معجم مقاييس اللغة - ج ١

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩

باب الجيم والراء وما يثلثهما

جرز الجيم والراء والزاء أصلٌ واحد ، وهو القطْع. يقال جَرَزْتُ الشئَ قطعتُه. وسيفٌ جُرَاز أى قَطّاع. وأرْضٌ جُرُزٌ لا نَبْت بها ، كأنَّه قُطِع عنها. قال الكسائى* والأصمعىّ : أرضٌ مجروزة من الجرز ، وهى التى لم يُصِبْها المطر ، ويقال هى التى أُكل نباتُها. والجَرُوزُ : الرّجُل الذى إذا أكل لم يترُكْ على المائدةِ شيئاً ، وكذلك المرأةُ الْجَرُوزُ ، والنّاقةُ. قال :

* تَرَى العَجُوزَ خَبَّةً حَرُوزَا*

والعرب تقول فى أمثالها : «لن ترضى شانِئةٌ إلّا بجَرْزة (١)» ، أى إنّها مِن شِدّة بَغضائها وحسَدها لا ترضى للذين تُبغِضُهم إِلّا بالاستئصال. والجارز : الشديد من السُّعال ، وذلك أنَّه يقطَع الحَلْق. قال الشمّاخ :

* لها بالرُّغامَى والخياشيمِ جارزُ (٢) *

ويقال أرض جارِزةٌ : يابسة غليظة يكتنفها رَمْل. وامرأةٌ جارِزٌ عاقر. فأمّا قولهم ذو جَرَزٍ إِذا كان غليظاً صُلْباً ، وكذلك البعيرُ ، فهو عندى محمولٌ على الأرض الجارزة الغليظة. وقد مضى ذِكرُها.

__________________

(١) الشانئة : المبغضة. وفى الأصل : «شائبة» ، صوابها فى المجمل واللسان (جرز ١٨٢) وفى اللسان : «لم ترض».

(٢) أراد بالرغامى الرئة. وصدره فى الديوان ٥١ ، واللسان (جرز).

يحشرجها طورا وطورا كأنها

٤٤١

جرس الجيم والراء والسين أصلٌ واحد ، وهو من الصوت ، وما بعد ذلك فمحمول عليه.

قالوا : الجَرْس الصَّوت الخفىّ ، يقال ما سمعت له جرسا ، وسمِعتُ جَرْسَ الطّير. إِذا سمعتَ صوتَ مناقيرها على شئٍ (١) تأكله. وقد أحْرَسَ الطّائر.

ومما حُمِل على هذا قولهم للنَّحل جوارس ، بمعنى أواكِل ؛ وذلك أنّ لها عند ذلك أدنى شئٍ كأنه صوت. قال أبو ذؤيبٍ يذكر نَحْلا :

يَظَلُّ على الثَّمراءِ منها جَوَارسٌ

مَرَاضيعُ صُهْبُ الرّيش زُغبٌ رِقابُها (٢)

والجَرَس : الذى يعلَّق على الجِمال. وفى الحديث : «لا تصحبُ الملائكةُ رُفْقَةً فيها جَرَسٌ». ويقال جَرَسْتُ بالكلام أى تكلّمتُ به. وأجْرَسَ الحَلْىُ : صوَّت. قال :

تَسْمَعُ لِلحَلْيِ إذا ما وَسْوَسَا

وارتجَّ فى أَجْيَادها وأجْرَسا (٣)

ومما شذَّ عن هذا الأصل الرجل المجرّس (٤) وهو المجرّب. ومضى جَرْسٌ من الليل ، أى طائفة.

جرش الجيم والراء والشين أصلٌ واحد وهو جَرْش الشَّئ : أنْ يُدقَّ ولا يُنْعَم دَقُّه. يقال جَرَشْته ، وهو جَرِيش. والْجُرَاشة : ما سَقَط من الشئِ

__________________

(١) فى الأصل : «صوت» صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) الثمراء : جبل أو هضبة. والبيت فى ديوان أبى ذؤيب ٧٧ واللسان (جرس).

(٣) للعجاج فى ديوانه ٣١ واللسان (جرس) وفى الديوان : «والتج» باللام.

(٤) المجرس ، بفتح الراء المشددة وكسرها.

٤٤٢

المجروش. وجرّشت الرأس بالمشط : حككته حتَّى تَستكثِرَ الإبْرِية (١). وذكر الخليل أنّ الجَرش الأكْل

ومما شذَّ عن الباب الجِرِشَّى ، وهو النَّفس. قال :

* إليه الجِرِشَّى وارْمَعَلَّ حَنِينُها (٢) *

فأمّا قولهم مَضَى جَرْشٌ من اللّيل ، فهى الطائفة ، وهو شاذٌّ عن الاصل الذى ذكرناه. قال :

* حتى إذا [ما] تُرِكَتْ بجَرْشِ (٣) *

جرض الجيم والراء والضاد أصلانِ : أحدهما جنسٌ من الغَصَص ، والآخر من العِظَم.

فأمّا الأوّل فيقولون جَرِضَ بِرِيقه (٤) إذا اغتصَّ به. قال :

كأنّ الفتى لم يَغْنَ فى النَّاسِ ليلةً

إذا اختَلَفَ اللَّحْيانِ عند الجَرِيضِ (٥)

قال الخليل : الجَرَضُ أن يبتلع الإنسانُ ريقَه على همٍّ وحزْنٍ. ويقال : مات فلانٌ جَرِيضاً ، أى مغموماً.

__________________

(١) الإرية ؛ كالهرية وزا ومعنى ، وهى متعلق بأسفل الشعر مثل النخله. وفى اللسان : «حتى تستبين هريته». وفى المجمل «حتى يستكثر من الإبرية».

