منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

هو ما يبحث عن الوظيفة المقررة للمكلف متعلقة باستنباط الاحكام سواء كانت الوظيفة متعلقة باستنباط الاحكام الواقعية او كانت راجعة الى الحكم الظاهري المجعول في حق المكلف عند الشك وجهله بالواقع وضابط المسألة الفرعية ما يبحث عن الاحكام الشرعية اللاحقة لعمل المكلفين ومسألة خبر الواحد من قبيل الاول لانه يبحث عن وجه استنباط الحكم الواقعي فتكون الوظيفة للمكلف اتباع الخبر في المؤدى.

هذا وقد تصدى شيخنا الانصاري (قده) لادراج مسألة حجية خبر الواحد في المسائل الاصولية بجعل السنة نفس قول المعصوم (ع) او فعله او تقريره وجعل البحث عن الخبر بحثا عن عوارضها بتقريب ان البحث عن الخبر يرجع الى ان السنة ثبتت بخبر الواحد ام لا بل لا بد من ثبوتها من دليل قطعي كالتواتر ونحوه وقد اعترض عليه الاستاذ (قدس‌سره) بان البحث بهذا النحو يكون بحثا عن نفس الموضوع الذى هو مفاد كان التامة ان اريد من الثبوت الواقعي وإلّا فليس من عوارض السنة المحكية وانما هو من عوارض الخبر ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم لو كان مفاد دليل التنزيل هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع ولكنه خلاف التحقيق فان المختار في مقام التنزيل هو تنزيل الامارة منزلة العلم فيكون بسبب التنزيل السنة الواقعية معلومة الحكم ومن الواضح ان المعلومية من عوارض الشيء فانه يحصل بعد تحققه فحينئذ يكون البحث بحثا عن العارض الذى هو مفاد كان الناقصة.

ومما ذكرنا من كون مفاد ادلة التنزيل نفى الشك لا التعبد في ظرف الشك يندفع ما ذكره الاستاذ من الاشكال عليه بان البحث في الثبوت التعبدى ليس من

١٨١

عوارض السنة لعدم النزاع في وجوب العمل في السنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذى هو مؤدى الخبر ومن احواله هذا ولكن التحقيق ان العوارض التى يبحث عنها في العلم ما كانت تعرض للشيء اولا وبالذات لا العوارض الذى يبحث عنها ثانيا وبالعرض وما نحن فيه من العوارض التى يعرض للشىء ثانيا وبالعرض لانك قد عرفت مما تقدم ان صفة العلم انما هى من عوارض الصور الذهنية حقيقة واتصاف الخارجية بها يكون ثانيا وبالعرض إذ ما يكون عروضه لما في الذهن لا يمكن ان يعرض لما في الخارج إلا بالعناية وكون الصورة الذهنية مرآة لما في الخارج بنحو ترى عينه فيسرى ما هو من عوارضها الى ما في الخارج فالعلم التنزيلى المستفاد من ادلة التنزيل انما هو من عوارض السنة حقيقة لا من عوارض السنة الخارجية الذى هو الموضوع فالبحث عن عوارض السنة الخارجية ليس بحثا عن عوارض الموضوع الحقيقي (١) وعلى

__________________

(١) لا يخفى ان العمل بخبر الواحد يتوقف على امور ثلاثة حجية الظهور وجهة الصدور واصل الصدور اما حجية الظهور فقد تقدم ان سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور واما جهة الصدور فائضا سيرة العقلاء منعقدة على عدم الاعتناء باحتمال عدم كون الكلام صادرا لغير بيان المراد بل ظاهر الكلام ان يكون صادرا لبيان مراده الواقعي واما اصل الصدر فالمتكفل له هو البحث عن حجية خبر الواحد الراجع الى ان السنة الواقعية تثبت بخبر الواحد وبذلك عد الشيخ الانصاري (قده) خبر الواحد من المسائل الاصول بان ارجع البحث عنه الى ان السنة تثبت بخبر الواحد ام لا فيكون البحث عن عوارض السنة والمحقق الخراساني (قده) اشكل عليه بما حاصله ان المسائل التى تعد من الفن ان يكون البحث فيها بمفاد كان الناقصة لا بمفاد كان التامة والبحث عن ثبوت

١٨٢

كل فصرف الكلام الى المهم في المقام اولا ، فنقول وهو المستعان اختلفوا في حجية

__________________

السنة ان كان واقعا فهو من المبادئ لانها مفاد كان التامة وان كان الثبوت تعبديا فهو من عوارض الخبر الحاكى للسنة وقد وجه كلام الشيخ (قده) المحقق النائينى بنحو لا يرد عليه بتقريب ان البحث ليس عن ثبوت السنة واقعا وانما البحث عنه يرجع الى البحث عن انطباق السنة على مؤدى الخبر وعدم الانطباق وذلك من العوارض اللاحقة كالبحث عن وجود الموضوع في اى زمان او في اى مكان فان ذلك يكون عما يعرض عن الموضوع فارغا عن وجوده وحمل كلامه (قده) الى الصدق والكذب كما عن بعض في شرحه للرسائل فهو من الغرابة بمكان اذ المصادفة وعدمها ليستا راجعتين الى الصدق او الكذب وانما نشأ من عدم معرفة كلامه.

