النفحة المسكية في الرحلة المكية

عبد الله بن حسين السويدي البغدادي

النفحة المسكية في الرحلة المكية

المؤلف:

عبد الله بن حسين السويدي البغدادي


المحقق: عماد عبد السلام رؤوف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجمع الثقافي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٧

عجيمي زاده ، منحه الله الخير والسعادة ، فقد ألح علي أن أكون ضيفه مدة إقامتي في حلب ، ومع ذلك تشفع بالسيد محمد الطرابلسي بأن أكون كل ليلة عنده وأتعشى عنده فرضيت ، لكن كل يوم وقت العصر يرسل خلفي خادمه ، وكل وقت يوصي خدامه بإكرامي حتى إنهم ليضعون تحتي فرشا فاخرة كثيرة ، وفوقي لحافين يخدمني أتباعه أكثر من خدمة أولادي. واحتجت إلى قرض نقود فأقرضني بطيب نفس من غير أن أذكر له ، بل إنه سمع مني الاحتياج فألح عليّ بالإقراض جزاه الله عني خيرا.

[معان]

ولما وصلنا إلى معان انخزل (١) عنا جماعة من الحاج لزيارة بيت المقدس ، ومنهم ولدنا القلبي الشيخ عبد الوهاب الموصلي ، فأوصيته بأن يستجيز لي ولأولاي الصلبيين والقلبيين (٢٠٧ أ) طريقة التصوف من شيخنا الولي المرشد المسلك السيد مصطفى الصديقي ، فجاء الشيخ عبد الوهاب إلى دمشق ليلة خروجنا منها ومعه كتاب من الشيخ ، نفعنا الله به ، وصورته :

سبحان الله الأوّلي الأبدي

مانح الأوّاه كل سر سرمدي

عواطف إحسان بها القلب يهتدي

خواطب عرفان لها اللب قد هدي

فواتح تقريب فوائح جذبة

لواعج تهذيب سوائح مبتدي

تحقق عبد الله لا عبد درهم

بأسرار أهل الله إذ سار يقتدي

وترشقه الأقدار كأسا مروّقا

عتيقا عبيقا منعشا كل مسعد

وتطرقه الأنوار كأسا مطوقا

قلائد عز في منار تجرد (٢)

ويكشف عن أطوار أخبار خبرة

فيعرف بالأخبار أخبار سؤدد

ويدرك سر السير بالبر للهدى

وسقيا لبان الخير بيت ام معبد

__________________

(١) اختزل عن قومه : اقتطعه وأفرده.

(٢) في ب (منابر تجلدي).

٣٤١

وأسرار غار الاختلاء عن الملا

وأوطار آثار اختلاء التفرد

ويلحظ ما نال المصدق بالوفا

ويلمح ما قد طال إلى التودد

«٢٠٨ أ»

بواسطة الأصلين لمع معية

وهمع جنى التبريك في عقب ندي

هنا بالعطا من بعد ما كشف الغطا

يهنى من يريد الصيد في اليوم والغد

وفي مربع يبدى مريع تفضل

يحط مراسيه بحب مؤبد

ويرتع في روض الأماني مهيما

بحوض ارتواء من شراب محمدي

ومن بعد ذا يعطى المرامات كلها

ومنشور إذن للمقر المخلد

ويمنح فتح الباب في قاب قربه

وينفح ألقاب قاب التقلد

ومنذ قام عبد الله في خان مخدع

تضاءلت الأفهام عن درك مقصد

وأذعن للقدر الرفيع غوالي

وعاد عمود الصبح للحكم يبتدي

(فخر أمة) (١) حاز المنى حالة اللقا

و (جافى) (٢) الهنا إن أم دوح الممهد

«٢٠٨ أ»

فقل للذي يرجو عياذا من الردى

بأبوابه لم ترق أرفع مشهد

هنيئا مريئا يا محب أحبة

تملوا بأبصار الجمال الممجد

ويا ربنا صلّ وسلم على الذي

لقد ساد فيه كل هاد ومهتد

وآل واصحاب كرام أئمة

وأتباعهم ما فاح عرق تشهّد

وما مصطفي البكري يشدو ضحية

عواطف إحسان بها القلب يهتدي

حمدا لمن جاد بجليل جمال أو حدي

وشكرا لمن أفاد جميل مالي أسعدي

وصلاة وسلاما على سيدنا محمد ، ما اقتفى آثاره عبده ليهتدي ، وعلى آله وأصحابه

__________________

(١) في ب (فمن الله).

(٢) في ب (وحاز).

٣٤٢

وأتباعه وأحزابه والراوين أحاديثه ليقتدي بهم كل مقتدي ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما فاح عبير تقرير منجدي ، وبعد ، فهذه تحيات شذاها ندى ، وتسليمات سليمات (هداها كم قيّد ، كل صب معبد) (١) مشاهد مشهدي ، للأخ في الله ، والمحب في ذات نعتها صمدي ، أعني به العالم العامل ، (٢٠٨ ب) المنتهى في علوم تسكن حركة الزائغين ويهدي ، الصديق الرفيق جناب الشيخ عبد الله الشهير بالسويدي أمده بمدده الباقي السرمدي ، المعيد المبدي ، آمين.

