معجم مقاييس اللغة - ج ١

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩

وثَبِيرٌ : جبل معروف. ومَثْبِرُ النّاقة : الموضع الذى تطرح فيه ولدها. وثَبَرَ البحرُ جَزَرَ ، وذلك يُبْدِى عن مكان ليِّنٍ سَهل.

وأما الهلاكُ فالثُّبُور ، ورجل مثبور هالك. وفى كتاب الله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً).

وأمّا الثالث فيقال ثابَرْت على الشئ ، أى واظَبت. وذكر ابنُ دريدٍ : تثابَرَتِ (١) الرِّجالُ فى الحرب إذا تواثَبَتْ. وهو من هذا الباب الأخير

ثبن الثاء والباء والنون أصلٌ واحد ، وهو وعاء من الأوعية. قالوا : الثَّبْنُ اتِّخاذُك حُجْزَةً فى إزارك ، تجعل فيها ما اجتنَيْتَه من رُطبٍ وغيره. وفى الحديث : «فليأكُلْ ولا يتَّخِذْ ثِبَانا».

وقال ابن دريد قياساً ما أحسبه إلّا مصنوعاً ، قال : المَثْبَنَة : كيسٌ تتخذ فيه المرأة المرآةَ وأداتَها. وزعم أنها لغة يمانية (٢).

ثبى الثاء والباء والياء أصلٌ واحد ، وهو الدَّوام على الشيء. قاله الخليل. وقال أيضا : التَّثْبِيَة الدَّوام على الشيء ، والتَّثبِية الثَّناء على الإنسان فى حياته. وأنشَدَ لِلبيد :

يُثَبِّى ثناءً مِنْ كريم وقولُه

ألا انعَمْ على حُسْن التحيّةِ واشربِ (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «ثابرت» ، صوابه من الجمهرة (١ : ٢٠٠) واللسان (ثبر).

(٢) انظر الجمهرة (١ : ٢٠٤).

(٣) ديوان لبيد ٣٥ فينا سنة ١٨٨٠ واللسان (ثبا).

٤٠١

فهذا أصلٌ صحيح. وأمَّا الثُّبَةُ فالعُصْبة من الفُرسان ، يكُونُون ثُبَةً ، والجمع ثُبَاتٌ وثُبُونَ. قال عمرو :

فأمّا يَومَ خَشْيَتِنا عليهمْ

فتُصْبِحُ خيلُنا عُصَباً ثُبِينا (١)

قال الخليل : والثُّبَة أيضا ثُبَةُ الحوض ، وهو وَسطه الذى يثوب [إليه الماء (٢)] وهذا تعليلٌ من الخليل للمسألة ، وهو يدلُّ على أنّ الساقط من الثَّبَة واوٌ قبل الباء ؛ لأنّه زعم أنّه من يثوب. وقال بعد ذلك : أمّا العامّة فإنهم يصغِّرونها على ثُبَيَّة ، يَتْبعون اللَّفظ. والذين يقولون ثُوَيبة فى تصغير ثُبَةِ الحوض ، فإنهم لزموا القياسَ فردُّوا إليها النقصان فى موضعه ، كما قالوا فى تصغير رَوِيَّة رُوَيِّئة (٣) لأنها من روّأت. والذى عندى أنَّ الأصلَ فى ثبة الحوض وثُبةِ الخيل واحدٌ ، لا فرق بينهما. والتصغير فيهما ثُبَيّة ، وقياسُه ما بدأْنا به الباب فى ذكر التثبية ، وهو من ثبَّى على الشئِ إذا دام. وأمّا اشتقاقه الرّويّة (٤) وأنها من روّأت ففيه نظر.

__________________

(١) هذه الرواية تطابق رواية الزوزنى فى المعلقات. وكلمة «عليهم» ساقطة من الأصل ورواية التبريزى :

فأما يوم خشيتنا عليهم

فتصبح غلوة متلبها

وأما يوم لا نخشى عليهم

فتصبح في مجالسا تبينا

(٢) التكملة من المجمل واللسان.

(٣) فى الأصل : «ربه رؤبة». وانظر اللسان (١٩ : ٦٨).

(٤) فى الأصل : «الرية». وانظر التنبيه السابق.

٤٠٢

باب الثاء والتاء وما يثلثهما

ثتن الثاء والتاء والنون ليس أصلا. يقولون : ثَتِن اللحم : أنْتَنَ ، وثَتِنَتْ لِثَتُه : استرخَتْ وأَنْتَنت. قال :

* ولِثَةً قد ثتِنَتْ مُشَخَمَّهْ (١) *

وإنما قلنا ليس أصلاً لأنهم يقولون مرةً ثَتِنَتْ ، ومرّةً ثَنِتَتْ.

باب ما جاء من كلام العرب على ثلاثة أحرف أوله ثاء

(الثُّفْروق) : قِمَع التَّمْرة. وهذا منحوت من الثَّفْر وهو المؤخّر ، ومن فَرَقَ ؛ لأنه شىءٌ فى مؤخَّر التمرة يفارقها. وهذا احتمالٌ ليس بالبعيد.

(الثَّعْلَب) : مَخْرج الماء من الجَرِين (٢). فهذا مأخوذٌ من ثَعَب ، اللام فيه زائدة. فأمَّا ثَعْلبُ الرُّمح فهو منحوتٌ من الثَّعْب ومن العَلْب. وهو فى خِلقته يشبه المَثْعَب ، وهو معلوبٌ ، وقد فسر العَلْب فى بابه. ووجهٌ آخر أنْ يكون من العَلْب ومن الثَّلِب (٣) ، وهو الرّمح الخوّار ، وذلك الطَّرَف دقيقٌ فهو ثَلِبٌ.

