عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي

عناية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات فيروزآبادي
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٧

(بقي شيء) وهو أنه إذا قلنا بكون ألفاظ المعاملات للمسببات لا للأسباب ولكن للمسببات العرفية أي ما يراه العرف متحققا بأسباب مخصوصة كما هو الحق والصواب على هذا القول لا ما يراه الشرع متحققا بها ثم شك في اعتبار شيء في تأثير السبب شرعا كالعربية ونحوها فيمكن التمسك حينئذ بإطلاق مثل أحل الله البيع لرفع اعتباره فان المسمى حينئذ محرز محقق والشك واقع في أمر خارج عن المسمى والبيع مطلق يشمل كلا من البيع الحاصل بالعقد العربي والبيع الحاصل بالعقد الفارسي فيرتفع إذا بالإطلاق تعين خصوص البيع الحاصل من العقد العربي ولكن الشأن في إثبات كون مثل أحل الله البيع في مقام البيان كي يصح التمسك بإطلاقه (ثم) ان مثل ذلك كله يجري فيما إذا قلنا بكون ألفاظ المعاملات للافعال المتولدة في نظر العرف من الأسباب الخاصة لا لنفس الأسباب ولا للمسببات فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة

(قوله لأصالة عدم الأثر بدونه ... إلخ) أي لاستصحاب عدم حصول الأثر بدون ما شك في اعتباره في السبب وهذا هو معنى أصالة الفساد في المعاملات بعد اليأس عن الإطلاق ولكن سيأتي منا في بحث دلالة النهي على الفساد في الأمر السابع ما يضعف هذا الأصل نظرا إلى وجود أصل سببي مقدم عليه وهو أصل البراءة الجارية عما شك في اعتباره في السبب شرعا.

(قوله الثالث إن دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به ... إلخ) وحاصله أن دخل شيء في المأمور به يكون على أنحاء (فتارة) يكون الشيء مما يتركب منه ومن غيره المأمور به وهذا هو المسمى بالجزء سواء كان وجوديا كالقراءة والركوع والسجود وغير ذلك في الصلاة أو عدميا كالتروك المخصوصة في الصوم (وأخرى) يكون الشيء مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة في المأمور به الا به كالطهارة والستر والقبلة وغير ذلك في الصلاة بحيث كان نفس القيد

١٠١

خارجا عن المأمور به والتقيد أي الخصوصية الحاصلة من القيد داخلا في المأمور به وهذا هو المسمى بالشرط ويقال له المقدمة أيضا سواء كان مقارنا مع المأمور به كالأمور المذكورة أو سابقا عليه أو لاحقا به كالأغسال الليلية للمستحاضة لصومها الآتي أو الماضي على الخلاف بين القائلين باشتراطها فيه (وثالثة) يكون الشيء دخيلا في تشخص المأمور به وامتيازه عما عداه من دون أن يكون دخيلا في حقيقة المأمور به وماهيته وهذا كمستحبات الصلاة فيما كان ذلك الشيء سببا لحصول مزية في المأمور به كالاستعاذة قبل البسملة أو كمكروهاتها فيما كان ذلك الشيء سببا لمنقصة فيه كقراءة القرآن في الركوع سواء كان دخل كل منهما بنحو الجزئية كما في المثالين أو بنحو الشرطية كالصلاة في المسجد أو في الحمام.

(قوله بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه ... إلخ) ولا يخفى أن ذلك لا يكون إلّا فيما كان دخله في تشخص المأمور به بنحو الجزئية كالاستعاذة قبل البسملة وقراءة القرآن في الركوع فانهما مع كونهما مما له دخل في التشخص لا في أصل الماهية مما يصدق عليهما عنوان الصلاة ولو في ضمن صدقه على المجموع ولا يكون ذلك في مطلق ما كان له دخل في تشخص المأمور به ولو بنحو الشرطية كالمكان الخاصّ الموجب لمزية المأمور به كالمسجد أو لانحطاطه كالحمام.

(قوله فيكون الإخلال مما له دخل بأحد النحوين ... إلخ) يعنى الأولين وهما دخل الجزء ودخل الشرط.

(قوله ثم أنه ربما يكون الشيء مما يندب إليه فيه ... إلخ) وحاصله أنه قد يكون الشيء مطلوبا في أثناء المأمور به من دون أن يكون دخيلا في المأمور به لا في أصل ماهيته بنحو الجزئية أو الشرطية ولا في تشخصه

١٠٢

وامتيازه بل المأمور به مما له دخل في مطلوبيته بحيث لا يكون ذلك الشيء مطلوبا الا فيه ويحتمل أن يكون ذلك كالقنوت في الصلاة أو المضمضة في الوضوء والفرق بينه وبين الأمور المستحبة في الصلاة ان الأمور المستحبة فيها مطلوبة غيريا لأجل الصلاة وهذا مطلوب نفسي في حد ذاته ولو في خصوص ما إذا وقع في أثناء الصلاة.

(قوله إذا عرفت هذا كله فلا شبهة ... إلخ) المقصود من قوله هذا بل من هذا الأمر الثالث بطوله هو إبطال القول الثالث في المسألة الّذي قد أشرنا إليه في صدر البحث وهو التفصيل بين الأجزاء والشرائط بان يلتزم بالصحيح في الأجزاء ويلتزم بالأعم في الشرائط بمعنى ان الأجزاء دخيلة في التسمية فمهما اختل بعضها اختل المسمى وان الشرائط غير دخيلة فيها فإذا اختل بعضها أو كلها لم يخل ذلك بالتسمية (وحاصل) إبطال المصنف له انك قد عرفت فيما تقدم ان الصحيح هو اعتبار كل من الجزء والشرط في التسمية والظاهر ان غرضه من ذلك هو الإشارة إلى أمرين مما تقدم.

