الأساس في التفسير - ج ٣

سعيد حوّى

الأساس في التفسير - ج ٣

المؤلف:

سعيد حوّى


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٩

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله واصحابه

رب تقبل منا انك انت السميع العليم

٣

أي أخي القارىء : هذا هو المجلد الثالث من هذا التفسير وفيه سورتا المائدة والأنعام ، ولعلك ألفت السير في هذا التفسير الذي يحتاج إلى صبر ومعاناة ، خاصة في موضوع السياق والتعرف على آفاق الوحدة القرآنية ، وإنما يهوّن عليك السير أن تعلم أنّ عصرنا عصر فتن ، والنجاة في القرآن ، وهذا مما تضافرت عليه أحاديث عن رسولنا عليه الصلاة والسلام ، وإني لم آل جهدا في أن أقدم لك في هذا التفسير كل ما يحتاجه الفهم الصحيح لكتاب الله في عصر كثرت تعقيداته وأهواء أهله. أخرج أبو داود وأصل الحديث في البخاري ومسلم : قال نصر بن عاصم الليثي : أتينا اليشكري في رهط من بني ليث ، فقال : من القوم؟ فقلنا : بنو الليث ، أتيناك نسألك عن حديث حذيفة ، قال : أقبلنا مع أبي موسي قافلين ، وغلت الدوابّ بالكوفة ، فسألت أبا موسى أنا وصاحب لي ، فأذن لنا ، فقدمنا الكوفة ، فقلت لصاحبي : أنا داخل المسجد ، فإذا قامت السّوق خرجت إليك ، قال : فدخلت المسجد ، فإذا فيه حلقة ، كأنما قطعت رؤوسهم ، يستمعون إلى حديث رجل ، قال : فقمت عليهم ، فجاء رجل ، فقام إلى جنبي ، فقلت : من هذا؟ قال : أبصريّ أنت؟ قلت : نعم ، قال : قد عرفت ، ولو كنت كوفيا ، لم تسأل عن هذا ، قال : فدنوت منه ، فسمعت حذيفة يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، وعرفت أن الخير لن يسبقني ، قلت : يا رسول الله ، هل بعد هذا الشر خير؟ قال : يا حذيفة تعلّم كتاب الله ، واتّبع ما فيه ـ ثلاث مرات ـ قلت : يا رسول الله [هل] بعد هذا الخير شر؟ قال : فتنة وشرّ ، قال : قلت : يا رسول الله [هل] بعد هذا الشّرّ خير؟ قال : يا حذيفة ، تعلّم كتاب الله ، واتبع ما فيه ـ ثلاث مرات ـ قلت : يا رسول الله ، [هل] بعد هذا الشّر خير؟ قال : هدنة على دخن ، وجماعة على أقذاء فيها ، أو فيهم ، قلت : يا رسول الله ، الهدنة على الدّخن ما هي؟ قال : لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ، قلت : يا رسول الله هلى بعد هذا الخير شر؟ قال : يا حذيفة ، تعلم كتاب الله ، واتبع ما فيه ـ ثلاث مرات ـ قلت : يا رسول الله ، بعد هذا الخير شرّ؟ قال : نعم فتنة عمياء صمّاء ، عليها دعاة على أبواب النار ، فإن متّ يا حذيفة وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتّبع أحدا منهم».

فأنت ترى أيها المسلم أن دواء ما نحن فيه تعلّم كتاب الله واتّباع ما فيه وهاتان روايتان يعضد بعضهما بعضا تؤكدان هذا المضمون :

٤

ـ قال الحارث [بن عبد الله الهمداني] الأعور : «مررت في المسجد ، فإذا الناس يخوضون في الأحاديث ، فدخلت على علي فأخبرته ، فقال : أو قد فعلوها؟ قلت : نعم ، قال : أما إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ألا إنّها ستكون فتنة ، قلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذّكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرّد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجنّ إذ سمعته حتى قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) [الجن : ١] من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ، خذها إليك يا أعور» أخرجه الترمذي وأحمد والدارمي على مقال في أحد رواته لكنّ معناه صحيح.