ومن ذلك (الثُّرمطة (٤)) وهى اللَّثَق والطِّين. وهذا منحوتٌ من كلمتين

__________________

(١) مشخمة : منتنة. وقبل البيت ، كما فى اللسان (شخم ، ثتن) :

لما رأت أنيابه؟

(٢) فى المجمل. «من جرين التمر».

(٣) فى الأصل : «فى العلب وفى الثلب».

(٤) الثرمطة ، بضم الثاء والميم ، وكعلبطة.

٤٠٣

من الثَّرْط والرَّمْط ، وهما اللَّطخ. يقال ثُرِط فلانٌ إذا لُطِخ بعَيْب. وكذلك رَمِط.

ومن ذلك (اثبجَرَّ) القومُ فى أمرهم ، إذا شكُّوا فيه وتردَّدُوا من فَزَعٍ (١) وذُعْرٍ. وهذا منحوتٌ من الثَّبَج والثَّجْرة. وذلك أنهم يَتَرَادُّونَ ويتجمَّعون. وقد مضى تفسيرُ الكلمتين.

تم كتاب الثاء

__________________

(١) فى الأصل : «من فزعه».

٤٠٤

كتاب الجيم

باب ما جاء من كلام العرب فى المضاعف والمطابق والترخيم

جحح فى المضاعف. الجيم والحاء يدلُّ على عِظَم الشئ ، يقال للسيِّد من الرّجال الجَحْجاح ، والجمع جَحاجحُ وجَحاجِحةٌ. قال أمية :

ماذا بَبَدْرٍ فالعَقَنْ

قلِ من مَرازِبةٍ جَحاجِحْ (١)

ومن هذا الباب أجَحَّت الأُنثى إذا حَمَلت وأَقْرَبت ، وذلك حين يعظُمُ بَطْنُها لكِبَر وَلَدِها فيه. والجمع مَجَاحُ (٢). وفى الحديث : «أنّهُ مَرّ بامرأةٍ مُجِحٍ». هذا الذى ذَكرَهُ الخليل. وزاد ابنُ دريدٍ بعضَ ما فيه نظرٌ ، قال : جَحَ الشىءَ إذا سحَبَه (٣) ، ثم اعتذر فقال: «لغة يمانية». والجُحُ (٤) : صغار البِطِّيخ.

جخ الجيم والخاء. ذكر الخليلُ أصلَين : أحدهما التحوُّل والتنَحِّى ، والآخَر الصِّياح.

فأمّا الأول فقولهم جخّ الرّجلُ يَجِخُ جَخًّا ، وهو التحوُّلُ من مكانٍ إلى

__________________

(١) من قصيدة عدتها ٣١ بيتاً رواها ابن هشام فى السيرة ٥٣١ ـ ٥٣٢. وقال : «تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله». والبيت فى المجمل واللسان (جحح) بدون نسبة.

(٢) ذكر هذا المعنى فى القاموس ، ولم يذكر فى اللسان.

(٣) فى الأصل : «سجه» ، صوابه من الجمهرة (١ : ٤٨).

(٤) لم يذكر فى اللسان ، ولم يضبط فى القاموس. وضبط فى الجمهرة بالضم ضبط قلم.

٤٠٥

مكان. قال : وفى الحديث : «أنّه كان إذا صلّى جخَ». أى تحوَّلَ من مكان إلى مكان.

قال : والأصل الثانى الجَخْجَخة ، وهو الصِّياح والنِّداء. ويقولون :

* إنْ سَرَّكَ العِزُّ فجَخْجِخْ فى جَشَمْ (١) *

يقول : صِحْ ونادِ فيهم. ويمكن أنْ يقول أيضاً : وتحوَّلْ إليهم. وزاد ابنُ دريد : جخّ برِجْلِه إذا نَسَفَ بها التُّراب. وجَخَ ببوله إذا رغَّى به. وهذا إِنْ صحَّ فالكلمة الأولى من الأصل الأول ، لأنّه إذا نَسَفَ الترابَ فقد حوَّله من مكانٍ إِلى مكان. والكلمةُ الثانيةُ من الأصل الثانى ؛ لأنّه إذا رغَّى فلا بد من أنْ يكون عند ذلك صَوْت. وقال : الجخجخة صوت تكسُّر الماء (٢) ، وهو من ذلك أيضا. فأمّا قوله (٣) جَخْجَخْتُ الرّجلَ إذا صرعْتَه ، فليس يبعُد قياسه من الأصل الأوَّل الذى ذكرناه عن الخليل.

جدد الجيم والدال أصولٌ ثلاثة : الأوَّل العظمة ، والثانى الحَظ ، والثالث القَطْع.

فالأوّل العظمة ، قال الله جلّ ثناؤُه إِخباراً عمّن قال : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا). ويقال جَدَّ الرجُل فى عينى أى عَظُم. قال أنسُ بنُ مالكٍ : «كان الرجلُ إذا قرأَ سورةَ البقرة وآلِ عِمْرانَ جَدَّ فينا». أى عَظُم فى صُدورِنا.

__________________

(١) للأغلب العجلى ، كما فى اللسان (جخخ).

(٢) فى الجمهرة (١ : ١٣٣) «صوت تكسر جرى الماء». وفى اللسان : «صوت تكثير الماء».

(٣) المراد قول القائل ، وإلا فإن ابن دريد لم يذكر هذه الكلمة.

٤٠٦

والثانى : الغِنَى والحظُّ ، قال رسول الله صلّى الله عليه* وآله وسلّم فى دعائه «لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». يريد لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه ، إِنَّما ينفعه العملُ بطاعتك. وفلان أَجَدُّ من فلانٍ وأحَظَّ منه بمعنًى.

