الأساس في التفسير - ج ١١

سعيد حوّى

الأساس في التفسير - ج ١١

المؤلف:

سعيد حوّى


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٤

٢ ـ وبمناسبة ذكر قريش في السورة قال النسفي : (وقريش ولد النضر بن كنانة سموه بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار.

والتصغير للتعظيم فسموهم بذلك لشدتهم ، ومنعتهم تشبيها بها ، وقيل من القرش وهو الجمع والكسب ، لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد).

٣ ـ وبمناسبة قوله تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أقول : لقد كان من حجج قريش الرئيسية في استمرارهم على الكفر قولهم الذي عرضته سورة القصص (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) وقد جاءت سورتا الفيل وقريش فأكملت الحجة على قريش ، فالله عزوجل فعل بأصحاب الفيل ما فعل ، وفعل لقريش ما فعل ، وهم كفار أيتخلى عنهم إذا أسلموا؟ لقد أسلمت قريش فيما بعد فكيف كان واقع الحال؟ هل ازدادت مكة بعد الإسلام خوفا أو فقرا ، أم ازدادت أمنا وغنى ، وفي ذلك درس لكفار عصرنا الذين يرفضون الإسلام خوفا من عدو ، أو خشية من فقر.

٦٠١

سورة الماعون

وهي السورة السابعة بعد المائة بحسب الرسم القرآني

وهي السورة الخامسة من المجموعة الخامسة عشرة من

قسم المفصل ، وهي سبع آيات

وهي مكية

٦٠٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه

ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم

٦٠٣

بين يدي سورة الماعون :

قال الألوسي عن سورة الماعون : (ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أطعمهم من جوع ، ذم عزوجل هنا من لم يحض على طعام المسكين ، ولما قال تعالى هناك (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته ، أو لما عدد نعمه تعالى على قريش وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء ، أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه).

وقال صاحب الظلال : (إن هذه السورة الصغيرة ذات الآيات السبع القصيرة تعالج حقيقة ضخمة تكاد تبدل المفهوم السائد للإيمان والكفر تبديلا كاملا. فوق ما تطلع به على النفس من حقيقة باهرة لطبيعة هذه العقيدة ، وللخير الهائل العظيم المكنون فيها لهذه البشرية ، وللرحمة السابغة التي أرادها الله للبشر وهو يبعث إليهم بهذه الرسالة الأخيرة ..

إن هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس ، ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر ، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد ، مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح ، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى.

كذلك ليس هذا الدين أجزاء وتفاريق موزعة منفصلة ، يؤدي منها الإنسان ما يشاء ، ويدع منها ما يشاء .. إنما هو منهج متكامل ، تتعاون عباداته وشعائره ، وتكاليفه الفردية والاجتماعية ، حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود كلها على البشر .. غاية تتطهر معها القلوب ، وتصلح الحياة ، ويتعاون الناس ويتكافلون في الخير والصلاح والنماء .. وتتمثل فيها رحمة الله السابغة بالعباد.

ولقد يقول الإنسان بلسانه : إنه مسلم وإنه مصدق بهذا الدين وقضاياه ، وقد يصلي ، وقد يؤدي شعائر أخرى غير الصلاة ، ولكن حقيقة الإيمان وحقيقة التصديق بالدين تظل بعيدة عنه ، ويظل بعيدا عنها ، لأن لهذه الحقيقة علامات تدل على وجودها وتحققها. وما لم توجد هذه العلامات فلا إيمان ولا تصديق مهما قال اللسان ، ومهما تعبد الإنسان!

إن حقيقة الإيمان حين تستقر في القلب تتحرك من فورها لكي تحقق ذاتها في عمل صالح).

