معجم مقاييس اللغة - ج ١

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩

أنيناً وَشَكْوَى بالنَّهارِ كَثيرةً

عَلَىَّ وما يأتِى به الليلُ أَبْرَحُ (١)

أى أشَقّ. ويقال لقِيتُ منه البُرَحِين والبَرَحَين (٢) وبناتِ بَرْحٍ (٣) وبَرْحاً بارحاً. ومن هذا الباب البَوارح من الرِّياح ، لأنَّها تحمل التُّراب لشدّة هبوبها. قال ذو الرّمّة :

لا بلْ هو الشَّوْقُ مِنْ دَارٍ تَخَوَّنُها

مَرًّا سحابٌ ومرًّا بارِحٌ تَرِبُ (٤)

فأمّا قول القائلِ عند الرَّامى إِذا أخطأ : بَرْحَى ، على وزن فَعْلى ، فقال ابنُ دُريد وغيرُه : إنه من الباب ، كأنه قال خُطّة بَرْحَى ، أى شديدة.

برخ الباء والراء والخاء أصل واحدٌ ، إن كانَ عربِيًّا فهو النمَّاء والزِّيادة ، ويقال إنَّها من البَرَكة وهى لغة نَبَطيّة.

برد الباء والراء والدال أصول أربعة : أحدها خلاف الحَرّ ، والآخَرْ السُّكون والثبوت ، والثالث الملبوس ، والرابع الاضطراب والحركة. وإليها تَرجِع الفُروع.

فأمّا الأوَّل فالبَرْد خلافُ الحَرِّ. يقال بَرَدَ فهو بارِد ، وبَرَد الماءُ حرارةَ جَوْفِى يَبْرُدُها. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (٢ : ٢٣٣) وليس فى ديوان ذى الرمة ، بل ورد فى ملحقاته ص ٦٦٣ عن اللسان وتاج العروس.

(٢) ويقال أيضا البرحين ، بالتحريك.

(٣) وبنى برح أيضا.

(٤) البيت فى ديوان ذى الرمة ص ٢ واللسان (٣ : ٢٣٤).

٢٤١

وعَطِّلْ قَلُوصِى فى الرِّكاب فإِنَّها

سَتَبْرُدُ أكْباداً وتُبكِى بَواكِيا (١)

ومنه قول الآخر (٢) :

لئن كان بَرْدُ الماءِ حَرّانَ صَادِياً

إلىَّ عجيبا إنّها لعَجِيبُ

وبَرَدْتُ عينَه بالبَرُودِ (٣). والبَرَدَةُ : التُّخَمةُ. وسَحاب بَرِدٌ ، إذا كانَ ذا بَرَد. والأبردان : طرَفَا النهار. قال :

إذا الأرْطَى تَوَسَّدَ أبردَيْهِ

خُدودُ جَوازِئٍ بالرَّمْلِ عِينِ (٤)

ويقال البَرْدَانِ. ويقال للسُّيوف البَوارِد ، قال قوم : هى القواتلُ ، وقال آخرون : مَسُّ الحديد باردٌ. وأنشد :

وأنَّ أميرَ المؤمِنينَ أَغصَّنى

مُغَصَّهما بالمُرْهَفاتِ البوارِدِ (٥)

ويقال جاءوا مُبْرِدين ، أى جاءوا وقد باخَ الحرُّ.

__________________

(١) البيت لمالك بن الريب من قصيدة له فى أمالى القالى (٣ : ١٣٥) والخزانة (١ : ٣١٨) وجمهرة أشعار العرب ١٤٣ وقد انفردت بالرواية المطابقة لما هنا. وفى الأمالى والخزانة : ستغلق أكبادا وانظر الأغانى (١١ : ١٤٢) واللسان (٤ : ٤٩).

(٢) هو عروة بن حزام من قصيدة له فى ديوانه ١٠ مخطوطة الشنقيطى ، والخزانة (١ : ٥٣٤) برواية :

إلى جيبها أنها لحبيب

(٣) هو بفتح الباء : الكحل تبرد به العين من الحر. وفى الحديث «أنه كان يكتحل بالبرود وهو محرم».

(٤) البيت للشماخ فى الديوان ٩٤ واللسان (٤ : ٥٠).

(٥) البيت لكلثوم بن عمرو العتابى ، كما فى الحيوان (٤ : ٢٦٥) وعيون الأخبار (١ : ٢٣١) والعقد (٢ : ١٣٥) والبيان (٣ : ١٩٩) وزهر الآداب (٣ : ٣٩) وحماسة ابن الشجرى ١٤٠ واللسان (برد). ويروى: أعضنى معضها ، وفى الأصل : أفضني مفضها تحريف أثبت صوابه مطابقا ما فى المحمل.

٢٤٢

وأما الأصل الآخر فالبرد النَّوم. قال الله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً). وقال الشاعر (١) :

فإنْ شِئْتِ حَرّمْتُ النِّساءَ عليكُم

وإن شِئْتِ لم أطْعم نُقاخاً ولا بردَا (٢)

ويقال بَرَد الشئُ إذا دامَ. أنشد أبو عبيدةَ :

اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُه

مَن جَزِع اليومَ فلا تَلومُه (٣)

بارد بمعنى دائم. وبَردَ لى على فلانٍ من المال كَذَا ، أى ثَبَتَ. وبَرَدَ فى يدِى كذا ، أى حَصَل. ويقولون بَرَدَ الرّجُلُ إذا ماتَ. فيحتمِل أن يكون من هذا ، وأن يكون مِن الذى قَبْلَه.

وأما الثالث فالبُرْد ، معروفٌ. قال :

وإنى لَأَرْجُو أنْ تُلَفَّ عَجَاجَتِى

على ذِى كِساءٍ من سَلَامانَ أو بُرْدِ

وبُرْدَا الجرادة : جناحاها (٤).

والأصل الرابع بَرِيد العَسَاكر ؛ لأنه يَجىءُ ويذْهَب. قال :

خَيَالٌ لأُمِّ السَّلْسَبِيل ودُونها

مَسيرةُ شَهْر للبريد المذَبذَبِ (٥)

ومحتمل أن يكون المِبْرَدُ من هذا ، لأن اليَدَ تَضْطَرِبُ به إذا أُعمِلَ.