والثالث : يقال جَدَدت الشَّئَ جَدًّا ، وهو مجدودٌ وجَديد ، أى مقطوع. قال :

أَبَى حُبِّى سُلَيْمى أَنْ يَبِيدا

وأمسَى حبلُها خَلَقاً جَدِيدا (١)

وليس ببعيدٍ أنْ يكون الجِدُّ فى الأمرِ والمبالغةُ فيه من هذا ؛ لأنَّه يَصْرِمه صَرِيمةً ويَعْزِمُه عزيمة. ومن هذا قولك : أجِدَّكَ تفعلُ كذا ، أى أجدًّا منك ، أصريمةً منك ، أعَزِيمةً منك. قال الأعشى :

أجِدَّكَ لم تسمَعْ وَصاةَ محمّدٍ

نبىِّ الإِلهِ حين أوْصَى وأشْهَدا (٢)

وقال :

أجِدَّكَ لم تغتمِضْ ليلةً

فتَرقُدَها مَعَ رُقَّادِها (٣)

والجُدُّ البِئْر من هذا الباب ، والقياس واحد ، لكنها بضم الجيم. قال الأعشى فيه :

ما جعِل الجُدُّ الظَّنُونُ الذى

جُنِّب صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ (٤)

والبئر تُقْطَع لها الأرضُ قَطْعاً.

ومن هذا الباب الجَدْجَدُ : الأرض المستوِية. قال :

__________________

(١) البيت لوليد بن يزيد ، كما فى الأضداد لابن الانبارى ٣٠٨. وقد جاء فى المجمل واللسان (جدد) بدون نسبة.

(٢) ديوان الأعشى ١٠٣.

(٣) ديوان الأعشى ٥٠. والبيت مطلع قصيدة.

(٤) ديوان الأعشى ١٠٥ واللسان (٤ : ٨٠ ـ ١٧ : ١٤٦) وسيأتى فى (ظن). ورواية الديوان يجعل» و «الزاخر» بدل «الماطر».

٤٠٧

يَفِيضُ على المرء أردانُها

كفَيْضِ الأتِىِّ عَلَى الْجَدْجَدِ (١)

والجَدَدُ مثل الجَدْجدِ. والعربُ تقول : «مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أمِنَ العِثار». ويقولون : «رُوَيْدَ يَعْلُون الجَدَدَ (٢)». ويقال أَجَدَّ القومُ إِذا صارُوا فى الجَدَد. والجديد : وَجْهُ الأرض. قال :

* إِلّا جَدِيدَ الأرض أو ظَهْر اليدِ (٣) *

والْجُدَّة من هذا أيضاً ، وكلُ جُدّةٍ طريقة. والْجُدّة الخُطَّة تكون على ظهْر الحِمار.

ومن هذا الباب الجَدَّاءِ : الأرض التى لا ماء بها ، كأنَّ الماءَ جُدّ عنها ، أى قطِع. ومنه الجَدُود والجَدَّاءُ من الضَّان ، وهى التى جَفَّ لبنُها ويَبِس ضَرْعُها.

ومن هذا الباب الجِداد والجَداد ، وهو صَرام النَّخل. وجادَّةُ الطَّريق سَواؤُه ، كأنّه قد قُطِع عن غيره ، ولأنه أيضاً يُسلَك ويُجَدُّ. ومنه الجُدّة. وجانبُ كلِّ شئٍ جُدّة ، نحو جُدَّة المَزَادة (٤) ، وذلك هو مكان القَطْع من أطرافها. فأمَّا قولُ الأعشى :

أَضاءَ مِظَلَّتَه بالسِّرا

جِ واللَّيلُ غامِرُ جُدَّادِها (٥)

فيُقال إِنها بالنَّبطيّة ، وهى الخيوط التى تُعْقَد بالخَيمة. وما هذا عندى بشئٍ ،

__________________

(١) نسبه فى المجمل إلى امرئ القيس ، وليس فى ديوانه. وعجز البيت فى اللسان (٤ : ٨٠).

(٢) ويروى : «يعدون الخبار». أمثال الميدانى (١ : ٢٦٤). والمثل لقيس بن زهير ، كما فى أمثال الميدانى (٢ : ٥٢).

(٣) قبله كما فى اللسان (٤ : ٧٩) : حتى اذا ما خر لم يوصد.

(٤) الذى فى اللسان (٤ : ٧٩): «وجد كل شئ جانبه».

(٥) ديوان الأعشى ٥٢ والمعرب للجواليقى ٩٥.

٤٠٨

بل هى عربيّةٌ صحيحة ، وهى من الجَدِّ وهو القَطع ؛ وذلك أنَّها تُقطَعُ قِطَعاً على استواءِ.

وقولهم ثوبٌ جديد ، وهو من هذا ، كأنَّ ناسِجَه قَطَعه الآن. هذا هو الأصل ، ثم سمِّى كلُّ شئٍ لم تأْتِ عليه الأيَّام جديداً ؛ ولذلك يسمِّى اللَّيلُ والنهارُ الجديدَينِ والأجَدّين ؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما إذا جاءَ فهو جديد. والأصلُ فى الجدّة ما قلناه. وأمَّا قول الطِّرِمّاح :

تَجْتَنِى ثامِرَ جُدَّادِهِ

مِن فُرادَى بَرَمٍ أو تُوأَمْ (١)

فيقال إن الجُدّاد صِغار الشجر ، وهو عندى كذا على معنى التشبيه بجُدَّاد الخيمة ، وهى الخيوط ، وقد مضى تفسيره.

