قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

سلاطين الجور وإن علم من أحوالهم أنّهم يأخذون ما لا يستحقون ويقبضون ما ليس لهم ما لم يعلم شيئاً من ذلك بعينه غصباً ، فإن علم كذلك فلا يتعرّض لذلك ، وأماما يأخذونه من الخراج والصدقات وإن كانوا غير مستحقين لها جاز شراؤها منهم » (١).

هذا كلامه.

وقال المحقّق نجم الدين في « الشرائع » ما هذا لفظه :

« ما يأخذه السلطان من الغلات : باسم « المقاسمة » ، والأموال : باسم « الخراج » عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام : باسم « الزكاة » يجوز إبتياعه وقبول هبته ، ولا تجب إعادته على أربابه وان عرف بعينه » (٢).

وقال العلامة رحمه‌الله في « المنتهى » :

« يجور للانسان أن يبتاع ما يأخذه سلطان الجور بشبهة الزكوات من الإبل والبقر والغنم ، وما يأخذه عن حقّ الأرض من الخراج ، وما يأخذه بشبهة « المقاسمة » من الغلات وإن كان غير مستحقٍ لأخذ شيء من ذلك ، إلا أن يتعين له شيء منه بانفراده أنّه غصب ، فلا يجوز له أن يبتاعه » (٣).

ثم احتجّ لذلك برواية جميل بن صالح وإسحاق بن عمّار وأبي عبيدة السالفات (٤) إلى أن قال :

« إذا ثبت هذا فإنّه يجوز ابتياع ما يأخذه من الغلات باسم « المقاسمة » أو الأموال باسم « الخراج » عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم « الزكاة » ، وقبول هبته ، ولا تجب إعادته على أربابه ، وان عرف بعينه دفعاً للضرورة ».

قلت : هذا بعينه هو ما أسلفناه سابقاً.

__________________

(١) أنظر : ص ٣٦٠ / ج ٢.

(٢) حقل التجارة ، ص ١٣ ج ٢.

(٣) أنظر : ص ٢٧. / ج ١.

(٤) أنظر : ص ٧٨ من هذه الرسالة.

٨١

وقال في « التذكرة » ما هذا لفظه :

« ما يأخذه الجائر من الغلات باسم « المقاسمة » ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة : يجوز شراؤه واتّهابه ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا ، لأنّ هذا مال لا يملكه الزارع وصاحب الأنعام والأرض ، فإنّه حقّ لله تعالى ، أخَذَه غير مستحق ، فبرئت ذمته وجاز شراؤه » (١).

ثم احتجّ لذلك بخبر أبي عبيدة وعبد الرحمان السالفتين.

وقال في « التحرير » :

« ما يأخذه الظالم بشبهة « الزكاة » من الإبل والبقر والغنم ، وما يأخذه عن حقّ الأرض بشبهة « الخراج » وما يأخذه من الغلات باسم « المقاسمة » حلال وإن لم يستحق أخذ ذلك ولا تجب إعادته على أربابه وإن عرفهم إلا أن يعلمه في شيء منه بعينه أنّه غصب ، فلا يجوز له تناوله ولا شراؤه » (٢).

وقال في « القواعد » :

« والذي يأخذه الجائر في الغلات باسم « المقاسمة » ، ومن الأموال باسم « الخراج » عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم « الزكاة » يجوز شراؤه واتّهابه ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا » (٣).

وفي حواشي شيخنا الشهيد « قدس‌سره » على القواعد ، ما صورته :

« وإن لم يقبضها الجائر ، وكذا ثمرة الكرم والبستان ».

وقال في « الإرشاد » عطفا على أشياء ممّا يحل بيعها وتناولها :

« وما يأخذه الجائر باسم المقاسمة من الغلات ، والخراج عن الأرض ، والزكاة من الأنعام وإن عرف المالك ».

وقال شيخنا الشهيد في « الدروس » (٤) كلاماً في هذا الباب من أجود كلام المحققين ، إذا تأمّله المنصف الفطن ، علم أنّه يعتقد في الخراج أنّه من جملة الأموال

__________________

(١) أنظر : ٢ ص ٥٨٣ / ج ١.

(٢) حقل التجارات ص ١٦٢.

(٣) أنظر : ص ١٢٢.

