النفحة المسكية في الرحلة المكية

عبد الله بن حسين السويدي البغدادي

النفحة المسكية في الرحلة المكية

المؤلف:

عبد الله بن حسين السويدي البغدادي


المحقق: عماد عبد السلام رؤوف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجمع الثقافي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٧

«قصائد رائقة ، ومدائح فائقة ، دلائل الإعجاز تلوح من تراكيبها ، ومخايل الإيجاز تضوع من أساليبها ، أسرار البلاغة في تلخيص مبانيها ، ومفتاح الفصاحة في إيضاح معانيها ...» فاعتقد أن صاحبها «من الفضلاء المتقدمين». ولما حدثه بعض الثقات «ممن جاب البلاد» أن بغداد «مشحونة بالجهابذة النحارير ، والفضلاء المشاهير» استنكر هذا القول ، لأنه سبق أن أقام بها ، وكان العلم فيها «اسما بلا مسمى» فقيل له إنّه «نبغ فيها جناب العالم النحرير ، عديم المثيل والنظير ، إن ذكر العلماء فله القدح المعلّى ، أو عد الفضلاء كان التاج المحلّى ، عضد الملة المحمدية ، وناصر الشريعة الأحمدية ، آراؤه صائبة ، وأفكاره ثاقبة» يعني بذلك عبد الله السويدي ، وقال إنه فرح حين تحقق صحة رواية من أخبره ، وانطلق «قاصدا بذلك كعبة الآمال ، يقطع الروابي والوهاد ، والأغوار والأنجاد» حتى وصل مدينة السلام ، ليأخذ على عالمها وليدرس على يديه ، فإذا به «فوق ما يصفه الواصفون بكثير».

وبعد عمر ناهز السبعين سنة قمرية ، توفي الشيخ الجليل عبد الله السويدي في ضحوة يوم السبت الحادي عشر من شوال سنة ١١٧٤ ه‍ (١٧ مايس ـ مايو ١٧٦٠ م) ، فدفن بإجلال يليق بحياته الثرة ، وعطائه الجم ، ومنزلته الرفيعة ، في جوار مسجد الشيخ الزاهد ، العارف بالله ، معروف الكرخي ، في مقبرته الكائنة بالجانب الغربي من بغداد. وقد ترك وراءه أربعة من كرام البنين ، أحسن تربيتهم وتعليمهم ، فضلا عما أورثهم من ذكاء فطري ونباهة ، فبرز جميعهم في مجالات العلم والمعرفة ، ولم تكن شهرة بعضهم بأقل من شهرة أبيهم ، فعبد الرحمن ، أبو الخير (المتوفّى سنة ١٢٠٠ ه‍ / ١٧٨٦ م) كان مؤرخا فذا وفقيها وأديبا وشاعرا بارزا ، بلغت مؤلفاته نحو اثنين وعشرين كتابا ورسالة ، (١) ومحمد سعيد ، أبو السعود (المتوفّى سنة ١٢٢٣ ه‍ / ١٨٠٨ م) كان فقيها شاعرا أديبا ، له مؤلفات ومحاورات شعرية ، ونال إحدى إجازاته من العالم اللغوي البارع ، الشيخ محمد مرتضى بن محمد

__________________

(١) ترجمنا له بتفصيل في مقدمة كتابه (تاريخ حوادث بغداد والبصرة) الذي حققناه ونشرناه ، بغداد ط ١ : ١٩٧٨ وط ٢ : ١٩٨٧ ص ١٦ ـ ٣٦

