نظرة في كتاب الصراع بين الإسلام والوثنيّة لعبدالله علي القصيمي

العلامة الأميني

نظرة في كتاب الصراع بين الإسلام والوثنيّة لعبدالله علي القصيمي

المؤلف:

العلامة الأميني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٣

وبالإسناد عن بُريد قال : قلتُ لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : ما منزلكم؟ بمن تشبهون ممّن مضى؟ فقال : «كصاحب موسى ، وذي القرنين ، كانا عالمين ولم يكونا نبيَّين» (١).

وبالإسناد عن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما منزلتهم؟ أنبياءٌ هم؟ قال : «لا ، ولكن هم علماء كمنزلة ذي القرنين في علمه ، وكمنزلة صاحب موسى ، وكمنزلة صاحب سليمان» (٢).

هذه جملةٌ من أخبار الشيعة في الباب وهي كثيرةٌ مبثوثة في كتبهم (٣) وهذه رءوسها ، ومؤدَّى هذه الأحاديث هو الرأي العام عند الشيعة سلفاً وخلفاً ، وفذلكته : أنَّ في هذه الأُمّة أُناس محدَّثون كما كان في الأُمم الماضية ، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمّة الطاهرون علماءٌ محدَّثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم ، بل كانت الصدِّيقة كريمة النبيّ الأعظم محدَّثة ، وسلمان الفارسي محدِّثاً. نعم كلّ الأئمَّة من العترة الطاهرة محدَّثون ، وليس كلُّ محدَّث بإمام ، ومعنى المحدَّث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصَّلة في الأحاديث المتلوَّة ، هذا ما عند الشيعة ليس إلّا.

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٨٦ / ٣.

(٢) بصائر الدرجات : ٣٨٦ / ٥.

(٣) جمعها العلّامة المجلسي في بحار الأنوار «المؤلِّف».

٨١

هذا منتهى القول عند الفريقين ونصوصهما في المحدَّث ، وأنت كما ترى لا يوجد أيّ خلاف بينهما ، ولم تشذّ الشيعة عن بقيّة المذاهب الإسلاميّة في هذا الموضوع بشيء من الشذوذ إلّا في عدم عدّهم عمر بن الخطّاب من المحدَّثين ، وذلك أخذاً بسيرته الثابتة في صفحات التأريخ من ناحية علمه ولسنا في مقام البحث عنه (١) ، فهل من المعقول أن يُعدّ هذا القول المتسالم عليه في المحدَّث لأُمّةٍ من قائليه فضيلةً رابيةً ، وعلى الأُخرى منهم ضلالاً ومنقصة؟ لاها الله.

هلمَّ معي نسائل كيذبان الحجاز عبد الله القصيمي ، جرثومة النِّفاق ، وبذرة الفساد في المجتمع ، كيف يرى في كتابه (الصّراع بين الإسلام والوثنيّة) أنّ الأئمّة من آل البيت عند الشيعة أنبياء وأنّهم يوحى إليهم ، وأنَّ الملائكة تأتي إليهم بالوحي ، وأنّهم يزعمون لفاطمة وللأئمّة من وُلدِها ما يزعمون للأنبياء؟ ويستند في ذلك كلّه على مكاتبة الحسن بن العبّاس المذكور ص ٤٧ نقلاً عن الكافي.

هلّا يعلم هذا المغفَّل؟ إنّ هذه المفتريات والقذائف على أُمّة كبيرة (أصّلَت آرائها الصالحة على أرجاء الدنيا) إنْ هي إلّا مآل

__________________

(١) سنوقفك على البحث عنه في الجزء السادس إن شاء الله «المؤلِّف».

٨٢

القول بالمحدَّث الوارد في الكتاب العزيز ، وتكلّم الملائكة مع الأئمّة من آل البيت وأُمّهم فاطمة البتول كما هو مقتضى استدلاله ، وأهل الإسلام كلّهم شرعٌ سواء في ذلك.

