نظرة في كتاب الصراع بين الإسلام والوثنيّة لعبدالله علي القصيمي

العلامة الأميني

نظرة في كتاب الصراع بين الإسلام والوثنيّة لعبدالله علي القصيمي

المؤلف:

العلامة الأميني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٣

١
٢

٣
٤

مخطط البحث

مقدمة الإعداد................................................................... ٨

مقدمة المؤلف.................................................................. ١٣

الردّ على شبهة أنّ الشيعة تمقت العرب............................................ ١٦

الردّ على شبهة أنّ الشيعة تقول في عليّ وبنيه قول النصارى في عيسى................. ٢١

رأي الشيعة في رؤية الله يوم القيامة................................................ ٢٣

هل ذرية النبي جميعاً محرّمون علي النار............................................. ٢٦

إنّ علياً يذوذ الخلق يوم العطش فيسقي أولياءه...................................... ٣٥

الردّ على شبهة أنّ الشيعة أبداً هم أعدام المساجد................................... ٤٠

٥

الرد على شبهة أنّ الشيعة لا يرفعون بكتاب الله رأساً................................ ٤٢

تقدّم عليّ على غيره في القرآن.................................................... ٤٦

الردّ على شبهة أنّ الشيعة لايعتمدون في دينهم على الأخبار......................... ٥٧

الردّ على شبهة القصيمي حول المتعة.............................................. ٥٨

المحدَّث في الإسلام

نصوص أهل السنّة............................................................. ٦٨

نصوص الشيعة................................................................ ٧٦

الردّ على شبهة القصيمي أنّ الأئمة من آل البيت عند الشيعة أنبياء................... ٨٢

علم أئمة الشيعة بالغيب

شبهة القصيمي................................................................ ٨٧

الجواب على شبهة القصيمي..................................................... ٨٨

غيض من فيض.............................................................. ١٠٦

العجب العجاب.............................................................. ١١٠

الآن حصحص الحق.......................................................... ١١٣

فهرس المصادر................................................................ ١٢١

٦

كتاب الغدير :

كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة ، ويمتدّ في الآفاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه ... إنّه العمل الموسوعي الكبير الّذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم : من تفسير ، وحديث ، وتاريخ ، وأدب ، وعقيدة ، وكلام ، وفرق ، ومذاهب ...

جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع وفي صياغة الأديب الذي خاطب جميع القرّاء ، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.

ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الأحد عشر من ذخائر هامة ، لا غنى لطالب المعرفة عنها ، وتيسيراً لاغتنام فوائدها ، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، لطباعتها ونشرها مستقلّة ، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.

٧

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة الإعداد :

الحمدُ لله ربّ العالمين ، وبارئ الخلائق أجمعين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفى ، وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد ،

إنّ من الحقوق المحفوظة والمُتسالم عليها بين أبناء البشر ، هو حقّ الدفاع عن العقائد والمذاهب والأفكار التي تتبناها المجتمعات البشرية ، دنيوية كانت أم أُخروية ، دينية أم سياسية ، محلّية كانت هذه العقائد أم عالمية.

٨

لذا نجد ومنذُ نشوء الخلقة الأُولى للبشر ، ظهور مدافعين ومحامين عن الآراء والايديولجية التي يتبنوها ، يحصل كلّ ذلك بشكل عقلائي ومؤدّب ، مُبتنى على أُسسٍ منطقيّة مُتعارفة عند الكلاميين.

لكنك تجد بين الحين والآخر ظهور أشخاصٍ نصبوا أنفسهم ـ بغير حقّ ـ للدفاع عن العقائد والمفاهيم ، لا يعتمدون في محاوراتهم على ما يعتمد عليه العقلاء ، بل يعمدون إلى تزوير الحقائق ، والكذب والبهتان على مَنْ يُخالفهم ، ويتمسكون بأقوال المعتوهين ، ويؤمنون بالخرافات والقصص الخيالية التي تحيكها العجائز.