(٢) لمدرك بن حصن الأسدى ، كما فى اللسان (رمعل). وصدره ، كما فى (جرش ، رمعل) :

بكل جزعا من أن يموت وأجهشت

(٣) تكملة الشعر بزيادة «ما» من المجمل.

(٤) جعله الجوهرى مثل كسر يكسر وقال ابن القطاع : صوابه جرص يجرص ، على مثال كبر يكبر.

(٥) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ١١٤ واللسان (جرص).

٤٤٣

والثانى قولهم بعيرٌ جِرْواضٌ ، أى غليظ : والجُرائِض : البعير الضَّخم ، ويقال الشّديد الأكل. ونعجة جُرَئِضةٌ (١) ضَخْمة.

جرع الجيم والراء والعين يدلّ على قلّة الشئ المشروب. يقال : جَرِع الشاربُ الماءَ يَجْرَعُه ، وجَرَع يجرَعُ. فأمَّا [الْجَرْعَاءُ ف] الرَّملة التى لا تُنبت شيئاً ، وذلك من أنّ الشُّرب لا ينفَعُها فكأنَّها لم تَرْوَ. قال ذو الرمّة :

أمَا استَحْلَبَتْ عينَيْكَ إلَّا مَحَلَّةٌ

بجُمْهُورِ حُزْوَى أم بجرعاءِ مالكِ (٢)

ومن الباب قولهم : «أفْلَتَ فلانٌ بجُرَيْعَة الذَّقَن» ، وهو آخِرُ ما يخرُجُ من النَّفَس. كذا قال الفرّاء. ويقال نُوقٌ مَجَارِيعُ : قليلات اللَّبن ، كأنّه ليس فى ضُروعها إلا جُرَعٌ.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الجَرَع : التواءٌ فى قوَّةٍ من قُوَى الحَبْل ظاهرةٍ على سائر القُوَى.

جرف الجيم والراء والفاء أصلٌ واحدٌ ، هو أخْذ الشئِ كلِّه هَبْشاً. يقال جَرَفْتُ الشئَ جَرْفاً ، إذا ذهبْتَ به كلِّه. وسَيْفٌ جُرَافٌ (٣) يُذْهِبُ كلَّ شئ. والجُرْفُ المكان يأكله السيل. وجَرَّفَ الدهرُ مالَه* : اجتاحه. ومال مُجَرَّف. ورجل جُرَافٌ نُكَحَةٌ ، كأنّه يجرِف ذلك جرْفاً. ومن الباب : الجُرْفَة : أنْ تُقْطَع من فخذِ البعير جلدَةٌ وتُجْمَع على فَخِذه.

__________________

(١) جرئضة ، كعلبطة. ويقال : «جرائضة» أيضا ، كعلابطة.

(٢) ديوان ذى الرمة ٤١٥ وهو مطلع قصيدة له. وفى الديوان : أو يجرعاء.

(٣) ويقال أيضا «سيل جراف» بمعناه.

٤٤٤

جرل الجيم والراء واللام أصلان : أحدهما الحجارة : والآخر لونٌ من الألوان.

فالأوّل الجَرْوَل والجَرَاوِل الحجارة. يقال : أرض جَرِلةٌ ، إذا كانت كثيرةَ الجراول. والأجْرَال جمع الجَرَل ، وهو مكان ذو حجارة. قال جرير :

مِنْ كلِّ مشترِفٍ وإنْ بَعُدَ المَدَى

ضَرِمِ الرِّفاق مُناقِلِ الأَجْرَالِ (١)

والآخَر الجِرْيال ، وهو الصِّبْغ الأحمر ؛ ولذلك سمِّيت الخمر جِرْيالاً. فأما قول الأعشى:

وسَبيئةٍ مِمّا تُعَتِّقُ بابِلٌ

كدَمِ الذَّبيحِ سلبتُها جِرْيالَها (٢)

فقال قومٌ : أراد لونَها ، وهى حمرتها. رووا عنه فى ذلك روايةً تدلُّ على أنّه أراد لونَها(٣).

جرم الجيم والراء والميم أصلٌ واحد يرجع إليه الفروع. فالجَرْمُ القطْع. ويقال لِصِرَام النَّخل الجِرَام. وقد جاءَ زمن الجَرَامِ. وجَرَمْتُ صُوف الشّاةِ وأخذته. والجُرَامةُ : ما سقطَ من التَّمْر إذا جُرِم. ويقال الجُرامة ما التقِط من كَرَبِهِ بعد ما يُصْرَمُ. ويقال سنة مُجَرَّمَةٌ ، أى تامّة ، كأنها تصرَّمَت عن تمام. وهو من تجرَّم الليلُ ذَهَب. والجَرَام والجَريم : التَّمْرَ اليابس. فهذا كلُّه متّفقٌ لفظاً ومعنًى وقياساً.

__________________

(١) ديوان جرير ٤٦٨ واللسان (جرل).

(٢) ديوان الأعشى ٢٣ واللسان (جرل).

(٣) فى اللسان : «وسئل الأعشى عن قوله : سلبتها جريالها. فقال : أى شربتها حمراء فبلتها بيضاء».

٤٤٥

ومما يُردّ إليه قولهم جَرَم ، أى كَسَب ؛ لأن الذى يَحُوزُه فكأنه اقتطَعَه وفلانٌ جَرِيمةُ أهله ، أى كاسِبُهم. قال :

جَرِيمةَ ناهضٍ فى رَأْسِ نِيقٍ

تَرَى لعِظامِ ما جَمَعَتْ صَلِيبا (١)

يصف عقاباً. يقول : هى كاسِبَةُ ناهضٍ. أراد فرخَها. والجُرْم والجَريمة : الذَّنْب وهو من الأوّل ؛ لأنه كَسْبٌ ، والكَسْب اقتطاع. وقالوا فى قولهم «لا جَرَم» : هو من قولهم جَرَمْتُ أى كسَبت. وأنشدوا :

ولقد طعنتُ أبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً

جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَها أن يَغْضَبُوا (٢)

أى كَسَبَتهُمْ غضبا. والجَسَدُ جِرْمٌ ، لأنّ له قَدْراً وتَقْطيعاً. ويقال مَشْيَخَةٌ جِلّةٌ جَريم ، أى عظام الأجرام.

