معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - ج ١

أبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - ج ١

المؤلف:

أبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي


المحقق: مصطفى السقا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٢

[مقدمة المؤلف]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله حمدا يقتضى رضاه ، وصلى الله على محمد نبيه

الذي اصطفاه ، واختاره لرسالته واجتباه.

هذا كتاب (١) * ذكرت فيه ، إن شاء الله ، جملة ما ورد فى الحديث والأخبار ، والتواريخ والأشعار ، من المنازل والديار ، والقرى والأمصار ، والجبال والآثار ، والمياه والآبار ، والذارات والحرار ، منسوبة محدّدة ، ومبوّبة على حروف المعجم؟؟؟ مقة.

فإنّى لمّا رأيت ذلك قد استعجم على الناس ، أردت أن أفصح عنه ، بأن أذكر كلّ موضع مبيّن البناء ، معجم الحروف ، حتى لا يدرك (٢) * فيه لبس ولا تحريف.

وقد قال أبو مالك الحضرمىّ : ربّ علم لم تعجم فصوله ، فاستعجم محصوله.

فإنّ صحّة هذا لا تدرك بالفطنة والذكاء ، كما يلحق المشتقّ من سائر الأسماء.

وما أكثر المؤتلف والمختلف (٣) * فى أسماء هذه المواضع ، مثل ناعجة وباعجة ، ونبتل وثيتل ، ونخلة ونحلة ، وساية وشابة ، والنّقرة والنّقرة ، وجند

__________________

(١) انفردت نسخة ج هنا بذكر اسم الكتاب «معجم ما استعجم». وفى ق بياض إلى والأخبار.

(٢) فى ج : «يترك».

(٣) المؤتلف والمختلف : ما تتفق فى الخط صورته ، وتفترق فى اللفظ صيغته.

١

وجند ، وجسان (١) وحسّان (٢) ، وجبجب وحبحب ، وسنام وشبام ، وسلع وسلع ، والحوب ، والحوأب ، وقرن وقرن ، وجفاف وحفاف ، وحتّ وختّ (٣) وتريم وتريم ، وتهامة ونهامة (بالنون) ، و (٤) خزاز وجرار (٥) وحراز ؛ وكذلك ما اشتبه أكثر حروفه ، نحو سمن (بالنون) وسمى (بالياء) ، وشمام (بالميم) وسقام (بالقاف) ، وشابة (بالياء) وشامة (بالميم) ، ونملى (بالنون) ، وقملى (بالقاف) ، وخملى (بالخاء) ، وجرزان (بالزاى) وجرذان (بالذال) ، وإلاهة وإهالة (بتقديم الهاء على اللام) ، والقاعة والقاحة.

وقديما صحّف الناس فى مثل هذا.

قال ابن قتيبة : قرىء يوما على الأصمعىّ فى شعر أبى ذؤيب :

بأسفل ذات الدّير أفرد جحشها (٦) فقد ولهت يومين فهى خلوج فقال أعرابىّ حضر المجلس للقارىء : ضلّ ضلالك! إنما هى ذات الدّبر (٧) ، بالباء المعجمة بواحدة ، وهى ثنية عندنا. فأخذ الأصمعىّ بذلك فيما بعد.

وقال أبو حاتم : قرأت على الأصمعىّ فى شعر الراعى :

__________________

(١) كذا فى ج ، وهو موضع ذكره المؤلف فى هذا المعجم. وفى س : «؟؟؟ حسا» كرمان. وفى ق : «حبشان» كقضان.

(٢) فى ق : «جيشان» ، وهو تحريف.

(٣) كذا فى ج وهو الصواب. وقد ذكر المؤلف الموسعين فى مكانهما مضبوطين كما هنا. وفى س : «حت ، وخت» بضم أولهما. وفى ق : بضم أولهما كذلك ، وآخرهما تاء مثلثة.

(٤) كذا فى ج. وفى س : «جرار وحراز». وفى ق : «جران وحزان» ، وهذا تحريف.

(٥) كذا فى ج. وفى س : «جرار وحراز». وفى ق : «جران وحزان» ، وهذا تحريف.

(٦) كذا فى طبقات الشعراء لابن قتيبة والأصول الثلاثة. وفى لسان العرب : «خشفها».

(٧) الدبر (بفتح الذال وكسرها) : جماعة النحل ، وأولاد الجراد. وذات الدبر : شعبة فيها الدبر.

٢

وأفرعن فى وادى الأمير بعد ما

كسا البيد سافى القيظة المتناصر (١)

فقال الأعرابىّ : لا أعرف وادى الأمير. قال : فقلت : إنها فى كتاب أبى عبيدة : «فى وادى دلاميد» ، فقال : ولا أعرف هذا.

ولعلها جلاميد ، ففصلت الجيم من اللام.

قال أبو حاتم : وفى رواية ابن جبلة : وادى الأميّل ، باللام.

وكلّها غير معروفة.

فهؤلاء عدّة من العلماء قد اختلفوا فى اسم موضع ، ولم يدروا وجه الصواب فيه ، وسأبيّن ذلك فى موضعه إن شاء الله تعالى.

وهذا يزيد بن هارون (٢) ، على إمامته فى الحديث ، وتقدّمه فى العلم ، كان يصحّف «جمدان» ، وهو جبل فى الحجاز بين قديد وعسفان ، من منازل بنى أسلم (٣) ، فيقول : «جندان» بالنون. وذلك فى الحديث الذي يرويه العلاء (٤) عن أبى هريرة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير فى طريق مكة ، فمرّ على جبل يقال له جمدان ، فقال : سيروا ، هذا جمدان (٥) ، سبق المفرّدون [قالوا : وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال :](٦) الذاكرون الله كثيرا والذاكرات).

