معجم مقاييس اللغة - ج ١

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩

والمصابيح. فإنْ كان هذا صحيحاً ـ على أنَّ البَلاط عندى دخيل ـ فمنه المُبالَطَة ، وذلك أنْ يتضارب الرَّجلانِ وهما بالبَلاط ، ويكونَا فى تقارُبهما كالمتلاصِقَين.

وأَبْلَطَ الرّجُل افتَقَرَ فهو مُبْلِطٌ ؛ وذلك من الأوّل ، كأنَّه افتَقَرَ حتى لَصِقَ بالبَلاط ، مثل تَرِبَ إذا افتَقَرَ حتى لَصِقَ بالتراب. فأمّا قولُ امرئ القيس :

* نزلتُ على عمرِو بن دَرْمَاءَ بُلْطَةً* (١)

فيقال هى هَضْبَةٌ معروفة ، ويقال بُلْطةً مفاجأةً. والأوّل أصحُّ.

بلع الباء واللام والعين أصلٌ واحد ، وهو ازدراد الشئ. تقول : لمِعْتُ الشىءَ أبْلَعُه. والبالوع (٢) من هذا لأنه يَبْلَعُ الماء. وسَعْدُ بُلَعَ نجمٌ. والبُلَعُ السَّمّ فى قَامَة البَكْرَة (٣). والقياس واحدٌ ، لأنَّه يَبْلَعُ الخشبة التى تسلكه. فأمّا قولهم بَلَّعَ الشَّيبُ فى رأسه فقريبُ القياسِ من هذا ؛ لأنَّه إِذا شَمِل رأسَه فكأنَّه قد بَلِعَه.

بلغ الباء واللام والغين أصلٌ واحد وهو الوُصول إلى الشىء. تقول بَلَغْتُ المكانَ ، إذا وصَلْتَ إِليه. وقد تُسَمَّى المُشَارَفَةُ بُلوغاً بحقِّ المقارَبة. قال الله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). ومن هذا الباب

__________________

(١) ليس فى ديوانه. وأنشده فى اللسان (بلط) منسوبا إليه ، وكذا فى معجم البلدان (٢ : ٢٧). وورد بدون نسبة فى الجمهرة (١ : ٣٠٨). وفى «بلطة» تأويلات كثيرة ذكرها فى اللسان. وعجز البيت كما فى الجمهرة :

فيا كريم ما جار ويا حسن ما محل

وفي اللسان ، فيا كرم ويا كريم وفي البلدان فيا حسن ويا كرم

(٢) المذكور فى المعاجم «البالوعة» و «البلوعة» و «البلاعة».

(٣) وكذا عبارة المجمل. وفى اللسان : «والبلعة سم البكرة وثقبها الذى فى قامتها وجمعها بلع».

٣٠١

قولهم هو أحْمَقُ بِلْغٌ وَبَلْغ ، أى إنّه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبُلْغَة ما يُتَبَلَّغُ به من عَيشٍ ، كأنّه يُرادُ أنَّه يبلُغُ رُتْبَةَ المُكْثِرِ إذا رَضِىَ وقَنَع ، وكذلك البَلَاغة التى يُمْدَحُ بها الفَصِيحُ اللِّسان ، لأنّه يبلُغُ بها ما يريده ، ولى فى هذا بلاغٌ أى كِفاية. وقولهم بلَّغَ الفارسُ ، يُرَادُ به أنّه يمدّ يدَه بعِنانِ فرَسِهِ ، لِيَزِيد فى عَدْوِهِ. وقولهم تبلَّغَتِ القِلَّة بفلانٍ ، إذا اشتدَّتْ ، فلأنه تناهِيها به ، وبلوغها الغاية.

بلق الباء واللام والقاف أصلٌ واحدٌ مُنقاسٌ مطّرد ، وهو الفتح يقال أبلَقَ البابَ وبَلَقَهُ ، إذا فتحه كلّه. قال :

* والحِصْنُ مُنْثَلِمٌ والبابُ مُنْبَلقُ * (١)

والبَلَقُ الفُسْطاط ، وهو من الباب. وقد يُسْتَبْعَدُ البَلَقُ فى الألوان ، وهو قريبٌ ، وذلك أنَّ البَهيمَ مُشتَقٌّ من البابِ المُبْهَم ، فإذا ابيضّ بعضُه فهو كالشىءِ يُفْتَحُ.

باب الباء والنون وما يثلثهما فى الثلاثى

بنى الباء والنون والياء* أصلٌ واحد ، وهو بِناءٌ الشَئ بِضَمِّ بعضِه إِلى بعضٍ. تقول بَنَيْتُ البناءَ أبنِيه. وتسمَّى مكةُ البَنِيّة. ويقال قوس بَانِيةٌ ، وهى التى بنَتْ على وَتَرِها ، وذلك أنْ يكاد وتَرُها ينقطع للُصُوقه بها. وطيّىٌ تقول مكانَ بانيةٍ : بَانَاةٌ ؛ وهو قول امرئ القيس :

* غَيْرِ بَانَاة عَلَى وَتَرِهْ (٢) *

__________________

(١) فى اللسان (بلق) والمجمل : فالحصن هثلم.

(٢) صدره كما فى الديوان ١٥١ واللسان (١٨ : ١٠٤) :

عارض زورا من؟

٣٠٢

ويقال بُنْيَةٌ وَبُنًى ، وبِنْيَة وبِنًى بكسر الباء كما يقال : جِزية وجِزًى ، ومِشيَةٌ ومِشًى.

