كتاب الجواهر الثمينة في محاسن المدينة

المؤلف:

محمّد كبريت الحسيني المدني


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل الشافعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٨

الآمنون](١) لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، هاذي يدي مبسوطة عليكم وأنا ربكم أنظر إليكم فيقولون ربنا حاجتنا إليك النظر إلى وجهك الكريم والرضى عنا فيرفع الحجاب ويتجلى الحق جل جلاله فيخرون سجدّا فيقول الله تبارك وتعالى قد رضيت عنكم فلا أسخط عليكم أبدّا» (٢) فما أحلاها من كلمة وما ألذها من بشرى. فيقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور [(الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ)](٣) [فاطر : ٣٤ ـ ٣٥] [والله أعلم](٤).

مسئلة : ليس في الجنة عبادة إلا الحمد والشكر والتسبيح والتهليل عن غير تكليف وإلزام وإنما هو من تيسير الإلهام (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الزمر : ٧٤].

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله

على نعم ما كنت قط لها أهلا

إذا ازددت تقصيرّا تردني تفضلا

كأني بالتقصير استوجب الفضلا

وقال آخر :

لك الحمد يا الله في كل حالة

ومن جملة الآلاء قولي لك الحمد

فلا حمد إلا أن تمن بقوة

تعاليت لا يقوى على حمدك العبد

وقال غيره :

إذا كان شكري أنعم الله نعمة

على أنه من مثلها يجب الشكر

فكيف يكون الشكر إلا بفضله

وإن طالت الأيام واتسع العمر

مسئلة : قدم النبي صلّى الله تعالى وسلم عليه المدينة المنورة ضحى يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول (٥) فاستقبله زها خمسمائة من الأنصار فما

__________________

(١) في ب تقديم وتأخير.

(٢) بنحوه أخرجه : مسلم في الإيمان (١ / ١٦٣) ـ الحديث (٢٩٧). والترمذي في صفة الجنة (٤ / ٦٨٧) ـ الحديث (٢٥٥٢). وابن ماجه في المقدمة (١ / ١٦٧) ـ الحديث (١٨٧). والإمام أحمد في مسنده (٦ / ١٩) ـ الحديث (٢٣٩٨١).

وأخرجه البخاري عن أبي سعيد مرفوعا [يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا]. (٨ / ٥٣١) ـ الحديث (٤٩١٩). وأخرجه البخاري عن أبي هريرة مطولا في التوحيد (١٣ / ٤٣٠) ـ الحديث (٧٤٣٧).

(٣) سقط من ب.

(٤) سقط من أ.

(٥) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٥١١).

٨١

رأى أحد مثل ذلك اليوم وخرج يوم الجمعة عند ارتفاع النهار فركب ناقته والمسلمون عن يمينه وشماله ومن خلفه منهم الماشي ومنهم الراكب فما مر بدار من دور الأنصار إلا قالوا هلم يا رسول الله إلى القوة والمنعة فيقول لهم خيرّا ويدعو ويقول عن ناقته انها مأمورة خلوا سبيلها. فمر ببني سالم فأتى مسجدهم الذي في وادي رانونا وأدركته صلاة الجمعة. فصلاها لهم هنالك. فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ثم ركب ناقته وصار حتى انتهت به إلى زقاق الحبشى ببني النجار فجعلن النساء والولدان يضربن على [الدفاف](١) ويقلن :

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعى لله داع (٢)

وفي رواية :

أيها المبعوث فينا جئت بالأمر [المطاع جئتنا تمشي](٣) رويدا نحونا يا خبر ساعى.

ومر عليه‌السلام بجوار من الأنصار وهنّ ينشدن ويقلن :

نحن جوار من بني النجار

يا حبذا محمد من جار

وقال عليه الصلاة والسلام «الله يعلم اني أحبكم (٤). ثم سار عليه الصلاة والسلام إلى أن بركت ناقته على باب دار أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه فنزل بها سبعة أشهر ثم بنى مسجده» (٥) قال أهل السير. بناه أولا. ماية في ماية وقيل أقل من ماية في طول سبعة أذرع [وقيل في طول خمسة أذرع](٦) فلما فتح الله تعالى عليه خيبر بناه [ثانيا](٧) وزاد عليه مثله ولما هاجر عليه الصلاة والسلام فرح بقدومه الشريف أهل

__________________

(١) ثبت في أ [الدف].

(٢) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٥٠٦ ـ ٥٠٧) من طريق : أبو بكر الإسماعيلي قال سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول : لما قدم عليه‌السلام المدينة جعل النساء والصبيان يقلن ... وذكره. وانظر / البداية والنهاية لابن كثير (٢ / ١٩٥).

(٣) سقط من أ.

(٤) صحيح : أخرجه ابن ماجه في النكاح (١ / ٦١٢) ـ الحديث (١٨٩٩) والبيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٥٠٨). وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨). والسيوطي في الخصائص الكبرى (١ / ١٩٠).

(٥) أخرج الحافظ البيهقي في الدلائل (٢ / ٥٠٩) عن عبد الله بن الزبير أنه ثبت ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في العرش اثنتي عشرة ليلة حتى بنى المسجد.

(٦) سقط من أ.

(٧) في أ [ثانية].

٨٢

المدينة وكان يوم قدومه عندهم أعظم من يوم الزينة وأول كلمة سمعت منه بالمدينة المنورة «أيها الناس أفشوا السلام واطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» (١) ولما بركت ناقته الميمونة عند المسجد الشريف قال هذا المنزل إن شاء الله تعالى اللهم أنزلني منزلا مباركّا وأنت خير المنزلين. فقال المحل بلسان الحال :

بقدومكم نزل السرور بساحتي

وغدا بها طير الهنا يغرد

ولقد سموت على الديار بقربكم

حتى كأنني فوقهن الفرقد

سبحان من بالعز أبدل ذلتي

وأنالني منحّا عليها أحسد

إن البقاع إذا نظرت رأيتها

تشقى كما تشقى الرجال وتسعد

و «كان موضع المسجد الشريف حديقة ليتيمين من الأنصار هما أسهل وسهيل وكانا في حجر أسعد بن زرارة.

