النفحة المسكية في الرحلة المكية

عبد الله بن حسين السويدي البغدادي

النفحة المسكية في الرحلة المكية

المؤلف:

عبد الله بن حسين السويدي البغدادي


المحقق: عماد عبد السلام رؤوف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجمع الثقافي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٧

الشيخ عبد الكريم الشراباتي. وجميع (١) (١٣ أ) ما تضمنه ثبت الشيخ عبد الله الكنكسي (٢) المتصل إليّ بواسطة السيد محمد الطرابلسي عن الشيخ أحمد الملوي. وجميع ما تضمنه ثبت الشيخ علي العقدي ، (٣) وثبت الشيخ منصور المنوفي (٤) وثبت الشيخ عبد الرزاق البشيشي (٥) المتصلات إليّ بواسطة الشيخ محمد الطرابلسي عن مؤلفيها ، وجميع ما تضمنه كتاب مسلسلات الشيخ محمد بن عقيلة عنه.

واعلم أن السيد محمد الطرابلسي ، والشيخ عبد الكريم الشراباتي ، والشيخ علي الدباغ ، والشيخ محمد الزمار ، (٦) وهؤلاء كلهم استجازوا مني ، واستجزت منهم ، فأحاديثنا ورواية بعضنا عن بعض من قبيل حديث المديح.

وقرأت مصطلح الحديث شرح ألفية العراقي له (٧) على شيخنا نادرة الدهر ، وغرّة جبهة العصر ، ذي التآليف التي دلّت على طول الباع ، وأنه الذي انعقد عليه الإجماع ، سيدي حسين أفندي نظمي زاده. (٨) ومن شرح النخبة (٩) وبعض شرح ألفية المصطلح للشيخ زكريا

__________________

(١) أحدث مجلد النسخة أهنا خللا في ترتيبه أوراقها ، فأصلحناها على وفق ترتيبها في ب.

(٢) سيتردد ذكره ، فيما يأتي من هذه الرحلة ولم نقف على ترجمته.

(٣) لم نقف على ترجمته.

(٤) هو منصور بن علي بن زين العابدين المنوفي البصير الشافعي ، فقيه محدث ، توفي سنة ١١٣٥ ه‍ / ١٧٢٣ م.

الجبرتي : عجائب الآثار ج ١ ص ٧٤

(٥) لم نقف على ترجمته.

(٦) هو محمد بن حسين بن مصطفى الشهير بالزمار الشافعي ترجم له الطباخ (أعلام النبلاء ج ٦ ص ٥٣٣) فقال : إنه في الأصل من تدمر ، ونبه في العلم ، وانتفع به كثير من أهل حلب ، وغيرها ، ونقل عن ابن ميرو الحلبي أنه «بركة حلب ومعتقدها». وسيترجم له المولف فيما يأتي من رحلته.

(٧) الألفية في مصطلح الحديث نظمها عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي المتوفّى سنة ٨٠٦ ه‍ / ١٤٠٤ م ، وشرحها الذي يشير إليه المؤلف هنا هو كتاب سماه (فتح المغيث). السخاوي : الضوء اللامع ج ٤ ص ١٧١

(٨) من علماء بغداد النابهين ، أتقن لغات عديدة ، وكان أستاذا في العلوم العربية والتفسير ومصطلح علم الحديث. له (لغات تاريخ وصاف الحضرة) تطرق فيه إلى اللغات التركية والمغولية. وتوفي سنة ١١٣٠ ه‍ / ١٧١٧ م. عباس العزاوي : تاريخ الأدب العربي في العراق ج ٢ ص ٣٣

(٩) يريد كتاب (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) وهو متن في مصطلح علم الحديث ، تأليف أحمد بن علي

٨١

الأنصاري ، (١) بقراءة أخينا الشيخ سليمان بن الشيخ أحمد الواعظ ابن تاج العارفين ، على شيخنا الشيخ سلطان (٢) رحمه‌الله.

وأخذت الفقه (١٣ ب) وأصوله والفرائض عن شيخنا الذي عقمت النساء أن يلدن مثله ، وانعقد الإجماع على أنه لا أحد يداني فضله ، الملقب بالشافعي الصغير ، وابن حجر الكبير ، سيدنا شيخ الإسلام والمسلمين ، وزين الملّة والدين ، الشيخ محمد بن عبد الرحمن الرحبي (٣) المفتي على المذهب الشافعي ببغداد ، رحمه‌الله رحمه واسعة انتشر عطرها وفاح ، وأينعت رياضها في الغدو والرواح ، آمين. قرأت عليه شرح المنهج لشيخ الإسلام. (٤)

وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي ، (٥) مع مراجعة حاشية شيخ الإسلام (٦) وحاشية الشيخ ابن قاسم العبادي (٧) المسماة بالآيات البينات. وقرأت عليه شرح المنظومة الرحبية للخطيب الشنشوري. (٨) وسمعت عليه طرفا من ابن حجر.

__________________

ابن حجر العسقلاني المتوفّى سنة ٨٥٢ ه‍ ، وقد شرحها عديدون فلا يعلم أي شرح منها أراد.

(١) يريد كتاب التبصرة والتذكرة في علم مصطلح الحديث ، تأليف زكريا الأنصاري المتوفّى سنة ٩٢٣ ه‍ / ١٥١٩ م.

(٢) يريد سلطان بن ناصر الجبوري وقد تقدم.

(٣) ترجم له عصام الدين عثمان العمري (الروض النضر في ترجمة أدباء العصر ج ٣ ص ٩٠) ، كما ترجم لأبيه عبد الرحمن ، وأثنى عليهما لكنه سكت عن ذكر تاريخ وفاتهما. وذكر الدروبي (البغداديون ١٣٦) أنه كان لآل الرحبي مجلس حافل في محلة باب الشيخ ببغداد تصدّر فيه العلامة محمد الرحبي المذكور.

(٤) الراجح أنه يريد كتاب (منهاج الطالبين) في فروع الشافعية ، تأليف يحيى بن شرف النووي المتوفّى سنة ٦٧٦ ه‍. وله شروح عديدة ، أشهرها (تحفة المحتاج لشرح المنهاج) تأليف أحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي المتوفّى سنة ٩٧٣ ه‍.

(٥) جمع الجوامع في أصول الفقه لتاج الدين عبد الوهاب بن علي بن السبكي المتوفّى سنة ٧٧١ ه‍ ، وأحسن شروحه لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي المتوفّى سنة ٨٦٤ ه‍.

(٦) يريد حاشية القاضي زكريا بن محمد الأنصاري المتوفّى سنة ٩١٠ ه‍ على شرح المحلي المذكور.

(٧) هو أحمد بن قاسم العبادي المتوفّى سنة ٩٩٤ ه‍ / ١٥٨٥ م.

