معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - ج ١

أبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - ج ١

المؤلف:

أبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي


المحقق: مصطفى السقا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

مرّة بن مالك بن نهد ، وأخ له آخر ، له اسم غير مرّة ، فسماهما المرّتين بأحدهما ، وقال عمرو بن معد يكرب الزّبيدىّ :

لقد كان الحواضر ماء قومى (١)

فأصبحت الحواضر ماء نهد

وقال هبيرة بن عمرو النّهدى ، وهو يذكر قبائل مذحج وخثعم ، وتنمّرهم لهم ، وتوعّدهم إياهم :

وكندة تهذى بالوعيد (٢) ومذحج

وشهران من أهل الحجاز وواهب (٣)

قال : ونزلت خثعم السّراة قبل نهد.

قال : فكثرت بطون جرم ونهد بها وفصائلهم ، فتلاحقوا ، فاقتتلوا وتفرّقوا ، وتشتّت أمرهم ، ووقع الشرّ بينهم ، وفى ذلك يقول أبو ليلى النّهدى ، وهو خالد بن الصّقعب ، جاهلىّ :

أتعرف الدار قفرا أم تحيّيها

أم تسأل الدار عن أخبار أهليها

دار لنهد وجرم إذ هم خلط

إذ العشيرة لم تشمت أعاديها

حتّى رأيت سراة الحىّ قد جنحت

تحت الضّبابة ترمينا ونرميها

وأصبح الودّ والأرحام بينهم

زرق الأسنّة مجلوزا نواحيها

إذ لا تشايعنى نفسى لقتلهم

ولا لأخذ نساء الهون أسبيها

فلحقت نهد بن زيد ببنى الحارث بن كعب ، فحالفوهم وجامعوهم ، ولحقت جرم بن ربّان ببنى زبيد ، فحالفوهم وصاروا معهم ، فنسبت كلّ قبيلة مع حلفائها ، يغزون معهم ، ويحاربون من حاربهم ، حتى تحاربت بنو الحارث وبنو زبيد ، فى الحرب التى كانت بينهم ، فالتقوا وعلى بنى الحارث عبد الله بن عبد المدان ، وعلى

__________________

(١) فى س ، ق : «هند».

(٢) تقدم فى صفحة ١٦ «تهدى لى».

(٣) تقدم فى صفحتى ١٦ ، ٣٣ «واهب». وفى صفة جزيرة العرب للهمدانى : «راهب».

٤١

بنى زبيد عمرو بن معد يكرب الزّبيدىّ ، فتعبّى القوم ، فعبيت جرم لنهد ، وتواقع الفريقان ، فاقتتلوا ، فكانت الدّبرة يومئذ على بنى زبيد ، وفرّت جرم من حلفائها من زبيد ، فقال عمرو بن معد يكرب فى ذلك ، وهو يذكر جرما وفرارها عن زبيد :

لحا الله جرما كلّما ذرّ شارق

وجوه كلاب هارشت فازبأرّت

ظللت كأنّى للرماح دريّة

أقاتل عن أبناء جرم وفرّت

ولم تغن جرم نهدها إذ تلاقتا

ولكنّ جرما فى اللّقاء ابذعرّت (١)

فلحقت (٢) جرم بنهد ، وحالفوا فى بنى الحارث ، وصاروا يغزون معهم إذا غزوا ويقاتلون معهم من قاتلوا ، فقال فى ذلك عمرو بن معد يكرب ـ قال ابن الكلبىّ : أنشدنيها أسعر بن عمرو الجعفىّ ، قال : أنشدنيها خالد بن قطن الحارثى :

قل للحصين إذا مررت به

أبصر إذا راميت من ترمى

تهدى الوعيد لنا وتشتمنا

كمعرّض بيديه للدّهم

أرأيت إن سبقت إليك يدى

بمهنّد يهتزّ فى العظم

هل يمنعنّك إن هممت به

عبداك من نهد ومن جرم

قصيدة طويلة.

وقال خالد بن الصّقعب النّهدىّ فيما كان بين نهد وجرم :

عقدنا بيننا عقدا وثيقا

شديدا لا يوصّل بالخيوط

فتلك بيوتنا وبيوت جرم

تقارب شعر ذى الرأس المشيط

إذا ركبوا ترى نفيان خيل

مضرّجة بأبدان شميط

__________________

(١) ابذعرت : تفرقت.

(٢) فى ج : «فحلفت» ، وهو تحريف.

٤٢

ويؤويها الصّريخ إلى طحون

كقرن الشّمس أو كصفا الأطيط (١)

فلم تزل جرم ونهد بتلك البلاد وهى على ذلك الحلف ، حتى أظهر الله الإسلام ، ومن هنالك هاجر من هاجر منهم ، وبها بقيّتهم.

وأقامت قبائل سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، بمنازلها من وادى القرى والحجر والجناب وما والاها من البلاد ، فانتشروا فيها ، وكثروا بها ، وتفرّقوا أفخاذا وقبائل ، فكان فى عذرة بن سعد ـ وأمّه : عاتكة بنت مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر ـ العدد والشّرف ، ومنهم رزاح بن ربيعة ، أخو قصىّ بن كلاب لأمّه ، وفيهم كان بيت بنى عذرة بن سعد ـ وأمّه : فاطمة بنت سعد بن سيل.