وقيل : معاذ بن عفرا فاشتراه النبي صلى الله تعالى وسلم عليه أو استوهبه وبناه مسجدّا وأمر بقطع ما كان فيه من النخيل والفرقد وكانت فيه قبور جاهلية فأمر بها فنبشت وأمر بالعظام فغيبت ولما أخذ في بنائه قال «ابنوا لي عريشّا كعريش أخي موسى ثهامات وخشبات وظلة كظلة أخي موسى والأمر أعجل من ذلك قيل وما ظلة موسى قال كان إذا قام فيه أصاب رأسه السقف.

وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يرتجز في عمل المسجد فيقول ولا يستوي من يعمر المساجدا. يداب فيها قائمّا وقاعدا. ومن يرى عن الغبار حائرا. فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليها العوارض والخصف والأذخر فعاشوا فيه وأصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم. فقالوا : يا رسول الله لو امرت بالمسجد فطين. فقال «لا عريش كعريش موسى» فلم يزل كذلك حتى فارق الدنيا صلى الله تعالى وسلم عليه وزاده شرفّا وفضلا لديه ثم تداولته أيدي الخلفاء والملوك فوسعت فيه وبنته [على](٢) مقتضى حال الوقت وتفصيل ذلك مما يطول شرحه وقد تكفلت بأخباره التواريخ أنشدني [العلامة](٣) الشيخ إبراهيم بن أبي الحرم [المدني](٤) أجازه لنفسه :

__________________

(١) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (٤ / ٦٥٢) ـ الحديث (٢٤٨٥) وابن ماجه في إقامة الصلاة (١ / ٤٢٣) ـ الحديث (١٣٣٤).

والدارمي في الاستئذان (٢ / ٣٥٧) ـ الحديث (٢٦٣٢) واللفظ له. والإمام أحمد في مسنده (٥ / ٥٢٥) ـ الحديث (٢٣٨٤٦).

(٢) سقط من أ.

(٣) سقط من ب.

(٤) سقط من ب.

٨٣

من رام يستقصي معالم طيبة

ويشاهد المعدوم كالموجود

فعليه باستيفاء تاريخ الوفا

تأليف عالم طيبة السمهودي

[وروي](١) عنه عليه‌السلام «لا تشد الرحال (٢) إلا (٣) إلى ثلاثة مساجد. المسجد الحرام (٤) ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» (٥)(٦).

__________________

(١) في أ [ورد].

(٢) بضم أوله بلفظ النفي والمراد النهي عن السفر إلى غيرها. قال الطيبي : هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال : لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به ، والرحال بالمهملة جمع وصل وهو للبعير كالسرج للفرس ، وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه مع مخرج ذكرها مخرج الغالب في ركب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور ويدل عليه قوله في بعض طرقه [إنما يسافر] أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أنس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة. انظر فتح الباري (٣ / ٧٧).

(٣) الاستثناء مفرغ والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع ، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها ، لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام ، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد. انظر فتح الباري (٣ / ٧٧).

(٤) أي المحرم وهو كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب ، والمسجد بالخفض على البدلية ، ويجوز الدفع على الاستئناف والمراد به جميع الحرم. وقيل : يختص بالموضع الذي يصلى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم. قال الطبري : ويتأيد بقوله : [مسجد ، هذا] لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة ، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك. وقيل : المراد به الكعبة حكاه المحب الطبري وذكر انه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ [إلا الكعبة] قال الحافظ ابن حجر : وفيه نظر لأن الذي عند النسائي [إلا مسجد الكعبة] حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة ، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له : هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم؟ قال : بل في الحرم لأنه كله مسجد. انظر / فتح الباري (٣ / ٧٧ ـ ٧٨).

(٥) أي بيت المقدس وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، وقد جوزه الكوفيون واستشهدوا له بقوله تعالى : «وما كنت بجانب الغربي». والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي الذي بجانب المكان الغربي ومسجد المكان الأقصى ونحو ذلك ، وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة. وقيل : في الزمان. قال الحافظ ابن حجر : وفيه نظم لأنه ثبت في الصحيح أن بينهما أربعين سنة. وقال الزمخشري : وسمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد وقيل : لبعده عن الأقذار والخبث. وقيل : هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة وبيت المقدس أبعد منه ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى ، وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث ، وبيت المقدس بسكون القاف ، وبفتحها مع التشديد ، والقدس بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال ـ

٨٤

وعنه عليه الصلاة والسلام «من دخل مسجدي يتعلم خيرّا ويعلمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله من دخله لغير ذلك من أحاديث الناس كان كالذي يرى ما يعجبه وهو لغيره»(١).

وعنه عليه الصلاة والسلام «أنا خاتم الأنبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتركب إليه الرواحل ، صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» (٢) كذا في منح الفتاح (٣).

__________________

ـ وبضمهما أيضا. وشلم بالمعجمة وتشديد اللام بالمهملة ، وشلام بمعجمة ، وسلم بفتح المهملة وكسر اللام الخفيفة ، وأورى سلم بسكون الواو ، وبكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة قال الأعشى : وقد طفت للمال آفاقه* دمشق فحمص فأورى سلم. ومن أسمائه كورة ، وبيت إيل ، وصهيون ، ومصروت آخره مثلثة وكورشيلا ، وبابوس بموحدتين ومعجمة وقد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب [ليس]. وفي هذا الحديث : فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ، ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم ، والثاني كان قبلة للأمم السالفة ، والثالث أسس على التقوى. انظر / فتح الباري (٣ / ٧٨).

(٦) متفق عليه : أخرجه البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (٣ / ٧٦) ـ الحديث (١١٨٩). ومسلم في الحج (٢ / ١٠١٤) ـ الحديث (٥١١ / ١٣٩٧). وأبو داود في المناسك (٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣) ـ الحديث (٣٠٣٣). والترمذي في أبواب الصلاة (٢ / ١٤٨) ـ الحديث (٣٢٦). والنسائي في الكبرى في المساجد (١ / ٢٥٨) ـ الحديث (٧٧٩). وابن ماجة في إقامة الصلاة (١ / ٤٥٢) ـ الحديث (١٤٠٩). والإمام أحمد في مسنده (٢ / ٣١٣) ـ الحديث (٧٢٠٩).

(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (١) ٤٦٦ ـ الحديث (٨٦٢٤). وابن حبان في صحيحه (ص / ٤٩) الحديث (٨١) موارد الظمآن). والحاكم في المستدرك في العلم (١ / ٩١) ـ والطبراني في الكبير (٦ / ١٧٥). الحديث (٥٩١١).