__________________

(١) كذا فى س ، وهو الصحيح. وفى ج : «ساقى القيظة». وفى ق : «سافى الغيضة». وهاتان الروايتان محرفتان. وقد استشهد بالبيت صاحب اللسان فى مادة «أمر». وفيه : «أفزعن» بدل «أفرعن». وهو تحريف.

(٢) كذا فى الأصول ، وهو الصحيح. وفى معجم البلدان لياقوت : «مروان» وهو تحريف.

(٣) كذا فى ج ومعجم البلدان. وهو المذكور فى «جمدان» من هذا المعجم. وفى س ، ق : «سليم».

(٤) كذا فى س ، ق وصحيح مسلم ، وهو الصحيح. وفى ج : «العلماء».

(٥) اسم هذا الجبل : «جمدان» فى صحيح مسلم وفى الأصول ومعجم البلدان وكتب اللغة. وفى التهذيب للأزهرى : «بجدان».

(٦) ما بين القوسين : من لفظ الحديث ، كما فى صحيح الإمام مسلم فى كتاب الذكر.

٣

وجماعة المحدّثين يقولون : «الحزوّرة» بفتح الزاى وتشديد الواو ، لموضع يلى البيت الحرام ، وبه كانت سوق مكة ، وقد دخل اليوم فى المسجد ، ويروون : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بالحزوّرة ، وقال : (والله إنّك لخير أرض الله ، وأحبّ أرض الله إلىّ ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت).

رواه الزّهرى عن أبى سلمة ، عن عبد الله بن عدىّ (١) ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم.

وإنما هى «الحزورة» بالتخفيف ، لا يجوز غيره ، قال الغنوىّ (٢) :

يوم ابن جدعان بجنب الحزورة

كأنّه قيصر أو ذو الدّسكره

وترتيب حروف هذا الكتاب ترتيب حروف ا ، ب ، ت ، ث.

فأبدأ بالهمزة والألف ، نحو آرة ، ثم بالهمزة والباء ، نحو أبلى وأبان (٣) ، ثم بالهمزة والتاء ، نحو الأتم ، ثم الهمزة والثاء ، نحو الأثيل والاثاية ، هكذا إلى انقضاء الحروف الثمانية والعشرين.

فجميع أبواب هذا الكتاب سبع مئة وأربعة وثمانون بابا ، وهو ما يجتمع من ضرب ثمانية وعشرين فى مثلها ، فالحرفان من كلّ اسم مقيّدان بالتّبويب ، وأذكر باقى حروف الاسم ، وأبيّن المشكل ، بالمعجم والمهمل (٤) ، وأذكر بناءه وضبطه ، واشتقاقا إن عرف فيه ، وأنسب كلّ قول إلى قائله ، من اللّغويّين والأخباريّين المشهورين.

وجميع ما أورده فى هذا الكتاب عن السّكونىّ ، فهو من كتاب أبى عبيد الله (٥) عمرو بن بشر السّكونىّ ، فى جبال تهامة ومحالّها ، يحمل جميع

__________________

(١) هو عبد الله بن عدى بن حمراء الزهرى ، كما ذكره المؤلف فى رسم «حزورة».

(٢) فى ق : «العبدى».

(٣) هذه الكلمة «أبان» ساقطة من نسخة ج.

(٤) فى ج : «المنهل» ، وهو خطأ.

(٥) فى معجم ياقوت : «أبى عبيد».

٤

ذلك عن الأبى الأشعث ، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك الكندىّ ، عن عرّام بن الأصبغ السّلمىّ الأعرابىّ.

]ذكر جزيرة العرب[

وأنا أبتدئ الآن بذكر جزيرة العرب ، والأخبار عن نزولهم فيها وفى غيرها ، من محالّهم ، ومنازلهم ، واقتطاعهم لها ، ومحلّ كلّ قبيل منها ، وذكر ما اشترك فى نزوله قبيلان فأزيد ، وذكر من غلب جيرانه منهم فانفرد.

قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبىّ ، عن أبيه ، عن معاوية بن عميرة بن مخوس الكندىّ ، إنّه سمع عبد الله بن عباس بن عبد المطّلب ، ورواه أبو زيد عمر بن شبّة ، قال : حدّثنى غياث بن إبراهيم ، عن يونس بن يزيد الأيلىّ ، عن الزّهرىّ ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس ، وسأله رجل عن (١) ولد نزار بن معدّ ، فقال : هم أربعة : مضر ، وربيعة ، وإياد ، وأنمار. وكان يكنّى بابنه ربيعة ، ومنازلهم مكة وأرض العرب يومئذ خاوية ، ليس بنجدها وتهامتها وحجازها وعروضها كبير أحد ، لإخراب بخت نصّر إياها ، وإجلاء أهلها ، إلّا من اعتصم برءوس الجبال ، ولاذ بالمواضع الممتنعة ، متنكّبا لمسالك جنوده ، ومستنّ خيوله ؛ وبلاد العرب يومئذ على خمسة أقسام ، على ما يأتى ذكره.

وذكر ابن وهب ، عن مالك ، قال : أرض العرب مكة ، والمدينة ، واليمن.

وقال أحمد بن المعذّل : حدّثنى يعقوب بن محمد بن عيسى الزّهرىّ ، قال : قال مالك بن أنس : جزيرة العرب المدينة ، ومكة ، واليمامة ، واليمن.

وقال المغيرة بن عبد الرحمن : جزيرة العرب مكة ، والمدينة ، واليمن وقريّاتها.

__________________

(١) فى ج : «من».