بنى الباء والنون والواو كلمةٌ واحدة ، وهو الشئ يتولَّد عن الشئ ، كابنِ الإِنسان وغيره. وأصل بنائه بنو ، والنِّسْبة إليه بَنَوىٌ ، وكذلك النسبة إلى بِنْتَ وإِلى بُنَيَّات الطَّريق. فأصل الكلمة ما ذكرناه ، ثم تفرِّع العرب فتسمِّى أشياءَ كثيرةً بابن كذا ، وأشياءٌ غيرها بُنِّيتْ كذا ، فيقولون ابن ذُكاء الصُّبح ، وذُكاءُ الشَّمْس ، لأنَّها تذكُو كما تذكو النَّار. قال :

* وابنُ ذُكاءَ كامِنٌ فى كَفْرِ (١) *

وابن تُرْنا : اللَّئيم. قال أبو ذؤيب :

فإنَ ابن تُرْنا إذا جئتكم

يُدَافعُ عَنِّى قَوْلاً بَريحا (٢)

شديداً من بَرَّحَ به. وابن ثَأْداءَ (٣) : ابن الأَمَة. وابن الماء : طائر. قال :

وردتُ اعتِسَافاً والثُّريَّا كأنَّها

على قِمّةِ الرّأس ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ (٤)

وابن جَلَا : الصُّبح ، قال :

أنا ابنُ جَلَا وطلَّاعُ الثَّنَايا

متى أَضَعِ العِمامةَ يَعْرِفُونِى (٥)

__________________

(١) الرجز لحميد الأرقط ، كما فى اللسان (كفر) وأنشده فى (بنى) بدون نسبة.

(٢) كذا يرى اللغويون فى تفسير البيت. انظر اللسان (ترن) والمخصص (١٣ : ١٩٨) والمزعر (١ : ٥٢٠). وأرى أن (ابن ترنى) هذا شخص بعينه من شعراء الهذليين ، أثبت له السكرى منافضة لعمرو ذى الكلب فى شرح أشعار الهذليين ٢٣٨. وروى السكرى لعمرو ذى الكلب فى ٢٣٥ يخاطب ابن ترنى هذا :

على أن لد تمنائي ابن ترنى

فغيري ما تمن من الرجال

(٣) تأداء ، بسكون الهمزة وفتحها. وفى الأصل : «ثأد» ، صوابه فى اللسان (ثاد) والمخصص.

(٤) البيت لذى الرمة فى ديوانه ٤٠١ واللسان (عسف).

(٥) وكذا روى فى (جلو) ويروى : تعرفوني والبيت لسحيم بن وثيل الرياحى. انظر الأصمعيات ٧٣ واللسان (جلا) والخزانة (١ : ١٢٣).

٣٠٣

ويقال للذى تَنْزِلُ به المِلمَّة به المِلمَّة (١) فيكشفها : ابن مُلمّة ؛ وللحَذِر : ابن أحْذَار.

ومنه قول النابغة (٢) :

بلِّغ زياداً وحَيْنُ المَرْءِ يدركُه

فلو تَكَيَّسْتَ أو كنتَ ابنَ أَحْذار (٣)

ويقال لِلَّجَّاج : ابن أَقْوال (٤) ، وللذى يتعسَّف المفاوز : ابنُ الفَلاةِ ، وللفقير الذى لا مأوَى له غيرُ الأرضِ وتُرَابِها : ابن غَبْراء. قال طَرَفَة :

رأيت بنِى غَبْرَاءَ لا يُنكِرونَنِى

ولا أهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الممدَّدِ (٥)

وللمسافر : ابن السَّبيل. وابنُ ليلٍ : صاحبُ السُّرى. وابنُ عَمَلٍ : صاحب العملِ الجادُّ فيه. قال الرَّاجز :

* يا سعد يابنَ عَمَلٍ يا سَعْدُ (٦) *

ويقولون : هو ابن مدينةٍ إذا كان عالماً بها (٧) ، وابن بجدَتِها (٨) أى عالِمٌ بها

__________________

(١) فى الأصل : «الملم».

(٢) كذا. والصواب أنه لبدر بن حوار الفزارى يرد به على النابغة ويوبخه. والذى جلب هذا الخطأ أن البيت مروى فى ديوان النابغة ، وكثيراً ما يرد شعر شاعر فى ديوان غيره لخبر أو لمناقضة. انظر النابغة ٤٤ من مجموع خمسة دواوين.

(٣) البيت بدون نسبة فى المخصص (١٣ : ٢٠٤) بروايه وإن تكيس أو كان كما فى الديوان. وفى الأصل هنا. «فلو تكسبت» ، تحريف. وزياد : اسم النابغة.

(٤) فى اللسان : «وابن أقوال الرجل الكثير الكلام». وفى المخصص : «وإنه لابن أقوال إذا كان جيد القول». وانظر المزهر (١ : ٥٢٠).

(٥) البيت من معلقته.

(٦) روايته فى المخصص (١٣ : ٢٠٣): «با ابن عملى» ، وفسره بقوله : «أى يا من يعمل عملى».

(٧) ويقال ابن المدينة ، أى ابن الأمة ، وبكلا الوجهين فسر قول الأخطل :

ربت وربا في حجرها ابن مدمنه

يظل على مسحاته يتركل

انظر اللسان (مدن) والمخصص (١٣ : ١٩٩) والمزهر (٥٢٠٠١).

(٨) ضبطت فى اللسان والقاموس بالفتح ، وبالضم ، وبضمتين. وفى المخصص بتثليث الباء ضبط قلم.

٣٠٤

وبجدّة الأمر : دِخْلتَه. ويقولون للكريمِ الآباءِ والأمَّهاتِ هو ابنُ إحداها (١). ويقال للبَرِئ من الأمر هو ابن خَلَاوَةَ ، وللخبز ابن حَبَّة ، وللطريق ابن نعامة. وذلك أنَّهم يسمُّون الرِّجْل نَعامة. قال :

* وابنُ النَّعامةِ يوم ذلِكِ مَرْكَبى (٢) *

وفى المثل : «ابنُكَ ابنُ بُوحِكَ» أى ابنُ نَفْسِك الذى وَلدْتَه. ويقال للَّيلة التى يطلُع فيها القمر : فَحْمةُ ابنِ جَمِير. وقال :

نهارُهُمُ ليْلٌ بَهيمٌ وليلُهمْ

وإن كان بَدْراً فحمةُ ابنِ جمِيرِ (٣)

يصِفُ قوماً لُصوصا. وابن طَابٍ : عِذْقٌ بالمدينة (٤). وسائر ما تركنا ذكره من هذا الباب فهو مفرَّقٌ فى الكتاب ، فتركنا كراهة التطويل.