بيان ذلك ان الانطباق انما يكون بالتنزيل والتنزيل يستدعى وجود منزل ومنزل عليه وجهة التنزيل والمفروض في المقام ان المنزل هو الخبر والمنزل عليه هي السنة وجهة التنزيل وجوب العمل به فكما يمكن ان يبحث عن تنزيل الخبر منزلة السنة فيكون البحث عن عوارض الخبر كذلك يمكن ان يبحث عن كون السنة منزلا عليها فيكون البحث عن عوارض السنة ومثل ذلك ذكرنا في الحاشية في الجزء الاول عن بعض السادة الاجلة بان الثبوت اضافة بين الثابت والمثبت له فتارة يكون النظر الى الثابت فيكون من احواله واخرى يكون النظر الى المثبت له فيكون من عوارضه.

وبالجملة الانطباق والتنزيل والثبوت اضافة بين شيئين وفي المقام السنة الواقعية مع الخبر فالبحث عن انطباق السنة على مؤدى الخبر ولا انطباقها بحيث عن احوال السنة وعوارضها ولكن لا يخفى ان ذلك وان صح ان يكون من عوارض السنة إلّا ان جهة البحث الذى يبحث عنها الاصولى ليس إلّا البحث

١٨٣

خبر الواحد فقيل بعدم الحجية وفاقا للسيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس واحتجوا على ذلك بما ورد من الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فانه رافع ورادع لبناء العقلاء الذى بنى على منع العمل الغير العلم وألسنة الآيات مختلفة منها لسان لا تقف ما ليس لك به علم ومنها ما ورد بلسان ان الظن لا يغني من الحق شيئا والجواب عن الآيتين ان الاستدلال بهما انما يتم لو كان لهما تعرض لبيان المصاديق ويحتمل قويا انهما لم يكونا ناظرين لتعيين المصاديق بل تعيين المصاديق موكولة الى العقل نظير قول المولى اكرم العالم فانه لم يكن متعرضا إلا لحكم كبروى من دون نظر الى الافراد من زيد عالم وغيره بل هو موكول الى العقل وغيره من الادلة بالحكم عليه انه عالم ليندرج تحت عموم اكرم العلماء ام ليس بعالم لكي يخرج من موضوع الحكم وهاتان الآيتان من هذا القبيل إذ لما انعقدت السيرة على العمل بالخبر الواحد وصار علما حكما لا حقيقة فيخرج عن غير العلم الذى هو الموضوع في الآيتين.

__________________

عن نفس الخبر بانه حجة ام لا فالبحث عن حجية الخبر باى نحو حصل من جعل المؤدى او تنزيل الامارة منزلة العلم او تتميم الكشف او نحو ذلك كلها من عوارض الحاكى لا المحكى هذا والانصاف ان هذا الاشكال انما يتوجه اذا حصرنا موضوع علم الاصول بالادلة الاربعة واما اذا عممنا الموضوع للادلة وغيرها بان جعلناه عنوانا اجماليا يشار اليه بلوازمه وذلك يغنى عن معرفته باسمه فلا يتوجه اشكال اصلا كما انه بناء على المختار من عدم اعتبار الموضوع لكل علم وانه التزام بلا ملزم فالاشكال مندفع من أصله وقد ذكرنا ذلك في الجزء الاول على نحو التفصيل فراجع.

١٨٤

ودعوى ان بناء العقلاء متبع لو لا الردع ومن الآيتين يستفاد الردع لبناء العقلاء فعليه لا يتبع بناء العقلاء ممنوعة بان الردع من الآيتين انما يتحقق فيما فيما اذا كانا متعرضين لصورة التطبيق على المصاديق واما على ما قويناه من عدم تعرضهما الا للحكم الكبروي غير المتعرض لبيان المصاديق بل بيانها موكول الى حكم العقل وغيره فلما انعقد بناء العقلاء على كونه كالعلم حكما يخرج الخبر من موضوع الآيتين وذلك البناء يوجب تضيق دائرة الموضوع فهو نظير الحكومة فكما ان الحكومة قد تفيد التضيق كذلك بناء العقلاء قد يفيد تضيقا لدائرة الموضوع فلم يكن بناء العقلاء مع الآيتين من قبيل المتعاكسين حتى تكون الآيتان قابلتين للردع.

وبالجملة بعد الاغماض عن الآيتين في مقام اصول الدين وتسليم عمومها لمطلق الاحكام الشرعية فحينئذ تكون ادلة حجية خبر الواحد بعد تسليم دلالتها موجبة لخروج العمل به عن كونه عملا بالظن لكونه علما حكما فتكون ادلة حجية خبر الواحد حاكمة على تلك الادلة (١) على ان تلك الادلة دالة على نفى

__________________

(١) خلافا للشيخ الانصاري (قدس‌سره) حيث قال ما لفظه :

(واما الجواب عن الآيات فبانها بعد تسليم دلالتها عمومات مخصصة بما سيجىء من الادلة) بتقريب ان هذه الآيات واردة في بيان اصول الدين فليس لها اطلاق لكي يؤخذ باطلاقها او يقال بان المورد لا يخصص الاطلاق بعد ان كان المتيقن في مقام التخاطب هو اصول الدين وعلى تقدير تسليم اطلاقها او عمومها فان ادلة حجية الخبر اخص مطلقا منها فتخصص تلك العمومات بها ولكن لا يخفى انه بناء على تتميم الكشف وان الخبر منزل منزلة العلم تكون ادلة حجية الخبر حاكمة على تلك الادلة بل قيل بالورود باعتبار ان عمل العقلاء بخبر الثقة ليس من العمل

١٨٥

اقتضاء ذاته بحجية الظن في قبال العلم فلا ينافى حجيته لمقتض خارجى فعليه لا تصلح الآيات للرادعية عن بناء العقلاء والعمل بخبر الواحد ودعوى انه لو اقتضت الرادعية لزم محذور الدور بتقريب ان رادعية الآيات للسيرة تتوقف على ان

__________________

بالظن لعدم الالتفات الى احتمال الخلاف للواقع.