ـ قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :) «نزل جبريل عليه‌السلام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره : أنها ستكون فتّن ، قال : فما المخرج منها يا جبريل؟ قال كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، ونبأ ما هو كائن بعدكم ، وفيه الحكم بينكم ، وهو حبل الله المتين ، وهو النور المبين ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الشفاء النافع ، عصمة لمن تمسّك به ، ونجاة لمن اتّبعه ، لا يعوجّ فيقوّم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لا تلتبس به الأهواء ، ولا تشبع منه العلماء ، هو الذي لم تتناه الجنّ إذ سمعته أن قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) من وليه من جبّار فحكم بغير ما فيه قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن اتّبعه هدي إلى صراط مستقيم» أخرجه رزين وذكر معناه ابن كثير بعد حديث الحارث من حديث عبد الله بن مسعود وقال : رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه فضائل القرآن ، فالمعاني في الروايات الثلاث تصبّ في إناء واحد ، أنّ المخرج حيث ادلهمّت الفتن تعلّم كتاب الله والعمل بما فيه ، فاصبر أخي على تعلّم كتاب الله فطريق الجنة محفوف بالمكاره.

٥

في آفاق الوحدة القرآنية

٦
٧

يقول صاحب الظلال في تقديمه لسورة المائدة :

«ومن ثم نجد في هذه السورة ـ كما وجدنا في السور الثلاث الطوال قبلها ـ موضوعات شتى ، الرابط بينها جميعا هو هذا الهدف الذي جاء القرآن كله لتحقيقه : إنشاء أمة وإقامة دولة ، وتنظيم مجتمع ، على أساس من عقيدة خاصة ، وتصور معين ، وبناء جديد .. الأصل فيه إفراد الله ـ سبحانه ـ بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان ؛ وتلقي منهج الحياة وشريعتها ونظامها وموازينها وقيمها منه بلا شريك ..».

ويقول الألوسي في تفسيره عن وجه مناسبة سورة المائدة لسورة النساء وما قبلها :

«ووجه اعتلاقها بسورة النساء ـ على ما ذكره الجلال السيوطي ـ عليه الرحمة ـ أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود صريحا وضمنا ، فالصريح عقود الأنكحة. وعقد الصداق. وعقد الحلف. وعقد المعاهدة والأمان ، والضمني عقد الوصية. والوديعة. والوكالة. والعارية. والإجارة ، وغير ذلك الداخل في عموم قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) فناسب أن تعقّب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود فكأنه قيل : يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمّت ، وإن كان في هذه السورة أيضا عقود ، ووجّه أيضا تقديم النساء وتأخير المائدة بأن أول تلك (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وفيها الخطاب بذلك في مواضع ، وهو أشبه بتنزيل المكي ، وأوّل هذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وفيها الخطاب بذلك في مواضع وهو أشبه بخطاب المدني ، وتقديم العام وشبه المكي أنسب ، ثم إنّ هاتين السورتين في التلازم والاتحاد نظير البقرة ، وآل عمران ، فتانك اتحدا في تقرير الأصول من الوحدانية والنبوة ونحوهما ، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.

وقد ختمت المائدة في صفة القدرة ، كما افتتحت النساء بذلك ، وافتتحت النساء ببدء الخلق ، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء ، فكأنهما سورة واحدة اشتملت على الأحكام من المبدأ إلى المنتهى ، ولهذه السورة أيضا اعتلاق بالفاتحة. والزهراوين كما لا يخفى على المتأمل».

ونحن مع إثباتنا لما قاله صاحب الظلال والألوسي مما يدخل في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم نضيف :

٨

إن في القرآن سرا آخر ، وروابط أخرى أقوى ، تربط سور هذا القرآن بعضها ببعض بروابط هي وحدها إعجاز ، فكيف إذا كانت واحدة من مظاهر الإعجاز؟.