(الأول) ان الجامع الّذي لا بد من تصويره قد استكشفناه من ناحية الآثار كالنهي عن الفحشاء وغيره ومن المعلوم انها مترتبة على الصحيح التام جزءا وشرطا لا على الصحيح في الجملة أي من حيث الجزء فقط دون الشرط.

(الثاني) أن الأدلة التي أقمناها على الصحيح من التبادر وصحة السلب عن الفاسد والأخبار المثبتة لبعض الآثار للمسميات والنافية للطبيعة بفقد جزء أو شرط وهكذا دعوى استقرار طريقة الواضعين على الوضع للمركبات التامة كلها مما تساعد الوضع للصحيح التام جزءا وشرطا لا للصحيح في الجملة.

١٠٣

في الاشتراك اللفظي

(قوله الحادي عشر الحق وقوع الاشتراك للنقل ... إلخ) ويعنى بالاشتراك الاشتراك اللفظي ويعنى بالنقل تنصيص أهل اللغة وقد أخذ هذا الاستدلال من صاحب الفصول (قال) رحمه‌الله ما لفظه فصل الحق كما عليه المحققون إمكان الاشتراك ووقوعه في اللغة (إلى أن قال) لنا على إمكانه عدم ما يقتضى وجوبه وامتناعه وعلى وقوعه في اللغة نصّ اللغويين عليه في ألفاظ كثيرة كالقرء في الطهر والحيض والعين في الجارية والجارحة وعسعس في أقبل وأدبر والظاهر ان نقلهم إذا سلم عن المعارض كان حجة اتفاقا (انتهى)

(أقول) والمصنف لم يذكر في علائم الحقيقة والمجاز تنصيص أهل اللغة كما ذكر التبادر وعدم صحة السلب وغيرهما وعليه فتشبثه بالنقل في المقام مع عدم ذكره له هناك في العلائم مما لا يخلو عن مسامحة وعلى كل حال قد أشرنا هناك وسيأتي مفصلا ان قول اللغوي بخصوصه مما لا دليل على اعتباره إلّا إذا أوجب الوثوق والاطمئنان فتشمله أدلة اعتبارهما والظاهر ان قول اللغوي في المقام مفيد للوثوق والاطمئنان بل للعلم فضلا عن الوثوق والاطمئنان فان وقوع الاشتراك في اللغة سيما لغة العرب من الواضحات التي لا ينبغي النزاع فيها ولكن مع ذلك قد أحاله بعضهم كما أوجبه آخر على ما ستأتي الإشارة إليهما على طرفي الإفراط والتفريط.

(قوله والتبادر ... إلخ) فيتبادر من لفظ القرء مثلا كل من الطهر والحيض وان علم إجمالا ان المراد منه أحدهما لا كليهما بناء على عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى كما سيأتي ذلك في البحث الآتي.

١٠٤

(قوله وعدم صحة السلب بالنسبة إلى معنيين أو أكثر ... إلخ) فمن عدم صحة سلب لفظ القرء مثلا عن كل من الطهر والحيض يعرف أنه حقيقة في كل منهما وإلّا لصح سلبه عنهما

(قوله وان أحاله بعض لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن ... إلخ) (قال) في الفصول في صدر البحث ما لفظه ومنهم من أحاله يعنى الاشتراك (ثم ساق) الكلام إلى أن قال احتج من أحال الاشتراك بأنه يخل بالتفهيم المقصود من الوضع لخفاء القرائن (انتهى).

(قوله لمنع الإخلال أو لا لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا لتعلق الغرض بالإجمال أحيانا ... إلخ) الظاهر ان العبارة ناقصة والصحيح هكذا ولكنه فاسد لمنع الإخلال أو لا إلى آخره (وعلى كل حال) قد أجاب المصنف عن دليل إحالة الاشتراك بأمرين منع الإخلال بالتفهم ومنع كون الإخلال مخلا بالحكمة وقد أخذ الجوابين من صاحب الفصول (قال) رحمه‌الله بعد نقل حجة من أحاله بعبارته المتقدمة ما لفظه وجوابه أن البيان ممكن بمعونة القرائن الواضحة مع أن القصد قد يتعلق بالبيان الإجماليّ لحكمة داعية إليه (انتهى).

(قوله كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم ... إلخ) (٤) المتوهم هو بعض من اعترف بوقوع الاشتراك في اللغة (قال) في الفصول ثم من القائلين بوقوعه في اللغة من منع وقوعه في القرآن.

(قوله لأجل لزوم التطويل بلا طائل مع الاتكال على القرائن والإجمال في المقال لو لا الاتكال عليها وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه ... إلخ) (٥) هذا دليل من أحال وقوع الاشتراك في خصوص القرآن المجيد (قال) في الفصول حجة من منع وقوعه في القرآن أنه لو كان مبينا لزم

١٠٥

التطويل بلا فائدة لإمكان الأداء بغيره بدونه وإلّا لزم عدم الإفادة وشيء منهما لا يليق بكلامه تعالى (انتهى) ومحصله أنه إذا وقع اللفظ المشترك في القرآن المجيد فان بينه سبحانه وتعالى بقرينة معينة لزم التطويل بلا طائل لإمكان أداء المعنى بغير اللفظ المشترك من دون حاجة إلى البيان والتعيين وأن لم يبينه بل ترك اللفظ المشترك على حاله لزم الإجمال وكلاهما مما لا يليق به جل وعلا.

