أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا
المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩
باب الباء والحاء وما معهما فى الثلاثى
بحر الباء والحاء والراء. قال الخليل سمِّى البحر بحراً لاستبحارِه وهو انبساطُه وسَعَتُه. واستبحر فلان فى العلم ، وتبَحَّر الرّاعِى فى رِعْىٍ كثير.
قال أميّة (١) :
انعِقْ بِضَانِكَ فى بَقْلٍ تَبَحَّرُهُ |
|
بَيْنَ الأباطِح واحبِسْها بِجِلْدَانِ (٢) |
وتبحَّر فلانٌ فى المال. ورجلٌ بَحْرٌ ، إذا كانَ سخيًّا ، سمَّوْه لفَيضِ كفِّه بالعَطاءِ كما يَفيض البحر. قال العامرىّ : أبحَرَ القومُ إذا ركبوا البحر ، وأبَرُّوا أخَذُوا فى البَرّ. قال أبو زَيد : بَحِرَتِ الإبلُ أَكلَتْ شَجَر البَحرْ. وبَحِرَ الرّجُلُ سَبَح فى البَحْرِ فانقطعت سِبَاحتُه. ويقال للماء إذا غلُظ بعد عُذُوبةٍ استبحَرَ. وماءٌ بَحْرٌ أى مِلْح. قال :
وقد عادَ ماء الأرضِ بَحْراً فزادنِى |
|
على مَرَضى أنْ أبْحَرَ المشرَبُ العذبُ (٣) |
قال : والأنهار كلُّها بِحارٌ. قال الفَرّاء : البَحْرة الرَّوضة. وقال الأموىّ البَحْرة البلدة. ويقال هذه بَحْرَتُنا. قال بعضهم : البَحْرة الفَجْوة من الأرض تَتَّسع. قال النّمْرُ بنُ تَولَب :
__________________
(١) هو أمية بن الأسكر ، كما فى معجم البلدان (٣ : ١٢٢).
(٢) جلدان ، بالكسر ، وبعد اللام دال مهملة أو ذال : موضع. وفى الأصل : «فى الأباطح» تحريف. وفى معجم البلدان :
وانعق بضائك في أرض تطيف بها |
|
بين الأصافر واعجها بجلدان |
(٣) البيت لنصيب ، كما فى المجمل ، واللسان (٥ : ١٠٣).
وكأنَّها دَقَرَى تَخَيَّلُ ، نَبْتُهَا |
|
أُنُفٌ ، يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِها (١) |
والأصل الثانى داءٌ ، يقال بَحِرَتِ الغَنَمُ وأبحروها إذا أكلَتْ عُشْباً عليه نَدًى فبَحِرَت عنه ، وذلك أن تخمص بُطونُها وتُهْلَسَ أجسامُها (٢) قال الشَّيبانىّ : بَحِرَت الإبلُ إذا أكَلَت النَّشْر (٣) ، فتخرج من بطونها (٤) دَوَابُّ كأنّها حَيّات. قال الضّبّى : البَحَر فى الغَنَم بمنزلة السُّهامِ فى الإبل ، ولا يكون فى الإبل بَحَرٌ ولا فى الغنم سُهَام.
قال ابنُ الأعرابىّ : رجل بَحِرٌ إذا أصابه سُلالٌ. قال :
* وغِلْمَتِى مِنْهُمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ (٥) *
قال الزِّيَادِىّ : البَحَر اصفرارُ اللَّوْن. والسَّحِير الذى يشتكى سَحْرَه.
فإن قال قائل : فأين هذا من الأصل الذى ذكرتموه فى الاتِّساع والانبساط؟ قيل له : كلُّه محمولٌ على البحر ؛ لأنَّ ماء البحر لا يُشْرَبُ ، فإِن شُرِبَ أوْرَثَ داءً. كذلك كل ماءٍ ملحٍ وإن لم يكن ماءَ بَحْرٍ.
ومن هذا الباب الرَّجل الباحِر ، وهو الأحمق ، وذلك أنّه يتّسع بجهله فيما لا يتسع فيه العاقل. ومن هذا الباب بَحَرْتُ الناقَةَ نَحْراً ، وهو شقُّ أُذُنها ، وهى
__________________
(١) البيت فى اللسان (بحر ، دقر). والدقرى : الروضة الخضراء الناعمة. تخيل : تتلون بالنور.
(٢) يقال هلسه المرض يهلسه : هزله. وفى الأصل : «تلهس» ، محرفة.
(٣) النشر : الكلأ يهيج أعلاه وأسفله ندى أخضر.
(٤) فى الأصل : «فى بطونها».
(٥) البيت للعجاج كما فى اللسان (سحر ، هجر) وليس فى ديوانه ولا ملحقات ديوانه. وبعده فى اللسان (بحر ، سحر ، هجر) :
وآبق من جذب دلويها هجر
البَحِيرة ، وكانت العرب تفعل ذلك بها إذا نُتِجَتْ عشرةَ أبطُنٍ ، فلا تُركب ولا يُنتفع بظهرها ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وقال : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ). وأمّا الدّمُ الباحر والبَحْرَانىُ فقال قوم : هو الشَّديد الحُمْرَةِ. والأصحُّ فى ذلك قولُ عبد الله بن مسلم (١) : أنّ الدَّمَ البَحْرانىَ منسوبٌ إلى البَحْر. قال : والبَحْرُ عُمْق الرَّحم ، فقد عاد الأمر إلى الباب الأوّل. وقال الخليل : رجُل بَحْرَانىٌ منسوبٌ إِلى البَحْرَيْن ، وقالوا بحرانىٌ فرقاً بينه وبين المنسوب إِلى البحر. ومن هذا الباب قولهم : «لَقِيتُهُ صَحْرَةَ بَحْرَةَ (٢)» أى مُشَافَهَةً. وأما قولُ ذِى الرُّمّة :
بأرضٍ هِجانِ التّرْبِ وَسْمِيَة الثَّرَى |
|
عَذَاةٍ نأَتْ عنها الملوحةُ والبَحْرُ (٣) |
فإنَّه يعنى كلَّ ماءِ مِلْحٍ. والبَحْر هو الريف.