لقد درجنا فيما مرّ من هذا التفسير ، أن نعرض لوجهة نظرنا في موضوع الوحدة القرآنية ، بشكل رفيق ، وكلما جاءت مناسبة ذكرنا جزءا من وجهة النظر ، بحيث يكمّل ما سبق ذكره ، ويبقى الموضوع مفتوحا لكلام جديد.

إن كل سورة في القرآن الكريم هي جزء من قسم ، أو جزء من مجموعة في قسم ، وكل مجموعة سور تشكل فيما بينها وحدة على ترتيب معيّن ، وكل سورة في مجموعة لها محورها من سورة البقرة ، والمجموعة مع بعضها تلقي أضواء التفصيل على محاور سورها في سورة البقرة ، على ترتيب تفصّل فيه السورة اللاحقة في محور يأتي بعد محور السورة السابقة ، بحيث تجد آية أو آيات في سورة البقرة ، قد فصلتها سورة ، ثم سورة ، ثم سورة ، وكل ذلك على طريقة عجيبة في التفصيل كما سيمر معنا بإذن الله تعالى.

ولا يعني ما مرّ أنّ سورة البقرة كانت آياتها مجملة (١) ، فالله ـ عزوجل ـ وصف القرآن كله بالإحكام والتفصيل : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) فسورة البقرة مفصّلة فيها المعاني ومن ثمّ فهي تلقي أضواء التفصيل على بقية السور ، والسور كلها تلقي عليها أضواء التفصيل بما يتكامل معه التفصيل تكاملا عجيبا.

ولعلّه لم يحن حتى الآن ، أو ان الكلام في هذا الموضوع بأكثر مما ذكرنا فلنكتف ههنا بهذا القدر الذي ستأتيك أمثلته وتفصيلاته مرّات ومرّات.

لقد كانت سورة البقرة مقدمة ، وأقساما ثلاثة ، وخاتمة ، ورأينا كيف أن المعاني تترابط فيها ترابطا مدهشا ، وكيف أن كل الأقسام مرتبطة بالمقدمة ، وكيف أن الخاتمة كذلك مرتبطة بالمقدمة.

ثم جاءت سورة آل عمران ففصّلت في مقدمة سورة البقرة والمعاني التي هي أشد لصوقا بها ، وقلنا من قبل : إن سورة النساء والمائدة والأنعام ستفصل في المقطع الأول من القسم الأول من سورة البقرة ، بشكل مباشر على الترتيب التالي :

__________________

(١) ـ لم نرد بالإجمال هنا : المعنى الأصولي لهذه الكلمة.

٩

سورة النساء تفصّل في الآيات الخمس الأولى من هذا المقطع ، فهي محورها الرئيسي.

وسورة المائدة ستفصّل في الآيتين اللاحقتين للآيات الخمس ، فهما محورها الرئيسي.

وسورة الأنعام ستفصّل في الآيتين الأخيرتين للمقطع ، فهما محورها الرئيسي.

وسنرى أن سورة الأعراف ستفصّل في المقطع الثاني من القسم الأول من سورة البقرة ، وأنّ سورتي الأنفال وبراءة ستفصلان في محور يأتي في القسم الثالث من سورة البقرة ، وبهذا ينتهي القسم الأول من أقسام القرآن قسم الطوال ، وبانتهائه نأخذ التفصيل الأول لمعاني سورة البقرة ، بما يغطي مجموع معانيها ، ليبدأ القسم الثاني وفيه التفصيل الثاني كما سنراه فيما بعد.

