معجم مقاييس اللغة - ج ١

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا

معجم مقاييس اللغة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا


المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩

(باب الهمزة والنون وما بعدهما فى الثلاثى)

أنى الهمزة والنون وما بعدهما من المعتل ، له أصول أربعة : البُطء وما أشبهه مِن الحِلم وغيره (١) ، وساعةٌ من الزمان ، وإدراك الشئ ، وظَرف من الظروف. فأ [مّا ا] لأوّل فقال الخليل : الأناةُ (٢) الحِلم ، والفعل منه تأنَّى وتأَيَّا. وينشد قول الكُمَيت :

قِفْ بالدِّيارِ وُقُوفَ زائِرْ

وَتأَنَ إنّك غَيرُ صَاغِرْ (٣)

ويروى «وتأَىَّ ...». ويقال للتمكُّث فى الأمور التأنِّى. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للذى تَخَطَّى رقابَ النّاس يوم الجمعة : «رأيتك آذَيْتَ وآنَيْتَ». يعنى أخّرت المجئَ وأبطأْت (٤) ، وقال الحطيئة :

وآنَيْتُ العِشاء إلى سُهَيلٍ

أو الشِّعْرَى فطال بىَ الأَنَاءُ (٥)

ويقال من الأَناة رجُلٌ أَنِيٌ ذو أَنَاةٍ. قال :

* واحْلُمْ فذُو الرَّأْىِ الأنِيُ الأحْلَمُ*

وقيل لابنة الخُسّ : هل يُلْقِحُ الثَّنِىّ. قالت : نعم وإلقاحه أَنِيٌ. أى بطىَ.

__________________

(١) فى الأصل : «والحلم وغيره».

(٢) فى الأصل : «الأناءة».

(٣) فى الأصل : صاعر صوابه من اللسان (١٨ : ٦٧) حيث أنشده برواية : وتأى وانظر بعض أبيات القصيدة فى الأغانى (١٥ : ١١١ ، ١١٣ ، ١١٤) فى ترجمة الكميت ابن زيد.

(٤) و «آذيت» أى آذيت الناس بتخطيك.

(٥) ديوانه ص ٢٥ واللسان (١٨ : ٥١). وفيه (١٨ : ٥٢): «ورواه أبو سعيد : وأنيت ، بتشديد النون».

١٤١

ويقال : فلان خَيْرُهُ أَنِىٌ ، أى بطىّ. والأَنَا ، من الأناة والتُّؤَدة. قال.

* طالَ الأَنَا وَزَايَلَ الحقَّ الأَشَرْ* (١)

وقال :

أَنَاةً وَحِلْماً وانتظارا بهم غداً

فما أنا بِالوانِى ولا الضَّرَع الغُمْرِ (٢)

وتقول للرّجل : إنّه لذو أَناةٍ ، أى لا يَعجَل فى الأمور ، وهو آنٍ وقورٌ.

قال النابغة :

الرِّفْق يُمْنٌ والأَناةُ سَعادَةٌ

فاستأْنِ فى رفق تلاق نجاحا (٣)

واستأنيت فلاناً ، أى لم أُعْجِلْه. ويقال للمرأة الحليمة المباركة أناةٌ ، والجمع أنَوَاتٌ. قال أبو عُبيد : الأَناة المرأة التى فيها فُتورٌ عند القيام.

وأما الزَّمان فالإِنَى والأَنَى ، ساعةٌ من ساعات الليل. والجمع آناءٌ ، وكلُ إِنّي ساعةٌ. وابنُ الأعرابيّ : يقال أُنِيٌ فى الجميع (٤). قال :

يا ليتَ لى مثلَ شَريبِى من غَنِى (٥)

وهو شَرِيبُ الصِّدْقِ ضَحَّاكُ الانِى

إذ الدَّلاء حَملتْهُنّ الدُّلِى

يقول : فِى أىِّ ساعةٍ جِئتَه وجدتَه يَضحك.

__________________

(١) البيت للعجاج فى ديوانه ص ١٦ واللسان (١٨ : ٥٢).

(٢) البيت لابن الذئبة الثقفى ، كما فى أمالى ثعلب ص ١٧٣ ، وشرح شواهد المغنى للسيوطى ٢٦٤ وتنبيه البكرى على القالى ٢٤. ونسب إلى عامر بن مجنون الجرمى فى حماسة البخترى ١٠٤ وإلى وعلة بن الحارث الجرى فى المؤتلف ١٩٦ وإلى الأجرد الثقفى فى الشعراء ١٧٢. وانظر الكامل ١٥٥ ليبسك ، ويروى : فما أنا بلواني.

(٣) البيت لم يرد فى ديوان النابغة ، وصدره بدون نسبة فى اللسان (١٨ : ٥١).

(٤) أى فى الجمع ، ويقال فى جمعه «آناء» أيضاً ، كما سبق.

(٥) هم غنى بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان. انظر المعارف ٣٦ والاشتقاق ١٦٤. وفى اللسان (١٨ : ٥٢) : من؟ ؛ ولم أجده فى قبائلهم.

١٤٢

وأمّا إدراك الشئ* فالإنَى ، تقول : انتظرنا إنَى اللَّحم ، إى إدراكه. وتقول : ما أَنَى لك ولم يَأْنِ لك ، أى لم يَحِنْ. قال الله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أى لم يَحِنْ. وآنَ يَئِينُ. واستأنَيت الطعامَ ، أى انتظرتُ إدراكه. وَ (حَمِيمٍ آنٍ) قد انتهى حَرُّه. والفعل أَنَى الماءُ المسخَّنُ يَأْنِى. و (عَيْنٍ آنِيَةٍ) (١) قال عباس :

عَلانِيَةً والخيلُ يَغْشَى مُتُونَها

حَمِيمٌ وآنٍ من دَمِ الجوف ناقِعُ

قال ابنُ الأعرابيّ : يقال آن يَئِين أَيْناً وأَنَى لك يأْنِى أَنْياً ، أى حان. ويقال : أتّيْتُ فلانا آيِنَةً بعد آيِنَةٍ ، أى أحياناً بعد أحيان ، ويقال تارةً بعد تارة. وقال الله تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ).

وأَمَّا الظَّرف فالإِناء ممدود ، من الآنيةِ. والأوانِى جمع جمعٍ ، يُجْمَع فِعال على أفعِلة.