٥

وقال الأصمعىّ : جزيرة العرب ما لم يبلغه ملك فارس ، من أقصى عدن أبين إلى أطرار (١) الشام ، هذا هو الطول ؛ والعرض من جدّة إلى ريف (٢) العراق.

وقال أبو عبيد عن الأصمعىّ خلاف هذا ، فذكر أن طولها من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق فى الطول ، وأن عرضها من جدّة وما والاها من ساحل البحر ، إلى أطرار الشام.

وقال الشّعبىّ : جزيرة العرب ما بين قادسيّة الكوفة إلى حضر موت.

وقال أبو عبيدة (٣) جزيرة العرب ما بين حفر أبى موسى ، بطوارة من أرض العراق ، إلى أقصى اليمن فى الطول ، وأمّا فى العرض فما بين رمل يبرين ، إلى منقطع السّماوة. قال : وحدّ العراق ما دون البحرين إلى الرمل الحرّ. وقال غيره : حدّ سواد العراق ، الذي وقعت عليه المساحة ، من لدن تخوم الموصل مع الماء ، إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان ، من شرقىّ دجلة ، هذا طوله. وأمّا عرضه فحدّه من أرض حلوان ، إلى منتهى طرف القادسيّة ، المتّصل بالعذيب. وطوله مئة وعشرون فرسخا ، وعرضه ثمانون فرسخا. وقال ابن الكلبىّ فى تحديد العراق : هو ما بين الحيرة ، والأنبار ، وبقّة ، وهيت ، وعين التّمر ، وأطراف البرّ ، إلى الغمير ، والقطقطانة ، وخفيّة.

قال الخيل : سمّيت جزيرة العرب جزيرة ، لأنّ بحر فارس وبحر الحيش والفرات ودجلة أحاطت بها ، وهى أرض العرب ومعدنها.

وقال أبو إسحاق الحربى : أخبرنى عبد الله بن شبيب ، عن الزّبير ، قال : حدّثنى محمد بن فضالة : إنما سمّيت جزيرة لإحاطة البحر بها ، والأنهار من

__________________

(١) نواحيها أو أطرافها.

(٢) فى س : «أنف» بدل «ريف».

(٣) كذا فى س ، ق وتاج العروس. وفى ج : أبو عبيد.

٦

أقطارها وأطرارها. وذلك أنّ الفرات أقبل من بلاد الروم ، فظهر بناحية قنّسرين ، ثم انحطّ عن الجزيرة ، وهى ما بين الفرات ودجلة ، وعن سواد العراق ، حتّى دفع (١) فى ، البحر من ناحية البصرة والأبلّة ، وامتدّ (٢) إلى عبّادان ، وأخذ (٣) البحر من ذلك الموضع مغرّبا ، مطيفا ببلاد العرب ، منعطفا عليها ، فأتى منها على سفوان وكاظمة ، ونفذ إلى القطيف (٤) وهجر وأسياف عمان والشّحر ، وسال (٥) منه عنق إلى حضر موت ، وناحية أبين وعدن ودهلك ، واستطال ذلك العنق ، فطعن فى تهائم اليمن ، بلاد (٦) حكم والأشعريّين وعكّ ، ومضى إلى جدّة ساحل مكة ، وإلى الجار ساحل المدينة ، وإلى ساحل تيماء وأيلة ، حتى بلغ إلى قلزم مصر ، وخالط بلادها ، وأقبل النّيل فى غربىّ هذا العنق من أعلى بلاد السّودان ، مستطيلا معارضا للبحر ، حتّى دفع فى بحر مصر والشام ، ثم أقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين ، ومرّ بعسقلان وسواحلها ، وأتى على صور ساحل الأردنّ ، وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمشق ، ثم نفذ إلى سواحل حمص وسواحل قنّسرين ، حتى خالط الناحية التى أقبل منها الفرات ، منحطّا على أطراف قنّسرين والجزيرة ، إلى سواد العراق. فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التى نزلوها على خمسة أقسام : تهامة والحجاز ، ونجد والعروض ، واليمن.

ومعنى تهامة والغور واحد ، ومعنى حجاز وجلس واحد. هكذا ذكر الزّبير

__________________

(١) كذا فى هامش س وصوبه. وفى الأصول الثلاثة ومعجم ياقوت : «وقع» وما أثبتناه أولى ، وقد عبر به المؤلف كثيرا ، وسيأتى التعبير بمثله قريبا

(٢) كذا فى ج ومعجم ياقوت. والعبارة ساقطة من نسختى س ، ق.

(٣) كذا فى ج ومعجم ياقوت. والعبارة ساقطة من نسختى س ، ق.

(٤) كذا فى ج ، وهو الصحيح. وفى س ، ق : «العطيف».

(٥) كذا فى س ، ق. وفى ج ومعجم ياقوت : «ومال». والتعبير بسال كثير فى هذا الكتاب فى مثل هذا الموضع

(٦) فى ج : «ببلاد».

٧

ابن بكّار عن عمّه. وقال غيره : معنى حجاز وجلس ونجد واحد.

وجبل السّراة هو الحدّ بين تهامة ونجد. وذلك أنه أقبل من قعرة اليمن ، وهو أعظم جبال العرب ، حتى بلغ أطراف بوادى الشام ، فسمّته العرب حجازا ، وقطعته الأودية ، حتى انتهى إلى ناحية نخلة (١) ، فمنه خيطى ويسوم ، وهما جبلان بنخلة ، ثم طلعت الجبال بعد منه ، فكان منه الأبيض جبل العرج ، وقدس وآرة (٢) ، والأشعر والأجرد ، وهما جبلان لجهينة.

وهى كلّها مذكورة فى مواضعها.