__________________

(١) هو العرجى ، كما فى اللسان والصحاح (نقخ ، برد) وأضداد ابن الأنبارى ٥٣.

(٢) الرواية المعروفة : «حرمت النساء سواكم».

(٣) البيتان فى اللسان (٤ : ٥٢) وأضداد ابن الأنبارى ٥٣. ويروى «من عجز» كما عند ابن الأنبارى وفى إحدى روايتى اللسان. وقد روى فى المجمل والأضداد : «فلا نلومه» بالنون.

(٤) فى الأصل : «جناحان». وانظر الحيوان (٥ : ٥٥٦).

(٥) البيت للبعيث بن حريث ، كما فى حماسة أبى تمام (١ : ١٤١). وفى الأصل : «لأم السليل» ، تحريف.

٢٤٣

(باب الباء والزاء وما يثلثهما)

بزع الباء والزاء والعين أصل واحد وهو الظَّرْف ، يقال للظَّريف يَزيع ، وتَبَزَّع الغُلامُ ظَرُف ، ولا يكونُ ذلك إلا مِن صِفَة الأحداث. وربما قالوا تَبَزَّعَ الشّرُّ إذا تفاقَمَ ، فإن كان صحيحاً فهو أصلٌ ثان.

بزغ الباء والزاء والغين أصل واحد ، وهو طُلوع الشَّئِ وظُهورُه. يقال بَزَغَتِ الشمسُ وبَزَغ نابُ البَعيرِ إذا طلع. ويقولون للبَيْطار إذا أُوْدَجَ الدَّابّةَ قد بَزَغه ، وهو قياسُ الباب.

بزق الباء والزاء والقاف أصلٌ واحد ، وهو إلقاء الشئ ، يقال بَزَق الإنسانُ ، مثلُ بَصَق. وأهل اليَمَن يقولون : بَزَق الأرَضَ إذا بَذَرَها (١)

بزل الباء والزاء واللام أصلان : تفتُّح الشئ ، والثانى الشدّةُ والقُوّة. فأمّا الأوّل فيقال بَزَلْتُ الشَّرابَ بالمِبْزَل أَبْزُلُه بَزْلاً. ومن هذا قولهُم بَزَل البعيرُ إذا فَطَر نابُه ، أى انشقَّ ، ويكون ذلك لحجّتِه التّاسعة. وشَجّةٌ بازِلة إذا سَالَ دَمُها. وانبَزَل الطَّلْع إذا تفَتَّق. ومن الباب البَأْزَلَة وهى المِشْيَةُ السريعة ؛ لأن المُسْرِع مُفتِّح فى مِشْيته. قال :

* فأدْبَرَتْ غَضْبَى تَمَشَّى البازَلَهْ (٢) *

__________________

(١) فى الأصل : «ندرها» ، صوابه من اللسان (بزق).

(٢) البيت لأبى الأسود العجلى ، كما فى اللسان (بأزل ، شهل) والهمزة فيه مسهلة. وقبل البيت :

قد كان فيما بيننا مشاهله

٢٤٤

والأصل الثانى قولُهم أمر ذو بَزْل أى شِدَّة. قال عَمرُو بن شأسٍ :

يفلِّقْنَ رأْسَ الكَوكَبِ الفَخْمِ بعد ما

تَدُور رَحى المَلْحاءِ فى الأمْرِ ذِى البَزْلِ (١)

ومن هذا قولهم : فلان نهّاضٌ ببزْلاءَ ، إذا كان محتملاً للأمور العِظام. وقال قوم ، وهو هذا الأصل : ذو بَزْلاء ، أى ذو رأى. أنشد أبو عُبيد (٢) :

إنى إذا شغلَتْ قوماً فُروجهُم

رَحْبُ المسالِكِ نهَّاضٌ ببَزْلاءِ

بزم الباء والزاء والميم أصلٌ واحد : الإمساك والقَبْض. يقال بَزَم على الشئِ إذا قَبَض عليه بمُقَدَّم فيه. والإبزيم عربىٌّ فصيح ، وهو مشتق من هذا. والبَزِيم فَضْلَة الزّادِ ، سمِّيت بذلك لأنه أُمْسِكَ عن إنفاقها.

بزو الباء والزاء والواو أصلٌ واحد ، وهو هيئةٌ من هيئات الجسم فى خروجِ صدرٍ ، أو تَطَاوُلٍ ، أو ما أشبه ذلك. يقال للرَّجُل الذى دخَلَ ظهْرُهُ وخرَجَ صَدْرُه : هو أَبْزَى. قال كثَيِّر :

* من القَومِ أَبْزَى مُنْحنٍ مُتَباطِنُ (٣) *

وقال قومٌ : تبازَى إذا حرّك عَجُزَه فى مِشْيَته. قال أبو عُبيد : الإبْزَاء أن يرفع الإنسان مُؤَخَّره ؛ يقال منه أَبْزَى يُبْزِى. والبَازِى يَبْزُو فى تطاوله ، أو إيناسه ، وقد يقال له البازُ بلا ياءٍ فى ضرورة الشِّعر. قال عنترةُ يذكر فَرَساً :

__________________

(١) البيت فى اللسان (١٣ : ٦٥) والمجمل. وفى الأصل : «يقلقلن» ، صوابه فى اللسان والمجمل.

(٢) فى الأصل : «قال أبو عبيد».

(٣) صدره كما فى اللسان (١٨ : ٧٨) :

رأتني كأشلاء اللجام وبعلها

٢٤٥

كأنَّهُ بازُ دُجْنٍ فَوقَ مَرْقَبَةٍ

جَلَا القَطَا فهو ضَارِىْ سَمْلَقٍ سَنِقْ (١)

البازِى فى الدَّجْن أشَدُّ طَلَباً للصَّيد ، ضَارِى سَمْلق ، أى مُعتادٌ للصَّيد فى السَّملق ، وهى الصحراء. سَنِق : بَشِمٌ (٢). وأظنُّ أنا أنَّ وصْفَه إيَّاه بالبَشَمِ ليس بجيِّد. ويقولون : أخَذْتُ مِن فُلانٍ بَزْوَ* كَذَا ، أى المبلغ الذى يبلغه ويَرتَفِع إليه. وربما قالوا أبزَيْتُ بفُلانٍ إذا بَطَشْتَ به ؛ وهو من هذا لأنَّه يَعلُوه ويَقْهَرُه.