(٢) عزاه الحافظ السيوطي للبزار عن عائشة مرفوعا. انظر / الدر المنثور (٥٤١٢).

(٣) جاء في الهامش : قال العلامة الخطيب أحمد البري عن شيخه العلامة عبد الرحمن الخياري ـ رحمهما‌الله ـ ما نصه : فالصلاة بمكة وإن كانت أكثر من حيث العدد فهي في المدينة أكثر من حيث المدد المحمدي وقد يزكو العدد القليل لبعض الأسباب على العدد الكثير كصلاة النفل في البيت بالنسبة إلى صلاته في المسجد ولو المسجد الحرام على القول باختصاص المضاعفة به لما فيه من الاتباع ، ولئن سلم عدم الزيادة عليها [...] بعد يوجد في المفضول مزية ليست في الفاضل كما في الصوم ، فإن الصلاة أفضل منه على الأصح ومع ذلك يتولى الله جزاءه وذلك يدل على أنه أعظم من جزاء الصلاة ، لأنما يتولاه الله تعالى شيء عظيم ، وحيئنذ لا دليل في كثرة المضاعفة على أفضلية مكة لخروج الصلاة بدليل خاص لحكمة يعلمها الله تعالى ويعلم بها من يشاء فتفطن. أشار إلى هذا الأخير البرماوي في شرح البخاري له.

٨٥

وعنه عليه الصلاة والسلام «من خرج على طهر لا يريده إلا للصلاة في مسجدى حتى يصلي فيه كان بمنزلة حجة» (١).

وعنه عليه‌السلام «لا تقوم الساعة حتى تقلب على مسجدي هذا الكلاب والذباب والضباع فيمر الرجل ببابه فيريد أن يصلي فيه [فلا](٢) يقدر عليه» (٣) كذا في الدرة.

وما أحسن ما قال :

السباق السباق قولا وفعلا

حذر النفس حسرة المسبوق

ومن محاسن المسجد الشريف «القبة الزرقاء» التي من حظى بقربها قضت له السعادة الأزلية بأن لا يشقى. كيف لا وقد اشتملت على ضريح سلطان الأنبياء وترجمان الأصفياء فلقد سعدت بها طيبة الطيبة واستنزلت بساكنها من الله تعالى [وشآبيب](٤) رحمته الطيبة.

فيا حسنها والليل مرخى سدوله

وقد أشرقت بالنور قبتها الزرقاء

وقالوا يرق العيش فيها على الفتا. فقلت وما أحلاه عيشّا وإن رقا.

ومن محاسنه الروضة المطهرة وما اشتملت عليه من الآثار المحمدية.

قال في الجوهر المنظم لم يتحدد عرض الروضة [لاختلاف الروايات](٥) الصحيحة.

قال ابن جماعة والظاهر منها أن جميع مسجده روضة فهي تطلق على أماكن متفاوتة في الفضل ، فأفضلها ما بين القبر والمنبر ، ثم ما بين بيوته كلها والمنبر ، ثم بقية المدينة ، ثم ما كان خارجها إلى المصلى. انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمة الله تعالى عليه.

__________________

(١) أورده المنذري في الترغيب والترهيب وقال : انفرد بهذه الزيادة يوسف ابن طهمان. قال : ورواه يوسف بن طهمان عن أبي أمامة عن سهل عن أبيه مرفوعا. انظر الترغيب والترهيب (٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩) ـ (١٧).

(٢) في ـ أ [فما].

(٣) لم أجده.

(٤) كلمة غير مقروءة في أوفي ب هكذا [شآبيب]. قال في القاموس : الشؤبوب : الدفعة من المطر وحد كل شيء وشدة دفعه ، وأول ما يظهر من الحسن ، وشدة حر الشمس وطريقتها جمع شآبيب. انظر / القاموس المحيط (١ / ٨٥).

(٥) في أ [لاختلافات الرواية].

٨٦

وما أحسن ما قال ابن جابر :

إذا قمت فيما بين قبر ومنبر

بطيبة فاعرف أين منزلك الأرقا

لقد قمت في دار النعيم بروضة

ومن قام في دار النعيم فلا يشقا

وقال آخر :

بهجة العين روضة المختار

تنجلي في مشارق الأنوار

حرم حل فيه خير إمام

جامع الفضل قبلة الأبرار

أول العاملين في الخلق لكن

آخر المرسلين في الإنذار (١)

باذخ الأصل ناسخ الجهل علما

راسخ الفضل شامخ في الفخار

مضرى وأبطحى حسيب

قرشي وهاشمي نذاري

صفوة الحق أشرف الخلق طرا

نخبة من خلاصة الأخيار

يا رسول الإله كن لي شفيعّا

يا شفيع العصاة من حر نار

أنت في الأنبياء سلطان شرع

جئت بالسيف منذر الكفار

فعليك السلام من عبد ود

ما سرى سر نسمة الأسحار

وعلى الآل والصحابة جمعا

وعلى التابعين والأنصار

مسئلة : قوله عليه الصلاة والسلام «ما بين حجرتي ومصلائي روضة من رياض الجنة» (٢) قيل المراد مصلاه في مسجده وقيل مصلى العيد وهو ما فهمه بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم كذا في الجوهر المنظم.

مسئلة : ما بين المنبر ومقامه الذي كان يصلي فيه أربعة عشر ذراعّا وشبرّا بذراع اليد المعتدلة حكاه ابن حجر.

مسئلة : كان المنبر الشريف من طرفاء الغابة ثلث درجات وذلك في سنة ثمان من الهجرة وعنه عليه الصلاة والسلام «منبري على حوضي» (٣).

قال الخطابي : معناه من لزم عبادة الله تعالى عنده (٤) انه يسقى من الحوض يوم القيامة وقال غيره المعنى أن الله تعالى يعيد (هذا المنبر بعينه على حالة فينصبه عند حوضه كما يعيد) الخلائق أجمعين.

وعنه عليه‌السلام «منبري على ترعة من ترع الجنة» (٥).

__________________

(١) هذا البيت أول القول في ب.

(٢) لم أجده.

(٣) لم أجده.

(٤) سقط من أ.

(٥) لم أجده.

