عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

رقبة وقد أعتقنا رقابا متعددة دفعة واحدة فعلى الدفعات لا يجزى وعلى الأفراد يجزى بل تظهر الثمرة بين الدفعة والفرد أيضا في المثال المذكور فعلى القول بالدفعة يقع الجميع على صفة المطلوبية وعلى القول بالفرد لا يكون المطلوب إلا واحدا منها والباقي زائد على المطلوب (ثم ان) المراد هنا بالمرة والتكرار هل هو الفرد والأفراد أو الدفعة والدفعات (قال في الفصول) والتحقيق عندي هو الثاني لمساعدة ظاهر اللفظين عليه (إلى ان قال) مع انهم لو أرادوا بالمرة الفرد لكان الا نسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي (انتهى) ويعنى بالمبحث الآتي بحث تعلق الأوامر بالطبائع أو بالأفراد فكان المبحوث عنه فيه هكذا هل الأمر متعلق بالطبيعة أو بالفرد وعلى القول بتعلقه بالفرد هل هو يقتضى الفرد الواحد أو الأفراد فيكون نزاعنا هذا جاريا على قول واحد من قولي تلك المسألة لا على قوليها جميعا أي حتى على القول بتعلقه بالطبيعة (فيقول المصنف) في رده بل النزاع هنا في المرة والتكرار ولو بمعنى الفرد أو الأفراد مما يجري حتى على القول بتعلق الأوامر بالطبيعة هناك (والسر) فيه أن المراد من الفرد أو الأفراد هنا هو الوجود والوجودات والنزاع الجاري هناك كما سيأتي في محله مرجعه إلى أن الطلب هل هو يتعلق بوجود الطبيعة أو بوجود الفرد إذ الطبيعة بما هي هي ليست إلا هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة وهكذا الفرد (وعليه) فالنزاع هنا مما يجري على كل من القولين في تلك المسألة فانا سواء قلنا هناك بتعلق الطلب بوجود الطبيعة أو بوجود الفرد نقول هنا هل صيغة الأمر تقتضي وجود واحد أو وجودات وهذا واضح.

(أقول) نعم يمكن إجراء النزاع في المرة والتكرار ولو بمعنى الفرد والأفراد على كل من قولي تلك المسألة بحمل الفرد والأفراد هنا على الوجود والوجودات

٢٤١

ولكن الإنصاف أنه لا يخلو عن تكلف والظاهر أن مرادهم من المرة والتكرار في المقام هو الدفعة والدفعات كما قال به الفصول بل اعترف المصنف أيضا بظهور لفظهما في هذا المعنى غير أن المصنف قد أحب المناقشة مع الفصول فناقش.

(قوله غاية الأمر خصوصيته وتشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع يلازم المطلوب ... إلخ) أي غاية الأمر ان الخصوصيات والمشخصات التي بها يكون الفرد فردا على القول بتعلق الأوامر بالطبائع خارجة عن المطلوب والداخل تحت الطلب هو مجرد وجود الطبيعة وأما الخصوصيات والمشخصات الفردية فهي مما يلازم المطلوب خارجا بحيث لو أمكن التفكيك في مقام الامتثال بين إيجاد الطبيعة وبين تلك الخصوصيات والمشخصات الفردية لأجزأ وكفى وعلى القول بتعلقها بالأفراد تكون الخصوصيات والمشخصات الفردية جزءاً للمطلوب وقواما له بحيث لو أمكن التفكيك بين إيجاد الطبيعة وبين تلك الخصوصيات والمشخصات لم يجز ذلك ولم يكف وسيأتي توضيح ذلك بنحو أبسط في محله إن شاء الله تعالى.

(قوله تنبيه لا إشكال بناء على القول بالمرة ... إلخ) كما لا إشكال أيضا بناء على القول بالتكرار فعلى الأول لا مجال للإتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون به الامتثال أيضا فانه من الامتثال بعد الامتثال كما صرح به المصنف في المتن وعلى الثاني لا محيص على الإتيان بالمأمور به ثانيا وثالثا وهكذا ليكون به الامتثال (ومن هنا يظهر) أنه ليس الكلام في هذا التنبيه على القول بالمرة ولا على القول بالتكرار بل على خصوص المختار فقط وهو القول بدلالة الصيغة على طلب إيجاد الطبيعة من دون دلالة لها على المرة ولا على التكرار (ثم ان الكلام) على المختار يقع من جهتين

٢٤٢

(الأولى) في جواز الاكتفاء بالمرة في مقام الامتثال.