(٨) شرح المنظومة الرحبية في علم المواريث ، تأليف عبد الله الشنشوري المتوفّى سنة ٩٩ ه‍ / ١٥٩٠ م.

٨٢

وأخذت علم التفسير عن شيخنا الشيخ حسين أفندي نظمي زاده ، قرأت عليه تفسير جزء عم للقاضي البيضاوي. (١) وقرأت على ذلك درسا حاشية المولى عصام الدين (٢) مع ما كتب عليها. وحضرت بعض دروس شيخنا الشيخ سلطان في تفسير البيضاوي مع حواشي عصام.

وأخذت علم التجويد والقراءات على عمّي الشيخ أحمد بن سويد ، وعلى الإمامين الهمامين ، تذكرة الكسائي وأبي عمرو ، (٣) الحائزين الفنون الجمة ، والموجودين رحمة لطلاب الأمة ، سيدي السيد درويش (١١ أ) العشاقي ، (٤) وسيدي الشيخ محمد بن محمد المصري ، رحمهم‌الله تعالى رحمة الأبرار ، وأسكنهم فسيح جنته دار القرار ، أمين.

وقرأت علم الكلام على شيخنا ذي الفنون العديدة ، والتصانيف المفيدة ، الفتح الموصلي (٥). وقرأت عليه شرح مختصر المنتهى للقاضي عضد الملة والدين (٦). وقرأت عليه أيضا حواشي السيد الشريف (٧) على الشرح المذكور. وسمعت طرفا من علم الكلام على شيخنا الشيخ سلطان ، وقرأت عليه شرح الورقات (٨) ، وقرأت عليه حاشية القليوبي (٩)

__________________

(١) يريد القاضي عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفّى سنة ٦٨٥ ه‍ / ١٢٨٦ م.

(٢) لمحمد بن عربشاه عصام الدين المتوفّى سنة ٩٥١ ه‍ / ١٥٤٤ م حاشية على تفسير البيضاوي المذكور.

(٣) يريد علي بن حمزة الكسائي وأبا عمرو ابن العلاء البصري. من أبرز أئمة علم القراءات.

(٤) إن اضطراب ترتيب أرقام الأوراق في نسخة أمستمر إلى هنا بسبب خطأ مجلدها.

(٥) هو فتح الله أفندي ابن الصباغ ، عالم من أهل الموصل ، وصفه محمد أمين العمري (منهل الأولياء ج ١ ص ٢٦٥) بأنه كان «عالما متوقد الفكرة ، لوذعيا فائق الفطنة ، ماهرا في كل فن ، متضلعا في كل علم ، له تأليف عديدة ، وحواشي وتعليقات مفيدة» وذكر أنه انتقل من الموصل إلى درنده سنة ١٤٠ ه‍ / ١٧٢٧ م ثم توفي هناك ، وسكت عن تاريخ وفاته.

(٦) شرح مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل ، تأليف عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفّى سنة ٧٥٦ ه‍ / ١٣٥٥ م.

(٧) السيد الشريف الجرجاني المتوفّى سنة ٨١٦ ه‍ / ١٤١٣ م.

(٨) الورقات في أصول الفقه لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي المتوفّى سنة ٤٧٨ له شروح عديدة ، فلا يعلم أي شرح أراد هنا.

(٩) هو أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي المتوفّى سنة ١٠٦٩ ه‍ / ١٦٥٨ م. هدية العارفين ج ١ ص ١٦١

٨٣

عليه (١) ، وحواشيه هو على الحاشية.

وأخذت النحو عن شيخنا الشيخ حسين نوح. قرأت عليه الأجرومية ، ثم شرحها للشيخ خالد الأزهري (٢) ، وبعضا من شرح الأزهرية (٣). وقرأت عليه بعد مدة شرح ألفية ابن مالك للجلال السيوطي بالنهجة المرضية ، مع مراجعة حواشيها لشيخ مشايخنا أحمد محمد الأحسائي (٤). وقرأت عليه مغني اللبيب لابن هشام (٥) ، وحواشيه للشمني (٦). وعن شيخنا ، سيبويه زمانه ، الشيخ سلطان ، أتممت عليه شرح الازهرية. وقرأت عليه شرح القطر للمصنف (٧) ، وسمعت عليه شرح قواعد ابن هشام للشيخ خالد (٨) بقراءة بعض الإخوان.

وأخذت علم الصرف عن شيخنا الشيخ حسين (٩) المذكور ، وعن شيخنا الشيخ سلطان سمع (١١ ب) عليه شافية ابن الحاجب (١٠) وشرحها للنيسابوري (١١) بقراءة أخينا الشيخ احمد العاني.

وأخذت المعاني والبيان والبديع على شيخنا حسين أفندي نظمي زاده ، قرأت عليه الشرح

__________________

(١) كتب القليوبي حاشيته على أحد شرحين وضعهما أحمد بن قاسم العبادي المتوفّى سنة ٩٩٢ ه‍ / ١٥٨٤ م على الورقات. ينظر كشف الظنون ص ٢٠٠٩

(٢) يريد شرح المقدمة الأجرومية لخالد بن عبد الله بن أبي بكر الأزهري المتوفّى سنة ٩٠٥ ه‍ / ١٤٩٩ م.

(٣) يريد شرح المقدمة الأزهرية لخالد الأزهري.

(٤) هو تقدم التعريف به في ص ٧٠.

(٥) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، متن في النحو ، لعبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري المتوفّى سنة ٧٦٢ ه‍ / ١٣٦٠.

(٦) (المنصف من الكلام على مغني ابن هشام) تأليف أحمد بن محمد التميمي الداري الشمني المتوفّى سنة ٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م.

(٧) قطر الندى وبل الصدى لابن هشام ، ويريد بالمصنف ابن هشام نفسه.

(٨) لعله لأبي عبد الله بن سليمان الكافيجي المتوفّى سنة ٨٧٩ ه‍ / ١٤٧٤ م.

(٩) يريد حسين نوح المتقدم.

(١٠) الشافية كتاب تعليمي مختصر في علمي الصرف والخط ، تأليف عثمان بن عمر بن الحاجب المتوفّى سنة ٦٤٦ ه‍.

(١١) شرح الشافية لحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري المعروف بنظام الدين الأعرج (كان حيا سنة ٨٢٨ ه‍ / ١٤٢٤ م.