٦٠٤

كلمة في سورة الماعون ومحورها :

بعد الكلام عن المتقين وعن الكافرين في مقدمة سورة البقرة يأتي الكلام عن المنافقين ، ونقطة البداية في الكلام عن المنافقين كفرهم بالله وباليوم الآخر (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ* يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) هذه قراءة حفص وقرأ غيره (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أي : يكذبون بالله واليوم الآخر ، ذلك لأنهم يدعون الإيمان بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين ، ومن ثم كانوا مكذبين بهما ، وتأتي سورة الماعون مبدوءة بقوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) ثم تتحدث عن آثار التكذيب في سلوك الإنسان فتقول : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ولما كان التكذيب باليوم الآخر خلقا مشتركا بين المنافقين والكافرين ، وآثاره واحدة عندهما لم يكن في بداية السورة ما يشير إلى أن الأمر خاص بالمنافقين ، ولكن خاتمة السورة تقول : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) ففي هذا الجزء من السورة انصب الحديث عن المنافقين فالسورة تفصيل إذن لقضية ترتبط بالنفاق ، وإذا كان النفاق حصيلته كفرا ، فقد كان جزء من حديثها ينصب على الكفر والنفاق بآن واحد.

رأينا أن سورتي الفيل وقريش تخدمان سياق سورة الهمزة ، ورأينا أن سورة الهمزة تتحدث عن عذاب الكافرين (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ* وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ* إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ* فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) وتأتي سورتا الفيل وقريش لتخدما قضية التدليل على اليوم الآخر ، وبعد ذلك تأتي سورة الماعون لتحدثنا عن آثار التكذيب باليوم الآخر في السلوك البشري ، من جفاء اليتم وعدم العطف على المسكين ، ومن تهاون في الصلاة ومراءاة فيها ومن منع للماعون ، ولا ينبغي أن يغرنا أننا نرى كثيرا من الملحدين يتظاهرون بالعمل للفقراء ، فذلك موقف سياسي يمليه الحقد ، وعلامة ذلك أنك تجد هؤلاء إذا دعوتهم لخير يحجمون ويحتجون لموقفهم في ترك الإحسان بأن عمليات الإحسان تؤخر ثورة الفقراء.

٦٠٥

مما أشرنا إليه نرى الصلة الوثيقة بين السورة وبين ما قبلها ، وبين السورة وبين محورها. فلنر السورة.

سورة الماعون

وهي سبع آيات وهذه هي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧))

التفسير

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) أي : بالمعاد والجزاء والثواب إن كنت لا تعرفه فإن علاماته هي ما يأتي. قال النسفي : أي هل رأيت الذي يكذب بالجزاء فمنهو؟ إن لم تعرفه (فَذلِكَ) أي الذي يكذب بالجزاء هو (الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) قال النسفي : أي يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى ، ويرده ردا قبيحا بزجر وخشونة. وقال ابن كثير : أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ، ولا يطعمه ولا يحسن إليه (وَلا يَحُضُ) أي : ولا يأمر ويبعث ويهيج (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي على بذل الطعام للمسكين وهو الفقير الذي لا شىء له يقوم بأوده وكفايته. قال النسفي : جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف ، والإقدام على إيذاء الضعيف. فلو آمن بالجزاء ، وأيقن بالوعيد لخشي الله وعقابه ، ولم يقدم على ذلك ، فحين أقدم عليه دل أنه مكذب بالجزاء. (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال ابن عباس وغيره : يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر. قال ابن كثير في تفصيل سهو المنافقين عن الصلاة : (ثم هم عنها ساهون إما عن

٦٠٦

فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس ، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قال مسروق وأبو الضحى ، وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا ، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به ، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها ، فاللفظ يشمل ذلك كله ، ولكن من اتصف بشىء من ذلك له قسطه من هذه الآية ، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها ..). (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) فهم فضلا عن سهوهم عنها مراؤون فيما يصلونه منها قال النسفي : (والمراءاة مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به ، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار الفرائض ، فمن حقها الإعلان بها) (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال ابن كثير : (أي لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى). أقول : وقد أحسن ابن كثير فيما قاله ، فالماعون في الأصل هو ما يتعاوره الناس من قدر وفأس وقلم وأمثال ذلك ، فإن كان مانعا لهذا مع أنه سيعود له فمنعه لغيره أولى وأولى. لقد فسر بعضهم الماعون بالزكاة وهو معنى بعيد ، إلا أنه داخل بالأولى في الآية فهؤلاء منعوا إعارة الماعون ، وتلك زكاته فمنعهم لبقية أنواع الزكاة الأولى ، فإذا اتضح هذا ، فلنر ما قاله النسفي في الآيات الثلاث : (يعنى بهذا المنافقين لا يصلونها سرا لأنهم لا يعتقدون وجوبها ، ويصلونها علانية رياء ، وقيل فويل للمنافقين الذين يدخلون أنفسهم في جملة المصلين صورة ، وهم غافلون عن صلاتهم ، وأنهم لا يريدون بها قربة إلى ربهم ، ولا تأدية للفرض ، فهم ينخفضون ويرتفعون ولا يدرون ماذا يفعلون ، ويظهرون للناس أنهم يؤدون الفرائض ويمنعون الزكاة وما فيه منفعة).