أنب الهمزة والنون والباء ، حرفٌ واحد ، أنّبْته تأنيباً أى وبَّخته ولُمته. والأُنبوب ما بين كلِّ عُقْدتين. ويزعمون أن الأنَابَ المِسْك (٢) ، واللهُ أعلمُ بصحّته. وينشدون قولَ الفرزدق :

كأنَّ تريكةً من ماء مُزْنٍ

ودَارِىَ الأنَابِ مع المُدامِ (٣)

أنت الهمزة والنون والتاء ، شذَّ عن كتاب الخليل فى هذا النّسق ، وكذلك عن ابن دريد (٤). وقال غيرهما : وهو يأنِت أى يَزْحَرُ (٥). وقالوا أيضاً :

__________________

(١) هى فى قوله تعالى : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ).

(٢) فى اللسان أنه ضرب من العطر يضاهى المسك.

(٣) روايته فى الديوان ٨٣٦ :

وداري؟ مع المدام

(٤) كذا ، ولعله ساقط من نسخته. انظر الجمهرة (٣ : ٢٦٩).

(٥) ذكر فى اللسان أن الأنيت الأنين. وفى الجمهرة : «وهو أشد من الأنين».

١٤٣

المأنُوتُ المعْيُون. هذا عن أبى حاتم. ويقال المأنوت المُقَدَّر. قال :

* هيهات منها ماؤُها المأَنُوتُ*

أنث وأما الهمزة والنون والثاء فقال الخليل وغيره : الأُنثى خلاف الذكر. ويقال سيف [أنِيثُ (١)] الحديدِ ، إذا كانت حديدته أُنثى (٢). والأُنثَيانِ : الخُصيتَان. والأُنْثَيانِ أيضاً : الأُذُنانِ. قال :

وكنَّا إذا الجَبَّار صَعَّر خدَّه

ضربناه تحتَ الانْثَيينِ على الكَرْدِ (٣)

وأرضٌ أنِيثَةٌ : حسنَة النَّبات.

أنح الهمزة والنون والحاء أصلٌ واحدٌ ، وهو صوتُ تنحنُح وزَحِير ، يقال أُنَحَ يأنِحُ أَنْحاً ، إذا تنحنح من مَرضٍ أو بُهْرٍ ولم يئِنَّ. قال :

ترى الفِئامَ قياماً يأنِحونَ لها

دَأْبَ المُعضِّلُ إذْ ضاقَتْ مَلَاقِيها

قال أبو عُبيد : وهو صوتٌ مع تنحنُحٍ. ومصدره الأُنُوح. والفِئام : الجماعة يَأْنِحون لها ، يريد للمنجنيق. قال أبو عمرو : الآنِح على مثال فاعل : الذى إذا سُئِل شيئاً تنحنح من بُخْلِه ، وهو يأنِح ويأنِح مثل يزْحَرَ سواء. والأَنَّاح فَعّال منه. قال :

ليسَ بأنَّاحٍ طويلٍ غُمَرُهْ

جافٍ عن المولَى بِطئٍ نَظَرُه

__________________

(١) تكملة يقتضيها السياق.

(٢) أى لينة. ويقابله السيف الذكير ، وهو الصلب الحديدة.

(٣) الكرد : العنق. والبيت للفرزدق فى ديوانه ٢١٠ واللسان (٢ : ٤١٧). ونحوه قول ذى الرمة :

وكنا إذا القيسى؟ عنوده

ضربناه فوق الأنثيين عن الكرد

ومختلف الرواة فى بيت الفرزدق فيرونه أيضاً : إذا؟؟؟

١٤٤

قال النَّضر : الأَنوح من الرِّجال الذى إذا حَمَل حِمْلاً قال : أح أح. قال :

لِهَمُّونَ لا يستطيعُ أَحْمالَ مِثْلِهم

أَنُوحٌ ولا جاذٍ قصيرُ القوائمِ

الجاذى : القصير.

أنس الهمزة والنون والسين أصلٌ واحد ، وهو ظهورُ الشئ ، وكلُّ شئٍ خالَفَ طريقة التوحُّش. قالوا : الإنْس خلاف الجِنّ ، وسُمُّوا لظهورهم. يقال آنَسْتُ الشئ إذا رأيتَه. قال الله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً). ويقال : آنَسْتُ الشئَ إذا سمعتَه. وهذا مستعارٌ من الأوّل. قال الحارث (١) :

آنَسَتْ نَبأةً وأفزعَها القُ

نَّاصُ عَصْراً وقد دَنَا الإمساءُ

والأُنْس : أنْسُ الإنسانِ بالشئ إذا لم يسْتَوْحِشْ (٢) منه. والعرب تقول : كيف ابن إنْسِك؟ إِذا سأله عن نفسه. ويقال إنسان وإنسانان وأناسىُ. وإنسان العين : صَبِيّها الذى فى السَّواد (٣).

أنض الهمزة والنون والضاد كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها ، يقال لحم أَنِيضٌ ، إذا بقى فيه نُهُوءَةٌ ، أى لم يَنْضَج. وقال زهير :

يُلَجْلِجُ مُضْغَةً فيها أَنيضٌ

أَصَلَّتْ فهى تحتَ الكشحِ داءُ (٤)

تقول : آنَضْتُه إيناضاً ، وأَنُضَ أَناضَةً.

__________________

(١) هو الحارث بن حلزة اليشكرى. والبيت فى معلقته. وفى الأصل : «الحراث» محرف.

(٢) فى الأصل : «يتوحش».

(٣) فى اللسان ١٩ : ١٨٣ ـ (١٨٤): «والصبى ناظر العين ، وعزاه كراع إلى العامة».

(٤) وكذا ورد إنشاده فى اللسان (لجج ، أنض) ، وصواب الرواية : تلجلج بالخطاب انظر ديوان زهير ٨٢. وبعد البيت :

فحصت بنيها فبئست عنها

وعندك لو أردت لها دواء

١٤٥

أنف الهمزة والنون والفاء أصلان منهما يتفرَّع مسائلُ الباب كلّها : أحدهما أخْذ الشئِ من أوّلِه ، والثانى أَنْف كلِّ ذى أَنْف. وقياسه التحديد. فأمّا الأصل الأوّل فقال الخليل : استأنفت كذا ، أى رجعتُ إلى أوّله ، وائتنفت ائتنافا. ومُؤْتَنَف الأَمْر : ما يُبْتَدأُ فيه. ومن هذا الباب قولهم : فعل كذا آنِفا ، كأنّه ابتداؤه. وقال الله تعالى : * (قالُوا ما ذا قالَ آنِفاً).