٨٤

المختصر على التلخيص مع مراجعة الشرح المطول (١) وسمعت حصّة منه على شيخنا الشيخ سلطان بقراءة أخينا الشيخ عبد الله الشطيحي (٢). وعلى الشيخ سلطان ألفية المعاني والبيان نظم الجلال السيوطي (٣) ، بقراءة أخينا الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأحسائي الحنبلي. وسمعت عليه حصة كبيرة من شرح مقدمة الاستعارات للملا عصام (٤) مع قراءة حواشيها للزيباري (٥) ، ومراجعة حواشي حفيده (٦) بقراءة بعض الإخوان ، وقراءة رسائل المنطق ، كشروح إيساغوجي (٧) لحسام كاتي (٨) ، وللفناري (٩) مع حاشية قول أحمد (١٠) ، وشرح الشمسية (١١) مع حاشية السيد ، وشرح التهذيب للجلال الدواني. (١٢)

__________________

(١) يريد الشرح المختصر الذي وضعه سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفّى سنة ٧٩٢ ه‍ / ١٣٨٩ م على كتاب تلخيص المفتاح في المعاني والبيان تأليف جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي المعروف بخطيب دمشق المتوفّى سنة ٧٣٩ ه‍ / ١٣٣٨ م. والشرح المطول له أيضا.

(٢) كذا ضبطت في أولم نقف على ترجمته.

(٣) نظم جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ألفية المعاني والبيان من القسم الثالث من مفتاح العلوم لسراج الدين يوسف السكاكي المتوفّى سنة ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٨ م.

(٤) يريد إبراهيم بن محمد بن عربشاه الشهير بعصام المتوفّى سنة ٩٥١ ه‍ / ١٥٤٤ م. ورسالة الاستعارات لأبي القاسم الليثي السمرقندي.

(٥) هو حسن بن محمد الزيباري.

(٦) في النسختين : حفيه ، والصواب ما أثبتناه ، يريد أنه قرأ الحاشية التي وضعها علي بن صدر الدين حفيد عصام المذكور.

(٧) إيساغوجي متن مشهور في المنطق لأثير الدين الأبهري المتوفّى سنة ٦٦٠ ه‍ / ١٢٦١ م.

(٨) حسام الدين حسن الكاتي المتوفّى سنة ٧٦٠ ه‍ ١٣٥٨ م.

(٩) محمد بن حمزة الفناري المتوفّى سنة ٨٣٤ ه‍ / ١٤٣٠ م.

(١٠) قول أحمد بن محمد بن خضر المتوفّى سنة ٩٥٠ ه‍ / ١٥٤٣ م.

(١١) الشمسية متن في المنطق لنجم الدين عمر بن علي القزويني المعروف بالكاتبي المتوفّى سنة ٦٩٣ ه‍ / ١٢٩٣ م ولها شروح عدة ، ونرى أنه يقصد هنا الشرح الذي وضعه قطب الدين محمد بن محمد التحتاني المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ / ١٣٦٤ م لقوله فيما يأتي : إنه قرأ حاشية السيد عليه ، والمقصود بالسيد ، الشريف علي ابن محمد الجرجاني ، والمعروف أن حاشية الأخير تقع على الشرح المذكور.

(١٢) يريد شرح تهذيب المنطق والكلام تأليف محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين المتوفّى سنة ٩١٨ ه‍ / ١٥١٢ والأصل لمسعود بن عمر التفتازاني.

٨٥

مع حاشية مير أبي الفتح (١) بعضها ، على الشيخ العلامة ، والحبر الفهامة ، جامع المعقول والمنقول ، حائز الفروع والأصول ، سيدي الشيخ مصطفى أفندي الغلامي (٢) ، وبعضها على الشيخ الفتح الموصلي ، وبعضها على المحقق المدقق سيدي يوسف أفندي الموصلي (٣).

وأخذت علم الوضع على الشيخ سلطان ، وعلى يوسف أفندي وعلى غيرهما.

وأخذت علم آداب البحث عن الشيخ (١٢ أ) يوسف وغيره.

وأخذت علم الهيئة ورسائل الاسطرلاب وربع المجيّب وذات الكرسي عن البحر الجامع ، والغيث الهامع ، سيدي سليم أفندي الموصلي (٤).

وأخذت الحساب عن أخينا الشيخ حسين ، قرأت عليه بعض شرح الزمزمية ، وعن الشيخ سلطان ، قرأت عليه وعلى غيره خلاصة الحساب للبهائي (٥).

وأخذت الهندسة عن بعض العصريين. وأخذت أصول الفقه الحنفي عن يوسف أفندي ،

__________________

(١) حاشية على الشرح المتقدم تأليف محمد بن أمين بن أبي سعيد السعيدي الأردبيلي الشهير بمير أبي الفتح المتوفّى سنة ٩٧٦ ه‍ / ١٥٦٧ م.

(٢) ترجم العمري (منهل الأولياء ج ١ ص ٢٥٢) بقوله «كان إماما مبرزا في فقه الشافعية وأصول مذهبهم ، وحواشيه تدل على كمال فطنته ورسوخ قدمه فيها ، فلذلك كان فقيههم وإمامهم ، وكان له معرفة تامة بباقي العلوم قرأ في الموصل على شيوخها ، ورحل في طلب العلم فحصل منه كل نادرة». وذكر أنه مات ظنا سنة نيف وثلاثين ومائة وألف. وترجم له ولده محمد الغلامي (شمامة العنبر ص ٩٧) فقال إنه رحل إلى القسطنطنية ومات هناك.

(٣) هو المعروف بيوسف النائب ، أثنى عليه محمد أمين العمري (منهل الأولياء ج ١ ص ٤٠٢) وقال إنه كان خبيرا بدقائق الفقه وأصوله والفرائض والحساب. وكذلك إليه المدرسة الجرجيسية. وذكر أنه توفي بعد سنة ١١٤٠ ه‍ / ١٧٢٧ م. كما ترجم له الغلامي في شمامة العنبر ص ٢٥٨ وعصام الدين العمري (الروض النضر ج ١ ص ٤٠٢) وليس فيما ذكراه إلا الإطناب في الثناء.

(٤) هو سليم أفندي الواعظ الموصلي المتوفّى سنة ١١٦٠ ه‍ / ١٧٤٧ م ، وكانت له اليد الطولى في الحساب والزيج والاسطرلاب. عباس العزاوي : تاريخ علم الفلك في العراق ص ٢٦٠.

(٥) خلاصة الحساب تأليف محمد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الهمداني ، بهاء الدين ، المتوفّى سنة ١٠٣١ ه‍ / ١٦٢١ م وله شروح من أشهرها شرح جواد بن سعد بن جواد الكاظمي المتوفّى سنة ١٠٦٥ ه‍ / ١٦٥٤ م.

٨٦

سمعت عليه التلويح (١). وبهذا نختم لما قرأناه ليكون الختام مسكا مع الترجيح.

وقد قدّمنا أن تاريخ الولادة (غدق) ، والتاريخ في هذا الوقت سبع وخمسون ومئة وألف ، فقد بلغت الآن من العمر ثلاثة وخمسين عاما ، وعلى الله إتمام باقي العمر بالخير. نسأل حسن الخاتمة والعفو والعافية في الدين والآخرة ، آمين. وقد بلغت مؤلفاتي الآن عشرة مؤلفات ، وإن منّ الله عليّ بطول العمر خدمت صحيح البخاري بتعليق شرح عليه ، وأكملت محاكمتي بين الدماميني والشّمّني (٢) الواقعين على مغني اللبيب (٣).