بزخ الباء والزاء والخاء أصلٌ يقْرُب من الذى قبلَه. والبَزَخ خروج الصَّدْرِ ودُخولُ الظَّهر ؛ يقال رجلٌ أبْزَخُ وامرأةٌ بَزْخاء. وتبازَخَتْ له المرأةُ ، إذا حَرَّكَت عَجُزَها فى مِشْيَتِها.

بزر الباء والزاء والراء أصلان : أحدهما شئ من الحبوب ، والأصل الثَّانى من الآلات التى تستعمل عند دقِّ الشئ.

فأمّا الأوّل فمعروف. قال الدُّرَيدىُّ : وقولُ العامَّة بَزْرُ البَقلِ خطأ ، إنّما هو بَذْر. وفى الكتاب الذى للخليل : البَزْر كلُّ حبٍّ يُبذَر ، يقال بَذَرتُهُ. وبَزَرْتُ القِدْرَ بأَبزارِها.

والأصل الثانى : البَيْزَرَة خشَبة القَصَّار التى يدُقّ بها ، ولذا قال أوس :

* بأيديهم بيازيرُ (٣) *

ويقال بَزَرْته بالعَصَا إذا ضربْتَهُ بها.

__________________

(١) هذا ما يقتضيه تفسيره بعده. ورواية اللسان (٧ : ١٨): «سملق سلق» باللام وبكسر الروى. والسلق ، بالتحريك : القاع الصفصف ، كالسملق.

(٢) فى الأصل : «بشر».

(٣) البيت بتمامه كما فى ديوان أوس ص ٨ :

نكبهم ماءهملما رأيتهم

صهب السبال بأيديهم بيازير

٢٤٦

(باب الباء والسين وما يثلثهما)

بسط الباء والسين والطاء أصلٌ واحدٌ ، وهو امتِدادُ الشَّئ فى عِرَض أو غير عِرَض. فالبِساط ما يُبْسط. والبَسَاط الأرض ، وهى البسيطة. يقال مكان بَسِيطٌ وبَساط. قال :

ودونَ يَدِ الحَجّاج مِن أنْ تنالَنى

بَسَاطٌ لأيْدِى النَّاعِجاتِ عريضُ (١)

ويَدُ فلانٍ بِسْطٌ ، إذا كان مِنْفَاقا ، والبَسْطة فى كلّ شئ السَّعَة وهو بَسيط الجسْمِ والباعِ والعِلْم. قال الله تعالى : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ). ومن هذا الأصل وإليه يرجع ، قولُهم للنَّاقة التى خُلِّيت هى ووَلَدَها لا تُمنَع منه : بُسْط.

بسق الباء والسين والقاف أصلٌ واحد ، وهو ارتِفاع الشَّئ وعُلُوُّه. قال الخليل : يقال بَسَقَتِ النَّخلةُ بُسُوقاً إذا طالَتْ وَكَمُلَتْ. وفى القرآن : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ، أى طويلات.

قال يعقوب : نخلةٌ باسقة ونَخِيلٌ بواسِقُ ، المَصْدر البُسُوق. قال : ويقال بَسَق الرَّجل طَالَ ، وبَسَق فى عِلْمه عَلَا.

أبو زَيْدٍ عن المنْتَجِع بن نَبْهان : غَمامَةٌ باسِقَةٌ أى بيضاءُ عالية. وبواسِق السَّحاب أعالِيه.

فإن قال قائل : فقد جاء بَسق ، وليس من هذا القياس. قيل له : هذا ليس أصلاً ؛ لأنّه من باب الإبدال ، وذلك أنّ السين فيه مَقام الصّاد والأصل بَصَق.

__________________

(١) البيت للعديل بن الفرخ كما فى حماسة ابن الشجرى ١٩٩ واللسان (بسط).

٢٤٧

ثمَّ حُمِل على هذا شئُ آخر ، وهو قولهم أبْسَقَت الشّاةُ فهى مُبْسِقٌ إذا أنْزلَتْ لبنا مِن قَبْلِ الولادةِ بشَهْرٍ وأكثَرَ من ذلك فيُحْلَب. وهذا إذا صَحَّ فكأنَّها جاءت ببُساقٍ ، تَشبيهاً له ببُساق الإنسان. والدَّليل على ذلك أنّهم يقولون : الجارية وهى بِكْرٌ ، يصير فى ثَدْيها لبَنٌ ، فهل ذلك إلّا كالبُساق.

قال أبو عُبيدةَ : المِبْساق التى تَدِرُّ قبل نِتاجها. وأنشَدَ ـ وأكثَرُ ظَنّى أنَّ هذا شعرٌ صنَعَه أبو عبيدة ـ :

ومُبْسِق تُحْلَبُ نِصْفَ الحَمْلِ

تدُرُّ من قبل نِتاجِ السَّخْلِ

بسل الباء والسين واللام أصلٌ واحد تتقارب فُروعُه ، وهو المَنْع والحبس ، وذلك قولُ العرب للحرام بَسْلٌ. وكلُّ شئ امتَنَعَ فهو بَسْلٌ. قال زُهَير :

* فإن تُقْوِيا مِنْهُمْ فإنَّهُم بَسْلُ (١) *

والبَسالة الشَّجاعة من هذا ؛ لأنّها الامتناع على القِرْن. ومن هذا الباب قولهم : أَبْسَلْتُ الشّئَ أسلمتُهُ للهَلَكَةِ. ومنه أَبْسَلْتُ وَلَدِى رهنْتُه. قال الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا). ثُمَّ قالَ عوفُ بنُ الأحوص (٢) :

وإبسالِى بَنِئَ بِغَيرِ جُرْمٍ

بَعَوْنَاهُ ولا بِدَمٍ مُرَاقِ (٣)

__________________

(١) صدره كما فى ديوانه ١٠١ :

بلاد بها نادمتهم وعرفتهم

(٢) وكذا وردت العبارة فى المجمل (بل).

