الأساس في التفسير - ج ١٠

سعيد حوّى

الأساس في التفسير - ج ١٠

المؤلف:

سعيد حوّى


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٧

الموت والحياة ، وحكمة ذلك ، ثم تحدثت عن خلقه السموات ودقة الخلق ، وأمرت بتكرار النظر للوصول من خلاله إلى اليقين الكامل ، ثم تحدثت عن تزيين السماء الدنيا بالكواكب ، ورجم الشياطين بها ؛ ليصل النص إلى الكلام عن عذاب الشياطين والكافرين يوم القيامة ، ودخولهم النار ، وتوبيخ الملائكة لهم ، واعتراف الكافرين بمواقفهم التي استحقوا بها العقاب ، واعترافهم أنهم كانوا بلا سمع ولا عقل ، وفي هذا السياق يحدثنا الله عزوجل عن الذين يستحقون مغفرته وجنته ، وهم الذين يخشون ربهم بالغيب ، ومجىء هذا المعنى في سياق إقامة الحجة على الكافرين يوحي بأن المظهر الحقيقي للإيمان بالله هو خشية الله عزوجل ، وههنا يذكرنا الله عزوجل بما يستثير في قلوبنا الخشية منه ، وهو علمه بسرنا وجهرنا ، ويذكر لنا الدليل على ذلك أنه هو الذي خلق هذا السر والجهر ، ومن تأمل هذه المعاني وجدها على صلة كاملة بقوله تعالى في المحور : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

٣ ـ يلاحظ أن الفقرة الثانية من سورة الملك تبدأ بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) وهي كما ترى شديدة الصلة بالآية الثانية من المحور (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وكذلك بقية الفقرة ، فكأن الفقرة الأولى أشد لصوقا بمعاني الآية الأولى من المحور ، والفقرة الثانية أشد لصوقا بمعاني الآية الثانية.

٥٤١

الفقرة الثانية

وتمتد من الآية (١٥) إلى نهاية السورة أي : إلى نهاية الآية (٣٠) وهذه هي

مقدمة الفقرة

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))

المجموعة الأولى

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢))

المجموعة الثانية

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ

٥٤٢

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

التفسير :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي : لينة سهلة ، مذللة مسخرة معبدة للإنسان يستطيع أن يستفيد منها ويطمئن فيها (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) أي : في جوانبها استدلالا واسترزاقا ، أو في جبالها وطرقها. قال ابن كثير : أي : فسافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات. أقول : وهذا مظهر من مظاهر تذليلها وتسخيرها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) أي : من رزق الله فيها ، وهذا مظهر ثان من مظاهر تسخيرها أن أوجد فيها كل ما يحتاجه الإنسان لرزقه (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي : المرجع يوم القيامة. قال النسفي : أي : وإليه نشوركم فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم.

كلمة في السياق :

١ ـ يلاحظ أن الرجوع إلى الله قد ذكر في الآية الأولى من آيتي المحور : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ثم جاءت الآية الثانية في المحور وهي كالدليل على ما ورد في الآية الأولى من خلق الموت والحياة والرجوع إلى الله فقالت : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ونلاحظ أن الرجوع إلى الله في السورة ذكر هنا بجانب تذليل الله عزوجل الأرض للإنسان (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فالرجوع إلى الله ذكر ههنا بجانب المعنى الذي يرجع إلى آية المحور الثانية

٥٤٣

فما فهمناه هناك من السياق نراه ههنا صراحة.

٢ ـ بدأت السورة بالكلام عن خلق الموت والحياة ، وحكمة ذلك ، وسارت في سياقها الرئيسي في عرض مظاهر الخلق ، حتى استقرت على الآية الأخيرة لتبدأ حوارا مع الكافرين بالله واليوم الآخر ، فبعد أن أقامت الحجة على الكافرين ، وبعد أن لفتت نظر الإنسان إلى وجوب الشكر ، تبدأ السورة في الخطاب المباشر للإنسان لتقتلع جذور الكفر بالله واليوم الآخر في مجموعتين متلاحقتين : الأولى عمادها الاستفهام ، والثانية عمادها الأمر (قل).