(قوله وذلك لعدم لزوم التطويل فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتى به لغرض آخر ... إلخ) هذا جواب عن دليل من أحال وقوع الاشتراك في القرآن المجيد (وحاصله) أن تعين المعنى المقصود من اللفظ المشترك قد يكون بقرينة حالية فلا تطويل أو بقرينة لفظية لم تكن متمحضة لمجرد بيان المعنى المقصود كي يلزم التطويل بلا طائل بل أتى بها لتفهيم معنى خاص ويعرف بها ضمنا المعنى المقصود من اللفظ المشترك وقد أخذ المصنف هذا الجواب من صاحب الفصول (قال) رحمه‌الله والجواب أن المقام ربما يعين المعنى المقصود من غير حاجة إلى قرينة لفظية فلا يلزم التطويل مع أن القرينة اللفظية ربما تكون مقصودة في الخطاب لنفسها كما في قوله تعالى وفجرنا الأرض عيونا فلا يلزم التطويل بلا فائدة.

(قوله ومنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه مما يتعلق به الغرض ... إلخ) هذا جواب ثاني عن دليل من أحال وقوع الاشتراك في القرآن المجيد وقد أخذه من صاحب الفصول أيضا (قال) رحمه‌الله ما لفظه مضافا إلى أن المشترك لا يخلو من دلالة إجمالية والغرض قد يتعلق بها (هذا) وقد أضاف الفصول إلى الجوابين المذكورين جوابا ثالثا لم يؤشر إليه المصنف (قال) بعد الجواب الأول ما لفظه على أن اللفظ المشترك قد يكون أفصح من غيره وأوفق بالقافية ونحو ذلك فيترجح من جهته (بل) وأضاف إلى

١٠٦

الأجوبة المذكورة جوابا رابعا أيضا محصله أن ثبوت الاشتراك في لفظ القرء أو العين أو عسعس الّذي نصّ اللغويون على اشتراكه كما تقدم في صدر البحث مما يفضي بوقوع الاشتراك في القرآن المجيد بعد وضوح كون هذه الألفاظ فيه

(قوله وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات لأجل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ المركبات فلا بد من الاشتراك فيها ... إلخ) هذا في قبال من أحال الاشتراك في اللغات كما تقدم (قال) في الفصول في صدر البحث ومنهم من أوجب وقوعه يعنى وقوع الاشتراك (إلى أن قال) حجة من أوجب وقوع الاشتراك أمر ان الأول أن المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية لتركبها من حروف متناهية فإذا وزعت الألفاظ على المعاني بقي ما زاد على عدد الألفاظ مجردا عن لفظ يكون بإزائها وحينئذ فاما أن لا تكون تلك الألفاظ وضعت ثانيا بإزائها فيلزم الإخلال بالمصلحة التي تضمنها الوضع أو وضعت فيلزم الاشتراك ثم ذكر الأمر الثاني وهو ضعيف جدا والظاهر ان لضعفه لم يؤشر إليه المصنف أصلا فلا يؤشر إليه.

(قوله وهو فاسد ... إلخ) هذا رد على توهم وجوب الاشتراك في اللغات بزعم عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ وقد أفاد المصنف في وجه الفساد وجوها أربعة.

(الأول) ما حاصله أن المعاني وإن كانت غير متناهية ولكن وضع الألفاظ بإزاء كل فرد منها كما زعم المستدل مما يستدعى أوضاعا غير متناهية وهي ممتنعة عقلا لاستحالة صدور ما لا يتناهى من المتناهي وقد أشار المصنف إلى هذا الوجه بقوله لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني لاستدعائه الأوضاع الغير المتناهية.

(الثاني) ما حاصله أنه لو سلم عدم امتناع الأوضاع الغير المتناهية بان

١٠٧

فرض الواضع واجب الوجود مثلا فلا فائدة في الأوضاع الغير المتناهية الا في مقدار متناه مما نحتاج إليه ولم يعلم أن القدر المتناهي من الأوضاع يلجئنا إلى الاشتراك في اللفظ وقد أشار المصنف إلى هذا الوجه بقوله ولو سلم لم يكد يجدى الا في مقدار متناه.

(الثالث) ما حاصله المنع عن كون المعاني غير متناهية فان المعاني الكلية متناهية وإن كانت جزئياتها غير متناهية والظاهر ان وضع الألفاظ بإزاء المعاني الكلية مما يغنى عن الوضع بإزاء جزئياتها وخصوصياتها وقد أشار المصنف إلى هذا الوجه بقوله مضافا إلى تناهي المعاني الكلية وجزئياتها وإن كانت غير متناهية إلّا أن وضع الألفاظ بإزاء كلياتها يغنى عن وضع لفظ بإزائها كما لا يخفى.