٨٧

قال ابن سلام في الترعة ثلاثة أقوال :

أحدها : انها الروضة تكون على المكان المرتفع خاصة.

وثانيها : أنها الباب.

وثالثها : أنها الدرجة.

وروى «على رتعة» بتقديم الراء [على التاء](١) والرتعة بسكون التاء وفتحها الاتساع في الخصب وكل خصب مرتع (٢).

وعنه عليه الصلاة والسلام «لا يحلف أحد عند منبري هذا. [على](٣) يمين آثمة ، ولو على سواك أخضر ، إلا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له النار» (٤).

وفي رواية «من حلف عند منبري هذا يمينا كاذبا يستحل بها مال امرء مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفّا ولا عدلا» (٥).

فائدة : عن كعب الأحبار ما من يوم وليلة إلا وينزل عند الفجر سبعون ألفّا من الملائكة يحفون بالقبر الشريف ، ويصلون عليه إلى الليل ، ثم ينزل سبعون ألفّا يفعلون كذلك إلى الفجر وهكذا حتى يقوم صلّى الله تعالى وسلم عليه من قبره في سبعين ألفّا يزفونه والمراد أنهم يصلون صلاة مخصوصة وإلا فجميع الملائكة يصلون عليه كما قال تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وقد صح في الحديث أن الملائكة تسعة أعشار الخلق (٦).

فائدة : في عشر الستين وسبعمائة اشترى السلطان الصالح إسماعيل بن الناصر قرية من بيت مال المسلمين بمصر. ووقفها على كسوة الكعبة المشرفة في كل سنة وعلى كسوة الحجرة المعطرة في كل خمس سنين مرة بالحريرة الأخضر والأبيض. مكتوبا فيها الشهادتان على رسم الدلالات. وأسماء الخلفاء ومن محاسن آل عثمان خلد الله تعالى دولتهم أنه إذا ولى أحدهم الملك. كسى الحجرة المعطرة بكسوة أخرى بالحرير الملون والوضع البديع وفي أيام (٧) المرحوم السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان ، كسيت مرتين ، وإذا وصلت الكسوة الجديدة قسمت تلك الكسوة القديمة. على خدام الحرم الشريف.

__________________

(١) سقط من أ.

(*) انظر / القاموس المحيط للفيرزآبادي (٣ / ٢٧).

(٢) سقط من أ.

(٣) لم أجده.

(٤) لم أجده.

(٥) لم أجده.

(٦) سقط من ب.

٨٨

تتمة (١) : بيع كسوة الضريح النبوي. إذا صارت مخلوقة وجددت ونقلها جائز بناء على [أن](٢) ذلك موقوف على إذن السلطان. حتى يظهر ما ينافيه وإنما الخلاف في كسوة الكعبة. بناء على شرط الواقف. كذا في كتاب زهد البساتين. وهذا بالنظر إلى الكسوة العثمانية ولا بأس بإخراج تراب الحجرة المعطرة. [وتراب](٣) المسجد الشريف. وأثاره للمتبرك. وقال في شرح لباب المناسك لا بأس بإخراج تراب الحرم وأحجاره وأشجاره اليابسة وإلا ذخر مطلقا وماء زمزم للتبرك به إجماعا زاد في الكبير وتراب البيت للتبرك به لكنه [داخل](٤) في عموم [ما سبق](٥) وهذا في القدر اليسير الذي لا يؤدي إلى التعمق في الحفر قاله الملأ على القارىء تتميم رحمه‌الله تعالى (٦).

قال السبكي في كتابه تنزل السكينة على قناديل المدينة اختلفوا إذا وسع المسجد عما كان عليه في زمنه صلّى الله وسلم عليه هل تثبت الفضيلة أم لا. أم تختص بالقدر الذي كان في زمنه وممن رأى الاختصاص الإمام النووي ورأى جماعة عدم الاختصاص كما في مسجد مكة وقد ثبت أن مسجده كان سبعون ذراعا في ستين وأما تعليق القناديل في الحجرة المعطرة وجعلها لها ملكا أو وقفا أو نذرا أو هبة فلا يجوز التهاون به. وإن لم يكن تعليقها في الأول واجبا ولا مندوبا فقد صار شعارا يحصل بإزالته نقص. فيجب إدامتها [مع](٧) إبقائها على الملك.

ومن محاسن المسجد الشريف محرابه صلّى الله تعالى وسلم عليه وشرف وكرم. فإن الوقوف بهذه المواقف الجليلة من أعظم النعم الجميلة وأي فضيلة أعظم من الوقوف بذلك الموقف الشريف والتملي بأنوار ذلك المقام المنيف أنشدني بمصر المحروسة سنة اثنتين وأربعين وألف. السيد الشريف القاضي محمد الحجازي إجازة لنفسه.

وما أجود ما قال :

إذا رمت جالها الق ظهرك يا فتى

لظهر سما في الناس وهو رحاب

اما تنظر المحراب لو لا استناده

إلى البيت لم تخضع إليه رقاب

فائدة : ابتداء الإمام الحنفي بعد الستين وثمانمائة ومحرابه نهاية زيادة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومن محاسن المسجد الشريف باب الوفود المبلغ قاصد

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) سقط من أ.

(٣) سقط من أ.

(٤) في ب [أدخل].

(٥) سقط من ب.

(٦) سقط من أ.

(٧) ثبت في أ [على].

٨٩

تلك العتبة العلية المقصود فإنه الباب الذي لا يشقى وافده والمورد العذب (١) الذي لا يظمأ وارده.

قيل : ومن خواصه أن من أصيب بنائبة واستند إليه فرج الله تعالى كربه وهون صعبه وإن خلا عن الاستعداد ولم تكن فيه قابلة الاستمداد.

وما أحلى ما قال :

وباب إذا أمه وافد

رآه من الغيث [أدنى](٢) واندا

له الفتح دأب ومن شأنه

يرد وقاصده لن يردا

ومن محاسن (٣) المسجد الشريف الباذهنج اللطيف فإنه ينزل منه الهواء الرطب خصوصّا في الأيام الحارة فيحصل به رفق بالمحدورين بل ويستغنى به عن نسيمات البساتين وهو في ثلاثة مواضع من المسجد الشريف وعليه فما أحسن ما قال :

يا طيبة نفحة باذهنج لم يزل

بهوائه لنفوسنا تنفيس

معرى بجذب الريح من آفاقه

فكأنه للريح مغناطيس

ومن محاسن (٤) المسجد الشريف صحنه فإن الجالس فيه أحسن حالا منه في البساتين مع ما اختص به من مشاهدة الحجرة المعطرة والقبة الشريفة إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تحصى والنوافل التي لا تستقصى وفي الصحن نخلة مرصة حولها درابزين من خشب مربع الشكل وهي من بقايا نخلات كانت هناك قيل كانت بصحن المسجد نخيل مغروسة نحو خمسة عشر.