ومن أُولئك الأشخاص المدعو عبد الله القصيمي ، حيث ألّف كتاباً سماه «الصراع بين الإسلام والوثنية» ، ملأهُ بأكاذيب وتُهم باطلة نسبها إلى الإمامية الاثني عشرية أتباع أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والعجب من هذا الرجل أنّه يتمسك بخرافات وأوهام لا وجود لها ، اصطنعها بنفسه ، أو أخذها من سيّده ابن تيمية ، منها قصة «بيان» و «كسف» وحديث الشاة والكبشين ، حيث يدّعي أنّ شخصاً من الشيعة الإمامية اسمه بيان كان يدّعي أنّ الله عناه بقوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) ، وآخر اسمه كسف وأنّ الله عناه بقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ) ، وأنّ الإمامية تأتي بشاة ينتفون شعرها

٩

ويعذّبونها أفانين العذاب على أنّها عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويأتون بكبشين وينتفون أشعارهما ويعذّبونهما ألوان العذاب على أنّهما أبو بكر وعمر!!!

ولم يكتفِ القصيمي بذلك حتى اتّهم الإمامية بأُمور يعلم الجميع أنّها غير صحيحة ومخالفة للواقع ، ويستطيع أي شخص ملاحظتها عند تجواله في المدن الشيعية.

منها : أنّ الشيعة لا يرفعون بكتاب الله رأساً ، وذلك أنّه يقل جداً أن يستشهدوا بآية من القرآن فتأتي صحيحة غير ملحونة مغلوطة ، ولا يوجد منهم مَن يحفظ القرآن ، ويندر جداً أن يوجد بينهم المصاحف ، وأنهم لا يعتمدون في دينهم على الأخبار النبوية الصحيحة!!!

أليس هذا كذباً صريحاً؟!!

ومنها : أنّ الإمامية تمقت العرب والأُمّة العربية ، وأنهم فرحوا بانتصار الروس على الدولة العثمانية!!

بالله عليك متى حصل هذا وفي أي مكان؟!!

وذهب القصيمي إلى أبعد من ذلك فأنكر أحاديثاً رواها أبناء السُّنة أيضاً ، كحديث أنّ علياً قسيم الجنة والنار ، وحديث علي في السحاب. لكنّه شوّه هذه الأحاديث وغيّرها وأتى بها بشكلٍ لا

١٠

يُلائم مقصده من الكذب والبهتان!!

أيتصور القصيمي أنّ الناس لا يقرءون ولا يُنقّبون ولا يعرفون الحقيقة ، ولا يوجد في أتباع أهل البيت عليهم‌السلام مَن يُنبّه الناس إلى أغاليطه؟!!

وتجرّأ القصيمي على أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، أبناء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي أوصى بهم بقوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي» ، حيث نسب إليهم أشياء هم وشيعتهم منها براء ، فقال : إنّ الإمامية يعتقدون في أئمتهم أنهم يُشاركون الله في علم الغيب ، وأنّهم محرّمون على النار ، وأنّهم قائلون في علي وبنيه عليهم‌السلام قول النصارى في عيسى بن مريم من القول بالحلول والتقديس والمعجزات.

وقد تصدّى للردّ عليه وعلى أمثاله من أتباع الأفكار الأموية ، مجموعة من العلماء والفضلاء ، منهم العلّامة الأميني رضوان الله تعالى عليه ، وذلك في المجلّد الثالث والخامس من موسوعته الكبيرة «الغدير».

ولمّا شاء الله أن تُفرز هذه الردود وتُطبع بشكل مُستقل ، قمتُ بمراجعة هذا البحث وإعداده للطبع ، فصحّحتُ النصّ ، وخرّجتُ ما لم يُخرّجه العلّامة الأميني من بعض المصادر لعدم توفّرها لديه ، وحوّلتُ بعض التخريجات من الطبعات الحجرية القديمة إلى

١١

الحروفية الحديثة ، وبيّنتُ الموارد التي أحالها العلّامة الأميني إلى أجزاء أُخرى من كتابه.