وقال ابن شبّة : «خيص» مكان «خيطى». قال : ولم يعرف «خيطى (٣)».

وقال بعض المكّيّين : هو «خيش» ، وأنشد لابن أبى ربيعة :

تركوا «خيشا» على أيمانهم

ويسوما عن يسار المنجد

قلت صوابه «خيص (٤)» بالصاد لا بالشين. نقلت من خطّ ابن سعدان ، وهو أصل أبى علىّ فى شعر ابن أبى ربيعة :

ذكّرتنى الديار شوقا قديما

بين خيص وبين أعلى يسوما

وروى ابن الكلبىّ ، قال : حدّثنى أبو (٥) مسكين ، محمد (٦) بن جعفر بن الوليد بن زياد ، مولى أبى هريرة ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيّب ، أنه قال : (لمّا خلق الله عزّ وجلّ الأرض مادت بأهلها ، فضربها بهذا الجبل ، يعنى السّراة ، فاطمأنّت).

__________________

(١) فى س ، ق : «نحلة» بالحاء ، وهو تصحيف.

(٢) زاد فى معجم البلدان عن الهمدانى : «وهما جبلان لمزينة».

(٣) فى س ، ق : «خيص».

(٤) قال فى تاج العروس نقلا عن العباب : وقيل حيص ويسوم جبلان بنخلة. وقال ياقوت فى المعجم وذكر «حيضا» : وقد سماه عمر بن أبى ربيعة خيشا ، لأنه كان كثير المخاطبة للنساء. أقول : ولعل المؤلف أراد حيضا ، وصحفه الناسخون خيصا.

(٥) كذا فى معجم ياقوت. وفى ق : «ابن مسكين محمد». وفى س ، ج : «ابن مسكين محرز».

(٦) كذا فى معجم ياقوت. وفى ق : «ابن مسكين محمد». وفى س ، ج : «ابن مسكين محرز».

٨

وطول السّراة ما بين ذات عرق إلى حدّ نجران اليمن ، وبيت المقدس فى غربىّ طولها ؛ وعرضها ما بين البحر إلى الشّرف.

فصار ما خلف هذا الجبل فى غربيّه إلى أسياف (١) البحر ، من (٢) بلاد الاشعريّين وعكّ وكنانة ، إلى ذات عرق والجحفة وما والاها وصاقبها وغار من أرضها : الغور غور تهامة ، وتهامة تجمع ذلك كلّه ؛ وغور الشام لا يدخل فى ذلك. وصار ما دون ذلك فى شرقيّه من الصّحارى إلى أطراف العراق والسّماوة وما يليها : نجدا ، ونجد تجمع ذلك كلّه. وأعراض نجد هى بيشة ، وترج ، وتبالة ، والمراغة ، ورنية. وصار الجبل نفسه [وهو](٣) سراته ، وهو الحجاز وما احتجز به فى شرقيّه من الجبال ، وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة ، ومن بلاد مذحج تثليث وما دونها إلى ناحية فيد ، فذلك كلّه حجاز. وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما : العروض ، وفيها نجد وغور ، لقربها من البحر ، وانخفاض مواضع منها ، ومسائل أودية فيها ، والعروض يجمع ذلك كلّه. وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء ، وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشّحر وعمان وما بينها : اليمن ، وفيها (٤) التهائم والنّجود واليمن يجمع (٥) ذلك كلّه.

وذات عرق فصل ما بين تهامة ونجد والحجاز. وقيل لأهل ذات عرق : أمتهمون أنتم أم منجدون؟ قالوا : لا متهمون ولا منجدون. وقال شاعر :

ونحن بسهب مشرف غير منجد

ولا متهم فالعين بالدمع تذرف

__________________

(١) كذا فى معجم البلدان لياقوت ، وهو الصحيح. وفى الأصول الثلاثة : «الحرمين» وهو تحريف.

(٣) زيادة عن معجم البلدان.

(٤) فى ق ، ج : «وفيها».

(٤) كذا فى س ، ق : وفى ج : «تجمع».

٩

وقال آخر :

كأنّ المطايا لم تنخ بتهامة

إذا صمّدت عن ذات عرق صدورها

وقال ابن الكلبى : الحجاز : ما حجز فيما بين اليمامة والعروض ، وفيما بين اليمن ونجد. فصارت نجد ما بين الحجاز إلى الشام ، إلى العذيب. والطائف من نجد ، والمدينة من نجد ، وأرض العالية والبحرين إلى عمان من العروض. وتهامة : ما ساير البحر ، منها مكة والعبر والطّور والجزيرة. فالعبر : ما أخذ على الفرات إلى برّيّة العرب. والطّور : ما بين دجلة وساتيدما.

وزعم عرّام بن الأصبغ أن حدّ الحجاز من معدن النّقرة إلى المدينة. فنصفها حجازىّ ونصفها تهامىّ (١). وقال فى موضع آخر : الجلس ما بين الجحفة إلى جبلى طيّئ. والمدينة جلسيّة ، وأعمال المدينة فدك ، وخيبر ، ووادى القرى ، والمروة ، والجار ، والفرع. ولهذه المواضع أعمل عريضة واسعة ، إلّا الجار ، فإنّه ساحل.

وروى عمر بن شبّة عن رجاله ، عن محمد بن عبد الملك الأسدىّ ، قال : الحجاز اثنتا عشرة دارا : المدينة ، وخيبر ، وفدك ، وذو المروة ، ودار بلىّ ، ودار أشجع ، ودار مزينة (٢) ، ودار جهينة ، ودار بعض بنى بكر بن معاوية ، ودار بعض هوازن وجلّ سليم وجلّ هلال (٣).

