عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

(وثانيا) ان استعمال المشتق في موارد الانقضاء وان كثر أو كان أكثر لكن لا يكون الجري فيه بلحاظ الحال كي يكون مجازا بل بلحاظ حال التلبس فيكون حقيقة فإذا قيل مثلا جاء القاتل أو السارق وقد انقضى عنه المبدأ أي جاء الّذي كان قاتلا أو سارقا.

(أقول) لو كان استعمال المشتق في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبس لم يكن استعمال المشتق في حال الانقضاء كثيرا أو أكثر ليمنع عن احتمال كون الانسباق من الإطلاق لا من إلحاق كما فعل المصنف في جواب ان قلت الأول (ودعوى) أن مع عموم المعنى على القول بالأعم لا وجه لملاحظة حالة أخرى كما سيأتي من المصنف بل يلحظ الحال الحاضر فيكثر الاستعمال في حال الانقضاء (مما لا وجه له) فان مع عموم المعنى على القول بالأعم وان لم يكن وجه لملاحظة حالة أخرى أي حال التلبس ولكن على المختار وهو وضع المشتق لغة لخصوص المتلبس في الحال تكون الاستعمالات الواقعة من أهل اللسان في موارد الانقضاء كلها محمولة عندنا على لحاظ حال التلبس فإذا لا يكثر الاستعمال في حال الانقضاء ليمنع عن احتمال كون الانسباق من الإطلاق لا من الحال فيبقى ان قلت الأول بلا جواب ولكن قد عرفت الجواب الصحيح منا مفصلا فاغتنمه.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى أنه لو سلم أنه قد يتفق أن يكون استعمال اللفظ في معنى مجازي خاص أكثر من استعماله في معناه الحقيقي لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه فليكن المقام من هذا القبيل فيكون استعمال المشتق في موارد الانقضاء كثيرا أو أكثر لأجل ذلك فلا بعد ولا عدم الملاءمة مع حكمة الوضع.

(قوله ضرورة أنه لو كان للأعم لصح استعماله بلحاظ كلا الحالين ...

١٤١

إلخ) علة لجواز كون الاستعمال على الأعم بلحاظ هذا الحال وجعله معنونا بهذا العنوان فعلا بمجرد تلبسه قبل مجيئه.

(قوله إذ مع عموم المعنى وقابلية كونه حقيقة في الموارد ولو بالانطباق لا وجه للملاحظة حالة أخرى ... إلخ) علة لقوله وبالجملة كثرة الاستعمال في حال الانقضاء يمنع عن دعوى انسباق خصوص حال التلبس من الإطلاق (وتوضيح) ذلك أن مع عموم معنى المشتق على القول بالأعم وقابلية كون المعنى حقيقة في مورد الانقضاء ولو بانطباق المعنى العام عليه لا وجه للملاحظة حال التلبس في موارد استعمال المشتق فيما انقضى عنه بل يلحظ الحال الحاضر وهو حال الانقضاء ويكون حقيقة فيه فإذا يكثر الاستعمال في حال الانقضاء فيمنع عن احتمال كون انسباق حال التلبس من الإطلاق لا من إلحاق (هذا) ولكنك قد عرفت منا آنفا ما يضعف ذلك ويبطله فلا نعيد.

(قوله وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة ... إلخ) أي واستعمال المشتق في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبس غير استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة كاستعمال لفظ الأسد في الرّجل الشجاع فان لفظ الأسد إذا استعمل فيه فلا محالة يكون مجازا وهذا بخلاف استعمال المشتق في موارد الانقضاء فانه إذا لوحظ فيها حال التلبس فلا يكون مجازا.

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى ضعف قوله فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازا وبالعناية ... إلخ فان أمر الاستعمال بيد المستعمل فان شاء لاحظ حال التلبس فيكون الاستعمال حقيقيا وإن شاء لاحظ هذا الحال الحاضر وهو حال الانقضاء فيكون مجازيا وليس الاستعمال المجازي مع التمكن من الحقيقي أمرا ممنوعا عنه كي يقال إنه لا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازا وبالعناية بل هو أمر مرخوص فيه شايع متعارف عند أهل

١٤٢

المحاورة حتى قيل باب المجاز واسع أو إن أكثر المحاورات مجازات كما تقدم.

(قوله ثم إنه ربما أورد على الاستدلال بصحة السلب ... إلخ) هذا الإيراد قد ذكره في البدائع (وحاصله) أنه إن أريد بصحة سلب الضارب مثلا عما انقضى عنه المبدأ سلبه عنه مطلقا أي فعلا وسابقا فغير سديد لكونه كذبا محضا بعد فرض كونه ضاربا سابقا وإن أريد سلبه عنه مقيدا أي إنه ليس بضارب الآن فغير مفيد لأن علامة المجاز هو صحة سلب المطلق كصحة سلب الأسد عن الرّجل الشجاع لا سلب المقيد كصحة سلب الإنسان الأبيض عن الزنجي فانه ليس علامة لكون الإنسان مجازا فيه فان سلب المقيد أعم من سلب المطلق فقد يصح معه سلب المطلق وقد لا يصح هذا حاصل الإشكال (وأما ما أجاب) به المصنف فحاصله أنه إن أريد بالتقييد تقييد المسلوب فسلبه وإن لم يكن علامة لكون المطلق مجازا فيه ولكن تقييده ممنوع وإن أريد تقييد السلب أي زيد ليس الآن بضارب فغير ضائر بكون صحة السلب علامة للمجاز فان الضارب من غير تقييده بشيء إذا صح سلبه في الحال الحاضر عن زيد كان لا محالة علامة لكونه مجازا فيه في الحال الحاضر إذ لو كان حقيقة فيه مطلقا لصدق عليه في كل حال ضرورة صدق المطلق على أفراده في كل حال هذا مع إمكان منع تقييد السلب أيضا ودعوى تقييد المسلوب عنه أي زيد الآن ليس بضارب فيكون صحة سلب الضارب عن زيد الآن علامة لكونه مجازا في زيد الآن.