ومما شذَّ عن هذا الأصل المِبناة النِّطْع. قال الشاعر (٥) :

على ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جَديدٍ سُيورُهَا

يَطُوف بها وَسْطَ اللَّطيمةِ بائِعُ

__________________

(١) فى المخصص (١٣ : ١٩٩): «ابن السكيت : إنه لابن إحداها ، إذا كان قويا على الأمر عالما به. وقال الأحول : لا يقوم بهذا الأمر إلا ابن أجداها ، بالجيم ، يريد كريم الآباء والأجداد. وقول ابن السكيت أعرف». وانظر المزهر (١ : ٥٢٠).

(٢) فسر النعامة بالرجل. والصحيح أن ابن النعامة اسم فرس الشاعر ، وهو خزز بن لوذان السدوسى. انظر اللسان (نعم ٦٤) والخيل لابن الأعرابى ٩٢. وصدر البيت :

يكون مركبك القعود وحدجه

ويروى : القلوس ورحله.

(٣) لابن أحمي ، كما فى اللسان (جمر). ويروى : نهاوهم ضمان ضاح.

(٤) فى الصحاح : «وتمر بالمدينة يقال عذق ابن طاب ورطب ابن طاب».

(٥) هو النابغة ، ديوانه ٥٠ ، واللسان (١٨ : ١٠٤).

٣٠٥

بنج الباء والنون والجيم كلمة واحدةٌ ليست عندى أصلا ، وما أدرى كيف هى فى قياس اللغة ، لكنَّها قد ذُكِرَتْ. قالوا : البِنْجُ الأصْل ، يقال رجَع إلى بِنْجه.

بند الباء والنون والدال أصلٌ فارسىٌّ لا وجْهَ لذِكْره (١).

بنس الباء والنون والسين كلمةٌ واحدة ، يقال بنّسَ عن الشئِ (٢) تبنيسا ، إِذا تأخَّر عنه.

بنق الباء والنون والقاف كلمةٌ واحدة ، وأراها من الحَوَاشى غير واسطة. وهى البَنيقة ، وهو جُرُبَّان القَميص. ويقال : البَنِيقة كلُّ رُقْعةٍ فى الثَّوب كاللَّبِنَةِ ونحوها. على أنّها قد جاءَتْ فى الشِّعر. قال :

بضمّ إِلىَّ الليلُ أطفالَ حُبِّها

كما ضَمَّ أَزْرارَ القَميصِ البنائقُ (٣)

بنك الباء والنون والكاف* كلمة واحدة ، وهو قولهم تَبَنَّكَ بالمكان أقام به ، وهى شِبْه التى قَبْلَها.

__________________

(١) البند : العلم الكبير. وهذا ما عربته العرب من المادة. على أنهم قالوا من غير معريب : البند الذى يسكر من الماء. ويسكر بالبناء للمفعول ، أى يحبس أو يسكن هو. وقالوا أيضا : فلان كثير البنود ، أى كثير الحيل. وذكر فى القاموس «البنودة» كسفودة : الدبر.

(٢) فى الأصل : «على الشئ» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) البيت للمجنون ، كما فى اللسان (بنق).

٣٠٦

باب الباء والهاء وما بعدهما فى الثلاثى

بهو الباء والهاء والواو أصلٌ واحد ، وهو البيتُ وما أشبَهَهُ فالبَهْو البيتُ المقدَّم أمامَ البيوت. والهَوْ كِنَاس الثَّور. ويقال البَهْو مَقِيل (١) الولد بين الوركَين من الحَامِلِ. ويقال لجَوْف الإنسان وغيره البَهْو.

بهى الباء والهاء والياء أصلٌ واحد ، وهو خُلُوّ الشئِ وتعطُّله. يقال بيتٌ باهٍ إذا كان خالياً لا شئ فيه. ويقولون : «المِعْزَى تُبْهِى ولا تُبْنِى» وذلك أنَّه لا يُتَّخَذ من شُعورها بيوت ، وهى تَصْعَدُ الخِيَمَ فتمزِّقُها. وفى بعض الحديث : «أَبْهُوا الخَيْلَ». أى عطلِّوها. وربما قالوا بَهِىَ البَيْتُ بَهَاءً ، إِذا تخرَّقَ.

بهأ الباء والهاء والهمزة أصلٌ واحد ، وهو الأُنس. تقول العرب : بَهأْتُ بالرَّجُلِ إذا أنِسْتَ به. قال الأصمعىُّ فى كتاب الإبل : ناقةٌ بَهَاءٌ ممدود ، إذا كانت قد أَنِسَتْ بالحالب. قال : وهو من بهأتُ إِذا أنست به. والبَهَاء الحُسْن والجمال ؛ وهو من الباب ، لأنَّ الناظر إليه يأْنَس.

بهت الباء والهاء والتاء أصلٌ واحدٌ ، وهو كالدَّهَش والحَيْرة. يقال بُهِتَ الرجل يُبْهَتُ بَهْتاً. والبَهْتَةُ الحَيرة. فأما البُهتان فالكذب. يقول العرب : يا لَلبَهيتة ، أى يا لَلكذِب.

__________________

(١) فى اللسان والمحكم ، كما ذكر مصحح اللسان : «مقبل» وهو الموضع الذى تقبل منه القابلة الولد عند الولادة ؛ وأراها الصواب ، لكن كذا جاءت فى الأصل والمجمل والقاموس والتهذيب والتكملة.

٣٠٧

بهث الباء والهاء والثاء ليس بأصل ، وقد (١) سُمِّى الرجل بهْثةَ.

بهج الباء والهاء والجيم أصلٌ واحد وهو السُّرور والنَّضْرة. يقال نباتٌ بهيجٌ ، أى ناضِرٌ حَسَن. قال الله تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ). والابتهاج السُّرورُ من ذلك أيضاً.

بهر الباء والهاء والراء أصلان : أحدهما الغَلَبة والعُلوّ ، والآخر وَسَط الشئ.