قال : وكان أهل وادى القرى وما والاها اليهود يومئذ ، كانوا نزلوها قبلهم على آثار من آثار ثمود والقرون الماضية ، فاستخرجوا كظائمها ، وأساحوا عيونها ، وغرسوا نخلها وجنانها ، فعقدوا بينهم حلفا وعقدا ، وكان لهم فيها على اليهود طعمة وأكل فى كلّ عام ، ومنعوها لهم من العرب ، ودفعوا عنها قبائل بلىّ ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، وغيرهم من القبائل.

وقد كان النّعمان بن الحارث الغسّانىّ أراد أن يغزو ووادى القرى وأهله (٢) ، وأجمع على ذلك ، فلقيه نابغة بنى ذبيان ، واسمه زياد بن معاوية ، فأخبره خبرهم ، وحذره إياهم ، ليصدّه عنهم ، وذكر بأسهم وشدّتهم ومنعهم بلادهم ، ودفعهم عنها من أرادها ، وقال فى ذلك.

لقد قلت للنّعمان يوم لقيته

يريد بنى حنّ ببرقة صادر

تجنّب بنّى حنّ فإنّ لقاءهم

كريه وإن لم تلق إلّا بصابر

__________________

(١) صفا الأطيط : موضع ورد فى شعر امرئ القيس.

(٢) كذا فى س وق. وفى ج : «وأهلها».

٤٣

هم قتلوا الطائىّ بالحجر عنوة

أبا جابر واستنكحوا أمّ جابر

وهم ضربوا أنف الفزارىّ بعد ما

أتاهم بمعقود من الأمر فاقر

وهم منعوها من قضاعة كلّها

ومن مضر الحمراء عند التغاور

وهم طرّفوا (١) عنها بليّا فأصبحت

بلىّ بواد من تهامة غائر (٢)

فتطمع فى وادى القرى وجنوبه

وقد منعوه من جميع المعاشر

وهم منعوا وادى القرى من عدوّهم

بجمع مبير للعدوّ المكاثر

أبو جابر : ابن الجلاس بن وهب بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك ابن جدعاء بن ذهل بن رومان الطائى. وبنوحنّ بن ربيعة بن حرام بن ضنّة : من بنى عذرة بن سعد هذيم.

فلم يزالوا على ذلك ، قد منعوا تلك البلاد ، وجاوروا اليهود فيها ، حتّى قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم : جمرة (٣) بن النّعمان بن هوذة بن مالك ابن سمعان (٤) بن البيّاع بن دليم بن عدىّ بن حزّاز بن كاهل بن عذرة ، فجعل له رمية سوطه ، وحضر فرسه ، من وادى القرى ، وجعل لبنى عريض من اليهود تلك الأطعمة التى ذكرنا فى كلّ عام ، من ثمار الوادى ، وكان بنو عريض أهدوا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم خزيرا أو هريسة وامتدحوه ، فطعمة بنى عريض جارية إلى اليوم ، ولم يجلوا فيمن أجلى من اليهود.

قال هشام : حدّثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصارى ثم العجلانى ، عن إبراهيم بن البكير البلوىّ ، عن يثربىّ بن أبى قسيمة السّلامانى ، عن أبى

__________________

(١) كذا فى الأصول وفى العقد الثمين : «طردوا».

(٢) كذا فى ق والعقد الثمين. وفى ج : «عائر» بعين مهملة.

(٣) كذا فى ق وتاج العروس فى مادة «جمر». والاصابة لابن حجر وقد ذكره مرة أخرى فى «حزز» هكذا : «حمزة بن النعمان العذرى» وهو سهو منه.

(٤) كذا فى المواهب اللدنية وشرحها. وفى الأصول : «سنان».

٤٤

خالد السّلامانى ، قال : خرج رجل من مداش ـ ومداش بن شقّ بن عبد الله ابن دينار (١) بن سعد هذيم ـ يقال له ورد ، فلقى جمرة بن النّعمان بعد أن أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادى ، فكسر عصا كانت بيد جمرة ، فاستأدى (٢) جمرة عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : دعوا أسد الهورات (٣) ، فأقطعه حائطا بوادى القرى ، يقال له حائط المداش.

وكانت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وجرم بن ربّان ، وعصيمة بن اللّبو بن امرئ مناة بن فتية (٤) بن النّمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان ، بمنازلها من حضن ، وما والاها من ظواهر أرض نجد ، ينتجعون البلاد ، ويتّبعون مواقع القطر ، حتّى انتشرت قبائل بنى نزار بن معدّ وكثرت ، وخرجت من تهامة إلى ما يليها من نجد والحجاز ، فأزالوهم عن منازلهم ، ورحّلوهم عنها ، ونافسوهم فيها ، فتفرّقوا عنها فظعنت جرم بن ربّان عن مساكنهم ، من حضن وما قاربه ، فتوجّهت طائفة منهم إلى ناحية تيماء ووادى القرى ، مع بنى نهد بن زيد ، وحوتكة بن سود بن أسلم ، فصاروا أهلها وسكّانها ، فلم يزالوا بها حتّى وقعت بينهم وبين قبائل سعد هذيم ابن زيد حرب ، فأخرجوهم بنو سعد منها ، فلحقوا ببلاد اليمن. وقد

__________________

(١) كذا فى ج. وفى س ، ق : «ذبيان».

(٢) استأدى : بمعنى استعدى ، أبدلت الهمزة من العين.

(٣) الهورات : جمع هورة ، بمعنى الهلكة

(٤) قال فى هامش سن : فتية مخفف ، ضبطناه عن الكلبى. وفى جدول التصحيحات فى ج : «قتيبة» ، وقد تبعناه فيما تقدم بصفحة ٢٥ من هذه الطبعة ، ونبهنا على روايتى س ، ق بالهامش.