بحن الباء والحاء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الضِّخَم ، يقال جُلةٌ بَحْوَنةٌ ، أى ضَخْمة. وقال الأصمعىّ : يقول العربُ للغَرْبِ إذا كان عظيماً كثير الأخْذِ : إنّه لَبَحْوَن ، على مثال جَدْوَل.
بحت الباء والحاء والتاء ، يدلُّ على خُلوص الشئ وألّا يخلِطَه غيرُه. قال الخليل : البَحْت الشئ الخالص ، ومِسْك بَحْت. ولا يصغّر ولا يثنّى قال العامرىّ : باحَتَنى الأمرَ ، أى جاهَرَنى به وبيَّنَهُ ولم يُخفِه علىَّ. قال الأصمعىّ :
__________________
(١) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى ، صاحب أدب الكاتب.
(٢) فى اللسان (٦ : ١١٤): «قيل لم يجريا لأنهما اسمان جعلا اسماً واحداً». يريد لم يصرفا للتركيب.
(٣) هجان الترب : بيضاء التراب. وفى الأصل : «هيجان». والعذاة ، بفتح العين : الطيبة التربة. وفى الأصل : «غداة». والبيت فى ديوان ذى الرمة ٢١١.
باحَتَ فلانٌ دابَّتَه بالضَّرِيعِ وغيرِه من النَّبت ، أى أطعَمَهَا إيّاه بَحْتا. وقال مالك بن عوف :
ألا مَنَعَتْ ثُمَالَةُ بطنَ وَجّ |
|
بجُرْدٍ لم تُبَاحَتْ بالضَّريعِ (١) |
أى لم تُطعم الضَّريعَ بَحْتاً لا يخلِطه [غيره (٢)]. ويقال ظُلْمٌ بَحْتٌ أى لا يشُوبُه شئٌ. وبَرْدٌ بَحْتٌ ومَحْتٌ أى صادق ، وحُبٌ بَحْتٌ مثله. وعربىٌ بحتٌ ومَحْضٌ وقلْبٌ. وكذلك الجَمْعُ على لفظ الواحد.
بحث الباء والحاء والثاء أصلٌ واحد ، يدلُّ على إثارة الشئ. قال الخليل : البحث طلبك شيئاً فى التُّراب. والبحث أن تسأل عن شئٍ وتَستَخبِر. تقول استَبْحِثْ عن هذا الأمر ، وأنا أستَبْحِثُ عنه. وبحثْتُ عن فلانٍ بحثاً ، وأنا أبحث عنه. والعرب تقول : «كالباحثِ عَن مُدْية» يُضْرَبُ لمن يكون حَتْفُه بيده. وأصله فى الثَّوْر تُدْفَن له المُدْيةَ فى التُّرابِ فيستثيرُها وهو لا يعلَم فتذبحه ، قال :
ولا تَكُ كالثَّوْرِ الذى دُفِنَتْ له |
|
حديدةُ حَتفٍ ثمَّ ظلَّ يُثِيرُها (٣) |
قال : والبحث لا يكون إلّا باليد. وهو بالرِّجْل الفَحْص (٤). قال الشَّيبانىّ : البَحُوث من الإبل : [التى] إذا سارت بحثت التُّراب بيدها أُخُراً أُخُراً ، ترمى به وراءَها قال:
__________________
(١) ثمالة : القبيلة المعروفة. وفى الأصل : «ثماكة».
(٢) تكملة يقتضيها القول.
(٣) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١٥٨ وحماسة البحترى ٢٨٦ حيث أورد ثمانية أشعار فى هذا المعنى. وانظر الحيوان (٥ : ٤٧٠).
(٤) فى الأصل : «وهو بالرجل الرجل».
* يَبْحَثْنَ بَحْثاً كمُضِلَّاتِ الخَدَمْ*
ويقال بَحَثَ عن الخبر ، أى طلب عِلْمَه. الدَّرَيدىّ : يقال «تركتُه بمَبَاحِثِ البقَر» أى بحيث لا يُدْرَى أين هُو (١). قال أبو زيد : الباحِثا ، على وزن القاصعاء ترابٌ يجمعه اليربوع ؛ ويُجمَعُ باحِثَاوَات.
باب الباء والخاء وما يثلثهما
بخد الباء والخاء والدال. ليس فى هذا الباب إلّا كلمةٌ واحدة بدخيل (٢) ولا يقاس عليها. قالوا : امرأةٌ بخَنْداة ، أى ثقيلة الأوراك.
بخر الباء والخاء والراء أصلٌ واحد ، وهى رائحةٌ أو ريحٌ تثُور. من ذلك البُخَار ، ومنه البَخور بفتح الباء. وكان ثعلبٌ يقول : على وزن فَعُول مثل البَرُود والوَجُور. فأمّا قولهم للسحائب التى تأتى قُبُلَ الصَّيف بنَاتُ بَخْر فليس من الباب ، وذلك أنّ هذه الباء مبدَلة من ميم ، والأصل مَخْرٌ. وقد ذُكِرَ قياسُه فى بابه بشواهِدِه.
بخس الباء والخاء والسين أصلٌ واحد ، وهو النَّقْصُ. قال الله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أى نَقْص. ومن هذا الباب قولهم فى المُخِّ : بَخَّسَ
__________________
(١) الجمهرة (١ : ٢٠٠) واللسان (٢ : ٤١٩).
