صيانة الآثار الإسلاميّة

الشيخ جعفر السبحاني

صيانة الآثار الإسلاميّة

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٧

١ ـ حدّثنا محمد بن يحيى ، حدّثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، حدّثنا وهب ، حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن القاسم بن مخيمرة ، عن أبي سعيد : أنّ النبيّ نهى أن يُبنى على القبر (١).

ويذكر ابن حنبل حديثاً آخر بسندين هما :

٢ ـ حدّثنا حسن ، حدّثنا ابن لهيعة ، حدّثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن ناعم مولى أُمّ سلمة ، عن أُمّ سلمة قالت : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يُبنى على القبر أو يُجصّص.

٣ ـ عليّ بن اسحاق ، حدّثنا عبد الله بن لهيعة ، حدّثني بريد بن أبي حبيب ، عن ناعم مولى أُمّ سلمة : أنّ النبيّ نهى أن يجصّص قبر أو يبنى عليه أو يجلس عليه (٢).

فسند الحديث الأوّل يشمل على (وهب) ، وهو مردّد بين سبعة عشر رجلاً ، وفيهم الوضّاعون والكذّابون (٣).

والحديث الثاني والثالث لا يُحتجّ بهما ، لاشتمالهما على «عبد الله ابن لهيعة» الذي يقول فيه ابن معين : ضعيف لا يحتجّ به ، ونقل الحميدي عن يحيى بن سعيد : أنّه كان لا يراه شيئاً (٤).

هذه حال الأحاديث التي صارت ذريعة بيد الوهابيين لتدمير الآثار الإسلامية منذ أن استولوا على الحرمين الشريفين ، حيث لا تمرّ

__________________

(١) صحيح ابن ماجة ١ : ٤٧٤.

(٢) مسند أحمد ٦ : ٢٩٩.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٥٠ ـ ٣٥٥.

(٤) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٧٦ ؛ وتهذيب التهذيب ١ : ٤٤٤.

٨١

سنة إلّا ويدمّر أثر من الآثار الإسلاميّة بحجّة توسيع الحرم الشريف ، حتى المكتبات وبيوتات بني هاشم ومدارسهم ، وبيت مضيِّف النبي أبي أيّوب الأنصاري ، وفي الوقت نفسه يعكفون على حفظ آثار اليهود في خيبر وغيره ، حتى بيت كعب بن الأشرف ذلك اليهودي الذي أهدر دمه رسول الله ، وقتل بأمره غيلة باسم الحفاظ على الآثار التاريخية.

ثمّ إنّ القاضي ابن بليهد قد أعوزته الحجّة فتمسّك بكون البقيع مسبلة موقوفة ، وأنّ البناء على القبور مانع عن الانتفاع بأرضها.

سبحان الله ما أتقنه من برهنة؟ من أين علم أنّ البقيع كانت أرضاً حيّة وقفها صاحبها على دفن الأموات؟! ومن أراد أن يقف على حال البقيع ، وأنّه لم يكن فيها يوم أُعدّت للتدفين أيّ أثر من الحياة ، فليرجع إلى كتاب «وفاء الوفا».

آخر ما في كنانة المستدلّ : ذكر البخاري في صحيحه في باب كراهة اتّخاذ المساجد على القبور الخبر التالي : لمّا مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته القبّة على قبره سنة ، ثمّ رفعت ، فسمعوا صالحاً يقول : الأهل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر : بل يئسوا فانقلبوا (١).

إنّ هذا الخبر لو صحّ فهو على نقيض المطلوب أدلّ ، فهو يدلّ على جواز نصب المظلّة على القبر ، ولو كان ذلك حراماً لما صدر من

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١١١ كتاب الجنائز ؛ السنن للسنائي ٢ : ١٧١ كتاب الجنائز.

٨٢

امرأة الحسن بن الحسن عليهما‌السلام ، لأنّه كان بمرأى ومسمع من التابعين وفقهاء المدينة ، ولعلّها نصبت تلك القبّة لأجل تلاوة القرآن في جوار زوجها وإهداء ثوابها إلى روحه.

