمة يكون قرينة عليه (وعلى هذا) فلا يكون استعمالها على نحو الحقيقة بل يكون مجازا لكونه في غير ما وضع له أي في غير المبهم المقسم وهي الطبيعة اللابشرط المقسمي.

٣١٧

في تقسيم الواجب إلى المعلق والمنجز

(قوله ومنها تقسيمه إلى المعلق والمنجز قال في الفصول ... إلخ) (قال صاحب الفصول) بعد تقسيمه الواجب إلى المطلق والمشروط ما هذا لفظه كما ذكر المصنف وينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة وليسم منجزا وإلى ما يتعلق وجوبه به فيتوقف حصوله على أمر غير مقدور له وليسم معلقا كالحج فان وجوبه يتعلق بالمكلف من أول زمن الاستطاعة أو خروج الرفقة ويتوقف فعله على مجيء وقته وهو غير مقدور له والفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو ان التوقف هناك للوجوب وهنا للفعل (انتهى كلامه رفع مقامه).

(أقول) ويرد على تعريف الفصول للمعلق أنه لا يجب أن يكون المعلق مما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور للمكلف كالوقت بل ينبغي تعميمه كما سيأتي من المصنف إلى الأمر المقدور أيضا فان المناط في المعلق أن يكون الواجب مقيدا بأمر متأخر استقبالي سواء كان غير مقدور للمكلف كالوقت أو مقدورا له قد أخذ على نحو لا يترشح إليه الوجوب كالاستطاعة في قوله حج عند ما استطعت أو على نحو يترشح إليه الوجوب كما إذا قال حج عن استطاعة (نعم يظهر من الفصول) أخيرا تعميم المعلق إلى ما يتوقف على أمر مقدور أيضا (قال) بعد فصل معتد به عن التعريف المذكور ما هذا لفظه وأعلم أنه كما يصح أن يكون الواجب على تقدير حصول أمر غير مقدور وقد عرفت بيانه كذلك يصح أن يكون وجوبه على تقدير حصول أمر مقدور فيكون بحيث لا يجب على تقدير عدم حصوله وعلى تقدير حصوله يكون واجبا

٣١٨

قبل حصوله وذلك كما لو توقف الحج المنذور على ركوب الدّابّة المغصوبة (انتهى) بل ويظهر منه تعميم الأمر المقدور إلى ما يجب تحصيله أيضا (قال) قبل قوله ذلك ومن هذا النوع أي من المعلق كل واجب مطلق توقف وجوده على مقدمات غير حاصلة فانه يجب قبل وجود المقدمات إيجاد الفعل بعد زمن يمكن إيجادها فيه (انتهى).

(أقول) والظاهر أن وجه تمثيله بركوب الدّابّة المغصوبة أنه أمر مقدور متأخر لا يترشح إليه الوجوب لحرمته وليس الحج المنذور بأهم من ركوب الغصب كي يجب مقدمة نظير وجوب الدخول في أرض الغصب مقدمة للإنفاذ الأهم (كما أن الظاهر) أن وجه عدوله عن التمثيل بحجة الإسلام إلى الحج المنذور أن حجة الإسلام إذا توقفت على ركوب الدّابّة المغصوبة لم تجب من أصلها بخلاف المنذور فيجب ولو معلقا على العصيان بركوب الدّابّة المغصوبة (وفي كلا الوجهين) ما لا يخفى.

(أما الأول) فلانا لا نحتاج في التمثيل لأمر مقدور لا يترشح إليه الوجوب بفرض أمر حرام بل الأمر المباح أيضا إذا أخذه المولى قيدا للواجب بنحو لا يجب تحصيله فهو مما لا يترشح إليه الوجوب كما إذا قال حج عند ما استطعت أو صل عند ما تطهرت في قبال ما إذا قال حج عن استطاعة أو صل عن طهارة.

(وأما الثاني) فلان بقاء وجوب الحج المنذور على حاله مع فرض توقفه على ركوب الدّابّة المغصوبة مما لا يمكن إلّا على القول بالترتب ومع القول به لا فرق بين الحج المنذور أو حجة الإسلام كما لا يخفى.

(قوله لا يخفى أن شيخنا العلامة أعلى الله مقامه حيث اختار في الواجب المشروط ذاك المعنى وجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا

٣١٩

وإثباتا ... إلخ) لا يخفى أن شيخنا العلامة أعلى الله مقامه لم يجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا وإثباتا بل اعترف أنه إثباتا يعنى بحسب القواعد العربية راجع إلى الهيئة وادعى أنه ثبوتا أي لدى التحقيق راجع إلى المادة نظرا إلى أن مفاد الهيئة فرد من الطلب وهو مما لا يقبل التقييد فراجع التقريرات وتدبره بدقة.

(قوله كما يشهد به ما تقدم آنفا عن البهائي ... إلخ) أي كما يشهد بما ذكرنا من كون دعوى الشيخ أعني رجوع الشرط إلى المادة لبا هي على خلاف ظاهر المشهور ما تقدم آنفا من تصريح البهائي بان لفظ الواجب مجاز في المشروط بعلاقة الأول أو المشارفة فلو كان الشرط راجعا إلى المادة لبا عند المشهور كما هو راجع إليها عند الشيخ وكان الطلب مطلقا غير مقيد لم يكن وجها لكون لفظ الواجب مجازا في المشروط كما لا يخفى.

(قوله أنكر على الفصول هذا التقسيم ... إلخ) أقول وشتان بين إنكار الشيخ على الفصول في هذا التقسيم وإنكار بعض الأجلة عليه فالشيخ انما ينكر عليه لأن كل مشروط هو معلق في نظره لاستحالة المشروط بحسب دعواه فليس هناك قسمان أحدهما مشروط والآخر معلق وبعض الأجلة انما ينكر عليه لأن كل معلق هو مشروط في نظره لاستحالة المعلق بحسب دعواه بحيث كان الوجوب حاليا قبل مجيء وقت الواجب (والحق) تبعا للمصنف بل وجل من تأخر عن الفصول هو النمط الأوسط والاعتراف بصحة هذا التقسيم وان كلا من المشروط والمعلق أمر معقول بل أمر واقع في الخارج بل يمكن أن يقال كما تقدم من الفصول أن كل واجب له مقدمات وجودية بحيث يحتاج امتثاله إلى مضى زمان تقع فيه المقدمات فهو لدى التحقيق معلق لا منجز وذلك لأن الوجوب في الفرض المذكور لا يكون إلّا من قبل تحقق المقدمة

٣٢٠