جذذ الجيم والذال أصلٌ واحد ، إمَّا كَسْرٌ وإمَّا قَطْع. يقال جذَذْت الشئَ كسرتُه. قال الله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) أى كَسَّرهم. وجذَذْتُه قطَعْته ، [ومنه] قوله تعالى : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أى غير مقطوع. ويقال ما عليه جُذّةٌ (٢) ، أى شئٌ يستُره من ثيابٍ ، كأنّه أراد خِرقةً وما أشبهها.

[و] من الباب الجَذِيذة ، وهى الحبُ يُجَذُّ ويُجعَل سَوِيقاً. ويقال لحِجارة الذّهب جُذَاذٌ ، لأنّها تكَسّر وتحلّ. قال الهذلىّ (٣) :

__________________

(١) ديوان الطرماح ٩٩ والمجمل ، واللسان (٤ : ٨٥ / ٥ : ١٧٥).

(٢) يقال أيضاً بالدال المهملة : ما عليه جدة وجدة ، بكسر الجيم وضمها.

(٣) هو المعطل الهذلى كما فى مخطوطة الشنقيطى من الهذليين ١٠٩ واللسان (سحن). وقد أنشد عجزه فى اللسان (جذد).

٤٠٩

* كما صَرَفَتْ فَوْقَ الجُذاذِ المَسَاحِنُ (١) *

المساحِن : آلات يدقُّ بها حِجارة الذَّهب (٢) ، واحدتها مِسْحَنَةٌ.

فأمَّا المُجْذَوْذِى فليس يبعُد أن يكون من هذا ، وهو اللازمُ الرّحْل لا يفارقُه منتصِباً عليه. يقال اجْذَوْذَى ؛ لأنّه إذا كان كذا فكأنّه انقطَعَ عن كلِّ شئٍ وانتصَب لسفَره على رَحْله. قال :

ألَسْتَ بمُجْذَوْذٍ[على] الرحْلِ دائباً

فمالك إلّا ما رُزِقتَ* نصيبُ (٣)

جرر الجيم والراء أصلٌ واحد ؛ وهو مدُّ الشّىءِ وسَحْبُه. يقال جَرَرت الحبلَ وغيرَه أجُرُّهُ جَرًّا. قال لَقيط (٤) :

جرّت لما بينَنَا حَبْلَ الشَّمُوسِ فلا

يأساً مُبيناً نَرَى منها ولا طَمعَا

والْجَرُّ : أسفَل الجبَل ، وهو من الباب ، كأنّه شىءٌ قد سُحِب سحْباً. قال :

* وقد قَطَعْتُ وادِياً وجَرَّا (٥) *

والجرور من الأفراس : الذى يَمْنَع القِياد. وله وجهان : أحدهما أنّه فعول بمعنى مفعول ، كأنّه أبداً يُجرُّ جَرًّا ، والوجه الآخر أن يكون جروراً على جهته ، لأنه يجرّ إليه قائدهُ جَرًّا.

__________________

(١) صدره.

وفهم بن عمرو يعلكون؟

(٢) فى شرح السكرى : والجذاذ حجارة الذهب يكسر ثم يسحل على حجارة تسمى المساحن حتى يخرج ما فيها من الذهب.

(٣) البيت لأبى الغريب النصرى ، كما فى اللسان (جذا).

(٤) لقيط بن يعمر الإيادى ، والبيت التالى من قصيدته فى أول مختارات ابن الشجرى.

(٥) البيت فى اللسان (٥ : ٢٠٠) والجمهرة (٢ : ٥١).

٤١٠

والجرَّار : الجيش العظيم ، لأنَّه يجرّ أتباعه وبنجرّ. قال :

سَتَنْدَمُ إذْ يَأتِى عليك رعيلُنا

بأرْعَنَ جَرّارٍ كثيرٍ صواهِلُه (١)

ومن القياس الجُرْجُور ، وهى القطعة العظيمة من الإبل. قال :

* مائةً مِن عَطائِهمْ جُرْجُورَا (٢) *

والجرير : حبلٌ يكون فى عُنق النّاقة مِن أَدَم ، وبه سمِّى الرّجل جَريراً.

ومن هذا الباب الجريرةُ ، ما يجرُّه الإِنسانُ من ذنبٍ ، لأنّه شئٌ يجرُّه إلى نفسه. ومن هذا الباب الجِرَّة جِرَّة الأنعام ، لأنّها تُجَرّ جَرًّا. وسمّيت مَجَرّةُ السماء مجرّةً لأنّها كأثر المَجَرّ. والإجرار : أن يُجرَّ لسانُ الفصيل (٣) ثم يُخَلَّ لئلا يَرتَضِع. قال :

* كما خَلَّ ظَهْرَ اللِّسانِ المُجِرّ (٤) *

وقال قوم الإِجرار أن يجرَّ ثم يشق. وعلى ذلك فُسِّر قول عمرو (٥) :

فلو أنَّ قومِى أنطقَتْنى رِماحُهُم

نطَقْتُ ولكنَّ الرِّماحَ أجرَّتِ

يقول : لو أنّهم قاتَلُوا لذكرتُ ذلك فى شعرِى مفتخِراً به ، ولكنّ رماحَهم أجَرّتْنى فكأنّها قطعت اللِّسانَ عن الافتخار بهم.

__________________

(١) فى الأصل : «إذ تأنى عليك رعينا» ، صوابه فى المجمل.

(٢) للكميت. وصدره كما فى اللسان (٥ : ٢٠٢).

ومثل أسقتموه فأثرى

(٣) فى الأصل : «أن يحرك أن الفصيل» ، والوجه ما أثبت.