ولكن الظاهر ان القول بالورود محل منع اذ احتمال الخلاف متحقق إلا دليل التنزيل يوجب عدم الاعتناء به ومن هنا يظهر ان القول بحكومة ادلة حجية الخبر على الآيات الناهية هو الحق ولذا المحقق النائيني (قدس‌سره) ذكر الورود إلّا انه التزم اخبرا بالحكومة قال ما لفظه : (وان منعت عن ذلك كله فلا اقل من ان يكون حال السيرة وسائر الادلة الدالة على حجية الخبر الواحد من كونها حاكمة على الآيات الناهية والمحكوم لا يصلح ان يكون رادعا عن الحاكم.

وبالجملة لا يمكن الالتزام كون السيرة الدالة على حجية خبر الواحد مخصصة للآيات وإلّا لزم محذور الدور اذ رادعية السيرة بالآيات الناهية تتوقف على ان لا تكون السيرة مخصصة لها وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على ان تكون رادعة عنها ولا دافع لذلك إلا القول بحكومة السيرة على تلك الادلة ومع حكومتها لا مجال لدعوى ان الآيات الناهية رادعة عن حجية السيرة ثم ان الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) ذكر دعوى الاجماع على المنع وقال ربما يؤخذ ذلك من بعض كلمات شيخ الطائفة (قدس‌سره) ولكن يعارض بمثله نعم يمكن ان يراد من الخبر الشاذ وما لا يوثق بروايته فان الخبر الواحد له اطلاقان اطلاق يطلق على ما يقابل المحفوف بالقرينة واطلاق على ما هو شاذ ولعل المراد في معقد اجماع الشيخ (قده) هو الثاني فلا تغفل.

١٨٦

لا تكون السيرة مخصصة لعمومات الآيات وعدم كونها مخصصة للآيات تتوقف على كون الآيات رادعة.

ولكن لا يخفى ان حجية السيرة متوقفة على عدم الردع توقف المشروط على شرطه فاذا جرت اصالة العموم في الآيات فلا يبقى مجال لحجية السيرة إذ هى تكون رادعة في المرتبة السابقة على حجية السيرة فلا تتحقق حجية السيرة بلا احتياج الى محذور الدور إلا ان صلاحية هذه الآيات للردع انما هى لو كان بناء العقلاء غير راجع الى معادهم وإلّا تكون سيرة المتشرعة ومع تحقق السيرة المتشرعة بما هم متشرعة لا تصلح هذه النواهى للردع اذ من المستحيل تحققها مع ثبوت الردع من هذه الآيات فمن تحققها نستكشف عدم صلاحيتها للردع ثم انه قد اجيب عن الآيات بانها ليست ناظرة الى الخبر بعنوانه الثانوى الذي طرأ عليه من الحالات والطوارئ نعم هي ناظرة للخبر بعنوانه الاولى من حيث انه ظن وربما يكون الشيء يحرم اتباعه بعنوانه الاولى ولكن بسبب الطوارئ والحالات يجب اتباعه كما يقال الغنم حلال ولكن بواسطة طرو حالة تعرض عليها توجب حرمتها فلم يكن قوله الغنم حلال ناظرا الى ذلك اي العناوين المحرمة الثانوية ولكن لا يخفى ان الناظر الى الآية يرى انها متعرضة لجميع الحالات فيحرم اتباع الظن بجميع حالاته اذ مع قيام الخبر يوجب كونه علما حكما فيخرج عنه موضوعا فلا يكون قيام الامارة من العناوين الطارية عليه ومن حالاته كما لا يخفى وقد اجيب عن الآيتين بأنهما متعرضتان لمسائل اصول الدين فلا ربط لهما بالمسائل الفرعية ولكن لا يخفى انه ربما يوهن هذا الانصراف ما ورد عن السجاد عليه‌السلام (ليس لك ان تتكلم ما شئت لان الله تعالى يقول ولا تقف ما ليس لك به علم) فان اطلاق (ليس لك ان

١٨٧

تتكلم ما شئت) شامل للفرعية كما انه شامل لاصول الدين. ومما استدل به للمنع الروايات الدالة على عدم الاخذ بخبر ليس عليه شاهد من كتاب الله او الخبر المخالف والعمل على الخبر الموافق أو عليه شاهد من الكتاب ونحو ذلك فانها وان لم تكن متواترة لفظا كما تواتر النقل عن النبي (ص) في غدير خم (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ولم يكن من التواتر المعنوي كما لو اتفق على نقل معنى ملازم لمضمون ما ينقل من تلك الأخبار كما تواتر النقل على شجاعة علي عليه‌السلام فإن الشجاعة لم تنقلها الرواة ولكن نقلوا وقائعا ملازمة للشجاعة وان التواتر في المقام هو اجمالى وهو ما يكون نقل الاخبار بالغا الى درجة القطع بصدور بعضها من غير تعيين كما فيما نحن فيه فإن كل طائفة من الاخبار بعينها لم تكن متواترة على سبيل الاجمال وهو يكفى دليلا للخصم والجواب : اما عن الطائفة التى تنهى عن اتباع غير العلم فانها لو قطعنا تفصيلا بصدورها فهي غير مفيدة للخصم إذ لم تكن افادتها اكثر من الآيات التى كانت بهذا اللسان لما عرفت من عدم نهوض الاستدلال بها وبنظائرها عن المنع عن العمل بخبر الآحاد بحكومة ادلة حجية خبر الواحد عليها. واما بقية الروايات فلو سلم التواتر الاجمالى فيها بالخصوص من دون انضمامها الى تلك الروايات التى لسانها لسان الآيات فهي ايضا غير ناهضة دليلا للخصم.