والأصل الثانى الأنف ، معروف ، والعدد آنُفٌ (١) ، والجَمْعُ أُنُوفٌ. وبعيرٌ مأنوفٌ. يساق بأنفه ، لأنه إذا عَقَره الخِشاشُ انقاد. وبعير أَنِفٌ وآنِفٌ مقصور ممدود. ومنه الحديث: «المسلمون هَيِّنُون لَيِّنون ، كالجمل الأَنِف ، إنْ قِيدَ انْقَاد ، وإن أُنِيخ اسْتَنَاخ (٢)». ورجل أُنَافِيٌ عظيم الأنف. وأَنَفْتُ الرَّجلَ : ضربْتُ أنْفَه. وامرأةٌ أَنُوفٌ : طيِّبة ريح الأنْف. فأما قولهم : أَنِفَ مِن كذا ، فهو من الأنْف أيضاً ، وهو كقولهم للمتكبِّر : «ورِمَ أنفُهُ». ذكر الأَنْف دون سائر الجسَد لأنه يقال شمَخ بأنْفه ، يريد رفع رأسه كِبْرا ، وهذا يكون من الغَضَب. قال :

* ولا يُهاجُ إِذا ما أَنْفُه وَرِما*

أى لا يُكلَّم عند الغضَب. ويقال : «وجَعُهُ حيثُ لا يضَعُ الرَّاقِى (٣) أَنْفَه». يضرَب لما لا دواءَ له. قال أبو عبيدة : بنو أنف النَّاقة بنو جعفر بن قُريع بن عَوف ابن كعب بن سعد ، يقال إنهم نَحَروا جَزُوراً كانوا غنِموها فى بعض غَزَواتهم ،

__________________

(١) يراد بهذا التعبير أقل الجمع ، وهو ما يسمونه «جمع القلة». وصيغه أفعلة وأفعل وفعلة وأفعال. وهو يطلق على الثلاثة إلى العشرة ، وسائر الصبغ للعشرة فما فوقها. انظر اللسان (أهن س ٢) وما سيأتى هنا فى مادة (أهن) ص ١٥١.

(٢) فى اللسان (١٠ : ٣٥٥): «وإن أنيخ على صخرة استناخ».

(٣) فى الأصل : «الرامى» محرفة.

١٤٦

وقد تخلف جعفر بن قُريع ، فجاءَ ولم يبقَ من النّاقة إلا الأنف فذهب به ، فسمَّوه به. هذا قول أبى عُبيدَة. وقال الكَلْبيّ : سُمُّوا بذلك لأن قُريع بنَ عوفٍ نَحَر جزوراً وكان له أربعُ نِسوة ، فبعث إليهنَّ بلحمٍ خلا أمَّ جعفرٍ ، فقالتْ أمُّ جعفر : اذهَبْ واطلُبْ من أبيك لحما. فجاء ولم يبق إلا الأنف فأخذهُ فلزِمَه وهُجِىَ به. ولم يزالوا يُسَبُّون بذلك ، إلى أن قال الحطيئة:

قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ

ومن يُسَوِّى بأنفِ النّاقةِ الذَّنَبَا

فصار بذلك مدحاً لهم. وتقول العرب : فلان أَنْفِى ، أى عِزِّى ومَفْخَرِى.

قال شاعر :

* وأَنْفِى فى المَقامَة وافتخارِى*

قال الخليل : أنْف اللِّحية طرَفُها ، وأنف كلِّ شئٍ أوّله. قال :

* وقد أخَذَتْ مِن أَنْفِ لِحيتَك اليدُ* (١)

وأنف الجبَل أوّلُه وما بَدَا لك منه. قال :

خذا أنْفَ هَرْشَى أوْقَفَاها فإنّه

كِلا جانِبَىْ هَرْشَى لهنَّ طريقُ (٢)

قال يعقوب : أنف البرد : أشدُّه. وجاء يعدُو أَنْفَ الشدّ ، أى أشدّه. وأنف الأرض ما استقبل الأرضَ من الجَلَد والضَّواحى. ورجل مِئنافٌ يسير فى أنْف النهار. وخَمْرَةٌ أُنُفٌ أوّلُ ما يَخرج منها. قال :

__________________

(١) هو لأبى خراش الهذلى. انظر اللسان (١٠ : ٣٥٦). وصدره :

تخاصم قوما لا تلقى جوابهم

(٢) هرشى : ثنية فى طريق مكة. ويروى : خذى أنف هرشي ويروي خذا جنب هرشي انظر المقاييس واللسان (هرش). ولم أجد للبيت نسبة.

١٤٧

أُنُفٍ كَلَوْنِ دمِ الغَزالِ مُعَتَّقٍ

من خَمْرِ عانَةَ أو كُرُوم شِبَامِ (١)

وجارية أُنُفٌ مُؤتَنِفَة (٢) الشَّبابِ. قال ابنُ الأعرابىّ : أَنَّفت السِّراج إذا أحْدَدتَ طرفَه وسوَّيته ، ومنه يقال فى مدح الفَرس : «أُنِّفَ تأنيف السَّيْر» أى قُدَّ وسُوِّى كما يسوَّى السَّيْر. قال الأصمعىّ : سنانٌ مؤنَّف أى محدَّد. قال :

بكُلِّ هَتُوفٍ عَجْسُها رَضَوِيَّةٍ

وسهمٍ كسَيْف الحميرىِ المؤنَّفِ

والتأنيف فى العُرقوب : التَّحديد ، ويُستحَبُّ ذلك من الفرس.

أنق الهمزة والنون والقاف يدلُّ على أصلٍ واحد ، وهو المُعْجِبُ والإِعجاب. قال الخليل : الأَنَق الإعجاب بالشَّئ ، تقول أنِقْت به ، وأنا آنَقُ به أَنَقاً ، [وأنا به أَنِقٌ (٣)] أى مُعْجَبٌ. وآنَقَنى يُونِقُنى إِيناقاً. قال :

إذا بَرزَتْ مِنْ بَيْتها راق عَيْنَها

مُعَوِّذُهُ وآنَقَتْها العَقائِقُ (٤)

وشئٌ أنيقٌ ونباتٌ أنيق. وقال فى الأَنِقِ :

* لا أَمِنٌ جَليسُهُ ولا أَنِقْ * (٥)

أبو عمرو : أنِقْتُ الشئَ آنَقُه أى أَحبَبْتُه ، وتأَنَّقْتُ المكانَ أحبَبْته. عن

__________________

(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ١٦٢. وعانة وشبام : موضعان.