(أقول) والإنصاف أن الجواب مما لا يحتاج إلى مثل هذه التكلفات بل نلتزم برجوع القيد إلى نفس المسلوب كما هو ظاهر قولك زيد ليس بضارب الآن ونقول في مقام الجواب ان صحة سلب الضارب المقيد بالآن وان لم يكن علامة لكون الضارب مطلقا مجازا فيه ولكنه لا محالة علامة لكون الضارب

١٤٣

المقيد بالآن مجازا فيه وهو يكفى إذ الّذي نحن ندعيه في المسألة هو هذا المقدار فقط أي كون الضارب الآن مجازا فيه وان لم يكن الضارب مطلقا مجازا فيه بل كان حقيقة فيه سابقا فالذي نحن ندعيه يثبته صحة السلب المقيد وما لم يثبته هو نحن لا ندعيه ولا نقول به.

(قوله فيصح سلبه مطلقا بلحاظ هذا الحال ... إلخ) أي فيصح سلب الضارب مثلا مطلقا من غير تقييد بشيء عن زيد المقيد بالحال الحاضر.

(قوله ثم لا يخفى أنه لا يتفاوت في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ بين كون المشتق لازما وكونه متعديا ... إلخ) قد مر منا الإشارة إلى هذا التفصيل والتفصيل الّذي سيشير إليه آنفا بقوله كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ... إلخ بل وإلى غيرهما من التفاصيل قبيل الشروع في أدلة المختار عند التعليق على قول المصنف فاعلم أن الأقوال في المسألة وان كثرت ... إلخ كما مر أن هذا التفصيل أي بين اللازم والمتعدي هو لصاحب الفصول رحمه‌الله فتذكر.

أدلة القول بوضع المشتق

للأعم من المتلبس وما انقضى عنه

(قوله حجة القول بعدم الاشتراط وجوه الأول التبادر ... إلخ) أي حجة القول بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق حقيقة وجوه وان شئت قلت حجة القول بوضع المشتق للأعم من المتلبس في الحال وما انقضى عنه وجوه الأول التبادر يعنى به تبادر الأعم (وقد أجاب) عنه المصنف بما

١٤٤

حاصله إنك قد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس بالمبدإ من بين ساير أحوال الذات لا الأعم من حال التلبس وحال الانقضاء.

(أقول) ويرده أيضا صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ كما عرفت شرحه قبلا سيما إذا كان السلب بانضمام كلمة الآن فتقول لمن انقضى عنه الضرب مثلا أنه ليس بضارب الآن فلو كان المتبادر هو الأعم لم يصح السلب بلحاظ هذا الحال (بل) ويرده أيضا ارتكاز التضاد بين الصفات المتقابلة وقد عرفت أيضا شرحه كما في العالم والجاهل والمسلم والكافر ونحوهما فان المتبادر لو كان هو الأعم من حال التلبس وحال الانقضاء لم يكن بين تلك الصفات المتقابلة تضاد أصلا بل كان يصدق في حال واحد أنه عالم وجاهل أو مسلم وكافر وهكذا أحدهما بلحاظ حال التلبس والآخر بلحاظ حال الانقضاء مع أنه لا يكاد يصدق ذلك وليس هو إلا لأجل أن المتبادر من المشتقات ليس إلا خصوص حال التلبس فقط لا الأعم منه ومن حال الانقضاء.

(قوله الثاني عدم صحة السلب في مضروب ومقتول عمن انقضى عنه المبدأ ... إلخ) وقد أجاب عنه المصنف بما حاصله أن عدم صحة السلب في مثلهما إنما هو لأجل أنه قد أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا فعلا وهو أثر الضرب أو القتل كالتألم وإزهاق الروح ونحو ذلك فإرادة هذا المعنى من المبدأ وإن كان مجازا قطعا لأنه خلاف معناه الحقيقي وهو الضرب أو القتل ولكن بعد ما أريد منه ذلك يكون المشتق لا محالة مستعملا في معناه الحقيقي وهو المتلبس بالمبدإ في الحال وقد عرفت في الأمر الرابع أن اختلاف المشتقات حقيقة في المبادي مما لا يوجب اختلافا في المهم المبحوث عنه أي في كون المشتق حقيقة في المتلبس في الحال أو في الأعم منه وما انقضى عنه وأنه في الكل على نمط واحد.