وحدّ الحجاز الأوّل : بطن نخل وأعلى رمة وظهر حرّة ليلى. والثانى مما

__________________

(١) فى ج ، ق : بإثبات ياء النسبة فى «تهامى وحجازى». وفى س بدونها.

(٢) كذا فى ج ومعجم البلدان. والكلمتان «دار مزينة» : ساقطتان من نسختى س ، ق.

(٣) بقى موضعان من الاثنى عشر لم تذكرهما الأصول هنا. وقد ذكرهما ياقوت فى المعجم ، نقلا عن الأصمعى ، قال : «وظهر حرة ليلى ؛ ومما يلى الشام : شغب وبدا».

١٠

يلى الشام : شغب (١) وبدا. والثالث مما يلى تهامة : بدر والسّقيا ورهاط وعكاظ. والرابع ممّا يلى ساية وودّان ، ثم ينعرج إلى الحدّ الأوّل : بطن نخل وأعلى رمة. ومكة من تهامة ، والمدينة من الحجاز.

وقال محمد بن سهل عن هشام عن أبيه : حدود الحجاز : ما بين جبلى طيّئ إلى طريق العراق ، لمن يريد مكة ، إلى سعف (٢) تهامة ، ثم مستطيلا إلى اليمن. قال : والجلس : ما بين الجحفة إلى جبلى طيئ. والمدينة جلسية. ويشهد لك أن المدينة جلسيّة قول مروان بن الحكم للفرزدق ، وتقدم إليه ألّا يهجو أحدا ، ومروان يومئذ والى المدينة لمعاوية :

قل للفرزدق والسفاهة كاسمها

إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس

يقال : جلس إذا أتى الجلس ؛ أى ائت المدينة إن تركت الهجو.

وقال الحسن : إنما سمّى الحجاز حجازا ، لأنه حجز على الأنهار والأشجار ، وهو الحنان يوم القيامة.

وقال غيره : سمّى حجازا لأنّه احتجز بالجبال ، يقال : احتجزت المرأة إذا شدّت ثيابها على وسطها ، وأبرزت عجيزتها ؛ وهى الحجزة.

وقال الزّبير بن بكّار : سألت سليمان بن عيّاش السّعدىّ : لم سمّى الحجاز حجازا؟ فقال : لأنّه حجز بين تهامة ونجد. قلت : فما حد الحجاز؟ قال : الحجاز ما بين بئر أبى بكر بن عبد الله بالشّقرة ، وبين أثاية العرج. فما وراء الأثاية من تهامة.

ونقل ابن دريد قال : إنما سمّى حجازا لأنه حجز بين نجد والسّراة

__________________

(١) كذا فى س ، ق ، بدون واو قبلها. وفى ج : «وشغب».

(٢) فى ج : «شعف» بالشين المعجمة.

١١

وقال الخليل : سمّى حجازا لأنه فصل بين الغور وبين الشام ، وبين تهامة ونجد. فجرش من جزيرة العرب ، ونجران من جزيرة العرب. وأخرج عمر بن الخطّاب اليهود والنّصارى من جزيرة العرب ، إلّا أنّه لم يخرجهم (١) من نجران ولا اليمامة والبحرين فسمّيت العروض.

قال الحربى : ولذلك ضعف قول الخليل وقول محمّد بن فضاله.

وحدّ الشام : ما وراء تبوك. وتبوك من الحجاز ، وكذلك فلسطين ، ومن المدينة الى طريق الكوفة إلى الرّمة حجاز. وما وراء ذلك نجد ، إلى أن تشارف أرض العراق ومن طريق البصرة إلى بطن نخل حجاز ، وما وراء ذلك نجد. إلى أن تشارف البصرة. ومن المدينة إلى طريق مكة ، إلى أن تبلغ الاثاية مهبط العرج : حجاز. وما وراء ذلك فهو تهامة ، إلى مكة ؛ إلى جدّة ، إلى ثور (٢) وبلاد عك وإلى الجند ، وإلى عدن أبين ، هذا غور كله من أرض تهامة. وما بين المدينة إلى طريق صنعاء إذا سلك (٣) على معدن بنى سليم : حجاز ، إلى الجرد (٤) ، إلى نجران إلى صنعاء. ومن المدينة إلى بطن نخل إلى شباك أبى عليّة : حجاز. إلى الرّبذّة ، وما وراء ذلك إلى الشّرف ، إلى أضاخ وضريّة واليمامة : نجد.

وروى الشّيبانى عن أبيه قال : أخبرنى أبو البيداء. قال : وقف عبد الملك بن مروان جارية للشّعراء ، فقال : أيّكم يجيز هذا البيت وهذه الجارية له؟ ثم أنشد :

بكى كلّ ذى شوق يمان وشاقه

شآم فأنّى يلتقى الشّجيان؟ (٥)

__________________

(١) فى س ، ق : «يخرجهما».

(٢) كذا فى ج ، ق. وهو واد ببلاد مزينة ، غير ثور الذي هو جبل بمكة. وفى س : «توز».

(٣) فى ج «تلك».

(٤) فى ق : «الجدد».

(٥) فى س : «الشجنان».

١٢

فجثا جرير على ركبتيه ، ثم قال : هلمّى إلىّ يا جارية ، ثم قال :

يغور الذي بالشام أو ينجد الذي

بغور تهامات فيلتقيان

فأخذها.

وقال المخبّل السّعدىّ :

فإن تمنع سهول الأرض منّى

فإنى سالك سبل العروض

وأرض جهينة والقبليّة كلّها حجاز.