فأمّا الأوّل [فقال] أهلُ اللغة : البَهْر الغَلَبة. يقال ضوءٌ باهر. ومن ذلك قولهم فى الشتم : بَهْراً ، أى غَلَبَةً (٢). قال :

وَجَدًّا لقَومِى إذْ يَبيعُون مُهْجتِى

بجاريةٍ بهْراً لَهُمْ بَعْدَها بَهْرَا (٣)

يدعُو عليهم. وقال ابنُ أبى رَبيعة :

ثم قالوا تُحِبُّها قلت بَهْراً

عَدَدَ الرَّمْلِ والحَصَى والتُّرابِ (٤)

فقال قومٌ : معناها بهراً لكم. وقال آخرون : معناها حُبًّا قد غَلَبَ وبَهَر وقال آخرون: معناه قلت ذلك مُعْلِناً غير كاتم له. قال : ومنه ابتُهر فلان بفلانة أى شُهِر بها. ويقال ابتُهر بالشئِ شُهِرَ به وغَلَب عليه. ومنه القمَر الباهر ، أى الظاهر. والعربُ تقول : «الأزواج ثلاثة : زوجُ بَهْرٍ ، وزوجُ دَهْرٍ ، وزوجُ مَهر».

__________________

(١) فى الأصل : «فقد». وقد ذكر فى المجملٍ : «وفلان لبهثة ، أى لزنية». وللمادة معان أخرى فى اللسان.

(٢) فى الأصل : «علب». وفى اللسان : «بهرا له ، اى تعسا وغلبة».

(٣) البيت لابن ميادة ، كما فى اللسان (٥ : ١٤٨). جدا ، أى قطعا ، دعاء عليهم. ورواية اللسان : «تفاقد قومى» ، أى فقد بعضهم بعضا.

(٤) ديوان عمر ١١٧ واللسان (٥ : ١٤٨). وفى الديوان : عدد النجم.

٣٠٨

البَهْر يقال للذى يَبْهَر العُيونَ بحُسْنه ، ومنهم من يُجعَل عُدَّة للدَّهْر ونَوائبه ، ومنهم مَن ليس فيه إلا أنْ يُؤخَذَ منه المَهْر.

وإلى هذا الباب يرجعَ قولُهم : ابتُهِرَ فلانٌ بفُلانةَ. وقد يكون ما يُدَّعى من ذلك كَذِبا. قال تميم :

 ... حين تختلف العَوَالِى

وما بى إنْ مَدَحْتُهُم ابتِهارُ (١)

أى لا يغلِب فى ذلك دعوةُ كَذِبٍ. وقال الكميت :

قَبِيحٌ بمثْلِىَ نَعْتُ الفَتا

ةِ إمّا ابتهاراً وإمّا ابتيارا (٢)

و [أما] الأصل الآخَر فقولهم لوسَط الوادى وَوَسَطِ كلِّ شئٍ بُهْرَةٌ. ويقال ابهَارَّ الليلُ، إذا انتَصَفَ. ومنه الحديث : «أن النبى صلّى الله عليه وآله وسلّم سارَ ليلةً حَتَّى ابهَارَّ الليل». والأباهر فى ريش الطائر. ومن بعض ذلك اشتقاقُ اسم بَهْرَاء (٣)

فأمّا البُهار الذى يُوزَن به فليس أصله عندى بَدَوِيًّا.

بهز الباء والهاء والزاء أصلٌ واحد ، وهو الغَلَبَة والدَّفْعُ بعُنْفٍ.

بهس الباء والهاء والسين كلمةٌ واحدةٌ ، يقال إنّ الأسَدَ يسمَّى بَيْهساً.

بهش الباء والهاء والشين. شيئان : أحدهما شِبْه الفَرَح ، والآخر جِنسٌ من الشَّجَر.

__________________

(١) كذا ورد منقوص الأول. وفى الأصل «ابتهارا» ، صوابه ما أتبت من اللسان (بهر) ، ولم يرو صدره فى اللسان.

(٢) البيت فى اللسان (٥ : ١٥٢ ، ١٥٤).

(٣) هم بنو عمرو بن الحاف. انظر المعارف ٥١ والاشنقاق ٣٢١.

٣٠٩

فالأول قولهم بَهَش إليه إذا رآه فسُرَّ به وضَحِك إليه. ومنه حديث* الحسن : «أنَّ النبى صلّى الله عليه وآله وسلم كان يُدْلِعُ له لسانَه فيَبْهَش الصبىُّ له (١)». ومنه قوله :

* وإذا رأيتَ الباهِشِين إلى العُلَى (٢) *

والثانى البَهْش ، وهو المُقْل ما كانَ رطباً ، فإِذا يَبِس فهو خَشْل. وقال عُمَرُ ، وبَلَغَه أنَّ أبا موسى قَرأ حَرفاً بلغةِ قومِه ، فقال : «إنّ أبا موسى لم يكُنْ مِنْ أهْل البَهْش». يقول: إنه ليس من أهل الحجازِ ، والمقْلُ ينبُتُ ، يقول : فالقرآنُ نازِلٌ بلُغة الحجازِ لا اليَمَن.

بهظ الباء والهاء والظاء كلمةٌ واحدةٌ ، وهو قولهم بَهَظَه الأمرُ ، إذا ثَقُل عليه. وذا أَمْرٌ باهظ.

بهق الباء والهاء والقاف كلمةٌ واحدةٌ ، وهو سوادٌ يعترِى الجلدَ ، أو لونٌ يخالِفُ لونَه. قال رؤبة :

* كأنَّه فى الجِلْد تَولِيعُ البَهَقْ (٣) *

بهل الباء والهاء واللام. أصول ثلاثة : أحدهما التّخلية ، والثانى جِنْسٌ من الدُّعَاء ، والثالث قِلَّةٌ فى الماء.

__________________

(١) فى اللسان : «وفى الحديث أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن على ، فإذا رأى حمرة لسانه بهش إليه».

(٢) لعبد القيس بن خفاف البرجمى من قصيدة فى المفضليات (٢ : ١٨٤ ـ ١٨٥) واللسان (١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧) وعجزه :

غبرا أكفهم بقاع سمحل

(٣) ديوان رؤبة ١٠٤ واللسان (بهق ، ولم). ورواية الديوان واللسان : (بهق ، ولم) ورواية الديوان واللسان : كأنها في الجلد.

٣١٠

فأمّا الأوّل فيقولون : بَهَلْتُه ، إذا خَلَّيْتَه وإرادَتَه. ومن ذلك النَّاقة الباهِلُ ، وهى التى لا سِمَة عليها. ويقال [التى] لا صِرَارَ عليها. ومنه حديث المرأة (١) لِبعلها : «أبثَثْتُكَ مكتومى ، وَأطعمتُك مأْدُومى ، وأَتَيْتُك باهلاً غَيْرَ ذاتِ صِرَارٍ» ، وقد أراد تطليقها.