محمّد الحسّون

٢٩ صفر ١٤١٧ ه

١٢

الصراع بين الإسلام والوثنية

لعلّ في نفس هذا الاسم دلالة واضحة على نفسيات مؤلّفة وروحياته ، وما أودعه في الكتاب من الخزايا ، فأوّل جنايته على المسلمين عامة تسميته بالوثنية أُمماً من المسلمين يُعدّ كلّ منها بالملايين ، وفيهم الأئمة والقادة ، والعلماء والحكماء ، والمُفسرون والحُفّاظ والأدلّاء على دين الله الخالص ، وفي مقدّمهم أُمّة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

فهل ترى هذه التسمية تَدع بين المسلمين أُلفة؟

١٣

وتَذَر فيهم وِئاما؟ وتُبقي بينهم مودّة؟ وهل تجد لو اطّردت أمثالها كلمة جامعة تتفيّأ الأُمّة بظلّها الوارف؟ نعم هي التي تبذر بين الملأ الديني بذور الفُرقة ، وتبثّ فيهم روح النفرة ، تتضارب من جرّائها الآراء ، وتتباين الفِكر ، وربّما انقلب الجدال جلاداً ، كفى الله المسلمين شرّها.

فإلى الدعة والسلام ، وإلى الاخاء والوحدة أيها المسلمون جميعاً من غير اكتراث لصخب هذا المُعكر للصفو ، والمُقلق للسلام ، (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) (١) ، (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (٢) ، (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٣).

وأمّا ما في الكتاب من السباب المُقذع ، والتهتّك ، والقذائف ، والطامات ، والأكاذيب ، والنسب المفتعلة ، فلعلّها تربو على عدد صفحاته البالغة ١٦٠٠ ، وإليك نماذج منها :

__________________

(١) المائدة : ٩١.

(٢) البقرة : ١٦٨ و٢٠٨.

(٣) النور : ٢١.

١٤

١ ـ قال : من الظرائف أنّ شيخاً من الشيعة اسمه (بيان) ، كان يزعم أنَّ الله يعنيه بقوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) (١) ، وكان آخر منهم يلقّب ب (الكسف) ، فزعم هو ، وزعم له أنصاره انَّه المعنيّ بقوله الله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ) (٢) ، الآية. ص «ع» و «٥٣٨».

ج ـ إنْ هي إلَّا أساطير الأوَّلين ، التي اكتتبها قلم ابن قُتيبة في تأويل مختلف الحديث ص ٨٧ (٣) ، وإن هي إلَّا مِن الفِرق المفتعلة التي لم يكن لها وجودٌ وما وُجدت بعد ، وإنّما اختلقتها الأوهام الطائشة ، ونَسبَتها إلى الشيعة أَلْسِنَةُ حملةِ العصبيَّة العَمياء ، نُظراء ابن قُتيبة والجاحظ والخيّاط ، ممّن شُوِّهت صحائف تآليفهم بالإفك الفاحش ، وعرَّفهم التأريخ للمجتمع بالاختلاق والقول المُزوَّر ، فجاء القصيمي بعد مضيّ عشرة قرون على تلك التافهات والنسب المكذوبة يُجدِّدها ويَردُّ بها على الإماميَّة اليوم ، ويتَّبع الذين قد (ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٤) ، فذرهم وما يفترون.

__________________

(١) آل عمران : ١٣٨.

(٢) الطور : ٤٤.

(٣) تأويل مختلف الحديث تحقيق محمد زهري النّجار : ٧٢.

(٤) المائدة : ٧٧.

١٥

هب أنَّ للرجلين (بيان وكسف) وجوداً خارجيّاً ومعتقداً ، كما يزعمه القائل ، وأنَّهما من الشيعة ـ وأنّى له بإثبات شيءٍ منها ـ فهل في شريعة الحِجاج ، وناموس النصفة ، وميزان العدل ، نقد أُمَّة كبيرةٍ بمقالة معتوهين يُشكُّ في وجودهما أوَّلاً ، وفي مذهبهما ثانياً ، وفي مقالتهما ثالثاً!

٢ ـ قال : ذكر الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي (١) : إنَّه التقى بأحد رجال الشيعة المثقَّفين البارزين ، فكان هذا الشيعيُّ يمقت العرب أشدَّ المقت ، ويزري بهم أيّما ازراء ، ويغلو في عليِّ بن أبي طالب وولده غلوّاً يأباه الإسلام والعقل ، فعجب الأمير الجليل لأمره ، وسأله كيف تجمع بين مقت العرب هذا المقت وحبّ عليٍّ ووُلده هذا الحبّ؟ وهل عليٌّ وولده إلّا من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ فانقلب الشيعيُّ ناصبيّاً واهتاج ، وأصبح خصماً لعليّ وبنيه ، وقال ألفاظاً في الإسلام والعرب مستكرهة. ص ١٤.