بيان ذلك ان الاخبار على اربعة طوائف منها (غير الموافق لم اقله) ومنها (غير الموافق ليس بحجة) ومنها (المخالف لم اقله) ومنها (المخالف ليس بحجة) ولكن لما كان غير الموافق اعم مطلقا من المخالف فيؤخذ بالقدر المتيقن فتعلم اجمالا اما بصدور المخالف الذي ليس بحجة او المخالف الذي لم اقله

١٨٨

والمخالف في كلتا الطائفتين لا يراد منه ما كان بينهما عموم من مطلق او من وجه إذ نعلم تفصيلا بصدور المخالف الذى بينهما عموم مطلق او من وجهه فينحصر ان يراد من المخالف التباين فيكون علمنا الاجمالى دائرا بين ان يكون الصادر المخالف بنحو التباين الذى لم اقله او المخالف بنحو التباين ليس بحجة فنقول لا اثر لهذا العلم الاجمالى لأننا نعلم تفصيلا بعدم صدور المخالف فمع هذا العلم التفصيلي ينحل العلم الاجمالى لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل ولو سلمنا وقلنا بأننا نعلم اجمالا بصدور كلتا الطائفتين ومع بطلان أحدهما بالانحلال لا تضر بالاخرى ويكفى الخصم دعوى تواتر الطائفة الاخرى وليس هو دليلا لبيا لكي يؤخذ بالقدر المتيقن بل انما هو حاصل من تتبع الأخبار مع عدم انصراف المخالفة الى التباين بل يعم العموم من وجه او مطلق بل تتعين الأخيرتان في خصوص الأخبار العلاجية فإن المخالفة فيها انما هي العموم من وجه لا التباين لان ما كان مخالفا للكتاب بنحو التباين لا يكون فيه مقتضى الحجية ومقام الاخبار العلاجية ما كان في كل منهما فيه مقتضى الحجية.

وبالجملة موافقة الكتاب ترجح الحجية لا تعينها فلسان المخالفة من الاخبار العلاجية تكون مانعا عن انصراف المخالفة في هذه الاخبار الى التباين لتوافق اللسانين في منطوق الاخبار والجواب : اما الاخبار التي نعلم بصدورها لسانها ان المخالف ليس بمعتبرة وهذه القضية لها اطلاقان اطلاق يشمل مورد التباين والعموم من وجه والمطلق واطلاق شامل لمورد التعارض وعدمه والاخبار العلاجية دالة على عدم اعتبار المخالف للكتاب في غير مورد التعارض اذ التعارض يمنع من الحجية ومع عدم التعارض لا بد من الاخذ به وهذه الاخبار انما تقضي بعدم

١٨٩

اعتبار المخالف بالنحوين المذكورين عند عدم التعارض وهو المطلوب كما لا يخفى وربما يستدل للمنع بالاجماع على عدم المنع بخبر الواحد وهو ممنوع إذ المنقول منه ليس بحجة والمحصل منه غير حاصل خصوصا في هذه المسألة التي كثرت فيها الاقوال كما انه استدل على المنع بالدليل العقلى وهو الذى ذكرناه سابقا عن ابن قبة من امتناع جعل الطريق بلزوم تحريم الحلال وتحليل الحرام وقد عرفت الجواب عنه مفصلا هذا كله من ادلة المانعين لحجية خبر الواحد.

واما المثبتون لحجية خبر الواحد فقد استدلوا بالادلة الاربعة اما الكتاب فبآيات منها آية النبأ قال الله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) وتقريب الاستدلال بهذه الآية من وجوه أحدها اناطة التبين بالفسق ويفهم منها ان العلة لوجوب التبيين هو الفسق لا خبر الواحد ولو كانت العلة هو كون الخبر واحدا لكان اناطة التبين به اولى لأن الفسق وصف عرضي بخلاف كون الخبر خبرا واحدا فانه امر ذاتي ولا اشكال ان التعليل بالذاتى اولى من التعليل بالعرضى كما لا يخفى (١)

__________________

(١) هذا ما افاده الشيخ الانصاري (قده) بما هذا لفظه (انه تعالى امر بالتثبت عند اخبار الفاسق وقد اجتمع فيه وصفان ذاتي وهو كونه خبر واحد وعرضي وهو كونه فاسقا ومقتضى التثبت هو الثاني للمناسبة والاقتران فان الفسق يناسب عدم القبول فلا يصلح الاول للعلية وإلا وجب الاستناد اليه اذ التعليل بالذاتى الصالح للعلية اولى من التعليل بالعرض بحصوله قبل حصول العرضي فيكون الحكم حصل قبل حصول العرض).