فأمّا قولُهم لصاحب الصَّوت : إنه لحسن الجِرْم ، فقال قوم : الصَّوْتُ يقال له الجِرْم. وأصحُّ من ذلك قول أبى بكر بن دريد إنّ معناه حَسُن خروجِ الصّوتِ من الجِرْم. وبنو جارمٍ فى العرب. والجارم : الكاسب ، وهو قول القائل :

* والجارمىُ عميدُها (٣) *

وجَرْمٌ هو الكَسْبُ ، وبه سمِّيَتْ جَرْمٌ ، وهما بطنان : أحدهما فى قضاعة ، والآخر فى طىّ.

__________________

(١) البيت لأبى خراش الهذلى من قصيدة فى القسم الثانى من مجموع أشعار الهذليين ٥٧ ونسخة الشنقيطى ٧٠. وأنشده فى المجمل واللسان (جرم).

(٢) البيت لأبى أسماء بن الضريبة ، كما فى اللسان (جرم).

(٣) جزء من بيت فى اللسان (جرم). وهو بتمامه :

إذا منوات شمساعب الشمس شمرت

إلى رملها والجارى عميدها

ورواية اللسان (عبأ) : والجرهمى عميدها.

٤٤٦

جرن الجيم والراء والنون أصلٌ واحد ، يدلُّ على اللين والسُّهولة يقال للبَيْدَرِ جَرينٌ ؛ لأنّه مكان قد أُصْلِحَ ومُلِّسَ. والجارن من الثياب : الذى انسَحَق ولَانَ. وجَرَنَتِ الدِّرْعُ : لانَتْ وامْلَاسَّتْ. ومن الباب جِرَانُ البعير : مُقَدَّم عُنُقه من مَذْبَحِهِ ، والجمع جُرْن (١). قال :

خُذا حَذَراً يا جارَتَىَّ فإنَّنى

رأيتُ جِرَانَ العَوْدِ قد كادَ يَصْلُحُ (٢)

وذكرَ ناسٌ أنّ الجارنَ ولد الحيّة. فإن كان صحيحاً فهو من الباب ، لأنه ليِّن المسِّ أملس.

جره الجيم والراء والهاء كلمةٌ واحدة ، وهى الجَرَاهِيَة. قال أبو عُبيدٍ : جَراهيةُ القوم : جَلَبَتُهُم وكلامُهم فى علانيتهم دون سِرِّهم. ولو قال قائل : إن هذا مقلوبٌ من الجَهْرِ والجَهْرَاء والجَهارة لكان مَذْهباً.

جرو الجيم والراء والواو أصلٌ واحدٌ ، وهو الصَّغير من ولد الكلب ، ثم يحمل عليه غيرُه تشبيهاً. فالجَرو للكلب وغيره. ويقال : سَبُعةُ مُجْرِيَةٌ ومُجْرٍ ، إذا كان معها جِرْوُها. قال :

وتَجُرُّ مُجْرِيَةٌ لها

لحمِى إلى أجْرٍ حَوَاشِبْ (٣)

فهذا الأصل. ثم* يقال للصَّغيرة من القِثّاء الجِرْوة. وفى الحديث : «أُتِى

__________________

(١) ويقال فى الجميع أيضاً «أجرنة».

(٢) البيت لجران العود من قصيدة فى أول ديوانه ، وبه سمى جران العود. انظر اللسان «جرن» ، والمزهر (٢ : ٤٤١).

(٣) البيت من قصيدة لحبيب بن عبد الله المعروف بالأعلم الهذلى ، كما فى شرح السكرى الهذليين ٥٧ ونسخة الشنقيطى ٥٩. وهو فى اللسان (جرا) بدون نسبة ، وفى (حشب) منسوب إليه. وكلمة «إلى» ساقطة من الأصل.

٤٤٧

النبى صلى الله عليه وسلم بأَجْرٍ زُغْبٍ (١)». وكذلك جَرْو الحنظل والرُّمّان. يعنى أنّها صغيرة. وبنو جِرْوة بطنٌ من العرب. ويقال أَلْقَى الرّجُل جِرْوَتَه ، أى ربَط جَأْشَه ، وصَبَر على الأمر ، كأنّه ربط جرواً وسكّنَه. وهو تشبيهٌ.

جرى الجيم والراء والياء أصلٌ واحدٌ ، وهو انسياحُ الشئ. يقال جَرَى الماء يَجْرِى جَرْيَةً وجَرْياً وجَرَيَاناً. ويقال للعَادَةِ الإجْرِيَّا (٢) ، وذلك أنّه الوجْه الذى يجرِى فيه الإنسان. والجَرِىُ : الوكيل ، وهو بيّن الجِراية ، تقول جَرَّيت جَرِيًّا واستَجْرَيتُ ، أى اتَّخذْت. وفى الحديث : «لا يُجَرِّينَّكم الشَّيطان (٣)». وسمِّى الوكيلُ جَرِيًّا لأنّه يَجْرِى مَجْرى موكّله ، والجمع أجْرِيَاء.