(٤) أنظر : ص ٣٢٩.

٨٢

الخالية من الشبهة ، البعيدة عن الأوهام ، حيث ذكر الجوائز وجعل ترك قبولها أفضل ، وبالغ في أحكام الخراج بما سنحكيه مفصّلا ، وصورة كلامه :

« يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج والزكاة والمقاسمة ، وإن لم يكن مستحقّاً له ».

ثم قال :

« ولا يجب ردّ المقاسمة وشبهها على المالك ، ولا يعتبر رضاه ، ولا يمنع تظلّمه من الشراء. وكذا لو علم أن العامل يظلم ، إلا أن يعلم الظلم بعينه.

نعم يكره معاملة الظلمة ولا يحرم لقول الصادق عليه‌السلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه » (١).

ولا فرق بين قبض الجائر إيّاه أو وكيله وبين عدم القبض ، فلو أحاله بها وقبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو باعها وفي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول ، ويحرم على المالك المنع. وكما يجوز الشراء تجوز سائر المعاوضات والهبة والصدقة والوقف ، ولا يحلّ تناولها بغير ذلك ».

والمقداد رحمه‌الله في « التنقيح » شرح النافع (٢) أخذ حاصل هذا الكلام ، وأورده بصورة الشرح مطوّلاً ، ولم يحضرني في وقت نقل كلام الأصحاب سوى هذا المقدار من الكتب فانقل كلام الباقين ، لكن فيما أوردناه غنيّة وبلاغ لاُولي الألباب ، فإنّ كلام الباقين لا يخرج عن كلام من حكينا كلامهم ، إذ لو كان فيهم مخالف لحكاه من عثرنا على مصنفاتهم واطّلعنا على مذاهبهم ، لما علمناه من شدّة حرصهم على ايراد خلاف الفقهاء وإن كان ضعيفاً ، والإشارة إلى القول الشاذ وإن كان واهياً فيكون الحكم في ذلك إجماعيّاً.

على أنّه لو كان فيهم مخالف مع وجود فتوى كبراء المتقدّمين والمتأخرين

__________________

(١) التهذيب / ج ٦ / ٧٩ / ح ٣٣٧.

(٢) أنظر : ص ١٩ ج ٢ من الكتاب المذكور.

٨٣

واستفاضة الأخبار عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وصحة طرق كثير منها ، واشتهار مضمونها ، لم يكن خلافه قادحاً ، فكيف والحال كما قد عرفت.

فها نحن قد قرّرنالك في هذه المسألة ، وأوضحنا لك من مشكلاتها ما يجلي صدأ القلوب ، ويزيل أذى الصدور ، ويرغم أنوف ذوي الجهل ، ويشوه وجوه أولي الحسد الذين يعضون الانامل غيظاً وحنقا ، ويلتجأوون في تنفيس كربهم إلى التفكّه في الاعراض ، والتنبيه على ما يعدونه بزعمهم من العورات ، ويطعنون بما لا يعد طعنا في الدين ، يمهدون بذلك لانفسهم في قلوب دهماء العامّة وضعفاء العقول وسفهاء الأحلام محلاً ، ولا يعلمون أنهم قد هدّموا من دينهم ، وأسخطوا الله مولاهم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

فإنّ ما أوردناه من الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام وحكيناه من فقهاء العترة النبوية المبرئين من الزيغ والزلل ، إن كان حقّاً يجب اتّباعه والانقياد له ، فناهيك به وكانوا أحقّ بها وبأهلها وأيّ ملامة على من اتّبَعَ الحقّ ، وتمسّك بهدى قادة الخلق لولا أنعمه عن صوب الصواب ، والغشاء عن نور اليقين. وإن كان باطلاً ما أثبتناه من الأخبار الكثيرة والأقوال الشهيرة فلا سبيل لنا إلى مخالفتهم وسلوك غير جادتهم ، والحال : أنهم قدوتنا في أصول ديننا وعمدتنا في أركان مذهبنا ، وكيف نتبعهم حيناً ونفارقهم حيناً ؟ يحلونه عامّاً ويحرّمونه عاماً.