كلمة في السياق.

١ ـ من سياق السورة عرفنا أن التكذيب بالدين ينبثق عنه سلوك من مواصفاته دفع اليتيم دفعا شديدا ، وعدم الحض على طعام المسكين ، وينبثق عنه سلوك عند المنافق من مظاهره أن يسهو عن صلاته ، وإذا صلاها فإنه يكون مرائيا فيها ، ومن مظاهره أن يمنع أصحابه الماعون ، فالمنافقون كما وصفهم الله عزوجل في سورة أخرى (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ).

٢ ـ في مقدمة سورة البقرة وصف الله المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب ، ووصف

٦٠٧

المنافقين بأنهم يدعون الإيمان ولا يؤمنون ، وفي هذه السورة وصف الله الكافرين والمنافقين بأنهم يكذبون بالدين ، وفي مقدمة سورة البقرة وصف الله المتقين بالإنفاق ، وفي هذه السورة وصف الله الكافرين والمنافقين بأنهم لا ينفقون ولا يحضون على الإنفاق ، بل يؤذون اليتيم ، ويمنعون الماعون ، وفي مقدمة سورة البقرة وصف الله المتقين بإقام الصلاة ، وفي هذه السورة وصف الله المنافقين بأنهم ساهون عن صلاتهم وإذا صلوا فهم مراؤون ، من هذا نعلم أن سورة الماعون أتمت بيان الصورة العامة للمتقين والكافرين والمنافقين التي رسمتها مقدمة سورة البقرة ، وأعطتنا تفصيلا أوسع لقضية النفاق ، فارتباطها بمحورها واضح ، ومعانيها تتكامل مع معاني مجموعتها ، فسورة العصر ركزت على خصائص المتقين ، وسورة الهمزة ، والفيل ، وقريش لها صلة بالكلام عن الكافرين ، وسورة الماعون لها صلة بالكلام عن المنافقين ، ولذلك كله صلاته بمقدمة سورة البقرة التي تحدثت عن المتقين والكافرين والمنافقين.

الفوائد :

١ ـ رأينا أن ابن كثير ذكر كل ما يمكن أن يدخل في قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ونضيف هنا أنه بعد أن ذكر ذلك قال : (ولكل من اتصف بشىء من ذلك قسط من هذه الآية ، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي ، كما ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» فهذا أخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص ، إلى آخر وقتها وهو وقت كراهة ، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ، ولهذا «لا يذكر الله بها إلا قليلا» ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله ، فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) وقال تعالى ههنا (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ)).

وقال ابن كثير : (وروى ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال : «هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» (قلت) وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ، ويحتمل صلاتها بعد وقتها ،

٦٠٨

وتأخيرها عن أول الوقت وكذا رواه الحافظ أبو يعلى بسنده. ثم رواه عن أبي الربيع عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفا «لهوا عنها حتى ضاع الوقت» وهذا أصح إسنادا وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم).

وقال ابن كثير : (قال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال : (عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ولم يقل في صلاتهم ساهون). قال النسفي : تعليقا على ذلك : لأن معنى (عن) أنهم ساهون عنها سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين ، ومعنى (في) أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس وذلك لا يخلو عنه مسلم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره. أقول : ومن مثل هذه الدقة في التعبير القرآني نرى مظهرا من مظاهر الإعجاز في القرآن.

٢ ـ بمناسبة قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) قال النسفي : (ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار الفرائض فمن حقها الإعلان بها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا غمة في فرائض الله» أي لا تخفي ولا تستر ، والإخفاء في التطوع أولى فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا). وقال ابن كثير بمناسبة الآية : (وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة ، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد ، لحامل كتاب الله ، وللمصدق في غير ذات الله ، وللحاج إلى بيت الله ، وللخارج في سبيل الله» (أي : إذا كانوا مرائين) وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال : كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره»).