(٢) كذا وردت هذه الكلمة ، ولعلها مقحمة.
تَبخيساً ، إذا صار فى السُّلامى والعَين ، وذلك حين نُقصانه وذهابه من سائر البدن. وقال شاعر (١) :
لا يَشْتَكِين عَمَلاً ما أنْقَيْن |
|
ما دام مُخٌّ فى سُلامَى أَوْ عَيْنْ |
بخص الباء والخاء والصاد كلمةٌ واحدةٌ ، وهى لحمةٌ خاصة (٢) : يقال للَحمة العين بَخَصَة. وبخصت الرّجُل إذا ضربتَ منْهُ [ذلك (٣)]. والبَخَصَة لحمُ باطن خُفِّ البعير. وبَخَصُ اليدِ لحمُ أصول الأصابع ممّا يلى الراحة.
بخع الباء والخاء والعين أصلٌ واحد ، وهو القتل وما داناه من إذلالٍ وقهر.
قال الخليل : بخَع الرّجُل نفسَه إذا قتلَها غيظاً من شدّة الوَجْد. قال ذو الرّمّة (٤) :
ألَا أَيُّهَذَا الباخِعُ الوجْدُ نفسَه |
|
لشئٍ نَحَتْهُ عن يَدَيْهِ المَقَادِرُ (٥) |
ومنه قول الله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ). قال أبو على الأصفهانىّ فيما حدثنا به أبو الفضل محمد بن العميد ، عن أبى بكر الخيّاط عنه قال :
__________________
(١) هو الراجز أبو ميمون النضر بن سلمة ، كما فى اللسان (نقى). والرجز فى صفة خيل ، وقبله :
بنات وطاء على خد الليل
وهذا ما يسمى فى علم العروض بالإجازة فى تسمية الخليل ، وبالإلفاء فى قول أبى زيد. انظر اللسان (٧ : ١٩٥).
(٢) فى الأصل : «خالصة».
(٣) هذه التكملة من المجمل لابن فارس.
(٤) ديوانه ص ٢٥١ واللسان (بخع).
(٥) كلمة «الوجد» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من اللسان والديوان. وفى اللسان : هن على الخطاب.
قال الضّبىّ : بَخَعْتُ الذَّبيحةَ إذا قطعتَ عظْمَ رقَبتها ، فهى مبخوعة ؛ ونَخْعتُها دون ذلك ، لأنَّ النخاعَ الخيطُ الأبيضُ الذى يجرى فى الرقبة وفَقَارِ الظّهر ، والبِخاع (١) ، بالباء : العِرْق الذى فى الصُّلب. قال أبو عُبيدٍ : بخْعتُ له نَفْسى ونُصْحى ، أى جَهَدْتُ (٢). وأرضٌ مَبْخُوعة (٣) ، إِذا بُلِغَ مجهودُها بالزَّرع. وبخَعَ لى بحقِّى إذا أقرَّ.
بخق الباء والخاء والقاف أصلٌ واحد وكلمة واحدة ، يقال بخَقْتُ عينَه إذا ضربتَها حتى تَعُورَها (٤) قال رؤبة :
* وَمَل بعَينَيْه عَوَاوِيرُ البَخَقْ (٥) *
بخل الباء والخاء واللام كلمة واحدة ، وهى البُخْل والبَخَلُ ورجلٌ بخيلٌ وباخلٌ. فإذا كان ذلك شأنَه فهو بخَّالٌ. قال رؤبة :
* فَذاكَ بَخَّالٌ أَرُوزُ الأَرْزِ (٦) *
__________________
(١) فى اللسان (بخع): «قال ابن الأثير : هكذا ذكره فى الكشاف ، وفى كتاب الفائق فى غريب الحديث. ولم أجده لغيره. قال : وطالما بحثت عنه فى كتب اللغة والطب والتشريح فلم أجد البخاع بالباء مذكوراً فى شئ منها. قلت : وما هنا يؤيد ما رواه الزمخشرى المتوفى سنة ٥٣٨. ووفاة ابن فارس ٣٩٥. وقد ضبط البخاع فى الأصل واللسان والفائق بكسر الباء ضبط قلم.
(٢) فى اللسان : «أى جهدتها».
(٣) فى الأصل : «بخوعة». وفى اللسان : «يقال بخعت الأرض بالزراعة أنخعها ، إذا نهكتها».
(٤) يقال عار عينه يعورها ، وعورها يعورها تعويرا.
(٥) ديوان رؤبة ١٠٧ واللسان (بخق). وقبله :
كسر من عينه تقويم الفوق
(٦) ديوان رؤبة ٦٥ واللسان (أرز ، بخل) وقد سبق فى مادة (أرز ٧٨) بدون نسبة.
بخو الباء والخاء والواو ، كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها. قال ابنَ دريد : البَخْو الرُّطَب الردِىّ ، يقال رُطَبَةُ بَخْوةٌ.
بخت الباء والخاء والتاء كلمةٌ ذكرها ابنُ دريدٍ ، زعم أنّ البُخْت من الجمال عربيّة صحيحة ، [وأنشد] :
* لبنَ البُخْتِ فى قِصاع الخَلَنْجِ (١) *
باب الباء والدال وما بعدهما فى الثلاثى
بدر الباء والدال والراء ، أصلان : أحدهما كمال الشئ وامتلاؤه ، والآخر الإسراع إلى الشَّئ.
[أمّا] الأوّل فهو قولهم لكلّ شئِ تَمَ بَدْرٌ ، وسمِّى البدرُ بدراً لتمامه وامتلائه. وقيل لعشرة آلافِ درهمٍ بَدْرةٌ ، لأنَّها تمام العدد ومنتهاه. وعينٌ بَدْرَةٌ أى ممتلئةٌ*.