قال المجد اللغوي : وفي أيام عزيز الدولة ، شيخ الخدام غرس كثير من هذا النخل الذي بالمسجد اليوم وكأنه لم يتعرض أحد لهذه البدعة كذا في المغانم وفي كتاب زهر البساتين فإن قيل كيف ساغ غرس النخل في المسجد وهو من البدع المنهى عنها الجواب ان المسئلة مختلف فيها فمنهم من [كره](٥) ومنهم من [منع](٦) ومنهم من أباح ولا يسوغ الانكار إلا في مسائل الإجماع. وأما حكم ثمرتها فإنها مباحة لجميع المسلمين كالنابت في المقبرة والبيدا وحججة الطريق تتميم في ذكر أبار النبي صلى الله

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في أ [أدب].

(٣) غير ظاهرة في أ.

(٤) في ب [هنالك].

(٥) في أ [ذكره].

(٦) في أ [منعه].

٩٠

تعالى وسلم عليه وهي كثيرة الا ان المشهور منها سبع وفي ذلك يقول أبو اليمن المراغي :

[وما أجل ما قال](١)

إذا رمت آبار النبي بطيبة

فعدتها سبع مقالا بلا وهن

«إريس وغرس رومة وبضاعة ، كذا بصة قل بئر صاء مع العهن بئر إريس كأنيس وتعرف ببئر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. سقط خاتمه الشريف من يد عثمان. رضي‌الله‌عنه. في أيام خلافته. فنزحت فلم يوجد. وعندها حدائق ذات بهجة وماؤها أعذب ماء هنالك وهي (٢) في غرب مسجد قباء طولها أربعة وعشرون ذراعّا وشبرّا. منها ذراعان ونصف في الماء وعرضها خمسة أذرع وطول قفها الذي جلس عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاثة أذرع وعند البئر اطم عال خراب. يعرف بالحصن. كذا في الجوهر المنظم.

قلت : وقد تجد ذنبآء البئر بعد ذلك مرات. وزيل في علو السقف وجعل في قبلي البئر مسجد لطيف. والحصن اليوم مسكن. فلاح البئر المذكورة بئر غرس بفتح أوله ويروي بالضم. جاءها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فدعا بدلو من مائها (٣) ، فتوضىء منه ثم سكبه فيها (٤) ، فما ترفت بعد ذلك. ورأى أنه أصبح على بئر من آبار الجنة ، فأصبح على غرس. فتوضأ منها ، وبصق فيها (٥) ، وأهدى له عسل فصبه فيها ، وهذه البئر بينها وبين مسجد قباء من جهة المشرق نحو نصف ميل. وعند ركنها الشرقي القبلي الحديقة المغلية. طول بئرها سبعة أذرع وعرضها عشرة أذرع والماء ذراعان. كذا في الدرة الثمينة. ومجال البئر قبلي واشتهر عند أهل الفلاح أن المجاز الشامي أوفق بالصنعة وسره الانحدار الطبيعي ومساعدة الهوى.

وفي الجوهر المنظم ورد يا علي إذا أنا مت فاغسلني من بئر غرس بسبع قرب لم

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) في أ [فهي].

(٣) في ب [ماء].

(٤) قال ابن شبة : وحدّثنا عن ابن أبي يحيى ، عن ... أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ من بئر الأغرس ، وأهراق بقيّة وضوئه فيها. انظر تاريخ المدينة المنورة لا بن شبّة ، قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٦١ (ما جاء في البئار التي كان يستقى منها).

(٥) لم أجده.

٩١

تحلل أوكيته فغسل (١) منها كما أمر وكانت خرابا فجددت [بعد السبعمائة](٢). ولها درجة من داخل الحديقة ويقربها مسجد ولها درجة أخرى من خارج الحديقة عمرت عام اثنين وثمانين وثمانماية وكانت عليها حديقة غناء فصارت بورّا كأن لم تكن.

وما أوقع ما قال (٣) :

[بنى](٤) الدنيا أقلوا الهم فيها

فما فيها يؤل إلى الفوات

بناء للخراب وجمع مال

ليغنى والتولد للممات

وبئر رومة بالضم في غربي المدينة بعيدة منها وهي في تراح واسع من الأرض وطي. وعندها بناء من حجارة عظيمة كان ديرا ليهودية طولها ثمانية عشر ذراعّا وعرضها ثمانية أذرع وماؤها حلو صاف طيب ـ ورد (نعم القليب قليب المزنى) (٥) ـ وكانت ليهودي يبيع ماءها للمسلمين فقال عليه‌السلام من يشتري رومة فيتصدق بها فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم وله فيها شرب في الجنة (٦). فساوم عثمان رضي‌الله‌عنه اليهودي فأبى عن بيع كلها فاشترى منه نصفها باثني عشر ألف درهم فجعله للمسلمين وصار لكل يوم فكان المسلمون يستقون (٧) في يوم عثمان ما يكفيهم يومين. فقال اليهودي : أفسدت على [تركن](٨) فاشترى النصف الثاني بثمانية الآف درهم

__________________

(١) قال ابن شبّة : حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي جعفر : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غسّل من بئر سعد بن خيثمة ، بئر يقال لها الغرس بقباء ، كان يشرب منها. انظر تاريخ المدينة لا بن شبة ، قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٦٢ (ما جاء في البئار التي كان يستقى منها).

(٢) سقط من ب.

(٣) سقط من ب.

(٤) في ب [بنو].

(٥) قال ابن شبّة : قال محمد بن يحيى ، وأخبرني غير واحد من أهل البلد : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : نعم القليب قليب المزني. انظر تاريخ المدينة لا بن شبة ، قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٥٤ (ذكر بئر رومة ، وهو في العقيق) تنبيه : ثبت في أ، ب ، بدل [المزني] قوله [الموتى] وهو تصحيف طالب العلم / محمد فارس.