__________________

(١) يريد التلويح على التوضيح ، لسعد الدين مسعود التفتازاني ، والتوضيح شرح لتنقيح الأصول ، في أصول الفقه ، وكلاهما لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي المتوفّى سنة ٧٤٧ ه‍ / ١٣٤٦ م.

(٢) ينظر ما تقدم عن مؤلفاته في مقدمتنا للكتاب.

(٣) هنا ينتهي الفصل الأول ، من الفصلين الذين أضافهما المؤلف على كتاب رحلته ، أما الفصل الثاني فهو يختص بذكر المناقشات العقائدية دارت بينه بصفته ممثلا عن الجانب العثماني ، وبعض العلماء الإيرانيين الذين كانوا بصحبة نادر شاه. ولا صلة لها بالرحلة ، فضلا عن أنها تؤلف رسالة مستقلة تماما منها نسخ خطية عدة في خزائن مختلفة ، وقد طبعت مستقلة مرات عدة ، منها بعنوان (الحجج القطعية على اتفاق الملل الإسلامية) ومرة بعنوان (مؤتمر النجف). وجميع هذه المناقشات تعبر عن اختلافات مذهبية بحتة ، والذي نراه أن المؤلف أقحم هذه الرسالة على رحلته إقحاما ، فلا صلة لموضوعها بغاية الرحلة وسياق وقائعها ، وعليه فلم نر وجها لإثباتها هنا. وهي تشغل الأوراق من ١٥ أإلى ٣٤ أمن نسخة أ.

٨٧

[الرحلة]

(٣٤ أ)

وأشرع في المقصود فأقول :

كان استئذاننا لأجل الحج من الوزير المحترم ، والدستور المكرّم ، حضرة أحمد باشا (١) ـ أدام الله نصره ـ يوم السبت الثامن عشر من ربيع الأول عام سبع وخمسين ومئة وألف من الهجرة (٢). وإنما احتجت إلى الاستئذان لأن العادة في بغداد إذا كان لأحد جهة تدريس أو خطابة أو إمامة لا بد من أن يستأذن من والي بغداد ، وقدّمت في صدر الاستئذان قصيدة داليّة (٣) :

كم للهوى من رياق فوق أجياد

شوقا إلى ساكني أكناف أجياد

وللجفون انهمال لا يشابهه (٤)

من السواري هتون رائح غادي

صب يبيت على فرش الضنّا وله

قلب ثوى بين أعواد وعوّاد

يهيم وجدا إذا سار الحجيج ضحى

وتستحث قواه نغمة الحادي

تزيده شجنا (٥) ورقاء إن صدحت

وذكرت (٦) نغمات الشادن الشادي

إذا تذكرت والذكرى تهيج جوى

مهابط الوحي شبّت نار إنكادي

(٣٤ ب)

من لي بكو ماء مرسال تبلّغني

أرض الحجاز لتطفي نار أكبادي

__________________

(١) والي بغداد وقد تقدم التعريف به في المقدمة.

(٢) الموافق ليوم ٣٠ نيسان (أبريل) سنة ١٧٤٤ م.

(٣) ديوان عبد الله السويدي ص ٢٢ ـ ٢٣.

(٤) في الديوان (يشابههما).

(٥) في الديوان (شخنا).

(٦) في الديوان (فذكرت).

٨٨

موافيا مكة الغراء ذا جذل

بشراي إذ ذاك في عرس وأعياد

متى أراني للأكوار ممتطيا

أفري فيافي أغوار وأنجاد

وكلما نهضت آمال مكتئب

فالعجز يقعدها قهرا بأقياد

وكيف يبرد قلبا بات مضطرما

وجذوة في حشاه ذات إيقاد

وكيف يهدأ طرف ظلّ منسجما

والقلب ظمآن وجد شيّق صادي

(٣٥ أ)

يئست لولا رجائي بالذي سطعت

به مآثر آباء وأجداد

هو الوزير الذي عمّت مواهبه

داني الحواضر والقاصي من البادي

هو الغياث إذا ما أزمة فدحت

وهو المرام لقصاد ووراد

كهف العفاة ملاذ المستجير به

غوث الصريخ به غيث لمرتاد

مجندل الشّوس والهيجاء في سعر

مردي الكماة ببتّار ومدّاد

يدبّر (١) الأمر والأخطار معضلة

جدّا فيلبسها أثواب إرشاد

بحر ولكنما عذب مذاقته

يولي الورى عرفه من قبل ميعاد

ذلّت لسطوته صمّ العتاة وقد

كان الجميع أبيا غير منقاد

له التدابير أغنت عن مضاعفة

من العساكر قد مدّت بأجناد (٢)

(٣٥ ب)

لا سيما ثالث الوقعات حين أتى

ديارنا الشاه يبغي ضبط بغداد (٣)

في محفل كالحصى والرمل عدّته

تكلّ عن جمعه أرقام أعداد

توهّم الشاه أن الجند كثرتها

تروّع أحمد أو تقضي بأنكاد

__________________

(١) في الديوان (مدبر).

(٢) في الديوان (بأجياد).

(٣) يريد بثالثة الوقعات حصار نادر شاه لبغداد سنة ١١٥٦ ه‍ / ١٧٤٣ م ، والوقعتان السابقتان هما حصاره لها سنة ١١٤٥ ه‍ / ١٧٣٢ م وسنة ١١٤٦ ه‍ / ١٧٣٣ م.

٨٩

ظن القنابر والأطواب تفزعه

أو من صواعقها يخشى وإرعاد

فمال للسلم إذعانا وذا نادر (١)

لما رآه ثبوتا طود أطواد

واختار من بعد رفض رفض مذهبهم

فصار في الحال سنيّا بأشهاد

وشدد النهى عن سبّ الصّحابة بل

قد شاب هذا بتهديد وإبعاد

ورتّب الخلفاء الراشدين على

عقائد السنّة الأولى بإرشاد

فكم خلاف (٢) وكم كفر وكم بدع

أزال وهو على كل بمرصاد

(٣٦ أ)

وحتّم الأمر أن يدعو خطيبهم

على المنابر للخنكار (٣) في النادي

وقد علمنا يقينا إنما فعل

الذي ذكرنا حذار الضيغم العادي

والله والله أيمانا مغلظة

لولا أبو عدلة والمفخر البادي (٤)

لكان أطفالنا أسرى الأعاجم بل

كنا رهائن أجداث وألحاد

فالله يكلؤه والسعد يخدمه

والنصر يقدمه فوزا بإسعاد

فيا أبا عدلة لا زلت ذا ظفر

إذنا ومنا بإحسان وإرفاد

والاستئذان الذي كانت هذه القصيدة في صدره هو هذا :

اللهم يا ذا المن الذي لا ينفذ إمكانه ، والإحسان الذي لا يحد إحسانه ، إنا نتوسل إليك بجلال ذاتك ، وكمال صفاتك ، أن تديم على الأنام ، ولا سيما سكان مدينة السلام ، ظل الوزير

__________________

(١) في الديوان (بلا جدل).