شعر :

وهل أنا إلا من غزية إن غوت

غويت وإن ترشد غزيّة أرشد

على أنّ الحاسد لا يرضى وإن قرعت سمعه الآيات ، والمغمّض لا يبصر وإن أتى بالحجج البيّنات ، ولو راجع عقله وتفكّر لم يجد فرقاً بين حلّ الغنائم وحل ما نحن فيه بل هذا إنّما هو شعبة من ذاك ، فإنّه إذا كان المبيح له والإذن في تناوله واحداً فأيّ مجال للشك ، وأيّ موضع للطعن لولا عين البغضاء وطوية الشحناء ؟

٨٤

وجديرٌ بمن علم كيف كان طحن الحاسدين وإنكار المغمضين على سيّد الكونين وإمام الثقلين ونسبتهم إليه الأباطيل وندائهم عليه في الأندية بالأفاعيل ممّا يذيب المرائر ويفتّت قلوب ذوي البصائر ، أن يهون عليه مثل هذه الأقوال السخيفة والإنكارات الفاسدة.

شعر :

فما في حريم بعدها من تحرج

ولا هتك ستر بعدها بمحرم

وما زلنا نسمع من خلال المذاكرة في مجالس التحصيل من أخبار علمائنا الماضين وسلفنا الصالحين ما هو من جملة الشواهد على ما ندعيه ، والدلائل الدالّة على حقيقة ما ننتحيه.

فمن ذلك ما تكرّر سماعنا من أحوال الشريف المرتضى علم الهدى ، ذي المجدين ، أعظم العلماء في زمانه ، الفائز بعلوّ المرتبتين في أوانه : عليّ بن الحسين الموسوي قدس الله سره فإنّه مع ما اشتهر من جلالة قدره في العلوم وأنّه في المرتبة التي تنقطع أنفاس العلماء على أثرها ، وقد اقتدى به كلّ من تأخّر عنه من علماء أصحابنا بلغنا أنّه كان في بعض دول الجور ذا حشمة عظيمة وثروة جسيمة وصورة معجبة ، وأنّه قد كان له ثمانون قرية. وقد وجدنا في بعض الآثار ذكر بعضها.

وهذا أخوه ذو الفضل الشهير والعلم الغزير والعفّة الهاشميّة والنخوة القرشيّة ، السيد الشريف المرضيِّ الرضيٍّ ـ روّح الله روحه ـ كان له ثلاث ولايات ، ولم يبلغنا عن أحد من صلحاء ذلك العصر الانكار ولا النقص منهما ، ولا نسبتهما إلى فعل حرام أو مكروه أو خلاف الأولى ، مع أنّ الذين ـ في هذا العصر ـ ممّن يزاحم بدعواه الصلحاء لا يبلغون درجة أتباع أولئك ، والمقتدين بهم.

ومتى خفي شيء ، فلا يخفى حال استاذ العلماء المحققّين والسابق في الفضل على المتقدّمين والمتأخرين ، نصير الملّة والحق والدين ، محمَّد ابن الطوسي

٨٥

ـ قدس الله نفسه وطيب رمسه ـ وأنه كان المتولي لأحوال الملك ، والقائم بأعمال السلطنة.

هذا وأمثاله إنّما يصدر عن اوامره ونواهيه.

ثم أنظر إلى ما اشتهر من أحوال أيّة الله في المتأخّرين ، بحر العلوم ، مفتي الفرقة ، جمال الملّة والدين ، أبي منصور الحسن المطهر ـ قدس الله روحه ـ وكيف كان ملازمته السلطان المقدس المبرور ( محمَّد خدا بنده ) وأنه كان له عدة قرى ، وكانت نفقات السلطان وجوائزه واصلة إليه ، وغير ذلك ممّا لو عدّد لطال.

ولو شئت أن أحكي عن أحوال عبدالله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر ، وكيف كانت أحوالهما في دول زمانهما لحكيت شيئاً عظيماً.

بل لو تأمّل المتأمّل ، الخالي من المرض قلبه ، لَوَجَدَ المربّي للعلماء والمروّج لأحوالهم إنّما هو الملوك وأركان دولتهم. ولهذا لما قلّت العناية بهم ، وانقطع توجّههم بالتربية إليهم ضعفت أحوالهم ، وتضعضعت أركانهم ، وخليت أندية العلم ومحافله في جميع الأرض.