٣ ـ لاحظ أن محور السورة يبدأ بهذا الخطاب (كَيْفَ تَكْفُرُونَ ...) وأن الآية الأولى من المجموعة القادمة تقول : (أَأَمِنْتُمْ) لاحظ التشابه ، فآية المحور فيها خطاب للإنسان الكافر ، وآية المجموعة الأولى وما بعدها فيها خطاب مباشر للإنسان الكافر ، وآية المحور تبدأ باستفهام ، والمجموعة تبدأ باستفهام ، وفي الاستفهام هنا تعجيب وإنكار كما أنه هناك كذلك.

تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) أي : أأمنتم الله عزوجل (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) من تحتكم (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) أي : تضطرب وتتزلزل بكم جزاء لكم على كفركم ، أو ليس هو الذي جعلها لكم ذلولا ، أو ليس القادر على خلقها كما هي قادرا على أن يفعل فيها هذا (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي : حجارة. قال ابن كثير : أي : ريحا فيها حصباء تدمغكم (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أي : إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم. قال ابن كثير : أي : كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ لقد كان عظيما شديدا أليما ، فكيف يأمن هؤلاء تعذيبي لهم على كفرهم. قال النسفي : ثم نبه الله على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) أي : باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن (وَيَقْبِضْنَ) ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن (ما يُمْسِكُهُنَ) أي : في الجو (إِلَّا الرَّحْمنُ) قال ابن كثير : أي : بما سخر لهن من الهواء من رحمته ولطفه. وقال النسفي : أي : ما يمسكهن عن الوقوع عند القبض

٥٤٤

والبسط إلا الرحمن بقدرته (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) قال ابن كثير : أي : بما يصلح كل شىء من مخلوقاته. وقال النسفي : أي : يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب. أقول : لفت الله عزوجل النظر إلى بديع صنعه في خلقه الطير على ما هو عليه ، وجعله سنن الكون تخدمه ، إلى بصارته تعالى في الأشياء وخلقها ، وهذا يقتضي من الإنسان إيمانا وخشية ، لا كفرا وأمنا ، ثم قال تعالى منكرا عليهم أمنهم ، وحاملا لهم على خشيته : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) قال ابن كثير : أي : ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ولا ناصر لكم ، وقال النسفي : والمعنى : من المشار إليه بالنصر غير الله؟ أقول : وإذ كان الجواب بالنفي فإن الله عزوجل يقول : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) أي : ما هم إلا في غرور عند ما يأمنون عذابه أو يتكلون على غيره ، أو يكفرون به ، أو يعبدون سواه ، ثم قال تعالى : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) قال ابن كثير : (أي : من هذا الذي إذا قطع الله عنكم رزقه يرزقكم بعده أي : لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق وينصر إلا الله عزوجل وحده لا شريك له) يعلمون ذلك ، ويعبدون غيره. وفي الصيغة إنكار عليهم في كفرهم ، ومطالبة لهم أن يؤمنوا ولكن لما كانوا قد وصلوا إلى حالة من الكفر لم يعد لهم معها رجعة إلى الإيمان قال : (بَلْ لَجُّوا) أي : تمادوا (فِي عُتُوٍّ) أي : استكبار عن الحق (وَنُفُورٍ) أي : وشراد عنه لثقله عليهم فلم يتبعوه. قال ابن كثير : أي : استمروا في طغيانهم وإفكهم ، وضلالهم ... في معاندة واستكبار ، ونفور على أدبارهم عن الحق لا يسمعون له ، ولا يتبعونه. أقول : ثم ضرب الله مثلا لحال الكافر والمؤمن ، منه يفهم أن هؤلاء الكافرين في غاية الضلال. فقال : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) أي : ساقطا على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفا (أَهْدى) أي : أرشد (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أي : مستويا منتصبا سالما من العثور والخرور (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) على طريق مستو. قال ابن كثير : (وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه ، منحنيا لا مستويا على وجهه ، أي : لا يدري أين يسلك ، ولا كيف يذهب ، بل تائه ضال. أهذا أهدى (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أي : منتصب القامة (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : على طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة ، وهذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكونون في الآخرة ، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم ، مفض به إلى الجنة الفيحاء ، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم). وبهذا انتهت

٥٤٥

المجموعة الأولى من الفقرة الثانية.

كلمة في السياق :

١ ـ استثارت المجموعة كوامن النفس البشرية لإيصالها إلى خشية الله عزوجل ، وبإدراكنا لهذا المعنى ندرك صلة المجموعة بما قبلها من سياق السورة (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ* وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ* هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ* أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ* وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ* أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ* أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ* أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ* أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

٢ ـ أنذرت المجموعة الكافرين بأنواع من الإنذارات ، ثم مثلت لحالهم وعجبت من حالهم ، وأنكرت عليهم هذا الحال ، وصلة ذلك بمحور السورة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ...) واضحة.