(٢) في الديوان (خلاق).

(٣) الخنكار : السلطان العثماني.

(٤) يريد بأبي عدلة الوزير أحمد باشا ، وعدلة هي عادلة خاتون ابنته الكبرى ، وقد تزوجت من سليمان باشا أبي ليلة أحد مماليك والدها وكتخداه (مساعده ونائبه) سنة ١١٤٥ ه‍ / ١٧٣٢ م ، فلما اختير الأخير واليا على بغداد وتوابعها خلفا لسيده سنة ١١٦٣ ه‍ / ١٧٥٠ م ، انتقل الحكم إلى ولاة من المماليك ، ولبث بأيديهم بصفة مطلقة تقريبا حتى سنة ١٢٤٧ ه‍ / ١٨٣١ م. كتابنا : عادلة خاتون ، بغداد ١٩٩٧

٩٠

الذي ألبسته الهيبة والجلالة ، (٣٦ ب) ومنطقته السؤود والعدالة ، وقصمت بسطوته ظهور القساة المتمردين ، وأحييت برأفته العفاة المقلين ، ونشرت بأوامره أعلام العدل والأمان ، وطويت بزواجره كل بغي وعدوان ، آمين. فالمعروض على السدة التي سمت على السماكين (١) قدرا ونمت على النيرين رفعة وفخرا ، لا زالت لجباه الأمراء الأفاخم مساجد ، ولا برحت مقبلة بشفاه الأعاظم الأماجد.

بقيت بقاء الدهر يأكهف أهله

وهذا دعاء للبرية شامل

هو أنه من الأمور المقررة ، والأحكام المحررة ، مما هو معلوم لديكم ، وغير خفي عليكم ، أن النطف أجابت من كل فج سيدنا إبراهيم حين أذن بالحج ، فصممت نفس هذا الداعي على أن تتبع القول بالعمل ، وتجمع بين جوابي الأرواح والأشباح ، ليطابق الحال في الأزل ، فنزعت نزوع الطفل بعد فطامه إلى الرضاع ، إلى أن تعفر محياها مهابط الوحي من تيك البقاع ، لترمي من أشواقها جمرات ، وترضع من ثدي زمزم رضعات ، وتقف على عرفات الغفران ، وتسعى بحط الأوزار (٣٧ أ) باستلام الأركان ، وتطوف حول حمى الملك الغفار ، قائلة : هذا مقام العائذ بك من النار ، ولما تيقنت أن العمر قد ذهب أطيبه ، وغبر أعذبه ، وأن الجسم قد وهى ورقّ ، والعظم قد وهن ودق ، والبدن كشن (٢) بالية وعما يصلحها عارية خالية ، وتذكرت حديثا سمعته من الثقات الجهابذة الأثبات ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ، أو كما قال : (اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك) الحديث سارعت بالاستئذان مستدرة عوائد الإحسان :

وفي النفس حاجات وفيك فطانة

سكوتي بيان عندها وخطاب

ولله عليّ إذا شاهدت تلك المشاهد ، وتعهدت هاتيك المعاهد ، أن تكون هجيراي المستمرة ، وشنشنتي الدائمة المستقرة ، خير الدعاء لكم في تلك الأماكن الشريفة ، والبقاع السامية المنيفة ، فلا زلت مغمورا بالنعم ، مدفوعا عنك النقم ، آمين.

__________________

(١) السماكان : كوكبان نيران يقال لأحدهما السماك الرامح والآخر السماك الأعزل ، يضرب بهما المثل بالعلو.

(٢) الشن : القربة الخلقة اليابسة (أي : مثل شنّ).

٩١

فخرج الإذن ذلك اليوم ، ووكلت على تدريسي في آستانة قطب العارفين ، وسلطان الموحدين ، سيدي أبي صالح محيي الدين عبد القادر الجيلي ـ قدس‌سره العزيز ـ ولدي النجيب (٣٧ ب) العالم الفاضل ، أبا الخير عبد الرحمن ، لا زال سعيدا ما كرّ الجديدان ، آمين.

ثم خرجنا من بغداد دار السلام قبيل الظهر ، الاثنين ، الثامن والعشرين من ربيع الأول من العام المذكور (١) ، فخرج الأولاد والمحبّون لوداعنا ، فجرت منّا العبرات ، وتلظت منا الزفرات ، وفاضت دموع العيون ، وتراكمت على الفؤاد الشجون.

وبما جرى في موقف التوديع من

ألم النوى شاهدت هول الموقف

[تل كوش]

ونزلنا تل كوش ، على أربعة فراسخ من بغداد ، وهو تلّ صغير مستطيل أحمر ، على كتف دجلة الغربي. ولعلّ نسبته إلى كوش بن كنعان. وأقمنا فيه يوم الثلاثاء ، ومنه كتبت للولد القلبي النجيب الأمجد ، حسين بك ابن الأكرم كتخدا (٢) محمد باشا. (٣) وصورة الكتاب :

سلام كروض حين باكره الحيا

فأضحى نضيرا ذا رواء وذا نشر

سلام كأنفاس النسيم تعله

يمشط قضبان الرياحين والزهر

سلام كريا الرّند جادت به الصبا

على مستهام عام في لجّة الفكر

__________________

(١) الموافق ليوم ١٠ أيار (مايو) سنة ١٧٤٤ م.

(٢) الكتخدا : لفظ فارسي مركب يعني حرفا صاحب الدار ، رب البيت ، واصطلاحا في هذا العصر : نائب الوالي ومساعده.

(٣) من المماليك الذين جلبهم والي بغداد أحمد باشا ، ونال تعليمه وتدريبه ببغداد ، وأعتقه أحمد باشا وزوّجه (خديجة خانم) بنت أخته صفية خانم ، سنة ١١٤١ ه‍ / ١٧٢٨ م ، وبرز دوره العسكري في حملته على قبائل شمّر في نواحي الجزيرة سنة ١١٤٦ ه‍ / ١٧٣٣ م ، ثم ولّاه أحمد باشا ولاية شهرزور برتبة (مير ميران) سنة ١١٤٩ ه‍ / ١٧٣٦ م ، ولبث في منصبه إلى أوائل عهد سليمان باشا أبي ليلة سنة ١١٦٢ ه‍ ، وانقطعت أخباره بعد ذلك ، وخلّف أربعة أولاد ذكور ، أحدهم حسين بك ممدوح الشاعر. محمد ثريا : سجل عثماني ج ٢ ص ١٤٩ وديوان عبد الرحمن السويدي ، تحقيقنا بمشاركة وليد الأعظمي ، ص ٦٧ بغداد ٢٠٠٠.