فأمّا السفينة فهى الجارية ، وكذلك الشَّمس ، وهو القياس. والجارية من النِّساء من ذلك أيضاً ، لأنَّها تُستَجْرَى فى الخِدمة ، وهى بيِّنة الجِراء قال :

والبِيضُ قد عَنَسَت وطال جِراؤُها

ونشَأن فى قِنٍّ وفى أذْوادِ (٤)

ويقال : كان ذلك فى أيّامِ جِرائها ، أى صباها. وأما الجِرِّيَّة ، وهى الحَوْصلة فالأصل الذى يعوَّل عليه فيها أنَّ الجيم مبدلة من قاف ، كأن أصلها قِرِّيّة ، لأنّها تَقْرِى الشئَ أى تجمعه ، ثم أبْدَلُوا القافَ جيماً كما يفعلون ذلك فيهما.

__________________

(١) فى الأصل : «بجرو زغب» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) ومنه قول الكميت :

على تلك إجرياي وهي؟

ولو أجلبوا عارا على وأحلبوا

(٣) فى المجمل واللسان : «لا يستجرينكم الشيطان».

(٤) للأعشى فى ديوانه ٩٩ واللسان (جرا). وكلمة «وطال» ساقطة من الأصل.

٤٤٨

جرب الجيم والراء والباب أصلان : أحدهما الشَّئ البسيط يعلوه كالنَّبات من جنسه ، والآخَر شئٌ يحوِى شيئاً.

فالأوّل الجرَب وهو معروف ، وهو شئٌ ينبت على الجلْد من جنسه. يقال بعيرٌ أجرب ، والجَمْع جَرْبَى. قال القطران :

أنا القَطِرانُ والشُّعراءُ جرْبَى

وفى القَطِرانِ للجَرْبَى شِفاءُ

وممّا يُحمَل على هذا تشبيهاً تسميتُهم السَّماء جَرْبَاءَ ، شبّهت كواكبُها بجرَب الأجرَب. قال أُسامة بنُ الحارث :

أرَتْهُ من الجرْباءِ فى كلِّ مَنْظرٍ

طِبَاباً فمَثْوَاهُ النَّهارَ المَرَاكِدُ (١)

وقال الأعشى :

تناول كلباً فى ديارهم

وكاد يسمو إلى الجرْباء فارتفَعَا (٢)

والجِرْبَة : القَرَاحَ ، وهو ذلك القياس لأنّه بسيطٌ يعلوه ما يعلوه منه قال الأسعر :

أما إذا يَعْلُو فثعلبُ جِرْبَةٍ

أو ذِئبُ عادية يُعَجْرِمُ عَجْرَمَهْ (٣)

العجرمة : سُرعةٌ فى خِفّة. وكان أبو عبيد يقول : الجِرْبة المزرعة.

قال بشر :

__________________

(١) نسخة الشنقيطى من الهذليين ٨٦ واللسان (جرب ، طبب ، ركد).

(٢) فى البيت نقص ويستقيم بأن يكون أوله : «وقد» وبدله فى ديوان الأعشى ٨٦ :

وما مجاور هيت أن عرضت له

قد كان يسو إلى الجرفين واطلعا

وفى شرحه : «أبو عبيدة : إلى الجرباء».

(٣) وروى عجزه فى اللسان (عجرم) بدون نسبة ، وهو مع نسبته إلى الأسعر فى الأزمنة والأمكنة (٢ : ١١).

٤٤٩

* على جرْبة تعلو الدِّبارَ غُروبُها (١) *

قال أبو حَنيفة : يقال للمجَرَّة جِرْبة النُّجوم. قال الشّاعر :

وَخَوَتْ جِرْبَةُ النُّجوم فما تشْ

رب أُرْوِيَّةٌ بمَرْىِ الجَنُوبِ (٢)

خَيُّها : أن لا تُمطِر (٣). ومَرْى الجَنُوب : استدرارُها الغَيث.

والأصل الآخر الجِرَاب ، وهو معروف. وجرابُ البئر : جوفُها من أعلاها إلى أسفلها. والجَرَبَّةُ : العانة من الحمير ، وهو من بابِ ما قَبْله ، لأن فى ذلك تجمُّعاً. وربَّما سمَّوا الأقوياء من الناس إذا اجتمعُوا جَرَبَّةً. قال :

ليس بنا فقرٌ إلى التَّشَكِّى

جَرَبَّةٌ كحُمُرِ الأبَكِ (٤)

جرج الجيم والراء والجيم كلمة واحدة ، وهى الجادّة ، يقال لها جَرَجَة. وزعم ناسٌ أنّ هذا مما صحَّف فيه أبو عُبيدٍ. وليس الأمر على ما ذكَرُوه ، والجَرَجَةُ صحيحة. وقياسها جُرَيج اسم رجل. ويقال إنّ الجَرِجَ القَلِق. قال :

* خلخالُها فى ساقها غيرُ جرِجْ (٥) *

وهذا ممكنٌ أن يقال مبدل من مَرِج. قال ابنُ درَيد : والجَرَجُ الأرض

__________________

(١) صدره كما فى المفضليات (٢ : ١٣٠) :

تحدر ماء الشرب عن جرشيه

(٢) البيت بدون نسبة أيضاً فى الأزمنة والأمكنة (٢ : ٤ ، ١١).

(٣) يقال خوت النجوم تخوى خيا ، وأخوت.

(٤) الرجز لقطية بنت بشر زوج مروان بن الحكم. انظره مع قصته فى الأغانى (١ : ١٢٩). وكلمة «ليس» ساقطة من الاصل. وانظر المخصص (١١ : ٤٤ ـ ٤٧) بتحقيق الشنقيطى والبيت الأخير سبق فى ص ١٨٧.