(الثانية) في جواز أن لا يكتفى بالمرة بل يأتي بالمأمور به ثانيا أو ثالثا على أن يكون أيضا به الامتثال (أما بالنسبة إلى الجهة الأولى) فيقول المصنف ما حاصله إن الأمر إن كان واردا في مقام البيان فنتمسك لدفع احتمال وجوب ما زاد على المرة بإطلاق الصيغة بمادتها فإذا قال مثلا أطعم زيدا واحتمل وجوب الإطعام أكثر من مرة فنتمسك لدفعه بإطلاق الإطعام فلو وجب علينا أكثر من مرة لكان عليه تقييد الإطعام بمرتين أو أكثر وان لم يكن الأمر واردا في مقام البيان فنتمسك لدفع احتمال الزائد بالأصل العملي أي بالبراءة (وأما بالنسبة إلى الجهة الثانية) وهي جواز أن لا يكتفى بالمرة بل يأتي بالطبيعة ثانيا أو ثالثا على أن يكون أيضا بها الامتثال (فيقول المصنف) ما حاصله انه قد يتوهم أن مقتضى إطلاق الطبيعة جواز الإتيان بها كذلك ولكن التحقيق أن مقتضى الإطلاق جواز الإتيان بالطبيعة مرة واحدة في ضمن فرد أو أفراد ففي مثل قوله أعتق رقبة له أن يعتق رقبة واحدة وله ان يعتق رقبات متعددة دفعة واحدة فان كلا منهما عتق لا جواز الإتيان بالطبيعة مرة ثانية أو ثالثة على أن يكون أيضا بها الامتثال فان الأمر بمجرد الإتيان بالطبيعة مما يسقط لا محالة ومع سقوطه لا مجال للإتيان بها ثانيا أو ثالثا على أن يكون أيضا بها الامتثال (نعم) إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض الأقصى كما إذا أمر بالماء ليشربه فأتى به ولم يشربه فعند ذلك له تبديل الامتثال أي يأتي بفرد آخر أحسن من الأول على أن يكون به الامتثال لا بالفرد الأول وهذا بخلاف ما إذا كان الامتثال علة تامة لحصول الغرض الأقصى كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه على ما سيأتي التمثيل به من المصنف في بحث الأجزاء فليس له حينئذ تبديل الامتثال.

٢٤٣

(قوله فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال ... إلخ) أي بمقتضى إطلاق الصيغة بمادتها المفروض كونها في مقام البيان.

(قوله وإنما الإشكال في جواز أن لا يقتصر عليها ... إلخ) شروع في الجهة الثانية من جهتي الكلام في هذا التنبيه فلا تشتبه.

(قوله ويسقط به الأمر فيما إذا كان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصى ... إلخ) في التقييد مسامحة فان الأمر مع الإتيان بالطبيعة مما يسقط لا محالة سواء كان الامتثال علة تامة لحصول الغرض الأقصى أم لا نعم إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض الأقصى فالملاك باق على حاله كما سيأتي التصريح به من المصنف في بحث الأجزاء لا ان الأمر بنفسه باق على حاله كما يفهم من كلام المصنف هنا.

(قوله فرد آخر أحسن منه بل مطلقا ... إلخ) أي ولو لم يكن أحسن منه وهو أيضا لا يخلو عن مسامحة فان تبديل الامتثال مع عدم حصول الغرض الأقصى بفرد آخر أحسن من الأول وإن كان مما لا يخفى حسنه ولكن تبديله بفرد آخر مساوي مما لا حسن له عند العقلاء (اللهم) إلا إذا كان للمكلف غرض خاص متعلق بإتيان الفرد الثاني أو بإبقاء الفرد الأول فبدل الماء المأتي به في المثال المتقدم بماء آخر مساوي لأجل هذه الجهة والغاية وهذا واضح.

في الفور والتراخي

(قوله المبحث التاسع الحق أنه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي ... إلخ) ظاهر المصنف وصريح الفصول ان النزاع في هذا البحث

٢٤٤

هو كالنزاع في البحث السابق فعند المصنف يكون جاريا في مجموع الهيئة والمادة وعند الفصول يكون جاريا في خصوص الهيئة فقط ولكن قد عرفت أن الحق كان مع الفصول فكما أن مع الاتفاق على أن المصدر مما لا يدل إلا على الماهية لا يكاد يبقى مجال للنزاع في دلالة الصيغة بمادتها على المرة أو التكرار فكذلك معه لا يكاد يبقى مجال للنزاع في دلالتها بمادتها على الفور أو التراخي بل الدال على الفور أو التراخي على القول به هو الهيئة فقط دون غيرها (والحق) أن الهيئة أيضا مما لا دلالة لها على أحدهما كما عرفت انها مما لا دلالة لها على شيء من المرة والتكرار أصلا وبالجملة أن مفاد الصيغة أي مجموع ما لها من الهيئة والمادة بحكم التبادر ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة ليس فيها مرة ولا تكرار ولا فور ولا تراخي أبدا.

(قوله نعم قضية إطلاقها جواز التراخي ... إلخ) أي قضية إطلاق الصيغة بمادتها جواز التراخي.

(أقول) نعم لكن لا بمقدار يوجب الاستخفاف بأمر المولى والتهاون به فان المقصود هنا من التراخي هو نفى الفورية على سبيل التضييق والتشديد لا التراخي إلى أي وقت شاء المكلف.

(قوله كما ادعى دلالة غير واحد من الآيات على الفورية ... إلخ) قد استدل للقول بالفور بأمور أوجهها (قوله تعالى) وسارعوا إلى مغفرة من ربكم (وقوله تعالى) واستبقوا الخيرات (وقد أورد المصنف) على الاستدلال بهما من وجوه.

