منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

الثانى والحق هو الاول لوجود مناط استحقاق العقاب فيه.

بيان ذلك هو ان مناط الاستحقاق هو اظهار التمرد والطغيان على المولى وهتك حرمته وتجريه عليه فمن قطع بخمرية مائع في اناء فيه ماء وخالف فشربه عد عاصيا لانطباق تلك العناوين عليه من ابراز الطغيان وخروجه عن رسم العبودية وهكذا في صورة المصادفة فان استحقاق العقاب ليس لأجل المصادفة بل لانطباق ما هو موضوع الاستحقاق من كونه هتك المولى واظهر الطغيان عليه وفاقا للاستاذ في الكفاية بما لفظه (الحق انه يوجبه لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته على تجرّيه وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسم عبوديته وكونه بصدد الطغيان وعزمه على العصيان الخ) وان كنا لا نوافقه على جعل الاستحقاق على العزم إذ العزم من الامور القصدية التي لا تستحق العقوبة عليه ما لم يظهر التمرد والطغيان والمخالفة بما هو الحجة عليه. ثم ان الاستاذ قد اختار هنا ما ينافي ما ذكره في مقدمة الواجب حيث قسم الواجب على قسمين غيري ونفسي وجعل العقوبة والمثوبة على النفسى ولا مثوبة وعقوبة على الغيري حتى اشكل عليه بالطهارات الثلاث وهنا جعل العقاب على الوقوف في قبال المولى وهتك حرمته وهو يحصل بالعزم على المعصية ، وايضا يحصل بترك الواجب الغيري والمثوبة على الجري على طبق ارادة المولى وهو يحصل ولو باتيان الواجب الغيرى.

وكيف كان فمناط استحقاق العقاب هو اظهار التمرد على المولى وطغيانه عليه وهو متحقق في التجري فيستحق العقوبة بمجرد مخالفة ما هو حجة عليه كما هو كذلك بالنسبة الى المعصية الحقيقية ودعوى ان لازم ذلك أخذ العلم بالنسبة الى

٦١

الاستحقاق على نحو الصفتية في غير محلها اذ العلم قد اخذ موضوعا للاستحقاق بنحو الطريقية الى الواقع ودعوى انه ليس موضوع حكم العقل بالقبح مطلق القطع ولو لم يصادف كما ينسب الى بعض الاعاظم (قدس‌سره) بتقريب ان غير المصادف ليس بعلم وانما هو جهل مركب والقطع بالحكم الشرعي الذي هو مناط حكم العقل بالاستحقاق في العقوبة والمثوبة فيما اذا كان محرزا للواقع لكي ينبعث العبد عن ارادة المولى ومع كونه غير مصادف لارادة المولى حتى ينبعث العبد نحو ارادته ففى غير محلها فان ذلك وان عد جهلا مركبا إلّا انه لا ينافي ان يكون سببا لانطباق عنوانه انه متمرد على المولى وانه قد اظهر طغيانه عليه الذي هو موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب فحاله حال ما لو صادف العلم بالواقع في ان ذلك يحدث عنوان الطغيان على ما اتى به الذي هو موضوع حكم العقل بالاستحقاق كما هو كذلك بالنسبة الى الانقياد فانه في صورة عدم المصادفة لم يكن موجبا للانبعاث نحو ما انقاد اليه إلا مثل هذا الذي هو جهل مركب وبالجملة الموجب للانبعاث في الانقياد فيما لم يصادف قطعه الواقع هو الموجب لاستحقاق العقوبة وليس في البين إلا ما يسمى بالجهل المركب ويؤيد ذلك تقبيح العقلاء للمخالفة والمدح على الموافقة وليس ذلك لأجل كشفه عن خبث السريرة في المخالفة وحسن السريرة في الموافقة كما ادعاه الشيخ الانصاري (قده) فان الوجدان يشهد بان القبح ليس لاجل ذلك وانما هو لأجل انطباق ما هو موضوع حكم العقل بالاستحقاق من كونه هتكا للمولى وطغيانا وتمردا عليه كانطباق عنوان الحسن في مقام الانقياد باتيان ما هو محتمل الوجوب وترك ما هو محتمل الحرمة وقد التزم الاستاذ بان العقاب ليس على خبث السريرة

٦٢

وانما هو على العزم إذ هو شيء يحصل بعد خبث السريرة ولكن لا يخفى انه ان اراد العقاب على نفس العزم من دون ما يحصل به اظهار الطغيان. فقد عرفت انه من الامور القصدية والعقاب لا يكون على الامور القصدية وان اراد بالعزم المتعقب بما يظهر الطغيان فيكون العقاب حال العزم من حيث شروعه في الطغيان بايجاد مقدمته فهو راجع الى ما قلناه من استقلال العقل بقبح من خالف قطعه مطلقا من غير فرق بين كونه قد صادف قطعه الواقع أم لم يصادف كما هو الحال في الانقياد فانه باتيان ما هو محتمل الوجوب أو ترك ما هو محتمل الحرمة ينطبق عليه عنوان التسليم والانقياد الذي هو مناط استحقاق الثواب ودعوى ان الثواب في مقام الانقياد تفضلي لا بنحو الاستحقاق ففى غير محلها اذ ذلك ينافي التزامهم بحسن الاحتياط بداعي المحبوبية وليس إلا لأجل انطباق عنوان الانقياد الموجب لاستحقاق الثواب حتى قيل بامكان تصحيح العبادة لأجل الحسن العقلي وبالجملة القبح في المقام قبح عقلي لا قبح فاعلي كما ينسب الى بعض الاعاظم (قدس‌سره) من التفكيك بين الفعل وجهة الاصدار بالالتزام بان جهة الاصدار فيه قبح ولا يسرى الى نفس الفعل إذ هو محل المنع فان جهة الاصدار عبارة عن اضافة بين الفعل والفاعل فان كانت الاضافة قبيحة فقبحها يسرى الى ما تقوم به الاضافة وهو الفعل وهو لا يلتزم به وان كانت الاضافة تكشف عن خبث السريرة فهو وان امكن تصوره إلا ان خبث السريرة خارج عن الاختيار فكيف يحدث قبحا في الفاعل فدعوى قبح الفاعل من دون سرايته الى الفعل لا وجه له فظهر مما ذكرنا ان العقل يستقل بالقبح في التجري كما انه يستقل العقل بالحسن في الانقياد من غير ان