قال شاعر :
وعين لها حَدْرةٌ بدرةٌ |
|
إلى حاجبٍ غُلَّ فيه الشُّفُر (٢) |
ويقال لِمَسْكِ السَّخْلة بَدْرَة. وهذا محمولٌ على العَدْو ، كأنَّه سُمِّى بذلك لأنّه يسع
__________________
(١) فى الأصل : «الخلخ» ، صوابه من اللسان (خلنج). والبيت لابن قيس الرقيات كما فى ملحقات ديوانه ٢٨٣ واللسان (خلنج). وصدره :
ملك يطعم الطعام ويسقى
والبيت فى الجمهرة (١ : ١٩٣) بدون نسبة فى الأصل.
(٢) فى الأصل «الشفرة». وقد استشهد فى المجمل بصدره. وانظر ما سيأتى فى (٤ : ٣٧٦).
هذا العدد. ويقولون غُلامٌ بدرٌ ، إِذا امتلَأَ شباباً. فأمّا «بدرٌ» المكانُ فهو ماءٌ معروف ، نُسِب إِلى رجلٍ اسمه بدر (١). وأمَّا البوادر من الإِنسان وغيره فجمع بادرة ، وهى اللَّحمة التى بَينَ المنكب والعنُق (٢) ، وهى من الباب لأنّها ممتلئة.
قال شاعر :
* وجاءت الخيل محمَرًّا بوادرُها (٣) *
والأصل الآخر : قولُهم بَدَرت إلى الشئ وبادَرْت. وإنما سمِّى الخَطاءُ بادرةً لأنّها تبدُر من الإِنسان عند حِدّةٍ وغضب. يُقالُ كانت منه بَوَادِرُ ، أى سَقَطاتٌ. ويقال بَدَرَتْ دَمْعتُه وبادرَتْ ، إِذا سبقَت ، فهى بادرة ، والجمعُ بوادر. قال كثير :
إذا قِيلَ هَذِى دارُ عَزَّةَ قَادنى |
|
إليها الهَوى واستعجلْتنِى البوادِرُ |
بدع الباء والدال والعين أصلان : أحدهما ابتداءِ الشئ وصنعه لا عَنْ مِثال ، والآخر الانقطاع والكَلال.
فالأول قولهم أبْدعْتُ الشئَ قولاً أو فِعلاً ، إذا ابتداتَه لا عن سابِق مِثال والله بَدِيعُ (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). والعرب تقول : ابتدَعَ فلان الرَّكِىَّ إذا استنبَطَه. وفلانٌ بِدعٌ فى هذا الأمر. قال الله تعالى : (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) أى ما كنتُ أوّل.
__________________
(١) انظر معجم البلدان (بدر) حيث الخلاف فى نسبته.
(٢) فى الأصل : «من المنكب والعنق» ، صوابه من المجمل واللسان (٥ : ١١٣).
(٣) لخراشة بن عمرو العبسى ، كما فى اللسان (بدر). وعجزه :
زورا وزلت يد الراعي من الفوق
والأصل الآخَر قولهم : أُبْدعَتِ الراحلةُ ، إذا كَلّت وعَطِبت ؛ وَأُبدِع بالرَّجُل ، إذا كَلَّتْ رِكابُه أو عَطِبت وبقى مُنْقَطَعاً به. وفى الحديث : «أنّ رجلاً أتاه فقال يا رسول الله ، إنى أُبْدِعَ بى فاحمِلنى (١)». ويقال الإبداع لا يكون إلا بظَلْعٍ ومن بعض ذلك اشتُقّت البِدْعة (٢)
بدغ الباء والدال والغين ، ليست فيه كلمةٌ أصلية ، لأنّ الدال فى أحد أصولها مبدَلة من طاءِ ، وهو قولهم بَدِغَ الرَّجُل إذا تلطَّخ بالشّرّ ، وهو بَدِغٌ من الرِّجال. وهذا إنما هو فى الأصل طاء ، وقد ذكر فى بابه (بطغ). وبقيت كلمتان مشكوك فيهما : إحداهما قولهم البَدَغ التزحُّف على الأرض. والأخرى قولهم : إنّ بنى فُلانٍ لبَدِغُونَ ، إذا كانوا سِماناً حسنةً أحوالُهم. والله أعلمُ بصحَّة ذلك.
بدل الباء والدال واللام أصلٌ واحد ، وهو قيام الشئِ مَقامَ الشئِ الذاهب. يقال هذا بَدَلُ الشئِ وبَدِيلُه. ويقولون بدّلْتُ الشئَ إذا غيّرتَه وإنْ لم تأْتِ له ببَدَلٍ (٣). قال الله تعالى: (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي). وأبْدَلْتُه إذا أتيتَ له ببدلٍ. قال الشاعر (٤) :
* عَزْلَ الأمِيرِ للأَميرِ المُبْدَلِ *
__________________
(١) فى الأصل : «فاحملنى به».
(٢) فى المجمل : «لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام».
(٣) فى الأصل : «وإن لما تأت» ، صوابه فى المجمل.
(٤) هو أبو النجم العجلى الراجز ، كما فى اللسان (١٣ : ٥٠).