وأمّا الآخَر فالابتهال والتضرُّع فى الدُّعاء. والمباهلةُ يرجع إلى هذا ، فإِنَ المُتَبَاهِلَينِ يدعُو كلُّ واحدٍ منهما على صَاحِبِه. قال الله تعالى : (ثُمَ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).

والثالث البَهْل وهو الماء القَلِيل.

بهم الباء والهاء والميم : أن يبقى الشَّىءُ لا يُعْرَفُ المَأْتَى إليه. يقال هذا أمرٌ مُبْهَم. ومنه البُهْمةُ الصَّخرة التى لا خَرْق فيها ، وبها شُبِّه الرّجُل الشُّجَاعُ الذى لا يُقدَرُ عليه من أىِّ ناحيةٍ طُلِب. وقال قوم : البُهْمةُ جماعةُ الفرسان. ومنه البَهيمُ : اللَّونُ الذى لا يخَالِطُه غيْرُه ، سواداً كانَ أو غيرَه. وأبْهَمْتُ البابَ : أغلقْتُه.

ومما شَذَّ عن هذا الباب : الإبهام من الأصابع. والبَهْم صِغارُ الغنَم. والبُهْمَى نبْتٌ ، وقد أبْهَمَتِ الأرضُ كثُرَتْ بُهْمَاهَا. قال :

لها مُوفِدٌ وَفَّاهُ وَاصٍ كأنّه

زَرَابىُّ قَيْلٍ قَدْ تُحُومِى مُبْهمُ (٢)

__________________

(١) هى امرأة دريد بن الصمة ، كما سبق فى مادة (أدم ٧٢).

(٢) أنشده فى اللسان (٢٠ : ٢٨٥). والموفد ، هنا : السنام. والواصل : النبت المتصل. والقيل : الملك. وللبهم : ذو البهمى الكثيرة.

٣١١

بهن الباء والهاء والنون كلمةٌ واحدة ، وفيها أيضاً ردّة (١) يقال البَهْنانة المرأة الضَّحّاكة ، ويقال الطّيِّبة الرِّيح. وقوله :

ألَا قالَتْ بَهَانِ ولم تأبَّقْ

بَلِيتَ ولا يَلِيقُ بك النَّعيمُ (٢)

فإنَّه أراد الاسمَ الذى ذكَرْناه ، فأخْرَجَه على فَعَالِ.

باب الباء والواو وما معهما فى الثلاثى

بوأ الباء والواو والهمزة أصلان : أحدُهما الرُّجوع إلى الشئِ ، والآخر تساوِى الشَّيئَين.

فالأوَّل الباءَة والمَبَاءَة ، وهى مَنزِلة القوم ، حيثُ يتبوَّءُونَ فى قُبُلِ وادٍ [أ] وسَنَدِ جبل. ويقال قد تبوَّءُوا ، وبوّأهم اللهُ تعالى مَنزِلَ صِدْق. قال طرفة :

طيّبُو البَاءةِ سهلٌ ولَهُمْ

سُبُلٌ إِنْ شِئْتَ فى وَحْشٍ وَعِرْ (٣)

وقال ابن هَرْمَة :

وبُوِّئَتْ فى صَمِيمِ مَعْشَرِها

فتَمَّ فى قَومِها مُبَوَّؤُها (٤)

والمَبَاءَة أيضاً : منْزِل الإبل حيثُ تُناخُ فى الموارد. يقال أبَأْنَا الإبِلَ نُبِيُّهَا إباءةً ـ ممدودة ـ إذا أنْخَتَ بعضها إلى بعض. قال :

__________________

(١) كذا فى الأصل.

(٢) البيت فى نوادر أبى زيد ١٦ واللسان (١١ : ٢٨٣) منسوب إلى غامان بن كعب. وسماء فى (١٦ : ٢٠٧): «عاهان بن كعب». وكلمة «لم» ساقطة من الأصل. وقد سبق البيت فى (أبق ٣٩).

(٣) ديوان طرفة ٦٧ واللسان (١ : ٣١).

(٤) البيت بدون نسبة فى اللسان (١ : ٣١).

٣١٢

خليطان بينهما مِئْرَةٌ

يُبِيئانِ فى مَعْطِنٍ ضَيِّقِ (١)

وقال :

* لَهُم منزلٌ رحبُ المباءةِ آهِل*

قال الأصمعىّ : يقال قد أباءَها الرَّاعِى إلى مَبَائِها فتبوَّأَتْه ، وبوَّأَها إيَّاهُ تَبْوِيئاً. أبو عُبيد : يقال فلانٌ حسن البِيئَةِ على فِعْلة ، من قولك تبوَّأتُ منزلاً. وبات فلانٌ ببِيئة سَوء(٢). قال :

ظَلِلْتُ بذى الأرْطَى فَويْقَ مُثَقَّبٍ

ببِيئَةِ سوءٍ هالكاً أو كهَالكِ (٣)

ويقال هو ببيئة سَوْءٍ بمعناه (٤).* قال أبو مهدىّ : يقال باءَتْ على القومِ بائِيَتُهم إذا راحَتْ عليهم إبِلُهم. ومن هذا الباب قولهم أَبِى عليه حَقَّه ، مثل أَرِحْ عليه حَقّه. وقد أباءَه عليه إذا ردَّه عليه. ومن هذا الباب قولُهم بَاءَ فلان بذَنْبِه ، كأنّه عاد إلى مَبَاءته محتملاً لذنْبه. وقد بُؤْت بالذَّنْب ، وباءَتِ اليَهودُ بغَضَب الله تعالى.

والأصل الآخَر قولُ العرب : إنّ فلاناً لَبَوَاءُ بفلانٍ ، أى إنْ قُتِل به كان كُفْواً. ويقال أَبَأْتُ بفلانٍ قاتِلَه ، أى قتَلْتُه. واستَبَأْتَهُمْ قاتِلَ أخِى أى طلبْتُ إليهم أنْ يُقِيدُوه (٥). واستبَأْتُ به مثلُ استقَدْت. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (١ : ٣١) برواية «حليفان» ، و «فى عطن».