توضيح ذلك ان خبر الفاسق له حيثيتان ذاتية وهو كونه خبرا واحدا وعرضية وهو كونه فاسقا وقد علق وجوب التبيين في الآية الشريفة على

١٩٠

ثانيها الاستدلال بمفهوم الوصف عند القائلين فانه يدل بمفهومه على عدم التبين

__________________

العنوان العرضي دون العنوان الذاتي ولو لم يكن هو العلة للحكم لكان العدول عن الذاتي قبيحا وخارجا عن طريقة المحاورات العرفية كما لو علل نجاسة الدم بملاقاته للنجس فحينئذ يكون الملاك هو الامر العرضي فمع انتفائه ينفى الحكم وهو المطلوب والمراد بالذاتي في عبارة الشيخ (قدس‌سره) هو الذاتي في مقام البرهان وهو ما يكفى صحة انتزاعه عنه مجرد وضع الشىء من دون احتياج الى امر خارجى معه كالامكان بالاضافة الى الانسان والزوجية بالنسبة الى الاربعة لا الذاتى في باب الكليات فان الخبر في ذاته يحتمل الصدق والكذب ويصح حمل ذلك عليه من دون احتياج الى ضم امر خارجى بخلاف كونه خبر فاسق فانه ليس ذاتيا للخبر اصلا ومما ذكرنا من المراد بالذاتي يندفع ما اورد على الشيخ (قدس‌سره) بان قبلية الذاتى على العرض قبلية ذاتية طبيعية لا قبلية زمانية وجودية لكى لا تنتهي النوبة في التأثير الى العرضى المتأخر او يقال بان ذلك ينفى العلية بالاستقلال للخبرية للاشتراك مع الفسق في التأثير او يقال بان كلا العنوانين عرضيان بتقريب ان المراد بخبر الواحد في قبال خبر المتواتر وكون الخبر واحدا سواء كان بالاضافة او الصفة انما هو امر عرضي للخبر لا الذاتى فتعليق الحكم على خبر الواحد او على خبر الفاسق انما هو تعليق على امر عرضي.

هذا وقد عرفت ان هذه الايرادات مبنية على تخيل ان مراد الشيخ (قده) من الذاتى في باب الكليات واما على ما ذكرناه من ان المراد من الذاتي هو ما كان انتزاعه من الشىء من دون احتياجه الى ضم امر خارجى كما هو كذلك في الخبر فان انتزاع عنوان الخبرية من نفس ما يكون محتملا للصدق والكذب من دون ضم امر خارجى والعرضي ما احتاج الى انضمام امر خارجى

١٩١

في خبر العادل ثالثها الاستدلال بمفهوم الشرط بتقريب انه ان لم يجب التثبت بخبر العادل فاما ان يجب قبوله فهو المطلوب واما ان يجب رده فيكون أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل والشيخ الانصاري (قدس‌سره) قال لا حاجة الى مقدمة الأسوئية فان الاستدلال يتم بدونها.

بيان ذلك ان وجوب التبين انما هو وجوب شرطى لا وجوب نفسي لما يستفاد من التعليل بالوقوع بالندم ومن الاجماع الدال على عدم كون الوجوب نفسيا فاذا كان الوجوب شرطيا يكون المعنى ان خبر الفاسق يشترط فيه التبين فيفهم منه ان خبر العادل لا يشترط فيه التبين وبذلك يثبت المطلوب من دون ضم الأسوئية نعم يلزم ضم مقدمة الأسوئية فيما اذا قلنا بكون وجوب التبين نفسيا اللهم إلّا ان يقال انه لا يلزم من عدم قبول خبر العادل كونه اسوأ حالا اذ من الجائز ان يكون عدم قبول الخبر مشتركا بين العادل والفاسق ولكن في الفاسق يجب التفتيش والفحص عن خبره دون العادل وذلك نوع اكرام

__________________

في مقام الانتزاع كانتزاع عنوان الفاسق فلا يرد جميع تلك الاشكال نعم يرد عليه ان ذلك لم يكن استدلالا مستقلا وانما هو راجع الى مفهوم الوصف وانه هل له مفهوم اولا وقد علم في محله ان القيد ان رجع الى الموضوع لا يكون له مفهوم اذ لا يستفاد منه علية الحكم لكي يكون له مفهوم وحينئذ يكون ذكر الوصف الاشتقاقي لنكتة اخرى لكي يخرج عن اللغوية كما يحتمل أن يكون ذكره في الآية لأجل التنبيه على كون المخبر فاسقا كالوليد مثلا وان رجع الى قيد الحكم واستفدنا ان التعليق فيها هو سنخ الحكم فيستفاد المفهوم ويكون حجة لكن استفادة ذلك محل اشكال خصوصا فيما اذا لم يعتمد على موصوف كما في المقام فلا تغفل.

١٩٢

للعادل هذا ما تحصل لنا من عبارة الشيخ (قده) في فرائده ولكن لا يخفى ان وجوب التبين كما يمكن حمله على احد النحوين المذكورين الذين ذكرهما الشيخ (قدس‌سره) يمكن ان يكون على نحو آخر وهو الوجوب الطريقى دون النفسي والارشاد الى الشرطية واذا حمل على الوجوب الطريقى لا بد من الافتقار في مقام التقريب الى مقدمية الأسوئية بل ربما يتعين ما ذكرنا من الوجوب الطريقى لان الارشادي رفع اليد عن ظهور الامر في المولوية اذ لو لا تلك الموانع التى منعت من النفسية لوجب الحمل على النفسية حفظا لظهور الامر ومع وجود المانع من الحمل على النفسية حمله على الارشادية يوجب رفع اليد عن اصل الظهور فحفظا لبقاء مقدار من الظهور يجب حمل الامر على الطريقى فيكون معنى الآية الشريفة بناء على الوجوب الطريقى ان الفاسق لما اخبر بالنبإ وكان محتملا للصدق والكذب وجب التبين في خبره ومفهومه ان خبر العادل لا يجب التبين في خبره وعدم التبين اما لالغاء احتمال الخلاف وهو المطلوب واما احتمال الغاء الصدق فيكون اسوأ حالا من الفاسق.