(الأول) ان سياق الآيتين الشريفتين هو البعث والتحريك إلى المسارعة والاستباق بنحو الاستحباب من دون أن يستتبع تركهما الغضب والشر وإلّا لكان البعث بالتحذير عن تركهما أنسب وقد أشار إلى ذلك بقوله

٢٤٥

وفيه منع ضرورة أن سياق آية وسارعوا إلى آخره.

(أقول) وفيه ما لا يخفى فان الواجبات كلها مما يستتبع تركها الغضب والشر وإلّا لم تكن واجبات ومع ذلك ليس البعث بالتحذير عن تركها بل بالتحريك إلى فعلها غالبا ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

(الثاني) ان الأمر بالمسارعة والاستباق لو كان للوجوب لزم كثرة تخصيصه أي في جميع المستحبات وكثير من الواجبات بل وأكثرها مما لا يجب فيه المسارعة والاستباق فلا بد من حمل الأمر في الآيتين الشريفتين على الندب أو على مطلق الطلب المشترك بين الوجوب والندب كي يلائم الواجبات والمستحبات جميعا وقد أشار إلى ذلك بقوله مع لزوم كثرة تخصيصه إلى قوله أو مطلق الطلب.

(أقول) وفيه ما لا يخفى أيضا فان حمل الأمر فيهما على الندب حذرا من لزوم تخصيص الأكثر وإن كان حقا ولكن حمله على مطلق الطلب مما لا وجه له فان الطلب جنس والجنس مما لا يتحقق في الخارج إلا مع أحد الفصول وفي ضمن أحد الأنواع فكما أن الحيوان لا يتحقق في الخارج إلا مع الناطق مثلا أو مع الناهق وفي ضمن الإنسان مثلا أو في ضمن الحمار ونحوهما فكذلك الطلب مما لا يتحقق في الخارج ولا ينشأ بالصيغة ونحوها إلا في ضمن الوجوب أو الندب وعليه فالطلب المنشأ في الآيتين أما وجوبي أو ندبي فلا معنى لحمل الأمر فيهما على مطلق الطلب كي يلائم الواجبات والمستحبات جميعا.

(الثالث) أن العقل مستقل بحسن المسارعة والاستباق فيكون الأمر بهما إرشادا إلى حسنهما العقلي ولا يكون مولويا يستفاد منه وجوب المسارعة والاستباق شرعا كسائر الواجبات الشرعية وقد أشار إلى ذلك بقوله ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق إلى قوله إرشادا إلى ذلك ... إلخ

٢٤٦

(ثم ان) ظاهر المصنف أن وجه صيرورة الأمر بهما بمجرد استقلال العقل بحسنهما إرشاديا لا مولويا أنه يندرج بذلك تحت ضابطة الأوامر الإرشادية وهي أن يكون لمحض التنبيه على ما يترتب على الفعل بنفسه من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار ولو لم يكن أمر به أصلا من دون أن يترتب على موافقته قرب ولا ثواب ولا على مخالفته بعد ولا عقاب نظير أوامر الطبيب ونواهيه وقد أشار إلى ذلك بقوله فيكون الأمر فيها أي في الآيات والروايات لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية.

(أقول) أما استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق فلا يبعد أن يكون قرينة على عدم كون الأمر بهما في الآيتين الشريفتين لأكثر مما استقل به العقل من الحسن والرجحان وأنه مؤكد لحكمه لا حكم جديد فيكون هذا شاهدا آخر على كون الأمر بهما للندب لا للوجوب غير ما تقدم في الجواب الثاني ولكن كونه قرينة على أن الأمر بهما إرشادي لا مولوي بحيث لا يترتب على امتثاله قرب ولا ثواب ولا على عصيانه بعد ولا عقاب غير ما يترتب على الفعل بنفسه من الخواصّ والآثار فلا.

في بيان الضابط في إرشادية الأوامر والنواهي

وتوضيح ذلك أنه لا إشكال على الظاهر في أن الضابط في إرشادية الأوامر والنواهي كما أشير إليه هو أن يكون الأمر أو النهي لمحض التنبيه على ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار من دون أن يترتب على موافقته قرب ولا ثواب ولا على مخالفته بعد ولا عقاب (وقد صرح بذلك