لقد فصّلت مجموعة السور السبع التي جاءت بعد سورة البقرة معاني في هذه السورة مبتدئة بأول السورة ، ثم جاءت المحاور بعد ذلك متلاحقة. كل محور لاحق يأتي بعد محور سابق ومجموعة السور السبع وهي تفصّل في محاورها لم تكن تفصّل في المحور فقط ، وإنما كانت تفصّل في المحور وامتدادات معانيه الأكثر لصوقا به من سورة البقرة نفسها. وهكذا جاءت كل سورة من سور المجموعة وهي تجمع بين المحور وامتدادات معانيه على نسق جديد ، مفصّلة ومبينة ، بحيث لا ننتهي من قسم الطوال إلا وقد أخذنا تفصيلا شاملا لمعان في سورة البقرة ، من خلال السياق الخاص لكل سورة من هذه السور.

وستأتي الأمثلة والتفصيل شيئا فشيئا. فلنبدأ عرض سورة المائدة.

١٠
١١

١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصّلاة والسّلام على رسول الله وآله وأصحابه

ربّنا تقبّل منّا ، إنّك أنت السّميع العليم

١٣

كلمة في سورة المائدة :

قلنا إن المقطع الأول من القسم الأول من سورة البقرة والذي جاء بعد مقدمة سورة البقرة ، هو مقطع الطريقين فبعد أن ذكرت مقدمة سورة البقرة أصناف الناس : متقين ، وكافرين ، ومنافقين ، جاء المقطع الأول ليوضح الطريق إلى التقوى ، والطريق إلى الكفر والنفاق ، فجاءت الآيات الخمس الأولى منه لتوضح الطريق إلى التقوى ، وهي التي كانت محور سورة النساء. وبعد هذه الآيات الخمس تأتي آيتان هما محور سورة المائدة ، ثم آيتان هما محور سورة الأنعام.

فالآيتان اللتان هما محور سورة المائدة ، تتكلمان في الفسوق الذي هو الطريق إلى الكفر والنفاق ، والآيتان اللتان هما محور سورة الأنعام تناقشان الكافرين بكفرهم ، وتقيمان عليهم الحجة من خلال ظاهرتي الحياة والعناية. وإذا قلنا إن سورة النساء تكلمت في الطريق إلى التقوى ، وسورة المائدة تكلمت في الطريق إلى الفسوق ، فذلك في سياقهما الرئيسي ، إن آيتي البقرة اللتين تشكلان محور سورة المائدة هما :

(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

فهذا هو الطريق إلى الكفر والنفاق ، نقض للعهد ، وقطع لما أمر الله به أن يوصل ، وإفساد في الأرض ، فهؤلاء هم الفاسقون ، وهم الخاسرون ، وهم الكافرون ، وهم المنافقون بقسميهم. وتأتي سورة المائدة لتحرر المرء من هذه الأخلاق ، وتفصّل فيها ، وتدعو إلى ما يقابلها. فهي تبدأ بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ).

وفي سياق سورة المائدة يأتي قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) وفي سياق السورة أيضا يأتي قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَ

١٤

عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ). (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

وفي سياق السورة يأتي قوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) وفي سياق السورة يأتي قوله تعالى (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) ...

وصلة ذلك كله بقوله تعالى من سورة البقرة : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) لا تخفى ، ففي السورة نماذج لنقض العهد مع الله ، وتذكير بالوفاء بالعهود والعقود. ثم إن في السورة تذكيرا بما أمر الله أن يوصل فتذكر الولاء لله والرسول والمؤمنين وصلة ذلك بقوله تعالى في سورة البقرة (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ...) لا تخفى أيضا. وفي سورة المائدة يأتي قوله تعالى : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ...).

(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وصلة ذلك بقوله تعالى في سورة البقرة : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) واضحة. فسورة المائدة تفصّل في موضوع نقض العهد ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ، وفي موضوع الإفساد في الأرض ، من خلال العرض ، ومن خلال الأمر بما يحرّر من ذلك وهذا أول مظهر من مظاهر ارتباطها بمحورها.

قلنا : إنّ محور سورة المائدة من سورة البقرة هو الآيتان : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

١٥

وقد رأينا فيما ذكرناه نماذج وردت في السورة على قضايا الميثاق ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ، والإفساد في الأرض. ونلاحظ كذلك أن كلمة الفاسقين ترد في السورة كثيرا ، وكذلك كلمة الخاسرين. مما يؤكد ما ذكرناه من أنّ محور سورة المائدة هو تلكما الآيتان من سورة البقرة.