(٢) فى الأصل : «مؤتنف».

(٣) تكملة يقتضيها السياق. انظر أول المادة فى اللسان.

(٤) البيت لكثير عزة ، كما فى اللسان (٥ : ٣٤ / ١٢ : ١٢٧). وما سيأتى فى (عوذ) ومعوذ النبت ، بتشديد الواو المكسورة أو المفتوحة ، وهو ما ينبت فى أصل شجرة أو حجر يستره. وفى الأصل : «معوذها» صوابه من اللسان. يقول : إذا خرجت من بينها راقها معوذ النبت حول بيتها. ورواية اللسان فى الموضعين : وأعجبتها موضع وآنقتها.

(٥) من رجز للقلاخ بن حزن المنقرى يهجو به الجليد الكلابى. انظر اللسان (١٢ : ١١) وقد صحف فى (١٢ : ٢٦٤) بالشماخ. ويقال أمن وآمن وأمين بمعنى.

١٤٨

الفَرّاء. وقال الشَّيبانىّ : هو يتأنَّق فى الأَنَق. والأَنَقُ من الكلأ وغيرِه. وذلك أن ينتقى أفضلَه. قال :

* جاء بنُو عَمِّك رُوَّادُ الأَنَقْ * (١)

وقد شذّت عن هذا الأصل كلمةٌ واحدة : الأَنُوقُ ، وهى الرَّخَمَة. وفى المثل : «طلَبَ بَيْضَ الأَنوق». ويقال إنّها لا تبيض ، ويقال بَلْ لا يُقدَر لها على بيضٍ. وقال :

طلبَ الأبلقَ العقوقَ فلمَّا

لمْ ينَلْهُ أرادَ بيضَ الأَنُوقِ (٢)

أنك الهمزة والنون والكاف ليس فيه أصلٌ ، غير أنّه قد ذُكِر الآنُك. ويقال هو خالص الرصاص ، ويقال بل جنسٌ منه.

(باب الهمزة والهاء وما بعدهما فى الثلاثى)

أهب الهمزة والهاء والباء كلمتان متباينتا الأصل ، فالأُولى الإِهاب. قال ابنُ دُريد : الإِهاب * الجِلْد قبل أن يُدْبَغ ، والجمع أَهَبٌ. وهو أَحَدُ ما جُمع على فَعَلٍ وواحدُه فعيلٌ [وفعولٌ وفِعال (٣)] : أديمٌ وأَدَمٌ ، وأَفِيقٌ وأَفَقٌ ، وعمُود وعَمَدٌ ، وإهاب وأَهَبٌ. وقال الخليل : كلُّ جلدٍ إهابٌ ، والجمع أَهَبٌ (٤).

__________________

(١) الرجز فى اللسان (١١ : ٢٩).

(٢) انظر حواشى الحيوان (٣ : ٥٢٢) والشريشى (٢ : ٢٠٤) والإصابة ١٠٩٨ من قسم النساء.

(٣) تكملة يقتضيها السياق. أثبتها مستضيئاً بما فى الجمهرة (٣ : ٢١٣).

(٤) ويقال أيضاً «أهب» بضمتين على القياس.

١٤٩

والكلمة الثَّانية التَّأهُّب. قال الخليل : تأَهّبُوا للسَّير. وأخَذَ فلانٌ أُهْبَتَهُ ، وتطرح الألف فيقال : هُبَتَه.

أهر الهمزة والهاء والراء كلمةٌ واحدة ، ليست عند الخليل ولا ابنِ دُرَيد (١). وقال غيرهما : الأهَرَةُ متاعُ البيت.

أهل الهمزة والهاء واللام أصلان متباعدان ، أحدهما الأَهْل. قال الخليل : أهل الرجل زَوْجُه. والتأهُّل التَّزَوّج. وأهْل الرّجُل أخصُّ النّاسِ به. وأهل البيت سُكَّانه. وأهل الإسلام مَن يَدِينُ به. وجميع الأهل أَهْلُون. والأَهالِى جماعةُ الجماعة. قال النابغة (٢).

ثلاثَةَ أهْلِينَ أفْنَيْتُهُمْ

وكان الإِلهُ هو المُسْتَآسا

وتقول : أهَّلتُه لهذا الأمر تأهيلاً. ومكان آهِلٌ مَأهول. قال :

وقِدْماً كانَ مَأْهولاً

فأَمْسَى مرتَعَ العُفْرِ (٣)

وقال الراجز (٤) :

عرَفْتُ بالنَّصرية المنازلا (٥)

قفراً وكانت مِنْهُمُ مآهِلَا

وكلُّ شئٍ من الدوابّ وغيرها إذا ألف مكاناً فهو آهِلٌ وأَهْلِىٌ. وفى الحديث :

__________________

(١) الحق أن ابن دريد قد ذكرها فى الجمهرة (١ : ٢٩ / ٢ : ٣٧٦). وعذر ابن فارس أن ابن دريد ذكرها عرضاً فى تركيب (ب ز ز ، رزم) ولم يرسم لها. ويبدو بوضوح هنا فائدة الفهارس الحديثة فى إظهار خبايا المصنفات.

(٢) هو النابغة الجعدى ، كما فى كتاب المعمر بن ٦٥ ، واللسان (أوس) ، والأغانى (٤ : ١٢٩). وانظر ما سيأتى فى مادة (أوس).

(٣) البيت فى اللسان (١٣ : ٣٠).

(٤) هو رؤبة. انظر ديوانه ١٢١ واللسان (١٣ : ٣٠).

(٥) فى الأصل : «بالضربة» ، صوابه من الديوان واللسان.

١٥٠

«نَهَى عن لُحومِ الحُمُر (١) الأهليّة». وقال بعضهم : تقولُ العرب : «آهَلَكَ الله فى الجنَّة إِيهالاً» ، أى زَوَّجَك فيها.

والأصل الآخر : الإِهالة ، قال الخليل : الإهالة الأَلْيَة ونحوُها ، يُؤخَذ فيُقَطّع ويذاب. فتلك الإهالة ، والجميل (٢) ، والجُمَالة.