(٣) أنشده فى اللسان (١٣ : ٥٧) برواية : بدم قراض ثم قال : وفي الصحاح : بدم مراق. وأنشده في اللسانثم قال : وفى الصحاح : بدم مراق وأنشد في اللسان (١٨ : ٨) برواية بغير بعو جرمناه ولا يدم مراق وفى الجمهرة (١ : ٣١٧): «يصف أنه رهن بنيه فى حرب كانت بينه وبين قوم اخرين». يقال بعى الذنب يبعاه ويبعوه بعوا اجترمه واكتسبه. وقال ابن برى : «البيت لعبد الرحمن بن الأحوص». وسيأتى البيت فى مادة (بعل).

٢٤٨

وأما البُسْلَةُ فأُجرة الرَّاقِى ، وقد يُرَدُّ بدقيقٍ من النّظر إلى هذا (١). والأحسنُ عندى أن يقال هو شاذٌّ عن معظم الباب. وكان ابنُ الأعرابى يقول : البَسَل الكَرِيه الوَجْه (٢) ؛ وهو قياسٌ صَحِيحٌ مطّرِدٌ على ما أصَّلْناه.

بسم الباء والسين والميم أصلٌ واحد ، وهو إبداء مُقَدَّم الفَمِ لمسَرّة ؛ وهو دون الضَّحِك. يقال بَسَم يَبْسِم وتَبَسَّم وابْتَسَم.

بسأ الباء والسين* والهمزة أصلٌ واحدٌ ، وهو الأُنْس بالشَّئ ، يقال بَسَأْتُ به وبَسِئْتُ أيضاً. وناقة بَسُوءُ لا تَمْنَع الحالب.

بسر الباء والسين والراء أصلان : أحدُهما الطَّراءة وأن يكون الشَّئ قَبْل إنَاه. والأصل الآخر وُقوف الشَّئِ وقِلّةُ حَرَكته.

فالأوّل قولُهم لِكلِّ شئٍ غَضٍ بُسْرٌ ؛ ونباتٌ بُسْرٌ إذا كان طَرِيًّا. وماءُ بُسْرٌ قريبُ عَهْدٍ بالسَّحاب. وابتَسَرَ الفَحْلُ النّاقَةَ إذا ضَرَبَهَا على غيرِ ضَبَعَة. ويقال للشَّمس فى أوَّلِ طُلوعِها بُسْرة. ومن هذا قولُهمْ بَسَر الرَّجُل الحاجةَ إِذَا طَلَبها مِن غير مَوضِع الطَّلَب. وقياسُه صحيح ، لأنّه كأنَّه طَلَبها قبل إناها (٣) والبَسْر ظَلْمُ السِّقَاء ، وذلك شُرْبُه قبل رَوْبه.

__________________

(١) فى الأصل : «وقد يرد بدقيق من النظر أن يرد إلى هذا».

(٢) البسل ، بالتحريك ، كما ضبط فى الأصل ، وكما نبه عليه فى تاج العروس. ويقال أيضاً فى معناه باسل وبسيل.

(٣) فى الأصل : «إناه».

٢٤٩

(باب الباء والشين وما يثلثهما)

بشع الباء والشين والعين أصلٌ واحد وهو كرَاهَةُ الشَّئ وقلَّةُ نفُوذه.

قال الخليل : البَشَع طَعْمٌ كَرِيهٌ فيه جُفوفٌ ومَرارةٌ كطعم الهَلِيلَج البشعة. قال : ويقال رجل بَشِعٌ وامرأةٌ بَشِعة ، وهو الكريهُ رِيحِ الفَمِ مِن أنّه لا يتخلَّلُ ولا يَستَاك. والمصْدَر البَشَع والبشَاعة. وقد بَشِعَ يَبْشَعُ بَشَعاً. والطعام البَشِع الذى لا يَسُوغ فى الحَلْق.

قال ابنُ دُريد : البَشَع تَضَايُق الحَلْق بالطَّعام الخَشِن. قال ابنُ الأعرابىّ : البَشِع الذى لا يَجُوز. يقال بَشِع الوَادِى بالنَّاس ، إذا كَثُروا فيه حَتَّى يَضِيقَ بهم. وأنشد :

إذا لقِىَ الغُصُونَ انْسَلَّ منها

فلا بَشِعٌ ولا جافٍ جَفُوفُ

قال الدُّريدىّ : بَشِعت بهذا الأمر ، أى ضِقْت به ذَرْعاً. قال النَّضْر : نَحَتُّ مَتْنَ العُودِ حتى ذهب بَشَعُه ، أى أُبَنُه. قال الضّبّىّ : الطعام البَشِع الغليظ الذى ليس بمنخولٍ ، فلا يَسُوغ فى الحَلْق خُشونةً.

بشك الباء والشين والكاف أصلٌ واحد ، ومنه يتفرَّع ما يقرُبُ من الخِفّة. يقال ناقةٌ بَشَكَى ، أى سَرِيعة. ويقال امرأةٌ بَشَكَى عَمُولٌ. وابتَشَكَ فُلانٌ الكَذِبَ إذا اخْتَلقَهُ. وبَشَكْتُ الثوب قَطعْتُه. وكلُّ ذلك من البَشْكِ فى السَّير وخفّة نَقْل القوائم.

٢٥٠

بشم الباء والشين والميم أصلٌ واحد ، وهو جِنْسٌ من السَّآمةِ لمأكولٍ ما ، ثمَّ يُحْمَل عليه غيرُه. يقال بَشِمْتُ من الطَّعام ، كأنَّك سَئِمْتَه. قال الخليل : البَشَم يُخَصُّ به الدَّسَم. قال : ويقال فى الفَصِيل (١) : بَشِم مِن كَثْرَة شُرْبِ اللَّبن.