(٥) قبله فى اللسان (جرج) :

أن لأهوى طفلة فيها غنج

٤٥٠

ذاتُ الحجارة. فأمَّا الجُرْجَة لِشئٍ (١) شِبْه الخُرْج والعَيْبة ، فما أُراها عربيّةً مَحْضة. على أنّ أوساً قد قال :

ثلاثةُ أبرادٍ جيادٍ وجُرْجَة

وأدْكَنُ من أرْىِ الدُّبور مُعَسَّلُ (٢)

جرح الجيم والراء والحاء أصلان : أحدهما الكسب ، والثانى شَقّ الجِلْد.

فالأوّل قولهم [اجترح] إذا عمل وكَسبَ. قال الله عزّ وجلّ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ). وإنّما سمى ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ* بالجوَارح ، وهى الأعضاء الكواسب. والجوارحُ من الطَّير والسباع : ذَوَاتُ الصَّيد.

وأما الآخَر [فقولهم] جرحَهُ بحديدةٍ جرْحاً ، والاسم الْجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل. واستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله.

فأمّا قول أبى عبيدٍ فى حديث عبد الملك : «قد وعظتُكم فلم تزدادُوا على الموعظة إلّا استجراحا». إِنه النُّقصان من الخير ، فالمعنى صحيح إلّا أنّ اللفظ لا يدلُّ عليه. والذى أراده عبدُ الملك ما فسَّرناه ، أى إنّكم ما تزدادون على الوعْظ إلّا ما يكسبكم الجَرْحَ والطَّعنَ عليكم ، كما تُجْرِح الأحاديث. وقال أبو عبيد : يريد أنّها كثيرة صحيحها قليل. والمعنى عندنا فى هذا كالذى ذكرناه مِن قَبْل ، وهو أنّها كثُرتْ حتى أحوج أهلَ العلم بها إلى جرْح بعضها ، أنّه ليس بصحيح

__________________

(١) فى الأصل : «فشىء».

(٢) ديوان أوس ١٩ واللسان (جرج). والدبور : جمع دبر ، وهو النحل.

٤٥١

جرد الجيم والراء والدال أصلٌ واحد ، وهو بُدوُّ ظاهِر الشّئ حيث لا يستُره ساتر. ثم يحمل عليه غيرُه ممَّا يشاركه فى معناه. يقال تجرَّد الرّجل من ثيابه يتجرَّدُ تجرُّداً. قال بعضُ أهل الُّلغة : الجَرِيد سَعَفُ النَّخل ، الواحدة جريدة ، سمِّيت بذلك لأنه قد جرِد عنها خُوصها. والأرْضُ الجَرَد : الفضاء الواسعُ ، سمِّى بذلك لبُروزه وظُهوره وأن لا يستره شئٌ. ويقال فرس أَجرَدُ إذا رَقَّت شَعْرتُه. وهو حسن الجُرْدة والمتجرَّد. ورجلٌ جارُودٌ ، أى مشئوم ، كأَنّه يَجرُدُ ويَحُتُّ. وسنة جارودة ، أى مَحْلٌ ، وهو من ذلك ، والجَراد معروف. وأرضٌ مجرودةٌ أصابها الجَرادُ. وقال بعضُ أهلِ العِلم : سمِّى جراداً لأنّه يجرُد الأرضَ يأكلُ ما عليها. والجَرَدُ : أن يَشْرَى جلْدُ الإِنسان من أكل الْجَراد ومن هذا الباب ، وهو القياس المستمرُّ ، قولهم : عامٌ جرِيدٌ ، أى تامٌّ ، وذلك أنّه كَمِلُ فخرج جريداً لا يَنْسَب إلى نقصانِ. ومنه : «ما رَأَيْتُه مُذْ أجرَدَانِ (١) وجَرِيدانِ» يريد يومين كاملين. والمعْنى ما ذكرته. ومنه انجرَدَ بنا السَّيرُ : امتدَّ. فأمّا قولهم للشئ يذهب ولا يُوقَف [له] على خبرٍ : «ما أدرى أىُ الجَرَاد عارَهُ» فهو مثلٌ، والجَراد هو هذا الجَرادُ المعروف.

جرذ الجيم والراء والذال كلمةٌ واحدة : الجُرَذْ الواحد من الجُرْذان ، وبه سمِّى الجَرَذُ الذى يأخُذُ فى قوائم الدابّة. فأمّا قولهم رجل مُجَرّدٌ أى مجرَّب ، فهو من باب الإبدال ، وليس أصلاً

__________________

(١) فى الأصل : «من» ، صوابه فى المجمل واللسان. وانظر تخريج نحو هذا التعبير فى معنى اللبيب (مذ).

٤٥٢

باب الجيم والزاء وما يثلثهما

جزع الجيم والزاء والعين أصلان : أحدهما الانقطاع ، والآخر جوهرٌ من الجواهر.

فأمّا الأول فيقولون جَزَعْتُ الرّملة إذا قطعتَها ؛ ومنه : جِزْعُ الوادى ، وهو الموضع الذى يَقطعُه من أحد جانبَيه إلى الجانب ؛ ويقال هو مُنْعَطَفه. فإنْ كان كذا فلأنّه انقَطع عن الاستواء فانعرج. والجزَع : نَقِيض الصّبر ، وهو انقطاعُ المُنَّة عن حَمْل ما نزل (١). و [الجُزْعة (٢)] هى القليل من الماء ، وهو قياس الباب. وأمّا الآخَر فالجَزِع ، وهو الخرَزُ المعروف. ويقالُ بُسْرَةٌ مُجزَّعَةٌ ، إِذا بَلَغَ الإرطابُ نِصْفها ، وتُشْبِه حينئذٍ الجَزْع (٣).

جزل الجيم والزاء واللام أصلان : أحدهما عِظَم الشَّئ من الأشياء ، والثانى القَطْع.