٣ ـ وبمناسبة قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال ابن كثير : «وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله قال : الماعون العواري : القدر والميزان والدلو ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) يعني متاع البيت ، وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد أنها العارية للأمتعة ، وقال ابن أبي سليم ومجاهد عن ابن عباس (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال : لم يجىء أهلها بعد ، وقال العوفي عن ابن عباس (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال : اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة ، ومنهم من قال يمنعون الطاعة ، ومنهم من قال يمنعون العارية ، رواه ابن

٦٠٩

جرير. ثم روي عن الحارث عن علي : الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو ، وقال عكرمة : رأس الماعون زكاة المال ، وأدناه المنخل والدلو والإبرة. رواه ابن أبي حاتم. وهذا الذي قاله عكرمة حسن فإنه يشمل الأقوال كلها ، وترجع كلها إلى شىء واحد وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة ، ولهذا قال محمد بن كعب (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال المعروف ، ولهذا جاء في الحديث «كل معروف صدقة». وروى ابن أبي حاتم عن الزهري (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال : بلسان قريش المال).

٦١٠
٦١١

سورة الكوثر

وهي السورة الثامنة بعد المائة بحسب الرسم القرآني

وهي السورة السادسة من المجموعة الخامسة عشرة من

قسم المفصل ، وهي ثلاث آيات

(قال النسفي : مكية ، وقال ابن كثير : مدنية ، وقيل مكية)

٦١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه

ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم

٦١٣

بين يدي سورة الكوثر :

قال الألوسي في سورة الكوثر : (وآيها ثلاث بلا خلاف وليس في القرآن ـ كما أخرج البيهقي عن ابن شبرمة ـ سورة آيها أقل من ذلك ، بل قد صرحوا بأنها أقصر سورة في القرآن ، وقال الإمام هي كالمقابلة للتي قبلها ، لأن السابقة وصف الله تعالى فيها المنافق بأربعة أمور : البخل ، وترك الصلاة ، والرياء ، ومنع الزكاة ، فذكر عزوجل في هذه السورة في مقابلة البخل (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) أي : الخير الكثير. وفي مقابلة ترك الصلاة (فَصَلِ) أي دم على الصلاة. وفي مقابلة الرياء (لِرَبِّكَ) أي لرضاه لا للناس. وفي مقابلة منع الماعون (وَانْحَرْ) وأراد به سبحانه التصدق بلحوم الأضاحي ثم قال : فاعتبر هذه المناسبة العجيبة انتهى فلا تغفل).

وقال صاحب الظلال : (هذه السورة خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كسورة الضحى ، وسورة الشرح يسري عنه ربه فيها ، ويعده بالخير ، ويوعد أعداءه بالبتر ، ويوجهه إلى طريق الشكر).

كلمة في سورة الكوثر ومحورها :

بعد مقدمة سورة البقرة دعا الله عزوجل الناس جميعا لعبادته ، وعلل للأمر بإنعامه ، وهذه سورة الكوثر تخاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مذكرة له بنعمتين : العطاء الكثير ، وبتر المبغض ، وتأمره فيما بين ذلك بالصلاة والنحر وهما عبادتان.

سورة الكوثر

وهي ثلاث آيات وهذه هي :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))

التفسير :

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) الكوثر : هو المفرط الكثرة. قال النسفي : وعن ابن