(٤) لامرئ القيس فى ديوانه ١١ واللسان (٥ : ١٩٥ ، ١٩٩). وصدره :

فكر إليه؟

(٥) عمرو بن معد يكرب. وقصيدة البيت فى الأصمعيات ١٧ ـ ١٨. وأبيات منها فى الحماسة (١ : ٤٣). وانظر اللسان (٥ : ١٩٦).

٤١١

ويقال أجَرّهُ الرّمحَ إِذا طعَنَه وتَرك الرّمح فيه يجرّه. قال :

* ونجِرُّ فى الهيجا الرِّماحَ ونَدّعِى (١) *

وقال :

وغَادَرْنَ نَضْلَة فى مَعْرَكٍ

يجرُّ الأَسنَّةَ كالمحتَطِبْ (٢)

وهو مَثَلٌ ، والأصل ما ذكرناه مِن جرّ الشئ. ويقال جَرَّتِ الناقةُ ، إذا أتت على وقت نِتاجها ولم تُنْتَج إلّا بعد أيَّام ، فهى قد جَرَّتْ حَمْلَها جرًّا. وفى الحديث : «لا صَدَقةَ فى الإِبِلِ الجارَّة». وهى التى تجَرُّ بأزمَّتها وتُقاد ، فكأنه أراد التى تكون تحت الأحمال ، ويقال بل هى رَكُوبة القوم.

ومن هذا الباب أجرَرْتُ فلاناً الدَّينَ إذا أخَّرْتَه به ، وذلك مثل إجرار الرُّمح والرَّسَن. ومنه أجَرّ فلانٌ فلاناً أغانِىَّ ، إذا تابَعَها له. قال :

فلما قَضَى مِنِّى القَضاءَ أجرَّنِى

أغانِىَّ لا يَعيَا بِها المُتَرَنِّمُ (٣)

وتقول : كان فى الزَّمَن الأوَّل كذا وهُلَّم جرًّا إلى اليوم ، أى جُرَّ ذلك إلى اليوم لم ينقَطِعْ ولم ينصَرِمْ. والجَرُّ فى الإبل أيضاً أن تَرْعَى وهى سائرةٌ تجرّ أثقالَها. والجَارُور ـ فيما يقال ـ نهرٌ يشقُّه السَّيل. ومن الباب الْجُرّة وهى خَشَبة نحو الذِّراع تُجعَل فى رأسها كِفَّة وفى وسطها حبل وتُدفَن للظِّباء فتَنْشَب فيها ، فإذا نَشِبتْ ناوَصَها ساعةً يجرُّها إليه وتجرُّه إليها ، فإِذا غلبَتْه استقرّ [فيها (٤)].

__________________

(١) سيأتى فى (دعو). وهو للحادرة الذبيانى. وصدره كما فى المفضليات (١ : ٤٣) :

ونفى بآمن مالنا أحسابنا

(٢) البيت لعنترة ، من أبيات فى الحماسة (١ : ١٥٨ ـ ١٥٩).

(٣) البيت فى المحمل واللسان (جرر ١٩٥).

(٤) هذه من الجمهرة (١ : ٥١).

٤١٢

فتضرب العرب بها مثلاً للذى يُخالف القومَ فى رائهِمْ (١) ثمّ يرجع إلى قولهم. فيقولون «ناوَصَ الجُرَّةَ ثم سالَمَها». والجَرَّة من الفَخّار ، لأنّها تُجَرّ للاستقاء أبداً. والجَرُّ شئ يتّخذ من سُلاخَةِ عُرقوبِ البعير ، تَجْعلُ فيه المرأةُ الخَلْع ثم تعلِّقه عند الظّعْنَ من مُؤَخَّر عِكْمها ، فهو أبداً يتذبذب. قال (٢) :

زوجُكِ يا ذاتَ الثنايا الغُرِّ

والزَّتِلَاتِ والجَبِين الحُرِّ (٣)

أعْيَا فَنُطْنَاهُ مَنَاط الْجَرِّ

ثم شَدَدْنَا فوقَه بِمَرِّ (٤)

ومن الباب رَكىٌ جَرور ، وهى البعيدة القَعْر يُسْنَى عليها ، وهى التى يُجَرُّ ماؤُها جَرّا. والجَرَّة الخُبْزة تُجرّ من الَمَّة قال :

وصاحبٍ صاحبته خِبٍّ دَنِعْ (٥)

داوَيْتُه لما تشكّى ووَجِعْ

بجَرّةٍ مثلِ الحِصان المضطجِعْ (٦)

فأمّا الجرجرة ، وهو الصَّوت الذى يردَّده البعير فى حَنجرته فمن الباب أيضاً ، لأنّه صوتٌ يجرُّه جرًّا ، لكنَّه لما تكرَّر قيل جَرْجر ، كما يقال صَلَّ وصَلْصَلَ.

وقال الأغلب :

جَرْجَرَ فى حنجرةٍ كالحُبِ

وهامَةٍ كالمِرجلِ المنكَبِ (٧)

__________________

(١) الراء : الرأى. والعبارة مطابقة لما فى الجمهرة (١ : ٥١).

(٢) الرجز فى المحمل ، وأنشده فى اللسان (جرر ، مرر).

(٣) الرتلات ، بفتح التاء وكسرها : المستويات النبات المعلجة. وكذا فى المجمل (جرر). وفى اللسان (مرر): «والربلات». وفسرها بقوله : «جمع ربلة ، وهى باطن الفخذ».

(٤) الشطر وسابقه فى (كفل).

(٥) الدنع : الفسل لا لب له ولا خير. وفى الأصل «رئع» ، ولا وجه له.

(٦) هذا البيت والذى قبله فى اللسان (٥ : ١٩٨).

(٧) البيت الأول فى المجمل ، وهو الثانى فى اللسان (٥ : ٢٠١).