أهن الهمزة والهاء والنون كلمة واحدة لا يقاس عليها. قال الخليل : الإِهان العُرْجون ، وهو ما فوقَ شماريخ عِذْق التَّمر ، أى النخلة. وقال :

إنّ لها يَداً كمثل الإِهان

مَلْسَا وَبَطْناً بات خُمْصانا (٣)

والعَدَد (٤) آهِنَة ، والجميع أُهُنٌ.

باب الهمزة والواو وما بعدهما فى الثلاثى

أوى الهمزة والواو والياء أصلان : أحدهما التجمُّع ، والثانى الإشفاق. قال الخليل : يقال أوَى الرّجُل إلى منزله وآوَى غَيرَه أُوِيًّا وإيواءً. ويقال أَوَى إواءً أيضاً. والأُوِىُ أحسن. قال الله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) وقال : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ). والمأوَى مكانُ كلِّ شئٍ يأوى إليه ليلاً أو نهاراً. وأوَت الإبِلُ إلى أهلها تأوِى أوِيًّا فهى آوِيَةٌ. قال الخليل : التأوِّى التجمُّع ، يقال

__________________

(١) فى الأصل : «حمر» ، محرفة.

(٢) فى الأصل : «الجميلة». وإنما «هى الجميل» الشحم المذاب.

(٣) ملسا : مقصور ملساء ، وفى الأصل : «إن لها ليدا ملساء مثل الاهان وبطنا» الخ ، وبذلك يختل الوزن. والبيت من السريع.

(٤) نحو هذا التعبير فى اللسان (أهن) قال : «والعدد ثلاثة آهنة» ، يقصد به أقل الجمع ، وهو ما يسمونه جمع القلة. وانظر ما سبق فى مادة (أنف) ص ١٤٦.

١٥١

تأوَّت الطَّيرُ إذا انضمَّ بعضُها إلى بعضِ ، وهنَ أُوِيٌ ومُتَأَوِّيات. قال :

* كما تَدَانَى الحِدَأُ الاوِىُ * (١)

شبّه كلَّ أُثفِيَّةٍ بحِدَأة.

والأصل الآخر قولهم : أَوَيْتُ لفلانٍ آوِى له مَأْوِيَةً ، وهو أَنْ يرِق له ويَرْحمه. ويقال فى المصدر أَيَّة أيضا (٢). قال أبو عُبيد : يقال استَأوَيْتُ فلاناً ، أى سألته أن يَأْوِىَ لى. قال :

* ولو أَنَّنى استأوَيْتُه ما أَوَى لِيا* (٣)

أوب الهمزة والواو والباء أصلٌ واحد ، وهو الرجوع ، ثم يشتق منه ما يبعد فى السَّمْع قليلاً ، والأصل واحد. قال الخليل : آبَ فلانٌ إلى سيفه أى ردَّ يدَه ليستلَّه. والأَوب : ترجِيع الأيدى والقوائم فى السَّيْر. قال كعبُ بنُ زُهير :

كأَنَ أَوْبَ ذراعَيْها وقد عَرِقَتْ

وقد تلَفَّعَ بالقُورِ العساقيلُ

أَوْبُ يدَىْ فاقدٍ شَمْطَاءَ مُعْولَةٍ

باتَت وجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثاكِيلُ (٤)

والفعل منه التأوِيب ، ولذلك يسمُّون سيرَ [النَّهارِ تَأْويباً ، وسَيرَ (٥)] الليل إسآداً. وقال :

__________________

(١) البيت للعجاج. انظر ديوانه ٦٧ واللسان (١٨ : ٥٥). وفى الأصل : «الجداء» وإنما هو جمع حدأة.

(٢) يقال فى المصدر أية ، وأوية ، ومأوية ، ومأواة.

(٣) هو لذى الرمة ، وصدره كما فى ديوانه ٦٥١ واللسان (١٨ : ٥٦) :

على أمر من لم يثوني ضر أمره

(٤) وكذا أنشدهما فى اللسان (١ : ٢١٤) متتاليين. والحق أن بينهما بيتين معترضين ، هما كما فى شرح البردة لابن هشام ٦٤ ـ ٦٦ :

يوما يظل به الحرباء مصطخدا

كأن ضاحيه بالشمس مملول

وقال القوم حاشيهم وقد جعلت

ورق الجناد يركضن الحمى؟

ورواية صدر الثانى فى البردة : والفاقد : التى فقدت ولدها. وفى اللسان : «ناقة» محرفة ، وانظر اللسان (فقد) حيث أنشد البيت مضطربا.

(٥) تكملة يقتضيها السياق.

١٥٢

يومانِ يومُ مَقاماتٍ وأندِيَةٍ

ويومُ سَيرٍ إلى الأعداءِ تأويبِ (١)

قال : والفَعْلة الواحدة تأويبة. والتأويب : التَّسبيح فى قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ). قال الأصمعىّ : أوّبْتُ الإبلَ إذا روَّحتَها إلى مَباءتِها. ويقال تأوَّبِنى أى أتانِى ليلاً. قال :

تأوَّبَنِى دائِى القَديمُ فَغَلَّسَا

أُحاذِر أن يرتدَّ دائِى فأُنْكَسَا (٢)

قال أبو حاتم : وكان الأصمعى يفسر الشِّعر* الذى فيه ذِكْر «الإِيابِ» أنّه مع الليل ، ويحتج بقوله :

* تأوَّبنِى داءٌ مع اللَّيلِ مُنصِبُ* (٣)

وكذلك يفسِّر جميع ما فى الأشعار. فقلتُ له : إنما الإِياب الرُّجوع ، أىَّ وقْتٍ رجَعَ ، تقول : قد آبَ المسافرُ ؛ فكأنه أراد أن أُوضِّح له ، فقلت : قولُ عَبيدٍ (٤) :

وكلُّ ذى غَيْبَةٍ يَؤُوبُ

وغائِبُ الموتِ لا يَؤُوبُ

أهذا بالعشِيّ؟ فذَهَبَ يكلِّمُنى فيه ، فقلت : فقولُ الله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) أهذا بالعشىّ؟ فسكت. قال أبو حاتم : ولكنّ أكثرَ ما يجئُ على ما قال. رحِمَنا الله وإيّاه.