هذا قد وصل إلينا الأخ مرتديا برداء الحب (٢) ، المقتدي بالبان القرب المقدسي المسجدي ، السيد عبد الوهاب حاوي آداب قد بها بهندي (٣) ، فذكر الجناب وذكرنا بعهد قديم لم ينس لتمكنه في خلدي ، وأطرب الأسماع بأخبار يشتاقها الملتاع لأنها للنفع تجدي ، فسرنا هذا الارتقاء والاستقاء من المدد الأحمدي ، أنا وحدي ، وطلبنا بكم الزيادة لتعم بكم الإفادة ، ولأبلغ بكم أملي ومقصدي ، وعرفنا أن الجناب المحبّي الأشرفي الأرشدي كلفه بأن يطلب من الحقير إجازة له ولأولاده ومن بهديه يقتدي ، فأعلمناه أن هذا الطلب منشؤه التواضع وكمال الأدب الذي مصاحبه بالروح فدي ، ولما رأينا الإجابة محتمة لسابق ود ولاحق إنابة نشرها ندي (٤) ، أجبنا الطلبة مع اعتراف بالرتبة ، وألحقنا بهم من ينتمي لجنابكم من أجلها عزة محتد ونسأل منكم ومنهم الدعوات في الخلوات والجلوات ، سيما عند الوصول لأعتاب أهل الحصول من كل مرشد أصفه بسندي وسيدي ، وجميع من عندنا من أولاد وعيال وأحباب وأنساب في الأطلال يرجون الدعوات العوال كما أعلى حالكم منا ولكم هدي ، ويهدي سائر أولادكم وأحبابكم ومن يلوذ برفيع أبوابكم أزكى سلام تام عام أبدي سرمدي ، كتبه الفقير إليه تعالى سبط الحسنين مصطفى الصديقي الحنفي.

__________________

(١) كذا في أوفي ب (هدي حاكم هذي بحق)

(٢) من هنا سقطت صفحة من أ، فنقلناها من ب.

(٣) في ب (مرتدي)

(٤) كذا في ب.

٣٤٣

وجاءني وأنا في حلب من دمشق كتاب من سيدي العالم النحرير ، والفاضل الشهير ، سيدي الأخ الحميم والخل الصافي المستقيم الشيخ صالح الجنيني بن الشيخ إبراهيم ، وهو : الحمد لله ، غب سلام ونت بروقه ، وهطلت عذوقه ، وأزهرت كمائه ، وأنورت حانه ، (٢٠٩ ب) تخص بذلك حضرة من اختصه الله بأحسن الخصائص ، وصانه من الزلل والنقائص ، أعني به المشار إليه ، أسبغ الله جزيل إنعامه عليه إلى آخر كتابه ، وفقه الله لصالح الأعمال ، وأحسن منه جميع الأحوال.

وجاءني كتاب من دمشق من السيد أحمد بن نقطة تركت كتابته لما تقدم. وأيام كنا في دمشق التمس مني أن أعمل مقامة مضمونها أن السيد محمد بن شيخ الحرم ينبغي أن تجعله سلطانا على جميع ملاح دمشق ، وذلك لأنه يتعشقه ، وله مداعبات مع من يتعشق غيره ، فهو يقول : إنه سلطان وغيره يقول : فلان هو السلطان لمن يتعشقه ذلك الغير ، ولم تزل المخاصمة والمنازعة بين العشاق ، فكل منهم يقول : معشوقي هو السلطان ، ولا يخفى عليك أن أهالي دمشق مشهورون بالخلاعة والتعشق ، حتى علماؤهم الكبار ، وهذا النزاع ما شاع وذاع. ولم يزل هذا السيد أحمد يزيد في الإلحاح ، ويجد في الاقتراح ، وأنا أدافعه بالاعتذار ، وإن هذا لا يليق مني فيجيبني بأن الحافظ السيوطي له في مثل ذلك مقامات كثيرة ، وكذلك أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني له نظم رائق ، (٢١٠ أ) ونثر فائق أكثره يتعلق بمثل ما نحن فيه ، وغيرهما من علماء وأساطين (١) وفضلاء وسلاطين ، لهم مقامات مشهورة ، وحكايات منثورة مذكورة ، ولم تزل المدافعة مني والإلحاح منه إلى أن خرجت من دمشق ، فراسلني بكتاب ، وفيه : أقسم عليك بعيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا ما عملت المقامة وأرسلتها ، والله إنها عندي تساوي جميع أمور الدنيا ، فكتبت ما حضرني ، وأسندت رواية المقامة إليه ، وقصرت أحكامها عليه ، إلا أني ما صرحت باسمه ، وإنما لوحت برسمه ، لأنه كان يقول : إذا عملتها لا تصرح بأنه السبب فيها ، ولا بأس