٤١٣

ومن ذلك الحديثُ : «الذى يشرب فى آنية الفِضَّة إنما يُجَرْجِرُ فى جوفه نارَ جهنم». وقد استمرَّ البابُ قياساً مطّردًا على وجهٍ واحد.

جزز الجيم والزاء أصلٌ واحد ، وهو قَطْعُ الشئ ذى القُوَى الكثيرةِ الضعيفة. يقال : جَزَزْتُ الصوف جَزًّا. وهذا زَمَنُ الجَزَازِ والجِزَاز. والجَزُوزة : الغنم تُجَزُّ أصوافُها. والجُزازَة : ما سَقَطَ من الأديم إذا قُطِع. وهذا حملٌ على القياس. والأصل فى الجزِّ ما ذكرتُه. والْجَزِيزَةُ : خُصْلَةٌ من صُوف ، والجمع جَزائز.

جسس الجيم والسين أصلٌ واحد ، وهو تعرُّف الشئ بمسٍّ لطيف. يقال جَسَسْتُ العرْق وغَيْرَه جَسًّا. والجاسوس فَاعولٌ من هذا ؛ لأنّه يتخبَّرُ ما يريده بخَفاءٍ ولُطْفٍ. وذُكر عن الخليل أنَّ الحواسَّ التى هى مشاعرُ الإنسان ربَّما سمِّيت جَواسَ. قال ابنُ دريد : وقد يكون الجسُ بالعَيْن. وهذا يصحِّح ما قاله الخليل. وأنشد :

* فاعْصَوْ صَبُوا ثُمَ جَسُّوه بأعيُنهم (١) *

جشش الجيم والشين أصلٌ واحد ، وهو التكسُّر ، يقال منه جششتُ الحبَ أجُشُّه. والجَشِيشة : شئٌ يُطبَخ من الحبِّ إذا جُشَ. ويقولون فى صفة الصَّوت : أجَشُ ؛ وذلك أنّه يتكسَّر فى الحلْق تكسُّرْا. ألا تراهم يقولون :

__________________

(١) عجزه كما فى اللسان (جسس)

ثم أختفوه وقرن الشمس قد زالا

٤١٤

قَصَب أجشّ مُهَضَّم (١). ويقال فَرَسٌ أجشُ الصوت ، وسَحابٌ أجَشّ. قال :

بأجَشِ الصَّوتِ يَعْبُوبٍ إذا

طُرِقَ الحىُّ مِنَ اللَّيْلِ صَهَلْ (٢)

فأمّا قولُهم جشَشْت البِئْرَ إذا كنَستَها ، فهو من هذا ، لأنَّ المُخْرَج منها يتكسَّر. قال أبو ذؤيب :

يقولون لما جُشَّتِ البئرُ أوْرِدُوا

وليس بها أدنى ذِفافٍ لواردِ (٣)

جصص الجيم والصاد لا يصلُحُ أن يكون كلاماً صحيحاً. فأمّا الجِصّ فمعرَّب ، والعرب تسمِّيه القِصّة. وجَصَّصَ الجِرْوُ ، وذلك فَتحه عينَيْه. والإِجّاص. وفى كلّ ذلك نَظر.

جضض الجيم والضاد قريبٌ من الذى قبله. يقولون جَضَّضُ عليه بالسَّيف ، أى حَمَل.

جظظ الجيم والظاء إنْ صحَّ فهو جنسٌ من الْجَفَاء. ورُوِى فى بعض الحديث : «أهلُ النَّارِ كلُ جَظٍّ مُسْتكبر». وفسَّر أنَ الْجَظّ الضّخم. ويقولون : جَظّ ، إذا نَكَحَ. وكلُّ هذا قريب بعضُه من بَعض.

جعع الجيم والعين أصلٌ واحدٌ ، وهو المكان غيرُ المَرْضِىِّ. قال الخليل : الجعجاع مُناخُ السَّوْء. ويقال للقتيل (٤) : تُرِك بجَعجاع. قال أبو قيس : ابن الأسْلَت :

__________________

(١) المهضم : الذى يزمر به ، لأنه فيما يقال أكسار يضم بعضها إلى بعض ، من الهضم ، وهو الشدخ. وهو يشير إلى قول عنترة :

برت على جنب الرداع كأنها

بركت على قصب أجش مهضم

(٢) البيت للبيد فى ديوانه ١٤ فينا ١٨٨١ واللسان (جشش).

(٣) ديوان أبى ذؤيب ١٢٣ واللسان (جشش ، ذفف). وفى الأصل : «يقال لما» ، تحريف صوابه من المراجع السابقة وما سيأتى فى (ذف).

(٤) فى الأصل : «للمقيل» ، صوابه فى المجمل.

٤١٥

مَنْ يَذُقِ الحربَ يجِدْ طعمَها

مُرًّا وتتركْهُ بجعجاعِ (١)

قال الأصمعىّ : هو الحَبْس. قال :

* إذا جَعْجَعُوا بينَ الإِناخَةِ والحَبْسِ (٢) *

وكتب ابنُ زياد إلى ابنِ سعد : «أَنّ جَعْجِعْ بالحسين عليه السّلام». كأنَّه يُريد : ألجِئْهُ إلى مكانٍ خَشِنٍ قلق. وقال قوم : الجعجعة فى هذا الموضع الإزعاج ؛ يقال جَعْجَعْتُ الإبِلَ (٣) ، إذا حرَّكتها للإِناخة. وقال أبو ذؤيب ، فى الجعجعة التى تدلُّ على سوءِ المَصْرَع :

فأبَدَّهُنَّ حُتوفَهُنَّ فهاربٌ

بِذَمائِه أو باركٌ متجعجعْ (٤)

جفف الجيم والفاء أصلان : فالأوَّل قولك جَفَ الشئُ جفُوفاً يَجف. والثانى الجُفّ جُفُ الطَّلْعة ، وهو وعاؤُها. ويقال الجُفُ شئٌ يُنْقرُ من جذوع النَّخل (٥). والجُفُ : نِصْفُ قِرْبة يُتَّخذ دلْواً. وأمَّا قولُهم للجماعة الكثير من الناس جُفٌ ، وهو فى قول النابغة :

* فى جُفِ ثَعْلَبَ وارِدِى الأمرارِ (٦) *

__________________

(١) من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٨٤). وفى الأصل : «ويتركها» ، صوابه من المجمل والمفضليات واللسان (جعع).