٤٥

فسّرنا أمرهم فى حربهم ، ومسيرهم إلى اليمن ، ومقامهم هنالك ، فى مقدّم حديث قضاعة وتفرّقهم.

وسارت ناجية بن جرم ، وراسب بن الخزرج بن جدّة بن جرم ، وقدامة بن جرم ، وملكان بن جرم ، متوجّهين إلى عمان ، فمرّوا باليمامة ، فأقامت طائفة منهم بها ، ومضت جماعتهم حتّى قدموا عمان ، فجاوروا الأزد بها ، وأقاموا معهم ، وصاروا من أتلاد عمان ، الذين فيها ، وفيه يقول المتلمّس :

إنّ علافّا ومن بالطّود من حضن

لمّا رأوا أنّه دين خلابيس

ردّوا إليهم جمال الحىّ فاحتملوا

والضّيم ينكره القوم المكاييس (١)

ويقال إن سامة بن لؤىّ بن غالب القرشىّ ، خرج من الحرم ، فنزل عمان ، وبها تزوّج امرأته الجرميّة ، التى منها ولده ، وهى ناجية بنت جرم ، فيما ذكر الكلبىّ ، وجرم يقولون : ناجية بن (٢) جرم تزوّج هند بنت (٣) سامة ابن لؤىّ. وقال غير الكلبىّ : هى (٤) ناجية بنت الخزرج بن جدّة بن جرم.

__________________

(١) الدين : الجزاء. والخلابيس جمع خلباس أو خلبيس أو لا مفرد له : وهو الكذب والأمر الذي لا يجرى على استواء. ورواية هذين البيتين فى تاج العروس هكذا

إن العلاف ومن باللوذ من حضن

لما رأو أنه دين خلابيس

شدوا الجمال بأكوار على عجل

والظلم ينكره القوم المكاييس

(٢) كذا فى س ، ق. وفى ج : «ناجية بنت جرم تزوج الحارث بن سامة». وفى المقتضب ، من كتاب جمهرة النسب ، لياقوت بن عبد الله الحموى ، المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية برقم ١٠٥ تاريخ ، الورقة ١٣ ما نصه : «وولد سامة بن لؤى الحارث وغالبا. وأم غالب ناجية بنت جرم بن ربان من قضاعة. فهلك غالب وهو ابن اثنتى عشرة سنة ، فولد الحارث بن سامة لؤيا وعبيدة وربيعة وسعدا ـ وأمهم سلمى من بنى فهر ـ وعبد البيت ، وأمة ناجية ، خلف عليها بعد أبيه نكاح مقت». وفى الأغانى ج ١٠ ص ٢٠٤ : «وكان بنو ناجية ارتدوا عن الإسلام ، ولما ولى على بن أبى طالب رضى الله عنه الخلافة دعاهم إلى الإسلام ، فأسلم بعضهم ، وأقام الباقون على الردة ، فسباهم واسترقهم ، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة منه ... الخ».

(٣) «هى» : ساقطة من ج.

٤٦

فصار بنو سامة بن لؤىّ بعمان حيّا حريدا شديدا ، ولهم منعة وثروة ، يقال لهم بنو ناجية ، وفى ذلك يقول المسيّب بن علس الضّبعىّ :

وقد كان سامة فى قومه

له مأكل وله مشرب

فساموه خسفا فلم يرضه

وفى الأرض عن خسفهم مذهب

فقال لسامة إحدى النّسا

ء مالك يا سام لا تركب

أكلّ البلاد بها حارس

مطلّ وضرغامة أغلب

فقال بلى إنّنى راكب

وإنّى لقومى مستعتب

فشدّ أمونا بأنساعها

بنخلة إذ (١) دونها كبكب

فجنّبها الهضب تردى به

كما شجى القارب الأحقب (٢)

فلمّا أتى بلدا سرّه

به مرتع وبه معزب (٣)

وحصن حصين لأبنائهم

وريف لعيرهم (٤) مخصب

تذكّر لما ثوى قومه

ومن دونهم بلد غرّب (٥)

فكرّت به حرج ضامر

فآبت به صلبها أحدب

فقال ألا فابشروا واظعنوا

فصارت علاف ولم يعقبوا

ولم ينه رحّلتهم فى السّما

ء نحس الخراتين (٦) والعقرب

فبلّغه دلج دائب

وسير إذا صدح الجندب

__________________

(١) فى س ، ق «أو» بدل «إذ».

(٢) فى ج : «شجر» وهو تحريف.

(٣) كذا فى س ، ج. وفى ق : «معذب».

(٤) فى ج : «لإبلهم».

(٥) فى ج : «عزب».

(٦) الخراتان : نجمان.

٤٧

فحين النهار يرى شمسه

وحينا يلوح لها (١) كوكب

وهى طويلة.

ولحق بهم فيما يقال ، والله أعلم ، بنو فدىّ بن سعد بن الحارث بن سامة ابن لؤىّ ، فانتسبوا إليهم. وكان فدىّ بن سعد قتل ابن أخ له ، يقال له حمرة (٢) بن عمرو بن سعد ، ثم لحق باليحمد بن حمّى بن عثمان بن نصر بن زهران من الأزد. وقال عدىّ بن وقّاع (٣) العقوىّ ـ وهو من العقاة من الأزد ، واسم العقى : منقذ بن عمرو بن مالك بن فهم ، وإنّما سمّى العقى لأنّه قتل أخاه جرموزا ، فقيل عقّه (٤) ، فسمّى لقتله إيّاه العقى ـ فقال فى شأن جرم ونزولهم عمان ، ووقعة كانت هنالك (٥) بينهم :

ناج (٦) ابن جرم فما أسباب جيرتكم

بنى قدامة إن مولاهم فسدا

دليتموهم بأمراس لمهلكة

جرد تبيّن فى مهواتها جردا

أخرجتموهم من الأحرام فانتجعوا

يبغون خيرا فلاقوا نجعة حشدا

__________________

(١) فى ج : «بها».