وممّا شذّ عن الأصل البَشَامُ ، وهو شجَرٌ.

بشر الباء والشين والراء أصلٌ واحد : ظهور الشَّئ مع حُسْنٍ وجمال فالبَشَرة ظاهِرُ جِلْد الإنسان ، ومنه بَاشَرَ الرّجُلُ المرأةَ ، وذلك إفضاؤه بِبَشَرتِه إلى بَشَرتها. وسُمِّىَ البَشَرُ بَشَرًا لظُهورِهمْ. والبَشِير الحَسَنُ الوَجْه. والبَشَارة ، الجَمَال. قال الأعشى :

ورَأتْ بأنَّ الشَّيْبَ جا

نَبَهُ البَشَاشَةُ والبشَارَهْ (٢)

ويقال بَشَّرْتُ فُلاناً أُبَشِّرُهُ تَبشيراً ، وذلك يكون بالخَيْر ، وربما حُمِل عليه غيرُه من الشّرّ، وأظن ذلك جنساً من التَّبكيت. فأمّا إذا أُطلِقَ الكلامُ إطلاقاً فالبِشارة بالخير والنِّذارةُ بغَيرهِ. يقال أبْشَرَتِ الأرضُ إذا أخرَجَت نَبَاتَها. ويقال ما أَحسَنَ بَشَرَةَ الأرض. ويقال بَشَرْتُ الأدِيمَ إذا قَشَرْتَ وَجْهَه. وفلانٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ ، إذا كان كاملاً من الرِّجال ، كأنَّهُ جَمَع لِينَ الأَدَمَةِ وخُشونَةَ البَشَرَة. ويقال إن بحنة (٣) بنَ ربيعة ، زوّج ابنَتَه فقال لامرأته : «جَهِّزِيها فإنَّها المؤْدَمَة المُبْشَرَة (٤)».

__________________

(١) الفصيل : ولد الناقة. وفى الأصل : «الفصل».

(٢) البيت فى ديوان الأعشى ١١٣ واللسان (٥ : ١٢٨).

(٣) فى الأصل : «بحبة» وأثبت ما فى اللسان (٥ : ١٢٦).

(٤) فى الأصل : «فإنك المؤدمة». وفى اللسان : «ابنتك المؤدمة».

٢٥١

وحكى بعضُهم أبْشَرْتُ الأدِيمَ ، مثل بَشَرْتُ. وتَبَاشِير الصُّبحِ أَوَائلُهِ ؛ وكذلك أوائِلُ كلِّ شئٍ. ولا يكونُ منه فِعْل. والمُبَشِّرَات الرِّياح التى تُبَشِّرُ بالغَيْثِ.

(باب الباء والصاد وما يثلثهما)

بصط الباء والصاد والطاء ليس بأصلٍ ؛ لأنّ الصاد فيه سين فى الأصل. يقال بَصَط* بمعنى بسط ، وفى جسم فلان بَصْطة مثل بَسْطة

بصع الباء والصاد والعين أصلٌ واحد ، وهو خُروج الشَّئِ بشدّةٍ وضِيق. قال الخليل : البَصْع الخَرْق الضيِّق الذى لا يكاد الماءُ ينفُذُ منه ، يقال بَصَعَ يَبْصَعُ بَصاعةً. قال الخليل : ويقال تَبَصَّعَ العَرَقُ من الجَسَدِ إذا نَبَعَ من أُصول الشَّعَر قليلاً.

قال الدُّرَيدىّ : بَصَع العَرَقُ إذا رَشَحَ. وذكرَ أنَّ الخليل كان يُنشِد :

بأبَى بِدِرَّتها إذا ما اسْتُكْرِهَتْ

إلَّا الحَمِيمَ فإنَّه يتبَصَّعُ (١)

بالصاد ، يذهب إلى ما ذَكَرْنَاه. والذى عليه الناس الضَّاد ، وهو السَّيَلان. وقال الدُّرَيدىّ : البَصِيع العَرَق بعَيْنه. ومما شَذَّ عن هذا الأصل [بصعٌ ، أى] شئٌ. يُحكى عن قُطْرُب : مضى بِصْعٌ من اللَّيل ، أى شىءٌ منه.

__________________

(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوان الهذليين ١٧ واللسان (بصع) ، والجمهرة (١ : ٢٩٦).

٢٥٢

بصق الباء والصاد والقاف أصلٌ واحدٌ يشارك الباء والسين والقاف ، والأمرُ بينهما قريبٌ. يقال بَصَقَ بمعنى بَزَقَ وبَسَقَ. قال الخليل : وهو بالصَّاد أحْسَن. والاسم البُصاق.

قال أبو زياد : يقال أَبصَقَتِ الشَّاةُ ؛ وإِبصاقُها أن تُنزل اللَّبنَ قبلَ الوِلادِ ، فيكونَ فى قرارِ ضَرْعِها شئ من لَبَن وما فَوْقَه خالٍ. قال : وذلك من الشَّاةِ على قِلَّةِ اللَّبن إذا وَلَدَتْ. قال : ومَباصِيق الغَنَم تُنْتَجُ بعد إنزال اللَّبن بأيَّامٍ كثيرة ، ولا يكونُ لبنُها إلَّا فى قَرَارِ الضَّرْع وطَرَفه.

قال بعضُهم : بصَقْتُ الشَّاةَ حلبتُها وفى بطنها وَلَدٌ. قال : والبَصُوق أَبْكأُ الغَنم وأقَلُّها لبناً. قال الدُّرَيْدِىّ : بُصاقُ الإبل خِيارُها ، الواحد والجميعُ سَواء. فأما قولُهم للحَجَر الأبيض الذى يتلألأُ : بُصَاقَةُ القمر ، وبَصْقَة القمر ، فمُشَبَّهٌ بِبُصاقِ الإنسان. والبُصاق : جِنسٌ من النَّخل ، وكأَنه مِن قِياس البُساق. وهو فى بسق (١).