(الرابع) أن المجاز باب واسع فلا حاجة إلى وضع الألفاظ بإزاء تمام المعاني بل يوضع اللفظ بإزاء جملة منها ويستعمل اللفظ في البقية مجازا فلا ملزم للوضع بإزاء الجميع كي نضطر إلى الاشتراك في اللفظ لأجل تناهي الألفاظ وعدم تناهي المعاني وقد أشار المصنف إلى هذا الوجه بقوله مع أن المجاز باب واسع (ثم ان المصنف) قد أخذ هذه الوجوه الأربعة بتمامها من صاحب الفصول (قال) بعد ذكر حجة من أوجب الاشتراك ما لفظه والجواب اما عن الأول يعنى عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ فبان المعاني وإن كانت غير متناهية لكن وضع الألفاظ بإزاء آحادها يوجب أوضاعا غير متناهية وهي على تقدير صحة صدورها من الواضع لا فائدة الا في مقدار متناه منها لامتناع تعقل أمور غير متناهية أو استعمال الألفاظ بحسب أوضاع غير متناهية فيلغو الوضع فيما زاد عليه سلمنا لكن المعاني انما لا تكون متناهية بجزئياتها واما بالنظر إلى كلياتها العالية أو ما قاربها فهي متناهية والظاهر ان الوضع بإزائها

١٠٨

مغن غالبا عن الوضع بإزاء الخصوصيات والجزئيات لحصول المقصود بتركيب بعضها ببعض سيما مع انفتاح باب المجاز فلا يلزم تناول الوضع لجميع الألفاظ فضلا عن وقوع الاشتراك فيها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه

(قوله فافهم ... إلخ) ولعله إشارة إلى ضعف الوجه الأخير من الوجوه الأربعة المتقدمة فان المجاز وان كان بابا واسعا فيوضع اللفظ بإزاء جملة من المعاني ويستعمل اللفظ في البقية مجازا ولكن المجاز أيضا مما يحتاج إلى الوضع اللغوي كالحقيقة عينا ولو نوعيا لا شخصيا فان صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له وإن كان بالطبع كما تقدم في الأمر الثالث لا بالوضع ولكن المجاز مما يحتاج جدا إلى الوضع النوعيّ وإلى رعاية إحدى العلائق المعهودة كما تقدم غير مرة فتذكر.

في استعمال اللفظ في أكثر من معنى

(قوله الثاني عشر انه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى على سبيل الانفراد والاستقلال ... إلخ) المقصود من قوله على سبيل الانفراد والاستقلال هو الإشارة إلى أن محل النزاع هو استعمال اللفظ في معنيين أو أكثر على أن يكون كل منهما معنى مستقلا على حده كما إذا لم يستعمل الا فيه لا ما إذا استعمل في معنيين أو أكثر على أن يكون كل منهما جزء المعنى كما في ألفاظ المركبات فان لفظ الإنسان مثلا وان جاز استعماله في مجموع الرّأس واليدين والبطن والرجلين إلى غير ذلك من الأجزاء ولكن كل منها يكون جزء المعنى الموضوع له وهو المجموع المركب منها ومن النّفس الناطقة لا معنى مستقلا برأسه.

١٠٩

(قوله على أقوال ... إلخ) عمدة الأقوال هي ثلاثة :

(الأول) ما اختاره المصنف وهو الامتناع العقلي وقد اضطرب كلماته الشريفة في إفادة ذلك وابتلي بالإطالة على خلاف ديدنه وعادته (فقال) ما ملخصه إن حقيقة الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ وجها للمعنى ولا يمكن جعل اللفظ وجها الا لمعنى واحد وذلك لأن لحاظ اللفظ وجها في إرادة معنى ينافى لحاظه وجها في إرادة معنى آخر ووجه المنافاة ان لحاظ اللفظ وجها لمعنى لا يكون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ ومع لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ كيف يمكن إرادة معنى آخر فانيا فيه اللفظ في استعمال واحد مع استلزامه الجمع بين اللحاظين في حال واحد.

(أقول) ومرجع هذا الاستدلال بطوله واضطرابه إلى استحالة الجمع بين اللحاظين في حال واحد وهو كما ترى مما لا استحالة فيه إذ لا استحالة عقلا في لحاظ معنيين متعددين فانيا فيهما اللفظ في حال واحد ولا في لحاظ اللفظ وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين في حال واحد (ودعوى) أن ذلك لا يمكن إلّا إذا كان اللاحظ أحول العينين كما في المتن (ليست) إلّا من العجز عن إثبات المدعى (والأولى) في مقام إثبات الامتناع العقلي أن يقال ان استعمال اللفظ في معنيين أو أكثر وجعله وجها لهما وفانيا فيهما يكون على قسمين (فتارة) يجعل اللفظ وجها لمجموع المعنيين أو أكثر نظير ألفاظ المركبات التي هي وجه لمجموع المعاني المتعددة والأمور المختلفة المنضمة بعضها إلى بعض المجتمعة بعضها مع بعض وهذا القسم من الاستعمال في الأكثر جائز عقلا (وأخرى) يجعل اللفظ بتمامه وجها لتمام المعنى كما إذا لم يستعمل الا فيه وفي عين جعله كذلك يجعل أيضا وجها بتمامه لتمام المعنى الآخر في استعمال واحد وهذا القسم من الاستعمال في الأكثر ممتنع عقلا فان اللفظ بعد ما جعل بتمامه وجها لتمام

١١٠

المعنى لا يبقى هناك شيء يجعل بتمامه وجها لتمام المعنى الآخر (وان شئت قلت) ان اللفظ بعد ما جعل بتمامه قالبا لتمام معنى كما إذا لم يستعمل الا فيه فلا يبقى اللفظ فارغا كي يجعل قالبا بتمامه لتمام معنى آخر وهذا واضح.