أو للشيعيّ عندئذٍ أن يقول : إنّ عمر بن الخطّاب وغيره من المحدَّثين ـ على زعم العامّة عندهم ـ أنبياء يوحى إليهم ، وانَّ الملائكة تأتي إليهم بالوحي؟ لكنَّ الشيعة علماء حكماء لا يخدشون العواطف بالدجل والتمويه وقول الزور ، ولا يُسمع لأحدٍ من حملة روح التشيّع والنزعة العلويّة الصحيحة ومقتفي الآداب الجعفريّة أن يتَّهم أُمّة كبيرة بالطامات ، وحاشاها أن تُشوِّه سمعتها بالأكاذيب والأفائك ، وتقذف الأُمم بما هي بريئة منه.

أما كانت بين يدي الرَّجل تلكم النصوص الصريحة للشيعة على أنّ الأئمّة علماء وليسوا بأنبياء؟ أما كان صريح تلك الأحاديث بأنّ الأئمّة مَثَلهم كمثل صاحب موسى ، وصاحب سليمان ، وذي القرنين؟ أما كان في «الكافي» في الباب الذي قلّبه الرجل على الشيعة قول الإمامين الباقر والصّادق : «لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبيّكم الأنبياء»؟

نعم ، هذه كلّها كانت بمرأى من الرَّجل ، غير أنّ الإناء ينضح بما فيه ، ووليد الروح الأمويّة الخبيثة وحامل نزعاتها الباطلة سدكٌ بالقحَّة والسفالة ، ولا ينفكُّ عن الخنى والقذيعة ، ومن شأن الأمويِ

٨٣

أن يتفعّى ويمين ويأفك ، ويهتك ناموس المسلمين ، ويسلقهم بألسنة حداد ، ويفتري على آل البيت وشيعتهم اقتداءً بسلفه ، وجرياً على شنشنته الموروثة ، ونحن نورد نصَّ كلام الرَّجل ليكون الباحث على بصيرةٍ من أمره ، ويرى جهده البالغ في تشتيت صفوف الأُمّة ، وشقِّ عصا المسلمين بالبهت وقول الزّور.

قال في «الصِّراع» ج ١ ص ١ : الأئمّة يوحى إليهم عند الشيعة ، قال في «الكافي» : كتب الحسن بن العبّاس إلى الرِّضا يقول : ما الفرق بين الرَّسول والنبيِّ والإمام؟ فقال : «الرَّسول هو الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي ، والنبيّ ربما يسمع الكلام ، وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص» وقال : والأئمَّة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلونه إلّا بعهد من الله وأمر منه لا يتجاوزونه ، وفي الكتاب نصوصٌ أُخرى متعدِّدةٌ في هذا المعنى ، فالأئمَّة لدى هؤلاء أنبياء يوحى إليهم ، ورُسُلٌ أيضاً ، لأنَّهم مأمورون بتبليغ ما يوحى إليهم.

وقال في ج ٢ ص ٣٥ : قد قدَّ منا في الجزء الأوَّل :

٨٤

أنَّ القوم يزعمون أنَّ أئمَّة أهل البيت يوحى إليهم ، وأنَّ الملائكة تأتيهم بالوحي من الله ومن السَّماء ، وتقدَّم قولهم : أنَّ الأئمة لا يفعلون شيئاً ولا يقولونه إلّا بوحي من الله ، وتقدّم : أنّ الفرق عندهم بين محمَّد رسول الله وبين الأئمَّة من ذرِّيته : أنَّ محمَّداً كان يرى الملك النازل عليه بالوحي ، وأمَّا الأئمَّة فيسمعون الوحي وصوت الملك وكلامه ولا يرون شخصه.

وهذا هو الفرق لديهم بين النبيِّ والإمام ، وبين الرّسل والأئمَّة ، وهو فرقٌ لا حقيقة له ، فالأئمّة من آل البيت عندهم أنبياء ورُسُل بكلِّ ما في كلمة النبيِّ والرَّسول من معنى ؛ لأنَّ النبيَّ الرَّسول هو إنسانٌ أوحى الله إليه رسالة ، وكلّف تبليغها ونشرها ، سواءٌ أكان وحي الله إليه بواسطة الملك أم بلا واسطة ، وسواءٌ رأى شخص تلك الواسطة أم لم يره ، بل سمع منه وعقل عنه ، هذا هو النبيُّ الرَّسول.