بصل الباء والصاد واللام أصلٌ واحدٌ. البصل معروف ، وبه شَبَّهَ لَبيدٌ البَيضَ فقال :

فَخْمَةً ذَفْرَاءَ تُرْتَى بالعُرَى

قُرْدُمانِيًّا وتَرْكاً كالبَصَلْ (٢)

بصر الباء والصاد والراء أصلان : أحدهما العِلْمُ بالشئ ؛ يقال هو بَصِيرٌ به. ومن هذه البَصيرةُ ، والقِطعةُ من الدَّمِ إذا وقعَتْ بالأرض استدارت.

قال الأسْعر :

__________________

(١) فى الاصل : «بسقت».

(٢) البيت فى ديوانه ١٥ طمع فينا ١٨٨١ ، واللسان (ذفر ، رتى ، قردم ، ترك ، بصل). وسيأتى فى (ترك ، عرو).

٢٥٣

راحُوا بَصَائِرُهُمْ على أكتَافِهِمْ

وبَصيرتى يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَى (١)

والبَصيرة التُّرْس فيما يُقال. والبَصيرَةُ : البُرْهان. وأصل ذلك كلِّه وُضُوحُ الشئ. ويقال رَأَيْتُه لَمْحاً باصراً ، أى ناظراً بتحديقٍ شديد. ويقال بَصُرْتُ بالشىءِ إِذا صِرْتَ به بصيراً عالماً ، وأبْصَرْتُه إذا رأيتَهَ.

وأمّا الأصل الآخَر فبُصْر الشَّىْءِ غلَظُه. ومنه البَصْرُ ، هو أن يضمَّ أدِيمٌ إلى أديم ، يخاطانِ (٢) كما تُخلَطُ حاشِيَةُ الثَّوْبِ. والبَصيرةُ : ما بينَ شُقتىِ البيت ، وهو إلى الأصل الأول أقرب. فأمّا البَصْرَةُ فالحجارة الرِّخوة ، فإِذا سقطت الهاء قلت بِصْر بكسر الباء ، وهو من هذا الأصل الثانى.

(باب الباء والضاد وما يثلثهما)

بضع الباء والضاد والعين أصولٌ ثلاثة : الأوّل الطَّائفة من الشَّئ عضواً أو غيرَه ، والثانى بُقْعة ، والثالث أن يشفى شئ بكلامٍ أو غيره.

فأمَّا الأول فقال الخليل : بَضَعَ الإنسانُ اللَّحْمَ يَبْضعُهُ بَضْعاً و [بضّعَه] يبضّعُه تبْضيعاً ، إذا جَعَلَه قِطَعاً. والبَضْعة القِطْعة وهى الهَبْرَة. ويقولون : إنّ فلاناً لَشَدِيدُ البَضيِع والبَضْعة ، إذا كانَ ذَا جسمٍ ولحمٍ سمينٍ. قال :

__________________

(١) البيت من قصيدة للأسعر ، هى فى أول الأصمعيات. وانظر اللسان (بصر ، عتد ، وأى).

(٢) فى الأصل : «يخلطان».

٢٥٤

* خَاظى البَضِيعِ لحمُهُ خَظَا بَظَا* (١)

قال : خَاظِى البَضِيع شَديدُ اللَّحم. وقال يعقوب : البَضِيع من اللحم جمع بَضْع ، كقولِكَ عَبد وعَبيد. فأمَّا الباضِعة فهى (٢) القِطعة من الغنَم ، يقال فِرْق بَواضِعٌ. قال الأصمعىّ : البَضْعةُ قِطعة من اللَّحم مجتمعة ، وجمعها بِضَع ، كما تقول بَدْرَة وبِدَر ، وتجمع على بَضْعٍ أيضاً (٣). قال زُهير :

دَماً عِنْدَ شِلْوٍ تَحْجُلُ الطَّيْرُ حَوْلَهُ

وبَضْعَ لِحَامٍ فى إهابٍ مقَدَّدِ (٤)

ومن هذا قولُهم : بضَعْتُ الغُصنَ أبْضَعُه ، أى قطعْتُه. قال أوس :

ومبضوعةً مِنْ رَأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً

بِطَوْدٍ تَرَاهُ بالسَّحابِ مُكَلَّلَا (٥)

فأمَّا المُباضَعَة التى هى المبَاشَرَة فإنَّها من ذلك ، لأنَّها مُفاعَلةٌ من البُضْعِ ، وهو من حَسَن الكِنايات.

قال الأصمعىّ : باضَعَ الرّجُلُ امرأتَه ، إذا جامَعَها ، بِضَاعاً. وفى المثل : «كمعَلّمةٍ أُمَّها البِضَاعَ» ، يُضْرَبُ لِلرّجل يعلّمُ من هو أَعْلَمُ منه. قال : ويقال فلانٌ مالِكُ بُضْعِها ، أى تزْوِيجها. قال الشاعر :

يا ليتَ ناكِحَها ومَالِكَ بُضْعِها

وَبَنى أبِيهم كلَّهُمْ لم يُخْلَقُوا

__________________

(١) البيت للأغلب ، كما فى اللسان (١٨ : ٧٩). وقد أنشده فى (بضع) بدون نسبة. وروى البيت الألف لا الظاء ، فإن بعده كما فى الجمهرة (١ : ٣٠١ / ٣ : ٢٠٨).

يمشى على لوائم له زكا

(٢) فى الأصل : «وهى».

(٣) وبضعات أيضا ، كما يقال تمرة وتمر وتمرات.

(٤) البيت فى ديوانه ٢٢٧ واللسان (بضع). وقبله :

أضاعت فلم؟ لها طفلاتها  فلم

فلاقت ببانا عند آخر معهد

(٥) البيت فى ديوان أوس ٢١ ، وصدره فى اللسان (بضع ٣٦٠).

٢٥٥

قال ابن الأعرابىّ : البُضْع النِّكاح ، والبِضاع الْجِماع.

وممّا هو محمولٌ على القِياس الأوَّلِ بِضاعةُ التَّاجر مِن ماله طائفةٌ منه. قال الأصمعىّ : أبضَعَ الرّجلُ بِضاعة. قال : ومنه قولهم : «كمُسْتَبضِع التَّمر إلى هَجَر» يُضرَب مَثَلاً لمن يَنْقُل الشئَ إلى مَن هو أعْرَفُ به وأقدر عليه. وجمع البِضاعة بضاعات وبضائع.