(٢) فى ج : «حمزة» بالزاى ، وهو تحريف.

(٣) فى ج : «رقاع» ولعله تحريف. وهذا غير عدى بن الرقاع العاملى الطائى الشاعر المشهور.

(٤) قال ابن دريد فى الاشتقاق : «العقى [بوزن ملح] هو الحارث بن مالك ، يقال لولده العقاة : والعقى : أول ما يطرحه الصبى من بطنه إذا ولد. ولا تلتفت إلى قول ابن الكلبى : قد عق أباه فسمى عقيا».

(٥) فى ج : «هناك».

(٦) كذا فى س ، ق وناج بن جرم ، أصله ناجية بن جرم ، رخمه الشاعر بحذف التاء أولا ، ثم حذف الياء ؛ وقد أجاز بعض النحاة حذف ما قبل التاء معها عند الترخيم ، فقد قالوا فى أرطاة : يا أرط ، وفى حارثة : يا حار. وإذا حذف ما قبل التاء فلا تتعين فى الباقى من المنادى لغة من ينتظر المحذوف ، ولذلك ضبطناه بالكسر على الأصل ، انتظارا للمحذوف ، وبالضم على لغة من لا ينتظر (انظر شرح الأشمونى وحاشية الصبان فى باب الترخيم). وقد ورد هذا الاسم فى ج هكذا : «ماج» بصورة الفعل الماضى ، وهو تحريف.

٤٨

إلى عمان فداستهم كتائبنا

يوم الرّئال فكانوا مثل من (١) حصدا

وانحازت كلب من منازلها التى كانوا بها ، من حضن وما والاه (٢) ، إلى ناحية الرّبذة وما خلفها ، إلى جبل طميّة ، وفى ذلك يقول زهير بن جناب الكلبىّ وهو يوصى بنيه ، ويذكر منزله طميّة :

أبنىّ إن أهلك فإنّى

قد بنيت لكم بنيّه

وتركتكم أرباب سا

دات زنادكم وريّه

ولكلّ (٣) ما نال الفتى

قد نلته إلّا التّحيّه

ولقد شهدت النّار للسّلّاف (٤) توقد فى طميّه يعنى يوم خزاز (٥) حين أوقدوا.

فوقعت بين قبائل كلب حرب ، فاقتتلوا ، فكانت كلب كلّها يدا على بنى (٦) كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور ابن كلب ، فظهرت بنو كنانة كلّها.

قال هشام : الصحّة من ذلك أن عامر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة ، وعبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف وأحلافهم ، كانوا يدا على بنى

__________________

(١) فى ج : «ما».

(٢) فى ج : «والاها».

(٣) فى لسان العرب : «من كل».

(٤) السلاف : المتقدمون ، جمع سالف ، والمراد سلاف الجيوش أو القبائل التى تحاربت يوم خزاز. وفى لسان العرب : «للأسلاف» ، وهو بمعناه. وفى شرح المفضليات لابن الأنبارى : «للأضياف» وفى ج : «للسلان» ، وهو تحريف.

(٥) خزاز (بوزن سحاب) أو خزازى (بوزن حبالى) : جبل بين منعج وعاقل ، بازاء حمى ضرية ، ويوم خزاز كان بين اليمن ومضر ، وقد جمع كليب وائل ربيعة للحرب ، وعلوا خزازا ، وأوقدوا عليه ليهتدى الجيش بناره.

(٦) «بنى» : ساقطة من ج.

٤٩

كنانة وأحلافها (١) ، فظهرت بنو كنانة على هاتين العمارتين : بنى عامر وبنى عبد الله. وفى ذلك اليوم تحالفت أحلاف كلب كلّها ، فتفرّقت كلب كلّها ، وتباينت فى ديارها ومنازلها.

فظعنت قبائل من بنى (٢) عامر بن عوف بن بكر إلى أطراف الشام وناحية تيماء ، فيمن لحق بهم وكان معهم. وليست لعامر بادية.

ونزلت كلب ومن حالفهم وصار معهم من قبائل كلب ، بخبت دومة ، إلى ناحية بلاد طيّئ ، من الجبلين وحيّزهما ، إلى طريق تيماء ؛ وبدومة غلبهم (٣) بنو عليم بن جناب ، فقال أوس بن حارثة بن أوس الكلبىّ ، جاهلىّ ، فى الخرب التى كانت بينهم :

سقنا رفيدة حتّى احتلّ أوّلها

تيماء يذعر من سلّافها جدد

سرنا إليهم وفينا كارهون لنا

وقد يصادف فى المكروهة الرّشد

حتّى وردنا على ذبيان ضاحية

إنّا كذاك على ما خيّلت نرد

قال هشام عن الشّرقىّ : وكان أوّل بيت فى قضاعة ، فى حنظلة بن نهد ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، وكان صاحب فتاحتهم (٤) ، وهو حكمهم الذي يحكم بينهم ، وله يقول القائل :

حنظلة بن نهد

خير ناش فى معدّ

وكان وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مرض

__________________

(١) فى ج : «وأحلافهم».