__________________

(١) في أأساطير

٣٤٤

في التلويح المغني عن التصريح ، هذا والسيد محمد خدمني كثيرا ، وقرأ ما تيسر من علم النحو علي ، له آداب حسنة ، وأخلاق مستحسنة ، وعذوبة منطق ، وحلاوة منادمة ، فسبحان (٢١٠ ب) الذي فطره وصوره فأحسن صوره. وكان السيد ذكر لي أن يكون البدر الأتم سلطانا على ملاح دمشق ، وهم السيد الذي بحسنه الفائق كل عارف يفتي ، السيد حسن الحرستي ، والظبي النافر ، الذي يقول القمر شقيقي ، وجمالي لدى التدقيق تحقيقي ، محمد بن علي بك البكري الصديقي ، والقمر الذي عن القبح عري ، ومن النقائص بري شاكر بن سعدي أفندي العمري ، والبدر الذي قال : يغني عن السرج جبيني ، عبد الرحمن بن الشيخ أحمد المنيني ، والغصن الذي قال جميع المحاسن عندي إن كنت لا أصرح ولا أبدي ، السيد يوسف بن السيد محمد آغا الجندي ، والكواكب الذي أشرق من تحت السحاب ، والمقصود لدواء كل مصاب ، مراد بن ركاب ، والعلم المفرد في الملاحة ، والمجمع عليه في الرجاحة ذو العيون التي يقول كل عاشق : إنما قسيمي البدر المنير ، عبد الرحمن بن العلمي ، والبدر الذي قام عليه الإجماع ، السيد مصطفى بن أحمد الطباع ، والمليح الذي قال الملاحة مقصورة عليّ دون غيري ، قضيب البان عبد الرحمن الديري وغيرهم ممن اتسم بالجمال ، ووسم بالكمال (٢١١ أ) فكتبت للسيد أحمد المذكور كتابا وفيه المقامة : سلام أشهى من منادمة الحبيب بعد نفوره وصدوده ، وألذ من معانقته وشم ورد خفر خدوده ، وأحلى من عتابه بعد تماديه في الإعراض ، وأخلب للألباب من غمز ألحاظه المراض ، على المغرم الذي تلظى بنيران الصبابة ، وغرق في بحار الأشجان والكآبة ، وعرض قلبه لنبال (١) المقل عرضا ، وعرض جسمه لأن يجري عللا مرضا ، الصب الذي توله بحب الامرد الجميل ، واستعذب مقاساة الليل الطويل ، حتى رأى العذاب عذبا ، والموت سهلا وإن كان صعبا ، فصار طعين قدود ، وقتيل صدود ، لا تألف جنوبه المضاجع ، ولا تزايل جفونه المدامع ، لا

__________________

(١) في ب (لبنان).

٣٤٥

يرعوي لعنف ولا لائم ، ولا يلوي إلى ناصح مسالم ، بل إنه لم يزل يناوح (١) الحمائم ، وهو حيران ذاهل هائم ، حالف السهاد على الملازمة ، وخالف الرقاد في الملاءمة ، فتأججت زفراته ، وتضرّمت لوعاته ، السيد الذي دعي سيد الطائفتين ، والشيخ الذي رسم بأنه (٢١١ ب) شيخ الطريقتين ، السيد أحمد ، وبابن نقطة عرف ، وبالعطار اشتهر ووصف ، لا زال قلبه غرضا لسهام المحبة ، ولا زالت أشواقه محرقة قلبه ، أما بعد ، فأشواقنا إليكم غير خفية ، وذكرانا لك وافية وفية ، وقد أجبتك إلى ما طلبت ، ومنحتك بما به كتبت ، فعملت مقامة صدرت من غير فكر ولا روية ودثرت في ملابس الاستعجال فكانت غير مرضية ، وجعلت نسبتها لمن هو خفي عليك ، وفي الحقيقة جميع أسانيدها تنتهي إليك ، وهي :

حدثني قيس الشجون ، ونحن بثغر المجون ، قال : أنبأنا أبو الوله الغرام ، ونحن على شاطىء الانسجام. وحدثنا كثير الأشواق ، على مصطبة العشاق ، قال : أخبرنا أبو الفناء باهر الهيام ، ونحن في مدرسة الغرام ، حديثا يخلب القلوب والألباب ويزري بطنين العود والرباب ، إنه قال : كان من عادتي المعتادة وشنشنتي (٢) المستجادة ، التوله بأرباب الجمال ، والتيه والدلال حتى دعيت في هذا الفن بأبي عذرته (٣) ، (٢١١ أ) وبجديله المحكك (٤) وابن بجدته (٥) ، فكنت أقضي الرواحل (والمطيّ ، والمتملي بالمحيا البهي ، فحدثني رواة القوافل ، وثقات الركبان في الرواحل ، من جاب البلاد) (٦) والقفار ، وراد الأنجاد والأغوار ، وتوله بحب الملاح ، واستهون في الوصال بذل الأرواح ، بأن دمشق لأولئك الأقمار مطالع ، ولتلك الجآذر مرابع

__________________

(١) يناوح. يقابل.

(٢) الشنشنة : الخلق ، والعادة.

(٣) يريد بالعذرة هنا : الجدة.

(٤) الجذيل تصغير الجذل ، وهو أصل الشجرة ، والمحكك الذي تحتك به الإبل الجرباء ، يضرب للرجل يستشفى برأيه ، وعقله.

(٥) بجدة الأمر حقيقته ، وابن بجدته : العالم بأمره.

(٦) غير واضحة في أ.