ورؤية الملك لا دخل له في حقيقة معنى النبيِّ والرَّسول بالإجماع ، ولهذا يقولون : الرَّسول هو

٨٥

إنسانٌ أوحي إليه وأُمر بالبلاغ ، والنبيُّ هو إنسان اوحي إليه ولم يُؤمر بالبلاغ ، ولم يجعلوا لرؤية الملك دخلاً في حقيقة النبيِّ وحقيقة الرَّسول ، وهذا لا يُنازع فيه أحدٌ من الناس ، فالشيعة يزعمون لفاطمة وللأئمَّة من وُلدها ما يزعمون للأنبياء والرسُل من المعاني والحقائق ، فهم يزعمون أنَّهم معصومون ، وأنّهم يوحى إليهم ، وأنَّ الملائكة تنزل عليهم بالرِّسالات ، وأنَّ لهم معجزات أقلّها إحياؤهم الأموات ، كما يقولون في أفضل كتبهم. انتهى.

(إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ)

(النحل : ١٠٥)

٨٦

علم أئمة الشيعة بالغيب

شاعت القالة حول علم الأئمَّة من آل محمَّد صلوات الله عليه وعليهم ممّن أضمر الحنق على الشيعة وأئمتهم ، فعند كلٍّ منهم حوشيٌّ من الكلام ، يزخرف الزّلح من القول ، ويخبط خبط عشواء ، ويثبت البرهنة على جهله ، كأنَّ الشيعة تفرَّدت بهذا الرأي عن المذاهب الإسلاميّة ، وليس في غيرهم مَن يقول بذلك في إمام من أئمَّة المذاهب ، فاستحقّوا بذلك كلَّ سببٍ وتحاملٍ ووقيعةٍ.

فحسبك ما لفّقه القصيمي في «الصِّراع» من قوله في صحيفة «ب» تحت عنوان : الأئمة عند الشيعة يعلمون كلَّ شيء ، والأئمَّة إذا شاءوا أن

٨٧

يعلموا شيئاً أعلمهم الله إيّاه ، وهم يعلمون متى يموتون ، ولا يموتون إلّا باختيارهم ، وهم يعلمون علم ما كان وعلم ما يكون ولا يخفى عليهم شيءٌ ص ١٢٥ وص ١٢٦ (من الكافي للكليني).

ثمَّ قال : وفي الكتاب نصوص أُخرى أيضاً في المعنى ، فالأئمَّة يُشاركون الله في هذه الصفة ، صفة علم الغيب ، وعلم ما كان وما سيكون ، وأنَّه لا يخفى عليهم شيءٌ ، والمسلمون كلّهم يعلمون أنَّ الأنبياء والمرسلين لم يكونوا يشاركون الله في هذه الصفة ، والنصوص في الكتاب والسنَّة وعن الأئمَّة في أنَّه لا يعلم الغيب إلّا الله متواترةٌ لا يستطاع حصرها في كتاب. إلخ.

ج ـ العلم بالغيب ـ أعني الوقوف على ما وراء الشهود والعيان من حديث ما غبر أو ما هو آتٍ ـ إنَّما هو أمرٌ سائغٌ ممكنٌ لعامَّة البشر ، كالعلم بالشهادة يُتصوَّر في كلِّ ما يُنبَّأ الإنسان من عالم غابر ، أو عهدٍ قادم لم يَرَه ولم يشهده ، مهما أخبره بذلك عالمٌ خبيرٌ ، أخذاً من مبدأ الغيب والشهادة ، أو علماً بطرق أُخرى معقولة ، وليس هناك أيُّ وازعٍ من ذلك.