٦٣

يستتبع حكما شرعيا مولويا فلو ورد حكم شرعي يكون ارشادا لحكم العقل إذ لا معنى لاعمال المولوية مع حكم العقل فلو حصل يعد لغوا اذ المولوية انما تنبعث نحو ايجاد الشيء أو تركه حذرا من مخالفة التكليف ومع فرض ان العقل حاكم بالاتيان به او الزجر عنه فكيف يعقل في هذا الحال اعمال المولوية حتى لو قلنا بالملازمة بين حكم العقل والشرع فان الحكم العقلي يكون مستتبعا لحكم شرعي مولوي بناء على الملازمة فيما اذا كان الحسن والقبح العقليان ناشئين عن مصلحة او مفسدة في المتعلق وهذا المعنى ليس متحققا في المقام لما هو معلوم ان عنوان التجرى والانقياد ليسا بموجبي المصلحة او المفسدة لكي يكونا مستتبعين حكما شرعيا مولويا فلو ورد تكليف شرعي فانما يكون ارشادا لحكم العقل كالاوامر الواردة في باب الاطاعة فانها تحمل على الارشادية لعدم وجود ملاك المولوية مع حكم العقل بقبح التجري لاجل تمرده وطغيانه على المولى وهذا الملاك كما يتحقق في التجري يتحقق في العصيان الحقيقي كما انه قد يحصل عند شروعه في المقدمات مستمرا الى ان يحصل العصيان الحقيقي وليست المصادفة هي الموجبة للعقوبة حتى يقال بان لازم القول بان التجرى يوجب العقوبة الالتزام بتعدد العقوبة في المعصية الحقيقية فانه توهم فاسد لما عرفت من ان مناط استحقاق العقوبة انما هو اظهار التمرد والطغيان على المولى وهذا حاصل في التجري والمعصية الحقيقية ولذا ترى العقلاء يذمون في حال الشروع في المقدمات المفضية الى الحرام ولا ينتظرون في ذمهم الى ارتكاب الحرام وليس ذلك إلّا انهم يرون ان استحقاق العقوبة على اظهار التمرد والطغيان وهو يتحقق في التجري والمعصية الحقيقية وليست العقوبة

٦٤

على المصادفة في المعصية الحقيقية ليلتزم بالتعدد او التداخل فيها حذرا من التعدد كما التزمه صاحب الفصول (قدس‌سره) باعتبار اجتماع التجرى مع المعصية الواقعية فحينئذ يتداخل العقابان فانه لا وجه لاجتماع التجرى مع المعصية الواقعية وان وجهه بعض الاعاظم بتوجيه يرجع الى أمر معقول بان يقال ان مراده من المعصية المجتمعة مع التجري غير المعصية التي علم بها وتجرى فيها بل معصية اخرى كما لو علم بخمرية مائع فتجرى فشربه تم تبين انه مغصوب فتجرى بالنسبة الى شرب الخمر وعصى بالنسبة الى شرب المغصوب بناء على ان جنس التكليف يكفى في تنجز العلم الاجمالى ففى المثال انه قد تعلق علمه بحرمة شرب المائع على انه خمر فبالنسبة الى كونه خمرا قد اخطأ علمه وبالنسبة الى الحرمة لم يخطأ وصادف الواقع لانه كان مغصوبا فيكون قد فعل محرما ويعاقب عليه وان لم يعاقب على خصوصية الغصبية لعدم تعلق العلم بها بل يعاقب على القدر المشترك من الخمرية والغصبية فلو فرض ان عقاب الغصب اشد يعاقب عقاب الخمر ولو انعكس الامر وكان عقاب الخمر اشد يعاقب عقاب الغصب لان المفروض انه لم يشرب الخمر فلا يعاقب عليه وفي الصورة الاولى انما يعاقب عقاب شرب الخمر مع انه لم يشرب الخمر من جهة ان عقاب ما يقتضيه شرب الخمر هو المتيقن الاقل والمنفى عنه هو العقاب الزائد الذي يقتضيه الغصب ففيه ما لا يخفى اولا انه خارج عن مؤدى الكلام الفصول فلا يحمل كلامه عليه وثانيا انه غير وجيه فان العلم بالخمرية لا يوجب العلم بالغصبية ولا العلم بالجامع فحينئذ كيف يتصور عصيان حرمة الغصب أو القدر المشترك بينهما وثالثا لا يقاس المقام بالعلم الاجمالى بالجنس فان ذلك مع القول يتنجزه فانما