بدن الباء والدال والنون أصلٌ واحد ، وهو شخص الشئ دون شَوَاه ، وشَواهُ أطرافُه. يقال هذا بدَنُ الإنسان ، والجمع الأبدان. وسمى الوَعِل المُسِنُ بَدَناً مِن هذا. قال الشاعر :
قد ضمّها والبَدَنَ الحِقَابُ (١) |
|
جِدِّى لِكُلِّ عاملٍ ثَوابُ |
الرأسُ والأكْرُعُ والإِهابُ |
وإنما سمِّى بذلك لأنهم إذا بالَغُوا فى نَعْت الشئ (٢) سمَّوهُ باسمِ الجِنس ، كما يقولون للرّجُل المبالَغِ فى نعته : هو رجُل ، فكذلك الوَعِل الشَّخيص (٣) ، سُمِّى بَدَنا. وكذلك البَدَنَة التى تُهدَى للبيت ، قالوا : سمِّيت بذلك لأنَّهم كانوا يستسمنونها. ورجلٌ بَدَنٌ أى مُسِنٌّ. قال الشاعر (٤) :
هل لِشبابٍ فَاتَ مِنْ مَطْلَبِ |
|
أمْ ما بُكاءُ البَدَنِ الأشْيَبِ |
ورجل بادِنٌ وبَدِينٌ ، أى عظيم الشَّخصِ والجِسم ، يقال منه بَدُن. وفى الحديث : «إنى قد بَدُنْتُ (٥)». والنَّاس قد يروُونه : «بَدَّنتُ». ويقولون : بَدَّنَ إذا أسَنَّ. قال الشاعر (٦) :
__________________
(١) يصف كلبة اسمها «العقاب» طلبت وعلا مسنا فى جبل يدعى «الحقاب». انظر اللسان (حقب ، بدن) ومعجم البلدان (الحقاب). قال ابن برى : «الصواب : وضمها». وقبله :
قد؟ لما جدت العقاب
وفى المجمل :
أقول لما خاتت العقاب |
|
وضمها والبدن الحقاب |
(٢) فى الأصل : «الشمس».
(٣) الشخيص : العظيم الشخص. وفى الأصل : «الواعل الشخص سمى الشخت بدنا» ، وهى عبارة محرفة.
(٤) هو الأسود بن يعفر ، كما فى اللسان (بدن).
(٥) انظر الحديث بتمامه فى اللسان (١٦ : ١٩٢).
(٦) هو حميد الأرقط ، كما فى اللسان (بدن).
وكنتُ خِلتُ الشَّيبَ والتَّبدِينَا |
|
والهَمَّ مما يُذْهِلُ القَرِينا |
وتسمَّى الدِّرعُ البَدَنَ لأنها تَضُمّ البَدَن.
بده الباء والدال والهاء أصلٌ واحد يدلُّ على أوَّل الشئِ والذى يفاجِئُ منه. يقال بادَهْتُ فُلاناً بالأمر ، إذا فاجأتَه. وفلانٌ ذو بَديهة إذا فجِئَه الأمرُ لم يتحيَّر. والبُدَاهة أوّل جَرْى الفرَس ؛ قال الأعشى :
إِلّا بُداهَةَ أو عُلا |
|
لَةَ سابحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ (١) |
بدو الباء والدال والواو أصلٌ واحد ، وهو ظُهور الشئِ. يقال بَدَا الشئُ يَبدُو ، إذا ظهَرَ ، فهو بادٍ. وسُمِّى خلافُ الحَضَر بَدْواً من هذا ، لأنَّهم فى بَرَازٍ من الأرض ، وليسوا فى قُرًى تستُرُهم أبنِيتُها. والبادية خِلاف الحاضرة. قال الشاعر (٢) :
فمن تكن الحِضارةُ أعجبَتْهُ |
|
فأىَّ رِجالِ بادِيةٍ تَرَانا |
وتقول بدا لى فى هذا الأمر بَدَاءٌ (٣) ، أى تغيَّر رأْيى عما كان عليه.
بدأ الباء والدال والهمزة من افتتاح الشئ ، يقال بدأت بالأمر وابتدأت ، من الابتداء. والله تعالى المبْدِئُ والبادئُ. قال الله تعالى عزّ وجلّ : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) ، وقال تعالى : (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ). ويقال للأمر العَجَبِ بَدِىُ ، كأنَّه من عَجَبِه يُبْدَأُ به. قال عَبِيد :
__________________
(١) ديوان الأعشى ١١٤ ، واللسان (بده ، علل ، جزر).
(٢) هو القطامى. انظر ديوانه ٥٨ واللسان (٥ : ٢٧٢) وحماسة أبى تمام (١ : ١٢٩).
(٣) بداء ، كسماء. وفى الأصل : «بدء» ، تحريف.
* فلا بدىٌ ولا عجِيبُ (١) *
ويقال للسَّيّد البَدْءُ ، لأَنّه يُبدَأُ بذكره. قال :
تَرَى ثِنانَا إذا ما جاء بَدْأَهُمُ |
|
وبدؤُهم إنْ أتانا كان ثُنيانَا (٢) |
وتقول : أبدأْت من أرضٍ إلى أُخرى أُبدِئُ إبداءً ، إذا خرجتَ منها إلى غيرها. والبُدْأَة النَّصيب ، وهو من هذا أيضاً ، لأنَّ كلَّ ذى نصيبٍ فهو يُبْدأ بذِكْره دونَ غيره ، وهو أهمُّها إليه. قال الشَّاعر (٣) :
فَمنحْتُ بُدْأَتَها رَقِيباً جانِحاً |
|
والنّارُ تَلفحُ وَجْهَهُ بأُوارِها (٤) |
والبُدُوءِ مفاصِل الأصابع ، واحدها بَدْءٌ ، مثل بَدْع. وأظنّه مما هُمِز وليس أصله الهمز. وإنّما سمِّيت بُدُوءاً لبُروزها وظُهورِها ؛ فهى إذاً من الباب الأوّل.