٣٤٦

ومراتع ، فجزمت بالنية ، وامتطيت المطية ، فقطعت الروابي والوهاد ، وسلكت كل فج وواد ، حتى لقيت من الغربة عرق القربة (١) فتنورت معالم تيك الأقطار ، ودخلت المدينة والشمس في رابعة النهار ، فرأيت الناس ينشالون وهم من كل حدب ينسلون ، فقفوت أثرهم ، لأتحقق أمرهم ، فدخلوا حديقة نهرها مسلسل ، ونسيمها معلعل ، طيرها صادح غريد ، وشحرورها يترنم بأنواع التغاريد ، واكتست بالسندس أشجارها ، وتنورت من أردان (٢) الأكمام أزهارها ، وإذا فيها جم غفير ، وجمع كثير ، من المرد الملاح ، ذوي الوجوه الصباح ، من سبى بحسنه القمر ، وفتك (٢١٢ ب) بلحظه وأسر ، وأحرق بلظى خده ، وطعن بسمهري قده ، (وقتل بسيوف أجفانه المراض ، وقال له الحسن : الأمر لك فاقض ما أنت قاض ، وهم محدقون بخطيب يصدع القلوب بوعظه ، ويسلب الألباب بسحر لفظه ، له طلعة زهراء ، وعليه) (٣) عمة (٤) خضراء ، فقلت : ما الخبر! وما هذا الخطيب على المنبر؟ فقال : هذا فرع بني هاشم ذوي المفاخر والمكارم ، يصل نسبه النفيس إلى السيد إدريس ، وجده الأدنى نقطة دائرة الحسن. قد شبّ هذا السيد في القبابة (٥) ، وترعرع في سوح الغرام والكآبة ، صريع حسان ، وقتيل أجفان ، كم تلظّى فؤاده بهجير الهجر ، وكم غاص ذهنه في بحار الفكر ، يعشق المليح المائس الأعطاف ، ويهوى الجميل المعروف بالعفاف ، إلا أن هذا السيد هجيراه العفة والصيانة ، وديدنه الديانة والأمانة ، لا مطمع له إلا في النظر ، ولا تعدي له سوى الحسن بالبصر ، فصار مرجعا في هذا الفن ، (٢١٣ أ) ومعتقدا يجب فيه تحسين الظن. فقلت : ما اسمه وما نعته ورسمه؟ فقال : لا أستطيع التصريح ، وإنما أفيدك بالتلويح ، فهو مركب في

__________________

(١) العرق : ما يرشح من الجسد من ماء ، وعرق القربة : كناية عن المشقة والشدة.

(٢) في أ(اران) ولم نقف لها على وجه ، وما أثبتناه من ب ، ولعل الصواب : أردان ، جمع ردن ، وهو أصل الكم.

(٣) مطموسة في أ.

(٤) العمة : هيئة الاعتمام ، ويريد هنا : العمامة.

(٥) القبابة : لم اهتد إليها.

٣٤٧

الظاهر من أربعة عناصر ، أولها زمام الأدب ، ومفتاح الأرب ، وثانيها رأس الحلال والحرام ، وخاتمة الفلاح على الدوام ، أول منازل الحوت منزلته ، وأقوى درجات الصلاح درجته ، وثالثها إليه ينتهي العلم وبه يكمل الحلم ، ويتم بالإسلام ويختم به الكلام ، عين الحمد ، وفاتحة المجد ، وقلب العمل ، وعين الأمل ، ورابعها ينتهي إليه العباد ، ويتم به السداد ، فافهم ما عنيت ، وتأمل ما كنيت ، فعرفت ما أراد وما قصد ، وفهمت الذي عليه استند ، وكان من جملة ما طن على مسامعي من وعظه ، وقرع أذنيّ من كلامه ولفظه ، أن قال : أيها المغرمون بالجمال ، المتولهون بأرباب الدلال ، والعاشقون للملاح ، المستهدفون بسهام العيون الصحاح ، أوصيكم وصية من عرف الأمور (٢١٣ ب) وجربها ، وأنصحكم نصيحة من اختبر الأحوال الغرامية وهذبها ، عليكم بمحبة المليح الفائق ، والوداد القويم الصادق ، وتمسكوا من كملت محاسنه ، وعفته ، وصحّت بين أهل الهوى مودته وأخوته ، يعرف مواقع الهجر والوصال ، ويعطي كلا منهما على طبق ما يقتضيه الحال ، وأحذركم من الغلظة والجفاء ، ومن الغدر ومزايلة الوفاء ، وتحملوا من الحبيب مشاق إعراضه وهجره ، وامتثلوا مناهيه واتباع أمره ، وعليكم بالعفة والديانة ، والكمال والأمانة ، وتجنبوا الخيانة فبئست البطانة.

ثم التفت الخطيب إلى يمينه ، وحملق بعينه ، وقال : معاشر الحسان ، وطائفة المردان! عليكم بمن عفّ وكتم ، فلا يخالطنكم في مخالطته لوم وندم ، وتجنبوا من غدر وفسق وهجر واخال (١) فكر ، وإتباع فقر ، فقر ، وتمسكوا بمن انطوت على العفاف طويّته ، وتنزهت عن الخلاف عزيمته ونيته ، وطابت سريرته ، وازدانت سيرته ، إن قرب تقرب ، وإن أبعد (٢١٤ أ) تهذب وإن منح بوصال عف ، وإن قدر على فجور كف ، وأعطوا كل عاشق ما يستحق من الإسعاف ، وامنحوه على قدر حاله من الألطاف ، وقربوه حسب ديانته وعفافه وأمانته ، وإياكم من التمادي في الهجران والإسراف في الوصال والإحسان ، بل اسلكوا طريقة بين طريقتين ، وحقيقة بين حقيقتين. وإني أراكم أيها الملاح قد تعودتم العادات القباح ، تصلون

__________________

(١) كذا في أ، وفي ب (احتال) ولعل الصواب : احتيال.