قال أبو عمرو : الباضع الذى يَجْلِب بَضائِعَ الحىِّ. قال الأصمعىّ : يقال اتَّخَذَ عِرضَه بِضاعةً ، أى جعله كالشئِ يُشتَرَى ويُباع. وقد أفصَحَ الأصمعىُّ بما قُلناه ؛ فإنَّ فى نصِّ قوله: إنما سمِّيت البضاعةُ بِضاعةً لأنها قطعة من المال تُجعَل فى التِّجارة.

قال ابنُ الأعرابىّ : البضائع كالعلائق ، وهى الجَنَائب بجنب مع الإبل. وأنشد :

احمِلْ عليها إنها بَضائِعُ

وما أَضاعَ اللهُ فَهْوَ ضائِعُ

ومثله.

أَرْسَلَها عَلِيقَةً وما عَلِمْ

أنَّ العَلِيقَاتِ يُلاقِينَ الرَّقَمْ (١)

ومن باب الأعضاء التى هى طوائفُ من البَدَن قولُهم الشَّجَّة الباضِعة ، وهى التى تشُقُّ اللَّحم ولا تُوضِح عن العَظْم. قال الأصمعىّ : هى التى تشقّ اللحم شقًّا خفيفاً. ومنه حديث عمر «أنه ضرب الذى أقْسَمَ على أُمِّ سلَمةَ أنْ تُعطِيَه ، فضَرَبَهُ أدباً له ثلاثين سوطا كلها تَبْضَعُ وتحدُرُ». أى تشقُّ الجِلْد وتَحْدُر الدّمَ

__________________

(١) الشطران فى اللسان (١٢ : ١٣٦ / ١٥ : ١٤١) وكذا فيما سيأتى فى (علق) برواية : وقد علم.

٢٥٦

ومن هذا الباب البِضْعُ من العَدَد ، وهو ما بَين الثلاثةِ إلى العشرة. ويقال البِضْع سَبعة. قالوا : وذلك تفسير قوله تعالى : (بِضْعَ سِنِينَ). ومن أمثالهم : «تُشْرِط البِضاعَةُ» ، يقول : إذا احتاج بَذَلَ بِضاعَتَه وما عِنده.

وأمَّا البقعة فالبُضَيْع بلد ، قال فيه حسَّان :

أسألْتَ رَسْمَ الدّارِ أم لم تَسألِ

بَيْنَ الجَوابى فالبُضَيْعِ فحَوْمَلِ (١)

وباضع : موضع. وبَضِيع : جَبَل. وهو فى شعر لَبِيد. والبَضيع البَحْر. قال. الهذلى(٢) :

فَظَلَّ يُرَاعِى الشَّمْسَ حَتى كأنّها

فُوَيقَ البَضِيعِ فى الشُّعاعِ خَمِيلُ (٣)

وقال الدُّرَيدى : البَضِيع جزيرة تقطع من الأرض فى البحر (٤). فإنْ كان ما قاله ابنُ دريدٍ صحيحاً فقد عاد إلى القياس الأوَّل.

وأما الأصل الثالث فقولهم : بَضَعْتُ من الماء رَوِيت منه. وماءُ بَضِيعٌ أى نَمِير. قال الأصمعىّ : شربَ فلانٌ فما بَضَعَ ، أى ما روِىَ. والبَضْع الرِّىّ قال الشَّيبانى : بَضَعَ بُضُوعا ، كما يقال نَقَع.

__________________

(١) البيت فى ديوان حسان ٢٠٧ واللسان (بضع).

(٢) هو أبو خراش الهذلى كما فى اللسان (بضع ، خمل) وديوان الهذليين ص ٦٧ مخطوطة الشنقيطى.

(٣) فى الأصل : «جميل» صوابه بالخاء ، كما فى ديوان الهذليين واللسان. وإنشاده فى الديوان وفى اللسان (بضع) : فلما رأين الشمس صارت وفي اللسان (حمل) وظلت ترامي الشمس.

(٤) انظر الجمهرة (١ : ٣٠١). وأنشد ابن دريد فى ذلك لأبى خراش الهذلى :

سند تجرم ف البضع ثمانا

لو بنقات البحورو؟

٢٥٧

(باب الباء والطاء وما يثلثهما)

بطغ الباء والطاء والغين (١) أصلٌ واحد ، وهو التلطُّخ بالشئ قال الراجز (٢) :

* لَولَا دَبُوقاءُ ستِهِ لم يَبْطَغِ *

بطل الباء والطاء واللام أصلٌ واحد ، وهو ذَهاب الشئ وقِلَّة مُكثه ولُبْثه. يقال بَطَلَ الشئُ يَبطُل بُطْلاً وبُطُولاً. وسُمِّى الشيطانُ الباطلَ لأنه لا حقيقةَ لأفعاله ، وكلُّ شىءِ منه فلا مَرْجُوعَ له ولا مُعَوَّلَ عليه. والبَطَل الشُّجاع. قال اصحب هذا القياس (٣) سُمِّى بذلك لأنه يُعرِّض نَفْسَه للمَتَالف. وهو صحيحٌ ، يقال : * بَطَلٌ بيِّنُ البُطولة والبَطَالة. وقد قالوا : امرأةٌ بَطَلَةٌ. فأمَّا قولهم فى المَثَل : «مُكرَهٌ أخوكَ لا بَطَل» فقد اخْتُلِفَ فيه. قال قوم : المثل لجَرْول بن نَهْشلِ بن دارم ، وكان جباناً ذا خَلْقٍ كامل ، وأنَّ حَيًّا مِن العرب غَزَا بنى دارم فاقتَتَلُوا هم وبنُو دارمٍ قِتالاً شديدا ، حتى كَثُرتِ القَتْلى ، وجاءَ جَروَلٌ فرأى رجلاً يَسُوقُ ظعِينةً ، فلمّا رآهُ الرّجل خَشِيهُ لكمالِ خَلْقِه ، وهو لا يعرفه ، فقال جَرول : «أنا جَرْوَل بنُ نَهشَل ، فى الحَسَب المُرَفَّل (٤)» ، فعطَفَ عليه الرّجلُ وأخذَهُ وكَتَفه وهو يقول :

إِذا ما رأيت امرأَ فى الوغى

فذكِّرْ بنفسك يا جرولَ

__________________

(١) فى الأصل : «بطع ، الباء والطاء والعين» ، صوابهما بالغين.