٦٥

هو علم اجمالى بالجنس القابل للانطباق على أحد الطرفين كما لو علمت بوجود حرام مردد بين الغصبية والخمرية والمقام ليس من ذاك القبيل فان العلم بخصوصية الخمرية لا يوجب العلم بالغصبية أو العلم بالقدر المشترك كما هو واضح فظهر مما ذكرنا ان مناط الاستحقاق في الصورتين المصادفة وعدمها شيء واحد وهو ابراز التمرد على المولى وطغيانه عليه ومع جعل كل من التجري والمعصية الحقيقية موجبا للاستحقاق فلا بد من القول بتعدد العقوبة اذ لا وجه للقول بالتداخل لامتناعه بعد ان فرض كل واحد من التجري والمعصية الحقيقية سبب مستقل وتعدد السبب يوجب تعدد المسبب ولذا قلنا في محله ان التداخل على خلاف الاصل مضافا إلى ان الاوامر في باب الاطاعة والنواهي في باب العصيان ارشادية ليست بمولوية لا يستتبعان المثوبة والعقوبة والسر في كونها ارشادية فقد ذكر الاصوليون هو انها لو لم تكن ارشادية يلزم المحال وهو التسلسل إذ لو كانت مولوية فيجب اطاعتها لكي تستتبع المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة فننقل الكلام الى اطاعة هذه الاوامر المولوية الثانية فان كان حكم العقل فهو وحينئذ يلتزم بها من أول الامر وان كان وجوب اطاعتها بامر شرعي فننقل الكلام الى هذه الاوامر الثالثة وهكذا يتسلسل او نقول ان المناط بلزوم الاطاعة حكم العقل وإلا لزم التسلسل فان الاوامر الصادرة من الشارع تحتاج في اطاعتها الى دليل فاذا فرض ان الدليل منحصر في الامر بلزوم الاطاعة فحينئذ تكون هناك اطاعات غير متناهية واوامر غير متناهية وذلك امر مستحيل ومن هذا القبيل باب العصيان ولكن لا يخفى ان ما ذكر محل نظر إذ التسلسل إنما يجري في غير الامور الاعتبارية واما فيها فلا يجرى لانقطاعه باعتبار المعتبر والمقام من الاعتباريات فان الامر بالاطاعة انما هو

٦٦

اعتباري يحصل باعتبار المعتبر فاذا انقطع الاعتبار زال فرض تعلق الامر بالاطاعة فالاولى في توجيه المحالية هو ان الاوامر المولوية انما تحصل مقدمة لتحصيل الغرض فيكون الغرض داعيا ومحركا لالقاء الامر فالامر ينبعث عن الغرض وكذلك النهى انما ينبعث أيضا من الغرض من غير فرق بين ان يكون الغرض حقيقيا كما في صورة الاطاعة والعصيان أو اعتقاديا كما في صورة التجري والانقياد وتعدد العقوبة والمثوبة تابع لوحدة الغرض وتعدده فتحصيل الغرض انما يكون بالأمر المولوي فاذا حصل الأمر المولوي فيحكم العقل بالامتثال لأجل تحصيل الغرض فحينئذ لا يبقى مجال للامر المولوى لعدم وجود ملاكه حتى يستتبع وجوده وكذا النهي فانه مع حصول غرضه من حكم العقل لا معنى لوجود النهي عنه وبالجملة بعد حصول الغرض من الأوامر والنواهي الارشادية لا يبقى مجال لاعمال المولوية من الأوامر والنواهي ولو وجدت فهى بلا ملاك وكيف كان فلم يبق ما يمنع من القول باستحقاق العقاب على التجري إلا دعوى ان العقوبة والمثوبة انما يستتبعان اختيارية العنوان اذ العقل كيف يحسن أو يقبح أمرا غير اختياري وليس ذلك إلا التكليف بما لا يطاق بتقريب ان عنوان التجري الذي قطع بما هو مبغوض قطعيا مخالفا غير اختياري لكي يقصده الفاعل لعدم معقولية الالتفات اليه حين العمل وإلا خرج عن كونه متجريا ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان مناط الاستحقاق والقبح انما هو اظهار التجرد والطغيان الجامع بين التجرى والمعصية الحقيقية وهذا الجامع مما يلتفت اليه مثلا من أقدم على اتيان ما خمريته مقطوعة بقطع مخالف فقد اقدم بفعله على هتك المولى وقد اظهر الطغيان عليه وبذلك يكون مقدما على عنوان

٦٧

مبغوض عقلا نعم كان يتخيل انه هو الواقع وقد غفل عن تحققه في غير هذا الفرد والغفلة عن ذلك لا ينافى الالتفات الى ما هو مبغوض عقلا الجامع بين التجري والمعصية الحقيقية.