والمآب : المرجِع. قال أبو زياد : أُبْتُ القوم ، أى إلى القوم. قال :

* أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ آبَكَ الطَّرَبُ*

__________________

(١) البيت لسلامة بن جندل فى المفضليات (١ : ١٨٨). واللسان (١ : ٢١٣).

(٢) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ١٤٠ وأساس البلاغة (أوب). وكلمة : «دائى» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من الديوان والأساس.

(٣) نظيره فى اللسان (٢ : ٢٥٥) قول أبى طالب :

ألا من لهم آخر اللل منصب

(٤) فى الأصل : «أبى عبيد» ، وإنما هو عبيد بن الأبرص ، من قصيدته البائية التى عدها التبريزى فى المعلقات العشر. وانظر اللسان (١ : ٢١٣).

١٥٣

قال أبو عُبَيد (١) : يسمَّى مَخْرَجُ الدّقيقِ من الرَّحَى المآبَ ، لأنّه يَؤوب إليه ما كان تحتَ الرَّحَى. قال الخليل : وتقول آبت الشمسُ إياباً ، إذا غابت فى مَآبِها ، أى مَغِيبها. قال أمية :

* فرأى مغِيبَ الشَّمْسِ عند إيابها* (٢)

قال النَّضْر (٣) : المؤَوِّبة (٤) الشمس ، وتأويبها ما بينَ المشرِق والمغرب ، تدأبُ يومَها وتؤُوب المغرِب. ويقال : «جاءُوا من كلِ أوبٍ» أى ناحيةٍ ووَجْهٍ ؛ وهو من ذلك أيضاً. والأوْبُ : النَّحل. قال الأصمعىّ : سمِّيت لانتِيابها المباءة ، وذلك أنّها تَؤُوب من مسارحِها. وكأَنَّ واحد الأَوْبِ آيب ، كما يقال [آبَكَ اللهُ (٥)] أبعدك الله. قال :

فآبكَ هَلَّا واللَّيالِى بِغِرَّةٍ

تَزُورُ وفى الأيّامِ عنك شُغُولُ (٦)

أود الهمزة والواو والدال أصلٌ واحد ، وهو العطف والانثناء. أُدْتُ الشئَ عطفتُه. وتأوّدَ النَّبْتُ مثلُ تعطَّفَ وتعوَّج. قال شاعر (٧) :

__________________

(١) فى الأصل : «أبو عبيدة».

(٢) صدر بيت له فى ديوانه ص ٢٦. وتمامه :

ف عن ذ خلب وتاط إلى أمية

وقد اضطرب اللسان فى نسبته ، فنسبه فى (١ : ٢١٣) إلى تبع ، وفى (١ : ٣٥٢) إلى تبع أو غيره. وفى (٤ : ١٢٥ / ٩ : ١٣٥) إلى أمية.

(٣) هو النضر بن شميل تلميذ الخليل ، المتوفى سنة ٢٠٣. وفى الأصل : «النظر» محرفة.

(٤) فى الأصل : «الماوية».

(٥) تكملة يقتضيها السياق. وانظر اللسان (١ : ٢١٤) حيث أنشد البيت.

(٦) فى اللسان وأساس البلاغة (أوب): «غفول» وهما صحيحتان. وقد نسبه الزمخشرى إلى رجل من بنى عقيل ، وأنشد قبله :

وأخبرني يا قلب أنك ذو مجرى

بليلى؟ كنت قبل تقول

(٧) هو الأعشى ، كما فى العمدة (٢ : ٤٩) فى باب الغلو. وقد روى فى ملحقات ديوانه ص ٤٠.

١٥٤

فلو أنَّ ما أبقيتِ مِنِّى معلَّقٌ

بعْود ثُمامٍ ما تأوّدَ عُودُها

وإلى هذا يرجع آدَنِى الشئُ يؤُودُنى ، كأَنّه ثقُل عليك حتى ثَنّاك وعَطَفَك. وأَوْدٌ قَبيلة ، ويمكن أن يكون اشتقاقها من هذا. وأود موضع. قال :

أَهَوّى أَرَاكَ برامَتَيْنِ وَقُودَا

أم بالجُنَيْنَةِ من مَدَافعِ أُودَا (١)

أور الهمزة والواو والراء أصلٌ واحد ، وهو الحرّ. قال الخليل : الأُوار حَرّ الشَّمس ، وحَرّ التَّنُّور. ويقال أرضٌ أَوِرَةٌ. قال : وربما جمعوا الأُوَارَ على الأُوَرِ. وأُوَارَةُ : مكان. ويوم أُوارةَ كان أنَّ عمرَو بنَ المنذرِ اللخمىَّ بَنَّى (٢) زُرارةَ بن عُدس ابناً له يقال له أَسعد ، فلما تَرَعرَع الغُلامُ مرّتْ به ناقةٌ كَوماءُ فرمى ضَرعَها ، فشَدَّ عليه ربُّها سُوَيْدٌ أحدُ بنى عبدِ الله بن دارم فقتله ، ثمّ هرب سُوَيدٌ فلحق مكّة ، وزُرارة يومئذٍ عند عمرو بن المنذر ، فكتَمَ قتْلَ ابنه أسعد ، وجاء عمرو بن مِلْقطٍ الطائىُّ ـ وكانت فى نفسه حَسيكةٌ على زُرارة ـ فقال :

مَنْ مُبْلِغٌ عَمْراً

فإنَّ المرءَ لم يُخْلَقْ صُبَارَهْ

ها إنّ عِجْزَةَ أُمِّه

بالسَّفح [أسْفَلَ] من أُوَارهْ (٣)

وحوادث الأيّام لا

يَبقَى لها إلّا الحجارَه (٤)

__________________

(١) البيت لجرير فى ديوانه ١٦٩ وأمالى القالى (٣ : ٧). يقول : أخيل إليك الهوى أنك ترى هذا الوقود للحبية فى تلك المواضع. والجنينة ، بلفظ تصغير الجنة. وفى الأمالى : بالجنهبة، محرفة.

(٢) كذا فى الأصل ، أراد جعله يتبناه. ولم أجد لهما سنداً. وانظر يوم أوارة فى كامل ابن الأثير ، والخزانة (٣ : ١٤٠ ـ ١٤٢) ، وكامل المبرد ٩٧ ليبسك ، والعمدة (٢ : ١٦٨).