١٤٥

(أقول) والظاهر أن الجواب مما لا يحتاج إلى مثل هذا التكلف لشديد فلا حاجة إلى الالتزام بأنه قد أريد من المبدأ معنى آخر مجازي يكون لتلبس به باقيا فعلا بل المبدأ قد أريد منه معناه الحقيقي الأصلي وهو نفس لضرب أو القتل ويقال في مقام الجواب إن عدم صحة سلب المضروب أو لمقتول عما انقضى عنه المبدأ بل صحة حمله عليه بالحمل الشائع يكون هو بلحاظ حال التلبس السابق فقولك هذا مضروب أو مقتول أي هذا الّذي وقع عليه لضرب أو القتل سابقا وأما بلحاظ الحال الفعلي فيصح السلب عنه بلا كلام فتقول هذا ليس بمضروب الآن أو ليس بمقتول الآن بل كان في السابق في اليوم الماضي ونحوه (وقد أشار) المصنف إلى هذا الجواب أخيرا بقوله وأما لو أريد منه نفس ما وقع على الذات مما صدر عن الفاعل فانما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع كما عرفت لا بلحاظ الحال أيضا لوضوح صحة أن يقال إنه ليس بمضروب الآن بل كان (انتهى).

(قوله الثالث استدلال الإمام عليه‌السلام تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عن غير واحد من الأخبار بقوله لا ينال عهدي الظالمين ... إلخ) هذا من أهم الوجوه التي تمسك بها القائلون بوضع المشتق للأعم وقد تعرضه من بين الأصوليين صاحب البدائع رحمه‌الله (وحاصله) أن الإمام عليه‌السلام قد استدل بقوله تعالى لإبراهيم عليه‌السلام في سورة البقرة انى جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا للإمامة تعريضا لمن تصدى لها وهو ممن عبد الصنم مدة مديدة كالأول والثاني والثالث ومن المعلوم أن استدلاله عليه‌السلام مما لا يتم إلّا على القول بكون الظالم حقيقة في الأعم وإلّا لم يصح التعريض لهم لزوال تلبسهم بالظلم حين التصدي ولو بحسب الظاهر وبمعتقد الخصم (وحاصل) ما أجاب به المصنف أن الوصف

١٤٦

العنواني الّذي يؤخذ موضوعا للحكم في لسان الدليل على أقسام ثلاثة (فقد يكون) لمجرد الإشارة إلى المعنون من دون دخل للعنوان في الحكم أصلا كما في قولك أكرم هذا الجالس مشيرا إلى الشخص الخارجي الّذي يستحق الإكرام بمناط ثابت فيه لا لأجل كونه جالسا ومعنونا بهذا العنوان (وقد يكون) لأجل الإشارة إلى عليه العنوان للحكم لكن حدوثا لا بقاء بحيث إذا صدق عليه العنوان ولو آناً ما ثبت الحكم إلى الآخر ولو بعد زوال العنوان كما في قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وقوله تعالى والسارقة والسارقة فاقطعوا أيديهما (وقد يكون) لأجل الإشارة إلى علية العنوان للحكم حدوثا وبقاء بحيث يدور الحكم مدار صدق العنوان فمهما صدق العنوان كان الحكم ثابتا ومهما لم يصدق لم يثبت كما في أكرم العالم أو قلد المجتهد ونحو ذلك من الأمثلة التي يدور الحكم فيها مدار العنوان حدوثا وبقاء (فالمشتق) في الآية الشريفة لو كان من القسم الثالث بحيث كان الحكم فيها يدور مدار صدق العنوان حدوثا وبقاء فاستدلاله عليه‌السلام بالآية مما يبتنى على كون الظالم فيها حقيقة في الأعم إذ لو لم يكن حقيقة في الأعم لم يكن العنوان باقيا حين التصدي (وأما لو كان) من القسم الثاني بحيث كان يكفى فيه صدق العنوان ولو آناً ما لثبوت الحكم إلى الآخر فاستدلاله عليه‌السلام بالآية مما لا يبتنى على كون الظالم حقيقة في الأعم بل الاستدلال انما هو لأجل كفاية صدق عنوان الظالم ولو آناً ما في عدم النيل إلى الآخر ولو بعد انقضاء الظلم وزوال العنوان كما في الزاني والسارق حيث يكفى فيهما صدق العنوان آناً ما لثبوت الجلد أو القطع ولو بعد زوال العنوان ولا دليل على كون الآية من قبيل القسم الثالث بل جلالة قدر الإمامة قرينة جلية على كونها من قبيل القسم الثاني بمعنى ان صدق عنوان الظالم آناً ما مما يكفى لعدم نيل منصب الإمامة إلى الآخر.

١٤٧

(أقول) ان الوصف العنواني الّذي يؤخذ موضوعا للحكم لا يكاد يعقل فيه كفاية صدق العنوان آناً ما بحيث إذا زال العنوان كان الحكم فيه باقيا على حاله ثابتا إلى الآخر وهل يعقل بقاء الحكم بعد زوال الموضوع كلا (بل لا بد) وأن يقال في مثل قوله تعالى الزانية والزاني أو السارق والسارقة أو لا ينال عهدي الظالمين وكل مشتق آخر قد أخذ في لسان الدليل موضوعا للحكم وكان مما يكفى فيه صدق العنوان ولو آناً ما ان الموضوع هو الأعم من المتلبس في الحال وما انقضى عنه المبدأ أي من زنى أو سرق أو ظلم ولو آناً ما فيجب جلده أو قطع يده أو لا يناله العهد سواء كان التلبس باقيا أو زائلا (وبعبارة أخرى) المراد من المشتق في الآيات الثلاث وأمثالها (ان كان) هو الأعم أي من زنى أو سرق أو ظلم سواء كان التلبس باقيا أو زائلا فهذا هو الّذي ندعيه نحن ونرومه (وان كان) خصوص المتلبس الفعلي فلا يكاد يعقل فيها بقاء الحكم بعد زوال العنوان وما أخذ موضوعا للحكم (وان كان) خصوص ما انقضى عنه المبدأ أي من زنى أو سرق أو ظلم في السابق لا في الحال فيجب جلده أو قطع يده أو لا يناله العهد فهذا مما لا يشمل المتلبس الفعلي إذ المفروض ان الموضوع هو خصوص ما انقضى عنه وهو باطل جدا لأن المتلبس أولى بالحكم قطعا (وبالجملة) لا محيص في المشتق المأخوذ موضوعا في الآيات الثلاث وأمثالها عن الالتزام بكونه مستعملا في الأعم وان الموضوع للحكم فيها هو عنوان من تلبس بالزنى أو السرقة أو الظلم سواء كان المبدأ باقيا أو زائلا ونجيب حينئذ عن المستدل باستدلال الإمام عليه‌السلام ان استدلال الإمام وان كان مبنيا على استعمال المشتق في الآية الشريفة في الأعم أي فيمن تلبس بالظلم سواء كان الظلم باقيا أو زائلا ولكن الاستعمال فيه أعم من الحقيقة كما أشير قبلا في تعارض الأحوال فتذكر.