وبالجملة الغفلة عن خصوص التجرى لا يوجب رفع القبح عن الجامع الذى مبغوضيته امر مفروغ عنه فافهم ، وبذلك يجاب عما ذكره المحقق الخراساني في الحاشية بما حاصله ان عنوان مقطوع المبغوضية بعنوان التجرى ليس اختياريا لأن التجري المقصود بالمعنى الأخص وهي المعصية وقد فرض انها لم تحصل وما وقع منه وهو التجري بالمعنى الأعم. غير مقصود فيكون من قبيل ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع فعلية التجري بكل عنوان ليس باختياري كيف يوجب العقاب إذ العقاب انما يترتب على ان يكون بعنوان اختياري مقصود ولكنك قد عرفت ان القادم على ارتكاب ما هو مبغوض للمولى فقد قدم على هتكه واظهر الطغيان عليه وان غفل عن تحقق هذا العنوان في ضمن المعصية وحينئذ قد اتى بما هو ملاك الاستحقاق الجامع بين التجرى والمعصية الحقيقية فان قصد الخصوصية وان كان يضاد قصد العام اذا كان بنحو وحدة المطلوب إلّا انه لا يمنع من اختيارية العام وقصد المعصية بالخصوص لا يمنع من التفاته الى الجامع بينها وبين التجري المقابل له.

المقام الثاني في ان القطع المتعلق بشيء يكون من العناوين الطارية عليه فهل يغير الواقع عما هو عليه من المحبوبية أو المبغوضية ام لا يغيره بل هو باق على ما هو عليه؟ اختار صاحب الفصول الاول حيث قال ما لفظه : (فان قبح التجري ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات الى آخره) وحاصله ان

٦٨

الفعل يتغير بما يطرأ عليه من العناوين الثانوية نظرا إلى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات الظاهرية الناشئة من عدم كون قبح التجري ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات والحق هو الاول لوجهين الاول الوجدان فانه شاهد على ان الواقع لا يتغير عما هو عليه بسبب طرو شيء عليه اصلا ، فمن قطع بشىء انه محبوب للمولى وقد كان مبغوضا له كيف يوجب هذا القطع تغييرا لمبغوضيته بل هو باق على ما هو عليه من المبغوضية. الثاني انه لو غير العنوان الطاري على الشيء عما هو عليه لزم المحال وهو الدور الذى هو واضح البطلان.

بيان ذلك ان محل الكلام في القطع الطريقى وطريقيته انما تكون متأخرة عن ذي الطريق واذا فرض تأثير الطريق بذيه فلا بد وان يكون سابقا عليه اذ لا يعقل أن يكون الشىء المتأخر يؤثر في الشىء المتقدم فيكون الطريق بواسطة تأثيره سابقا على نفسه وهذا هو الدور الممتنع عقلا كما لا يخفى واستدل الاستاذ في الكفاية على المختار بما هذا لفظه (ان الفعل المتجرى به او المنقاد به مما هو مقطوع الحرمة او الوجوب لا يكون اختياريا فان القاطع لا يقصده إلّا بما قطع انه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالى لا بعنوانه الطارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت اليه فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات الوجوب او الحرمة شرعا ولا يكاد يكون صفة موجبة لذلك إلا إذا كانت اختيارية انتهى.

أقول ليس مقطوعية الحرمة أو الوجوب هو مناط استحقاق العقوبة والمثوبة حتى يلزم الالتفات اليه بل الذي هو المناط اظهار التمرد على المولى وهتك حرمته وطغيانه عليه وهو مما يلتفت اليه وغير مغفول عنه.

٦٩

ولو سلم وقلنا بان المناط هو ذلك إلا انا تمنع اعتبار الالتفات اليه فان الافعال على أقسام فتارة يحصل في الخارج بدون قصد العنوان ولا ارادة للعمل كالقتل والضرب واخرى يحصل بالارادة مع قصد العنوان كما في مثل الضرب للتأديب والقيام للتعظيم وثالثة يحتاج الى ارادة للعمل من دون قصد العنوان كما في المقام فان التجري يحصل ولو لم يقصد العنوان.

ثم ان الشيخ الانصاري قد أورد على صاحب الفصول تارة بان التجري قبيح ذاتا لكونه من الظلم فيمتنع عروض صفة محسنة عليه كما ان الانقياد حسن ذاتا فيمنع عروض صفة مقبحة عليه واخرى بانه لو سلم انه لا امتناع في ان يعرض له جهة محسنة إلا انه مقتض للقبح ومؤثر فيه لو لم يمنع مانع يوجب رفع قبحه فهو كالكذب فانه مقتض للقبح لو لم يمنع مانع يرفع قبحه ككونه لانجاء بني فانه باتّصافه بعنوان انجاء النبي رفع قبحه إلا ان في المقام الاتصاف بعنوان انه ترك قتل المؤمن او النبي حيث انه كان مغفولا عنه لا يتصف بحسن وقبح فكيف يكون رافعا لقبح التجرى (١) ولكن لا يخفى ما فيه. اما عن الاول فبان المولى يمكن ان يرى أهمية مصلحة

__________________

(١) يرد عليه ان الامر الغير الاختيارى وان لم يتصف بالحسن والقبح إلا انه لا مانع في رفع اقتضاء ما يقتضى القبح كما ان الامر الغير الاختياري يوجب عدم العقاب على التجرى بخلاف العقاب لا بد وان يرجع الى امر اختياري اللهم إلا ان يقال بالفرق بين المقامين فانا نلتزم بان الغير الاختياري يوجب عدم اقتضاء القبح في التجرى وحينئذ يترتب عدم العقوبة بخلاف ما اذا قلنا بان التجرى مقتض للقبح ولكن نمنع بان الغير الاختيارى يرفع