وأمّا المؤمنون خاصَّة فأغلب معلوماتهم إنّما هو الغيب من

٨٨

الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنَّته وناره ولقائه والحياة بعد الموت والبعث والنشور ونفخ الصور والحساب والحور والقصور والولدان وما يقع في العرض الأكبر ، إلى آخر ما آمنَ به المؤمن وصدَّقه ، فهذا غيبٌ كلّه ، وأُطلق عليه الغيب في الكتاب العزيز ، وبذلك عرَّف الله المؤمنين في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) «البقرة ٣» ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) «الانبياء ٤٩» وقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) «فاطر ١٨» وقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) «يس ١١» وقوله : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) «ق ٣٣» وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) «الملك ١٢» وقوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) «مريم ٦١».

ومنصب النبوَّة والرِّسالة يستدعي لمتولِّيه العلم بالغيب من شتّى النواحي مضافاً إلى ما يعلم منه المؤمنون ، وإليه يشير قوله تعالى : (كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) «هود ١٢٠».

ومن هنا قصَّ على نبيّه القصص ، وقال بعد النبأ عن قصّة مريم : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ) «هود ٤٩».

وقال بعد قصّة إخوان يوسف : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ

٨٩

إِلَيْكَ) «يوسف ١٠٢».

وهذا العلم بالغيب الخاصّ بالرُّسل دون غيرهم ينصُّ عليه بقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١) نعم : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) (٢) (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٣).

فالأنبياء والأولياء والمؤمنون كلّهم يعلمون الغيب بنصٍّ من الكتاب العزيز ، ولكلٍّ منهم جزءٌ مقسوم ، غير أنَّ علم هؤلاء كلّهم بلغ ما بلغ محدودٌ لا محالة كمّاً وكيفاً ، وعارضٌ ليس بذاتيٍّ ، ومسبوقٌ بعدمه ليس بأزليٍّ ، وله بدءٌ ونهايةٌ ليس بسرمديٍّ ، ومأخوذٌ من الله سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (٤).

والنبيّ ووارث علمه في أُمّته (٥) يحتاجون في العمل والسير على طبق علمهم بالغيب من البلايا ، والمنايا ، والقضايا ، وإعلامهم الناس بشيءٍ من ذلك ، إلى أمر المولى سبحانه ورخصته ، وإنَّما

__________________

(١) الجن : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) البقرة : ٢٥٥.

(٣) الاسراء : ٨٥.

(٤) الأنعام : ٥٩.

(٥) أجمعت الأمة الاسلامية على أنّ وارث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علمه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، راجع الجزء الثالث من كتابنا ص ٩٥ ـ ١٠١ «المؤلِّف».

٩٠

العلم ، والعمل به ، وإعلام الناس بذلك ، مراحل ثلاث لا دخل لكلِّ مرحلة بالأُخرى ، ولا يستلزم العلم بالشيء وجوب العمل على طبقه ، ولا ضرورة الإعلام به ، ولكلٍّ منها جهاتٌ مقتضيةٌ ووجوهٌ مانعةٌ لا بُدَّ من رعايتها ، وليس كلّما يُعلم يُعمل به ، ولا كلّما يعلم يُقال.

قال الحافظ الأُصولي الكبير الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشهير بالشاطبي المتوفّى ٧٩٠ ه‍ في كتابه القيِّم (الموافقات في أُصول الأحكام) ج ٢ ص ١٨٤ : لو حصلت له مكاشفة بأنَّ هذا المعيَّن مغصوبٌ أو نجسٌ ، أو أنَّ هذا الشاهد كاذبٌ ، أو أنَّ المال لزيد ، وقد تحصّل (للحاكم) بالحجّة لعمرو ، أو ما أشبه ذلك ، فلا يصحُّ له العمل على وفق ذلك ما لم يتعيّن سببٌ ظاهرٌ ، فلا يجوز له الانتقال إلى التيمّم ، ولا ترك قبول الشاهد ولا الشهادة بالمال لذي يدٍ على حال ، فإنّ الظواهر قد تعيَّن فيها بحكم الشريعة أمرٌ آخر ، فلا يتركها ، اعتماداً على مجرَّد المكاشفة أو الفراسة ، كما لا يعتمد فيها على الرؤيا النوميّة ، ولو جاز ذلك لجاز نقض الأحكام بها وإن ترتبت في الظاهر موجباتها ، وهذا غير صحيح بحال فكذا ما نحن فيه ، وقد جاء في الصحيح : «إنَّكم تختصمون إليّ ، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأحكم له على نحو ما أسمع منه» (١) الحديث.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٢٣٥ ، مسند أحمد بن حنبل ٦ : ٢٠٣ ، كنز العمال ٥ : ٨٤٧ / ١٤٥٣٦.