(٢) لأوس بن حجر فى ديوانه ١٠ واللسان (جعع). وصدره :

كأن جلود النمر جبهت عليهم

(٣) وجعجعت بها أيضاً.

(٤) ديوانه ٩ واللسان (جعع) والمفضليات (٢ : ٢٢٥).

(٥) فى الأصل : «النخلة» ، صوابه فى المجمل.

(٦) فى المحمل واللسان (جفف): «فى جف تغلب» وفى المجمل : «وكان أبو عبيد ينشده : فى جف ثعلب ، يريد ثعلبة بن عوف بن سعد بن ذبيان» ومثله فى اللسان مع نسبة الإنشاد إلى «أبى عبيدة». وصدره :

لا أعرفنك عارضا لرماحنا

٤١٦

فهو من هذا ؛ لأنّ الجماعةَ يُنْضَوَى إليها ويُجتَمع ، فكأنّها مَجمعُ مَن يأوِى إليها.

فأمَّا الجَفْجف الأرضُ المرتفِعة فهو من الباب الأوَّل ؛ لأنها إذا كانت كذا كان أقَلَّ لنَدَاها.

وجُفَافُ الطَّير : مكان.* قال الشاعر :

فما أبْصَرَ النَّارَ التى وضَحَتْ له

وراءَ جُفَافِ الطَّيرِ إلا تماريا (١)

جلل الجيم واللام أصولٌ ثلاثة : جَلَ الشّئُ : عَظُمَ ، وجُلُ الشئ مُعْظَمُه. وجلال الله : عَظَمته. وهو ذُو الجلالِ والإكرام. والجَلَلُ الأمر العظيم. والجِلَّةُ : الإِبل الْمَسَانّ (٢). قال :

أو تأخُذَنْ إبِلى إليّ سِلاحَها

يوماً لجلّتِها ولا أبكارِها (٣)

والجُلَالة : النَّاقة العظيمة. والجَليلة : خِلافُ الدَّقيقة. ويقال ما له دقيقة ولا جَليلة، أى لا ناقةَ ولا شاة. وأتيت فلاناً فما أجَلَّنِى ولا أحْشَانِى ، أى ما أعطانى صغيراً ولا كبيراً من الجِلَّة ولا من الحاشية. وأدقَّ فلانٌ وأجلَ ، إذا أَعْطَى القليلَ والكثير. [قال] :

ألا مَنْ لعين لا تَرَى قُلَلَ الحِمَى

ولا جبَلَ الرَّيَّانِ إِلا استهلَّتِ (٤)

__________________

(١) البيت لجرير فى ديوانه ٦٠٢ والمجمل واللسان (جفف) ومعجم البلدان (جفاف الطير).

(٢) فى الأصل : «الحسان» ، تحريف.

(٣) البيت للنمر بن تولب ، كما فى المجمل واللسان. وكذا ورد إنشاد البيت فى الأصل ، وفى المجمل واللسان :

أزمان لم تأخذ إلى سلاحها

؟؟ ولا أبكارها

(٤) نسب فى معجم البلدان (٤ : ٣٤٦) إلى امرأة من العرب. والبيت فى المجمل ، وعجزه فى اللسان (١٣ : ١٢٤). وسيأتى فى تاليه فى (دق).

٤١٧

لَجُوجٍ إذا سحَّت هَمُوعٍ إذا بكتْ

بكَتْ فأدقَّتْ فى البُكا وأجَلَّتِ

يقول : أتَتْ بقليلِ البكاء وكثيرِه. ويقال : فَعَلْت ذاك من جَلَالك. قالوا : معناه من عِظَمِك فى صَدْرِى. قال كثيِّر :

وإكرامِى العِدَى من جَلَالِها (١) *

والأصل الثانى شئٌ يشمل شيئاً ، مثل جُلِ الفَرَسَ ، ومثل [المجَلِّل (٢)] الغَيْث (٣) الذى يجلِّل الأرض بالماء والنَّبات. ومنه الجُلُول ، وهى شُرُعُ السُّفُن (٤). قال القطامىَّ :

فى ذِى جُلُولٍ يُقَضِّى الموتَ صاحبُه

إذا الصَّرارِيُّ مِنْ أهوالِه ارتَسَما (٥)

الواحدَ جُلٌ.

والأصل الثَّالث من الصَّوت ؛ يقال سحاب مُجَلْجِلٌ إذا صوَّت. والجُلْجُل مشتقٌّ منه. ومن الباب جَلجلْتُ الشّئ فى يدى ، إذا خلطْتَه ثم ضربتَه.

فجَلجَلَها طَورَينِ ثمَّ أَمَرَّها

كما أُرسِلَتْ مَخْشوبةٌ لم تُقَرَّمِ (٦)

__________________

(١) وكذا ورد إنشاده فى المجمل. لكن فى ديوان كثير (١ : ٢٣٤) واللسان (١٣ : ١٢٧) :

حياتئ من أسماء والحرف دوننا

وإكرامي القوم السدى من جلالها

(٢) تكملة يفتقر إليها الكلام. وفى اللسان : «والمجلل : السحاب الذى يجلل الأرض بالمطر ، أى يعم. وفى حديث الاستسقاء : وابلا مجللا ، أى يجلل الأرض بمائه أو بنباته».