٧٠

الواقع بالنسبة الى مفسدة التجرى بنحو لا يبقى له مبغوضية واما عن الثاني فان غفلة القاطع عن العنوان تمنع تأثيرها عن رفع القبح إلّا ان ذلك بالنسبة الى نظره واما بالنسبة الى نظر الحاكم المشرع حيث انه يرى الواقع على ما هو عليه ويرى مصلحة الواقع اهم في نظره من مفسدة التجري فحينئذ لا تكون غفلة القاطع لها دخل مع فرض اهمية مصلحة الواقع بالنسبة الى مفسدة التجري في نظر الحاكم بنحو تؤثر في رفع قبح التجري ثم لا يخفى ان ملاك استحقاق العقوبة هو عنوان هتك المولى وطغيانه عليه وبذلك يكون قبيحا فهل ذلك يوجب قبح الفعل الخارجي ام لا؟ اختار الاستاذ (قدس‌سره) عدم سراية القبح من من التجري الى العمل الخارجي ويختص القبح بالعزم وانه لو سرى يلزم اجتماع المحبوبية والمبغوضية في شىء واحد او يكون الشىء الواحد حسنا وقبيحا في شىء واحد وبجهة واحدة وذلك غير معقول ولو قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي والحق هو الاول لما عرفت من ان العزم ان لم يكن معه شيء يظهر الطغيان فهو من الامور القصدية التى لا يتصف بحسن ولا قبح واما شبهة اجتماع المحبوبية والمبغوضية التي مرجعها الى ما ادعاه صاحب الفصول من المزاحمة بين محبوبية الفعل ومبغوضيته وبعد التزاحم في الجهات الموجبة لرفع القبح عن التجري أو انقلاب الواقع من المحبوبية الى كونه قبيحا او بالعكس وإلّا لزم

__________________

قبحه لعدم صلاحيته للرفع لعدم انصافه بالحسن والقبح فكيف يرفع قبحه مع اقتضائه للقبح وسره هو الفرق بين الدفع والرفع فان الاول يكون غير الاختيارى يدفع القبح دون الثانى فانه يكون رافعا للقبح والدفع اهون من الرفع والى ذلك اشار الشيخ (قده) بقوله مضافا الى الفرق فلا تغفل.

٧١

اجتماعهما في شىء واحد بجهة واحدة وهو مستلزم للمحال. فيمكن الجواب عنها بان الاحكام على ما تقدم انما هي متعلقة بالصور الذهنية المتحدة مع الخارج بحيث يراها عين الخارج مثلا السكنجبين لما كان ذا مصلحة تعلقت به ارادة الشرب وتعلقها كان بعنوانه المرئى عين الخارج ويكون محبوبا له فاذا اعتقد العبد مبغوضيته فتجرى بان اتى به فشربه يكون معلولا لارادته وهو غير الشرب الذى كان معروضا للارادة وبعبارة اخرى ان للشرب عندنا عنوانين طوليين عنوان معلول الارادة وعنوان معروض الارادة والذى هو معروض الارادة هو الشرب الذى تتعلق به ارادة المولى والذى هو معلول للارادة هو الذى نشأ من ارادة العبد فلما اختلفا بحسب الرتبة ورتبة احدهما لا دخل له برتبة الآخر فمن الممكن ان يكون أحد العنوانين محبوبا والآخر مبغوضا وبغض أحدهما لا يسرى الى محبوبية الآخر اذ كل منهما في مرتبة.

وبالجملة ان الشرب الذى هو معروض الارادة محبوب وهو غير الشرب الذى هو معلول الارادة الذى هو مبغوض ولا يسري أحدهما الى الآخر فلا يلزم من قبح العمل الخارجى اجتماع المحبوبية والمبغوضية لما عرفت ان بين الذاتين طولية وان كان المنشأ واحد إلا انه بمرتبة يكون قد تعلقت به الارادة وبمرتبة يكون في مقام سقوط الارادة وعليه لا يعقل سراية الحسن القائم بمرتبة تعلق الارادة السابقة الى المرتبة اللاحقة التى هي مرتبة السقوط مثلا لو قال اردت الصلاة فصليت فترى بالوجدان صلاتين صلاة تعلقت بها الارادة وصلاة توجب سقوط الارادة وان كان المنشأ واحدا إلا انه بمرتبة سابقة هي متعلق الامر وبمرتبة لاحقة هي موجبة لسقوط الامر. ودعوى ان العنوان الذى

٧٢

اخذ في الحكم انما اخذ مرآتا للوجود الخارجى فيكون اخذا له بلحاظ الخارج فيكون الخارج مجمعا للعنوانين فالمرئي بهما شيء واحد وجهة فاردة فيكون الخارج المرئي بذينك العنوانين قد اجتمع فيه امران متضادان الحسن والقبح وذلك واضح البطلان ممنوعة لما عرفت من ان بين العنوانين طولية فلا يكون المرئي بهما شيئا واحدا بل المرئي في أحدهما غير الآخر فان المرئى فيهما في عالم التصور ذاتان أحدهما معروض الامر والآخر معلول الامر والاول بمرتبة سابقة والآخر بمرتبة لاحقة (١) وان لم يكن في الخارج وفي عالم التصديق إلا