٩١

فقيَّد الحكم بمقتضى ما يسمع وترك ما وراء ذلك ، وقد كان كثيرٌ من الأحكام التي تجري على يديه يطّلع على أصلها وما فيها من حقٍّ وباطل ، ولكنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يحكم إلّا على وفق ما سمع ، لا على وفق ما علم (١) وهو أصلٌ في منع الحاكم أن يحكم بعلمه ، وقد ذهب مالك في القول المشهور عنه : أنّ الحاكم إذا شهدت عنده العدول بأمر يعلم خلافه ، وجب عليه الحكم بشهادتهم إذا لم يعلم تعمّد الكذب ، لأنّه إذا لم يحكم بشهادتهم كان حاكماً بعلمه ، هذا مع كون علم الحاكم مستفاداً من العادات التي لا ريبة فيها لا مِن الخوارق التي تداخلها أُمور ، والقائل بحصّة حكم الحاكم بعلمه فذلك بالنسبة إلى العلم المستفاد من العادات لا من الخوارق ، ولذلك لم يعتبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الحجّة العظمى.

إلى أن قال : في ص ١٨٧. إنّ فتح هذا الباب يؤدِّي إلى أن لا يُحفظ ترتيب الظواهر ، فإنَّ من وجب عليه القتل بسببٍ ظاهرٍ فالعذر فيه ظاهرٌ واضحٌ ، ومن طلب قتله بغير سبب ظاهر بل

__________________

(١) قال السيد محمد الخضر الحسين التونسي في تعليق الموافقات : لا يقضي عليه الصلاة والسلام بمقتضى ما عرفه من طريق الباطن كما حكى القرآن عن الخضر عليه‌السلام ، حتى يكون للامة في أخذه بالظاهر أسوة حسنة. إلى أن قال : والحكم بالظاهر وإن لم يكن مُطابقاً للواقع ليس بخطإ ، لأنه حكم بما أمر الله.

٩٢

بمجرَّد أمرٍ غيبيٍّ ربَّما شوَّش الخواطر وران على الظواهر ، وقد فُهِمَ من الشرع سَدّ هذا الباب جملة ، ألا ترى إلى باب الدعاوى المستند إلى أنَّ البيِّنة على المدَّعي واليمين على من أنكر ، ولم يُستثن من ذلك أحدٌ حتّى أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله احتاج إلى البيِّنة في بعض ما أُنكر فيه ممّا كان اشتراه فقال : «مَن يشهد لي»؟ حتّى شهد له خزيمة بن ثابت فجعلها الله شهادتين. فما ظنّك بآحاد الأُمَّة ، فلو ادَّعى أكبر الناس على أصلح الناس لكانت البيِّنة على المدَّعي واليمين على من أنكر ، وهذا من ذلك والنمط واحدٌ ، فالاعتبارات الغيبيَّة مهملةٌ بحسب الأوامر والنواهي الشرعيَّة.