١٤٨

(بقي شيء) وهو انه قد يتوهم ان للمخالف الضال أن يعترض على الإمام عليه‌السلام بان المشتق حقيقة في المتلبس في الحال فلا يتم الاستدلال بالآية على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا للإمامة تعريضا لمن تصدى لها وهو ممن عبد الصنم مدة مديدة لأنهم حين التصدي قد زال عنهم العنوان (ولكنه توهم فاسد) فان المشتق وان كان حقيقة في المتلبس في الحال ولكنه استعمل في الآية أعني آية لا ينال في الأعم كاستعماله فيه في آيتي الزنا والسرقة قطعا فكما ان قصر زمان التلبس بالزنى أو السرقة وعدم وفائه بجريان الحد فيه من الجلد أو القطع بل وعدم الاطلاع على الزاني والسارق غالبا في حال التلبس قرينة قطعية على ان الموضوع فيهما ليس هو الزاني أو السارق الفعلي بل مطلق من تلبس ولو قبلا وقد زال التلبس عنه فعلا فكذلك جلالة قدر الإمامة ورفعة شأنها وعظمة مقامها قرينة جلية على ان الموضوع في الآية لعدم النيل ليس خصوص المتلبس الفعلي بالظلم بل مطلق من تلبس بالظلم كعبادة الأوثان ونحوه ولو قبلا وقد زال التلبس عنه فعلا فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.

(قوله ولا قرينة على أنه على النحو الأول ... إلخ) أي على النحو الأخير الثالث وإنما عبر عنه بالأول أي بالإضافة إلى قوله وأما إذا كان على النحو الثاني فانه قدم ذكر الأخير الثالث على النحو الثاني فعبر عنه بالأول.

(قوله ان قلت نعم ولكن الظاهر ان الإمام عليه‌السلام إنما استدل بما هو ظاهر العنوان وضعا لا بقرينة المقام مجازا ... إلخ) (وحاصل الإشكال) انا سلمنا ان الآية الشريفة هي في مقام جلالة قدر الإمامة وان المناسب لها ان تكون المشتق فيها من القسم الثاني فيكفى صدق عنوان الظالم آناً ما في عدم نيل منصب الإمامة إلى الآخر ولكن إذا كان المشتق فيها من القسم الثاني فلا محالة يكون مستعملا فيما انقضى عنه إذ الاستعمال في المتلبس في الحال مما لا يجتمع

١٤٩

مع بقاء الحكم بعد زوال العنوان كما هو واضح فإذا كان مستعملا فيما انقضى عنه كان مجازا قهرا وكان استدلال الإمام عليه‌السلام مبنيا على الاستعمال المجازي وهذا بخلاف ما إذا قلنا ان المشتق حقيقة في الأعم فيكون مبنيا على الاستعمال الحقيقي (وحاصل الجواب) أنه لو سلم جميع ذلك كله فلا يستلزم الاستعمال فيما انقضى عنه أن يكون مجازيا لأن الجري في الآية يكون بلحاظ حال التلبس ويكون المعنى هكذا من كان ظالما في السابق فلا يناله عهدي أبدا فلا تجوز حينئذ كي يكون الاستدلال مبنيا عليه.

(أقول) ويرد عليه ما تقدم منا آنفا من ان المشتق في الآية لو كان مستعملا في خصوص ما انقضى عنه فلا يكاد يشمل الحكم المتلبس الفعلي بالظلم مع كونه أولى بالحكم قطعا فالصحيح هو الاعتراف بان المشتق في الآية وكل مشتق آخر قد أخذ موضوعا للحكم وكان مما يكفى فيه صدق العنوان ولو آناً ما قد استعمل في الأعم من المتلبس في الحال وما انقضى عنه ولو مجازا بقرينة جلالة قدر الإمامة ونحوها.

(قوله ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ... إلخ) قد أشرنا إلى هذا التفصيل وأخواته عند نقل أقوال المسألة قبيل الشروع في أدلة المختار مختصرا (وحاصل الاستدلال) أن من وجوب الجلد أو القطع ولو من بعد انقضاء المبدأ وزوال التلبس يعرف ان كلا من الزانية والزاني والسارق والسارقة في الآيتين الشريفتين حقيقة في الأعم إذ لو كان حقيقة في المتلبس في الحال لم يجز الجلد أو القطع بعد انقضاء المبدأ وزوال التلبس ولكن حيث أن ذلك لم يكن الا في المشتق الواقع محكوما عليه لم يجر التعدي عنه إلى المحكوم به (وحاصل جواب المصنف عنه) ان المشتق في الآيتين الشريفتين مستعمل فيما انقضى عنه المبدأ بلحاظ حال التلبس نظير

١٥٠

ما تقدم في آية لا ينال أي من كان زانيا أو سارقا فيجب جلده أو قطع يده فلا ينافى إرادة حال التلبس مع ثبوت الجلد أو القطع بعد انقضاء المبدأ (مضافا) إلى أن الالتزام بتعدد الوضع للمشتق حسب وقوعه محكوما عليه أو محكوما به واضح البطلان.