(وبالجملة) استعمال اللفظ في معنيين أو أكثر على سبيل الانضمام والاجتماع أمر معقول وعلى سبيل الانفراد والاستقلال وهو القسم الثاني من الاستعمال في الأكثر غير معقول ولعل مراد مدعى الجواز في المسألة بل مدعى الوقوع في الخارج كثيرا والتمثيل له بأبيات عربية كما يحكى ذلك عن بعض الأدباء هو جواز الاستعمال بنحو القسم الأول المعقول لا بنحو القسم الثاني الغير المعقول فيرجع النزاع حينئذ لفظيا.

(القول الثاني) ما اختاره المحقق القمي من عدم الجواز لا حقيقة ولا مجازا اما عدم الجواز حقيقة فلكون الوضع في حال وحدة المعنى فيجب مراعاة الوحدة واما عدم الجواز مجازا فلان الاستعمال توقيفي ولم تثبت الرخصة في الاستعمال كذلك ولو مجازا والفرق بين هذا القول وقول المصنف ان المصنف قد أنكر الجواز عقلا والمحقق القمي لا ينكر ذلك وانما أنكر صحته لغة فقوله والاستعمال في الأكثر لا يجوز أي لا يصح لا بنحو الحقيقة ولا بنحو المجاز

(القول الثالث) ما اختاره صاحب المعالم من التفصيل فيجوز في التثنية والجمع حقيقة وفي المفرد مجازا اما الجواز في التثنية والجمع حقيقة فلأنهما بمنزلة تكرير اللفظ فكما أنه إذا قال جئني بعين وعين جاز له أن يريد من كل عين معنى غير ما اراده من الآخر فكذلك إذا قال جئني بعينين الّذي هو بمنزلة تكرير اللفظ ودعوى ان التثنية والجمع ظاهر ان في الفردين أو الأفراد من معنى واحد لا في المعنيين أو المعاني المستقلة مما لا وجه له لما يلزمها من التكلف الشديد في تثنية الأعلام وجمعها إذ ليس في الأعلام معنى كلي ذو أفراد كي يمكن

١١١

دعوى ظهور التثنية والجمع فيها في الفردين أو الأفراد من ذلك المعنى الكلي بل لا بد فيها من أن يقال إن مثل جاءني زيدان أو زيدون قد استعملت لفظة زيد في المسمى بلفظة زيد والمسمى معنى كلي ذو أفراد فيكون التثنية ظاهرة في الفردين منه والجمع في الأفراد منه وهذا مع كونه تكلفا شديدا تأويل بعيد واما الجواز في المفرد بنحو المجاز لا بنحو الحقيقة فلان اللفظ قد وضع للمعنى بقيد الوحدة فإذا استعمل في الأكثر فقد ألغيت الوحدة واستعمل في جزء ما وضع له فيكون مجازا بعلاقة الكل والجزء كما سيأتي التصريح به في المتن.

(قوله ومعه كيف يمكن ... إلخ) أي ومع لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون كيف يمكن لحاظ معنى آخر معه كذلك أي فانيا فيه اللفظ مع استلزامه الجمع بين اللحاظين في حال واحد.

(قوله ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه ... إلخ) أي ولو لا امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلا كما بينا فلا وجه لعدم الجواز كما ادعاه صاحب المعالم في الجملة أي في خصوص المفرد بنحو الحقيقة وان جوز فيه مجازا وفي التثنية والجمع حقيقة وادعاه المحقق القمي مطلقا أي في كل من المفرد والتثنية والجمع جميعا لا حقيقة ولا مجازا وذلك لأن الوحدة ليست قيدا للموضوع له كما زعم صاحب المعالم كي يستلزم التجوز في المفرد وكون الوضع في حال وحدة المعنى مما لا يقتضى عدم الجواز بنحو الحقيقة كما زعم المحقق القمي بعد أن لم تكن الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له بقي الجواب عما ادعاه المحقق القمي من عدم الجواز حتى مجازا نظرا إلى توقيفية الاستعمال وجوابه هو المنع عن توقيفية الاستعمال بعد ما عرفت في الأمر الثالث من ان المعيار في صحة الاستعمال في غير ما وضع له هو استحسان الطبع له فان استحسنه صح وان لم يرخص فيه الواضع نعم لا يكون الاستعمال حينئذ مجازا

١١٢

فان المجاز مما يحتاج إلى الوضع النوعيّ ورعاية إحدى العلائق المعهودة كما تقدم غير مرة

(قوله وكون الوضع في حال وحدة المعنى وتوقيفيته لا يقتضى عدم الجواز ... إلخ) كان الا نسب بما تقدم من المحقق القمي أن يقول وكون الوضع في حال وحدة المعنى والاستعمال توقيفيا لا يقتضى عدم الجواز ... إلخ فان الّذي استدل به المحقق المذكور لعدم الجواز مجازا هو توقيفية الاستعمال لا توقيفية الوضع (وعلى كل حال) هذه العبارة رد على دليلي المحقق القمي جميعا فلا كون الوضع في حال وحدة المعنى يكون دليلا على عدم الجواز حقيقة ولا كون الاستعمال توقيفيا يكون دليلا على عدم صحة الاستعمال رأسا وإن كان ذلك دليلا على عدم الجواز مجازا لما أشير من احتياج المجاز إلى الوضع النوعيّ ورعاية إحدى العلائق المعهودة.