(٢) فى الأصل : «وباءت فلان ببئة سوء» تحريف ، صوابه من المجمل رأيت؟ قال : «وبات ببيئة سوء أى بحالة سوء».

(٣) البيت لطرفة فى ديوانه ٥٥ والأصمعيات ٥٥. وفى الديوان. بكينة سوء.

(٤) كذا وهو تكرار لما سبق. وفى المحمل : «كما يقال مجيبة سوء وبكينة سوء».

(٥) فى الأصل : «أن يقيدونه».

٣١٣

فإِنْ تقتُلوا مِنَّا الولِيدَ فإنَّنا

أبَأْنَا به قَتْلَي تُذِلُّ المَعَاطِسَا (١)

وقال زُهير :

فلم أر معشراً أَسَرُوا هَدِيًّا

ولم أَرَ جارَ بيتٍ يُسْتَبَاءُ (٢)

وتقول باءَ فلانٌ بفُلانٍ ، إذا قُتِل به. قال :

ألَا تَنْتَهِى عَنَّا ملُوكٌ وتَتَّقِى

مَحارِمَنا لا يَبُوءُ الدَّمُ بالدَّمِ (٣)

أى مِنْ قَبْل أَنْ يَبُوءَ الدِّماء ؛ إذا استوَتْ فى القَتْل (٤) فقد باءتْ.

ومن هذا الباب قولُ العرب : كلَّمْناهُمْ فأجابُونَا عن بَوَاء واحدٍ : [أجابوا] كلُّهُمْ جواباً واحداً. وهم فى هذا الأمْرِ بَوَاءُ أى سواءٌ ونُظَراءُ. وفى الحديث : «أنَّه أمَرَهُمْ أَنْ يَتَبَاءَوْا». أى يتباءَوْن فى القِصاص. ومنه قول مُهلهلٍ لبُجَيرِ بن الحارث : «بُؤْ بشِسْعِ كُلَيْبٍ». وأنشد :

فقلت له بُؤْ بامْرِئٍ لَسْتَ مِثلَه

وإنْ كُنْت قُنْعاناً لمن يَطْلُبُ الدَّمَا (٥)

بوب الباء والواو والباء أصلٌ واحد ، وهو قولك تَبَوَّبْتُ بَوَّاباً ، أى اتَّخَذْتُ بَوَّابا. والباب أصلُ أَلفِهِ واوٌ ، فانقلبت ألفا. فأمَّا البَوْبَاةُ فمكانٌ ، وهو أوّلُ ما يَبدُو من قَرْنٍ إلى الطَّائف. قال المتلمّس :

__________________

(١) للعباس بن مرداس من قصيدة له فى الأصمعيات ٣٥ برواية : فإن يقتلوا منا كريما.

(٢) ديوان زهير ٧٩ واللسان (١ : ٣٠ / ٢٠ : ٢٣٥).

(٣) البيت لجابر بن حنى التغلبى فى المفضليات (٢ : ١١).

(٤) فى الاصل : «إذا استوت الدماء فى القتل».

(٥) هو الرجل قتل قاتل أخيه ، كما فى اللسان (١ : ٣٠). والبيت أيضاً أو نظيره فى اللسان (١٠ : ١٧١).

٣١٤

لن تسلكى سُبُلَ البَوْباةِ مُنجِدةً

ما عِشْت عَمْرُو وَما عُمِّرْتَ قابوسُ (١)

بوث الباء والواو والثاء أصلٌ [ليس] بالقوىّ ، لكنّهم يقولون باث عن الأمر بَوْثاً ، إذا بَحَثَ عنه.

بوج الباء والواو والجيم أصلٌ حسن ، وهو من اللَّمَعان. يقول العرب : تبَوَّج البَرْقُ تَبَوُّجاً ، إذا لَمَع.

بوح الباء والواو والحاء أصلٌ واحد ، وهو سَعَة الشَّئِ وبروزُه وظهورُه. فالبُوحُ جمع باحَةٍ ، وهى عَرْصَة الدار. وفى الحديث : «نظِّفوا أفنِيَتَكُمْ ولا تَدَعُوها كبَاحَةِ اليَهود». ويقولون فى أمثالهم : «ابنُكَ ابنُ بُوحِكَ» أي الذى ولَدْتَه (٢) فى باحةِ دارِك.

ومن هذا الباب إباحةُ الشَّئ ، وذلك أنّه ليس بمحظُورٍ علَيه ، فأمرُهُ واسعٌ غيرُ مُضَيَّق. و [من] القياسِ استباحُوه ، أى انتَهَبُوه. وقال :

حَتَّى استَبَاحُوا آلَ عوفٍ عَنْوةً

بالمَشْرَفِىِّ وبِالوشيجِ الذُّبَّلَ (٣)

وزعم ابن الأعرابىِّ أنّ البَهْدلىّ (٤) قال له : إنّ البَاحَة جماعةُ النَّخل. وأنشد :

أعطَى فأعطانِى يَداً ودَارَا

وبَاحةً خَوَّلَها عَقَارا (٥)

واليَدُ جَماعةُ قومِهِ ونُصَّارِهِ.

__________________

(١) فى الأصل : أن؟ صبل البوباة منجية ، صوابه من ديوان المتلمس ص ٥ مخطوطة الشنقيطى ، ومعجم البلدان (البوباة).

(٢) فى الأصل : «ولدتك» تحريف. وقد سبق المثل فى ص ٣٠٥.

(٣) البيت لعنترة فى ديوانه ١٧٨ واللسان (٣ : ٢٣٩).

(٤) البهدلى ، هذا ، هو أبو صارم البهدلى ، من بنى بهدلة ، كما فى اللسان (٣ : ٢٣٩).

وفى الأصل : «الهذلى» تحريف ، صوابه فى اللسان وأمالى ثعلب ٢٤٤.

(٥) البيتان فى أمالى ثعلب واللسان (٣ : ٢٣٩ / ٢٠ : ٣٠٩).