٣ ـ يلاحظ أن سورة سبأ محورها هو نفس محور سورة الملك ، ومن ثم فقد ورد في سورة سبأ قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ، وأن المجموعة التي مرت معنا بدأت بقوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ).

٤ ـ من سياق السورة عرفنا أن هناك صنفين من البشر : صنفا يخشى الله عزوجل وهو الذي يمشي سويا على صراط مستقيم ، وصنفا لا يخشى الله عزوجل وهو الذي يمشي مكبا على وجهه ، ومن السورة عرفنا أن الصنف الأول هو المهتدي ، وأن كل الحجج العقلية والنقلية بجانبه ، وأن الصنف الثاني هو الضال ، ولا عقل ولا سمع

٥٤٦

بجانبه ، وبذلك عرفنا الآثار العملية للكفر بالله ، والآثار العملية للإيمان بالله عزوجل ، فخشية الله عزوجل هي الأثر الصحيح للإيمان بالله ، والأمن من عذاب الله في الدنيا والآخرة هو الأثر اللعين للكفر بالله ، فالسورة إذن تفصل في المحور من حيث إنها توضح حجج المحور وتبين تفصيلات فيها ، ومن حيث إنها تلفت النظر إلى آثار الكفر بالله عزوجل ، لقد عرفتنا السورة على الله عزوجل ، ودلتنا عليه ، وأقامت الحجة على الكافرين به ، وعنفتهم على أمنهم من عقابه ، وبشرت المؤمنين الخائفين من عذابه ، ومثلت لحال هؤلاء وهؤلاء.

٥ ـ ولقد استقرت المجموعة التي مرت معنا على تبيان حال الكافرين والمؤمنين ، ومن ثم تأتي المجموعة الثانية في الفقرة الثانية آمرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول لهؤلاء الكافرين معاني محددة ؛ ولذلك تتكرر كلمة (قل) في المجموعة التالية.

تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الثانية

الأمر الأول :

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) قال ابن كثير : أي : ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي : العقول والإدراك ، قال النسفي في علة تخصيص السمع والبصر والفؤاد بالذكر : خصها (أي : بالذكر) لأنها آلات العلم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي : تشكرون شكرا قليلا هذه النعم لأنكم تشركون بالله ولا تخلصون له العبادة. قال ابن كثير : أي : قلما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره.

كلمة في السياق :

١ ـ ذكر الله عزوجل في هذه الآية الإنسان بابتداء خلقه ، وبما أنعم عليه من أمهات النعم ، وبين له أن ذلك يقتضي منه الشكر ، وفي ذلك إنكار على الكافرين الذين لجوا في عتو ونفور ، وإقامة حجة عليهم ، واستخراج للشكر من المؤمنين ، وهكذا عرفنا صفة ثالثة من صفات أهل الإيمان : الأولى : خشية الله ، والثانية : المشي المستقيم على الصراط المستقيم ، والثالثة : الشكر على ما أنعم الله به ، وهي كلها لوازم الإيمان بالله.

٥٤٧

٢ ـ يلاحظ أن آية المحور الأولى قالت : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وأن الأمر الأول ههنا كان (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) ويلاحظ أن الأمر الثاني في هذه المجموعة يقول : (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى في المحور : (فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فكلمة (ترجعون) في المحور ، وكلمة (تحشرون) في الآية التي ستأتي معنا الآن متلازمتان ، فالصلة على أتم الوضوح بين المحور والسورة ، فلنر الأمر الثاني.

الأمر الثاني :