(٢) «بنى» ساقطة من س ، ق.

(٣) «غلبهم» : ساقطة من س ، ق.

(٤) الفتاحة (بضم الفاء وكسرها) : الحكم فى الخصومات.

٥٠

مرضة ، فرفع يده إلى السماء ، فقال : اللهمّ أدلنى (١) من نهد ، وأدل بنىّ من بنى نهد. قال : وعزّ قضاعة يومئذ وشرفها فى بنى نهد ؛ وكان حنظلة بن نهد صاحب فتاحة تهامة ، وصاحب العرب بعكاظ ، حين تجتمع فى أسواقها ، فتحوّل ذلك إلى كلب بن وبرة ، فكان أوّل كلبىّ جمع كلبا وضربت عليه القبّة ، عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور ابن كلب ، ودفع إليه ود (٢). ثم ضربت من بعده على ابنه عبد ودّ بن عوف ، ودفع الصّنم إلى أخيه عامر الأجدار بن عوف. ثم ضربت من بعده على الشّجب بن عبد ودّ بن عوف. ثم ضربت من بعده على ابنه عبد الله بن الشجب. ثم ضربت على ابنه عامر بن عبد الله ، وهو المتمنّى. ثم تحوّل البيت والشرف إلى زهير بن جناب ، فلم يزل فيه عمره حتّى هلك. ثم تحوّل إلى عدّىّ بن جناب ، فكان منهم فى الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدىّ بن جناب : ثم تحوّل إلى ابنه ثعلبة. ثم إلى عمرو بن ثعلبة ، فهو فيهم إلى اليوم.

وقال الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمدانى فى تفرّق قضاعة : إن عامرا ماء السماء بن حارثة ، جرّد وندب إلى الشام ، بأمر الملك الملظاط بن عمرو ، أحياء قضاعة ، وولّى عليهم زيد بن ليث بن سود ، فلما صاروا بالحجاز يريدون الشام ، اختلفوا على أميرهم زيد بن ليث ، فافترقوا عنه ، فمنهم من رجع إلى اليمن ، ونسلهم بها إلى اليوم ، وهم خولان ومهرة ومجيد ؛ ومنهم من نزل الحجاز ، ونسلهم بها إلى اليوم ، وهم بلىّ وبهراء ابنا عمرو ، وأقام زيد أيضا بالحجاز ،

__________________

(١) أدلنى : اجعل لى دولة ، أى غلبة.

(٢) ود (بفتح الواو وتضم) : صنم كان لقوم نوح. وصنم لكلب بدومة الجندل ، وصنم لقريش ، ومنه سمى عبدود. ومنهم من يهمزه فيقول : ، أد ، ومنه سمى أد بن طابخة ، وأدد جد معد بن عدنان (انظر تاج العروس).

٥١

فافترق بها نسله : من سعد وعذرة ، وجهينة ، ونهد. فأمّا نهد فارتفعت إلى نجد العليا ، وقد كانت دهرا بتهامة ، وأمّا من مضى من قضاعة إلى الشام ومصر والبحرين ، فنسله بها إلى اليوم ، وهم كلب بن وبرة ، وتنوخ ، وسليح ، وخشين ، والقين.

تفرق سائر ولد معدّ

قالوا : وأقام ولد معدّ بن عدنان ومن كان معهم من أولاد أدد أبى عدنان ابن أدد ، بعد خروج قضاعة من تهامة ، فى بلادهم وديارهم وأقسامهم ، التى صارت لهم ، ما شاء الله أن يقيموا.

ثم قاتلت مضر وربيعة ابنا نزار ، ولد قنص بن معدّ ، فأخرجوهم من مساكنهم ومراعيهم ، وغلبوهم (١) على ما كان بأيديهم ، فانحاز ولد سنام بن معد إلى ما يليهم من البلاد ، وتفرّقت طوائف من أولاد قنص بن معدّ فى العرب وبلادها ، وظعن أكثرهم مع الحيقان بن الحيق ، أحد بنى عمم بن قنص بن معدّ ، فى آثار مالك بن زهير بن عمرو بن فهم ، ومن كان معه من قضاعة ، حتى قدموا عليهم البحرين ، فأقاموا بها معهم ، وتنخوا بها مع جماعتهم ، ثم ظعنوا منها إلى السّواد : سواد العراق ، يطلبون الرّيف والمتّسع والمعاش ، فوجدوا النّبط الأرمانيّين ، وهم من ملوك الطوائف ، فأجمع الأرمانيّون والاردوانيّون على تلك القبائل من ولد معدّ ، فقتلوهم ودفعوهم عن بلادهم ، فارتفعوا عن سواد العراق ، فصاروا أشلا ، فهم أشلاء قنص بن معدّ. وأقام طائفة منهم بناحية الأنبار والحيرة ، وسكنوهما ، ومنهم كان ملوك آل نصر بن ربيعة بن عمرو بن

__________________

(١) فى ج : «وغالبوهم».

٥٢

الحارث بن شعوذ (١) بن مالك بن عمم بن قنص بن معدّ ، رهط النّعمان بن المنذر ابن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدىّ بن نصر بن ربيعة ، ملك العرب بالعراق.

قال هشام : هو عمم بن نمارة بن لخم ، وهو الحقّ. وقال الكلبىّ : لو كان كما يقولون لقالته العرب فى أشعارها (٢) ، وهجوا به النعمان وهو يسومهم العذاب ، وما وجدوا فيه أبنة إلّا الصائغ ، فسبّوه به.