ثم ان الشيخ (قدس‌سره) ذكر ان المراد من التبين العلم الجزمى فيكون الوجوب المتعلق بالتبين وجوبا عقليا فالمعنى حينئذ خبر الفاسق مشروط بالعلم الجزمى وخبر العادل غير مشروط ولكن لا يخفى ان هذا لا يتم بناء على التحقيق في جعل الطرق والامارات من كونها احكاما طريقية ودلالتها على الاحكام الشرعية بلسان مفاد صدق العادل وظاهر ان اشتراط العمل بخبر الفاسق بالعلم وخبر العادل غير مشروط بأمر وراء التكليف ولا مساس به ، لا يقال ان العقل كما يحكم باتباع الحجية كذلك يحكم باتباع التكاليف الشرعية المستفادة من دليل

١٩٣

الاعتبار فالحكم العقلي لا ينفك من دليل الاعتبار من غير فرق بين كونه تكليفيا او وضعيا فلو بنى على ان مفاد الآية لبيان الحكم العقلي وان خبر الفاسق مشروط في مقام العمل بالتبين العلمي وخبر العادل غير مشروط فيكون الاستدلال متجها على كلا القولين فالتفرقة بما ذكر غير متجهة والجواب بالفرق بين الوضع والتكليف اذ لو كان المفهوم ناظرا الى التكليف كان حكم العقل باتباعه من باب لزوم الاطاعة وهو غير مختص بالمقام بل هو جار في جميع التكاليف الشرعية واقعية كانت او ظاهرية وهو حكم عقلي مستقل لا اختصاص له بمورد تصديق العادل فيحتاج استفادة التكليف من الآية الى دلالة ولا دلالة فيها عليه لفرض انها حملت على الارشاد الى الشرط العقلى بالعلم بالعمل بخبر الفاسق وعدمه في خبر العادل وهذا المعنى غير دلالتها على التكليف المستتبع لحكم العقل بوجوب الاطاعة واما على الوضع والحجية فيتجه القول بالمفهوم ويكون اتباع قول العادل في حال الشك والتردد كاتباع قول الفاسق مع العلم بصدقه لازما عقلا ويكون المتحصل حينئذ ان خبر الفاسق يشترط في العمل به حصول العلم بصدقه بخلاف العادل فان العلم يصدق قوله ليس يشترط في العمل به لكون اخباره بمنزلة العلم في ترتب الآثار.

وبالجملة عدم وجوب التبين في خبر العادل بحصول الوثوق بقوله غالبا لا تقتضي نفى الشرطية في خبر الفاسق فيجب التبين في خبر الفاسق لتحصيل الوثوق بخبره اي العلم العادى الجزمى ، واما العادل فيقبل لحصول الشرط وهو العلم العادى بقوله فتكون الآية في مقام الارشاد الى حكم العقل بحصول الشرط في العادل وعدم حصوله عند الفاسق.

١٩٤

وكيف كان فاثبات المفهوم يتحقق بطريق الوصف وبطريق الشرط ، اما الاول فتعليق وجوب التبين على وصف الفسق يدل على انتفاء الوجوب في خبر العادل ولكن لا يخفى انه يمكن لنا انكار المفهوم خصوصا في الوصف غير المعتمد على الموصوف بناء على ان المعلق شخص الحكم لا سنخه والمفهوم انما يستفاد لو كان المعلق سنخ الحكم بتقريب ان سنخ وجوب التبين يرتفع عند خبر العادل فيجب قبوله فمع عدم قبوله يكون اسوأ حالا منه ولو كان شخص الوجوب معلقا فانه يرتفع قطعا ولا ينافيه ثبوت وجوب آخر بتحقق فلا يستفاد منه المفهوم وظاهر كل قضية ثبوت شخص الحكم إلّا اذا ثبت كون الوصف له الدخل في سنخ الحكم ويمكن تقريب الاستدلال لمفهوم الوصف المستفاد من الآية الشريفة وذلك يتوقف على امرين احدهما انا نقطع بان ليس لنا إلا حكم واحد يستفاد منها ، الثاني انه لو ثبت وجوب التبين بخبر العادل فانه نقطع ان ثبوته لم يكن إلا من جهة كونه خبرا واحدا لا لأجل كونه عادلا إذ العدالة لا تقتضى التبين ، وبعد معرفة هذين الامرين فنقول ان اناطة وجوب التبين لخبر الفاسق هل هو لأجل كونه خبرا واحدا أو لكونه فاسقا وظاهر الآية اناطة التبين بكونه فاسقا فحينئذ نقطع بعدم اناطته لأجل كونه خبرا واحدا إذ لو كان هو العلة لوجب التعليل به لكونه تعليلا بالامر الذاتى فاذا تعين ان التبين معلق على عنوان الفاسق فينتفي التبين بالنسبة الى خبر العادل بمقدمة الأسوئية. نعم يمكن ان يقال بمنع كون الفاسقية هي العلة ويمكن ان يكون ذكر الفسق لبيان فسق الوليد او لنكتة اخرى.