٦١٤

عباس رضي الله عنهما : هو الخير الكثير. فقيل له : إن ناسا يقولون هو نهر في الجنة. فقال له : هو من الخير الكثير. أقول : فالكوثر من أنهار الجنة ولكن كلمة الكوثر في الآية تعم ذلك وغيره من كل ما أعطيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال ابن كثير تعليقا على تفسير ابن عباس : (وهذا التفسير يعم النهر وغيره ؛ لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير ومن ذلك النهر) (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال ابن كثير أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ومن ذلك النهر الذي تقدمت صفته ، فأخلص لربك النافلة وصلاتك المكتوبة ونحرك ، فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له .... وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله ، والذبح على غير اسمه. وقال النسفي في الآية : (أي فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه ، وشرفك وصانك من فتن الخلق مراغما لقومك الذين يعبدون غير الله) (وَانْحَرْ) لوجهه وباسمه إذا نحرت مخالفا لعبدة الأوثان في النحر لها. أقول : وحمل الآية بعضهم على جزئية مما يدخل فيها ، فحمل الصلاة على أنها صلاة الأضحى ، والنحر على أنه نحر الأضاحي بعد صلاة العيد ، وهو مما يدخل ضمن عموم الآية ، وليس وحده المراد. وتأمل النقل التالي عن ابن كثير. قال ابن كثير بعد أن ذكر أقوالا وصفها بأنها غريبة في تفسير النحر في الآية : (والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك ، ولهذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول : «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له» فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة ، وعرفت أن اليوم يشتهى فيه اللحم قال : «شاتك شاة لحم» قال : فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين أفتجزىء عني؟ قال : «تجزئك ولا تجزىء أحدا بعدك» قال أبو جعفر بن جرير : والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به ، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء).

ثم قال تعالى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) قال ابن كثير : أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور البين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ، أقول : فصار معنى السورة : فصل لله وحده ، وانحر لله وحده ، شكرا له عزوجل على ما أعطاك ، ولا تبال الشانئين والمبغضين فإنهم المنقطعو الذكر والأثر ،

٦١٥

ولا تبال بما يقولونه فيك ، فإنهم هم أهله ولست أهله. قال النسفي في الآية الأخيرة : (أي من أبغضك من قومك بمخالفتك لهم هو الأبتر المنقطع).

كلمة في السياق :

١ ـ رأينا أثناء عرضنا للسورة صلة آيات السورة ببعضها ، ورأينا في الكلمة التي قدمنا بها لسورة الكوثر بعض صلاتها بمحورها ، ونتكلم عن هذه الصلات مرة ثانية : دعا الله عزوجل بعد مقدمة سورة البقرة الناس جميعا لعبادته ، وقد بينت سورة الكوثر مظهرين من مظاهر العبادة ، وهما : إخلاص الصلاة لله عزوجل ، وإخلاص النحر لله عزوجل ، وذلك من خلال توجيه الأمر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القدوة العليا للناس جميعا ، فكأن السورة تقول : إذا لم يستجب الناس للأمر فاستجب أنت أيها الرسول ، فقد أعطيناك الكثير ، وجعلنا لك العاقبة ، فإذا كفر الناس النعم العامة فاشكر أنت الله عزوجل على النعم العامة والخاصة ، بأنواع العبادة والإخلاص فيها.

٢ ـ في الآيتين الآتيتين بعد مقدمة سورة البقرة أمر ونهي. الأمر (اعْبُدُوا) والنهي (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وقد رأينا كيف أن المفسرين فهموا من صيغة قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أن ذلك أمر بالصلاة والنحر ، وأمر بالإخلاص فيهما لله عزوجل ، إذ تقديم الجار والمجرور على الأمر بالنحر يفيد الاختصاص ، وهو يفيد الإخلاص ، ففي السورة تفصيل لقضايا عبادية توحيدية. اعبد الله بالصلاة والنحر ، ولا تشرك بالله في صلاتك ونحرك ، ولذلك صلته بمحور السورة.

٣ ـ يبقى أن تعرف ما الصلة بين سورة الكوثر وما قبلها؟ لقد أمرت سورة قريش قريشا بعبادة الله عزوجل وجاءت سورة الماعون لتبين موقف الكافرين من الخير عامة. وموقف المنافقين من الصلاة والخير ، وتأتي سورة الكوثر لتفرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخطاب في الصلاة والنحر ، مذكرة بنعم الله الخاصة عليه ، وفي ذلك تعليم وتبيان أنه إن أعرض خلق عن الخير وفعله ، ورفضوا طاعة أوامر الله عزوجل ، فإن هناك من يستجيب على الكمال لذلك ، ومن أجل أمثال هؤلاء تنزل الشرائع مهما كان عدد المعرضين كثيرا ، وبمناسبة هذه السورة نحب أن نسجل ملاحظة حول إعجاز القرآن.