(٦) قال ابن شبّة : قال محمد ، وحدّثت عن الوقاص ، عن الزهري : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من يشتري رومة يشرب رواء في الجنة ، فاشتراها عثمان رضي‌الله‌عنه من ماله فتصدق بها. انظر تاريخ المدينة لا بن شبة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٥٤ (ذكر بئر رومة ، وهي في العقيق).

(٧) في ب [يستسقون].

(٨) ثبت في ب [ركيتي].

٩٢

واستقل بها المسلمون ، وحول هذه البئر آبار طيبة الماء عجيبة الوضع والبناء بحيث يزعم الناظر إليها أنها من وضع الجنة لغرابة أمرها.

[وما ألطف ما قال](١) :

وقد كان أرباب الفصاحة كلما

رأوا عجبا عدوه من صنعة الجنة

بئر بضاعة بموحدة مضمومة وتكسر فمعجمة وقيل مهملة وهي في شمال المدينة. صح أنه قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم انه يستقي لك من بئر بضاعة وهي بئر تلقى فيها [لحوم] الكلاب ؛ والمحائض فقال : إن الماء طهور لا ينجسه شيء (٢) ، وفي ذلك كما لا يخفى رخصة عظيمة ونعمة جسيمة وصح أنه عليه‌السلام «بصق فيها وتوضأ من دلو منها ورده إليها ودعا لها» (٣) وكان المريض يغتسل منها فيبرأ. يكون الماء فيها على قدر ذراعيه وعرضها ستة أذرع وطولها أحد عشر ذراعّا وشبرا وهذه البئر في بستان وماؤها عذب طيب لونه صاف أبيض طيب الرائحة. كذا في الدرة.

قلت : وعندها اليوم مسجد لطيف وأما البستان فقد صار من أنضر الحدائق وأحسنها.

وللنجم من بعد الهبوط استقامة

وللدهر أياما تجور وتعدل

بئر البصة : بموحدة مضمومة فمهملة مخففة.

وقيل : مشددة من بص الماء رشح. والأول من وبص كوعد إذا بلغ.

خرج إليها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وغسل رأسه منها بالسدر يوم الجمعة

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) رواه أبو داود والطبراني وقال ابن شبّة : حدثنا هارون بن معروف قال : حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، عن ابن إسحاق ، عن سليط بن أيوب ، عن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي‌الله‌عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقال له : يا رسول الله ، إنه يستقى لك من بئر بضاعة ، وهي تلقى فيها لحوم الكلاب والمحائض وعذر النساء. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الماء طهور لا ينجّسه شيء. انظر تاريخ المدينة لابن شبة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٥٦ ج ١٥٧ (ما جاء في البئار التي كان يستقى منها).

(٣) قال ابن شبة : حدثنا محمد بن يحيى عن ابن أبي يحيى ، عن يحيى بن عبد الله بن يسار عن سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصق في بضاعة. وقال : حدّثنا عن ابن أبي يحيى عن أبيه عن أمه ، أنها سمعت سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه يقول : سقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي من بضاعة. انظر تاريخ المدينة لابن شبّة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٥٧.

٩٣

وصب غسالة رأسه وفراقة شعره فيها (١) ، وهي قريبة من البقيع على يسار الطريق السالكة إلى قباء في حديقة موقوفة على الفقراء وهي ما بين النخيل ، وقد هدمها السيل [وطمها](٢) ثم غمرت والماء فيها أخضر وإذا انفصل منها فهو أبيض طولها أحد عشر ذراعا منها ذراعان في الماء وعرضها تسعة أذرع وهي مبنية بالحجارة حلوة الماء طيبة ، وفي الحديقة بئر أخرى في قبلتها أصغر منها رجح بعضهم الكبرى واختار بعضهم الصغرى.

بئر حا : قال المجد : هي بئر قريبة الرشا ضيقة القنا طيبة الماء وقد أفرد لها بعضهم مصنفّا وفي الدرة الثمينة : في الصحيح من حديث أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكانت أحب أمواله إليه بئر صا وكانت مستقبلة المسجد ، وكان عليه‌السلام يدخلها ويشرب من مائها (٣) فلما نزل قوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] أتى أبو طلحة إلى النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله تعالى يقول : «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وأنا أحب أموالي إلي بئر صا وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بخ ذلك مال رابح (٤). وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة : افعل. فقسمها في أقاربه وبني عمه.

قال في الوفا : وكان منهم أبي بن كعب ، وحسان بن ثابت فباع حسان حصته من معاوية بن أبي سفيان فقيل له تبيع صدقة أبي طلحة فقال ألا أبيع صاعّا من تمر بصاع من دراهم.

قال الحافظ ابن حجر : وبيع حسان لحصته من معاوية دليل على أن أبا طلحة

__________________

(١) لم أجده.

(٢) ثبت في أ [وطما].

(٣) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٣ / ٢٨٩. وقال ابن شبّة : حدثنا عبد الله بن نافع بن ثابت قال : حدثني مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : كان أبو طلحة ، رضي‌الله‌عنه أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحبّ أمواله إليه بئر ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. فتصدّق بها أبو طلحة رضي‌الله‌عنه. انظر تاريخ المدينة لا بن شبّة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٥٧ (ما جاء في البئار التي كان يستقى منها).

(٤) أخرجه البخاري في الزكاة ٣ / ٣٨١ الحديث ١٤٦١ ـ وأخرجه مسلم في الزكاة ٢ / ٦٩٣ الحديث ٤٢ / (٩٩٨). والدارمي في السنن ١ / ٤٧٧ الحديث ١٦٥٥. والإمام أحمد في مسنده ٣ / ١٧٤ الحديث ١٢٤٤٧.

٩٤

ملكهم الحديقة المذكورة. ولم يقفها عليهم ، ويحتمل أن وقفها ، وشرط أن من احتاج إلى بيع حصته جاز له كما قال بجوازه على وغيره.

قال في الوفا : قلت : وقد اشترط ذلك [علي](١) في صدقته. كما [حكاه](٢) ابن شبة عن نسخه كتاب الصدقة.

وقد اختلف الناس في ضبطه :

فقال صاحب النهاية : بئرحا بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد فيهما وبفتحهما والقصر.