٣٤٨

من فجر وفسق ، وتقطعون من بالعفاف تخلق ، تضعون الوصل في غير مواضعه ، وتوقعون الهجر في غير مواقعه ، وليست هذه طريقة السلف ، ولا هجيري الخلف ، وإنما هي بدعة حدثت وضلالة ليست عمّن قبلكم ورثت ، فهل تجدون في أساطير الغرام ، أو تروون عن أحاديث الهيام ، مثل هذه الحالة التي أنتم عليها ، والخصلة التي تخلقتم بها ، ور كنتم إليها ، فالذي أنهيه إليكم من الواجب المحتم عليكم أن تختاروا أحسنكم جمالا ، وأصرفكم (١) وأظرفكم دلالا ، فتولوه (٢١٤ ب) سلطانا ، وتكونوا له أعوانا ، إن أمركم امتثلتم ما أمر ، وإن زجركم جانبتم ما عنه زجر ، هذا والمردان مطرقون ، ولا هم ينطقون ، وإنما كان إدارة ألحاظهم تنوب مناب ألفاظهم ، فقال : إيه فما هذا السكوت والوقت ضاق ، وما هذا التواني عن عقد النطاق ، فتقدم أحدهم ، وهو يميس دلالا ، تقول أعطافه هكذا هكذا ، وإلا فلا لا! بقد يزري بغصون البان ، وجيد جيّد يفضح ريم الغزلان ، قد تقوّست حاجباه ، ورشقت من أهدابهما عيناه ، وتضرجت خداه ، واسودّت (٢) عيناه ، وشزرهم بألحاظه وأسكرهم بحميا ألفاظه ، فقال : أنا الأحق بالخلافة ، لما حويت من الرقة واللطافة ، وقوامي شاهد عدل ، ولحظي قاض بيده الفضل ، كم سبى جيدي من جآذر ، وكم تعد جفني من عضب باتر ، إن مست بأعطافي فمن يتجاسر على خلافي ، فلي الخلافة على التحقيق ، ولا بدع لأني ابن أبي بكر الصديق ، فمن جهل نسبي وفخري فأنا محمد بن علي البكري. ثم تلاه آخر بجبين وضاح ، ومبسم كالأقاح ، ومحيا كالبدر الأتم ، (٢١٥ أ) وجيد يخجل الريم الأرثم (٣) ، بقد يعبث بالرماح الردينية (٤) ، ولحاظ أمضى من الصوارم السريجية ، وقال : أنا ذو المحيا الزاهي الزاهر ، والجبين الأبلج الباهي الباهر ، والقد المياس ، والحكم على جميع الناس ، فرع الدوحة

__________________

(١) الصرف هنا : الفضل.

(٢) في ب (وأستودت).

(٣) الأرثم : الذي في طرف أنفه بياض.

(٤) الرماح المنسوبة إلى ردين ، وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح.

٣٤٩

الهاشمية ، وغصن الشجرة العلوية الفاطمية ، فأي عالم بخلافتي لا يفتي ، وأنا أبو الجمال ، حسن الحرستي ثم اقتفاه آخر بعيون مراض تشق القلوب أهدابها ، ويصدع الأفئدة وعيدها وإرهابها ، وحواجب مقوسة مقرونة بها جميع الناس ، حزمة (١) مفتونة. وقال : أنا ذو الجفن الكاسر ، والناهي الآمر ، إذا غضبت سلبت الألباب ، وإن لحظت أذهلت الحازم عن الصواب ، تصيب حاجباي بلا وتر ، وتقتل عيناي بلا وزر ، فأنا الملقب بسلطان الهند ، وليّ الأمر من قبل ومن بعد ، فأنا الأحق بالخلافة على الصواب ، كيف وجدّي أنا عمر بن الخطاب ، فأنا الحامد الشاكر ، وتم بأبي سعدي فأكرم بذي المفاخر ، ثم عقبه يميس بقدر طيب ، وردف ثقيل قضيب ، بعيون نعسانة ، (٢١٥ ب) وجفون فتانة ، وأعطاف تكاد تنفصل من اللين ، وثغر حوى الدر الثمين ، وقال : أنا سلطان الملاح ، وأنا الحاكم عليهم ولا جناح ، فمن في هذا الميدان يجاريني ، وأنا الغصن الميّال عبد الرحمن المنيني ، فبينما هم في ميادين المجادلة وعكاظ المساجلة والمناضلة ، إذ أبصرتهم يتطلعون ، وأبصرتهم يستريحون ، فأفرجوا فرجة في البين ، واصطفوا في الحال صفين ، [و] لزموا الأدب مطرقين ، ونكسوا أعناقهم خاضعين ، وإذا بقائل يقول : يا جميل الستر سترك ، تعس من كفر بالله وأشرك ، والخطيب ختم خطبته الفاخرة بقوله : لبيك ، إن العيش عيش الآخرة ، سبحانك ما خلقت هذا عبثا باطلا ، ما هذا بشر ، إن هذا إلا ملك كريم ليس عن حكمة عاطلا ، والتفتّ فإذا بظبي غرير ، وبدر منير ، وغصن ميال يهتز اهتزاز العسال (٢) ، يصيد بلحظه الأسود ، ويحرق العشاق بجمرات الخدود ، بوجنة تدميها خطرات النسيم ، وجفن بموسى لحظه كل قلب كليم ، وجبين (٢١٦ أ) أبلج ، وثغر أفلج ، ومبسم حوى الدرر ، وخدّ زهر فيه ورد الخفر ، وهو يتمايل تمايل القضيب ، ويترنح ترنح البان فوق كثيب. وقال : الحمد لله الذي زين الثغور ، بالدرر ، وحسّن الخدود بجلنار الخفر ، وجمّل العين بالكحل ، وأصمى القلوب بسهام المقل ، وأطلع

__________________

(١) حزم : شد.