وممّا شذَّ عن هذا الأصل ولا أدرِى ممّ اشتقاقُه قولُهم بُدئ فهو مبدوءٌ ، إذا جُدِرَ أو حُصِب. قال الشَّاعر (٥) :
وكأنَّما بُدِئَتْ ظَواهِرُ جِلدِه |
|
ممّا يُصافِحُ من لهيبِ سِهامِها |
__________________
(١) صدره كما فى ديوان عبيد بن الأبرص ٦ والمعلقات ٣٠٥ :
إن يك حول منها أهلها
ويروى :
ان تك حالت وحول أهلها
(٢) البيت لأوس بن مغراء السعدى ، كما فى اللسان (بدأ ، ثنى). ويروى :
ثلياننا إن أتاهم كان بدأهم
وانظر حواشى الحيوان (٦ : ٤٨٧).
(٣) هو النمر بن تولب ، كما فى المجمل واللسان (١ : ٢١).
(٤) ضبطت «بدأتها» فى الأصل بضم الباء. ويؤيده تعقيب اللسان على البيت. وانظر أيضا اللسان (٤ : ٤٧). ويقال أيضا «بدأتها» بفتح الباء.
(٥) هو الكميت كما فى المجمل واللسان (١ : ٢١).
بدح الباء والدال والحاء أصلٌ واحدٌ تُرَدُّ إليه فُروعٌ متشابهة ، وما بعد ذلك فكلُّه محمولٌ على غيره أو مُبْدَلٌ منه. فأمّا الأصل فاللِّين والرَّخاوَة والسُّهولة. قال الهُذَلىُ (١) :
كأنَّ أتِىَّ السَّيْلِ مَدَّ عليهمُ |
|
إذا دفعَتْهُ فى البَدَاحِ الجَراشِعُ (٢) |
ثم اشتُقّ من هذا قولُهم للمرأة البَادِن الضَّخمة بَيْدَح (٣). قال الطرمّاح :
أَغَارُ على نَفْسِى لسَلْمةَ خالِياً |
|
ولو عرَضَتْ لى كلُّ بَيضاءَ بَيْدَحِ (٤) |
قال أبو سعيد : البَدْحاء من النِّساء الواسعة الرُّفْغ. قال :
* بَدْحَاء لا يَسْتُرُهُ فَخْذَاها*
يقال بَدَحَتِ المرأةُ [و] تبدَّحَتْ ، إذا حسُنَتْ مِشْيتها. قال الشّاعر :
يَبْدَحْنَ فى أَسْوُقٍ خُرْسٍ خَلاخِلها |
|
مَشْىَ المِهارِ بماء تَتَّقِى الوَحَلا (٥) |
وقال آخر :
يَتْبَعْنَ سَدْوَ رَسْلَةٍ تَبدَّحُ (٦) |
|
يقودُها هادٍ وعينٌ تَلْمَحُ |
تَبَذح : تَبَسَّط. ومن هذا الباب قول الخليل : [البَدْح] ضربُك بشئ فيه
__________________
(١) هو أسامة بن الحارث الهذلى من قصيدة فى ديوان الهذليين نسخة الشنقيطى ص ٨٥.
(٢) فى الأصل : «الخراشع» تحريف. والجراشع ، كما فى اللسان (٩ : ٣٩٧) : أودية عظام. وأنشد البيت.
(٣) لم يذكرها فى اللسان ، وجاءت فى المجمل والقاموس. وفى القاموس واللسان (بذخ) : «امرأة يبذخ أى باذن».
(٤) البيت لم يرو فى ديوان الطرماح.
(٥) صدر هذا البيت فى اللسان (٣ : ٢٣١).
(٦) هذه الكلمة ساقطة من الأصل ، وإثباتها من اللسان (٣ : ٢٣١).
رَخاوة ، كما تأخذ بِطِّيخة فَتَبْدَح بها إنساناً. وتقول : رأيتهم يتَبادَحُون بالكُرِينَ والرُّمانِ ونحوِ ذلك عبثاً. فهذا الأصل الذى هو عمدة الباب.
وأمّا الكلماتُ الاخَر فقولهم بدحَه الأمرُ ، وإنما هى حاءٌ مبدلة من هاء ، والأصل بَدَهَهُ. وكذلك قولهم ابتدحت الشئَ ، إذا ابتدأتَ به من تِلقاءِ نفسك ، إنما هو فى الأصل ابتدَعْت واختلقْت. قال الشاعر :
يأيُّها السّائِلُ بالجَحْجاحِ |
|
لَفِى مُرادٍ غَيْرَ ذِى ابتداحِ |
وكذلك البَدْح ، وهو العَجْز عن الحَمَالة إذا احتَمَلها الإنسان ، وكذلك عَجْزُ البعير عن حَمْل حِمْله. قال الشاعر :
وكاين بالمَعن مِن أغَرَّ سَمَيْدَعٍ |
|
إِذا حُمِّل الأثْقالَ ليسَ ببادِح (١) |
فهذا من العين ، وهو الإبداع الذى مضى ذكره ، إذا كلَّ وأعيا. فأمَّا قول القائل (٢) :
بالهَجْر من شعثاءَ وال |
|
حَبْلِ الذى قَطَعَتْه بَدْحَا |
فهو من الهاء ، كأنَّها فاجأَتْ به من البديهه ، وقد مضى ذكره ، وأما الذى حكاه أبو عُبيدٍ مِن قولهم بَدَحْتُه بالعصا ، أى ضربتُه بها ، فمحمول* على قولهم : بدحْتُه بالرُّمّان وشبهِها ، والأصل ذاك.
__________________
(١) كذا وردت كلمة «بالمعن».