(أقول) والحق كما عرفته منا ان المشتق في الآيتين الشريفتين لم يستعمل في خصوص ما انقضى عنه المبدأ ولو بلحاظ حال التلبس وإلّا لزم أن لا يشمل الحكم المذكور فيهما من الجلد والقطع المتلبس الفعلي مع كونه أولى بالحكم قطعا بل المشتق فيهما كما أشرنا قبلا بقرينة قصر زمان التلبس بالزنى أو السرقة وعدم وفائه بجريان الحد فيه إلى آخر ما ذكر هناك مستعمل لا محالة في الأعم من المتلبس في الحال وما انقضى عنه المبدأ ولو مجازا أي أن من زنى أو سرق سواء كان المبدأ باقيا أو زائلا يجب جلده أو قطع يده (فالصحيح) في جواب استدلال المفصل أن يقال أن المشتق بمقتضى الوجوه العديدة المتقدمة سيما صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ خصوصا إذا انضم إليها كلمة الآن فتقول مثلا أن زيدا ليس بضارب أو بزاني أو بسارق الآن بل كان هو حقيقة في المتلبس في الحال ولا ينافى ذلك استعماله أحيانا في الأعم من المتلبس في الحال وما انقضى عنه مجازا وبالقرينة فتأمل جيدا.

في بساطة مفهوم المشتق

(قوله بقي أمور الأول أن مفهوم المشتق على ما حققه الشريف في بعض حواشيه بسيط ... إلخ) وحاصل ما حققه الشريف أن مفهوم المشتق بسيط منتزع عن الذات بلحاظ تلبسها بالمبدإ واتصافها به (وملخص) ما أفاده

١٥١

في وجه ذلك أن المعتبر في مفهوم المشتقات إن كان مفهوم الشيء فمن المشتقات الناطق فلو كان مفهوم الشيء معتبرا في مفهومه لزم دخول العرض العام في الفصل والمقصود من العرض ما يقابل الذاتي كالجنس والفصل كما أن المقصود من عموم العرض أو خصوصه هو اختصاصه بحقيقة واحدة وعدمه كالضاحك المختص بحقيقة الإنسان والماشي الغير المختص به أي لزم دخول غير الذاتي الغير المختص بحقيقة واحدة في الذاتي المختص بحقيقة واحدة أي في فصلها هذا إذا كان المعتبر في مفهوم المشتق مفهوم الشيء (وأما إذا كان) المعتبر فيه مصداق الشيء فيلزم انقلاب مادة الإمكان الخاصّ إلى الضرورة ففي مثل قولك الإنسان ضاحك بالإمكان الخاصّ التي هي قضية ممكنة خاصة إذا قلنا ان المعتبر في مفهوم المشتق مصداق الشيء بحيث كانت القضية هكذا أي الإنسان إنسان له الضحك فان مصداق الشيء الّذي له الضحك هو الإنسان لا محالة فيلزم انقلابها إلى الضرورية فان حمل الشيء على نفسه ضروري بالضرورة

(قوله انقلبت مادة الإمكان الخاصّ ضرورة ... إلخ) القضية الممكنة العامة هي القضية التي حكم فيها بلا ضرورة الجانب المخالف فقط كما في قولك كل إنسان كاتب بالإمكان العام أي سلب الكتابة عنه ليس بضروري فثبوتها له ممكن والقضية الممكنة الخاصة هي التي حكم فيها بلا ضرورة الجانب المخالف والموافق جميعا كما في قولك كل إنسان كاتب بالإمكان الخاصّ فلا سلب الكتابة عنه ضروري ولا ثبوتها له ضروري فحيث ان سلبها عنه ليس ضروريا فثبوتها له ممكن وحيث ان ثبوتها له ليس ضروريا فسلبه عنه ممكن.

(قوله وقد أورد عليه في الفصول بأنه يمكن أن يختار الشق الأول ... إلخ) (قال في الفصول) ما لفظه ويمكن أن يختار الوجه الأول ويدفع الإشكال بان كون الناطق فصلا مبنى على عرف المنطقيين حيث اعتبروه مجردا

١٥٢

عن مفهوم الذات وذلك لا يوجب أن يكون وضعه لغة كذلك (انتهى) وحاصله انه يمكن ان نختار الوجه الأول وهو اعتبار مفهوم الشيء في مفهوم الناطق ونقول إن المنطقيين انما اعتبروا الناطق فصلا للإنسان مجردا عن الذات وذلك لا يوجب أن يكون لغة أيضا كذلك (وعليه) فإذا اخترنا اعتبار مفهوم الشيء في مفهوم الناطق لم يلزم دخول العرض العام في الفصل المنطقي بل في معنى الناطق لغة وهو مما لا محذور فيه عقلا (وقد أجاب عنه المصنف) بان من المقطوع ان المنطقيين قد اعتبروا مثل الناطق فصلا بلا تصرف في معناه أصلا بل بماله من المعنى لغة وان التحقيق في الرد على الشق الأول أن يقال إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي كي لا يمكن دخول العرض العام فيه بل هو لازم ما هو الفصل الحقيقي وأظهر خواصه واقرب آثاره وأما الفصل الحقيقي فلا يعلمه الاعلام الغيوب كما سيأتي الإشارة إليه في أول الاجتهاد والتقليد أو من أطلعه الله على غيبه وهو غيرنا فإذا لا محذور في دخول العرض العام في مثل الناطق بعد ما لم يكن فصلا حقيقيا إذ لا يلزم حينئذ دخول العرض العام في الفصل الحقيقي الّذي هو من الذاتي بل في العرض الخاصّ الّذي ليس هو من الذاتي.