٣١٥

بوخ الباء والواو والخاء كلمةٌ فَصيحة ، وهو السُّكون. يقال باخَت النار بَوْخاً سَكَنَتْ ، وكذلك الحَرُّ. ويقال باخَ ، إذا أعيا ؛ وذلك أنَّ حَرَكاتِه تَبُوخ وتَفْتُر.

بور الباء والواو والراء أصلان : أحدهما هَلَاك الشَّئ وما يشبِهُه مِن تعطُّلِهِ وخُلُوِّه ، والآخَر ابتلاءِ الشَّئِ وامتحانُه.

فأمَّا الأوّل فقال الخليل : البَوَار الهَلَاك ، تقول : بَارُوا ، وهم بُورٌ ، أى ضالُّونَ هلْكَى. وأبارَهُم فُلان. وقد يقال لِلواحدِ والجميعِ والنِّساء والذُّكور بُورٌ. قال الله تعالى : (وَكُنْتُمْ قَوْماً) بُوراً. قال الكسائىّ : ومنه الحديث. «أنّه كان يتعوَّذُ من بَوَار الأَيِّم». وذلك أن تَكْسُدَ فلا تجِدَ زَوْجاً.

قال يعقوب : البُورُ : الرَّجُل الفاسد الذى لا خَيْرَ فيه. قال عبدُ الله ابن الزِّبَعْرِى :

يا رسولَ المليكِ إنَّ لِسَانِى

راتقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أَنا بُورُ (١)

قال* [أبو] زيد : يقال إنّه لفى حُور وبُور ، أى ضَيْعة. والبائر الكاسِد ، وقد بارَتِ البِياعاتُ أى كَسَدَتْ. ومنه (دارَ الْبَوارِ) ، وأرضٌ بَوَارٌ ليس فيها زَرع.

قال أبو زياد : البُوَر من الأرض المَوْتَان (٢) ، التى لا تصلح أن تُسْتَخْرَج. وهى أَرَضُونَ أبْوار. ومنه كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأَكَيْدِرَ : «إنّ لنا البُوَرَ والمعامِىَ(٣)».

__________________

(١) البيت فى اللسان (بور).

(٢) يقال بالفتح والتحريك.

(٣) البور ، بالفتح : مصدر سمى به ، وبالضم : جمع بوار بالفتح. وبهما روى الحديث. انظر اللسان (٥ : ١٥٤) :

٣١٦

قال اليزيدىّ : البور الأرْضُ التى تُجَمُّ سنةً لِتُزْرَع من قَابِل ، وكذلك البَوَار. قال أبو عبيدٍ : عن الأحمر نزلَتْ بَوَارِ على النَّاس ، أى بلاءٌ. وأنشد :

قُتِلَتْ فكانَ تَظَالُماً وتَبَاغِياً

إِنَّ التَّظالُمَ فى الصَّديقِ بَوَارُ (١)

والأصل الثانى التَّجْرِبة والاختِبار. تقول بُرْتُ فلاناً وبُرْتُ ما عندَه ، أى جَرّبتَه. وبُرْتُ الناقةَ فأنا أَبُورها ، إذا أدنَيْتَها مِن الفَحْلِ لتَنْظَرَ أحاملٌ هى أم حائل (٢). وكذلك الفحل مِبْوَرٌ ، إذا كان عارفاً بالحالين. قال :

بِطَعْنٍ كآذانِ الفِراءِ فُضُولُه

وطَعْنٍ كإيزاغِ المَخَاضِ تَبُورُها (٣)

ويقال بَارَ النَّاقَةَ بالفَحْلِ. فأمَّا قولُه :

مُذكَّرَةُ الثُّنْيَا مُسَانَدَةُ القَرَى

تُبَارُ إليها المحْصَنَاتُ النَّجَائِبُ (٤)

يقول : يُشتَرَى المحصناتُ النَّجائب على صِفَتها ، من قولك بُرْتُ الناقة.

بوش الباء والواو والشين أصلٌ واحد ، وهو التجمُّع من أصناف مختلِفين. يقال : بَوْشٌ بائشٌ ، وليس هو عندنا مِن صميم كلام العرب.

بوص الباء والواو والصاد أصلان : أحدهما شىءٌ من الآراب ، والآخر من السَّبْق.

__________________

(١) البيت لأبى مكعت الأسدى ، واسمه منقذ بن خنيس ، أو اسمه الحارث بن عمرو. انظر اللسان (٥ : ١٥٣). وضمير «قتلت» لجارية اسمها أنيسة.

(٢) زاد فى اللسان : «لأنها إذا كانت لاقحا بالت فى وجه الفحل إذا تشممها» وبه يفسر البيت التالى.

(٣) البيت لمالك بن زغبة الباهلى كما فى اللسان (١ : ١١٦ / ٥ : ١٥٤ / ١٠ : ٣٤٣). وصواب رواية صدره : يضرب كما سيأتى فى (فرى). وانظر الحيوان (٢ : ٢٥٦) والكامل ١٨١ ليبسك ، وديوان المعانى (٢ : ٧٣).

(٤) أنشد نظيره فى اللسان (سند ، ثنى) :

مذكرة الثنيا مسانده القرى

جمالية تختب ثم تنب

٣١٧

فالأوَّل البُوَص ، وهى عجيزة المرأة. قال :

عَريضَةِ بُوَصٍ إذا أدبَرَتْ

هَضِيمِ الحَشَا شَخْتَةِ المُحْتَضَنْ (١)

والبُوصُ اللَّوْن أيضاً.

فأمَّا الأصل الآخر فالبَوْص الفَوْت والسَّبْق ، يقال بَاصَنِى ، ومنه قولهم : خِمْس بائِصٌ(٢) ، أى جادٌّ مستَعْجِلٌ.

بوع الباء والواو والعين أصل واحدٌ ، وهو امتداد الشئِ فالبَوْعُ من قولك بُعْتُ الحبل بَوْعاً إِذا مدَدْتَ بَاعَك به. قال الخليل : البَوْع والباع لغتانِ ، ولكنَّهُم يسمّون البَوْع فى الخِلْقة. فأمَّا بَسْط الباعِ فى الكَرَم ونحوه فلا يقولون إلّا كريم البَاع. قال :

* له فى المجدِ سابِقةٌ وبَاع *

والباع أيضاً مصدر بَاعَ يَبُوع ، وهو بَسْط الباعِ. والإِبلُ تَبُوع فى سَيرها.