(٢) هو أبو دواد الإيادى ، كما فى اللسان (بدح) برواية : «بالصرم». وقبله :
وجرت أولها وقد |
|
أبقيت حين خرجن جنسا |
باب الباء والذال وما يثلثهما فى الثلاثى
بذر الباء والذال والراء أصلٌ واحد ، وهو نَثْر الشئِ وتفريقُه يقال بذرْتُ البَذْرَ أبْذُرُهُ بَذْراً ، وبذَّرت المالَ أُبَذِّرُه تبذيراً. قال الله تعالى (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ). والبُذُر القومُ لا يكتمُون حديثاً ولا يحفَظُون ألسِنَتهم. قال علىٌّ عليه السلام : «أُولئك مَصابيحُ الدُّجَى ، ليسوا بالمَسَاييح ولا المَذَايِيع البُذُر». فالمذاييع الذين يُذِيعُون ، والبُذُر الذين ذكرناهم (١). وبَذَّرٌ مكانٌ ، ولعلّه أن يكون مشتقًّا من الأصل الذى تقدَّم قال الشّاعر (٢) :
سَقَى اللهُ أمواهاً عَرَفْتُ مَكانَها |
|
جُرَاباً ومَلكوماً وبَذَّرَ والغَمْرَا (٣) |
بذع الباء والذال والعين ، كلمة واحدة فيها نظرٌ ولا يقاسُ عليها ، يقولون بَذَعْتُه وأبْذَعْتُه إذا أفزَعْتَه.
بذل الباء والذال واللام كلمةٌ واحدة ، وهو تركُ صِيانةِ الشّئ ، يقال بذَلْتُ الشَّئَ بَذْلاً ، فأنا باذلٌ وهو مبذول ، وابتذلْتُه ابْتِذالاً. وجاء فلانٌ فى مَباذِلِه ، وهى ثيابُه التى يَبْتَذِلُها. ويقال لها مَعَاوِزُ ، وقد ذُكِرتْ فى بابها
__________________
(١) وأما المساييح فجمع مسياح ، وهو الذى يسيح فى الأرض بالنميمة والشر. والبذر : جمع بذور وبذير ، كصبور وصبر ونذير ونذر.
(٢) هو كثير عزة ، كما فى اللسان (بذر). وأنشد ، ياقوت فى (بذر ، جراب ، ملكوم) ولم ينسه.
(٣) هذه كلها آبار بمكة. وفى الأصل : «ملكوكا» ، تحريف.
بذأ الباء والذال والهمزة أصلٌ واحد ، وهو خروج الشئ عن طريقةِ الإحْماد ، تقول : هو بَذِئِ اللِّسان ، وقد بَذَأْتُ على فلانٍ أبْذَأُ بُذاءً. ويقال بَذَأت المكانَ أبذَؤُه ، إذا أتيتَه فلم تُحْمِدْه.
بذج الباء والذال والجيم أصلٌ واحد ليس من كلام العرب ، بل هى كلمةٌ مُعَرَّبة ، وهى البَذَجُ من وُلْدِ الضَّأن ، والجمع بِذْجانٌ (١). قال الشاعر (٢) :
قد هلكَتْ جارتُنا من الهَمْجَ |
|
وإنْ تَجُعْ تأكُلْ عَتُوداً أوْ بَذَج |
بذح الباء والذال والحاء أصلٌ واحد ، وهو الشّقّ والتَّشْريح وما قارَبَ ذلك. قال أبو علىّ الأصفهانىّ : قال العامرىّ : بَذَحْتُ اللَّحْمَ إذا شَرَّحْتَه. قال : والبَذْح الشقُّ. ويقال : أصابه بَذْحٌ فى رِجْلِه ، أى شُقاقٌ. وأنشد :
لَأَعْلِطَنَّ حَرْزَماً بِعَلْطِ (٣) |
|
ثلاثةً عندَ بُذُوحِ الشَّرْط (٤) |
قال أبو عُبيدٍ : بَذَحْتُ لِسَانَ الفَصيلِ بَذْحاً ، وذلك عند التفليك (٥) والإجرار. وما يقاربُ هذا البابَ قولُهم لسَحج الفَخِذَين مَذحٌ.
__________________
(١) لم أجد من نص على تعريبه إلا ابن دريد فى الجمهرة (١ : ٢٠٧) والجواليقى فى المعرب ٥٨. والبذجان بكسر الباء ، كما نص عليه فى القاموس ، وكما ضبط فى اللسان ، ونبه على الكسر أيضا ابن دريد فى الجمهرة (٣ : ٥١٢). وضبط فى الأصل هنا وفى نسخة من المعرب بضم الباء ، ولا سند له.
(٢) هو أبو محرز عبيد المحاربى ، كما فى اللسان (بذج). وأنشده الجواليقى والجاحظ فى الحيوان (٥ : ٥٠١) وثعلب فى مجالسه ٥٨٥ والميدانى (١ : ٢٦١) بدون نسبة.
(٣) حرزم ، بتقديم الراء : جمل معروف وفى الأصل : «حزرما» صوابه فى اللسان (حرزم ، يذج) حيث أنشد البيتين.
(٤) رواية اللسان فى الموضعين : «بلته». والليت ، بالكسر : صفحة العنق.
(٥) التفليك : أن يجعل الراعى من الشعر مثل فلكة المغزل ، ثم يثقب لسان الفصيل فيجعله فيه لئلا يرضع أمه. ومثله الإجرار. وفى الأصل : «التقليل» ، محرف.
بذخ الباء والذال والخاء أصلٌ واحد ، وهو العلُوّ والتعظُّم. يقال بَذَخَ إذا تَعَظَّمَ ، وفلانٌ [فى] باذخٍ من الشَّرف أى عالٍ.