(٢) العسال : الرمح ، اضطرب واشتد اهتزازه.

٣٥٠

شمس الحسن في آفاق المحيا ، وأودع في الرضاب قوة الإسكار فلا يحاكيه الحميا ، ونصب القلوب أغراضا لأهداف العيون (١) ، وأغمد البيض البواتر في لحاظ الجفون ، والصلاة والسلام على أحسن الخلق وأجملهم (٢) وأفضلهم وأكملهم ، ذي المحاسن التي ما حواها مخلوق ، والشمائل التي ما اتصف بها سابق ولا مسبوق ، سيد الملاح على الإطلاق ، وجامع أنواع الجمال بالاتفاق ، جدّي الأكبر بالمعنيين ، محمد المصطفى من خير الفريقين ، وعلى آله وأصحابه وجنده وأحزابه ، أما بعد. فيا أيها المفتئتون على ادعاء الخلافة ، والزاعمون أنكم جمعتم أصناف الرقة واللطافة ، أتظنون أن أمر الخلافة سدى ، وأن (٢١٦ ب) الضلالة تقهر الهدى كلا! فإن للخلافة شروطا مشروطة ، وأركانا بها منوطة مربوطة ، فأي منكم ترشح لها وتأهل ، وأي عليه مدار أعبائها إذا الأمر أعضل ، فأنا (٣) المعين دون أحد ، وأنا السلطان والعلم المفرد ، طالما فتكت بألحاظي ، وأثملت بألفاظي ، فكم أسد قبضت ، وكم بطل أسرت ، وكم لي من قتيل وصريع وجديل ، إن تبخترت كان البان في خجل ، وإن لحظت كان الغزال في وجل ، وإن أسفرت أزريت بالنيرين ، وإن أسبلت غديرتي كان الليل في تيك (التقدرين) (٤) يهتدي ، يجليني إذا أشرق ، ويضل بطرفي كالليل ، إذا غسق ، يفوق ابتسامي البرق بالشنب ، ويقضي تعبيسي بالهلاك والعطب ، إذا أمرت امتثلت أوامري ، وإن نهيت اجتنبت زواجري ، وحسبي في تعييني الخلافة ، أن شاكرا أو عبد الرحمن ، سلما لي بالظرافة : فكانا من أتباعي وأنصاري وأشياعي ، كيف وقد حكم لي بها العالم الذي سار فضله في كل نادي ، (٢١٧ أ) وترنم بتحقيقه الحق كل حادي ، وشاعت فضائله في كل سهل ووادي ، الشيخ الجليل أبو البركات البغدادي ، حيث قال :

__________________

(١) في ب (أهدابا لأغراض العيون).

(٢) في ب (وأجملهم) أو (أجلهم).

(٣) في ب (فإن).

(٤) كذا في ب وهي مطموسة في أ.

٣٥١

حسان دمشق الشام فاق جمالهم

سناهم ينير البدر وسط سمائه

وسلطان أرباب الجمال محمد

جميع ملاح الشّام تحت لوائه

فأنا ذو المجد المفرد ، والحسن الأوحد ، ذو الأخلاق والشيم ، أبو الأنوار الشيخ محمد بن شيخ الحرم ، وقد نسبني إلى ذلك الشيخ المذكور في نظم يزري بالدر المنثور ، فقال : قلبي غدا ذا ألم ، ومهجتي في ضرم ، والعين تجري بدم ، علي بن شيخ الحرم سلطان أرباب النهى ، يسبي الجآذر والمها ، كم تاه أرباب النّهى ، على ابن شيخ الحرم كم من طعين قده ، ومصطلى بصده ، وميت في لحده ، على ابن شيخ الحرم بثغره المفلج ، وخده المضرج ، يهيم مفتون شج ، على ابن شيخ الحرم بلحظه الفتاك ، وجفنه السفاك ، (٢١٧ ب) جميع صب شاكي ، (على ابن شيخ الحرم جبينه الوضاح ، وثغره الأقاح (١) ، تعتمد الملاح ، على ابن شيخ الحرم حوى جميع المفخر ، بجده المنيري ، والله لست مفتري ، على ابن شيخ الحرم خليفة المحاسن ، ودمية المساكن ، فكل وجد ساكن ، على ابن شيخ الحرم) (٢).

(فلما وعى الخطيب مقالته ، قرر سلطنته ، وقال : الحق أحق بالاتباع فهو الحري بالاتفاق والاجتماع ، فبايعه من في) (٣) ذلك المحفل المنيف حتى الخطيب السيد الشريف ، لكنهم قالوا : هو سلطان علينا ما دام النجاشي لم يتسلط على مملكته ، وإلا فهو معزول بحكم شرع الهوى وملته ، استغفر الله من التجوز في المقال ، واستعيذ به من سيىء الأحوال ، آمين ، كتب هذه المقامة سيدنا الشيخ مصطفى اللقيمي ثم الدمياطي ، وهذا الشيخ عالم فاضل بحر كامل (٢١٨ أ) اسمه مصطفى ولقبه أسعد بن الشيخ العالم أحمد ، واللقيمي (نسبة إلى لقيم بلدة في الطائف ، ويتصل نسبه من أمه إلى خاتمة العصر علي غانم المقدسي المتصل نسبه إلى سعد بن عبادة الصحابي رضي‌الله‌عنه. أخذ الشيخ المنوّه باسمه الحديث عن

__________________

(١) الأقاح ، جمع الأقحوان : نبات أوراق زهره مفلجة صغيرة يشبهون بها الأسنان.