٩٢

(٣٨ أ)

سلام كأمثال العبير تضوعت

به بقع الأكوان في كل ما قطر

سلام يفوق الدر حسنا وبهجة

فلله ما أبهاه في النظم والنثر

سلام كوصل من حبيب مهاجر

تمادى على الإعراض والصد والهجر

على الكامل الأسنى الحسين الذي سما

على تربه في المجد والفضل والفخر

فشوقي إليه لا يزال مجددا

ولست بساليه ولو صرت في قبري

كيف أقول الشوق ينقضي وهو في كل لحظة بازدياد ، وإني أقول الصبر يسعفني وهو قد فرّ قبل البعاد :

فهذا ولما يمض للبين ليلة

فكيف إذا جد المطي بنا عشرا

قد وهى جلدي حين خانني صبري ، واشتغل لدى كمدي ذهني وفكري ، شوقا إلى طلعة المحيّا الزاهر ، ذي الحسب الأسمى والكمال الباهر ، جامع المحاسن الوافرة ، حائز المفاخر (٣٨ ب) الباهرة الزاهرة ، صاحب الشمائل التي ما حواها إلّا النزر من أفذاذ الدهر ، والمناقب التي ماحواها إلّا القليل من أفراد العصر ، فاق أقرانه منذ هو يافع ، وسما على أترابه بما تشنف به المسامع ، النجيب الذي هجيراه اقتناص شوارد العلوم وقصاراه افتضاض أبكار المنطوق والمفهوم ، قرّة عيني ، وحشاشة مهجتي ، وهو دون ما سواه مرامي ، وبغيتي ، عين الإنسان ، وإنسان العين ، فرع دوحة الأكارم والأعلين ، ولدي الأعز أبي المحاسن حسين بك ، لا زال راقيا أوج المعارف إلى نهاية لا تجارى ، ولا برح ممتطيا صهوات الكمالات إلى غاية لا تمارى ، آمين. ثم الدعاء الذي رفع على أجنحة القبول ، وبسطت له راحات المنى والسول ، للنجيب الذي تربي بمهود السعود ، وترعرع في المجد الذي تسلسل إليه من أكارم الجدود ، ولدي العزيز ذي الفخر الجلي ، والقدر الرفيع العلي ، أبي المفاخر سيدي علا ـ إن شاء الله ـ على مراتب الإجلال ، وقارن به السعد والإقبال ، آمين.

٩٣

[نهر الحسيني]

وتلي المرحلة الأولى مرحلة نهر الحسيني ، وهو جدول يخرج من دجيل ، والمسافة أربعة فراسخ.

[حمارات]

وتليها مرحلة (٣٩ أ) نزلنا فيها على نهر من مزارع حمارات (١) ، وهي قرية من قرى دجيل ، وكان نزولنا عند شجرات جذوعها كجذوع السدر ، وأوراقها وأغصانها كالرمان ، ولها ورد أصفر كصورة الجلنار إلّا أنه يخالفه في اللون ، [و] في أسفل كل وردة نقطة تشبه العسل لونا وطعما ، ولها دبق كدبق العسل ، ولقد ذقتها فوجدت طعم العسل فيها إلّا أن النقطة إذا قرب جفافها يصير فيها شائبة مرارة ، وأهل تلك الأرض يسمونها بشجيرات العسل على صيغة التصغير ، ويزعمون أن الإمام عليّ بن أبي طالب دقّ وتدا وربط فيه دابّته فتفرّع منه تلك الشجرات ، والمسافة أربعة فراسخ أو أكثر بقليل.

[الفرحاتية]

وتليها مرحلة نزلنا فيها على نهر يسمى بالفرحاتية ، بفتح اللام وسكون الرّاء وبحاء مهملة بعدها ألف وبتاء وياء مشددة للنسبة ، في آخرها هاء تأنيث. وهي من أعمال دجيل أيضا ، وكان نزولنا في برّ أفيح ذي (٢) حصى دقاق ، والمسافة ستة أميال ونصف تقريبا.

[المحادر]

وتليها مرحلة تسمى بالمحادر ، لا عمارة فيها ، وسميت بالمحادر لما فيها من الانحدار والهبوط ، وهو قبالة سرّ من رأى ، وقرأنا الفاتحة ودعونا لنا ولأحبابنا متوسلين (٣٩ ب) بالسّيّدين الطّاهرين ، والكوكبين الزاهرين ، سلالتي النبي الهادي سيدينا الحسن العسكري

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلها (جبارات) ، وهو تل واسع يقع على الضفة الشرقية من مجرى نهر دجلة القديم ، يمر بقربه نهر مهجور ، وهو نهر العلث المتفرع من نهر دجيل ، والراجح أنه بقايا مدينة قديمة ازدهرت في العصر العباسي لكونها تقع على طريق البريد العام بين بغداد وسامراء. ينظر أحمد سوسة : ري سامراء ج ١ ص ١٧٩.

(٢) في النسختين : ذا.

٩٤

وعلي الهادي رضي‌الله‌عنهما ، والمسافة ستة فراسخ.

[مهيجير]

وتليها مرحلة مهيجير ، بضم الميم وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية وجيم مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية ساكنة وآخر الحروف راء مهملة. وهو تل صغير مدور قريب دجلة. (١)

[العاشق]

ومررنا في هذه المرحلة على العاشق بوزن اسم الفاعل ، كذا هو المشهور ، ورأيته في مسامرة ابن العربي (٢) بهذه الصيغة ، لكن قال في القاموس : والمعشوق قصر بسرّمن رأى. (٣) فلعلّه غيره لأن العاشق بالجانب الغربي من دجلة وسرّ من رأى في الجانب الشرقي ، فلعل هذا البناء يسمى بالعاشق ، والقصر الذي يسمى بالمعشوق. (٤) (وللعوام قصة مشهورة ينقلونها عن) (٥) العاشق والمعشوق تقتضي أنهما بناءان متقابلان يسمى أحدهما باسم العاشق والآخر بالمعشوق. والعاشق هذا بناء قديم ولم يبق منه إلا أثر الجدران ، مبني بالآجر والجص.

__________________

(١) تل مهيجير ، يقع إلى الشمال من ناحية دجيل ، على الضفة الغربية لنهر دجلة ، من المعتقد أنه يحوي بقايا قصر عباسي قديم من عصر سامراء. وقد أعلنت أثريته في جريدة الوقائع العراقية تحت العدد ٢٧٩٢ في ٢٨ تشرين الثاني ١٩٤٩ م.