(٣) العجزة ، بالكسر : آخر ولد الرجل. وقد عنى به أسعد أخا عمرو بن المنذر ، وبعد البيت كما فى الخزانة :

تسغى الرياح خلال كـ

؟ وقد سلبوا إزاره

(٤) بعده فى كامل المبرد والخزانة :

فأفعل زرارة لا أرى

في القوم أول من زواره

١٥٥

فقال عمرو بن المنذر : يا زُرارةُ [ما تقول؟ (١)]. قال : كذب ، وقد علمتَ عداوته لى ، قال : صدقْتَ. فلما جَنَّ عليه اللّيلُ اجلَوَّذَ (٢) زُرارة ولحق بقومه ، ثم لم يلبث أن مرِض ومات ، فلمّا بلغ عَمراً موتُه غزا بنى دارم ، وكان حَلَفَ ليقتُلنَّ منهم مائةً ، فجاء حتَّى أناخ على أُوارة وقد نَذِرُوا وفرّوا (٣) ، فقتل منهم تسعةً وتسعين ، فجاءه رجلٌ من البراجم شاعر ليمدحَه ، فأخذَهُ فقتله ليُوَفِّىَ به المائةَ ، وقال : «إنّ الشقىّ وافِدُ البَرَاجم». وقال الأعشى فى ذلك :

ونَكُونُ فى السَّلفِ الموا

زِى مِنقراً وبنى زرارة (٤)

أبناءَ قَومٍ قُتِّلُوا

يومَ القُصَيبةِ من أُوَارَهْ

والأُوَار : المكانُ (٥). قال :

مِن اللائِى غذِينَ بغير بُؤْسٍ

مَنَازِلُها القَصِيمةُ فالأُوَارُ (٦)

أوس الهمزة والواو والسين كلمة واحدة ، وهى العطيّة. وقالوا أُسْتُ الرّجُلَ أَؤُوسُه أَوساً أعطيته. ويقال الأُوْس العِوَض. قال الجعدىّ :

ثلاثةَ أهْلين أفنَيْتُهُمْ

وكان الإِله هو المستآسا (٧)

__________________

(١) التكملة من كامل ابن الأثير.

(٢) اجلوذ اجلواذا : أسرع.

(٣) يقال أنذره إنذارا أعلمه ، فنذر هو كعلم وزنا ومعنى.

(٤) فى الأصل : ويكون في التلف صوابه من ديوان الأعشى ١١٥ ومعجم البلدان (٧ : ١١٥) : وفى معجم البلدان : وتكون وكذا فى كامل المبرد ٩٧ : وتكون في الشرف وقبل هذا البيت بيتين :

لسنا نقاتل بالعصى ولا نرامي بالحجارة

(٥) الوجه : «مكان».

(٦) البيت لبشر بن أبى خازم فى المفضليات (٢ : ١٣٩). وفى الأصل : «القصيبة» صوابه من المفضليات ومعجم البلدان (الأوار ، قصيبة). وعلة التحريف التباسه بما مضى فى شعر الأعشى.

(٧) سبق الكلام على البيت فى مادة (أهل).

١٥٦

أى المُسْتَعاض. وأوسٌ : الذئب ، ويكون اشتقاقه مما ذكرناه ، وتصغيره أُوَيْس. قال:

* ما فَعَلَ اليومَ أُوَيْسٌ فى الغَنَمْ* (١)

أوق الهمزة والواو والقاف أصلان : الأول الثِّقل ، والثانى مكان منْهبط. فأمّا الأول فالأَوْق الثِّقَل. قال ابنُ الأعرابىّ : يقال آقَ عليهم ، أى ثقُل. قال :

سوائح آقَ عليهنَّ القَدَرْ

يَهْوِينَ من خَشْيَةِ مَا لَاقَى الأُخَرْ (٢)

يقول : أثقلهنَّ ما أَنْزَلَ (٣) بالأوَّل القَدَرُ ، فهن يَخَفْنَ مثلَه. قال يعقوب : يقال أوَّقت الإنسانَ ، إذا حَمَّلْتَه ما لا يُطيقه. وأما التّأويق فى الطَّعام فهو من ذلك أيضاً ؛ لأنّ على النفس منه ثِقَلاً ، وذلك تأخيره وتقليله. قال :

لقد كان حُتْرُوشُ بن عَزّة راضياً

سِوَى عَيْشِه هذا بعيشٍ مُؤَوَّقِ (٤)

وقال الراجز (٥) :

عَزَّ عَلَى عَمِّكِ أن تُؤَوَّقى

أو أَنْ تَبِيتِى ليلةً لم تُغْبَقِى

* أو أن تُرَىْ كَأَباءَ لمْ تَبْرَنْشِقِى*

__________________

(١) الرجز يروى لعمرو ذى الكلب ، أو لأبى خراش الهذلى ، كما فى شرح أشعار الهذليين للسكرى ٢٣٩. ونسب فى اللسان (عمم ، مرخ ، جول ، لجب ، حشك ، رخم ، شوى ، شرم) إلى عمرو ذى الكلب. وانظر أمالى ثعلب ص ٢٤٠ من المخطوطة.

(٢) فى الأصل : بالافي الأخر.

(٣) فى الأصل : «نزل».

(٤) فى الأصل : «خروه شر بن غرة» ، وأثبت ما فى اللسان (١١ : ٢٩٣). وصدره فيه : لو كان.

(٥) هو جندل بن المثنى الطهوى ، كما فى اللسان (كأب ، أوق ، برشق).

١٥٧

وأمّا الثّانى فالأُوقة ، وهى هَبْطَةُ يجتمع فيها الماء ، والجمْع الأُوَق قال رؤبة :

* وانغَمَس الرَّامِى لها بَيْنَ الأَوَقْ *

ويقال الأُوقة القَلِيب (١).