(٣) فى الأصل : «الغيب».

(٤) فى الأصل : «وهو شراع السفينة» ، صوابه فى المجمل.

(٥) فى الأصل : «وذى جلول» ، صوابه من المجمل واللسان (١٣ : ١٢٨ / ١٥ : ١٣٣) وديوان القطامى ٧٠.

(٦) ديوان أوس ٢٦ والمجمل واللسان (خشب).

٤١٨

ومحتمل أن يكون جُلجُلانُ السِّمسمِ من هذا ؛ لأنه يتجلجل فى سِنْفِه إذا يَبِس.

وممَّا يحمل على هذا قولهم : أصبْتُ جُلْجُلانَ قَلْبِه ، أى حبَّةَ قلبه. ومنه الجِلَ (١) قَصَب الزَّرْع ؛ لأنَّ الريح إذا وقَعَتْ فيه جلجلَتْه. ومحتمل أن يكونَ من الباب الأوَّل لغِلَظهِ. ومنه الجَلِيل وهو الثُّمام. قال :

ألا ليتَ شِعرِى هل أبِيتَنَّ ليلةً

بوادٍ وحولى إذخِرٌ وجَليلُ (٢)

وأما المَجَلَّة فالصَّحيفة ، وهى شاذّة عن الباب ، إلّا أنْ تُلحَق بالأوّل ؛ لِعظَم خَطَرِ العِلْم وجلالته.

قال أبو عبيد : كلُّ كتابٍ عند العرب فهو مَجَلَّة.

ومما شذَّ عن الباب الجلّة البَعْرَ (٣)

جمم الجيم والميم فى المُضاعف له أصلان : الأوّل كثرةُ الشئ واجتماعه ، والثانى عَدَم السِّلاح.

فالأوَّل الجَمُ وهو الكَثِير ، قال الله جلّ ثناؤه : ويحبّون المال حبّا جمّا (٤) والجِمام : المِلْءُ ، يقال إناءٌ [جَمَّانُ ، إِذا بلَغَ (٥)] جِمامَهُ. قال :

__________________

(١) هو منك الجيم ، كما فى القاموس.

(٢) البيت لبلال بن حمامة ، قاله وقد هاجر مع النبى صلّى الله عليه وسلّم فاجتوى المدينة. انظر معجم البلدان (٥ : ٢٢٢) واللسان (١٣ ، ١٢٧) والسيرة ٤١٤ جوتنجن.

(٣) الجلة بمعنى البعر ، مثلثة الجيم. والبعر ، يقال بالفتح وبالتحريك وفى الأصل : «البعير» محرف.

(٤) هذه قراءة أبى عمرو ويعقوب. وقرأ الباقون بالتاء : (وَتُحِبُّونَ). انظر إتحاف فضلاء البشر ٤٣٨.

(٥) التكملة من المجمل.

٤١٩

أو كماء المثمودِ بعد جِمامٍ

زَرِمَ الدمعِ لا يَؤُوبُ نَزُورَا (١)

ويقال الفرس فى جَمَامِه ؛ والجَمَام الرَّاحة ، لأنّه يكون مجتمعاً غيرَ مضطرب الأعضاء ، فهو قياس الباب. والجُمَّة : القَوم يَسْأَلون فى الدّيّة ، وذلك يتجمّعون لذلك. قال :

* وجُمَّةٍ تسْأَلُنِى أعْطَيْتُ (٢) *

والجميم مجتمعٌ من البُهْمَى. قال :

رَعَى بارِضَ البُهْمَى جميماً وبُسْرةً

وصمعاء حَتَّى آنَفَتْها نِصالُها (٣)

والجُمَّة من الإنسان مُجتمعُ شَعْر ناصيته. والجَمَّة من البئر المكانُ الذى يجتمع فيه ماؤُها. والجَمُوم : البئر الكثيرة الماء ، وقد جَمَّتْ جُمُوماً. قال :

* يَزيدُها مَخْجُ الدِّلَا جُمُومَا (٤) *

والجَمُومُ من الأفراس : الذى كلما ذهَبَ منه إحضارٌ جاءَه إحضارٌ آخَر. فهذا يدلُّ على الكثْرة والاجتماع. قال النَّمْر بنُ تَولَب :

جَمُومُ الشَّدِّ شائلةُ الذُّنابَى

تخالُ بياضَ غُرّتها سِراجا (٥)

__________________

(١) البيت لعدى بن زيد ، كما فى المجمل واللسان (زرم) ، وقد سبق فى مادة (ثمد). وفى الأصل : «رزم الدمع» ، تحريف.

(٢) البيت لأبى محمد الفقعسى ، كما فى اللسان (جمم).

(٣) البيت لذى الرمة ، كما فى ديوانه ٥٢٩ واللسان (بسر ، أنف) وهو فى (صمع) بدون نسبة. وقد سبق إنشاد ابن فارس له فى مادة (برض ٢٢١). وصواب إنشاده «رعت» و «حتى آنفتها» كما سبق التنبيه فى حواشى ٢٢١.

(٤) سيأتى فى (مخج). وقبله كما فى اللسان (جمم ٣٧٢) :

فصبحت قليذما هموما

(٥) البيت فى كتاب الخيل لابن الأعرابى ٥٨ برواية : «كميت اللون». وأنشده فى اللسان (١٤ : ٣٧٢).

٤٢٠