__________________

(١) كتاب يفتقر جدّاً إلى نظارة التنقيب ، ينمّ عن قصور باع مؤلّفة ، وعدم عرفانه بمعتقدات الشيعة ، وجهله بأخبارهم وعاداتهم ، غير ما لفقه قومه من أباطيل ومخاريق ، فأخذه حقيقة راهنة ، وسوّد به صحائف كتابه ، بل صحائف تأريخه «المؤلّف».

١٦

ج ـ هذا النقل الخرافيُّ يُسفُّ بأمير البيان إلى حضيض الجهل والضعة ، حيث حكم بثقافة إنسان وبروزه والى أناساً وغلا في حبّهم ردحاً من الزمن وهو لا يعرف عنصرهم ، أو كان يَحسب أنّهم من الترك أو الديلم.

وهل تجد في المسلمين جاهلاً لا يعرف أنَّ محمّداً وآله صلوات الله عليه وعليهم من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ وقد منَّ عليه الأمير حيث لم يُخبره بأنَّ مُشرّف العترة الرَّسول الأعظم هو المحتبي على تلك الذروة وذلك السنام ؛ لئلّا يرتدَّ المثقّف إلى المجوسيَّة ، ولا أرى سرعة انقلاب المثقَّف البارز إلّا معجزة للأمير في القرن العشرين ، لا القرن الرابع عشر.

هذا عند مَن يُصدِّق القصيمي «المُصارع» في نقله ، وأمّا المُراجع كتاب الأمير حاضر العالم الإسلامي فيجد في الجزء الأوَّل ص ١٦٤ ما نصّه :

كنتُ أُحادث إحدى المرار رجلاً من فضلائهم ـ يعني الشيعة ـ ومن ذوي المناصب العالية في الدولة الفارسيّة ، فوصلنا في البحث إلى قضيّة العرب والعجم ، وكان محدِّثي على جانب عظيم من الغلوِّ في التشيّع ، إلى حدّ أنّي رأيت له كتاباً مطبوعاً مصدَّراً بجملة (هو العليُّ الغالب) فقلت في نفسي : لا شكَّ أنَّ هذا الرَّجل لشدَّة غلوِّه في آل البيت ، ولعلمه أنّهم من العرب ، لا يمكنه أن يكره العرب الذين

١٧

آل البيت منهم ، لأنّه يستحيل الجمع بين البغض والحبِّ في مكان واحدٍ ، (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (١).

ولقد أخطأ ظنّي في هذا أيضاً ، فإنّي عند ما سقت الحديث إلى مسألة العربيّة والعجميّة وجدته انقلب عجميّاً صرفاً ، ونسي ذلك الغلوّ كلّه في عليّ عليه‌السلام وآله ، بل قال لي هكذا وكان يحدِّثني بالتركيّة : (ايران بر حكومت إسلاميّة دكلدر يالكزدين إسلامي اتخاذ ايتمش بر حكومت در) ، أي ايران ليست بحكومة إسلاميّة ، وأنّما هي حكومةٌ اتخذت لنفسها دين الإسلام.

اقرأ واعجب من تحريف الكلم عن مواضعه ، هكذا يفعل القصيميُّ بكلمات قومه ، فكيف بما خطته يد مَن يُضادُّه في المبدأ.

والقارئ جِدُّ عليم بأنّ الأمير شكيب أرسلان قد غلط أيضاً في فهم ما صدَّر الشيعيُّ الفاضل به كتابه من جملة (هو العليُّ الغالب) ، واتّخاذه دليلاً على الغلوِّ في التشيّع ، فإنّها كلمةٌ مطّردة تُكتب وتُقال كقولهم : هو الواحدُ الأحد ، وما يجري مجراه ، تُقصد بها أسماء الله الحسنى ، وهي كالبسملة في التيمّن بافتتاح القول بها.

وأنت لا تجد في الشيعة مَن يبغض العروبة ، وهو يعتنق ديناً عربيّاً صدع به عربيّ صميمٌ ، وجاء بكتاب عربيٍّ مبينٍ وفي طيِّه :

__________________

(١) الأحزاب : ٤.