وبالجملة اثبات مفهوم الوصف يحتاج الى كون المعلق على العنوان العرضى

١٩٥

سنخ الحكم لا شخصه وثبوت ذلك تكلف اذ هو خلاف ظاهر القضية إذ ظاهر كل وصف ان يكون قيدا للموضوع والمعلق عليه يكون شخص الحكم ويوجب عدم تحقق المفهوم لكونه حينئذ من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع واما اثبات المفهوم بطريق مفهوم الشرط وبيانه على وجه يرتفع عنه بعض ما اشكل عليه هو ان القضية الشرطية لا بد وان تشتمل على موضوع محفوظ في جانب المنطوق وفي جانب المفهوم وشرط وهو لا ربط له بالموضوع فلا يتوهم كون الشرط في القضية الشرطية هو الموضوع إذ لو كان هو الموضوع لما كان للنزاع في المفهوم معنى إذ انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط يكون عقليا اذ لا اشكال في انتفاء الجزاء بانتفاء الموضوع ويخرج عن النزاع ويدخل في المتسالم عليه في عدم تحقق المفهوم لانه يكون من قيود الموضوع ويكون حاله كحال مفهوم اللقب مثلا الموضوع في (ان جاء زيد فاكرمه) هو زيد المحفوظ في جانب المفهوم والمنطوق لا مجيء زيد اذ لو كان مجىء زيد كان بانتفائه ينتفي الإكرام عقلا فلا مجال للنزاع قطعا.

وبالجملة الشرط ليس له دخل في الموضوعية حتى حيثية انه اضافة الموضوع الى الشرط تكون ملغية وعليه تكون الآية الموضوع فيها هو النبأ قد رتب عليه عليه وجوب التبين بحسب حالتي مجىء الفاسق وعدمه وليس الموضوع هو مجىء الفاسق لما بينا ان الشرط لا دخل له بالموضوعية. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري (قدس‌سره) في فرائده بما حاصله ان انتفاء التبين بانتفاء مجىء الفاسق ليس بالمفهوم بل الحاكم به العقل اذ العقل حاكم بانتفاء الحكم لانتفاء موضوعه.

ولا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) مبنى على جعل التنوين في النبأ للتنكير والتبين المعلق على مجىء الفاسق بنبإ هو شخصه لا سنخه فيكون الانتفاء عند الانتفاء

١٩٦

بحكم العقل لا بالمفهوم وهو بعيد من مساق الآية فان ظاهرها تعليق سنخ الحكم واضعف من ذلك ما عرفت من اخذ الشرط دخيلا في الموضوع ومن قيوده لكي يكون الانتفاء عند الانتفاء بحكم العقل لا بالمفهوم والانصاف ان الظاهر من مساق الآية ان سنخ التبين معلق على عنوان الفاسق والتنوين في النبأ هو تنوين التمكن لا التنكير والشرط لا دخل له بالموضوع ومقتضى ذلك دلالة الآية على المفهوم فبه يستدل على الانتفاء عند الانتفاء ويمكن تقريب المفهوم مع جعل التنوين في النبأ للتنكير بان يكون المعنى ان العمل بالواقعة مشروط بالتبين ان جاء الفاسق بنبإ وليس مشروطا بالتبين ان جاء العادل بنبإ واليه يرجع كلام الاستاذ في الكفاية بما هذا لفظه (وان تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذى جىء به على كون الجائي به الفاسق يقتضى انتفاؤه عند انتفائه (١)).

__________________

(١) بيانه يستدعى ذكر امور الاول ان القيد ان رجع الى الموضوع كقولك زيد الجائى اكرمه او الى المتعلق كقولك الصلاة يوم الجمعة واجبة فلا دلالة فيه على المفهوم وان رجع الى الحكم وكان تعليق السنخ الحكم فيدل على المفهوم.

الثانى ان التعليق تارة يكون بحكم العقل كما في مثل قولك ان رزقت ولدا فاختنه واخرى التعليق يكون بحكم الشرع وكان سنخه معلقا فان كان من قبيل الاول فلا مفهوم للقضية لانها مسوقة لبيان الموضوع ، وان كان من قبيل الثاني فالتعليق ان كان بسنخ الحكم فتدل القضية على المفهوم ، الثالث ان الموضوع في القضية الشرطية قد يكون مركبا من جزءين احدهما ما يكون التعليق فيه لحكم العقل والآخر ما لا يكون بحكم العقل مثل قولك ان ركب زيد وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه فتعليق الاخذ بالركاب بالنسبة الى

١٩٧

وقد يشكل على القول بالمفهوم بانه عليه تحصل معارضة بين المفهوم والتعليل بالندم ، فان التعليل لم يختص بخبر الفاسق بل كما يكون في الفاسق

__________________

ركوبه يكون عقليا وبالنسبة الى كونه يوم الجمعة لا يكون عقليا بل شرعيا فيكون بالاضافة الى ما كان التعليق فيه عقليا لا يكون له مفهوم لكونه لبيان وجود الموضوع وبالاضافة الى كونه يوم الجمعة يمكن ان يستفاد منه المفهوم اذا كان التعليق سنخ الحكم وكان القيد له.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الشرط في الآية الشريفة مركب من جزءين النبأ وكون الآتي به الفاسق والجزاء الذى هو وجوب التبين ان لوحظ بالنسبة الى النبأ يكون عقليا فيكون مسوقا لبيان الموضوع وان لوحظ بالنسبة الى مجىء الفاسق بنحو يكون مجىء الفاسق قيدا لسنخ الحكم كما هو ظاهر القضية فينتفى وجوب التبين بانتفاء كونه فاسقا.