(قوله ثم لو تنزلنا عن ذلك فلا وجه للتفصيل ... إلخ) أي ثم لو تنزلنا عما أجبنا به عن المحقق القمي بقولنا وكون الوضع في حال وحدة المعنى ... إلخ والتزمنا بمقالته من عدم الجواز مطلقا لا في التثنية والجمع ولا في المفرد لا حقيقة ولا مجازا فلا وجه لتفصيل صاحب المعالم بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع وعلى نحو المجاز في المفرد مستدلا بما تقدم منا شرحه من كون التثنية والجمع بمنزلة تكرير اللفظ فكما جاز عند تكريره أن يراد من كل لفظ معنى غير ما أريد من الآخر فكذلك عند ما هو بمنزلة تكرير اللفظ ومن كون المفرد موضوعا للمعنى بقيد الوحدة فإذا استعملت في الأكثر فقد ألغيت الوحدة واستعمل في جزء ما وضع له فيكون مجازا بعلاقة الكل والجزء (والسر) في نفى التفصيل عدم كون الألفاظ موضوعة إلا بإزاء معانيها بما هي هي لا مع قيد الوحدة وإلا لما جاز الاستعمال في الأكثر فان الأكثر ليس

١١٣

جزء الموضوع له بل هو أمر يباينه مباينة الشيء بشرط شيء وهو الأكثر والشيء بشرط لا وهو المعنى بقيد الوحدة وأما التثنية والجمع فهما وإن كانا بمنزلة تكرير اللفظ كما أفاد المعالم ولكن الظاهر أن المراد منهما فردان أو الأفراد من معنى واحد لا معنيان مختلفان أو معاني مختلفة وأما في الأعلام كما في جاءني زيدان أو زيدون فيلتزم بالتأويل على النحو المتقدم شرحه في صدر البحث بلا تكلف ومشقة (مضافا) إلى أنه لو قلنا بكفاية الاتحاد اللفظي في استعمال التثنية والجمع في معنيين مختلفين أو في معاني مختلفة بنحو الحقيقة كما ادعى المعالم بان أريد من لفظة عينين مثلا عين جارية وعين باكية فليس هذا من استعمال اللفظ في أكثر من معنى بل هو استعمال للفظ في معنى واحد لأن التثنية قد وضعت هيئتها للاثنين نعم إذا استعملت في اثنين اثنين كان ذلك استعمالا لها في الأكثر إلا أن ما استدل به المعالم من حديث التكرار مما لا يجدى لصيرورته حقيقة فان التكرار مجوز لإرادة معنيين مختلفين في قبال إرادة فردين من معنى واحد لا إرادة اثنين اثنين فان فيها إلغاء للوحدة لأن التثنية عنده موضوعة للاثنين بقيد الوحدة كالمفرد بعينه غايته أن المفرد للطبيعة بقيد الوحدة والتثنية للاثنين من الطبيعة بقيد الوحدة فإذا الغيث الوحدة واستعملت التثنية في اثنين اثنين كان ذلك مجازا قهرا وبالجملة إن ما ادعاه المعالم من جواز استعمال التثنية مثلا في معنيين مختلفين بنحو الحقيقة ليس هو من استعمال اللفظ في أكثر من معنى وما هو من استعمال اللفظ في أكثر من معنى كاستعمال التثنية في اثنين اثنين ليس دليل المعالم مجديا لصيرورته حقيقة فتأمل جيدا.

(قوله وهم ودفع لعلك تتوهم أن الأخبار الدالة على أن للقرآن بطونا سبعة أو سبعين تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ... إلخ) وحاصل التوهم أنه قد يتخيل أن الأخبار الدالة على أن للقرآن بطونا سبعة

١١٤

أو سبعين مما تنافي ما تقدم منا من امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلا لأنها تدل على وقوعه فضلا عن جوازه وحاصل الدفع أن تلك الاخبار لا دلالة لها على إرادة البطون من نفس اللفظ كي تنافي ما تقدم منا بل لعل البطون قد أريدت في أنفسها في حال الاستعمال لا من اللفظ أو كان المراد من البطون لوازم المعنى المستعمل فيه اللفظ.

(أقول) لو كانت إرادة البطون في أنفسها في حال الاستعمال أمرا معقولا ممكنا فلم قد أريدت في حال استعمال اللفظ بل كانت تراد في حد ذاتها قبل استعمال اللفظ أو بعده مضافا إلى أن البطون ما لم تكن مرادة من نفس اللفظ لم يصدق عليها انها بطونه وأما احتمال كون المراد من البطون لوازم المعنى المستعمل فيه اللفظ فهو خلاف الظاهر (وعليه) فالجواب الصحيح أن يقال أن الأخبار الدالة على أن للقرآن بطونا سبعة أو سبعين وان كانت هي ظاهرة في استعمال اللفظ في أكثر من معنى ولكنها لم تدل على استعماله فيه على سبيل الانفراد والاستقلال الّذي هو محل البحث والنزاع ولعله قد استعمل في المجموع على سبيل الانضمام والاجتماع نظير استعمال المركب في المجموع الّذي لا نزاع ولا بحث في جوازه أو استعمل في القدر المجامع بين المعاني العديدة ولا يعرف الجامع إلّا الله والراسخون في العلم.