__________________

(١) مع فرض المعية في الوجود لا ترتفع غائلة اجتماع الضدين التقدم والتأخر الرتبي اذ الاختلاف في الرتبة لا يعدد الوجود في الخارج فما هو بمرتبة سابقة عين ما هو بمرتبة لاحقة وجودا نعم بالنسبة الى مقام الارادة ربما يلتزم به باعتبارين ما هو في الذهن متعلق الارادة ومقام ثبوتها وما في الخارج معلول الارادة ومقام سقوطها وان كان ربما يقال ان ما في الخارج الذى هو مقام سقوط الارادة وتعلق الارادة بها بالعرض والمجاز فلم تكن الارادة متعلقة بنفس ما في الخارج بل بما في الذهن على ان يرى خارجيا لغرض تحقق الارادة وانها متعلقة بموضوع يرى خارجيا ولو لم يكن هناك خارجية لها لفرض عصيانه أو نسيانه ونحو ذلك إلا انه غير نافع في المقام الذى هو مقام الحسن والقبح لفرض تعلقهما بنفس الموجود الخارجي اذ العناوين لا تتصف بالقبح أو الحسن ما لم يلاحظ انطباقهما على ما في الخارج فبناء على السراية يكون نفس الموجود الخارجي قبيحا باعتبار انطباق عنوان التجري الذي هو عبارة عن اظهار التمرد على المولى وتجريه عليه وفي الواقع قد فرض انه حسن ومحبوب فحينئذ قد اجتمعت المبغوضية والمحبوبية في الخارج في شيء واحد فلا بد من الالتزام اما بعدم السراية كما هو الحق أو

٧٣

ذات واحدة وهى بازاء العنوان الطاري وليست بازاء العنوان الاول والاحكام قد عرفت انها متعلقة بالعنوان الاول الذي هو في عالم التصور فعليه لا مانع من الالتزام بقبح الفعل المتجرى به بعنوان كونه تجريا وطغيانا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية من دون سراية احدهما الى الآخر كما هو كذلك في باب الانقياد المتسالم على حسنه حتى التزم بعضهم بتصحيح العبادة لاجل

__________________

الالتزام بتزاحم جهات الواقعية للظاهرية كما يدعيها صاحب الفصول (قده) هذا ويمكن توجيه كلام الاستاذ بتقريب ان هذه العناوين قد اخذت في الموضوع بنحو الجهة التقييدية فيكون حال المقام كالصلاة والغصب في باب اجتماع الامر والنهي بناء على ان كل واحد منهما من مقولة من دون فرق بين المقامين ولكن لا يخفى انا وان التزمنا في باب الاجتماع ذلك إلا انه لا يمكن الالتزام به في المقام حيث ان هذه العناوين بالنسبة الى الحسن والقبح بناء على السراية انما تؤخذ بنحو الجهة التعليلية اذ لا معنى للجهة التقييدية فان الموجود الخارجي بناء على السراية هو المتصف بالقبح مع ما عليه من المحبوبية واما النذر فهو من العناوين الطارية المتأخرة عن العناوين الاولية فلا مزاحمة بين العنوانين لكي يلتزم بالتأكد على ان التأكد بالنسبة الى نذر الاتيان بصلاة الليل لا يتم إلا باخذ العبادية من الامر الاستحبابي المترتب على العنوان الاولى والوجوب من النذر الموجب لتعنونها بالعنوان الثانوى فيحصل من المجموع ان صلاة الليل واجبة وجوبا تعبديا ولكن لا يخفى انه مع فرض الطولية بين الحكمين كيف يحصل التأكد على انه لا سنخية بينهما اذ كيف يكتسب الوجوب التوصلي العبادية فلا مانع من الالتزام بنية الاستحباب في صلاة الليل المنذورة إذ هي متعلق النذر والظاهر ان باب ايجار

٧٤

حسن الاحتياط مع بقاء الواقع على ما هو عليه مع انه لو لا ما ذكرنا لزم اجتماع الحكمين في شيء واحد وبما ذكرنا يندفع ما يقال بلزوم اجتماع المثلين في النذر ونحوه أو الالتزام بالتأكد فان ذلك يتأتى لو لم يكن بين العنوانين طولية ومع تحقق الطولية لا يجتمع المثلان وكيف يتحقق التأكد مع ما بينهما من الطولية إذ لازمه الاتحاد وقد عرفت انه يستحيل ان يتحد العنوانان فكيف يقال بالتأكد كما هو واضح وتظهر الثمرة بين ما اختاره الاستاذ (قده) وبين ما اخترناه في صلاة المرأة المعتقدة بانها حائض فعلى ما اخترناه من سراية المبغوضية الى الفعل الخارجي انها تبطل وعلى ما اختاره الاستاذ من عدم السراية تصح صلاتها لعدم سراية المبغوضية الى الفعل الخارجي هذا بناء على الحرمة الذاتية واما لو قلنا بالحرمة التشريعية فعلى القولين تصح صلاتها إذا أتت برجاء الواقع وبهذا يوجه كلام المشهور من بطلان صلاتها بناء على الحرمة الذاتية وصحتها في بعض الموارد بناء على الحرمة التشريعية كما تظهر الثمرة بين القولين في من صام مع خوف الضرر وانكشف عدم الضرر يبطل صومه بناء على المختار لسراية القبح الى ما في الخارج ويصح على ما اختاره الاستاذ لعدم السراية واما الالتزام بان خوف الضرر له موضوعية خلاف ظاهر الدليل وبما ذكرنا تظهر الثمرة بين ما اخترناه ومختار الشيخ الانصارى (قدس‌سره) وتظهر الثمرة

__________________

العبادة عن الغير من هذا الباب مع انه لا يلتزم بالتأكد فيها بل يفرق بين النذر والايجار بان في النذر موضوعا واحدا وفي الايجار موضوعين احدهما عمل منوب عنه والآخر عمل التائب ولكن لا يخفى ان في النذر ايضا موضوعين وإلا فيبقى لنا سؤال الفرق بينهما مع انهما من واد واحد فافهم.