١٨

(أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) (١) ، وقد خلّفه على أمر الدين والأُمّة سادات العرب ، ولا يستنبط أحكام الدين إلّا بالمأثورات العربيّة عن أُولئك الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم ، المنتهية علومهم إلى مؤسِّس الدعوة الإسلاميِّة صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يدعو الله في آناء الليل وأطراف النّهار بالأدعية المأثورة عنهم بلغة الضاد ، ويطبع وينشر آلافاً من الكتب العربيَّة في فنونها ، فالشيعيُّ عربيّ في دينه ، عربيٌّ في هواه ، عربيٌّ في مذهبه ، عربيٌّ في نزعته ، عربيٌّ في ولائه ، عربيٌّ في خلائقه ، عربيٌّ عربيٌّ عربيٌّ ....

نعم يبغض الشيعيُّ زعانفةً بخسوا حقوق الله ، وضعضعوا أركان النبوَّة ، وظلموا أئمَّة الدين ، واضطهدوا العترة الطاهرة ، وخانوا على العروبة ، عُرباً كانوا أو أعاجم ، وهذه العقيدة شرعٌ سواءٌ فيها الشيعي العربيُّ والعجميٌ.

ولكن شاء الهوى ، ودفعت الضغائن أصحابه إلى تلقين الأُمَّة بأنَّ التشيّع نزعةٌ فارسيَّةٌ ، والشيعيُّ الفارسيُّ يمقت العرب ؛ شقاً للعصا ، وتفريقاً لِلكَلم ، وتمزيقاً لجمع الأُمَّة ، وأنا أرى أنَّ القصيمي والأمير قبله في كلمات أُخرى يريدان ذلك كلِّه ، و : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) (٢).

__________________

(١) فصلت : ٤٤.

(٢) غافر : ٢٩.

١٩

٣ ـ قال : إنّ الشيعة في ايران نصبوا أقواس النصر ، ورفعوا أعلام السرور والابتهاج في كلّ مكان من بلادهم لمّا انتصر الروس على الدولة العثمانيَّة في حروبها الأخيرة ص ١٨.

ج ـ هذه الكلمة مأخوذةٌ من الآلوسي الآنف ذكره ، وَذِكْرُ فريتهِ والجواب عنها ص ٢٦٧ (١) ، غير أنَّ القصيمي كساها طلاءً

__________________

(١) ذكر العلّامة الأميني رحمه‌الله في جوابه قائلاً : عجباً للصلافة ، أيحسب هذا الإنسان أنّ البلاد العراقية والايرانية غير مطروقة لأحدٍ؟! أو أنّ أخبارهم لا تصل إلى غيرهما؟! أو أنّ الأكثرية الشيعية في العراق قد لازمها العَمى والصمم عمّا تفرَّد برؤيته أو سماعه هذا المتقوّل؟! أو أنّهم معدودون من الأمم البائدة الذين طحنهم مرُّ الحقب والأعوام؟! فَلَمْ يبق لهم مَن يُدافع عن شرفهم ، ويُناقش الحساب مع مَن يبهتهم ، فيُسائل هذا المختلق عن أولئك النفر الذين يفرحون بنكبات المسلمين ، أهم في عراقنا هذه مجرى الرافدين؟! أم يُريد قارّة لم تُكتشف تُسمّى بهذا الاسم؟! ويُعيد عليه هذا السؤال يعينه من ايران.

أما المسلمون القاطنون في تينك المملكتين ، ومَن طرقهما من المستشرقين والسوّاح والسفراء والموظفين ، فلا عهد لهم بهاتيك الأفراح ، والشيعة جمعاء تحترم نفوس المسلمين ودماءهم وأعراضهم وأموالهم مطلقاً من غير فرق بين السنّي والشيعي. فهي تستاء إذا ما انتابت أيّ أحدٍ منهم نائبة ، ولم تُقيّد الأخوّة الإسلامية المنصوصة عليها في الكتاب الكريم بالتشيّع ، ويُسائل الرجل أيضاً عن تعيين اليوم ، أيّ يومٍ هذا هو العيد؟! وفي أيّ شهرٍ هو؟! وأيّ مدينة ازدانت لأجله؟! وأيّ قوم ناءوا بتلك المخزات؟!

لا جواب للرجل إلّا الاستناد إلى مثل ما استند إليه صاحب الرسالة من سائحٍ سُنّي مجهول ، أو مُبشّر نصراني.

٢٠