٢٤٧

الشيخ أعلى الله مقامه) في مواضع كثيرة من كلماته الشريفة (قال) في البراءة في التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة التحريمية الحكمية ما لفظه الثالث لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا كما يستفاد من الأخبار المذكورة وغيرها وهل الأوامر الشرعية للاستحباب فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعي أو غيري بمعنى كونه مطلوبا لأجل التحرز عن الهلكة المحتملة والاطمئنان بعدم وقوعه فيها فيكون الأمر به إرشاديا لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى الخاصية المترتبة على الفعل أو الترك نظير أو امر الطبيب ونظير الأمر بالإشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع وجهان (انتهى) (وقال في الانسداد) قبل البراءة في إهمال النتيجة وكليتها ما لفظه ان التلازم بين الحكمين أي حكم العقل وحكم الشرع انما هو مع قابلية المورد لهما أما لو كان قابلا لحكم العقل دون الشرع فلا كما في الإطاعة والمعصية فانهما لا يقبلان لورود حكم الشارع عليهما بالوجوب والتحريم الشرعيين بان يريد فعل الأولى وترك الثانية بإرادة مستقلة غير إرادة فعل المأمور به وترك المنهي عنه الحاصلة بالأمر والنهي حتى أنه لو صرح بوجوب الإطاعة وتحريم المعصية كان الأمر والنهي للإرشاد لا للتكليف إذ لا يترتب على مخالفة هذا الأمر والنهي الا ما يترتب على ذات المأمور به والمنهي عنه أعني نفس الإطاعة والمعصية وهذا نفس دليل الإرشاد كما في أوامر الطبيب ولذا لا يحسن من الحكيم عقاب آخر أو ثواب آخر غير ما يترتب على نفس المأمور به والمنهي عنه فعلا أو تركا من الثواب والعقاب (انتهى) إلى غير ذلك من مواضع أخر (ولكن الإشكال) كل الإشكال في أنه ما الحكمة في عدم ترتب شيء من القرب والبعد والثواب والعقاب على موافقة الأوامر والنواهي الإرشادية سوى ما يترتب على الفعل بنفسه من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار مع ان الأوامر

٢٤٨

والنواهي بأجمعها من مولويها وإرشاديها تكون لما يترتب على الفعل بنفسه من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات كما نسب ذلك إلى العدلية من غير اختصاص بالأوامر والنواهي الإرشادية (والظاهر) ان الحكمة في ذلك هو عدم انقداح الإرادة والكراهة والحب والبغض في نفس الآمر والناهي في الأوامر والنواهي الإرشادية ففي الأوامر والنواهي المولوية يريد الآمر ويكره الناهي ويحب ويبغض ويتبعهما القرب والبعد والثواب والعقاب وفي الأوامر والنواهي الإرشادية كأمر الطبيب بشرب المسهل ونهيه عن استعمال الحامض ليس في نفس الآمر والناهي إرادة ولا كراهة ولا حب ولا بغض كي يتبعهما القرب والبعد والثواب والعقاب بل يأمر الطبيب وينهى بداعي الإرشاد إلى ما في الفعل من المنافع والمضار فان شاء المريض وافقه وأطاعه وإن شاء خالفه وعصاه فلا موافقته يقربه إليه ولا مخالفته يبعده عنه وهذا بخلاف ما إذا انقدح في نفس الآمر أو الناهي على طبق ما أمر به أو نهى عنه إرادة أو كراهة ملزمة أو غير ملزمة فيكون أمره أو نهيه مولويا يتبعهما القرب والثواب أو البعد والعقاب (ويظهر هذه الحكمة) من عبارة غير واحد من الأعلام (قال في الفصول) في مسألة الاجتماع بعد ما نقل محصل كلام المحقق القمي في رد المفسرين لكراهة العبادات بأقلية الثواب ما لفظه والجواب عنه أما أولا فبأنا نلتزم بما هو ظاهر كلام القوم من أن الكراهة في العبادات بمعنى قلة الثواب وان تلك النواهي إرشادية مجردة عن معنى طلب الترك ولا يلزم عليه شيء من المفاسد المذكورة (انتهى) (وقال في التقريرات) في جملة ما أفاده في مسألة الاجتماع في بحث الخروج عن الغصب لمن توسط بسوء الاختيار بعد ما اختار كونه واجبا ونقل مختار الفصول فيه من كونه واجبا مع جريان حكم المعصية عليه ما هذا

٢٤٩

لفظه والعجب من بعض المحققين كسلطان العلماء كيف اختفى ذلك على مثله مع طول باعه في التحقيق وأعجب من ذلك استناده فيه إلى دعوى لا يساعدها العرف والعقل من ان هذه الأوامر أي الأمر بالخروج وأمثاله مرجعها إلى الإرشاد عن وجود المصالح والمفاسد في نفس الأشياء مثل أوامر الطبيب ونواهيه من دون أن يكون هناك طلب حقيقي مثل وجوده في أوامر المولى بالنسبة إلى عبيدهم (انتهى) وبالجملة ان الأوامر والنواهي المولوية هي تمتاز عن الإرشادية بكونها عن إرادة أو كراهة منقدحة في نفس الآمر أو الناهي يوجب موافقتها القرب والثواب ومخالفتها البعد والعقاب والأوامر والنواهي الإرشادية ممحضة للتنبيه على الخواصّ المترتبة على الفعل بنفسه من دون أن يكون على طبقها إرادة أو كراهة منقدحة في نفس الآمر أو الناهي كي يوجب موافقتها القرب والثواب ومخالفتها البعد والعقاب وهذا لدى التدبر واضح (ثم ان) هذا المعنى وان كان قد يتحقق في الموالي العرفية لجواز أن يكون صلاح الفعل أو فساده عائدا إلى نفس المكلف غير عائد إلى المولى أو إلى من يمس به فيأمره حينئذ لمحض التنبيه والإرشاد إلى ما في الفعل من الخواصّ والآثار والمنافع والمضار من دون أن يكون على طبقها إرادة أو كراهة في نفس الآمر أو الناهي كي إذا امتثله قربه إليه وأثابه أو إذا خالفه بعده عنه وعاقبه نظير أوامر الطبيب ونواهيه للمرضى لكن في الموالي الشرعية لا يكاد يمكن ذلك بان يكون في الفعل صلاح أو فساد ملزم أو غير ملزم ويأمر الشارع به أو ينهى عنه من دون أن يكون على طبقه إرادة أو كراهة في نفسه المقدسة فان المصالح والمفاسد هب انها عائدة إلى نفس المكلف لا إلى المولى ولا إلى من يمس به ولكن شدة لطفه بالعباد ومزيد عطفه عليهم مما توجب أن تكون المصالح والمفاسد العائدة إليهم كالمصالح والمفاسد العائدة إلى نفسه أو إلى من