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) قال النسفي : أي : خلقكم ، وقال ابن كثير : أي : بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم ، وحلاكم وأشكالكم وصوركم (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي : للحساب والجزاء. قال ابن كثير : (أي : تجمعون بعد هذا التفرق والشتات يجمعكم كما فرقكم ، ويعيدكم كما بدأكم) ولما كان الكفار ينكرون الحشر أصلا ـ كأثر عن كفرهم بالله عزوجل ـ فقد أخبرنا الله عزوجل عن هذا الإنكار للمعاد واستبعاد الكافرين له. فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي : الذي تعدوننا به من أننا سنحشر (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : في كونه ، فأعلمونا زمانه ، قال ابن كثير : أي : متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق. أقول : علامة صدق الرسول والمؤمنين عندهم تتمثل في قدرتهم على تحديد الزمن الذي يجىء فيه اليوم الآخر ، وليس الأمر كذلك ، فمجىء اليوم الآخر قضية عقلية نقلية ، هي أثر عن الإيمان بالله ، وقد شاء الله عزوجل ألا يعلم أحد بزمنها لحكمة ؛ ولذلك قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) قال ابن كثير : أي : لا يعلم وقت ذلك على اليقين إلا الله عزوجل ، لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) أي : منذر (مُبِينٌ) قال النسفي : أي : أبين لكم الشرائع ، وقال ابن كثير : أي : وإنما علي البلاغ وقد أديته إليكم (فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي : الوعد يعني : العذاب في اليوم الموعود (زُلْفَةً) أي : قريبا منهم (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ساءت رؤية الوعد وجوههم ، بأن علتها الكآبة والمساءة ، وغشيتها القترة

٥٤٨

والسواد. قال ابن كثير : أي : لما قامت القيامة ، وشاهدها الكفار ، ورأوا أن الأمر كان قريبا لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه ، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك لما يعلمون ما لهم هناك من الشر ، أي : فأحاط بهم ذلك وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب ... ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أي : تستعجلون. قال النسفي : من الدعاء أي : تسألون تعجيله ، وتقولون : ائتنا بما تعدنا ، أو هو من الدعوى أي : كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون.

كلمة في السياق :

١ ـ في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) دليل ضمني على مجىء اليوم الآخر ، فمتى ثبت أن الله عزوجل هو الذي خلق البشر وبثهم في الأرض ، لم يعد مستغربا أن يحشرهم ، فمن بدأهم لا يعجزه أن يخلقهم مرة ثانية ويحشرهم ، وهكذا نجد أن الأمر الثاني يؤكد مضمون الأمر الأول ، ويزيد عليه.

٢ ـ ولما كان الكافرون منهمكين في الكفر ، ومستمرين عليه ، ومستكبرين ونافرين (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) فإنهم يتضايقون من الإنذار باليوم الآخر ، ومن التذكير بالله ، ومن المنذرين والمذكرين ، ولذلك يتمنون لهم الهلاك ، ومن ثم أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبين لهم أنه سواء هلك المؤمنون أو لم يهلكوا ، فالأمر سواء بالنسبة لتعذيب الكافرين ، وليس لهم مفر من التعذيب ، فليفكروا في صلب ما هم فيه ، وفي ذلك إرجاع للكافر إلى أصل الموضوع. وتعليم لنا أن نبقي الكافر في النقطة الرئيسية فلا يصرفنا عنها إلى فرعيات.

الأمر الثالث :

(قُلْ) قال ابن كثير : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) أي : إن أماتني الله (وَمَنْ مَعِيَ) من أصحابي (أَوْ رَحِمَنا) أي : أو أخر آجالنا (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي : من ينجيهم من عذاب النار. قال ابن كثير : (أي : خلصوا أنفسكم فإنه لا منقذ لكم من الله إلا التوبة والإنابة والرجوع إلى دينه ، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب

٥٤٩

والنكال ، فسواء عذبنا الله أو رحمنا ، فلا مناص لكم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بكم).

كلمة في السياق :

في الآية التي مرت معنا دعوة للكافرين أن يؤمنوا ، وأن يتركوا ما هم عليه من كفر ، وألا تنسيهم أمانيهم الفاجرة الظالمة في حق المؤمنين حقيقة ما أمامهم ، والآن يأتي أمر رابع يأمر الله به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعلن هو والمؤمنون عن إيمانهم بالله ، وتوكلهم عليه ، في مقابل كفر هؤلاء الكافرين ، وتمنيهم أن يهلك رسول الله والمؤمنون ، وصلة هذا الأمر بما قبله لا تخفى.

الأمر الرابع :

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) في ذكر الرحمن هنا إشارة إلى أن أهل الإيمان مرحومون ، وأن ما يتمناه الكافرون لهم هو محض ضلال ، ففعل الله بالمؤمنين دائما محفوف بالرحمة (آمَنَّا بِهِ) أي : صدقنا به ولم نكفر به كما كفرتم ، فنحن محل ظهور آثار رحمته (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) في جميع أمورنا ، أي : فوضنا إليه أمورنا ، فمهما فعل فينا فنحن راضون مستسلمون ، وهو جل جلاله حسبنا (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) نحن المؤمنين به المتوكلين عليه ، أم أنتم الكافرين به المعتمدين على الأسباب. قال ابن كثير : أي : منا ومنكم ، ولمن تكون العاقبة في الدنيا والآخرة.