وأمّا قول الصالح فهو أشبه بقول غير الصالح ، كما أنّ الجواب أيضاً مثله ، لأنّه بصدد الشماتة على امرأة افتقدت زوجها وهي مستحقّة للتعزية والتسلية لا الشماتة ، لأنّها ليست من أخلاق المسلمين ، ولم تكن المرأة تأمل عودة زوجها إلى الحياة حتى يقال : إنّها يئست ، بل كان نصبها للمظلّة للغايات الدينية والأخلاقية ، والشامت والمجيب كان من أعداء أهل البيت ، والعجب أنّ البخاري ينقله ولا يعلّق عليه شيئاً! ترى هؤلاء الأغبياء يدمّرون آثار الرسالة وهم يتمسّكون في ذلك بركام من الأوهام ، ويسخرون من الذين أظهروا حبّاً لأهل بيت رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وفرض مودّتهم وولاءهم وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى / ٢٣).

إلى هنا تبيّن أنّه ليس للقوم دليل ، بل ولا شبهة على حرمة البناء على القبور ، وإنّهم لم يدرسوا صحاحهم ومسانيدهم حسبما درس السلف الصالح.

الحمد لله ربّ العالمين

٨٣
٨٤

فهرس الموضوعات

تقديم

الهدف من حفظ الأثار الإسلاميَة.................................................. ٧

الفصل الأوّل:الاستىدلال بالآيات

الآية الأولي

الإذن برفعِ بيوتٍ خاصة......................................................... ١٥

ما هو المراد من الرفع؟........................................................ ٢٢

الآية الثانية

اتّخاذ المساجد على قبور المظطهدين في سبيل التوحيد................................ ٢٥

الرأي المسبق يضرب عرض الجدار............................................. ٢٨

تقرير القرآن على صحتّة كلا القتراحين......................................... ٢٩

الآية الثالثة

صيانة الآثار الإسلامية وتعظيم الشعائر............................................ ٣٤

ما هو المقصود من شعائر الله.................................................. ٣٥

٨٥

الآية الرابعة

صيانة الأثار ومودَة ذي القربى.................................................... ٣٧

الفصل الثاني: منظار الفواعد الفقهيّة

الأصل في الأشياء الإباحة والحلّية................................................. ٣٨

الفصل الثالث في:

المشاهد والمقابر من خلال سيرة المسلمين في خير القرون.............................. ٤٢

١ ـ كلمة المسعودي في حقّ قبور ائمة أهل البيتعليهما‌السلام....................... ٤٤

٢ ـ كلمة ابن الجوزي:........................................................ ٤٥

٣ ـ كلمة الحافظ محمد بن محمود بن النجّار:.................................... ٤٥

٤ ـ الرحّالة ابن جبير والأبنية علي المشاهد:..................................... ٤٥

مشهد رأس الحسين بالقاهرة:.................................................. ٤٧

مشاهد الأنبياء والصالحين في مصر:........................................... ٤٧

مشاهد الصحابة في مصر:................................................... ٤٩

مشاهى الفقهاء الكبار في مصر:.............................................. ٤٩

القاب الرفيعة لأهل البيت في مكة المكرّمة:..................................... ٥١

المشاهى المكرّمة ببقيع الغرقد:................................................. ٥٢

مشاهد الكوفة:............................................................. ٥٣

قبور العلماء والأولياء المشيّده ببغداد:........................................... ٥٤

المشاهد المكرّمة والآثار المعظّمة في الشام:....................................... ٥٥

ابن لحجاج والقبّه البيضاء على قبر الإمام علي عليه‌السلام:............................ ٦٢

الفصل الرابع في:

ذرائع الواهبية في هدم الآثار...................................................... ٦٧

الأولى: رواية أًبي الهياج الأسدي............................................... ٦٧

 

٨٦

 

١ ـ وكيع:.................................................................. ٦٨

٢ ـ سفيان الثوري:.......................................................... ٦٩

٣ ـ حبيب ابن أبي ثابت:.................................................... ٧٠

٤ ـ أبو وائل الأسدي:....................................................... ٧١

ضعف دلالة الحديث........................................................ ٧١

الثانية: دراسة حديث جابر...................................................... ٧٦

الثالثة: أحاديث ثلاثة في الميزان................................................... ٨٠

 فهرس الموضوعات............................................................. ٨٥

٨٧