نلاحظ مثلا مجىء كلمة الخاسرين في قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ..) وفي قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) ... (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) .. (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).

وكما وردت كلمة الخاسرين في السورة كثيرا فكذلك كلمة الفاسقين :

(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ* قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ).

(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).

إنه لمن الواضح أن هناك صلة بين سورة المائدة وبين قوله تعالى من سورة البقرة (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

إن سورة المائدة تفصّل فيما هو نقض للميثاق ، وفيما هو قطع لما أمر الله به أن يوصل ، وفيما هو إفساد في الأرض ، فتدعونا لتركه وتطالبنا بما لو فعلناه لا نكون فاسقين ولا خاسرين ، أي لا منافقين ولا كافرين ، فهي تكمّل سورة النّساء ، فإذا كانت سورة النساء قد فصّلت فيما هو من التقوى ، فسورة المائدة تفصّل فيما ليس من التقوى لتعمّق عندنا قضية التقوى وتحققنا بها بتخليصنا من أضدادها.

١٦

وإذا عرفنا محور السورة من سورة البقرة ، وعرفنا مضامينها الرئيسية. فلنبدأ عرض السورة ملاحظين : أنّ بداية سورة المائدة هي (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...). وأنّ بداية صفات الفاسقين في سورة البقرة هي (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ.). فالسورة تبدأ بذكر ما يحرّرنا من نقض العهد الذي يستحق به صاحبه الإضلال ، وقد أغفلنا عمدا الإشارة في هذه المقدمة إلى كيفية تفصيل سورة المائدة في امتدادات معاني محورها من سورة البقرة ، مؤثرين تأجيله لعرضه أثناء التفسير.

تتألف السورة من ثلاثة أقسام وخاتمة : القسم الأول يبدأ بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) والقسمان الآخران يبدأ كل منهما بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ويتألف القسم الأول من ثلاثة مقاطع والثاني من مقطعين والثالث من مقطعين ثم تأتي الخاتمة ، وللتسهيل فسنعرض السورة على أنها مقاطع مشيدين إلى الأقسام.

آثار ونصوص

روى الحاكم عن جبير بن نفير قال : (حججت فدخلت على عائشة فقالت لي : يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت : نعم فقالت : أما إنّها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه ، وما وجدتم فيها من حرام فحرّموه).

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : (أنزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته ، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها).

وقال عبد الله بن عمرو : (آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح) رواه الترمذي وقال حسن غريب.

فلنعط إذن لدراسة المائدة ما تستحقه من الأناة فإنها من الأهمّية بالمكان الكبير لمن يريد أن يفهم دين الله ، ولمن يريد أن يتحرر من أسباب الضلال ، وأن يستكمل قضية التقوى في نفسه.

١٧

المقطع الأول

ويبدأ من الآية (١) إلى نهاية الآية (١١) وهذا هو :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١))

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّـهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢))

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ

١٨

لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّـهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٥))

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم

١٩

بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧))

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠))

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١))

كلمة في المقطع :

يبدأ المقطع بالأمر بالوفاء بالعقود ، وينتهي بتذكيرنا بنعمة الله ـ عزوجل ـ علينا أن كفّ أيدي النّاس عنا بعد إذ همّوا باستئصالنا ، وكأن ختم المقطع بهذه النهّاية يقول لنا : أيها المؤمنون : كونوا مسلمين ملتزمين ، ولا يحملنكم خوف الناس على التخلي عن إسلامكم ، ولذلك فقد ختمت الآية الأخيرة بالأمر بالتقوى والتوكل .. (وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

وفي الآية الثانية من المقطع يرد قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا).

وقبل نهاية المقطع بثلاث آيات يرد قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) مما يشير إلى وحدة المقطع وارتباط نهاياته ببداياته.

٢٠