كلمة في السياق :

في هذه الآية رد على رغبة الكافرين بهلاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، وفيها تبيان لأثر جديد من آثار الإيمان بالله وهو التوكل عليه ، وفيها بيان لكون الكافرين بالله الذين لا يتوكلون عليه في ضلال واضح ، ثم تأتي آية أخيرة فيها دليل على أن الله وحده هو أهل للإيمان به وأهل للتوكل عليه ، وفيها دليل على افتقار خلقه إليه ، ومن ثم ففيها إنكار على من يكفر به وهذه هي :

الأمر الخامس :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) أي : غائرا ذاهبا في الأرض ، فلا نهر ولا عين ولا بئر ، بل يذهبه الله عزوجل في باطن الأرض حيث

٥٥٠

لا تستفيدون منه (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) قال ابن كثير : أي : نابع سائح جار على وجه الأرض ، أي : لا يقدر على ذلك إلا الله عزوجل ، فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه ، وأجراها في سائر أقطار الأرض بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة فلله الحمد والمنة.

كلمة في السياق :

١ ـ رأينا صلة الآية الأخيرة بما قبلها مباشرة ، وأما صلتها ببداية فقرتها ـ أي : بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ـ فمن حيث إن للماء المعين صلة كبيرة بتذليل الأرض ، والأكل من أرزاقها. وأما صلة الآية الأخيرة بمحور السورة ـ أي : بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ـ فمن حيث إن مما خلقه الله عزوجل في هذه الأرض للإنسان هذه المياه التي لولاها لتعذرت الحياة.

٢ ـ واضح أن السورة آخذة آياتها برقاب بعضها ، ومتعانقة ضمن سياق واضح المعالم ، يبدأ بالتعريف على الله ، ثم ينذر الكافرين ، ثم يأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخاطب هؤلاء الكافرين الخطاب ، تلو الخطاب حتى تنتهي السورة ، وقد رأينا ذلك كله وصلته بالمحور ، ولنا عودة على سياق السورة في الكلمة الأخيرة عنها.

الفوائد :

١ ـ بمناسبة قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال ابن كثير : (وروى ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الله أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ، ثم دار بقاء» ورواه معمر عن قتادة).

٢ ـ بمناسبة قوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) أقول : الذي أميل إليه أن المراد بالمصابيح الكواكب السيارة ، والذي رجح ذلك عندي هو ما يلي :

أ ـ يلاحظ أن القرآن عبر عن الشمس بالسراج ، ومن المعلوم أن النجوم في هذا

٥٥١

الكون كلها من نوع الشمس ، والكواكب السيارة وحدها ليست من هذا القبيل ، والله تعالى قال في سورة الصافات : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) وههنا قال : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ).

ب ـ من المعلوم أن الأحاديث النبوية تشير إلى أن بعد السماء الدنيا عن الأرض خمسمائة سنة ، ومن المعلوم أن النجوم تبعد عن الأرض كثيرا ، حتى إن أقرب نجم يبعد عن الأرض أربع سنين ضوئية ، وعلى هذا فليس بين الأرض والسماء إلا الكواكب السيارة فهي المصابيح.

(ج) من المستبعد أن تكون الشهب آتية من نجوم هذا الكون ، فالأقرب أنها أجزاء من الكواكب السيارة ، والله عزوجل حدثنا أن هذه الشهب من هذه المصابيح ، وهذا يرجح أن المراد بالمصابيح الكواكب السيارة ، وهذا موضوع شائك لا أجزم فيه ، ولكني أذكر رأيا لعله يفيد الباحثين.

٣ ـ بمناسبة قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) قال ابن كثير : (كما ثبت في الصحيحين : «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله» فذكر منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).

٤ ـ بمناسبة قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) قال صاحب الظلال : (فمما يقوله العلم في مدلول الأرض الذلول : إن هذا الوصف : (ذَلُولاً) ... الذي يطلق عادة على الدابة ، مقصود في إطلاقه على الأرض! فالأرض هذه التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة ، هي دابة متحركة ... بل رامحة راكضة مهطعة!! وهي في الوقت ذاته ذلول لا تلقي براكبها عن ظهرها ، ولا تتعثر خطاها ، ولا تخضه وتهزه وترهقه كالدابة غير الذلول! ثم هي دابة حلوب مثلما هي ذلول!