(٢) يريد كتاب «محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار» المنسوب للشيخ محيي الدين محمد بن علي بن عربي المتوفّى سنة ٦٣٨ ه‍ ، ج ٢ ص ٤٣٢ (بيروت ١٩٦٨). ويقول ناشر كشف الظنون (إستانبول ١٩٤٧) إنه ليس لابن عربي ، وإنما لمؤلف عاش بعده بما لا يقل عن مائة سنة.

(٣) القاموس المحيط ج ٤ ص ٢٥٧

(٤) لم يعرف في تاريخ سامراء وخططها إلّا قصر واحد باسم المعشوق ، والعاشق تسمية متأخرة له ، وهو من بناء الخليفة المعتمد على الله (٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه‍) وما زالت بقاياه شاخصة إلى يومنا هذا. أما استنتاج المؤلف فغير دقيق ، لأن سامراء في عهده محصورة في جانب واحد من النهر الشرقي ، بينما ترامت أحياء المدينة وقصورها في العصر العباسي على مسافات واسعة من الجانبين معا.

(٥) سقط من ب.

٩٥

[مدينة المنصور]

وحاذينا في طريقنا مدينة المنصور (١) في الجانب الشرقي ، قرب سر من رأى والمسافة ستة فراسخ.

[تكريت]

وتليها مرحلة تكريت بفتح التاء ، سميت بتكريت بنت وائل ، وهي بلدة قديمة كبيرة لم يبق منها الآن إلا القليل ، وأكثرها خراب ، رسومه (٢) ظاهرة ، (٤٠ أ) والمسافة ستة فراسخ ، ومنها كتبت للولد القلبي حسين بك كتابا صورته : من محب سالمه سهاده ، وحاربه رقاده ، وخانه جلده ، ووفى له كمده. ترامت به البلدان والأقطار ، وتقاذفت به الفلوات فأقصته عن الديار :

يوما بحزوى ويوما بالعقيق

وبالعذيب يوما ويوما بالخليصاء

تأجّجت زفراته ، واضطرمت لوعاته ، وهاضت (٣) أشواقه حين أساء عليه فراقه ، جل عن أن تصفه الأقلام ، وعظم أن تحيط به الأرقام :

والشوق أعظم أن يحيط بوصفه

قلم وأن يطوى عليه كتاب

والله ما أنا منصف إن كان لي

عيش يطيب وجيرتي غياب

وأيم الله لا يرد على سروري ، ولا يعيد عليّ حبوري ، ولا يرد جيش همومي ، ولا يزيح تراكم غمومي ، إلا التملي بمحيا الأمجد الذي علا حسبه وسما نسبه وشرفت أخلاقه ، وزكت أصوله وأعراقه ، وعذبت موارده ومصادره ، وسمت مكارمه ومفاخره ، ذي المعارف التي جلّت عن التعريف ، والعوارف التي لا يحيط بها التوصيف ، فالواصف وإن أطرى

__________________

(١) يريد الموضع الأثري المعروف بتلول إمام منصور ، ويقع في منطقة دجيل ، ضمن محافظة صلاح الدين. ويرقّى إلى العصور الإسلامية ، وقد أعلنت أثريته في الوقائع العراقية تحت العدد ٢٥٣ في ١٠ تشرين الأول سنة ١٩٤٢ م.

(٢) في ب (رسومها).

(٣) هاضت : أسرعت.

٩٦

وأطنب ، (٤٠ ب) وأطال وأسهب ، لا يدرك معشار المعشار من أوصافه ، ولا يجمع بعض البعض من سنيّ ألطافه ، صاحب التحصيل للكمالات السنية ، والحائز للمفاخر السنية السمية ، نور عيني وجلاها ، وحياة روحي ومناها ، كريم الأصلين ، ولدي أبي المحاسن حسين ، لا زال السعد يقدمه ، والإقبال يخدمه ، آمين. أيّها الولد! علم الله وكفى به عليما : إني على الدعاء لم أزل مقيما ، لم أنس تلك الطلعة الزاهرة ، ولم أسل هاتيك الأوقات الناضرة ، قد قرّح الدمع أجفاني ، وأحرق القلب أشجاني ، أتذكر تلك الليالي فتهيج زفراتي ، وتضطرم لوعاتي ، وكلما خيّلت ربعكم المعمور بالمسرات ، وبادرتني العبرات والحسرات :

لم أنس معهدنا والأنس مجتمع

والعيش غض وربع الأنس معطار

فها أنا بعد بعد عنه في قلق

وقد نبت بي أرجاء وأقطار

تمضي الليالي وأشواقي مجددة

وما انقضت لي من الأحباب أوطار

(١٤١ أ) ـ أسأل الله ـ وعليه المعوّل ـ أن يجمعنا قبل انخرام الأجل ، أيها الولد!

دخلنا تكريت يوم الاثنين السادس من شهر ربيع الثاني ، ولما وقع مني عليها النظر ، زادت وساوسي والفكر ، وقلت بديها ، وأنا فيها (١) :

قد أضرم الوجد في الاحشاء كبريتا

لما حللت مغاني القوم تكريتا

وكلّما شاهدت عيناي مرتعا

توهمته من الأكدار سبريتا (٢)

بعدت عن أهل ودي والجوى جلل

أدير شوقا إلى مغناهم ليتا

جمعت جمع فنون الوجد في كبر

حتى دعيت خبيرا فيه خريتا (٣)

كوى فؤادي النوى والعين ساجمة

حكيت في لوعتي الحرّى مقاليتا (٤)

__________________

(١) ديوان عبد الله السويدي ص ٤١

(٢) السبريت : القفر الذي لا نبات فيه.

(٣) الخريت : الدليل الحاذق.

(٤) الماء الغامر.

٩٧

والهم أنحلني والصبر فارقني

أضحت همومي (١) على ضعفي عفاريتا

[وادي الفرس]

وتليها مرحلة وادي الفرس بفتح الفاء والرّاء ، ولعلّه الموضع الذي كان لهذيل ، (٢) والمسافة ستة فراسخ.

[قزل خان]

وتليها (٤١ ب) مرحلة قزل خان بكسر القاف والزاي وسكون اللام ، لغة تركية معناها الخان الأحمر. وهو خان قديم متسع سمي بالأحمر لأن آجره كله أحمر ، رحل منه أهله لفساد الأعراب وعتوّهم ، ولهم نسل في بغداد في مشهد الإمام أبي حنيفة ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقال له القزلخانية والغالب عليهم الشقرة ، والمسافة سبعة أميال تقريبا.