قال النابغة :

* ببوْع القَدْرِ إن قلِقَ الوَضينُ (٣) *

والرَّجُل يَبوع بماله ، إذا بَسَطَ به باعَه. قال :

__________________

(١) فى (حضن): «عبلة المحتضن». وهو للأعشى فى ديوانه ١٥ واللسان (٨ : ٢٧٤) وقبله فى الديوان :

من كل بيضاء مسكورة

لها؟ ناصح كاللبن

(٢) الخمس : أحد أظماء الإبل ، ويقال فلاة خمس ، إذا انتاط وردها حتى يكون ورد النعم ليوم الرابع سوى اليوم الذى شربت وصدرت فيه. وفى الأصل : «خمس بائص» ، تحريف.

وأنشد للراعى :

حتى وردن اتم حمس؟

تعاوره الرياح وببلا

(٣) ليس فى ديوانه ، ولم ينشد فى (بوع) من اللسان.

٣١٨

لقد خِفْتُ أنْ ألْقَى المَنَايا ولم أَنَلْ

من المال ما أَسْمُو به وأَبُوعُ (١)

وأنشد ابنُ الأعرابىّ :

ومُسْتَامَة تُستامُ وهى رخيصةٌ

تُبَاعُ بِراحاتِ الأيادِى وتمْسَحُ (٢)

يصف فلاةً تسومُ فيها الإبلُ. رخِيصةٌ : لا تَمْتَنِع. تُباع : تمُدّ الإبلُ بها أبواعها. وتُمسَح: تُقْطَع.

قال أبو عبيد : بُعْتُ الحَبْلَ أبُوعُه بَوْعاً ، إذا مدَدْتَ إِحدَى يديك حتى يصيرَ باعاً. اللِّحيانىّ : إنّه لَطَويلُ الباعِ والبُوَع. وقد بَاعَ فى مِشْيته يَبُوع بَوْعاً وتَبوَّع تبوُّعاً ، وانْباعَ ، إذا طَوَّلَ خُطَاه. قال :

يَجْمَعُ حِلْماً وأناةً مَعاً

ثُمَّتَ يَنْبَاعَ انبِيَاعَ الشُّجاعْ (٣)

وتقول العَرب فى أمثالها : «مُخْرَنْبِقٌ لِيَنْبَاعَ» ، المخْرَنْبِقُ المطْرِق السَّاكت. وقوله : لينباع ، أى لِيَثِبَ. يُضرَب مَثَلاً للرجل يُطرِقُ لداهيةٍ يريدها.

قال أبو حاتم : بَوْع الظَّبْىِ سَعْيه ، دون النَّفْزِ ، والنَّفْزُ بلوغُه أشَدَّ الإحْضار. اللِّحيانىّ : يقال والله لا يَبُوعُونَ بَوْعَه أبداً ، أى لا يبلُغُون ما بَلَغَ. قال : أبو زيد : جَمَلٌ بُوَاعٌ (٤) ، أى جَسِيمٌ. ويقال انباع الزَّيت إذَا سال (٥). [قال] :

ومُطَّرِدٌ لَدْنُ الكُعُوبِ كأنما

تَغَشَّاهُ مُنْبَاعٌ من الزَّيتِ سَائِلُ (٦)

__________________

(١) البيت للطرماح فى ديوانه ١٥٥ واللسان (٩ : ٣٦٩).

(٢) البيت لذى الرمة فى ملحقات ديوانه واللسان والتاج (سوم ، بوع ، مسح).

(٣) للسفاح بن بكير اليربوعى من قصيدة فى المفضليات (٢ : ١٢٢).

(٤) كذا ضبط فى الأصل بضم الباء وفتح الواو ، وهو نظير طوال بالضم بمعنى الطويل وضبط فى اللسان بفتح الباء وتشديد الواو ضبط قلم. ولم تره الكلمة فى القاموس.

(٥) فى الأصل : «سئل».

(٦) البيت لمزرد بن ضرار أخى الشماخ ، من قصيدة فى المفضليات (١ : ٩٧).

٣١٩

ويقال فَرَسٌ بَيِّعٌ (١) أى بعيدُ الخُطوة ؛ وهو من البَوْع. قال العبّاس ابن مِرداس :

على مَتْنِ جَرْدَاءِ السَّرَاةِ نَبيلةٍ

كَعَالِيَةِ المُرَّانِ بَيِّعَة القَدْرِ

بوغ الباء والواو والغين أصلٌ واحد ، وهو ثَوَرَان الشَّئْ. يقال : تبوَّغ إذا ثار (٢) ، مثل تبيَّغ. والبَوْغاء : التراب يثور عنه غُبَارُه.

بوق الباء والواو والقاف ليس باصل معوَّلٍ عليه ، ولا فيه عندى كلمةٌ صحيحةٌ. وقد ذكروا أنَ البُوقَ الكذِب والباطِل. وذَكَرُوا بيتاً لحسَّان :

إلّا الذى نَطَقُوا بُوقاً ولم يَكُنِ (٣) *

وهذا إنْ صَحَّ فكأنَّه حكايةُ صوت.

فأمّا قولهم : باقَتْهُمْ بائِقَةٌ وهى الدّاهِيَة تَنزلُ ، فليست أصلاً ، وأُرَاها مبدلةً من جيم. والبائجة كالفَتْقِ والخَلَلِ (٤). وقد ذكر فيما مضى (٥).

بوك الباء والواو والكاف ليس أصلاً ، وهو كنايةٌ عن الفعل. يقال باك الحمارُ الأتانَ.

__________________

(١) فى الأصل : «تبيع».

(٢) فى الأصل : «إذا كان». وفى المجمل : «وتبوغ الدم مثل تبيع».

(٣) من أبيات له فى ديوانه ٤١١ يرثى بها عثمان بن عفان. وصدره كما فى الديوان واللسان (بوق) :

ما قتلوه على ذنب ألم

(٤) فى اللسان : «وانباجت بائجة ، أى انفتق فتق منكر.

(٥) لم يذكر فى مادة (بوج) فهو سهو منه ، أو سقط مما مضى.

٣٢٠