إن هذه الدابة التي نركبها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة ، ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالي خمسة وستين ألف ميل في الساعة ، ثم تركض هي والشمس والمجموعة الشمسية كلها بمعدل عشرين ألف ميل في الساعة ، مبتعدة نحو برج الجبار في السماء ... ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا معافى لا تتمزق أو صاله ، ولا تتناثر أشلاؤه ، بل لا يرتج مخه ، ولا يدوخ ،

٥٥٢

ولا يقع مرة عن ظهر هذه الدابة الذلول!

وهذه الحركات الثلاث لها حكمة. وقد عرفنا أثر اثنتين منها في حياة هذا الإنسان ، بل في الحياة كلها على ظهر هذه الأرض. فدورة الأرض حول نفسها هي التي تنشأ عنها الليل والنهار ، ولو كان الليل سرمدا لجمدت الحياة كلها من البرد ، ولو كان النهار سرمدا لاحترقت الحياة كلها من الحر ... ودورتها حول الشمس هي التي ينشأ عنها الفصول. ولو دام فصل واحد على الأرض ما قامت الحياة في شكلها هذا كما أرادها الله ... أما الحركة الثالثة ـ فلم يكشف ستار الغيب عن حكمتها بعد. ولا بد أن لها ارتباطا بالتناسق الكوني الكبير.

والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الأرض ، وسهولة استقرارهم عليها ، وسيرهم فيها ، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها وقواها وأرزاقها جميعا ... ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها. والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة ، ويبصرهم بها ، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول. والأرض الذلول كانت تعني في أذهان المخاطبين القدامى تلك الأرض المذللة للسير فيها ، كما جعل لها ضغطا جويا يسمح بسهولة الحركة فوقها. ولو كان الضغط الجوي أثقل من هذا لتعذر أو تعسر على الإنسان أن يسير وينتقل ـ حسب درجة ثقل الضغط ـ فإما أن يسحقه أو يعوقه. ولو كان أخف لاضطربت خطى الإنسان ، أو لانفجرت تجاويفه لزيادة ضغطه الذاتي على ضغط الهواء حوله ، كما يقع لمن يرتفعون في طبقات الجو العليا بدون تكييف لضغط الهواء!

والله جعل الأرض ذلولا ببسط سطحها وتكوين هذه التربة اللينة فوق السطح. ولو كانت صخورا صلدة ـ كما يفترض العلم بعد برودها وتجمدها ـ لتعذر السير فيها ، ولتعذر الإنبات. ولكن العوامل الجوية من هواء وأمطار وغيرها هي التي فتتت هذه الصخور الصلدة ، وأنشأ الله بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة. وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يحلبها راكبو هذه الدابة الذلول!

والله جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا على العناصر التي تحتاج الحياة إليها. بالنسب الدقيقة التي لو اختلت ما قامت الحياة ، وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس. فنسبة الأكسجين فيه هي ٢١ خ تقريبا ، ونسبة الأزوت أو النتروجين هي ٧٨ خ تقريبا ، والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من

٥٥٣

عشرة آلاف وعناصر أخرى. وهذه النسب هي اللازمة بالضبط لقيام الحياة على الأرض!

والله جعل الأرض ذلولا بآلاف من هذه الموافقات الضرورية لقيام الحياة ... ومنها حجم الأرض وحجم الشمس والقمر ، وبعد الأرض عن الشمس والقمر. ودرجة حرارة الشمس. وسمك قشرة الأرض. ودرجة سرعتها. وميل محورها. ونسبة توزيع الماء واليابس فيها. وكثافة الهواء المحيط بها ... إلى آخره ... إلى آخره. وهذه الموافقات مجتمعة هي التي جعلت الأرض ذلولا. وهي التي جعلت فيها رزقا وهي التي سمحت بوجود الحياة. وبحياة هذا الإنسان على وجه خاص.

والنص القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليعيها كل فرد وكل جيل بالقدر الذي يطيق ، وبالقدر الذي يبلغ إليه علمه وملاحظته. ليشعر بيد الله ـ الذي بيده الملك ـ وهي تتولاه وتتولى كل شىء حوله ، وتذلل له الأرض ، وتحفظه وتحفظها. ولو تراخت لحظة واحدة عن الحفظ لاختل هذا الكون كله وتحطم بمن عليه وما عليه!).