فالأوّل الجَزْل ، وهو ما عَظُمَ من الحَطَب ، ثم استُعير ، فقيل : أجزَلَ فى العطاء. ومنه الرَّأْىُ الجَزْل من الباب الثانى ، وسنذكره. فأمّا قول القائل :

فوَيْهاً لقِدْرِكَ وَيْهاً لها

إِذا اخْتِير فى المَحْلِ جَزْلُ الحَطَبْ (٤)

فإنَّه اختَصَ الْجَزْلَ لأنّ اللحمَ يكون غَثًّا فيُبطىء نضجُه فيُلْتَمَسُ له الجَزْل.

وأمّا الأصل الآخَر فيقول العرب : جزَلْتُ الشئَ جِزْلَتَيْن ، أى قطعته

__________________

(١) فى الأصل : «ما ترك».

(٢) أثبت هذه التكملة مستأنساً بما فى المجمل واللسان.

(٣) الجزع بالفتح ، وروى كراع الكسر.

(٤) أنشده فى المجمل واللسان (جزل).

٤٥٣

* قِطْعَتَيْن. وهذا زَمَنُ الجِزَالِ أى صَرَامِ النَّخْل. قال :

* حَتَّى إذا ما حانَ مِن جِزَالِها (١) *

ومن هذا الباب الجَزَل ، أن يُصيبَ غارِبَ البعير دَبَرَة فيُخرَج منه عَظْمٌ فيطمئِنَّ موضِعُه. وبعيرٌ أجْزَلُ إذا فُعِلَ به ذلك. قال أبو النجم :

* يُغادِرُ الصَّمد كظَهْرِ الأجْزَلِ (٢) *

والجِزْلة : القطعة من التَّمْر. فأما قولهم جَزْلُ الرّأىِ فيحتمل أن يكون من الثانى ، والمعنى أنَّه رأىٌ قاطعٌ.

وممّا شذّ عن الباب الجَوْزَل ، وهو فَرْخُ الحمام ، قال :

قالت سُلَيْمى لَا أُحِبُ الْجَوْزَلا

ولا أحِبُّ السَّمكاتِ مَأكَلا

ويقال : الجَوْزَل السمّ.

جزم الجيم والزاء والميم أصلٌ واحد ، وهو القطع. يقال جَزَمْتُ الشئ أجْزِمُه جزْمًا. والجَزْم فى الإعراب يسمَّى جزماً لأنّه قُطِع عنه الإعرابُ. والجِزْمَة : القِطْعة من الضَّأن. ومنه جَزَمْتُ القِرْبة إِذا ملأتَها ، وذلك حِينَ يُقطَع الاستقاء. قال صخر الغىّ :

فلما جَزَمْتُ بِهِ قِرْبتى

تيمّمتُ أطرِقةً أَو خَلِيفا (٣)

__________________

(١) نسب فى زيادات الجمهرة (٢ : ٩٠) إلى أبى النجم العجلى ، وأنشده فى المجمل واللسان (جزل). والصرام والجزال ، كلاهما بالكسر والفتح.

(٢) كذا فى الاصل والمجمل. والصواب «تغادر» لأن قبله كما فى اللسان :

يأتي لها من أيمن وأشمل

وهي حيال الفرقدين تعتلى

(٣) نسب البيت فى اللسان (طرق) إلى الأعشى ، والصواب ماهنا. والبيت فى شرح السكرى للهذليين ٤٨ ومخطوطة الشنقيطى ٥٨ وفى اللسان (جزم ، طرق ، خلف) برواية : «جزمت بها» وهو تحريف ؛ لأن قبله :

وماء وردت على زورة

كمشى؟ السبنتى يراح؟

٤٥٤

ويقولون : إنّ الجَزْمةَ الأكلةُ الواحدة : فإن كان صحيحاً فهو قياسُ الباب ، لأنّه مرّةٌ ثم يُقطَع. ومن ذلك قولهم : جَزَّمَ القومُ : عَجَزُوا. قال :

ولكنِّى مضَيْتُ ولم أُجزِّمْ

وكان الصَّبْرُ عادةَ أوَّلينا (١)

جزأ الجيم والزاء والهمزة أصلٌ واحد ، هو الاكتفاء بالشَّىء. يقال اجتزأْتُ بالشئِ اجتزاءَ ، إذا اكتفيتَ به. وأجزَأَنِى الشَّىْءُ إِجزاءً إذا كفانى قال :

لقد آليت أَغْدِرُ فى جَدَاعِ

وإنْ مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرِّباعِ (٢)

لأنَّ الغَدْرَ فى الأقوامِ عارٌ

وإنَّ الْحُرَّ يَجْزَأُ بالْكُراعِ

أى يكتفى بها. والجَزْءُ : استغناء السائمة عن الماء بالرُّطْبِ (٣). وذكَرَ ناسٌ فى قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً)أنّه من هذا ، حيث زعموا أنّه اصطفَى البناتِ على البنين. تعالى الله عن قول المشركين علُوًّا كبيرا. والجُزْء : الطائفة من الشَّئ.

ومما شذّ عن الباب الجُزْأَة نِصَاب السِّكِّين ، وقد أجزَأتُها إِجزاء إِذا جعلْتَ لها جُزأةً. ويجوز أن يكون سمِّيت بذلك لأنها بعض الآلةِ وطائفةٌ منها.

جزى الجيم والزاء والياء : قيام الشئ مَقامَ غيره ومكافأتُه إياه. يقال جَزَيت فلاناً أجزِيه جزاءَ ، وجازيتُه مجازاةً. وهذا رجل جازِيكَ مِنْ رجل ،

__________________

(١) البيت فى اللسان والمجمل (جزم).