(وبالجملة) في إرادة البطون من القرآن المجيد احتمالان أحدهما أن يكون من قبيل استعمال اللفظ في المجموع نظير استعمال ألفاظ المركبات في مجموع الأجزاء فيكون كل بطن جزءا للمعنى لا معنى مستقلا برأسه وثانيهما أن يكون من قبيل استعمال اللفظ في القدر الجامع بين الجميع نظير استعمال المشتركات المعنوية في الجوامع بين المعاني العديدة فيكون كل بطن فردا للمعنى ومصداقا له لا معنى مستقلا برأسه فتأمل جيدا.

١١٥

في المشتق

وبيان المراد منه

(قوله الثالث عشر انه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدإ في الحال أو فيما يعمه وما انقضى عنه على أقوال ... إلخ) لا خلاف في كون المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدإ في الحال كما لا خلاف في كونه مجازا فيما لم يتلبس به بعد وانما الخلاف فيما تلبس به وانقضى عنه المبدأ في الحال فان قلنا بوضع المشتق لخصوص المتلبس في الحال فيكون مجازا فيه وان قلنا بوضعه للأعم من المتلبس في الحال وما انقضى عنه المبدأ أي لما تلبس مطلقا سواء كان تلبسه باقيا أو زائلا فيكون حقيقة فيه وهذان القولان مشهوران في المسألة على ما صرح به المحقق القمي وفيها تفاصيل أخر عديدة ستأتي الإشارة إلى جملة منها إن شاء الله تعالى قبيل الشروع في أدلة المختار وهو القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس في الحال.

(قوله أحدها أن المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات ... إلخ) وذلك لما سيأتي في الأمر الثالث من خروج الأفعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع لكونها غير جارية على الذوات واما المصادر المجردة فهي خارجة بنفسها موضوعا إذ ليست هي مشتقة كي يحتاج إخراجها إلى تصريح وتنصيص وانما هي مبدأ الاشتقاق كما لا يخفى.

(قوله بل خصوص ما يجري منها على الذوات مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدإ واتحادها معه نحو اتحاد بنحو الحلول أو

١١٦

الانتزاع أو الصدور أو الإيجاد ... إلخ) فان المشتقات التي تجري وتحمل على الذات يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدإ بل بملاحظة اتحادها مع المبدأ نحو اتحاد سواء كان بنحو الحلول كما في العالم أو بنحو الانتزاع كما في السابق أو بنحو الصدور كما في الضارب أو بنحو الإيجاد كما في المتكلم هكذا مثلوا.

(قوله مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض الا التمثيل به وهو غير صالح كما هو واضح فلا وجه لما زعمه بعض الأجلة ... إلخ) المراد من بعض الأجلة هو صاحب الفصول وقد زعم اختصاص النزاع باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة لتمثيلهم به (قال) فيما أفاده في المقام لا خفاء في أن المشتق المبحوث عنه هنا لا يعم الأفعال والمصادر المزيدة فان عدم مساعدة النزاع المحرر على ذلك واضح جلي وحينئذ فهل المراد به ما يعم بقية المشتقات من اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وما بمعناها وأسماء الزمان والمكان والآلة وصيغ المبالغة كما يدل عليه إطلاق عناوين كثير منهم كالحاجبي وغيره أو يختص باسم الفاعل وما بمعناه كما يدل عليه تمثيلهم به (إلى أن قال) وجهان أظهرهما الثاني (انتهى).

(قوله وما يلحق بها ... إلخ) أي وما يلحق بالصفات المشتبهة كالمنسوبات نحو بغدادي أو كوفي وغيرهما.

(قوله ولعل منشأه توهم كون ما ذكره لكل منها من المعنى مما اتفق عليه الكل ... إلخ) هذا منشأ ثاني لتوهم الفصول اختصاص النزاع باسم الفاعل وما بمعناه غير ما ذكره من تمثيلهم به وتوضيحه أنه (قال) في الفصول فيما أفاده في المقام ما هذا لفظه ثم أعلم أنهم أرادوا بالمشتق الّذي تشاجروا على دلالته في المقام اسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها

١١٧

على ما سنحققه ولا بأس بالتنبيه على مدلول بواقي المشتقات فشرع في بيان معنى فعل الماضي ثم فعل المستقبل ثم اسم المفعول (فقال) إنه حقيقة في الذات التي وقع عليها المبدأ في الحال إلى أن شرع في بيان معنى اسم الزمان (فقال) أنه حقيقة في الزمن الّذي وجد فيه المبدأ في الحال والماضي ومجاز في غيره (إلى أن قال) ان اسم المكان أيضا كذلك كاسم الزمان (إلى أن قال) في اسم الآلة إنه حقيقة فيما أعد للآلية أو اختص بها سواء حصل به المبدأ أو لم يحصل (ثم قال) في صيغ المبالغة انها حقيقة في الذات التي كثر اتصافها بالمبدإ أو (إلى أن قال) ولا يعتبر الاتصاف حال النطق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (فيقول) المصنف ولعل منشأ توهم الفصول اختصاص النزاع باسم الفاعل وما بمعناه أن ما ذكره من المعنى لبواقي المشتقات مثل كون اسم المفعول حقيقة في الذات التي وقع عليها المبدأ في الحال أو كون اسم الزمان حقيقة في الزمن الّذي وجد فيه المبدأ في الحال والماضي إلى غير ذلك من المعاني هو مما اتفق عليه الكل فينحصر النزاع قهرا باسم الفاعل وما بمعناه ولم يتفطن أن ما ذكره من المعنى لبواقي المشتقات غير اسم الفاعل وما بمعناه ليس مما اتفق عليه الكل بل هو أيضا محل الخلاف كاسم الفاعل وما بمعناه وعليه فلا يختص النزاع ببعض المشتقات الجارية على الذات دون بعض فتفطن.