٥ ـ بمناسبة قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال ابن كثير : (هذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكون في الآخرة ، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم مفض به إلى الجنة الفيحاء ، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) الآيات أزواجهم أشباههم. روى الإمام أحمد رحمه‌الله عن نفيع قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال : «أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم» وهذا الحديث مخرج في الصحيحين).

٦ ـ بمناسبة قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) قال صاحب الظلال : (والسمع والأبصار معجزتان كبيرتان عرف عنهما بعض خواصهما العجيبة. والأفئدة التي يعبر بها القرآن عن قوة الإدراك والمعرفة ، معجزة أعجب وأغرب. ولم يعرف بعد عنها إلا القليل. وهي سر الله في هذا المخلوق الفريد.

٥٥٤

وللعلم الحديث محاولات في معرفة شىء عن معجزتي السمع والبصر نذكر منها لمحة : «تبدأ حاسة السمع بالأذن الخارجية ، ولا يعلم إلا الله أين تنتهي. ويقول العلم : إن الاهتزاز الذي يحدثه الصوت في الهواء ينقل إلى الأذن ، التي تنظم دخوله ، ليقع على طبلة الأذن. وهذه تنقلها إلى التيه داخل الأذن.

والتيه يشتمل على نوع من الأقنية بين لولبية ونصف مستديرة. وفي القسم اللولبي وحده أربعة آلاف قوس صغيرة متصلة بعصب السمع في الرأس».

«فما طول القوس منها وحجمها؟ وكيف ركبت هذه الأقواس ـ التي تبلغ عدة آلاف كل منها ـ تركيبا خاصا؟ وما الحيز الذي وضعت فيه؟ ناهيك عن العظام الأخرى الدقيقة المتماوجة. هذا كله في التيه الذي لا يكاد يرى! وفي الأذن مئة ألف خلية سمعية. وتنتهي الأعصاب بأهداب دقيقة. دقة وعظمة تحير الألباب».

«ومركز حاسة الإبصار العين ، التي تحتوي على مئة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء ، وهي أطراف أعصاب الإبصار. وتتكون العين من الصلبة والقرنية والمشيمة والشبكية ... وذلك بخلاف العدد الهائل من الأعصاب والأوعية».

«وتتكون الشبكية من تسع طبقات منفصلة ، والطبقة التي في أقصى الداخل تتكون من أعواد ومخروطات. ويقال : إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود ، وعدد الثانية ثلاثة ملايين مخروط. وقد نظمت كلها في تناسب محكم بالنسبة لبعضها البعض ، وبالنسبة للعدسات ... وعدسة عينيك تختلف في الكثافة ، ولذا تجمع كل الأشعة في بؤرة ، ولا يحصل الإنسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس واحد كالزجاج مثلا».

فأما الأفئدة فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان إنسانا. وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف بها الإنسان في هذا الملك العريض).

كلمة أخيرة في سورة الملك :

إن محور سورة الملك قد أنكر على من يكفر بالله ، مقيما عليه الحجة من خلال ظاهرتي الحياة والعناية ، مقررا موضوع الرجوع إلى الله كبديهية ، متحدثا عن خلق الله السموات السبع ، وقد جاءت سورة الملك مفصلة في ذلك كله ضمن سياقها الخاص بها ، تحدثت عن الله عزوجل وعن حكمته في خلق الموت والحياة ، وعن خلق السموات السبع ، وعن تزيينها بالكواكب ، وعن حكمة وجود الكواكب لتصل إلى

٥٥٥

الكلام عن عذاب الشياطين والكافرين في نار جهنم ، لتذكر بعد ذلك جزاء الذين يخشون ربهم ، ثم تذكر معاني تستثير فيها الخشية ، ثم تأمر بعد ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول للكافرين معاني محددة ، وبهذا أقامت السورة الحجة تلو الحجة على الكافرين ، وأنكرت عليهم الكفر وما يتفرع عنه ، وبينت ما يستدعيه الإيمان بالله عزوجل وفصلته ، فكانت بمجموعها تفصيلا لمحورها وبيانا لحكمة الخلق التي تعرض لها المحور ، وكنا ذكرنا من قبل أن محور سورة الملك هو محور سورة الأنعام ، وكما أنه بعد سورة الأنعام سورة الأعراف فبعد سورة الملك سورة القلم التي تفصل في محور سورة الأعراف. فلننتقل إلى الكلام عن سورة (القلم).