وقال في ص ١٨٩ : فصلٌ : إذا تقرّر اعتبار ذلك الشرط فأين يسوغ العمل على وفقها؟ فالقول في ذلك : إنّ الأُمور الجائزات أو المطلوبات التي فيها سعة يجوز العمل فيها بمقتضى ما تقدَّم وذلك على أوجه :

أحدها : أن يكون في أمرٍ مباحٍ ، كأن يرى المكاشف أنَّ فلاناً يقصده في الوقت الفلاني أو يعرف ما قصد إليه في إتيانه من موافقةٍ أو مخالفةٍ ، أو يطَّلع على ما في قلبه من حديث أو اعتقادٍ حقٍّ أو باطلٍ وما أشبه ذلك ، فيعمل على التهيئة له حسبما قصد إليه أو يتحفَّظ من مجيئه إن كان قصده بشرٍّ ، فهذا من الجائز له كما لو رأى رؤيا تقتضي ذلك ، لكن لا يُعامله إلّا بما هو مشروعٌ كما تقدَّم.

٩٣

الثاني : أن يكون العمل عليها لفائدةٍ يرجو نجاحها ، فإنَّ العاقل لا يدخل على نفسه ما لعلّه يخاف عاقبته ، فقد يلحقه بسبب الالتفات إليها أو غيره ، والكرامة كما أنَّها خصوصيّةٌ كذلك هي فتنةٌ واختبارٌ لينظر كيف تعملون ، فإن عرضت حاجةٌ أو كان لذلك سببٌ يقتضيه فلا بأس. وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخبر بالمغيَّبات للحاجة إلى ذلك ، ومعلومٌ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يخبر بكلِّ مغيَّب اطَّلع عليه ، بل كان ذلك في بعض الأوقات وعلى مقتضى الحاجات ، وقد أخبر عليه الصَّلاة والسَّلام المصلّين خلفه : أنَّه يراهم من وراء ظهره. لما لهم في ذلك من الفائدة المذكورة في الحديث ، وكان يمكن أن يأمرهم وينهاهم من غير إخبار بذلك ، وهكذا سائر كراماته ومعجزاته ، فعمل أُمَّته بمثل ذلك في هذا المكان أولى منه في الوجه الأوَّل ، ولكنَّه مع ذلك في حكم الجواز ، لما تقدَّم من خوف العوارض كالعجب ونحوه.

الثالث : أن يكون فيه تحذيرٌ أو تبشيرٌ ، ليستعدَّ لكلٍّ عدَّته ، فهذا أيضاً جائزٌ ، كالإخبار عن أمرٍ ينزل إن لم يكن كذا ، أولا يكون إن فعل كذا فيعمل على وفق ذلك ... إلى آخره.

فهلّا كان من الغيب نبأ ابني نوح ، وأنباء قوم هود وعاد وثمود ، وقوم إبراهيم ولوط ، وذكرى ذي القرنين ، ونبأ مَن سلف من الأنبياء والمرسلين؟!

٩٤

وهلّا كان منه ما أسرَّ به النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بعض أزواجه فأفشته إلى أبيها ، فلمّا نبّأها به وقالت : من أنبأك هذا؟ قال : نبَّأني العليم الخبير؟ «التحريم ٣».

وهلّا كان منه ما أنبأ موسى صاحبه من تأويل ما لم يستطع عليه صبراً؟ «الكهف».

وهلّا كان منه ما كان يقول عيسى لأُمَّته (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)؟ «آل عمران ٤٩».

وهلّا كان من منه قول عيسى لبني إسرائيل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)؟ «الصف ٦».

وهلّا كان منه ما أوحى الله تعالى إلى يوسف : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)؟ «يوسف ١٥».

وهلّا كان منه ما أنبأ آدم الملائكة من أسمائهم أمراً من الله (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ)؟ «البقرة ٣٣».

وهلّا كانت منه تكلم البشارات الجمّة المحكيّة عن التوراة والانجيل والزَّبور وصحف الماضين وزبر الأوَّلين بنبوَّة نبيِّ الإسلام وشمائله وتأريخ حياته وذكر أُمّته؟.

وهلّا كانت منه تلك الأنباء الصحيحة المرويَّة عن الكهنة

٩٥

والرهابين والأقسَّة حول النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ولادته؟.