٢٥٠

يمس به في سببيتها لانقداح الإرادة والكراهة في نفسه المقدسة (وعلى هذا) فأوامر الشارع ونواهيه كلها مولوية بهذا المعنى أي تكون عن إرادة وكراهة في نفسه الشريفة ناشئة عن الخواصّ والآثار والمنافع والمضار الموجودة في الفعل فيترتب على موافقتها القرب والثواب وعلى مخالفتها البعد والعقاب (ومن جملتها) الأمر بالمسارعة والاستباق فان مجرد استقلال العقل بحسنهما لا يكاد يكفى في صيرورة الأمر بهما إرشاديا كما تقدم من المصنف ما دامت الإرادة منقدحة في نفس المولى على طبق حكم العقل بحسنهما وان كان ذلك شاهدا على استحبابهما كما بينا (كما أن من جملتها) أيضا الأمر بالإطاعة والنهي عن المعصية فان مجرد امتناع تعلق إرادة أخرى مستقلة بفعل الأولى وترك الثانية غير الإرادة المتعلقة بفعل المأمور به وترك المنهي عنه نظرا إلى عدم كون الإطاعة والمعصية أمرا آخر غير الإتيان بالمأمور به وترك المنهي عنه لا يكاد يكفى في صيرورة الأمر والنهي المتعلقين بهما إرشاديين كما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه فان ملاك الإرشادية على ما عرفت هو خلو الأمر أو النهي عن الإرادة أو الكراهة لا امتناع تعلق إرادة أخرى مستقلة غير إرادة فعل المأمور به وترك المنهي عنه ومن المعلوم أن الأمر والنهي المتعلقين بهما غير خاليين عن الإرادة والكراهة غايته أن الإرادة والكراهة فيهما هي عين الإرادة والكراهة المتعلقتين بفعل الواجبات وترك المحرمات ومن هذا كله يظهر لك حال الأمر بالإشهاد في المعاملة أو النهي عن الاقتحام في الشبهات إلى غير ذلك مما اشتهر كونها إرشادية لا مولوية فتأمل في المقام جيدا فانه لا يخلو عن دقة.

(قوله كان البعث بالتحذير عنهما أنسب ... إلخ) في العبارة مسامحة واضحة والأولى كان ان يقول بالتحذير عنه أي عن تركهما أنسب.

٢٥١

(قوله فافهم ... إلخ) قد أشرنا إلى وجه قوله فافهم في صدر التعليق على قوله كما ادعى دلالة غير واحد من الآيات على الفورية فراجع ولا نعيد.

(قوله في مقام البعث نحوه إرشادا ... إلخ) ولو قال نحوهما أي نحو المسارعة والاستباق كان أصح بل كان هو الصحيح.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى ضعف ضابطة الإرشادية التي قد أشار إليها بقوله فيكون الأمر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية ولعل وجه الضعف في نظره أن كون الأمر لما يترتب على المادة بنفسها من الخواصّ والآثار هو مما يشترك فيه تمام الأوامر المولوية والإرشادية جميعا من غير اختصاص بالإرشادية فقط فكل منهما يكون لما يترتب على الفعل من المصالح والمفاسد فلما ذا يترتب على الموافقة والمخالفة في أحدهما الثواب والعقاب دون الآخر ولكن قد عرفت منا الفرق بينهما وأنه من ناحية الإرادة والكراهة فإنشاء كل منهما وإن كان لما يترتب على المادة بنفسها ولكن في الأوامر والنواهي المولوية يكون إنشاؤهما بداعي الإرادة والكراهة المنقدحة في نفس الآمر الموجبة للقرب والبعد والثواب والعقاب وفي الأوامر والنواهي الإرشادية يكون إنشاؤهما لمحض التنبيه على ما في الفعل من الخواصّ والآثار من دون أن يكون على طبقها إرادة أو كراهة منقدحة في نفس الآمر أو الناهي كي يوجب القرب والبعد والثواب والعقاب فتدبر جيدا.

(قوله تتمة بناء على القول بالفور فهل قضية الأمر الإتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الإتيان به فورا أيضا في الزمان الثاني أو لا وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول هو وحدة المطلوب أو تعدده ... إلخ.)