وليس لأحد من المفتين أن يقول : إنّ هؤلاء أحيوا هذه البلاد ، وكانت ـ قبل ـ مواتاً ، لأنّ هذا معلوم البطلان ببديهة العقل.

أما أوّلاً : فلأنَّ بلاد العراق على ما حكيناه كانت بتمامها معمورة ، لم يكن لأحد مجال أن يعمّر في وسط البلاد قرى متعدّدة ، وما كان بين القربتين والبلدين في البعد قدر فرسخ إلا نادراً ، كيف ومجموع معمورها من الموصل إلى عبّادان ستّة وثلاثون ألف ألف جريب (١).

__________________

(١) إنّ تحديد ما هو عامر أوميت فضلاً عن بعض المواقع التي صولح عليها من الصعب أن يركن إليه الملاحظ في الذهاب إلى أن العراق كان معموراً بتمامه كما هي وجهة نظر المؤلّف ، أو إلى أن التصرّف الذي مارسه الآخرون ( ممّن يُناقشهم المؤلّف إحيائهم لأرض ميتة محدودة بشكل يمكن فرزها عن المعمور ، أو الميّت الذي كان عامرا زمن الفتح ، وخاصة إذا عرفنا أنّ ( المؤرّخين ) أشاروا إلى مواقع من « الجنوب » وغيرها ممّا لم تدخل في نطاق « السواد » ، فضلاً عن التحديد القائم الذي أشرنا إليه في مقدّمة هذه الرسالة.

٨٦

وأما ثانياً : فلأنّ عمارة القرى أمر عظيم يحتاج إلى زمان طويل وصرف مالٍ جزيل وهم كانوا بعيدين عن هذا الاستعداد ، مع هذه التمّحلات بعد ما تلوناه من كلامهم في أحكام هذه الأرضين وأحوال خراجها وحلّ ذلك من التكلّفات الباردة والاُمور السامجة ، نعوذ بالله من القول بالهوى ومجانبة سبيل الهدى ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٨٧

الخاتمة

في التوابع واللواحق وفيها مسائل :

الأولى : في أن الخراج ليس من جملة مواضع الشبهات ، لأنّا قد قرّرنا فيما قبل أنّه من جملة الغنائم إذ هو حقّ الأرض المفتوحة ، فحلّها تابع لحلّها بغير تفاوت.

وقد أقمنا الدليل على ذلك ، وحكينا ما صدر عن الأصحاب رحمهم الله فيه ، وليس لنا ما ينافي ذلك إلا أخذه بأمر سلطان الجور ، وهو موقوف على أمر الإمام عليه‌السلام ونظره عليه‌السلام ، وهذا لا يصلح للمنافاة ، لأنّ الأئمة عليهم‌السلام أباحوا لشيعتهم ذلك حال الغيبة ، وأزالوا المانع من جهتهم ، فلم يكن فيه شيء يقتضي التنفّر ، ولا يبعد من رضا الله سبحانه ورضاهم ، لا سيما إذا انضم إلى ذلك نظر نائب الغيبة.

وأيّ فارق بينه وبين ما أحَلوا لشيعتهم حال الغيبة ممّا فيه حقوقهم ؟ وهؤلاء الذين يزرون على هذا النوع لا يتجنبون ما فيه حقّهم عليهم‌السلام ، بل ولا يستطيعون ، فإنّ هذه الجواري والعبيد ومتفرّدات الغنائم وما يحصل من البحر بالغوص وغيره لا يستطيع أحدٌ الانفكاك منه ، وهم لا يتحرّجون من هذا القسم ولا ينفرون منه ، ويبالغون في التشنيع على القسم الأول ، لما يلحقه من المحرمات أو مواقع الشبهات ، ويجعلون أنفسهم في ذلك مقتدى للعامة ، يقتفون آثارهم ، ولا يخافون الله سبحانه ، حيث إنهم قد حرموا بعض ما أحله الله ، وأنكروا بعض ما علم ثبوته من الدين ، وينالون من الاعراض المحرّمة بما هو حرام عليهم ، ولا فرق

٨٨

التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة أخماسها الباقية يكون في استحقاق المقت من الله سبحانه بين استحلال الحرام وبين تحريم الحلال ، فإنّ عُمَر لمّا أنكر حلّ المتعة ما زال الأئمة عليهم‌السلام يُنكرون عليه ، ويتوجّعُون من فعله وافترائه ، وحثوا على فعلها ، ووعدوا عليها بمضاعفة الثواب : فطماً للنفوس عن متابعته على ضلالة.