(قوله ولذا ربما يجعل لا زمان مكانه إذا كانا متساويا النسبة إليه كالحساس والمتحرك بالإرادة في الحيوان ... إلخ) أي ولأجل أن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم ما هو الفصل الحقيقي ربما يجعل لا زمان مكان الفصل الحقيقي إذا كان كل من اللازمين متساوي النسبة إليه كالحساس والمتحرك بالإرادة في تعريف الحيوان فيقال إنه نام حساس متحرك بالإرادة فالحساس والمتحرك بالإرادة لا زمان قد وضعا مكان الفصل الحقيقي وليسا بفصلين حقيقيين للحيوان لوضوح امتناع أن يكون للشيء فصلان أو جنسان

١٥٣

(قوله التي هي من العرضي ... إلخ) مقصوده من العرضي في المقام هو ما يقابل الذاتي كالجنس والفصل لا العرضي بالمعنى الّذي اراده في صدر بحث المشتق من الأمر الاعتباري الانتزاعي ولعل التعبير بالعرضي في المقام لتصحيح القافية فيكون على وزن قوله لا في الفصل الحقيقي الّذي هو من الذاتي

(قوله ثم قال إنه يمكن أن يختار الوجه الثاني أيضا ... إلخ) (قال في الفصول) بعد عبارته المتقدمة في الرد على الوجه الأول ما لفظه ويمكن أن يختار الوجه الثاني أيضا ويجاب بان المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف وليس ثبوته حينئذ للموضوع بالضرورة لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضروريا (انتهى) وحاصله أنه من الممكن أن نختار الوجه الثاني وهو اعتبار مصداق الشيء في المشتق ولا يلزم انقلاب مادة الإمكان الخاصّ إلى الضرورة إذ ليس المحمول في مثل قولك الإنسان إنسان له الضحك هو الإنسان المطلق بل الإنسان المقيد بوصف ممكن الثبوت ومن المعلوم أن ثبوت الإنسان المقيد بوصف ممكن الثبوت للإنسان ليس ضروريا فان النتيجة تتبع أخس المقدمات فإذا كان القيد ممكن الثبوت كان ثبوت المقيد به أيضا ممكن الثبوت.

(أقول) وهذا الجواب من الفصول متين جدا غير أنه رحمه‌الله قد تنظر فيه كما سيأتي وهو في غير محله كما ستعرف.

(قوله ويمكن أن يقال إن عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب ... إلخ) (وحاصل ما أجاب به المصنف) عما أورده الفصول على الوجه الثاني أن كون القيد أمرا ممكنا في حد ذاته مما لا يضر بدعوى الانقلاب فان المحمول في مثل الإنسان إنسان له الضحك (إن كان) هو الإنسان المقيد بالضحك على أن يكون القيد خارجا والتقيد أي الخصوصية

١٥٤

الحاصلة منه داخلا فالقضية ضرورية (وفيه ما لا يخفى) فان ثبوت الإنسان المقيد بالضحك للإنسان ليس ضروريا بالضرورة فان القيد وان فرض كونه خارجا والتقيد داخلا ولكن مجرد دخول التقيد بعد كونه أمرا ممكنا في حد ذاته مما يكفى في صيرورة القضية ممكنة (وإن كان) المحمول هو الإنسان المقيد بالضحك على أن يكون القيد داخلا فقضية الإنسان ضاحك تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية الإنسان إنسان وهي ضرورية وثانيتهما قضية إنسان له الضحك وهي ممكنة وعليه فالانقلاب لازم على كل حال (وفيه ما لا يخفى) أيضا فان المحمول إذا كان هو الإنسان المقيد بالضحك على أن يكون القيد داخلا فلا تنحل القضية إلى قضيتين تامتين بل تنحل إلى قضيتين إحداهما تامة وهي الإنسان إنسان له الضحك وأخراهما ناقصة وهي محمول القضية التامة أي إنسان له الضحك وشيء من القضيتين ليس ضروريا قطعا أما الأولى فواضح لأن المحمول فيها ليس هو الإنسان وحده بل الإنسان المقيد بالوصف الممكن الثبوت وأما الثانية فأوضح لأن المحمول فيها عبارة عن نفس الوصف الممكن الثبوت وهو الضحك ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فتأمل.

(قوله وإن كان التقيد داخلا بما هو معنى حرفي ... إلخ) فان التقيد ليس إلّا كمعنى حرفي فكما أن المعنى الحرفي يكون من خصوصيات الغير القائمة به ولذا قيل ان الحرف ما دل على معنى في غيره وقد تقدم منا أن الفوقية ونحوها إذا لوحظت بما هي هي فهي معنى اسمي وان لوحظت بما هي من خصوصيات الغير كزيد والسطح في قولك زيد على السطح فيكون معنى حرفيا أي مفادا لكلمة (على) فكذلك التقيد يكون من خصوصيات المقيد الحاصلة له من نفس القيد.