[تداخل بعض القبائل فى بعض]

قال : فلما رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفرقة ، وتنافس الناس فى الماء والكلأ ، والتماسهم المعاش فى (٣) المتّسع ، وغلبة بعضهم بعضا على البلاد والمعاش ، واستضعاف القوىّ الضعيف ، انضمّ الذليل منهم إلى العزيز ، وحالف القليل منهم الكثير ، وتباين القوم فى ديارهم ومحالّهم ، وانتشر كلّ قوم فيما يليهم.

فتيامنت عكّ بن الدّيث بن عدنان بن أدد ، فيمن كان معهم ولحق بهم ، إلى غور تهامة (٤) اليمن ، فنزلوا فيما بين جبال السّروات وما يليها من جبال اليمن ، إلى أسياف البحر ، فى الكلأ والماء والمزدرع والمتّسع ، وصاروا فيما هنالك بين البحر والجبل ، متنكّبين لمقانب العرب فى سراياهم ، معتزلين لحربهم وتغاورهم. والأشعرون متيامنون ، ينتسبون إلى أدد بن زيد بن (٥)

__________________

(١) كذا فى تاج العروس والروض الأنف. وفى الأصول : «سعود».

(٢) فى ج : «فى أشعارهم».

(٣) فى ج : «والمتسع».

(٤) فى س : «تهامة من اليمن».

(٥) «بن زيد» : ساقطة من ج.

٥٣

يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، مقيمون على ذلك. وعكّ أكثرهم على نسبهم إلى عدنان ، وطائفة منهم متيامنة إلى قحطان.

قال ابن الكلبىّ : حدثنى غياث بن إبراهيم ، عن زيد بن أسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأشعريّين حين قدموا عليه : «أنتم مهاجرة اليمن من ولد إسماعيل». وقال العباس بن مرداس وهو يفاخر عمرو بن معد يكرب بقبائل معدّ ، ويعتزى إليهم :

وعكّ بن عدنان الذين تلقّبوا

بغسّان حتّى طرّدوا كلّ مطرد

وقال شاعر عكّ يفخر بنسبه إلى عدنان :

وعكّ بن عدنان أبونا ، ومن يكن

أباه أبونا يغلب الناس سوددا

قال هشام : إنما تنسب عكّ إلى عدنان بن أدد لاسم عدنان ، وليس هو كما ذكروا(١).

وتيامنت شقرة وشقحب بنو نبت بن أدد وقبائل من أولاد عدنان ، إلى بلاد اليمن وتهامة ، ولحقوا بأهلها ، فصاروا فى قبائلها وعمائرها ، وأقاموا معهم ، وانتسبوا إليهم ، فدخلت شقحب فى أحاظة (٢) ، من ذى الكلاع من حمير ، وفيهم تقول العرب : والله لكأنما ترانى رجلا من أحاظة ، مثلا تضربه فى تباعد

__________________

(١) اختلف النسابون فى «عدنان» المذكور هنا فى نسب عك ، فقال بعضهم : هو «عدنان» بالثاء المثلثة ، بوزن عثمان ، وهو ابن عبد الله بن الأزد ، من قحطان ، وليس هو «عدنان» بالنون ، من ولد إسماعيل. وقال قوم : هو «عدنان» بالنون ، ابن عبد الله بن الأزد. قاله ابن دريد فى الاشتقاق ، وابن حبيب النسابة ، وشيخ الشرف ابن أبى جعفر البغدادى. وقال فريق منهم : هو عدنان من بنى إسماعيل ، أبو معد وعك ، وإن عكا صاروا إلى اليمن. وهو قول الليث ، وابن قتيبة فى المعارف ، ومحمد بن سلام فى الطبقات. (انظر تاج العروس فى «عك»).

(٢) فى ج : «أحاطة» بالطاء المهملة ، هنا وفيما يأتى قريبا ، وهو تحريف.

٥٤

الرحم. ولحقت شقرة بمهرة بن حيدان من قضاعة. وتيامنت نبت بن نبت (١) ابن أدد إليهم.

قال هشام : وكلّ هؤلاء دخلاء فيمن سمّينا ، حلفاء لا ينسبون فيهم.

وتيامنت قبائل من أولاد معدّ بن عدنان ؛ وتفرّقوا فى بلاد العرب ، ولحقوا بأهلها ، فيقال والله أعلم : إنّ مهرة بن حيدان بن معدّ.

قال : وصار بنو مجيد بن حيدة بن معدّ فى الأشعريّين قبيلة من قبائلهم ، يقولون : مجيد بن الحنيك بن الجماهر بن الأشعر (٢) ، ولهم يقول الشاعر :

أحبّ الأشعرين لحبّ ليلى

وأكرمهم علىّ بنو مجيد

وقال آخرون : هم فى عكّ بن الدّيث (٣) ، وهم فيهم بنو عمرو بن الحيّاد. ولحق بهم جنيد بن معدّ ، فهم فى عكّ.

وصار بنو عبيد الرّمّاح بن معدّ فى بنى مالك بن كنانة بن خزيمة ، وهم رهط إبراهيم بن عربىّ (٤) بن منكث ، عامل عبد الملك بن مروان على اليمامة ، من بنى عبيد الرّمّاح ، فيما يزعمون.

وصار عوف بن معدّ فى عضل بن محلّم بن حلمة بن الهون بن خزيمة بن مدركة.

__________________

(١) هذه الكلمة «بن نبت» : ساقطة من ج.