وقال الزمخشري بيرحا فيعلى [من البراح](٣) وهي الأرض المنكشفة الظاهرة وقيل هي على الإضافة. وحا اسم رجل أو قبيلة فينون أو هو مقصور وهذه البئر اليوم في وسط حديقة صغيرة قريبة من البقيع ومن سور المدينة على طريق سالكة طولها عشرون ذراعّا منها أحد عشر في الماء وعرضها ثلاثة أذرع وشبر وهي في مقابلة المسجد النبوي من جانب الشمال.

بئر العهن : بئر بالعالية مليحة منقورة في الجبل لا تكاد تنزف وتسمى اليسيرة (٤) برك عليها النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وتوضأ منها وبصق فيها (٥) وكانت للأنصار وهي اليوم لآل شدقم من بني حسين أشراف المدينة. عليها حديقة غناء وفيها روضة حسناء.

وقد اختلف في السابعة من الآبار : فقيل : هي العهن وهو المشهور عند أهل المدينة.

وقيل بئر السقيا (٦).

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب [رواه].

(٣) سقط من ب.

(٤) في ب [الكبيرة].

(٥) قال ابن شبّة : وحدّثنا عن ابن أبي يحيى ، عن محمد بن حارثة الأنصاري ، عن أبيه ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمّى بئر بني أمية من الأنصار (اليسيرة) ، وبرّك عليها ، وتوضّأ ويصق فيها. انظر تاريخ المدينة لابن شبّة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٦١.

(٦) قال ابن شبّة : حدثنا سعيد بن سليمان وهارون بن معروف ، قالا : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يستقى له الماء العذب من بئر السّقيا. انظر تاريخ المدينة لابن شبّة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٥٨.

٩٥

[وقيل بئر جمل](١) ولا تعرف جهتها فضلا عن عينها.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم قال في مرضه صبوا علي من سبع قرب من آبار شتى (٢) ، ولا دلالة في الحديث على إرادة هذه الآبار المذكورة.

ذكر عن (٣) النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم قال في الدرة لما كانت أيام الخندق وكانوا يخرجون مع النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم ويخافون البيات فيدخلون كهف بني حرام وهو في غربي جبل سلع (٤) تجاه الحديقة النقيبية فبات فيه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم حتى إذا أصبح هبط ونفر العيينة التي عند الكهف وتوضأ منها (٥).

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) أخرجه الدارمي في السنن ١ / ٥١ الحديث ٨١. والإمام أحمد في مسنده ٦ / ١٦٩ الحديث ٢٥٢٣٣. والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٤٥.

(٣) في ب [عين].

(٤) سقط من ب.

(٥) قال ابن شبّة : وحدّثنا عن ابن أبي يحيى عن طلحة بن خداش عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر عن عبد الملك بن جابر عن عبد الملك بن جابر بن عتيك ، وسعد ابن معاذ : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ من العينيّة التي عند كهف بني حرام. قال : وسمعت بعض مشيختنا يقول : قد دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك الكهف. انظر تاريخ المدينة لابن شبّة قيد الطبع بتحقيقنا ١ / ١٦٠.

٩٦

ذكر نسب سيدنا ومولانا رسول الله

صلى الله تعالى عليه وسلم

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهد بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

قال قائلهم :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

[وإلى ههنا اتفقوا واختلفوا فيما وراء ذلك](١) خاتمة.

قال بعضهم هذا النسب الشريف يكتب لكل شيء لأنه اشتمل على حروف الاسم الأعظم وقد جرب في مهمات كثيرة وما زال السلف يحفظون ويأمرون أولادهم بحفظه والتبرك به. وما أحسن ما قال :

فهات لي ذكر من أحب وخلي

كل من في الوجود يرمي بسهمه

لا أبالي ولو أصاب فؤادي

أنه لا يضر شيء مع اسمه

باب : فيما اشتمل عليه سور المدينة السنية (٢) وذكر بعض منافذها العذبة الهنية :

بشراك يا ساكن المنازل

بمنزل ماله مماثل

تشاهد المصطفى دواما

من حيث لا مانع وحائل

فاشكر لمولاك [كل](٣) حين

فالفضل بالشكر غير زائل

وما أصدق ما قال :

إذا كنت [في](٤) طيبة ساكنا

وكنت بعيدّا من المسجد

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب [العلية].

(٣) سقط من ب.

(٤) سقط من ب.

٩٧

فإن فضيلة من قد دنت

به داره منه لم تجحد

قيل لم يكن في المدينة المنورة سور في الزمن القديم وأول من بنى بها سورّا بعد خراب أطرافها عضد الدولة وذلك بعد الستين وثلثمائة في خلافة الطائع بن المطيع (١) قال المجد اللغوي في المغانم وكان مصلى العيد داخل الباب ويروى أن اسحق بن محمد الجعدي بنى سور المدينة سنة مائتين وثلاثة وستين وجعل فيها أربعة أبواب ويحكى عن القاضي سنان الحسيني (٢) أنه كان يقول في الخطبة على المنبر اللهم صن من صان حريم بيتك بالسور محمد بن علي بن منصور.

تتميم في أيام الشريف أبي نمي محمد بن بركات شريف مكة المشرفة استولى على الديار المصرية ملك الروم السلطان الأعظم سليم عليه الرحمة والرضوان فجهز إليهما قاصدّا بالاستمرار والاستقرار والاستيلاء على [أقطار](٣) تلك الديار.

[ومن أحسن ما قال](٤) :

فلا عد منهم نعمة خلقت لهم

ودنيا بهم فيها الحياة تطيب

فكان السلطان سليم عليه الرحمة هو أول من ملك الحرمين من آل عثمان وذلك في سنة تسع وعشرين وتسعماية.

ومن محاسن السلطان سليم قوله على ما حكاه عنه القطب الحنفي في كتابه الاعلام :

الملك لله من يظفر بنيل غنى (٥)

يتركه (٦) قسرّا ويضمن بعده الدركا

لو كان لي أو لغيري قدر أنملة

فوق التراب لكان الأمر مشتركا

وفي أيام ابنه السلطان «سليمان» عليه الرحمة والرضوان كان بناء سور المدينة المنورة اليوم. وذلك في سنة تسعماية وتسعة وثلاثين وبنى على أساس السور القديم في سبع سنوات لتعطيل العمارة في خلال المدة. وكان تمامه في سنة (٧) تسعماية وست وأربعين ودائر السور بذراع العمل ثلاثة آلاف واثنان وسبعون وقيل هو ما بين الأبراج والتجويف. أربعة آلاف والمتصرف (٨) عليه مائة ألف دينار وكتب على الباب الغربي إنه

__________________

(١) في ب [المشبع].