٢٥٢

(أقول) إن تعدد المطلوب على نحوين (فتارة) يكون للمولى مطلوبان أحدهما أصل الفعل والآخر إتيانه فورا في أول أزمنة الإمكان ومقتضى هذا النحو من تعدد المطلوب أنه إذا عصى ولم يأت بالفعل فورا في أول أزمنة الإمكان فلا يكاد يبقى عليه شيء سوى أصل الفعل لا إتيانه فورا ففورا (وأخرى) يكون للمولى مطلوبات متعددة منها أصل الفعل ومنها إتيانه فورا في الزمان الأول ومنها إتيانه فورا في الزمان الثاني إذا عصى إتيانه في الزمان الأول وهكذا في الزمان الثالث والرابع إلى الآخر وهذا النحو من تعدد المطلوب يقتضى الإتيان بالفعل فورا ففورا وعليه فجعل الإتيان فورا ففورا مبنيا على مطلق تعدد المطلوب كما فعل المصنف مما لا يخلو عن مسامحة.

(قوله لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده ... إلخ.)

(أقول) ان قلنا بالفور وقلنا باستفادته من نفس الصيغة فالامر كما ذكره المصنف فلا دلالة للصيغة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده وأما لو قلنا بالفور وانه استفيد من آيتي المسارعة والاستباق فلا يبعد دلالتهما على تعدد المطلوب بل على النحو الأخير منه الّذي يقتضى الإتيان بالفعل فورا ففورا بحيث كان للمولى مطلوبات متعددة أصل الفعل والإتيان به فورا في الزمان الأول وان عصى فالإتيان به فورا في الزمان الثاني وهكذا.

في بحث الاجزاء

(قوله الفصل الثالث الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة .... إلخ) الظاهر ان قوله في الجملة إشارة إلى أن الإتيان

٢٥٣

بالمأمور به مطلقا سواء كان واقعيا أو ظاهريا أو اضطراريا هو مما يجزى عن أمر نفسه بلا كلام يعتد به وانما البحث في اجزاء كل من الإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري عن الواقعي وسيأتي تفصيل المقال في الكل جميعا فانتظر.

(قوله أحدها الظاهر ان المراد من وجهه في العنوان هو النهج الّذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا ... إلخ) وحاصل الكلام ان الظاهر ان المراد من كلمة وجهه في عنوان البحث هو الإتيان بالمأمور به على النهج الّذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا ليشمل الإتيان بالتعبديات مع قصد القربة المعتبرة فيها بحكم العقل دون الشرع على ما تقدم تفصيله في التعبدي والتوصلي وليس المراد منها هو الإتيان بالمأمور به على النهج الشرعي فقط كي لا يشمل الإتيان بالتعبدي مع قصد القربة (وبعبارة أخرى) ليس المراد من كلمة على وجهه هو خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا وذلك لوجهين قد استند إليهما المصنف.

(أحدهما) انه لو كان المراد من كلمة على وجهه هو الثاني لكانت قيدا توضيحيا فان الإتيان بالكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا مما يستفاد من نفس الإتيان بالمأمور به بلا حاجة إلى ذكر كلمة على وجهه.

(وثانيهما) أنه لو كان المراد من كلمة على وجهه هو الثاني أي الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا لزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على ما اخترناه من كون اعتبار قصد القربة في العبادات هو بحكم العقل لا بحكم الشرع وذلك لوضوح عدم كون الإتيان بها على الكيفية المعتبرة فيها شرعا بلا مراعاة ما اعتبر فيها عقلا مجزيا قطعا (وفيه ان) خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على ما اخترناه في التعبدي والتوصلي مما لا يكاد يكشف عن

٢٥٤

كون المراد من كلمة على وجهه عند القوم هو الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا وعقلا بعد عدم لزوم خروجها على مختارهم نعم لو كان مختار القوم أيضا هو اعتبار قصد القربة في التعبديات بحكم العقل دون الشرع كان ذلك دليلا قاطعا على ان المراد من وجهه في العنوان هو النهج الّذي ينبغي أن يؤتى به على ذلك النهج شرعا وعقلا لا شرعا فقط ولكن ليس مختارهم ذلك.

(قوله ولا الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب ... إلخ) إشارة إلى ما توهمه بعضهم على ما ذكره صاحب التقريرات (قال) واعلم ان المراد بالوجه في العنوان هو الإتيان بالمأمور به مشتملا على جميع ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا وقد يتوهم ان المراد به هو وجه الأمر الموجود في السنة المتكلمين من نية الوجوب أو الندب (انتهى).

(أقول) وهذا التوهم في غاية الوهن والسقوط بل لا يستحق الذّكر والتعرض له أصلا وعلى كل حال أورد عليه المصنف من وجوه ثلاثة :

(الأول) ان الوجه مما لا يعتبر عند المعظم كي صح دعوى ان المراد من وجهه في العنوان هو قصد الوجه.

(الثاني) ان من قال باعتباره لم يقل به الا في خصوص العبادات فقط دون التوصليات وهذا النزاع جار في عموم الواجبات.

(الثالث) أنه لا وجه لاختصاص الوجه بالذكر من بين ساير ما يعتبر في المأمور به من الاجزاء والشرائط وعليه فلا بد من كون المراد من وجهه معنى يندرج فيه الوجه وغيره من الاجزاء والشرائط وهو ما تقدم من المصنف من النهج الّذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا (ثم ان المصنف) قد أخذ هذا الجواب الأخير من التقريرات بل ذكر التقريرات جوابا آخر لم يتعرضه المصنف (قال) ويزيفه دخول كلمة على عليه إذا لمناسب

٢٥٥

على ذلك التقدير دخول اللام عليه لا كلمة على (انتهى) وهو جيد متين.