(٢) الشعر لأبى حنبل الطائى ، كما سبق فى حواشى (جدع). وقد أنشدهما فى اللسان (جزأ) بدون نسبة.

(٣) يقال جزأت جزءاً ، بفتح الجيم وضمها ، وجزوءا أيضا.

٤٥٥

أى حسبك. ومعناه أنه ينوبُ منابِ كلِّ أحدٍ ، كما تقول كافِيكَ وناهيك. أى كأنه ينهاك أن يُطْلَبَ معه غيرُه.

وتقول : جَزَى عنِّى هذا الأمرُ يَجزِى ، كما تقول قَضَى يقضى. وتجازَيْتُ دَيْنى على فلانٍ أى تقاضَيْته. وأهلُ المدينة يسمُّون المتقاضِى المتجازِى. قال الله جل ثناؤُه : (يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً). أى لا تقضِى جزح الجيم والزاء والحاء كلمةٌ واحدة لا تتفرَّع ولا يُقاسُ عليها. يقال جزَح له من ماله ، أى قَطَع. والجازِح : القاطع. وهو فى شعر ابن مقبل :

* لَمُخْتَبِطٌ من تالِدِ المالِ جَازِحُ (١) *

جزر الجيم والزاء والراء أصلٌ واحد ، وهو القَطْع. يقال جَزَرت الشئ جَزْرًا ، ولذلك سمِّى الْجَزُور جزوراً. والجَزَرة : الشاة يقوم إليها أهلُها فيذبحونها. ويقال تَرك بنُو فلانٍ بنى فلان جَزَرًا ، أى قتلوهم فتركوهم جَزَرًا للسِّباع. والجُزارَة أطراف البعير : فراسِنُه ورأسُه. وإنما سمِّيت جزارة لأنَ الجزار يأخذُها ، فهى جُزارتُه ؛ كما يقال أخذ العاملُ عُمالته. فإِذا قلتَ فرسٌ عَبْلُ الجُزارةِ فإنما تريد غِلَظَ اليدين والرِّجلين وكثرة عصبها. ولا يدخُل الرّأس فى هذا ؛ لأن عظَم الرَّأس فى الخيل هُجْنَة. وسميت الجزيرةُ جزيرةً لانقطاعها. وجَزَر النَّهرُ إذا قلَّ ماؤُه جَزْرًا. والجَزْر : خلاف المدّ. ويقال أجزَرْتُك شاةً إذا دَفَعْتَ إليه شاةً يذبحُها. وهى الجَزَرة ، ولا تكون إلَّا من الغنم. قال بعض أهل العلم : وذلك أنّ الشاةَ لا تكون إلا للذبح. ولا يقال للنّاقة والجمل ، لأنهما يكونان لسائر العمل.

__________________

(١) من بيت لابن مقبل فى اللسان (جزح). وصدره :

وانى اذا؟ الرفود؟

٤٥٦

باب الجيم والسين وما يثلثهما

جسم الجيم والسين والميم يدلُّ على تجمُّع الشئ. فالجسم كلُّ شخصٍ مُدْرَكٍ. كذا قال ابن دريد (١). والجَسيم : العظيم الجِسم ، وكذلك الجُسام والجسْمان : الشخص.

جسأ الجيم والسين والهمزة يدلُّ على صلابةٍ وشدّة يقال جَسَا الشئُ ، إذا اشتدَّ ، وجَسَأَ أيضاً بالهمزة. وجَسَأَتْ يدُه إذا صَلُبت.

جسد الجيم والسين والدال يدلُّ على تجمُّع الشئ أيضاً واشتدادِه. من ذلك جَسَدُ الإِنسان. والمِجْسَد : الذى يلى الجَسَد من الثِّياب. والجَسَدُ والجَسِد من الدم : ما يَبِسَ ، فهو جَسَدٌ وجاسد : قال الطرماح :

* منها جاسِدٌ ونَجِيعُ* (٢)

وقال قوم : الجسَد الدّمُ نفسُه ، والجَسِد اليابس.

ومما شذّ عن الباب الجَسَاد الزَّعفَران. فإِذا قلت هذا المِجْسَد بكسر الميم فهو الثوب الذى بَلِى الجَسَد قال : وهذا عند الكوفيِّين. فأمَّا البصريُّون فلا يعرفون إلا مُجْسَداً ، وهو المُشبَع صِبْغاً.

جسر الجيم والسين والراء يدلُّ على قوّةٍ وجُرْأة. فالجَسْرَة ؛ الناقة القوية ، ويقال هى الجريئة على السَّير ، وصُلْبٌ جَسْرٌ أى قوىّ. قال :

__________________

(١) الجمهرة (٢ : ٩٤).

(٢) قطعة من بيت له ديوانه ١٥٤ واللسان (جسد ، فرغ). وهو بتمامه :

فراغ هواري الليط تكسى ظباتها

سائب منها جاسد وفيهم

٤٥٧

* موضع رَحْلِها جَسْرٌ (١) *

والجَسْرُ معروفٌ. قال ابن دريد : هو بفتح الجيم الذى يسمِّيه العامّة جِسْرًا ، وهى القنطرة. والجَسَارَة : الإقدام ، ومن ذلك اشتُقَّت جَسْر ، وهى قبيلة.