٦١٦

ملاحظة حول إعجاز القرآن

رأينا من قبل أن الله عزوجل تحدى الناس جميعا أن يأتوا بسورة من مثل القرآن ، وقد عجز الناس قديما وحديثا عن ذلك ، وسيعجزون أبدا ، ولنتأمل هذه السورة سورة الكوثر التي هي أقصر سورة في كتاب الله عزوجل. إنك عندما تتأمل محلها مما قبلها ومما بعدها ، وصلتها بالسياق القرآني العام القريب والبعيد ، وانسجامها مع طريقة القرآن في عرض المعاني على تسلسل معين مما تحكمه محاور المجموعة من سورة البقرة ، فإنك تجد عجبا ، ثم إن السورة توجد فيها خصائص القرآن كله ، فكلماتها أفصح الكلمات. حتى لو بحثت عن كلمة تحل محل كلمة من كلماتها ، وتؤدي معناها وجمالها فإنك عاجز ، ومعانيها هي الحق الذي لا ينقض فليس فيها شطحة خيال ، وهي في الوقت نفسه مذكرة وواعظة ، وهي مربية ومعلمة ، ومشرعة ومبشرة ، ومفصلة ومبينة ، ومحكمة ، وهي مع ذلك كله لا تتناقض مع بقية معاني القرآن ، بل هي وإياه كلها تخرج من مشكاة واحدة وتصب في مصب واحد ، ثم إن معانيها بقدر كلماتها ، بل كلماتها وحدها هي التي تسع معانيها ، فهل يستطيع أحد من البشر أن يأتي بسورة من مثل هذه السورة في مكانها وخصائصها؟!.

الفوائد :

١ ـ بمناسبة قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) قال ابن كثير : (روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال : أغفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما ، إما قال لهم وإما قالوا له : لم ضحكت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه أنزلت علي آنفا سورة» فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) حتى حتمها فقال : «هل تدرون ما الكوثر؟» قالوا الله ورسوله أعلم. قال : «هو نهر أعطانيه ربي عزوجل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول : يا رب إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».

وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر ، وأن آنيته عدد نجوم السماء وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي عن أنس ، ولفظ مسلم قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أظهرنا في المسجد إذا أغفى

٦١٧

إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما قلنا : ما أضحك يا رسول الله؟ قال : «لقد أنزلت علي آنفا سورة» فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ثم قال «أتدرون ما الكوثر؟» ـ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : «فإنه نهر وعدنيه ربي عزوجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك».

وروى البخاري عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها ، قال : سألتها ـ يعني أبا عبيدة ـ عن قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) قالت : نهر أعطيه نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم. ورواه أحمد والنسائي.

وروى البخاري عن سعيد بن حبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه ، قال أبو بشر : قلت لسعيد بن حبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. ورواه أيضا من حديث هشيم عن أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الكوثر الخير الكثير ، وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الكوثر الخير الكثير ، وهذا التفسير يعني النهر وغيره ، لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن وثواب الآخرة. وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل. وروى العوفي عن ابن عباس نحو ذلك ، وروى ابن جرير عن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل. وكذا رواه الترمذي عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا ، وقد رواه الإمام أحمد ـ مرفوعا ـ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل» وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعا وقال الترمذي حسن صحيح).

٦١٨

٢ ـ بمناسبة قوله تعالى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) قال ابن كثير : (أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره ، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة : نزلت في العاص بن وائل ، وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ، قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره. فأنزل الله هذه السورة ، وقال شمر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط ، وقال ابن عباس أيضا وعكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف ، وجماعة من كفار قريش ، وروى البزار عن عكرمة عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ، فقال : أنتم خير منه ، قال : فنزلت (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح. وعن عطاء نزلت : في أبي لهب ، وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال : بتر محمد الليلة ، فأنزل الله في ذلك (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).

وعن ابن عباس نزلت في أبي جهل ، وعنه (إِنَّ شانِئَكَ) يعني عدوك وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم. وقال عكرمة : (الْأَبْتَرُ) الفرد ، وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر ، فلما مات أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا بتر محمد فأنزل الله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره ـ فتوهموا ـ لجهلهم ـ أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم المحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد).

٦١٩

سورة الكافرون

وهي السورة التاسعة بعد المائة بحسب الرسم القرآني

وهي السورة السابعة من المجموعة الخامسة عشرة من

قسم المفصل ، وهي ست آيات

وهي مكية

٦٢٠