(٢) مطموسة في أ

(٣) مطموسة في أ.

٣٥٢

الشيخ عبد الله بن سالم البصري ، وعن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله المغربي ، وعن الشيخ تاج الدين القلعي) (١) مفتي مكة ، وعن الشيخ عبد القادر المفتي بها أيضا ، وأخذ الفقه الشافعي عن الشيخ عبد الرؤوف البشبشي (٢) ، وعن الشيخ أحمد الملوي ، وأخذ العربية والأصول عن الشيخ محمد الديري صاحب الحاشية على ابن عقيل ، وعن الشيخ عبد الوهاب الملوي ، وعن الشيخ علي السروجي ، وله نظم رائق ونثر فائق ، فمن نظمه قوله :

ولمّا التقينا والحبيب بحاجر

وقد عبقت بالطيب منه نسائمه

تبسم عجبا من حديث مدامعي

فما برقه الساري به وغمائمه

وحين تثنّى وانثنيت مرغّما

تعلّم منّا بانه وحمائمه

(٢١٨ ب)

غيره :

يا حسن قرط فوق صفحة خدّه

يحكيه في الإبداع والإشراق

أبدا تراه بالحقوق مولعا

يروي حديث فؤادي الخفّاق

وله مضمنا البيت الأخير :

في طي منشور الزمّان حوادث

من نشرها عمر النّسور قد انطوى

أضنى فؤاد الصّب شقّ سهامها

وبوقعها سلب التّجلّد والقوى

ولكم يصابر والتّصبر خانه

واللبّ في لجج التّحير قد هوى

قسما بحرّ مصابها في مهجتي

حرّ يرى من دونه نار الهوى

لا عيش يصفو لي ولا دار اللّوى

تدنو ولا قلبي يقرّ من الجوى

وله نظم كله غرر اجتمعت به مرارا كثيرة في حلب الشهباء ، منحه الله النّعم والآلاء.

__________________

(١) مطموسة في أ.

(٢) كذا في النسختين ، ولعلها : البشيشي ، بالياء المثناه.

٣٥٣

وكتبت من حلب إلى دمشق الشّام (١) (٢١٩ أ) ستّة كتب ، إحداها للشيخ شارح البخاري ، إسماعيل العجلوني ، وثانيها للشيخ أفقه زمانه ، وأعلم أوانه ، الشيخ صالح الجنيني ، وثالثها للسيد أحمد بن نقطة ، وفيه المقامة المذكورة ، ورابعها للأكرم صالح أفندي ، وخامسها لسيدنا مصطفى بن بكداش ، وسادسها للملا علي ، تركت كتابة الكل هنا للملل ، لكني صدرت كتاب المنلا علي بهذه القصيدة :

غادرت قلبا في مرابع حلق

يا ليت جسمي في مرابعها بقي

غادرته حيران عنّي نازحا

عجبا لجسمي كيف لم يتمزق

ويلاه قد أودى البعاد بمهجتي

تبت يداه فقد قضى بتفرق

أخفى غرامي والدموع تبينه

للعاذلين وإنني لم أنطق

ما كان في ذهني يقينا بعدهم

بل كنت بين مكذب ومصدق

«٢١٩ ب»

قد خانني عند الوداع تصبري

بالله يا صبري الخؤون ترفق

والله ما أربى دمشق وإنما

شغفى بكل ممنطق ومقرطق

من سادة يرعى الفؤاد وليدهم

مع رقة لطفت وحسن مفرق

تالله ما أنسى ليالي وصلهم

والعيش غض والهنا في فيلق

ما حلت عن مسكني على لحظة

ما عشت لم يبرح إليه تشوقي

فعليه ما عاش السلام مضوّعا

بشذا عبيره في هواي معبق

وممن أضافنا رفيقنا في المحمل الحاج يوسف النعساني صنع لنا طعاما فاخرا ، وأكرمنا إكراما باهرا ، وممن أضافنا الحاج عبد الرحيم بن الشيخ خليل ، جزاه الثواب الجزيل. وممن أضافنا الحاج حسن التكريتي ، جزاه الله خيرا.

وممن أضافنا مرارا عديدة ، وبت في بيته ، (٢٢٠ أ) ولدي القلبي الشيخ الفاضل النّحرير

__________________

(١) في ب سقطت (الشام).

٣٥٤

المتضلع من كل فن شهير ، تاج الدين بلا انتقاد ، الشيخ محمد بن الشيخ طه العقاد ، أذاقه الله حلاوة التحقيق وسلكه أقوم طريق ، [ف] لقد خدمني خدمة حسنة ، بشفقة ، ورأفة ، ما دمت في حلب ، بلغه الله ما أراد وما طلب. وقرأ على هذا العبد الغريب شرح رسالة الوضع لعصام الدين ، وكان قبل ذهابي إلى مكة قد قرأ علي شرحها للمنلا علي السمرقندي ، وقرأ شرح الآداب للمنلا حنفي ، فلله درّه ما أغزر علمه وما أدق فهمه ، ما أقرأت أحدا أذكى وأضبط وأجمع منه ، وفقه الله للعلم والعمل ، وصانه عن الخطأ والخطل ، آمين.