٧٥

ايضا فيما لو قصد التقرب بعمل قد قامت الامارة على حرمته فانه على المختار من سراية القبح اليه فلا يصلح للمقربية واما على مختار الشيخ بامكان التقرب به إذ أتى به برجاء الواقع لعدم التنافى بين كشفه عن سوء السريرة وصلاحيته للمقربية كما انه يصح عمله وصلاحيته للمقربية بناء على مختار الاستاد (قده) فلا تغفل.

الموافقة الالتزامية

المبحث السادس في ان تنجز التكليف بالقطع هل يقتضى موافقته التزاما كما يقتضى موافقته عملا ام لا يقتضى ذلك فلا يستحق العقوبة على مخالفتها وانما يستحق العقوبة على خصوص المخالفة العملية؟ قولان الحق هو الثاني وفاقا للاستاذ (قده) في الكفاية ما هذا لفظه. (الحق هو الثانى لشهادة الوجدان الحاكم في باب الاطاعة والعصيان بذلك واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده إلا المثوبة دون العقوبة وان لم يكن مسلما ومعتقدا له) مضافا الى انك قد عرفت منا سابقا ان ملاك استحقاق العقوبة هو اظهار التمرد على المولى وهتكه وتجريه عليه وذلك لا ينطبق على من اتى بالعمل مع عدم التزامه قلبا على انه لو كان الالتزام القلبي معتبرا لزم تعدد العقوبة مع المخالفة العملية مع انه لا يلتزم به أحد.

ودعوى ان ذلك ينبغي القول بجواز التشريع المجمع على بطلانه ممنوعة إذ فرق بين عدم الالتزام بالحكم الواقعي وبين الالتزام بخلاف الحكم الواقعي والتشريع المجمع على بطلانه هو الثاني دون الاول إذ يمكن دعوى عدم وجوب

٧٦

الالتزام بالحكم الواقعي مع عدم جواز الالتزام بخلافه فلا يقع الخلط بين المقامين. نعم ربما يقال بانه مناف لوجوب الالتزام بما جاء به النبي (ص) بتقريب ان عدم وجوب الالتزام بالحكم الواقعى هو عبارة عن عدم الالتزام بما جاء به النبي (ص) ومن الواضح انه يجب الالتزام بجميع ما جاء به النبي (ص) وإلا فهو خارج عن ربقة المسلمين. اللهم إلا ان يقال ان وجوب الالتزام بما جاء به النبى (ص) انما هو في العناوين الاجمالية لا انه بحسب عناوينها التفصيلية.

بيان ذلك انا يجب علينا الالتزام بالواجبات والمحرمات بعنوان ما جاء به النبي (ص) الذى هو عنوان اجمالى لا انه يجب علينا الالتزام بالواجبات والمحرمات حتى بعناوينها التفصيلية إذ من الجائز ان نكلف بالالتزام بالاول دون الثانى فالحق ان الموافقة الالتزامية غير واجبة سواء كان التكليف وجوبيا أو تحريميا توصليا أو تعبديا نعم ربما يشكل في التعبدي حيث انه معتبر فيه الوجه بناء على اعتباره فانه لو لم تحصل الموافقة الالتزامية لم تتحقق نية الوجه فلا تتحقق العبادة ولكن لا يخفى انه خلط بين نية الوجه وبين الموافقة الالتزامية وجعلها شيئا واحدا مع انهما متغايران ، فان نية الوجه عبارة عن ان العبد يأتي بالفعل بداعي خصوص وجوبه لو كان واجبا لا بداعي مطلق الامر المشترك بين الوجوب والندب والموافقة الالتزامية هو الالتزام والتدين بالوجوب الذي تعلق بعنوانه التفصيلي وهما متغايران فيمكن الاتيان بالاول وترك الثاني فلا يقع الخلط بينهما.

فتحصل من ذلك عدم وجوب الموافقة الالتزامية. نعم يمكن ان يقال بانها لها الدخل في وجوب شكر المنعم لما نجد بالوجدان فرقا بين من يعمل