وأمّا تهامة ، فإنك إذا هبطت من الأثاية إلى الفرع وغيقة ، إلى طريق مكة ، إلى أن تدخل مكة : تهامة ، إلى ما وراء ذلك من بلاد عكّ ، كلها تهامة ؛ والمجازة وعليّب وقنونى ويزن ، كلها تهامة ؛ وأنت إذا انحدرت فى ثنايا ذات عرق متهم إلى أن تبلغ البحر ؛ وكذلك إذا تصوّبت فى ثنايا العرج إلى أقصى بلاد بنى فزارة أنت متّهم ؛ فإن جاوزت بلاد بنى فزارة إلى أرض كلب ، فأنت بالجناب. وبلاد بنى أسد : الجلس ، والقنان ، وأبان الأبيض ، وأبان الأسود ، إلى الرّمة. والحميان : حمى ضريّة ، وحمى الرّبذة ، والدّوّ ، والصّمّان ، والدّهناء ، فى شقّ بنى تميم. والحزن معظمه لبنى يربوع. وكان يقال : من تصيّف الشّرف ، وتربّع الحزن ، وتشتّى الصّمّان ، فقد أصاب المرعى.

وأما نجد ، فما بين جرش إلى سواد الكوفة ؛ وآخر حدوده مما يلى المغرب الحجازان : حجاز الأسود ، وحجاز المدينة ؛ والحجاز الأسود سراة شنوءة. ومن قبل المشرق بحر فارس ، ما بين عمان إلى بطيحة البصرة ؛ ومن قبل يمين القبلة الشامىّ : الحزن حزن الكوفة ؛ ومن العذيب إلى الثّعلبيّة إلى قلّة بنى يربوع بن مالك ، عن يسار طريق المصعد إلى مكة ؛ ومن يسار القبلة اليمنىّ ما بين عمل اليمن إلى بطيحة البصرة. ونجد كلها من عمل اليمامة

١٣

وقال عمارة بن عقيل : ما سال من الحرّة : حرّة بنى سليم وحرة ليلى ، فهو الغور ؛ وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد ، وحذاء نجد أسافل الحجاز ، وهى وجرة والغمرة. وما سال من ذات عرق مولّيا إلى المغرب فهو الحجاز.

قال عمارة : وسمعت الباهلىّ يقول : كلّ ما وراء الخندق خندق كسرى ، الذي خندقه على سواد العراق : هو نجد ، إلى أن تميل إلى الحرّة ، فإذا ملت إلى الحرّة فأنت فى الحجاز حتى تغور ؛ والغور : كلّ ما انحدر سيله مغرّبا ، فبذلك (١) سمّى الغور ؛ وكلّ ما أسهل مشرّقا فهو نجد ؛ وتهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة ، وما وراء ذلك فهو الغور ، وما وراء ذلك من مهب الجنوب فهو السّراة إلى تخوم السّراة.

يقول أبو عبيد المؤلّف : نقلت جميع كلام عمارة من كتاب أبى على ، على (٢) أصله المستسخ من كتاب أبى سعيد.

ونقل يعقوب عن الأصمعىّ قال : ما ارتفع من بطن الرّمة فهو نجد ، إلى ثنايا ذات عرق. وما احتزمت به الحرار حرّة شوران (٣) [وحرّة ليلى ، وحرة واقم ، وحرة النار](٤) وعامة [منازل](٥) بنى سليم إلى المدينة ، فما احتاز ذلك (٦) الشق حجاز كلّه ، وما بين ذات عرق إلى البحر غور وتهامة. وطرف تهامة من قبل الحجاز : مدارج العرج ، وأوّلها من قبل نجد : مدارج ذات عرق. والجناب ما بين غطفان وكلب. وما دون الرّمل إلى الرّيف من العراق ، يقال

__________________

(١) فى ج ، ق : «فلذلك».

(٢) الكلمة : «على» ساقطة من نسختى ق ، س.

(٣) ما بين القوسين : زيادة عن معجم البلدان لياقوت.

(٤) كذا فى ج. وفى س ، ق : «من ذلك». وفى معجم البلدان بعد كلمة «المدينة» : فذلك الشق كله حجاز.

١٤

له العراق. وقرى عربية : كلّ قرية فى أرض العرب ، نحو خيبر ، وفدك ، والسّوارقيّة ، وما أشبه ذلك والشّرف : كبد نجد ، وكانت منازل الملوك من بنى آكل المرار ، وفيها اليوم حمى ضريّة ، وضريّة اسم بئر ، قال الشاعر :

فأسقانى ضريّة خير بئر

تمجّ الماء والجبّ التّؤاما

وفى الشّرف الرّبذة ، وهى الحمى الأيمن ، والشّريف إلى جنبه ، يفرق بين الشّرف والشّريف واد يقال له التّسرير ، فما كان مشرّقا فهو الشّريف ، وما كان مغرّبا فهو الشّرف ، والطود الجبل المشرف على عرفة ، ينقاد إلى صنعاء ، ويقال له السّراة ، وأوله سراة ثقيف ، وسراة فهم وعدوان ، ثم سراة الأزد ، ثم الحرّة آخر ذلك كلّه ؛ فما انحدر إلى البحر فهو سهام وسردد وزبيد ورمع ، وهى أرض عكّ ، وما كان منه إلى الشرق فهو نجد ، والجلس ما ولى بلاد هذيل ، وسهام وسردد واديان يصبّان فى جازى ، وهو واد عظيم قال أبو دهبل الجمحىّ :

هكذا قال ، وإنّما هو للأحوص (١) ، لا شكّ فيه.

سقى الله جازانا ومن حلّ وليه

وكلّ مسيل من سهام وسردد

ويروى سقى الله جازينا (٢).