(قوله واختلاف أنحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة حسب ما يشير إليه لا يوجب تفاوتا ... إلخ) إشارة إلى ما صح أن يكون منشأ ثالثا لتوهم اختصاص النزاع ببعض المشتقات دون بعض وان لم يتوهمه صاحب الفصول رحمه‌الله وتوضيحه أنه (قال) في الفصول في جملة ما أفاده في المقام ما هذا لفظه وأعلم أنه قد يطلق المشتق ويراد به المتصف بشأنية المبدأ وقوته كما يقال هذا الدواء

١١٨

نافع أو مضر وشجرة كذا مثمرة والنار محرقة إلى غير ذلك وقد يطلق ويراد به المتصف وبملكة المبتدأ أو باتخاذه حرفة وصناعة كالكاتب والصائغ والتاجر والشاعر ونحو ذلك ويعتبر في المقامين حصول الشأنية والملكة والاتخاذ حرفة في الزمان الّذي أطلق المشتق على الذات باعتباره انتهى (فيقول) المصنف ان اختلاف أنحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات بحسب الفعلية كما في القائم والضارب ونحوهما أو الشأنية والصناعة والملكة حسب ما يشير إليه الفصول مما لا يوجب تفاوتا في المهم المبحوث عنه بحيث يتوهم عدم جريان النزاع في مثل ما كان الاتصاف بالشأنية أو الصناعة أو الملكة تزعم صدق المشتق فيه بدون التلبس بالمبدإ في الحال غفلة عن أن التلبس فيه مما يعتبر بشأنية المبدأ أو بصناعته أو بملكته لا بنفس المبدأ بذاته.

(قوله ثم أنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ... إلخ) وحاصله أن المراد من المشتق في محل النزاع هو مطلق ما كان مفهومه جاريا على الذات ومحمولا عليها بملاحظة اتصافها بعرض كالسواد والبياض ونحوهما من الاعراض المتأصلة التي لها حظ من الوجود ولو في ضمن المعروض أو بعرضي كالفوقية والتحتية والزوجية ونحو ذلك من الأمور الانتزاعية المحضة التي لا حظ لها من الوجود الا لمنشإ انتزاعها من غير فرق في هذا كله بين أن كان الجاري على الذات اسما مشتقا أو اسما جامدا (وعليه) فالنسبة بين عنوان البحث وبين ما هو المهم المبحوث عنه عموم من وجه فقد يكون المشتق ولا يكون من المهم المبحوث عنه كالأفعال والمصادر المزيدة فيها على ما أشير آنفا وقد يكون المهم المبحوث عنه ولا يكون من المشتق كالأسامي الجامدة الجارية على الذات بملاحظة اتصافها بعرضي كالزوج والزوجة والرق والحر وقد يكون مشتقا ومن المهم المبحوث عنه كأغلب المشتقات من اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ونحو ذلك

١١٩

(ثم ان) هاهنا امران لا بأس بالتنبيه عليهما.

(أحدهما) أن المراد من العرض والعرضي باصطلاح أهل المعقول هو غير ما أراده المصنف في المقام فان العرض باصطلاح أهل المعقول هو المبدأ والعرضي هو المشتق والمصنف قد أراد من العرض الاعراض المتأصلة ومن العرضي الأمور الانتزاعية الاعتبارية ولا مشاحة في الاصطلاح.

(ثانيهما) ما ستأتي الإشارة إليه من المصنف من أن الأسامي الجامدة الجارية على الذات بملاحظة اتصافها بذاتي من ذاتياتها كالإنسان المنتزع عن الذات بملاحظة اتصافها بالإنسانية والحجر المنتزع عنها بملاحظة اتصافها بالحجرية ونحو ذلك ليست هي من محل النزاع قطعا إذ لا نزاع في أن الذات إذا لم تبق بذاتياتها لم تصدق عليها العنوان المنتزع عنها بملاحظة اتصافها بالذاتي فان الإنسان مما لا يصدق على الذات التي لم تبق إنسانيتها والحجر مما لا يصدق على الذات التي لم تبق حجريتها وهكذا.

(قوله كما يشهد به ما عن الإيضاح في باب الرضاع في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجته الصغيرة ... إلخ) والشاهد هو ما ذكره في المتن من قوله في مقام تعليل تحريم المرضعة الآخرة لأن هذه يصدق عليها أم زوجته لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه (انتهى) فان إطلاق المشتق على مثل الزوج أو الزوجة مما يشهد بدخوله في محل النزاع وإن كان اسما جامدا.

(قوله تحرم المرضعة الأولى والصغيرة ... إلخ) أما المرضعة الأولى فلصيرورتها بالرضاع التام أم الزوجة وأما الصغيرة فلصيرورتها بذلك بنت الزوجة المدخولة بها لما سيأتي من فرض الدخول بها.

(أقول) ولكن في النّفس شيء من تحريمهما أي تحريم المرضعة الأولى

١٢٠