(٢) ويقول الهمدانى : إن مجيد بن حيدان ممن أخلت به النساب من قضاعة ، وهموا فأدخلوهم فى بطون الأشعر ، لقرب الدار من الدار. (انظر تاج العروس).

(٣) عك : هو الحارث بن الديث بن عدنان ، فى قول نقله الصاغانى عن بعض النسابين. وخطأه صاحب تاج العروس. قال : والصواب أن الحارث هو ابن عدنان حقيقة ، ولقبه عك ، واشتهر به. وأما «الديث» هكذا هو بالمثلثة ، وعند النسابين : «الذيب» ، فإنه ابن عدنان ، أخو الحارث المذكور. (تاج العروس).

(٤) فى بعض روايات الطبرى : «عدى».

٥٥

قال هشام : لا أعرف لعوف ولدا.

ودخلت جنادة بن معدّ وقناصة بن معدّ فى السّكون ، فهم ، فيما يقال ، تجيب وتراغم ابنا معاوية بن ثعلبة بن عقبة بن السّكون.

قال هشام : أنا أنكر هذا القول فى جنادة وفى تجيب.

ويقال : السّكون والسّكاسك ابنا أشرس بن ثور بن حيادة بن معدّ. ومن هنالك قيل فى كندة ما قيل.

قال هشام : أنا (١) أنكر هذا.

يقال : كندة بن عفير بن يعفر بن حيادة بن معدّ ، قال امرؤ القيس بن حجر فى قتل أبيه حجر :

والله لا يذهب شيخى باطلا

خير معدّ حسبا ونائلا

قال هشام : إنّما قال : «يا خير ناش فى معدّ نائلا».

قال : ولحقت شقيص ، من قناصة بن معدّ ، ثم من تراغم ، بكلب ، فهم فى بنى عامر الأجدار على نسبهم. ويقال إن شقيصا هو الحارث بن سيّار بن شجاع بن عوف بن تراغم.

قال هشام : هكذا نسبه ، وليس شقيص من قناصة بن معدّ.

وقال رجل من بنى الماروت بن قناصة بن معدّ ـ قال هشام : إنّما الماروت من «تراغم» ، ومن قال «تراغب» فهو خطأ ، وبنو الماروت حلفاء فى بنى أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان ـ

__________________

(١) «أنا» : ساقطة من ج.

٥٦

حين فارقهم إخوتهم بنو شقيص بن قناصة ، فدخلوا فى كلب ، وهو يذكر تراغم وتجيب (١) وشقيصا ، واغترابهم عن أصلهم ، فقال الماروتىّ :

لقد نزحت شقيص عن أبيها

قناصة مثلما نزحت تجيب

وكانوا ينسبون إلى معدّ

فساقتها الزلازل والحروب

وحىّ من تراغم قد أشتّت

بهم عنّا نوى عنّا ذهوب

وقال هشام : تجيب بنت السّكون ؛ وقولهم هذا فى تجيب باطل ..

وصار أود بن معدّ فى مذحج ، فانتسبوا إلى صعب بن سعد العشيرة ، وقالوا : أود بن صعب ، وثبتوا معهم ، وفيهم يقول الشاعر ، كما زعم الشّرقىّ ابن القطامىّ :

ومن كان يدعو من معدّ نصيره

فما الأود من إخوانها بقريب (٢)

نأت دارهم حيث استقرّ محلّهم

بصعب بن سعد والغريب غريب

وكم دونهم من شقّة وتنوفة

أمالس قفر ما بهنّ عريب

وقال البجلىّ فى تفرّق بجيلة حين وقعت بينهم حرب الحدأة :

لقد فرّقتم فى كلّ أوب

كتفريق الإله بنى معدّ

تفرق بحيلة وخثعم

قال : وكان جابر بن جشم بن معدّ ، ومضر وربيعة وإياد وأنمار ، بنو نزار بن معدّ بن عدنان ، بمنازلهم من تهامة وما يليها من ظواهر نجد ، فأقاموا

__________________

(١) «ومجيب» : ساقطة من ج.

(٢) فى هذا البيت إقواء.

٥٧

بها ما شاء الله أن يقيموا ، ثم أجلت بجيلة وخثعم ابنا أنمار بن نزار من منازلها وغور تهامة ، وحلّت بنو مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بلادهم.

قال هشام : حدّثنى الكلبىّ ، عن معاوية بن عميرة بن مخوس بن معد يكرب ، عن ابن عبّاس ، قال فقأ أنمار بن نزار بن معدّ بن عدنان ، عين أخيه مضر بن نزار ، ثم هرب ، فصار حيث تعلم ، أى انتسب فى (١) اليمن.

قال : فظعنت بجيلة وخثعم ابنا أنمار إلى جبال السّروات ، فنزلوها ، وانتسبوا فيهم (٢) ، فنزلت قسر بن عبقر بن أنمار حقال (٣) حلية وأسالم وما صاقبها من البلاد ، وأهلها يومئذ حىّ من العاربة الأولى ، يقال لهم بنو ثابر ، فأجلوهم (٤) عنها ، وحلّوا مساكنهم منها ، ثم قاتلوهم ، فغلبوهم (٥) على السّراة ، ونفوهم عنها. ثم قاتلوا بعد ذلك خثعم أيضا ، فنفوهم عن بلادهم ، فقال سويد ابن جدعة أحد بنى أفصى بن نذير بن قسر ، وهو يذكر ثابرا وإخراجهم إياهم من مساكنهم ، ويفتخر بذلك وبإجلائهم خثعم :

ونحن أزحنا ثابرا عن بلادهم

وحلى أبحناها فنحن أسودها (٦)

إذا سنة طالت وطال طوالها

وأقحط عنها القطر واسودّ (٧) عودها

وجدنا سراة لا يحوّل ضيفنا

إذا خطّة تعيا بقوم نكيدها

__________________

(١) فى ج : «إلى».