٥٥٦

سورة القلم

وهي السورة الثامنة والستون بحسب الرسم القرآني

وهي السورة الخامسة والأخيرة من المجموعة الخامسة من

قسم المفصل ، وهي اثنتان وخمسون آية

وهي مكية

٥٥٧

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه

ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم

٥٥٨

بين يدي السورة :

قدم الألوسي لسورة القلم بقوله : (هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة فقد نزلت ـ على ما روي عن ابن عباس ـ اقرأ باسم ربك ثم هذه ثم المزمل ثم المدثر ، وفي البحر إنها مكية بلا خلاف فيها بين أهل التأويل ، وفي الإتقان استثنى منها (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) إلى (يَعْلَمُونَ) ومن (فَاصْبِرْ) إلى (الصَّالِحِينَ) فإنه مدني حكاه السخاوي ، وفي جمال القراء وآيها ثنتان وخمسون آية بالإجماع ، ومناسبتها لسورة الملك على ما قيل من جهة ختم تلك بالوعيد ، وافتتاح هذه به ، وقال الجلال السيوطي في ذلك : أنه تعالى لما ذكر في آخر الملك التهديد بتغوير الماء ، استظهر عليه في هذه بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة بطائف طاف عليها وهم نائمون ، فأصبحوا ولم يجدوا له أثرا حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق ، وإذا كان هذا في الثمار ـ وهي أجرام كثيفة ـ فالماء الذي هو لطيف أقرب إلى الإذهاب ؛ ولهذا قال سبحانه هنا : (وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) وقال جل وعلا هناك : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) إشارة إلى أنه يسري عليه في ليلة كما أسرى على الثمر في ليلة. انتهى ، ولا يخلو عن حسن ، وقال أبو حيان فيه : إنه ذكر فيما قبل أشياء من أحوال السعداء والأشقياء ، وذكر قدرته الباهرة وعلمه تعالى الواسع ، وأنه عزوجل لو شاء لخسف بهم الأرض ، أو لأرسل عليهم حاصبا ، وكان ما أخبر به سبحانه هو ما أوحى به إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلاه عليه الصلاة والسلام وكان الكفار ينسبونه في ذلك مرة إلى الشعر ، ومرة إلى السحر ، ومرة إلى الجنون ، فبدأ جل شأنه هذه السورة الكريمة ببراءته صلى الله تعالى عليه وسلم مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون وتعظيم أجره على صبره على أذاهم وبالثناء على خلقه).

كلمة في سورة القلم ومحورها :

قلنا إن محور سورة القلم هو محور سورة الأعراف ، ومحور سورة الأعراف هو القاعدة الكلية التي ختمت بها قصة آدم عليه‌السلام في سورة البقرة ، وهي (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ودليل ذلك واضح من معاني السورة ، ومن التشابه بين آيات فيها وبين سورة الأعراف ففي السورة

٥٥٩

نجد قوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) وفي السورة نجد قوله تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) لاحظ صلة الآيتين بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) ولاحظ صلة الآية الثانية بقوله تعالى في سورة الأعراف : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ونكتفي بهذه الإشارة في هذا المقام فسنرى تفصيلات ذلك أثناء عرض السورة.

والملاحظ أن سورة (ن) وسورة (ق) وسورة (ص) كل منها مبدوء بحرف واحد ، وتنتهي نهاية متشابهة.

فسورة (ص) تنتهي بقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

وسورة (ق) تنتهي بقوله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

وسورة (ن) تنتهي بقوله تعالى : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ).

ومن قبل رأينا أن سورة (ص) نهاية مجموعة ، وسورة (ق) نهاية مجموعة ، وهذا يجعلنا نستأنس بأن سورة (ن) نهاية مجموعة ، وإن اختلفت محاور هذه السور الثلاث بحسب النهاية التي تستقر عليها المجموعة التي وردت فيها.

ونلاحظ أن سورة الملك انتهت بقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ ...) فسورة الملك منتهية بآيات تخاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسورة (ن) تبدأ بخطاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ن* وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ* ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ* فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ* بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) فالصلة واضحة بين نهاية سورة الملك وبداية سورة (ن).

٥٦٠