والشبهة إنّما سمّيت شبهة لأنها موضع الاشتباه ، وليس هذا النوع موضعاً للاشتباه كما نقول في أموال الظلمة والعشارين ، فإنّها مواقع الشبهة ومظانّ الحرمات ، فإنّ الحل والحرمة حكمان شرعيّان ، يثبتان وينتفيان بحكم الشارع ، فما كان أمرُ الشارع فيه الحلُ فهو الحلال ، وما كان أمره فيه الحرمة فهو الحرام. فالشبهة هي : الحلال بحسب الظاهر ولكنّه مظنّة الحرام في نفس الأمر كما مثلناه في أموال الظلمة.

الثانية : قد عرفت أنّ « الخراج » و « المقاسمة » و « الزكاة » المأخوذة بأمر الجائر أو نائبه حلالٌ تناولها ، فهل تكون حلالاً للآخذ مطلقاً حتى لو لم يكن مستحقاً للزكاة ولا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام عليه‌السلام ؟ أم إنّما يكون حلالاً بشرط الاستحقاق ، حتّى أن غير مستحق يجب عليه صرف ذلك إلى مستحقيه ؟

إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي الأوّل. وتعليلاتهم بأنّ للآخذ نصيباً في بيت المال ، وأنّ هذا الحقّ لله تعالى ، يُشعر بالثاني.

وللتوقف فيه مجال ، وإن كان ظاهر كلامهم هو الأوّل ، لأنّ رفع الضرورة لا يكون إلا بالحلّ مطلقاً.

الثالثة : قال في « التحرير ».

« روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه سُئِلَ عن النزول على أهل الخراج ، فقال : ثلاثة أيّام.

وعن السخرة في القرى وما يؤخذ من العلوج والأكراد إذا نزلوا في القرى ،

٨٩

قال : ويشترط عليهم ذلك فيما شرطت عليهم من الدراهم والسخرة وما سوى ذلك ، وليس لك أن تأخذ منهم شيئاً حتى تشارطهم ، وإن كان كالمستيقن أن من نزل تلك الأرض أو القرية اُخد منه ذلك ».

قلت : الرواية في « التهذيب » (١) وفيها بدل « الاكراد » « الاُكرة » كأنه جمع « أكار ».

وفي معناها ما رواه عن إسماعيل بن الفضل قال :

سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل اشترى أرضاً من أرض الخراج .. إلى أن قال : « إن أناساً من أهل الذمّة نزلوها ، ألَهُ أن يأخذ منهم اُجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم ؟ قال : يشارطهم ، فما اُخذ بعد الشرط فهو حلال » (٢).

ولكن روي عن عليّ الأزرق ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول :

« أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً عليه‌السلام عند موته ، فَقال : يا عليّ لا يُظلم الفلاحون بحضرتك ولا يزاد على أرض وضعت عليها ولا سخرة على مسلم » (٣).

وفي معنى ذلك ما رواه عن « الحلبي » (٤) عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

الرابعة : روى الشيخ رحمه‌الله في « التهذيب » عن علي بن يقطين قال :

« قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال : إن كنت لا بدّ فاعِلاً فاتّقِ أموال الشيعة ، قال : فأخبرني علي أن كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السّر » (٥).

وفي معناه : ما رواه الحسن بن الحسين الانباري عن الرضا عليه‌السلام قال :

__________________

(١) حقل : أحكام الأرضين / ص ١٥٣ ١٥٤ ج ٧ ح ٦٧٨.

(٢) نفس المصدر ص ١٥٤ / ح ٦٧٩.

(٣) نفس المصدر / ص ١٥٤ / ح ٦٨٠.

(٤) نفس المصدر ١٥٤ / ح ٦٨١.

(٥) نفس المصدر / ص ٣٣٥ ، ج ٦ ـ ٩٢٧.