(٢) هو رؤبة بن العجاج. انظر ديوانه ٩٨ واللسان (بطغ ، دبق). وروايته فى الديوان واللسان (بدغ) : لم يبدغ.

(٣) كذا وردت هذه العبارة.

(٤) الترفيل : التسويد والتعظيم. وفى الأصل : «المرقل» بالقاف ، تحريف.

٢٥٨

حتى انتهى به إِلى قائِد الجَيش ، وقد كان عَرفَ جُبْنَ جرول ، فقال : يا جَرْولُ ، ما عَهدْناك تُقاتِل الأبطال ، وتُحبُّ النِّزال! فقال جرول : «مُكرَهٌ أخُوكَ لا بَطَلٌ».

وقال قوم : بل المَثل لِبَيْهَس ، وقد ذكر حديثُه فى غير هذا الباب بطُوله.

ويقال رجل بطَّالٌ بيِّن البَطَالة. وذَهَبَ دمُه بُطْلاً ، أى هَدَرا.

بطن الباء والطاء والنون أصلٌ واحدٌ لا يكاد يُخْلِف ، وهو إِنْسِىُّ الشىءِ والمُقْبِل مِنه. فالبطن خِلاف الظهر. تقول بَطَنْتُ الرّجلَ إذا ضربْتَ بَطنَه. قال بعضهم :

* إذا ضَرَبْتَ موقَراً فابْطُنْ لَه* (١)

وباطِنُ الأمْرِ دِخَلْتَه ، خلافُ ظاهِرِه. والله تعالى هو الباطنُ ؛ لأنه بَطَنَ الأشياءَ خُبْراً. تقول : بطَنْتُ هذا الأمْرَ ، إذا عرفْتَ باطنَه. والبَطِين : الرّجلُ العظيم البَطْن. والمَبْطُون العَليل البَطْن. والمِبْطان : الكثيرُ الأكْل. والمُبْطِن الخَمِيصُ البَطْن. والبُطْنانُ بُطْنانُ القُذَذ. والبَطنُ من العرب دونَ القَبيلة. والبُطَيْنُ نَجْمٌ ، يقال إنه بَطْنُ الحَمَل (٢). والبِطان بِطان الرَّحْل ، وهو حِزامُه ، وذلك أنه يَلِى البَطنَ.

ومن هذا الباب قولُهم لِدُخَلاء الرَّجُل الذين يَبْطُنُون أمْرَه : هم بِطانَتْه. قال الله تعالى: (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ). ويقال تبطَّنْتُ الكَلأَ ، إذا جَوَّلْتَ فيه. قال :

__________________

(١) بعده كما فى اللسان (١٦ : ١٩٩) :

تحت قصراه ودون الجله

فإن أن تبطنه خير له

يقول : إذا ضربت بعيرا موقرا بحمله فاضربه فى موضع لا يضره ، مثل بطنه.

(٢) الحمل : نجوم على صورة الحمل. وفى الأصل : «الجمل» ، تحريف.

٢٥٩

قَدْ تَبَطَّنْتُ وتَحتى جَسْرَةٌ

حَرَجٌ فى مِرْفَقَيْها كالفَتَلْ (١)

بطأ الباء والطاء والهمزة اصلٌ واحد وهو البُطْءِ فى الأمْر. أبطأ إبطاءً وبُطْأً (٢) ، ورجلٌ بَطِىءٌ وقومٌ بِطَاءُ. قال :

ومبثوثةٍ بَثَّ الدّبا مُسَبْطرة

رددت على بِطَائها من سِراعِها

بطح الباء والطاء والحاء أصلٌ واحد ، وهو تبسُّطُ الشىءِ وامتدادُه. قال الخليل : البَطْح من قولك بَطَحَه على وَجْهه بَطْحاً. والبطحاء : مَسِيلٌ فيه دُقَاق الحَصَى ، فإذا اتَّسع وعَرُض سُمِّى أبطَح. قال ذو الرُّمَّة :

كأنَّ البُرَى والعَاجَ عِيجَتْ مُتُونها

على عُشَرِ نَهَّى به السَّيْلَ أَبطَحُ (٣)

وقال فى التبطح :

إذا تَبَطَّحْنَ على المَحَامِلِ

تَبَطَّحَ البَطِّ بجَنْبِ السَّاحل (٤)

وتبطَّح السَّيْلُ إذا سَالَ سَيْلاً عريضاً. قال ذو الرُّمَّة :

ولا زَالَ مِنْ نَوْءِ السِّماكِ عليكُما

ونوء الزُّبانَى وابِلٌ متبطِّحُ (٥)

قال ابنُ الأعرابىّ : الأبطح أثَرُ السَّيل واسعاً كان أو ضيِّقا ، والجمع أباطِح.

__________________

(١) البيت للبيد فى ديوانه ١١ طبع فينا سنة ١٨٨١. وعجزه فى اللسان (فتل). والكلمة الأولى من البيت ساقطة فى الأصل.

(٢) فى الجمهرة : «أبطأ يبطئ إبطاء ، والاسم البطء يا هذا».

(٣) البيت فى ديوان ذى الرمة ٨١.

(٤) البيتان فى اللسان (بطح).

(٥) البيت فى الديوان ٧٧ واللسان (بطح). والزبانى : واحد زبانيا العقرب ، وهما كوكبان مفترقان يسقطان فى زمان الصيف. وفى اللسان والديوان ول الثريا. وانظر الأزمنة والأمكنة (١ : ١٩٣ ، ٣١١). وقبل البيت وهو مطلع القصيدة :

أمنزلق؟ سلام عليكما

على للنأى والنأئي يود وينصح

٢٦٠