__________________

(١) أورد صاحب الأغانى البيت فى قصيدة لأبى دهبل الجمحى. وللأحوص دالية تشبهها ، وليس البيت فيها. ولم نجد «جازى» اسما لموضع فى معاجم اللغة ولا معاجم البلدان ، وقد ذكر البيت ياقوت فى المعجم فى رسمى «سهام ، وسردد» هكذا :

سقى الله جارينا ومن حل وليه

قبائل جاءت من سهام وسردد

وفى الأغانى طبعة دار الكتب المصرية :

سقى الله جازانا ومن حل وليه

فكل فسيل من سهام وسردد

بتنوين جازان ، وهى أقرب إلى رواية الأصول عندنا. وفى معجم البلدان : جازان موضع فى طريق حاج صنعاء. أما سردد فبضم السين والدال الأولى ، وبفتحها أيضا.

(٢) كذا فى الأصول ، ولعلها محرفة عن «جارينا» كما فى معجم البلدان.

١٥

(١) وحدّ اليمن ممّا يلى المشرق : رمل بنى سعد ، الذي يقال له يبرين ، وهو منقاد من اليمامة ، حتى يشرع فى البحر بحضر موت ؛ ومما يلى المغرب : بحر جدّة إلى عدن أبين ؛ وحدّها الثالث : طلحة الملك إلى شرون ، وشرون : من عمل مكة ، وحدّها الرابع : الجوف ومأرب ، وهما مدينتان.

وقد ذكرت العرب هذه الأقسام الخمسة ، التى ذكرناها من جزيرة العرب فى أشعارهم.

قال ابن برّاقة الثّمالىّ :

أروى تهامة ثمّ أصبح جالسا

بشعوف بين الشّثّ والطبّاق

وقالت ليلى بنت الحارث الكنانيّة :

ألا منعت ثمالة ما يليها

فغورا بعد أو جلسا ثمالا

وقال هبيرة بن عمرو بن جرثومة النهدىّ :

وكندة تهدى لى الوعيد ومذحج

وشهران من أهل الحجاز وواهب

وقال شريح بن الأحوص :

أعزّك بالحجاز وإن تقصّر

تجدنى من أعزّة أهل نجد

وقال طرفة ، وهو يومئذ بناحية تبالة وبيشة وما يليها :

ولكن دعا من قيس عيلان عصبة

يسوقون فى أعلى الحجاز البرابرا

وقال لبيد :

مرّيّة حلّت بفيد وجاورت

أهل الحجاز فأين منك مرامها

__________________

(١) ذكرت ج ، ق هنا من نزل الحجاز ونجدا من قبائل العرب ، وليس هذا موضعه ، ولذلك أخرناه عملا بما فى س إلى آخر المقدمة عند الكلام على تفرق مضر ، حيث ذكرته ج مرة ثانية فى موضعه الأصلى.

١٦

وقال المخبّل :

فإن تمنع سهول الأرض منّى

فإنّى سالك سبل العروض

وقال رجل من بنى مرّة :

أقمنا على عزّ الحجاز وأنتم

بمنبطح البطحاء بين الأخاشب

وقال جرير :

هوى بتهامة وهوى بنجد

فبلّتنى التّهائم والنّجود

وقال آخر :

كأنّ المطايا لم تنخ بتهامة

إذا صعّدت عن ذات عرق صدورها

رجعنا إلى حديث الكلبى عن ابن عبّاس.

قال (١) : فاقتسم ولد معدّ بن عدنان هذه الأرض على سبعة أقسام (٢) :

فصار لعمرو بن معدّ بن عدنان ، وهو قضاعة ، لمساكنهم ومراعى أنعامهم : جدّة ، من شاطىء البحر وما دونها إلى منتهى ذات عرق ، إلى حيّز الحرم ، من السّهل والجبل. وبها موضع لكلب يدعى الجدير جدير كلب ، وهو معروف هنالك. وبجدّة ولد جدّة بن جرم (٣) بن ربّان (٤) بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وبها سمّى.

__________________

(١) هذه اللفظة : «قال» ساقطة من نسخة س ، ج.

(٢) ليس فى التفصيل الذي بعد هذا الإجمال إلا ستة أقسام.

(٣) كذا فى الأصول وتاج العروس. وفى معجم البلدان : «حزم» ، ولعله تحريف.

(٤) ربان : كشداد ، كذا ضبطه الذهبى وابن حجر وابن الجوانى النسابة. وليس فى العرب بالراء غيره. وما سواه بالزاى. (عن تاج العروس).

١٧

وصار لجنادة بن معدّ : الغمر غمر ذى كندة وما صاقبها ، وبها كانت كندة دهرها الأطول ؛ ومن هنالك احتجّ القائلون فى كندة بما قالوا (١) ، لمنازلهم من غمر ذى كندة ؛ فنزل أولاد جنادة هنالك ، لمساكنهم ومراعى مواشيهم ، من السهل والجبل ؛ وهو أشرس ، وهو أبو السّكون والسّكاسك ابنى أشرس بن ثور بن جنادة ؛ وكندة بن ثور بن جنادة ، ومن نسب كندة فى معدّ يقول : ثور بن عفير بن جنادة بن معدّ. قال عمر بن أبى ربيعة :

إذا سلكت غمر ذى كندة

مع الرّكب (٢) قصد لها الفرقد

هنالك إمّا تعزّى الفؤاد (٣)

وإمّا على إثرهم (٤) تكمد

وصار لمضر بن نزار : حيّر الحرم إلى السروات ، وما دونها من الغور ، وما والاها من البلاد ، لمساكنهم ومراعى أنعامهم ، من السهل والجبل.