(قوله الّذي يكون مقيدا بالنطق ... إلخ) الظاهر أنه سهو من القلم

١٥٥

والصحيح أن يقال الّذي يكون مقيدا بالضحك فان الكلام هاهنا ليس إلا في الوجه الثاني الّذي ادعى المحقق الشريف فيه لزوم الانقلاب من الإمكان الخاصّ إلى الضرورة وقد عرفت ان المثال لذلك هو قضية الإنسان ضاحك لا الإنسان ناطق فانها ضرورية في حد ذاتها من غير حاجة إلى الانقلاب كما لا يخفى.

(قوله وذلك لأن الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما أن الأخبار بعد العلم بها تكون أوصافا ... إلخ) علة لانحلال المحمول أي الناطق إلى قضية أخرى وهي قضية إنسان له النطق أي لأن الأوصاف كالناطق قبل العلم بها أخبار إذ يعلم بها الذات والمبدأ والنسبة بينهما كما أن الأخبار كزيد ضرب بعد العلم بها أوصاف أي ذات ثبت له الضرب مثلا وهي عبارة أخرى عن الضارب.

(قوله فعقد الحمل ينحل إلى القضية كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ وقضية ممكنة عند الفارابي ... إلخ) ففي مثل قولك الإنسان ضاحك ينحل عقد الحمل إلى القضية أي إنسان له الضحك وهي قضية ممكنة كما تقدم وعقد الوضع وهو الإنسان مع كونه لفظا جامدا ينحل أيضا إلى القضية أي شيء له الإنسانية وهي قضية مطلقة عامة عند الشيخ وممكنة عند الفارابي والمطلقة العامة هي التي يحكم فيها بفعلية النسبة كما هي قضية إطلاق القضية والممكنة قد عرفت معناها من خاصها وعامها فيما تقدم فلا نعيد.

(قوله فتأمل ... إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فتأمل في ذيل التعليق على قوله ويمكن أن يقال ... إلخ.

(قوله لكنه قدس‌سره تنظر فيما أفاده بقوله وفيه نظر ... إلخ) قد عرفت آنفا أن صاحب الفصول قد أورد على الوجه الثاني من كلام المحقق الشريف (بما حاصله) أنه يمكن أن نختار الوجه الثاني وهو اعتبار مصداق الشيء في مفهوم المشتق من دون أن يلزم انقلاب مادة الإمكان الخاصّ إلى

١٥٦

الضرورة بالتقريب المتقدم شرحه وتفصيله فهاهنا تنظر فيما أورده هناك (بما هذا لفظه) وفيه نظر لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة وإلّا صدق السلب بالضرورة مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة (انتهى) وحاصل وجه التنظر حسب ما استفاده المصنف من كلامه أن مثل قضية زيد كاتب إذا اخترنا أخذ مصداق الذات في الكاتب وانحلت القضية إلى زيد زيد له الكتابة ان كان زيد المجعول موضوعا في القضية مقيدا بالوصف واقعا صدق الإيجاب بالضرورة فان زيد المفروض كونه كاتبا في الواقع زيد له الكتابة بالضرورة وان لم يكن مقيدا به واقعا صدق السلب بالضرورة فان زيدا الّذي ليس بكاتب واقعا ليس بكاتب بالضرورة (ثم إن المصنف) قد أورد على هذا التنظر بما حاصله أن مرجع هذا الوجه إلى صيرورة القضية لأجل ملاحظة ثبوت النسبة في الواقع وعدمه بشرط المحمول وهي ضرورية وهذا فاسد جدا فانه مما لا يصح الانقلاب إلى الضرورة فان الدعوى هو انقلاب مادة الإمكان الخاصّ إلى الضرورة بلا شرط وإلّا فكل قضية بشرط المحمول هي ضرورية ولو كانت ممكنة.

(أقول) إن تنظر الفصول رحمه‌الله وإن كان في غير محله كما أشرنا قبلا ولكن ليس مراده مما أفاده هنا في وجه التنظر ان القضية لأجل ملاحظة ثبوت النسبة في الواقع وعدم ثبوتها تصير بشرط المحمول فان القضية التي هي بشرط المحمول عبارة عما جعل المحمول في القضية قيدا للموضوع ففي مثل زيد كاتب يجعل الكاتب قيدا لزيد ويقال زيد الكاتب كاتب وفي المقام لم يجعل المحمول كذلك كي يكون المراد كما زعمه المصنف بل مراد الفصول أن مصداق الذات المأخوذ في مفهوم المشتق هو لا يخلو من أحد أمرين فاما أن يكون

١٥٧

مقيدا بالوصف واقعا فالإيجاب ضروري وإلّا فالسلب ضروري فيجاب عنه حينئذ بان المناط في كون القضايا ضرورية ليست ملاحظة ثبوت النسبة في الواقع وعدم ثبوتها وإلّا فينحصر جميع القضايا بالضرورية بل المناط في كون القضية ضرورية أن تلحظ نسبة المحمول إلى الموضوع في حد ذاتها فان كان المحمول مما يستحيل ان فكاكه عنه فهي ضرورية وإلّا فهي غير ضرورية (وكان) منشأ اشتباه المصنف هنا هو قول الفصول في تنظره لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف ... إلخ فتخيل أن مراده من الذات ... إلخ هو زيد المجعول موضوعا في القضية ولم يتفطن أن مراد الفصول منها بقرينة كلامه المتقدم الّذي تنظر فيه هنا هو مصداق الذات المأخوذ في مفهوم المشتق لا زيد المجعول موضوعا في القضية فتأمل جيدا.