٧٧

ملتزما ومتدينا به من اتى به من دون الالتزام فانه لا اشكال في ان الاول يعد مطيعا وهو اطوع من الثانى ولكن هذا التفاوت بينهما لا يجعل المورد من كفران النعمة مضافا الى ان المقدار المسلم وجوبه من شكر المنعم هو الالتزام الاجمالي ، واما الالتزام التفصيلي فلم يقم عليه دليل ثم نه قد توهم ان القول بوجوب الموافقة الالتزامية في الاحكام الفرعية كما تجب الموافقة العملية فيها تكون نظير اصول الدين حيث ان المطلوب في كل منهما الالتزام وعقد القلب ولكن يفترق حيث ان اصول الدين يكون فيها امتثال واحد من حيث انه عمل جانحي والاحكام الفرعية يكون فيها امتثالان احدهما الموافقة الجانحي الذى هو التزام وثانيها الخارجى الذى هو العمل ولكن لا يخفى ان وجوب الالتزام يحصل بعد حصول الحكم المتعلق أما بامر جانحي او خارجي فهو امر وراء الحكم المتعلق باحدهما فحينئذ بعد ثبوت وجوب الاعتقاد وعقد القلب يقع النزاع بانه هل يجب الالتزام والتدين بمثل هذا الوجوب من جهة الموافقة الالتزامية أم لا يجب؟

وبالجملة لا اختصاص بهذا النزاع بالاحكام المتعلقة بافعال الجوارح بل يعم الاحكام المتعلقة بافعال الجوارح كوجوب الصلاة والحج ونحوهما ، واحكام الجوانح كوجوب الاعتقاد بالمبدإ والمعاد وعقد القلب برسالة الانبياء ونحو ذلك واضعف من هذا التوهم ان الالتزام والتدين هو العلم واليقين الحاصل من الجزم والاعتقاد فانه توهم فاسد اذ الالتزام في قبال الجحود والعلم يقابل بالشك ويؤيد ذلك قوله تعالى (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ). هذا كله في التكليف المعلوم بالتفصيل فقد عرفت انه لا دليل على وجوب الالتزام به.

واما إذا كان التكليف مرددا فلا معنى للقول بوجوب الالتزام بشخصه

٧٨

إذ هو غير معلوم كما انه لا معنى لوجوب الالتزام به أو بضده إذ التكليف لو قلنا بوجوب التزامه لا يقتضى إلا التزامه بشخصه ولا يقتضى الالتزام به أو بضده تخييرا إذ الالتزام بضده ليس التزام به. نعم لو قلنا بوجوب الالتزام بالتكليف المعلوم لاقتضاء نفس التكليف أو يستفاد من دليل الالتزام بما جاء به النبي (ص) وجوب الالتزام بشخصه لاقتضى في المقام هو الوجوب الالتزام الرجائي وهو الالتزام بالوجوب ان كان واجبا والحرمة ان كان حراما فلا مانع من الالتزام بوجوب الموافقة الرجائية لامكانها ولو قلنا بجريان الاصول في اطراف العلم الاجمالى على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، إذ من الجائز أن يبني المكلف على الحلية الظاهرية في كل منهما والالتزام بوجوبه ان كان واجبا والحرمة ان كان حراما هذا فيما إذا لم يقم طريق يدل على تعيين احدهما وإلا تعين الالتزام بما قام عليه الطريق.

بقى الكلام في جريان الاصول فقد وقع الكلام في جريان الاصول التي لا يلزم من جريانها مخالفة عملية قطعية قيل بعدم جريانها لحكم العقل بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف إلا ان يقال بانه يتم لو كان حكم العقل تنجيزيا. واما لو كان تعليقيا بان يكون حكمه بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف معلقا على عدم جعل من الشارع للحكم الظاهرى فحينئذ جريان الاصول يكون رافعا لحكم العقل والتحقيق انه لا مانع من جريان الاصول إذ لا تمانع بين الالتزام بمحتمل الواقع على انه حكم واقعي وبين جريانها والالتزام بمضمون الاصل على انه حكم ظاهرى إذ التمانع ينشأ من تضاد الحكمين اى الالتزام بحكمين متضادين في موضوع واحد ولكن ذلك في مقام تضاد انشاء الاحكام تشريعا وهو

٧٩

لا يقتضى تضادها في مقام الالتزام.

واما دعوى ان العلم الاجمالى بالحكم الواقعى ينافى جريان الاصول فهو في غير محله إذ الاصول نثبت حكما ظاهريا ولا تنافي بين ثبوتها وثبوت الحكم الواقعي على ما هو عليه إلا ان يقال بانه يجب الالتزام بكل حكم بشخصه ولكن لا يخفى انه محل منع إذ الالتزام بشخص الحكم الواقعى غير مقدور مع فرض وجود العلم الاجمالى واما الالتزام بالوجوب التخييري فهو من التشريع المحرم بل لا معنى للالتزام بوجوب ما لا يعلم أو حرمة ما لا يعلم ، ومنه يظهر انه لا مانع من جريان الاصول الحكمية او الموضوعية لو جرت في نفسها لعدم مانعية العلم الاجمالى إذ هو لا يوجب الالتزام لعدم اقتضائه وجوب كل واحد منهما بالخصوص فلا يجري الاصل بلا مانع.

فظهر مما ذكرنا انه لا تنافي بين اجراء الاصل في اطراف العلم الاجمالى والالتزام بالحكم الواقعي لما هو معلوم ان مفاد الاصل حكم ظاهري مجعول في في مقام العمل والواقع على واقعه محفوظ ولا منافات بينهما لاختلاف المرتبة بينهما فافهم واغتنم.

العلم الاجمالى

المبحث السابع في ان العلم الاجمالى كالعلم التفصيلي فالكلام يقع تارة في ثبوت التكليف واخرى في اسقاط التكليف.

المقام الاول في ثبوت التكليف.

فنقول لا اشكال في ان العلم الاجمالي في الجملة منجز للتكليف وليس

٨٠