ودعوى رجوع القيد الذي هو كونه فاسقا الى النبأ الذى هو الموضوع فيكون الموضوع هو نبأ الفاسق فلا يكون له مفهوم لكونها حينئذ مسوقة لبيان الموضوع كما في مثل ان رزقت ولدا فاختنه ممنوعة اذ القيود تختلف فتارة ترجع الى ناحية الموضوع كما لو كان بنحو التوصيف كقولك زيد الجائي اكرمه واخرى يكون الحكم عقليا كمثل ان رزقت ولدا فاختنه وثالثة يحتمل الامرين واذ استكشف رجوعه الى الحكم بظاهر القضية كما في المقام فانه يستفاد من التعليق ان وجوب التبين قد علق على مجىء الفاسق ولم يوجد هذا العنوان في ظرف الموضوع فيدل على المفهوم وقد ادعى الاستاذ المحقق النائينى (قده) انه يستفاد من الآية الشريفة كبرى كلية لتميز الاخبار التي يجب التبين عنها عن الاخبار التى لا يجب التبين عنها وقد علق الوجوب فيها على كون المخبر فاسقا فيكون الشرط لوجوب التبين هو كون المخبر فاسقا لا كون الخبر واحدا اذ لو كان الشرط

١٩٨

يكون في العادل بل ربما يقال بان التعليل اقوى فيكون قرينة على عدم ارادة

__________________

ذلك لعلق وجوب التبين في الآية عليه لأنه باطلاقه شامل لخبر الفاسق فعدم التعرض لخبر الواحد وجعل الشرط خبر الفاسق كاشف عن انتفاء التبين في خبر غير الفاسق ، وما ذكره الاستاذ (قده) من الكبرى الكلية بنحو يكون المورد من صغرياتها لكي لا يكون المورد خارجا عنها استفادة من نفس التعليق ومورد النزول فلا يرد عليه ما ذكره البعض في شرحه للرسائل لو كانت الآية دالة على هذه الكبرى فلا بحث ولا نزاع اذ تلك استفادة فلا يقال لمن استفاد شيئا انها لو حصلت هذه الاستفادة فلا يقع النزاع والبحث.

نعم للمعترض ان يناقش في ان الآية لا يظهر منها ذلك كما هو كذلك فان استفادة ما ذكر محل نظر بل ربما يقال بان الآية ظاهرة في انها مسوقة لبيان اثبات الموضوع مثل ان رزقت ولدا فاختنه وفاقا للشيخ الانصاري (قده) إذ ظاهر (فتبينوا) وجوب هذا التبين عن النبأ الذي جاء به الفاسق بان يقدر (عنه) صلة لخلو الكلام عن الصلة والضمير يرجع الى ما ذكر لا مطلق النبأ اذ لا وجه له حيث ان قوله (ان جاءكم بنبإ) عبارة ان اخبركم والاخبار عن وجود الخبر فالشرط يكون نفس الوجود لا صفة في المخبر وهو كونه فاسقا كما هو ظاهر القضية فتكون الصفة من قيود الموضوع فلا مجال لدعوى المفهوم ومن هنا يظهر الاشكال فيما ذكره المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته ما هذا لفظه : (مع انه يمكن ان يقال ان القضية ولو كانت مسوقة لذلك إلّا انها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذى جاء به الفاسق الخ) اذ الشرط المسوق لبيان الموضوع لا يفيد إلا كون الموضوع في القضية خاصا ومن المعلوم ان اثبات الحكم لموضوع خاص لا يستلزم انتفاءه عن موضوع اجنبي عنه فلا تغفل.

١٩٩

المفهوم وقد ادعى بعض الاعاظم (قدس‌سره) بعدم معارضة التعليل المفهوم بل المفهوم حاكم على عموم التعليل بتقريب ان مفاد صدر الآية الغاء احتمال مخالفة خبر العادل للواقع وجعله محرزا وكاشفا عنه فلا يشمله عموم التعليل اذ اقصى ما يقتضي عموم التعليل هو عدم جواز العمل بما وراء العلم والمفهوم بجعل خبر العادل علما في عالم التشريع وحينئذ يقدم المفهوم على التعليل بنحو الحكومة فلا يقع التعارض بين المفهوم والتعليل إذ المحكوم لا يعارض الحاكم ولو كان ظهور المحكوم اقوى من الحاكم ولا يلاحظ النسبة بينهما ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو لم يكونا في كلام واحد لكى ينعقد للكلام ظهور يستفاد منه المفهوم فحينئذ تقع المعارضة أو يكون أحدهما حاكما على الآخر واما مع كونهما في كلام واحد كما في المقام فلا ينعقد لصدر الآية ظهور لكي يستفاد منه المفهوم إذ المتكلم ما دام متشاغلا بكلامه له ان يلحق ما يشاء ومع الحاقه بما يصلح للقرينة لا يبقى مجال لاستفادة المفهوم ، على ان المقام ربما يقال بحكومة عموم التعليل على المفهوم كما في اكرم العلماء لأنهم عدول فان عموم التعليل يقتضى اكرام كل عادل حتى الجهال اذا كانوا عدولا وكما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض فيؤخذ بعموم التعليل ويمتنع عن اكل كل حامض وقد اجاب الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية بما لفظه. (ان الاشكال انما يبنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل غير بعيدة) ولكن لا يخفى ان احتمال تفسيرها بعدم العلم الذي هو مبني الاشكال مضر بالاستدلال إذ متى جاء الاحتمال سقط الاستدلال.

ثم انه قد اجيب عنه ايضا بان الجهالة تارة تفسر بعدم العلم واخرى

٢٠٠