استخلاف عمر بن الخطاب (١)
وتقلد أمر الأمة وخلافة المسلمين بعد أبى بكر صاحبه ورفيقه وظهيره ووزيره عمر ابن الخطاب رضياللهعنهما ، بعهد أبى بكر إليه بذلك ، واستخلافه إياه عليه ، نظرا للدين ، ونصيحة لله وللأمة ، وذلك لما استعز بأبى بكر رضياللهعنه ، وجعه ، وثقل ، أرسل إلى عثمان وعلى ورجال من أهل السابقة والفضل من المهاجرين والأنصار ، فقال : قد حضر ما ترون ، ولا بد من قائم بأمركم يجمع فئتكم ويمنع ظالمكم من الظلم ، ويرد على الضعيف حقه ، فإن شئتم اخترتم لأنفسكم ، وإن شئتم جعلتم ذلك إلىّ ، فو الله لا آلوكم ونفسى خيرا. قالوا : قد رضينا من اخترت لنا ، قال : فقد اخترت عمر ، وقال لعثمان : اكتب : هذا ما عهد أبو بكر فى آخر عهده بالدنيا خارجا منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها ، حين يتوب الفاجر ويؤمن الكافر ويصدق الكاذب ، عهد أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن وعد الله حق وصدق المرسلون ، وأن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخاتم النبيين صلى الله عليه وعلى أنبيائه ورسله ، وقد استخلفت.
ولما انتهى أبو بكر إلى هذا الموضع ضعف ورهقته غشية ، فكتب عثمان : وقد استخلفت عمر بن الخطاب ، وأمسك ، حتى أفاق أبو بكر فقال : أكتبت شيئا؟ قال : نعم ، كتبت عمر بن الخطاب ، فقال : رحمك الله ، أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا ، فاكتب : قد استخلفت عمر بن الخطاب بعدى عليكم ، ورضيته لكم ، فإن عدل فذلك ظنى به ، ورأيى فيه ، وذلك أردت ، وما توفيقى إلا بالله ، وإن بدل فلكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، والخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.
والتوى عمر رضياللهعنه ، على أبى بكر رحمهالله ، فى قبول عهده ، وقال : لا أطيق القيام بأمر الناس ، فقال أبو بكر لابنه عبد الرحمن : ارفعنى وناولنى السيف ، فقال عمر : أو تعفينى؟ قال : لا ، فعند ذلك قبل.
ذكر هذا كله أبو الحسن المدائنى ، وذكر بإسناد له عن أبى هريرة وغيره أنه لما عهد أبو بكر إلى عمر عهده قال له : يا عمر ، إن لله حقا فى الليل لا يقبله فى النهار ، وحقا فى النهار لا يقبله فى الليل ، ولا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، وإنه يا عمر إنما ثقلت
__________________
(١) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١٣١).