(٢) سقط من ب.

(٣) سقط من أ.

(٤) في ب [منى].

(٥) في ب [ينزله].

(٦) في ب [نملة].

(٧) سقط من ب.

(٨) في ب [المصرف].

٩٨

من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم وقد حصل ولله المنة. بهذا السور لأهل المدينة المنورة. كمال ميسرة الأمان. على اختلاف حال الزمان.

يا من لهم في مهجتي والحشا

منازل تزهو ببنيان

قلبي لكم سور بديع البنا

كأنه السور السليماني

ومن محاسن المدينة : بل من رحمة الله تعالى وعنايته بها [كونها](١) في ولاية صاحب الوقت والزمان ـ ومصاحب العزة والأمان الهمام الذي إذا نسب إلى النفوس كان العاشر من [البشر أو إلى](٢) العقول فهو الحادي عشر.

شمس سماء الخلافة. وقمرها في الليل البهيم. ظل الله تعالى في أرضه. القائم بإحياء سنته وفرضه. ودينه القويم محجة الله الواضحة. ودلالته الناصحة للخالق على التعميم. أمين الله تعالى على خلقه. وخليفته القائم بحقه بتقدير العزيز العليم. الجامع بين شجاعة الليث. وسماحة الغيث. والخلق العظيم. خادم الحرمين الشريفين. سلطان الروم واليمن والعراقين. واسطة عقد آل عثمان السلطان بن السلطان الملك المظفر المنصور المعان المؤيد بالتوفيق والسداد. مولانا السلطان مراد خلد الله تعالى ملكه على تعاقب الآباد. وجعل الممالك في ملكه. وملك عقبه إلى يوم التناد. ولا برحت أيام اقباله مسفرة ووجوه الأنام بتحقيق المرام في أيامه مستبشرة. والله تعالى يجعل صدقاته الشريفة تشفى من داء الحرمان بكل فائدة. وصلاته المنيفة لكل من ضعف عن الوصول إلى استحقاقه عائدة. ما دامت الأيدي بالدعاء له مرفوعة. وقلوب أهل الإيمان على محبته مجموعة.

أجدد عهدي بالدعاء لدولة

قديما أمرتني ودام له حمدي

وأحمد عودي بعد بدئي مثنيّا

على فضلها فيما أسر وما أبدى

ومن محاسنها بل من محاسن الدهر : تعلق أمورها وأحكامها بصاحب القبلة المرضية. حامي حمى بلد الله الأمين. وبلد جده سيد المرسلين. السيد الشريف. السند المنيف. ناصر الشريعة القويمة سالك المسالك المستقيمة [نور حدقة النبوة والرسالة](٣). نور حديقة الفتوة والبسالة المختص من الله تعالى بجزيل العواطف وجميل المنن مولانا السيد زيد بن محسن بن حسين بن حسن زاد الله في شأنه عزة (٤) ومكانة

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) هكذا ثبت في الأصل.

(٣) سقط من ب.

(٤) في ب [عزا].

٩٩

[وجعل فوق مكان](١) أعدائه مكانه ولا برحت ألوية مجده برياح السعادة خافقة. وألسنة الأقلام على مدى الأيام بمدائحه ناطقة. فلقد طابت بشمائله الشابقة ونوافله الفايقة. طيبة الطيبة. وما حولها من البقاع. وشفى بالأمن من هو بها من الرعايا وسائر الأتباع وأصبح أهلها بحمد الله تعالى يرفلون بوجوده وجوده في حلل الوفا وحلل الصفا. ويتنقلون من مكارمه بعد التتميم والتكميل إلى الاكتفاء.

لوائح وفواتح ولما كانت محبة آل البيت النبوي من أسنى المطالب لا سيما وقد قال الله تعالى في كتابه المحكم (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] وإذا الأنام توسلت بوسيلة. فوسيلتي حبي لآل محمد. حتى قال أهل التحقيق : أن خواص العلماء يجدون في قلوبهم مزية تامة لمحبته صلّى الله تعالى وسلم عليه ثم محبة [ذريته](٢) لعلمهم باصطفاء نطفهم الكريمة وتطهيرهم بمحض فضل الله تعالى من الأوصاف الذميمة وينظرون إليهم اليوم. نظرهم إلى آبائهم. بالأمس [ولو رأوهم](٣) ويغضون على انتقادهم. ويزيدون في ودادهم. ويكلون أمرهم إلى بارئهم.

كما قال :

[لأحمد أهواكم وأرعى ودادكم

وحق لآل المصطفى عندي الود](٤)

فما كان منكم من جميل فإنكم

متابعة والفرع عن أصله يبدو

وما خالف المعروف في ظاهر فقد

تولاه رب يرحم العبد إذ يغدو

لاق وراق التنبيه على ذلك ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

قال مولانا السيد شيخ باعلوي في ديباجة كتابه العقد النبوي : الحمد لله الذي اختص أهل البيت المطهرين من الأرجاس والأدناس المتميزين على من سواهم من الناس. بكل فضل وكرم وباس بخصائص تنقطع دونها أعناق مطامع أهل الالتباس. ومزايا لا يشق لها غبار ولا يحلق لها آثار. عند توجهها إلى الغايات [واستياقها](٥) في جلبة الكمالات حتى وقف من سواهم عن التطاول إلى شيء من معاليهم وقامت القواطع بأنهم الواصلون إلى غاية الآمال حتى مواليهم فمن ذلك ما أشار إليه مشرفهم صلّى الله تعالى عليه وسلم بقربهم مع القرآن في وجوب التمسك بهما وانهما لا يفترقان وكتوقف صحة الصلاة على الصلاة عليهم. عند جمع من العلماء الأعيان وكونهم كسفينة نوح عليه‌السلام من ركبها نجا. ومن تخلف عنها هلك. فالحذر [الحذر](٦) أن تكون ممن

__________________

(١) في ب [قوت].

(٢) في ب [ذريتهم].

(٣) في أ [ولو رأفهم].

(٤) سقط من ب.

(٥) في أ [واشتياقها].

(٦) سقط من ب.

١٠٠