قال النابغة :

وحَلَّتْ فى بنى القَيْنِ بن جَسْرٍ

وقد نَبَغَتْ لنا منهم شؤونْ (٢)

باب الجيم والشين وما يثلثهما

جشع الجيم والشين والعين أصلٌ واحد ، وهو الحِرْص الشديد. يقال رجل جَشِعٌ بيِّن الجَشَع ، وقومٌ جَشِعُونَ. قال سُوَيد :

* وكِلَابُ الصيَّد فِيهنَ جَشَعْ (٣) *

جشم الجيم والشين والميم أصلٌ واحد ، وهو مجموع الجِسْم. يقال ألْقَى فلانٌ على فُلان جُشَمَه ، إذا ألقى عليه ثِقْله. ويقال جُشَمُ البعيرِ صَدْرُه ، وبه سُمِّى الرجل «جُشَمَ(٤)». فأمّا قولهم تجشَّمت الأمرَ ، فمعناهُ تحمَّلت بجُشَمِى حتى فعلتُه. وجشَّمْتُ فلاناً كذا ، أى كلفتُه أن يحمل عليه جُشَمَه. قال :

فأُقْسِمُ ما جَشَّمتُهُ من مُلِمَّةٍ

تَؤُودُ كِرامَ الناسِ إلا تَجَشَّما

__________________

(١) من بيت لابن مقبل ، كما فى المجمل واللسان (جسر). والشطر بتمامه كما فى اللسان :

هوجاء موضع رحلها جسر

(٢) قالوا : وبذلك البيت سمى النابغة. انظر المزهر (٢ : ٤٣٦) وديوانه ٧٩.

(٣) قصيدة سويد بن أبى كاهل فى المفضليات (١ : ١٨٨ ـ ٢٠٠). وصدره :

فرآهن ولما يسنين

(٤) فى الأصل : «جشما» وإنما هو ممنوع من الصرف كزفر. وقد جاء على الصواب الذى أثبت فى المجمل واللسان.

٤٥٨

جشأ الجيم والشين والهمزة أصلٌ واحد ، وهو ارتفاعُ الشئ. يقال جَشأَتْ نَفْسى ، إذا ارتفعَتْ من حُزنٍ أو فزَع. فأمّا جَاشَتْ (١) فليس من هذا ، إنما ذلك غَثَيَانُها. وقال أبو عبيدٍ : اجتشأتْنِى البِلادُ واجتشأتُها ، إذا لم توافِقْك ؛ لأنه إذا كان كذا ارتفعت عنه (٢) ، ونَبت به. وقال قوم : جَشأ القومُ مِن بلدٍ إلى بلد ، إذا خَرَجوا منه.

ومن هذا القياس تجشَّأَ تجشُّؤاً ، والاسم الجُشاء ، ومن الباب الجَشْء مهموز وغير مهموز : القوس الغليظة. قال أبو دؤيب :

* فى كَفِّهِ جَشْءٌ أجَشُّ وأقْطُعُ (٣) *

جشب الجيم والشين والباء يدلُّ على خشونة الشئ. يقال طعامٌ جَشِبٌ ، إذا كان بلا أُدْمٍ والمِجشاب : الغليظ. قال :

* تُولِيكَ كَشْحاً لطيفَا ليس مِجشابا (٤) *

جشر الجيم والشين والراء أصلٌ واحدٌ يدلّ على انتشار الشئ وبُروزه يقال جَشَر الصبح ، إذا أنارَ. ومنه قولهم : اصطبَحْنا الجاشِرِيَّة ، وهذا اصطباحٌ يكون مع الصبح. وأَصبَحَ بنو فلان جشَراً ، إذا تَرَزُوا [و] الحىَّ ثم

__________________

(١) فى الأصل «فأما ما جاشت».

(٢) فى الأصل : «ارتفع عند».

(٣) ديوان أبى ذؤيب ٧ واللسان (جشأ) والمفضليات (٢ : ٢٤٤). وصدره :

ونميمة من قائص تايب

(٤) لأبى زبيد الطائى ، كما فى اللسان (جشب). وصدره :

قراب حضنك لابكر ولا نصف

٤٥٩

أقامُوا ولم يرجعوا إلى بيوتهم ، وكذلك المال الجَشَر ، الذى يَرْعى أمام البيوت. والجَشَّار : الذى يأخُذ المالَ إلى الجَشْرَ (١).

باب الجيم والعين* وما يثلثهما

جعف الجيم والعين والفاء أصلٌ واحد ، وهو قَلْعُ الشئ وصَرْعُه. يقال جَعَفْت الرجلَ إذا صرعْتَه بعد قلعِك إيّاه من الأرض والانجعاف : الانقلاع تقول انجعَفَت الشّجرةُ. وفى الحديث : «مثل المنافق مثل الأَرْزَة المُجْذِية على الأرض حتى يكون انجعافُها مرّة (٢)». وجُعْفِىٌ : قبيلة.

جعل الجيم والعين واللام كلمات غير مُنْقاسة ، لا يشبه بعضُها بعضاً. فالجَعْلُ : النَّخْلُ يفوت اليدَ ، والواحدةُ جَعْلة. وهو قوله :

* أو يستَوى جَثِيثُها وجَعْلُها (٣) *

والْجَعْوَل : ولد النعام. والجِعَال : الخِرْقة التى تُنزَلُ بها القِدْر عن الأثافى. والجُعْل والجِعالة والجَعيلة : ما يُجعل للإِنسان على الأمر يَفعلُه. وجعَلْتُ الشئَ

__________________

(١) لم يفسره هنا ولا فى المجمل. والجشر بالتحريك : بقل الربيع ، وبالفتح : إخراج الدواب للرعى.

(٢) فى اللسان : «مرة واحدة». وفى مادة (جذى): «بمرة» فقط. وصدر الحديث : «مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة هناك ومرة هنا». والمجذية : الثابتة المنتصبة. وفى الأصل : «المجدية» تحريف.

(٣) قبله فى اللسان (جثث ، بعل ، جعل) :

أقسمت لا يذهب عنى بعلها

فالبعل : ما شرب بعروقه من غير سقى ولا ماء سماء. والجثيث : الفسيل.

٤٦٠