(قوله ثانيها الظاهر ان المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة ولذا نسب إلى الإتيان لا إلى الصيغة ... إلخ) وحاصل الكلام أن المراد من الاقتضاء في عنوان البحث هو العلية للاجزاء عقلا لا الدلالة عليه لفظ ولذا قد نسب الاقتضاء إلى الإتيان فلو كان المراد من الاقتضاء هو الدلالة لكان الا نسب نسبته إلى الصيغة بان يقال صيغة الأمر هل يقتضى الإجزاء أم لا (وفيه) ان المحقق القمي وصاحب الفصول بل ومن تقدمهما من الأصوليين قد نسبوه إلى الصيغة وإن كان صاحب التقريرات والمصنف ومن تأخر عنهما قد نسبوه إلى الإتيان وعليه فنسبة الاقتضاء إلى الإتيان ليس أمرا متفقا عليه عند القوم كي يستكشف منه عدم كون الاقتضاء في عنوان البحث بمعنى الدلالة لفظا بل بمعنى العلية والتأثير عقلا (قوله ان قلت هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره ... إلخ) وتوضيح الإشكال مما يبتنى على ذكر مقدمة قبلا وهي ان النزاع في هذا البحث كما أشير إجمالا وستعرف تفصيله يقع في موضعين.

(الأول) ان الإتيان بالمأمور به مطلقا سواء كان واقعيا أو ظاهريا أو اضطراريا هل يجزى عن أمر نفسه أم لا وهذا النزاع نزاع كبروي والظاهر أنه لا خلاف فيه من أحد سوى من أبي هاشم وعبد الجبار على ما في الفصول.

(الثاني) ان الإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري هل يجزى عن المأمور به الواقعي أم لا وهذا النزاع نزاع صغروي إذا الكلام فيه لدى الحقيقة ليس إلا في دلالة دليلهما على نحو يفيد الإجزاء أم لا بمعنى انهما هل يدلان على اشتمالهما مثلا على تمام مصلحة الواقع كي يجزيان عنه عقلا أم لا

٢٥٦

(هذا حاصل المقدمة) وإذا عرفتها فنقول حاصل الإشكال ان الاقتضاء هب أنه بمعنى العلية والتأثير في الموضع الأول ولكنه في الموضع الثاني ليس إلا بمعنى الكشف والدلالة إذ النزاع فيه كما قلنا ليس إلا في دلالة الأمر الاضطراري أو الظاهري على نحو يفيد الأجزاء أم لا (وقد أجاب المصنف) عن الإشكال بما حاصله ان النزاع في الموضع الثاني وإن كان في الواقع في دلالة دليل الاضطراري والظاهري ولكن مع ذلك لا ينافى كون النزاع فيه بحسب الظاهر في الاقتضاء بنحو العلية والتأثير غايته أن العمدة في سبب هذا النزاع هو النزاع في دلالة الدليلين.

(أقول) لا إشكال في ان العمدة في بحث الأجزاء هو النزاع في الموضع الثاني لما أشير من عدم النزاع في الموضع الأول إلا من أبي هاشم وعبد الجبار وإذا اعترف المصنف بان العمدة في سبب النزاع في الموضع الثاني هو في دلالة الدليلين فلا يكاد يبقى معه وجه لكون المراد من الاقتضاء في العنوان هو الاقتضاء بمعنى العلية والتأثير دون الكشف والدلالة وهذا واضح (ولعله) إليه أشار أخيرا بقوله فافهم جيدا.

(قوله كان في الاقتضاء ... إلخ) الظاهر ان كلمة كان زائدة ولعله سهو من القلم.

(قوله ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا ... إلخ) كان اللازم تأنيث الضمير بان يقول ويكون النزاع فيها صغرويا أيضا ... إلخ أي في دلالة دليلهما والظاهر ان كلمة أيضا إشارة إلى كون النزاع في إجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري عن الواقعي نزاع صغروي فالنزاع في دلالة دليلهما الّذي هو سبب لهذا النزاع صغروي أيضا كالأول.

(قوله فافهم ... إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا نعيد

٢٥٧

(قوله ثالثها الظاهر ان الإجزاء هاهنا بمعناه لغة وهو الكفاية ... إلخ) (قال في التقريرات) الثاني الإجزاء لغة معناه الكفاية وفسروه في المقام بوجهين أحدهما كون الفعل المأتي به مسقطا للتعبد به (إلى ان قال) وثانيهما إسقاط القضاء (قال) والمراد من القضاء على ما قيل هو مطلق التدارك أعم من الإعادة والقضاء إذ لو كان باقيا على ظاهره من فعل المأمور به خارج الوقت يكون عدم الاجزاء عبارة عما لا يسقط القضاء وان أسقط الإعادة وهو باطل لأن ما لا يسقط القضاء لا يسقط الإعادة بطريق أولى (انتهى موضع الحاجة من كلامه) (فيقول المصنف) ان الاجزاء في المقام هو بمعناه اللغوي وهو الكفاية وليس للأصوليين فيه اصطلاح جديد بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء فان ذلك أمر بعيد جدا نعم يختلف ما يكفى عنه فان الإتيان بالمأمور به الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا والإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري يكفى فيسقط به التدارك ثانيا إعادة أو قضاء.