[الغرابي]

وتليها مرحلة الغرابي بضم الغين المعجمة نسبة إلى غراب ، وهو عين ماؤها عذب ، والظاهر أنه موضع كما في القاموس (٣) سمي بذلك لأن الماء في مقره أسود يشبه الغراب فإذا أخرج منه صار لونه كسائر المياه يتلوّن بلون إنائه ، ولعل المقر أسود فيتلون بلونه ، بل هو الظاهر. والمسافة ستة فراسخ ونصف تقريبا.

[البلاليق]

وتليها مرحلة البلاليق ، والعامة تبدل القاف كافا ، (٤) وهي عيون كثيرة عذبة المياه في

__________________

(١) في الديوان (همومي).

(٢) في القاموس المحيط (ج ٢ ص ٢٣٤) : فرس ، موضع لهذيل.

(٣) ج ١ ص ١١٢

(٤) قال ياقوت (معجم البلدان ج ١ ص ٤٧٨) : البلاليق : جمع بالوقة ، وهي فجوات في الرمل تنبت الرخامي وغيره ، وهو بقل ، موضع بين تكريت والموصل ، ويقال لها البلاليج بالجيم موضع القاف. انتهى. فإبدال القاف جيما أو كافا فارسية قديم ، وليس هو من عمل العامة في عصر صاحب الرحلة أو العصور السابقة له ، القريبة منه ، وما زال موضع البلاليق معروفا ، ويقع في منطقة الدبس إلى الشمال من بلدة بيجي.

٩٨

وسط جبل صغير سميت بذلك لأن الأماكن التي حواليها بلق بيض ، وجبلها لا شجر فيه فهو أبلق ، والمسافة ستة فراسخ تقريبا.

[الخانوقة]

وتليها مرحلة الخانوقة ، بالخاء المعجمة فألف فنون مضمومة فواو ساكنة فقاف مفتوحة آخرها هاء التأنيث ، وهي على شاطىء دجلة. قال في القاموس : والخانوقة بلد (٤٢ أ) على الفرات. فتبين أن هذه غيرها ، وهي فويق قلعة التراب ، وهذه القلعة تلال عظام من تراب مستديرة بعضها إلى جانب بعض كهيئة القلعة والسور (١) ، والمسافة تقريبا ستة فراسخ ونصف.

[القيّارة]

وتليها مرحلة القيارة (٢) بفتح القاف وتشديد المثناة التحتية فألف فراء مهملة وآخر الحروف هاء تأنيث. وهي عيون من قير على حافة دجلة ، والمسافة تقريبا ستة فراسخ ونصف.

[المصايد]

وتليها المصايد بوزن مقاعد ، فسألت عن سبب تسميتها بذلك فقيل إن ماء دجلة

__________________

(١) وصف عبد الرحمن السويدي هذا الموضع ، في أثناء حديثه عن حملة عسكرية قادها والي بغداد حسن باشا على بعض الأعراب الذين تحصنوا فيها سنة ١١١٧ ه‍ بقوله «هي وهدة على شاطىء دجلة أمامها الماء وسكر عظيم من السكور القديمة بحيث لا يستطاع العبور إليها من شدة جريانه ، كما لا يمكن المرور عليه ، بل يقضي على المار بالغرق من آنه ، وغربيها غيل ملتف ، وشجر محتف ، وخلفها وشرقيها جبال باذخة ، وكهوف شامخة ، وهذه تقرب من الموصل بثلاث مراحل» (حديقة الزوراء ، الورقة ١٣ نسخة المتحف البريطاني).

(٢) سميت بهذا لوجود عيون يسيل منها القار. ذكر ابن جبير عند مروره بهذه الناحية سنة ٥٧٠ ه‍ ، أنها تقع بمقربة من دجلة وبالجانب الشرقي منها ، وعن يمين الطريق إلى الموصل ، ووصفها ، وما فيها من عيون ، في كتاب رحلته ص ١٨٦ ، ونقل ابن بطوطة كلامه لكنه أسقط منه تحديد موضع العيون من دجلة ، من يمينها أو من شمالها. وعيون القيارة لما تزل موجودة ، لكنها تقع في الجانب الغربي ، أي عن شمال الطريق إلى الموصل ، لا كما قال ابن جبير ، وهي اليوم مركز ناحية تابعة إلى قضاء الشورة على دجلة.

٩٩

يتعوج فيها لما فيها من الانحراف فكأنها تصيد الكلك بفتحتين ، وهو الطوف ، والمسافة سبعة أميال.

[حمّام علي]

وتليها مرحلة عين حمّام علي ، وهي على شاطىء دجلة ، ماؤها حار جدا إذا كان علا القير على وجه الماء ، فإذا رفع طاب بحيث يتحمله بدن الإنسان ، يزعم أهل الموصل أنها تنفع من الجذام (١) ، وقد اتفق لي أني اغتسلت فيها ذلك اليوم مرتين ، والمسافة ثمانية فراسخ.

[الموصل]

وتليها مرحلة الموصل بوزن موئل ، والمسافة تقريبا أربعة (٢) فراسخ ، فدخلنا الموصل يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر ربيع الثاني (٣) فكان عدة مراحلنا من بغداد إليها غير يوم الإقامة بتل كوش ستة عشرة مرحلة.

فنزلت الخان المعروف (٤٢ ب) بخان الأغوات (٤) فما مكثت فيه ساعة حتى جاء الأمجد

__________________

(١) تبعد بلدة حمام علي عن القيارة بنحو ٤٧ كم. قال ياقوت «حمام علي باصطلاح أهل الموصل ، هي بين الموصل وجهينة قرب عين القار ، غربي دجلة ، وهي عين ماؤها حار ، كبريتية ، يقول أهل الموصل إنّ بها منافع والله أعلم» وهي اليوم مركز ناحية الشورة.

(٢) في النسختين (أربع).

(٣) الموافق ٢٧ أيار (مايو) سنة ١٧٤٤ م.

(٤) خان شيّده إسماعيل آغا وإبراهيم آغا وخليل آغا أبناء عبد الجليل ، إلى جانب جامعهم الذي يعد أول جامع بناه الجليليون في الموصل ، فعرف الخان بخان الأغوات نسبة إليهم ، كما عرف الجامع بجامع الأغوات للنسبة نفسها ، ومثله المدرسة الملحقة به ، وكان إنشاء هذه المؤسسات سنة ١١١٤ ه‍ / ١٧٠٢ م ، أي قبل تولي أولهم ، إسماعيل آغا (باشا فيما بعد) الحكم في ولاية الموصل سنة ١١٣٩ ه‍ / ١٧٢٦ م بمدة. وجاء تحديد موضع الخان في وقفية جامع الأغوات على النحو الآتي «الخان المعد للتجار الفاصل بينه وبين الجامع والمدرسة الشريفة المذكورة ، والطريق المار من القلعة إلى سوق الغزل والميدان» وخصصت الوقفية ربع الخان للإنفاق على الجامع والمدرسة».

١٠٠