أول الهمزة والواو واللام أصلان : ابتداء الأمر ، وانتهاؤه. أما الأوّل فالأوّل ، وهو مبتدأ الشىء ، والمؤنَّثة الأولى ، مثل أفعل وفُعْلى ، وجمع الأُولَى أولَيات مثل الأخْرى. فأمّا الأوائل فمنهم من يقول : تأسيس بناء «أوّل» من همزة وواو ولام ، وهو القولُ. ومنهم مَن يقول : تأسيسُه من وَاوَينِ بعدهما لام. وقد قالت العربُ للمؤنَّثة أَوّلَةٌ. وجمعوها أَوَّلَات. وأنشد فى صفة جَمَلٍ :

آدَم معروف بأَوَّلاتِهِ

خالُ أبِيهِ لِبَنِى بَنَاتِهِ

أى خُيَلاءُ ظاهرٌ فى أولاده. أبو زَيد : ناقَةٌ أَوّلة وجمل أوّل ، إذا تقدّما الإبل. والقياس فى جمعه أَواوِل ، إلّا أنَّ كلَّ واوٍ وقعَتْ طرفا أو قريبةً منه بعد ألفٍ ساكنة قُلِبَتْ همزة. الخليل: رأيتُه عاماً أوَّلَ يا فَتى ؛ لأنَ أوّلَ على بناء أفْعل ، ومن نوَّن حَملَه على النكرة. قال أبو النَّجْم:

* ما ذَاقَ ثُفْلاً مُنْذُ عَامٍ أوَّلِ * (٢)

ابنُ الأعرابىّ : خُذْ هذا أوّلَ ذاتِ يَدَينِ. وأوَّلَ ذِى أوّل ،. وأُوَّلَ أوّل ، أى قَبْلَ كلِّ شئ. ويقولون : «أما أوَّل ذاتِ يدين فإنِّى أحمَدُ الله». والصَّلاة

__________________

(١) القليب : البئر التى لم تطو. وفى الأصل : «القلب».

(٢) البيت بدون نسبة فى اللسان (١٣ : ٨٩). وقبله :

يحلف بالله وإن لم يسأل

ضيفا والثفل بالضم : كل ما يؤكل من لحم أو خبز أو تمر.

١٥٨

الأُولى سمِّيت بذلك لأنّها أوّل ما صُلِّى. قال أبو زيد : كان الجاهليَّة يسمُّون يومَ الأحد الأَوّل. وأنشدوا فيه :

أؤَمّل أن أعِيشَ وأنَّ يَوْمِى

بأوَّلَ أوْ بأهْوَنَ أَو جُبَارِ (١)

والأصل الثَّانى قال الخليل : الأَيِّل الذّكَر من الوُعول ، والجمع أيائِل. وإنّما سمّى أَيِّلاً لأنّه يَؤُول إلى الجبل يتحصَّن. قال أبو النجم :

كأنَّ فى أذْنابِهِنَّ الشُّوَّلِ

مِنْ عَبَسِ الصَّيفِ قُرُونَ الأَيِّلِ (٢)

شبّه ما التزَقَ بأذنابهنّ من أبعارِهنّ فيَبِس ، بقرون الأوعال. وقولهم آل اللّبنُ أى خَثُر من هذا الباب ، وذلك لأنه لا يخثر [إلَّا] آخِر أمْرِه. قال الخليل أو غيرُه : الإيال على فِعالٍ : وعاءٌ يُجمع فيه الشَّرابُ أيّاماً حتّى يَجُود. قال :

يفُضّ الخِتامَ وقد أزْمَنَتْ

وأَحْدَثَ بعدَ إيالٍ إِيالا (٣)

وآلَ يَؤُول أى رجع. قال يعقوب : يقال

«أَوَّلَ الحُكمَ إلى أهْلِه»

أى أرجَعه ورَدَّه إليهم. قال الأعشى :

* أُؤَوِّلُ الحُكْمَ إلى أهلِهِ* (٤)

__________________

(١) البيت فى اللسان (هون ، جبر ، دبر ، أنس ، عرب ، شير). وانظر الأزمنة والأمكنة (١. ٢٦٨ ـ ٢٧١). وبعد البيت :

أو التالى ديار فإن يفتني

فؤنس أو هروية أو شيار

وبسجل هذان البيتان أسماء أيام الأسبوع فى الجاهلية مرتبة من الأحد إلى السبت.

(٢) البيتان فى اللسان (١٣ : ٣٤ ، ٣٩٧ ـ ٣٩٨ / ٨ : ٢) وروى فى (١٣ : ١١) : على إبدال الياء جيما.

(٣) رواية اللسان (١٣ : ٣٦) : ففت الحتام.

(٤) فى الأصل : وأول الحكم ، صوابه من الديوان ١٠٦ ، وإنشاده فيه :

أؤول الحكم على وجهه

ليس فضائي بالهوى الجائر

وفى هذه القصيدة :

إن ترجع الحكم إلى أهله

فلست بالمستى ولا النائر

١٥٩

قال الخليل : آلَ اللّبَنُ يَؤُولُ أَوْلاً وأَوُولاً (١) : خَثُرَ. وكذلك النبات. قال أبو حاتم : آلَ اللَّبَنُ على الإصبع ، وذلك أن يَرُوب فإذا جعلت فيه الإصبعَ قيل آلَ عليها. وآلَ القَطِران ، إذا خَثُرَ. وآلَ جِسمُ الرّجل إذا نَحُفَ. وهو من الباب ، لأنّه يَحُورُ ويَحْرِى ، أى يرجعُ إلى تلك الحال. والإِيالة السِّياسةُ من هذا الباب ، لأن مرجعَ الرّعيةِ إلى راعيها. قال الأصمعى : آلَ الرّجلُ رعِيّتَه يَؤُولُها إذا أحْسَنَ سياستَها. قال الراجز :

* يَؤُولُها أوَّلُ ذى سِياس*

وتقول العرب فى أمثالها : «أُلْنَا وإيلَ عَلَيْنا» أى سُسْنا وساسَنا غيرُنا.

وقالوا فى قول لبيد :

* بِمُؤَتَّرٍ تأتألُه إبْهَامُهَا* (٢)

هو تفتعل من ألْتُهُ أى أصلحته. ورجل آيل مالٍ ، مثال خائل مال ، أى سائسه. قال الأصمعىّ : يقال رددته إلى آيلته أى طَبْعه وسُوسه. وآلُ الرّجُلِ أهلُ بيتِه من هذا أيضاً لأنه إليه مآلُهم وإليهم مآلُه. وهذا معنَى قولهم يالَ فلان. وقال طَرَفة :

تحسِبُ الطَّرْفَ عليها نَجْدَةً

يالَ قَوْمِى للشّبابِ المُسْبَكِرّ (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «وأولا» ، صوابه من اللسان (١١ : ٣٧ س ١٩ ـ ٢٠).

(٢) من معلقته. وصدره :

بصبوح صافية وجذب كرينة

وانظر ما سبق من كلام ابن فارس على البيت فى (أتى ص ٥١).

(٣) ديوان طرفة ٦٤.

١٦٠