٩٠

« كتبت إليه أربعة عشرة سنة استأذنه في عمل السلطان ، فلمّا كان في آخر كتبت إليه أذكر أننّي أخاف على خبط عنقي وأنّ السلطان يقول : رافضي ، أو لسنا نشك في أنّك تركت عمل السلطان للرفض ».

فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام :

« فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فإن كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ تصير أعوانك وكتابك أهل ملّتك ، وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين كان ذا بذا ، وإلا فلا » (١).

قلت : في معنى هذين الحديثين أحاديث اُخر ، وليس هذا ممّا نحن فيه بشيء ، لأنّ موضوع هذا تولي أعمال سلطان الجور وأخذ الجائز على ذلك ، وهذا خارج من بحثنا بالكلية ، وما ورد في الحديث الأول أنّه كان يجبي أموال الشيعة علانية ويردّها عليهم سرّاً ، يمكن أن يكون المراد به وجوه الخراج والزكوات والمقاسمات لأنها وإن كانت حقّاً عليهم فليست حقّاً للجائر ، فلا يجوز جمعها لأجله إلا عند الضرورة. لازلنا نسمع من كثير ممّن عاصرنا هم لاسيما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال قدس الله روحه ، وغالب ظني أنّه بغير واسطة بل بالمشافهة أنّه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته ولا جحوده ولا منعه ، ولا شيئاً منه لأنّ ذلك حقّ واجب عليه ، والله سبحانه أعلم بحقائق الأمور.

* * *

وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام ، فلنحمد الله الذي وفقنا للتمسّك بعروة عترة النبييّن ، النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلاصة [ خاصّته ] (٢) الوصيّ

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ / ص ٣٣٥ / ٩٢٨.

(٢) الموجود في النسخة ( خاصّة ).

٩١

المرتضى ، أحد السببين ، وثاني الثقلين ، وضياء الكونين ، وعصمة الخلق في الدارين ، وسلوك محجتهم والاستضاءة بأنوار حجتهم. ونسأل الله جل اسمه أن يصلي ويسلّم عليهم أجمعين ، صلاة يظهر بها شرف مقامهم يوم الدين ، وأن يحشرنا في زمرتهم وتحت ألويتهم ، ويتوفانا على حبهم ، مقتفين هداهم في صدرهم ووردهم ، وأن يصفح عن ذنوبنا ويتجاوز عن سيّئاتنا ، ولله الحمد والمنّة أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً ...

« فرغ من تأليفها العبد المعترف بذنوبه علي بن عبد العالي وسط نهار الاثنين تقريباً حادي عشر شهر ربيع الثاني سنة عشر وتسعمائة حامداً ومصلياً على محمَّد وآله الطيبين الطاهرين ».

٩٢

فهرس رسالة المحقّق الكركي

نبذة من حياة المحقّق الكركي....................................................... ٥

تقديم الكتاب................................................................... ٢٤

تمهيد المؤلف.................................................................... ٣٧

في أقسام الأرضين وبيان أحكامها................................................. ٤٠

إن تقسيم الأراضي موجود في كلمات الاصحاب كالشيخ والعلامة والشهيد.......... ٤٤

حكم الأراضي المفتوحة عنوة وذكر كلمات الأصحاب في ذلك...................... ٤٦

ذكر أخبار الدالّة على عدم جواز بيعها............................................ ٥٠

الإشكال في بيع أرض العراق حال كونها أرض خراجية وردّة........................ ٥٢

الاستدلال على الأرض الخراجيّة برواية أبي بردة وتوجيها............................ ٥٥

تعريف الأنفال وبيان حكمها .................................................... ٥٥

بيان الأنفال من خلال الأخبار.................................................... ٥٦

فائدة في بيان عدم الفرق بين الغيبة الإمام وحضوره في زمان التقيّة باعتباره ممنوعاً من التصرف ٦٠

في تعيين الأراضي المفتوحة عنوة.................................................. ٦١

في تعريف الخراج............................................................... ٧٠

حكاية قول المقدار وفي الرجوع إلى العرف......................................... ٧٠

٩٣

في تحديد الخراج................................................................ ٧٢

في بيان حل الخراج في حال حضور الإمام وغيبته................................... ٧٥

الاستدلال على حلّ الخراج حال الغيبة............................................ ٧٦

في أن الخراج ليس من جملة مواضع الشبهات....................................... ٨٨

٩٤