ليس هناك أيّ منع وخطر إن علّم الله أحداً ممّن خلق بما شاء وأراد من الغيب المكتوم من علم ما كان أو سيكون ، من علم السَّماوات والأرضين ، من علم الأوَّلين والآخرين ، من علم الملائكة والمرسلين. كما لم يُر أيّ وازع إذا حَبا أحداً بعلم ما شاء من الشهادة وأراه ما خلق كما أرى إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض. ولا يُتصوَّر عندئذ قطُّ اشتراك مع المولى سبحانه في صفته العلم بالغيب ، ولا العلم بالشهادة ولو بلغ علم العالم أيَّ مرتبة رابية ، وشتّان بينهما ، إذ القيود الإمكانيّة البشريّة مأخوذةٌ في العلم البشريِّ دائماً لا محالة ، سواءٌ تعلّق بالغيب أو تعلّق بالشهادة ، وهي تلازمه ولا تفارقه ، كما أنَّ العلم الإلهي بالغيب أو الشهادة تؤخذ فيه قيود الأحديّة الخاصّة بذات الواجب الأحد الأقدس سبحانه وتعالى.

وكذلك الحال في علم الملائكة ، لو أذن الله تعالى إسرافيل مثلاً وقد نصب بين عينيه اللوح المحفوظ الذي فيه تبيان كلّ شيء أن يقرأ ما فيه ويطلع عليه لم يُشارك الله قطُّ في صفته العلم بالغيب ، ولا يلزم منه الشرك.

فلا مقايسة بين العلم الذاتيِّ المطلق وبين العرضيِّ المحدود ، ولا بين ما لا يكيَّف بكيف ولا يؤيَّن بأين وبين المحدود المقيَّد ، ولا بين

٩٦

الأزليِّ الأبديِّ وبين الحادث الموقَّت ، ولا بين التأصليِّ وبين المكتسب من الغير ، كما لا يُقاس العلم النبويُّ بعلم غيره من البشر ، لاختلاف طُرق علمهما ، وتباين الخصوصيّات والقيود المتَّخذة في علم كلٍّ منهما ، مع الاشتراك في إمكان الوجود ، بل لا مقايسة بين علم المجتهد وبين علم المقلّد فيما عملا من الأحكام الشرعيَّة ولو أحاط المقلّد بجميعها ، لتباين المبادئ العلميَّة فيهما.

فالعلم بالغيب على وجه التأصّل والإطلاق من دون قيد بكمٍّ وكيفٍ كالعلم بالشهادة على هذا الوجه إنّما هما من صفات الباري سبحانه ، ويخصّان بذاته لا مطلق العلم بالغيب والشهادة ، وهذا هو المعنيُّ نفياً وإثباتاً في مثل قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) «النمل ٦٥» ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) «فاطر ٣٨» ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) «الحجرات ١٨» ، وقوله تعالى : (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) «الجمعة ٨» ، وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) «السجدة ٦» وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) «التغابن ١٨» ، وقوله تعالى حكايةً عن نوح : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) «انعام ٥٠ ، هود ٣١» ، وقوله تعالى حكايةً : (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) «الأعراف ١٨٨».

٩٧

وبهذا التفصيل في وجوه العلم يُعلم عدم التعارض نفياً وإثباتاً بين أدلَّة المسألة كتاباً وسُنّة ، فكلُّ من الأدلَّة النافية والمثبتة ناظرٌ إلى ناحيةٍ منها ، والموضوع المنفيُّ من علم الغيب في لسان الأدلَّة غير المثبت منه ، وكذلك بالعكس. وقد يوعز إلى الجهتين في بعض النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، مثل قول الإمام أبي الحسن موسى الكاظم عليه‌السلام مجيباً يحيى بن عبد الله بن الحسن لَمّا قاله : جعلت فداك انَّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب؟ فقال عليه‌السلام : «سبحان الله ، ضع يدك على رأسي فو الله ما بقيت شعرةٌ فيه ولا في جسدي إلّا قامت» ، ثمّ قال : «لا والله ما هي إلّا وراثة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وكذلك الحال في بقيَّة الصفات الخاصّة بالمولى العزيز سبحانه وتعالى ، فإنّها تمتاز عن مضاهاة ما عند غيره تعالى من تلكم الصفات بقيودها المخصّصة ، فلو كان عيسى على نبيِّنا وآله وعليه‌السلام يُحيي كلَّ الموتى بإذن الله ، أو كان خَلق عالماً بشراً من الطين باذن ربِّه بدل ذلك الطير الذي أخبر عنه بقوله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) «آل عمران ٤٩» ، لم يكن يُشارك المولى سبحانه في صفته الإحياء والخلق ،

__________________

(١) أخرجه شيخنا المفيد في المجلس الثالث من أماليه «المؤلِّف».