(٢) فى معجم البلدان ، فى رسم حلية : «وسكنوا فيها». بدل : «وانتسبوا فيهم».

(٣) كذا فى س ، ق. والحقال : جمع حقل ، وهو موضع الزرع. وفى ج ومعجم البلدان : «جبال».

(٤) كذا فى س ، ق ومعجم البلدان. وفى ج : «فأزحلوهم».

(٥) كذا فى معجم البلدان. وفى الأصول : «فقتلوهم».

(٦) رواية الشطر الثانى فى معجم البلدان : «بحلية أغناما ونحن أسودها»

(٧) فى معجم البلدان : «وابيض».

٥٨

ونحن نفينا خثعما عن بلادها (١)

تقتّل حتّى عاد مولى شريدها (٢)

فريقين : فرق باليمامة منهم

وفرق بخيف الخيل تترى خدودها (٣)

وقال عمرو بن الخثارم وهو (٤) يذكر نفيهم إياهم عن السّراة ، وقتالهم إياهم عنها :

نفينا كأنّا ليث دارة جلجل

مدلّ على أشباله يتهمهم

فما شعروا بالجمع حتّى تبيّنوا

بنيّة ذات النّخل ما يتصرّم

شددنا عليهم والسّيوف كأنّها

بأيماننا غمامة تتبسّم

وقاموا لنا دون النّساء كأنهم

مصاعيب زهر جلّلت لم تخطّم

ولم ينج إلّا كلّ صعل هزلج

يخفّف من أطماره (٥) فهو محرم

ونلوى (٦) بأنمار ويدعون ثابرا

على ذى القنا ونحن والله أظلم

حبيبيّة قسريّة أحمسيّة

إذا بلغوا فرع المكارم تمّموا

منحنا حقالا آخر الدّهر قومنا

بجيلة كى يرعوا هنيئا وينعموا

فصارت السّراة لبجيلة ، إلى أعالى التّربة ، وهو واد يأخذ من السراة ، ويفرّغ فى نجران ، فكانت دارهم جامعة ، وأيديهم واحدة ، حتّى وقعت حرب بين أحمس بن الغوث بن أنمار ، وزيد بن الغوث بن أنمار ، فقتلت زيد أحمس ، حتى لم يبق منهم إلّا أربعون غلاما ، فاحتملهم عوف بن أسلم

__________________

(١) فى معجم البلدان : «عن بلادهم».

(٢) فى معجم البلدان : «سنيدها» ؛ وهو بمعنى الشريد.

(٣) كذا روى هذا الشطر فى معجم البلدان. وفى الأصول : «وفرق يجيف الخيل تترى خدودها»

(٤) «وهو» : ساقطة من ج.

(٥) فى ج : «أمطاره» ؛ وهو تحريف.

(٦) فى ج : «وتلوى».

٥٩

ابن أحمس ، حتى أتى بنى الحارث بن كعب ، فنزلوا بهم ، وجاوروهم ، وعوف يومئذ شيخ ، فلم يزالوا فى ديار بنى الحارث حتى تلاحقوا وقووا ، فأغاروا ببنى الحارث على بنى زيد ، فقتلوهم ونفوهم عن ديارهم ، إلّا بقيّة منهم ، ورجعت أحمس إلى ديارهم. فلم تزل قسر فى دارها ، مقيمة فى محالّها ، يغزون من يليهم ، ويدفعون عن بلادهم ، مجتمعة كلمتهم على عدوّهم ، حتى مرّت بهم حدأة ، فقال رجل من عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر : أنا لهذه الحدأة جار ، فعرفت بالعرنىّ ، ونسبت إليه ، فلبثت حينا ، ثم إنها وجدت ميّتة ، وفيها سهم رجل من بنى أفصى بن نذير بن قسر ، فطلب عرينة صاحب السّهم ، فقتلوه ثم إنّ أفصى جمعت لعرينة ، فالتقوا ، فظهرت عليهم عرينة ، فقتلوهم إلّا بقيّة منهم ، فلم يزالوا قليلا حتى ظهر الإسلام ، واجتمعت قبائل قسر ، فأخرجوا عرينة عن ديارهم ، ونفوهم عنها ، فقال عوف بن مالك بن ذبيان وبلغه أمرهم :

وحدّثت قومى أحدث الدّهر بينهم

وعهدهم بالنّائبات قريب

فإن يك حقّا ما أتانى فإنّهم

كرام إذا ما النائبات تنوب

فقيرهم مدنى الغنى وغنيّهم

له ورق للمعتفين رطيب

ونبّئت قومى يفرحون بهلكهم

سيأتيهم ملمنديات (١) نصيب

فتفرّقت بطون بجيلة عن الحروب التى كانت بينهم ، فصاروا متقطّعين (٢) فى قبائل العرب ، مجاورين لهم فى بلادهم ، فلحق عظم عرينة بن قسر ، ببنى جعفر ابن كلاب بن ربيعة ، وعمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ولحقت قبيلتان من عرينة : غانم ومنقذ ابنا مالك بن هوازن بن عرينة ، بكلب بن

__________________

(١) «ملمنديات» : أصله «من المنديات» ؛ حذفت النون لالتقاء الساكنين.

(٢) فى ، ج : «منقطعين».

٦٠