(قوله لكن يصدق زيد الكاتب ... إلخ) الظاهر ان في العبارة نقص على كل حال أما على حسب ما استفاده المصنف من كلام الفصول من ان المراد من الذات المأخوذة مقيدة بالوصف هو زيد المجعول موضوعا في القضية فالناقص كلمة كاتب أي لكن يصدق زيد الكاتب كاتب بالضرورة وأما على حسب ما استفدناه من كلام الفصول من أن المراد من الذات المأخوذة مقيدة بالوصف هو مصداق الذات المأخوذ في مفهوم المشتق فالناقص كلمة زيد أي لكن يصدق زيد زيد الكاتب بالضرورة بل كان الصحيح أن يقول زيد زيد له الكتابة بالضرورة.

(قوله كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك بشرط عدم كونه مقيدا به واقعا ... إلخ) كان الصحيح أن يقول بشرط كونه مقيدا بعدمه واقعا وعلى كل حال المعنى هكذا أي كما لا يكاد يضر بكون القضية ممكنة صدق السلب بالضرورة بشرط كون الذات مقيدا بعدم الوصف كما في زيد اللاكاتب

١٥٨

ليس بكاتب بالضرورة.

(قوله وذلك لوضوح ان المناط في الجهات ومواد القضايا ... إلخ) علة لقوله لا يصحح دعوى الانقلاب ثم أن ما يبين به كيفية نسبة المحمول إلى الموضوع من الضرورة أو الدوام أو الإمكان أو الامتناع ونحو ذلك هي جهة القضية ونفس الكيفية الواقعة في نفس الأمر هي مادة القضية.

(قوله وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده (ره) بإبطال الوجه الأول كما زعمه قدس‌سره ... إلخ) الفصول بعد أن تنظر فيما أورده على الوجه الثاني واعترف بلزوم الانقلاب نظرا إلى ان الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة وإلّا صدق السلب بالضرورة ... إلخ (قال ما لفظه) ولا يذهب عليك أنه يمكن التمسك بالبيان المذكور على إبطال الوجه الأول أيضا لأن لحوق مفهوم الذات أو الشيء لمصاديقهما أيضا ضروري ولا وجه لتخصيصه بالوجه الثاني (انتهى) وحاصله أن بهذا البيان يمكن التمسك لإبطال الوجه الأول أيضا فمن اعتبار مفهوم الذات أو الشيء في مفهوم المشتق وان لم يلزم دخول العرض العام في الفصل لما تقدم منه ولكن يلزم الانقلاب إلى الضرورة لا محالة فان مفهوم الذات أو الشيء المقيد بالوصف ان كان مقيدا به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة وإلّا صدق السلب بالضرورة (فيقول) المصنف في تضعيفه أن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما يعنى بها الموضوع وإن كان ضروريا لكن بشرط أن يكون مطلقا غير مقيد لا مطلقا ولو مقيدا بوصف ممكن الثبوت فان حمله حينئذ لا يكون ضروريا إلا بشرط تقيد الموضوع به فتكون القضية بشرط المحمول.

(أقول) قد أشرنا آنفا أن المصنف قد استفاد من كلام الفصول في

١٥٩

وجه التنظر أي من قوله (لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف ... إلخ) ان المراد هو الذات المجعول موضوعا في القضية وذلك بقرينة ما أورده عليه من أن مرجع ذلك إلى صيرورة القضية بشرط المحمول ... إلخ وهاهنا قد استفاد من كلام الفصول في جواز التمسك بالبيان المذكور على إبطال الوجه الأول أن المراد هو الذات المأخوذة في المشتق وذلك بقرينة ما أورده عليه من أن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما ... إلخ مع أن كلامي الفصول في المقامين على نمط واحد بل شيء واحد وهذا من المصنف عجيب جدا (مضافا) إلى أن هذا الإيراد هو عين ما أورده الفصول بنفسه على الوجه الثاني قبل أن يتنظر فيه وقد أنكره المصنف أشد إنكار وقال في تضعيفه ما حاصله أن القيد المأخوذ في القضية ان كان خارجا وكان المحمول ذات المقيد فالقضية ضرورية وان كان القيد داخلا فالقضية تنحل إلى قضيتين إحداهما ضرورية وأخراهما ممكنة فكيف يورده المصنف هاهنا بعينه على نفس الفصول ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.

(قوله فافهم ... إلخ) قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.

(قوله ثم انه لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ... إلخ) هذا رجوع إلى كلام المحقق الشريف (وتوضيحه) أن المصنف قد اعترف بلزوم الانقلاب في الوجه الثاني كما يظهر من جوابه عن إيراد الفصول على الوجه الثاني بما تقدم وعرفت غايته أنه قد اعترف بالانقلاب في الجملة بمعنى أن القيد ان كان خارجا فالقضية ضرورية وان كان داخلا فتنحل القضية إلى قضيتين إحداهما ضرورية وأخراهما ممكنة ولكن يدعى في المقام أنه لو جعل التالي في الشرطية الثانية بدل انقلاب مادة الإمكان الخاصّ إلى الضرورة دخول النوع في الفصل كان أليق بالشرطية الأولى أي لزوم دخول

١٦٠