وصار لربيعة بن نزار : مهبط الجبل من غمر ذى كندة ، وبطن ذات عرق وما صاقبها من بلاد نجد ، إلى الغور من تهامة ، فنزلوا ما أصابهم ، لمساكنهم ومراعى أنعامهم ، من السهل والجبل.

وصار لإياد وأنمار ابنى نزار : ما بين حدّ أرض مضر ، إلى حدّ نجران وما والاها وما صاقبها من البلاد ، فنزلوا ما أصابهم لمساكنهم ومسارح أنعامهم.

وصار لقنص بن معد وسنام بن معدّ وسائر ولد معدّ : أرض مكة ، أوديتها وشعابها وجبالها وما صاقبها من البلاد ، فأقاموا بها مع من كان بالحرم حول البيت من بقايا جرهم.

__________________

(١) يعنى أن نسبهم فى عدنان ، كما صرح بذلك ياقوت فى معجم البلدان ، نقلا عن ابن الكلبى.

(٢) كذا فى الأصول والديوان. وفى معجم البلدان ورواية للأغانى «الصبح».

(٣) كذا فى الديوان ومعجم البلدان والأغانى. وفى الأصول : «تعز الهوى» أى تغلبه.

(٤) كذا فى الأصول ومعجم البلدان. وفى الأغانى : «إثرها».

١٨

فلم تزل أولاد معدّ فى منازلهم هذه ، كأنّهم قبيلة واحدة ، فى اجتماع كلمتهم ، وائتلاف أهوائهم ، تضمّهم المجامع ، وتجمعهم المواسم ، وهم يد على من سواهم ، حتى وقعت الحرب بينهم ، فتفرّقت جماعتهم ، وتباينت مساكنهم.

قال مهلهل يذكر اجتماع ولد معدّ فى دارهم بتهامة ، وما وقع بينهم من الحرب :

غنيت دارنا تهامة (١) فى الدّهر

وفيها بنو معدّ حلولا

فتساقوا كأسا أمرّت عليهم

بينهم يقتل العزيز الذّليلا

فأوّل حرب وقعت بينهم : أنّ حزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، كان يتعشّق فاطمة بنت يذكر بن عنزة بن أسد ابن ربيعة بن نزار ، وكان اجتماعهم فى محلّة واحدة ، وتفرّقهم النّجع فيظعنون ، فقال حزيمة.

إذا الجوزاء أردفت الثّريّا

ظننت بآل فاطمة الظّنونا

ظننت بها وظنّ المرء حوب

وإن أوفى وإن سكن الحجونا

وحالت دون ذلك من همومى

هموم تخرج الشّجن الدّفينا

أرى ابنة يذكر ظعنت فحلّت

جنوب الحزن يا شحطا مبينا

فبلغ شعره ربيعة ، فرصدوه ، حتى أخذوه فضربوه ، ثمّ التقى حزيمة ويذكر ، وهما ينتحيان (٢) القرظ ، فوثب حزيمة على يذكر ، فقتله ، وفيه

__________________

(١) كذا فى الأصول ولسان العرب ، ومعناه : كانت دارنا تهامة وفى صفة جزيرة العرب للهمدانى : «عمرت».

(٢) كذا فى ق ، ج. وفى هامش س : «يجتنبان» ، وهما روايتان صحيحتان ، يؤيدهما قول اللسان : «خرجا ينتحيان القرظ ويجتنيانه». وفى س : «ينتجيان» وهو تحريف.

١٩

تقول العرب : «حتّى يئوب قارظ عنزة». وقال بشر بن أبى خازم :

فرجّى الخير وانتظرى إيابى

إذا ما القارظ العنزيّ آبا

وقال أبو ذؤيب :

فتلك التى لا يبرح القلب حبّها

ولا ذكرها ما أرزمت أمّ حائل (١)

وحتّى يئوب القارظان كلاهما

وينشر فى الموتى كليب لوائل (٢)

فالقارظ الأوّل هو يذكر ، والثانى هو عامر بن رهم بن هميم العنزىّ.

فلمّا فقد يذكر قيل لحزيمة أين يذكر؟ قال : فارقنى ، فلست أدرى أين سلك. فاتّهمته ربيعة : وكان بينهم وبين قضاعة فيه شرّ ، ولم يتحقّق أمر فيؤخذ به حتى قال حزيمة :

فتاة كأنّ رضاب العصير

بفيها يعلّ به الزّنجبيل

قتلت أباها على حبّها

فتبخل إن بخلت أو تنيل

فاجتمعت نزار بن معدّ على قضاعة ، وأعانتهم كندة ، واجتمعت قضاعة وأعانتهم عكّ والأشعرون (٣) ، فاقتتل الفريقان ، فقهرت قضاعة ، وأجلوا عن منازلهم ، وظعنوا منجدين ، فقال عامر بن الظّرب (٤) بن عياذ بن بكر بن يشكر ابن عدوان بن عمرو بن قيس عيلان فى ذلك :

قضاعة أجلينا من الغور كلّه

إلى فلجات الشام تزجى المواشيا

لعمرى لئن صارت شطيرا ديارها

لقد تأصر الأرحام من كان نائيا

__________________

(١) أرزمت الناقة : حنت. والحائل : الأنثى من أولادها. يريد لا يبرح حبها القلب أبدا.

(٢) كذا فى الأصول ولسان العرب والتاج وخزانة الأدب. والذي فى الصحاح ومجمع الأمثال : كليب بن وائل. ولعلهما روايتان. انظر هامش اللسان فى «قرظ».

(٣) كذا فى س ، وهو جائز كيمان ويمانون وفى ج ، ق : «الأشعريون» على الأصل.

(٤) كذا فى كتب اللغة والاشتقاق لابن دريد. وفى الأصول : «ظرب» بدون أل.

٢٠