أنظر الطبعة المحققة في الامالي ص ٢٣ حديث ٥.

٩٨

والله هو الوليّ ، وهو محيي الموتى ، وهو الخلّاق العليم.

وإنّ الملك المصوِّر في الأرحام ، مع تصويره ما شاء الله من الصور وخلقه سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها (١) ، لم يكن يشارك ربّه في صفته ، والله هو الخالق البارئ المصوّر ، وهو الذي يصِّور في الأرحام كيف يشاء.

والملك المبعوث إلى الجنين الذي يكتب رزقه وأجله وعمله ومصائبه وما قدّر له من خير وشرٍّ وشقاوته وسعادته ثمّ ينفخ فيه الروح (٢) لا يشارك ربّه ، والله هو الذي لم يكن له شريكٌ في الملك

__________________

(١) عن حذيفة مرفوعاً : إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله اليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ، ثمّ قال : يا ربّ أذكر أم انثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثمّ يقول : يا ربّ أجله؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثمّ يقول : يا ربّ رزقه؟ فيقضي ربّك ما شاء ويكتب الملك ، ثمّ يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ذلك شيئاً ولا ينقص. أخرجه أبو الحسين مسلم في صحيحه ، وذكره ابن الاثير في جامع الأُصول وابن الدبيع في التيسير ٤ ص ٤٠.

وفي حديث آخر ذكره ابن الدبيع في تيسير الوصول ٤ ص ٤٠ : اذا بلغت «يعني المضغة» أن تخلق نفساً بعث الله ملكاً يصورها ، فيأتي الملك بتراب بين اصبعيه فيخط في المضغة ثمّ يعجنه ثمّ يصورها كما يؤمر فيقول : أذكر أم انثى؟ أشقي أم سعيد؟ وما عمره؟ وما رزقه؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله فيكتب الملك «المؤلِّف».

(٢) عن ابن مسعود مرفوعاً : ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ، ثمّ

٩٩

وخلق كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديراً.

وملك الموت مع أنّه يتوفَّى الأنفس ، وأنزل الله فيه القرآن وقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) «السجدة ١١» ، صحَّ مع ذلك الحصر في قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ، والله هو المميت ولا يشاركه ملك الموت في شيء من ذلك ، كما صحّت النسبة في قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) «النحل ٢٨» ، وفي قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) «النحل ٣٢» ، ولا تعارض في كلِّ ذلك ولا إثم ولا فسوق في إسناد الإماتة إلى غيره تعالى.

والمَلك لا يغشاه نوم العيون (١) ولا تأخذه سِنة الراقد بتقديرٍ من العزيز العليم وجعله ، ومع ذلك لا يشارك الله فيما مدح نفسه بقوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ).

ولو أنَّ أحداً مكّنه المولى سبحانه من إحياء موتان الأرض

__________________

يكون علقة مثل ذلك ، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك ، ثمّ يبعث الله ملكاً بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ثمّ ينفخ فيه الروح.

أخرجه البخاري في باب ذكر الملائكة في صحيحه ومسلم وغيرهما من أئمة الصحاح إلّا النسائي وأحمد في مسنده ١ ص ٣٧٤ ، ٤١٤ ، ٤٣٠ ، وأبو داود في مسنده ٥ ص ٣٨ ، وذكره ابن الأثير في جامعة ، وابن الدبيع في التيسير ٤ ص ٣٩.

(١) راجع الخطبة الأُولى من نهج البلاغة وشروحها.

١٠٠