وممن أضافنا مرات ، ولدنا معروف بن الحاج فهد العبدلي ولم يكن من سكان حلب وإنما كان على طريق المسافرة ، وكذا ولدنا (١) حمزة بن الحاج شاهين ، وولدنا درويش بن رمضان ، وولدنا طويسان بن غيث العبدليون ، وكلهم كانوا على طريقة المسافرة ، وممن أضافنا مرات ، وبتنا في بيته كرات ، ولدنا النجيب بن الحاج محمد الأطرش ، في باب النيرب. (٢٢٠ ب).

وممن أضافنا الضيافة الحسنة ، ودعانا الدعوة المستحسنة ، السيد الحسيب النسيب السيد أحمد الشراباتي ، فلقد أضافنا في بستان الكتّاب التي هي اليوم ملك الوزير حسين باشا القازوقجي ، فانبسطنا ذلك اليوم ، لا كدر ولا لوم ، وكان معنا عمّه الشيخ عبد الكريم الشراباتي ، وسيدنا الشيخ محمد الطرابلسي ، والشيخ طه الجبريني ، والشيخ محمد الكتبي ، والشيخ عبد الغني المقدسي ، وكان منشدنا الشيخ علي الحلبي ف [له] نغمة تخلب الألباب ، وتزري بالعود والرباب ، مع صحة الالفاظ واستقامة الإعراب ، [ف] تركت [ب] ما أنشده في ذلك المكان الملل الذي اعتراني في هذا الزمان.

وممن أضافنا في بستان الريماوي ، النجيب السعيد الحاج سليمان مولى الحاج إبراهيم بن هيكل ، فبقينا ذلك اليوم بانشراح وأفراح.

وممن أضافنا الصالح الناسك الحاج محمد الصباغ الموصلي ، أضافنا في بيته ، ودعانا مرة أخرى

__________________

(١) في ب (والدنا).

٣٥٥

في بستان الريماوي ، إلا أن هذه الدعوة الثانية (٢٢١ أ) ليست مختصة بي ، وإنما هي لغيري.

واستجاز مني السيد الحسيب السيد أحمد الشراباتي بعض صلوات يقرأها كل يوم ، فأجزته بهذه الصلاة : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ، ولحقّه أداء ، وأعطه الوسيلة والمقام الذي وعدته ، وأجزه عنا ما هو أهله ، واجزه عنّا أفضل ما جازيت نبيا عن أمته ، وصلّ على إخوانه من النبيين والصالحين ، يا أرحم الراحمين ، أجزت بهذه الصلاة السيد الحسيب النسيب الأمجد السيد أحمد الشراباتي ، وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه ، وأمرته أن يديم قراءتها كل يوم وليلة على حسب الإمكان ، لكنه يخص ليلة الجمعة ويومها بمزيد ، كتبه ، الفقير أبو البركات عبد الله السويدي عفي عنه آمين.

وإلى هنا أحببنا ختم الرحلة ، إذ لم يبق إلى بغداد إلا طريق البر ، ولا فيه قرية (٢٢١ ب) ولا أرض مشهورة موصوفة ، نسأل الله أن يختم بالطاعات أعمالنا ، ويبلغنا آمالنا ، ويحسن بفضله أحوالنا ، ويعفو عن سيئاتنا ، ويؤمن روعاتنا ، ويستر عوراتنا بفضله وأمنه ومنّه ، آمين ، وصلى الله أشرف صلاته ، وأنمى ، تحياته ، وأزكى بركاته على خيرته من خلقه وصفوته من عباده ، سيدنا وحبيبنا أبي القاسم محمد المختار من أشرف قبيل إلى أكرم جيل ، وعلى آله وأصحابه البررة الأنجاب الخيرة ، وعلى من اقتفى بآثارهم وتزيّا بشعارهم ، والحمد لله أولا وآخرا ، وباطنا وظاهرا (١). (٢)

__________________

(١) في ب (ظاهرا وباطنا).

(٢) كتب ناسخ نسخة أهنا ما يأتي (تمت هذه الرحلة الشريفة على يد .. علي بن ملا طالب البغدادي .. من صفر الخير عام تسعة [وخمسين ومائة وألف] سنة ١١٥٩) وكتب ناسخ نسخة ب ما يأتي (كتبت على نسخة المؤلف .. تم هذا الكتاب في بغداد في المدرسة المرجانية ابتداء وانتهاء على يد أضعف الفقرا محمد سعيد أصلح الله شأنه ، كتبه لملاتنا وأستاذنا الأعلم الأفضل ملا عبد الرحمن أفندي دري زاده .. في الحجرة الفوقية التي على المصلى من الجانب الشمال في ٥ ش (شوال) سنة ١٢٤٥ يوم الاثنين في وقت الصبح).

٣٥٦

المحتويات

الفصل الأول : سيرته............................................................. ٥

الفصل الثاني : دوره في الحياة الفكرية.............................................. ٢٣

الفصل الثالث : رحلته.......................................................... ٣٩

النفحة المسكية في الرحلة المكية : النص المحقق............................... ٦١ ـ ٣٥٦

في الترجمة...................................................................... ٦٤

الرحلة......................................................................... ٨٨

٣٥٧