(أقول) بل الإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري أيضا بالنسبة إلى أمر نفسه يكون كالإتيان بالمأمور به الواقعي فيسقط به التعبد به ثانيا كما سيأتي تصريح المصنف به فالأولى هو أن يقال ان الإتيان بالمأمور به مطلقا سواء كان واقعيا أو ظاهريا أو اضطراريا هو مما يكفى عن أمر نفسه فيسقط به التعبد به ثانيا والإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري يكفى عن المأمور به الواقعي فيسقط به التدارك ثانيا إعادة وقضاء فتأمل جيدا.

(قوله رابعها الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى ... إلخ) قد يتشكل على ما في التقريرات في الفرق بين هذا البحث وبحث المرة والتكرار بل وبحث تبعية القضاء للأداء أو بفرض جديد أيضا وكأنه بدعوى ان القول بعدم الاجزاء يساوي القول بالتكرار بل وبتبعية

٢٥٨

القضاء للأداء أيضا (وقد أجاب المصنف) عن الإشكال الأول بما حاصله ان الفرق بين هذا البحث وبحث المرة والتكرار مما لا يكاد يخفى فان البحث هناك في تعيين المأمور به وانه هل هو المرة أو التكرار أو مجرد الطبيعة وهاهنا يقع الكلام بعد الفراغ عن تعيين المأمور به وتشخيصه على الضبط والدقة في ان الإتيان به هل هو يجزى عن التعبد به ثانيا أم لا نعم القول بالتكرار يوافق عملا مع القول بعدم الاجزاء لكن كل منهما بملاك خاص فعلى الأول يكرر العمل لأجل أن يؤتى بالمأمور به وعلى الثاني يكرر العمل لأجل أنه قد أتى بالمأمور به ولم يجز (وأجاب عن الإشكال الثاني) بما حاصله أن الكلام في بحث التبعية يكون في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها وهاهنا يكون الكلام في ان الإتيان بالمأمور به هل هو يجزى عقلا أم لا يجزى وبينهما فرق واضح.

(أقول) هذا مضافا إلى أن الكلام هاهنا مفروض فيما إذا أتى المكلف بالمأمور به فهل هو يجزى أم لا يجزى والكلام هناك مفروض فيما إذا لم يأت بالمأمور به في الوقت فهل الصيغة حينئذ تدل على الإتيان به في خارج الوقت أم لا.

(قوله بنفسها أو بدلالة أخرى ... إلخ) لم يكن الكلام في بحث المرة والتكرار الا في دلالة نفس الصيغة على المرة أو التكرار أما بهيئتها أو بمجموع هيئتها ومادتها على الخلاف المتقدم بين الفصول والمصنف لا في دلالتها بمعونة دليل آخر نعم في الفور والتراخي كانت الدلالة بمعونة دليل آخر عند من استدل على الفور بآيتي المسارعة والاستباق دون بحث المرة والتكرار وكأن المصنف قد اشتبه البحثين أحدهما بالآخر والعهد بهما قريب.

٢٥٩

في اجزاء الإتيان بالمأمور به مطلقا سواء كان

واقعيا أو ظاهريا أو اضطراريا عن أمر نفسه

(قوله فتحقيق المقام يستدعى البحث والكلام في موضعين الأول ان الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي بل بالأمر الاضطراري والظاهري أيضا يجزى عن التعبد به ثانيا ... إلخ) الكلام في هذا الموضع الأول وهو إجزاء الإتيان بالمأمور به مطلقا سواء كان واقعيا أو ظاهريا أو اضطراريا عن أمر نفسه على نحو لا يتعبد به ثانيا يظهر حاله على التفصيل مما تقدم في الجهة الثانية من جهتي التكلم في تنبيه بحث المرة والتكرار وكان ملخص الكلام فيها ان الأمر مع الإتيان بالطبيعة مما يسقط ومع سقوطه لا مجال للإتيان بها ثانيا أو ثالثا على أن يكون أيضا بها الامتثال نعم إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض الأقصى كما إذا أمر بالماء ليشربه فلم يشربه فللعبد تبديل الامتثال والإتيان بفرد آخر أحسن من الأول لأن الأمر وإن كان قد سقط بنفسه ولكن لم يسقط بحقيقته وملاكه فبقاء الملاك مما يسوغ الإتيان بها ثانيا أو ثالثا إذا كان المأتي به فردا أحسن أو مطلقا ولو كان مساويا فيما إذا كان للمكلف غرض عقلائي في التبديل بالمساوي وهذا بخلاف ما إذا كان علة تامة لحصول الغرض الأقصى كما إذا أمر بالماء ليشربه فشربه أو أمر بإهراقه في فمه لرفع عطشه فأهرقه فيه وزال العطش فحينئذ لا مجال للإتيان بها ثانيا أو ثالثا على أن يكون أيضا بها الامتثال وان كان المأتي به فردا أحسن من الأول.

٢٦٠