باب الباء والراء وما معهما فى الثلاثى
برز الباء والراء والزاء أصلٌ واحد ، وهو ظهور الشئ وبُدُوُّه ، قياسٌ لا يُخْلِفُ. يقال بَرَزَ الشئ فهو بارزٌ. وكذلك انفرادُ الشئِ من أمثاله ، نحو : تبارُزِ الفارِسَيْن ، وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ منهما ينفرد عن جماعته إلى صاحبه والبَرَاز المتَّسع من الأرض ؛ لأنه بادٍ ليس بغائِطٍ ولا دَحْلٍ ولا هُوَّة. ويقال امرأةٌ بَرْزَةٌ أى جليلةٌ تبرُزُ وتجلِسُ بفِناءِ بيتها. قال بعضُهم : رجل بَرْزٌ وامرأةٌ بَرزَةٌ ، يوصَفانِ بالجَهارَةِ والعَقْل. وفى كتاب الخليل : رجل بَرْزٌ طاهرٌ عفِيف. وهذا هو قياسُ سائِرِ الباب ؛ لأنَّ المُرِيبَ يدُسُّ نفسَه ويُخْفيها. ويقال بَرَّزَ الرّجُلُ والفَرَسُ إذا سَبَقَا ، وهو [من] الباب. ويقال أبرزْتُ الشَّئَ أُبرِزُهُ إبرازاً. وقد جاء المبروزُ. قال لَبيد :
أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ على ألواحه |
|
النّاطقُ المبروزُ والمخْتُومُ (١) |
المبروز : الظاهر. والمختوم : غير الظاهر. وقال قوم : المبروز المنشور. وهو وجهٌ حَسَنٌ.
__________________
(١) ديوان لبيد ٩١ طبع فينا سنة ١٨٨٠ ، واللسان (برز).
برس الباء والراء والسين أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على السهولة واللين قال أبو زيد (١) : بَرَّسْت المكانَ إذا سَهَّلْتَه وليّنْتَه. قال : ومنه اشتقاق بُرْسان قبيلة من الأزد. والبُرِس القُطْن. والقياسُ واحد. ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم : ما أدرى أىُ البَرَاساءِ والبَرْنَساءِ هو ، أى أىُّ الخلقِ هو.
برش الباء والراء والشين كلمةٌ واحدةٌ ، وهو أن يكون الشئِ ذا نُقَطٍ متفرّقةٍ بِيضٍ. وكان جَذِيمَةُ أبرَصَ ، فكُنِّىَ بالأبرش.
برص الباء والراء والصاد أصلٌ واحدٌ ، وهو أن يكون فى الشئ لُمْعَةٌ تخالف سائرَ لونه ، من ذلك البرصُ. وربما سمَّوا القمرَ أبرص. والبَرِيص مثل البصيص ، وهو ذلك القياس. قال :
* لهنَّ بخدِّهِ أبداً بريصُ (٢) *
والبِرَاصُ بِقَاعٌ فى الرَّمْل لا تُنْبِتُ (٣). وسامُ أبْرَصَ معروفٌ. قال القُتيبىّ : ويجمع على الأبارِصِ. وأنشد :
واللهِ لو كنتُ لهذا خالصا (٤) |
|
لكُنتُ عبداً يأكل الأَبارِصا (٥) |
__________________
(١) فى الأصل : «ابن دريد» تحريف ، صوابه فى المجمل. ولم تذكر الكلمة فى جمهرة ابن دريد ولم تذكر فى اللسان أيضا. لكن جاء فى القاموس : «والتبريس تسهيل الأرض وتليينها».
(٢) فى الأصل : «لهن بخدا» ، صوابه فى المجمل.
(٣) واحدها «برصة» بالضم.
(٤) فى الأصل : «لها خالصا» ، صوابه فى اللسان (برص).
(٥) الرواية فى أدب الكاتب ١٥٢ والاقتضاب ٣٥٥ والحيوان (٤ : ٣٠٠) ، واللسان. «لكنت عبداً آكل الأبارصا». وفى الأصل : «تأكل الأبارصا» ، صوابه من الجمهرة (١ : ٢٥٨) حيث عقب بقوله : «خاطب أباه فقال : لو كنت أصلح لهذا العمل الذى تأخذنى به لكنت عبداً يأكل الأبارصا».
وقال ثعلب فى كتاب الفصيح : وهو سامُ أبْرَص ، وسامَّا أبرصَ ، وسَوامُ أبرصَ.
برض الباء والراء والضاد أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على قلَّةِ الشئ وأخذِهِ قليلاً قليلاً. قال الخليل : التبرُّض التبلُّغ بالبُلْغَة من العيش والتطلَّب له هاهنا وهاهنا قليلاً بعد قليل. وكذلك تبرَّضَ الماءَ من الخوض ، إذا قلَّ صبّ فى القِربة من هنا وهنا. قال :
وقد كنتُ بَرَّاضاً لها قبلَ وَصْلِها |
|
فكيفَ وَلَزَّتْ حَبْلَها بحِبالها (١) |
يقول : قد كنتُ أطلبُها فى الفَيْنَةِ بعدَ الفينة ، أى أحياناً ، فكيف وقد عُلِّق بعضُنا بعضاً. والابتراضُ منه. وتقول : قد بَرَضَ فلان لى من مالِه ، وهو يَبْرُضُ بَرْضاً ، إذا أعطاكَ منه القليلَ. قال :
لَعَمْرُكَ إنّنِى وطِلابَ سَلْمَى |
|
لكالمتبرِّضِ الثَّمَدَ الظَّنُونا (٢) |
وثَمَدٌ أى قليل ، كقول رؤبة :
* فى العِدِّ لم تقدَحْ ثِمادا بَرْضا (٣) *
ومن هنا الباب : بَرَض النّبات يَبْرِضُ بُرُوضاً ، وهو أوَّلُ ما يتناول النَّعَمُ والبارِض : أوّلُ ما يبدو مِن البُهْمَى. قال :
__________________
(١) البيت فى اللسان (برض).
(٢) فى الأصل : «لكا المبرض» ، صوابه فى اللسان (ثمد).
(٣) آخر بيت من ارجوزنه الضادية فى ديوانه ص ١٨. وقبله.
أولاك يحمون المصاص الحضا