٢١

الحسيني الواسطي الزبيدي مؤلف معجم (تاج العروس في شرح جواهر القاموس) ، (١) وإبراهيم ، أبو الفتوح (المتوفّى في الهند ، ولم يعرف تاريخ وفاته). وكان محدثا أديبا له تصانيف ، وأحمد أبو المحامد (المتوفّى سنة ١٢١٠ ه‍ / ١٧٩٥ م) وهو الشاعر المؤلف في الأدب والتصوف وغير هما ، (٢) فكلهم كان مشهودا له بالفضل والأدب ، معروفا بسعة العلم ، وإليهم انتهت إجازات العديد من علماء العراق التالين ، وعلى أيديهم تتلمذ كثير من الطلبة والدارسين ، ووصفت أسرته بأنها «واحدة من تلك الأسر العربية الفاضلة التي حفظت لنا تقاليد العلوم الإسلامية القديمة في هذه العصور المظلمة بالنسبة للأدب العربي ومهّدت الطريق لنهضة ذلك الأدب في القرن التاسع عشر». (٣)

__________________

(١) بحثنا (محمد أمين السويدي ، عالم بغداد ومؤرخها وأديبها) مجلة المورد ، المجلد ٢ (بغداد ١٩٧٢) ص ٥٨

(٢) مجلة لغة العرب ، المجلد ٢ (بغداد ١٩١٣) العدد ٩ ص ٣٨١ ـ ٥٨٢

(٣) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم (القاهرة ١٩٦٥) ج ٢ ص ٧٦١

٢٢

الفصل الثاني

دوره في الحياة الفكرية

شيوخه وإجازاته العلمية :

أخذ السويدي العلم عن عدد كبير من العلماء والشيوخ من الذين التقى بهم في بغداد والموصل ومدن بلاد الشام والحرمين الشريفين ، ونال منهم إجازات عديدة بمروياتهم ومعارفهم ، كما أجاز ـ هو ـ عددا كبيرا آخر من تلامذته. فأعاد بذلك الحياة إلى كثير من العلوم والمعارف التي كادت أن تندرس في العراق نتيجة ما توالى عليه من كوارث ومحن. ووصل تلامذته في العراق بأهم أسانيد الرواية المتسلسلة لدى العلماء الآخرين من المعاصرين في خارجه ، بعد أن كانت هذه الأسانيد تنقطع عند بلوغها حدا معينا من الرواة فلا تتجاوزه لقلة العلماء في العراق في القرون التي سبقت القرن الحادي عشر للهجرة (١٧ م) وتبعثر جهودهم العلمية. ومن ناحية أخرى ، فإنه أسهم ـ إسهاما جادا ـ في تجديد الحياة الثقافية في العراق وفي توجيهها عن طريق إثارة اهتمام طلبته ـ وهم كثر ـ بالمصنفات المهمة ، التي وضعها علماء الأمة في عصور خلت ، ثم عزّت نسخها ، أو فقدت في عصور الفوضى التالية.

ولا نشك في أن لرحلته الطويلة وإقامته ، خلالها ، في مدن عربية عديدة ، وأخذه من علمائها ، وروايته عنهم الكتب والرسائل ، أثرا كبيرا في نقله مصنفات مهمة ، ما كانت لتعرف في بغداد لولا جهوده تلك ، ولا أدل على ذلك من أنه كان أول بغدادي في عصره أحيا علمين كانا قد أوشكا على الاندثار بين علماء مدينته ، وهما الحكمة ، ويعني بها الكيمياء غالبا ، والهيئة ، أي الفلك. وقد درسهما في الموصل على بعض من تبقى هناك من

٢٣

علمائها. وفي هذا يقول العزاوي بأنه «من أفاضل علماء بغداد ، ومن أكبر الموجهين للحركة الثقافية». (١)

وتكشف قائمة شيوخه وأساتيذه ومن أخذ عنهم ، عن سعة معارفه وتنوع مآخذه ، وغزارة ما نقله عن شيوخ زمانه إلى تلامذته من علوم وقد نوّه بأسماء العديد من هؤلاء الشيوخ والأساتيذ في ثنايا هذه الرحلة التي نقوم بتحقيقها ، كما أشار إلى عنوانات الكتب والرسائل التي قرأها عليهم وأسانيد هم ، فلم تبق ضرورة لإدراج هذه المعلومات في هذه الدراسة.

مؤلفاته :

وضع السويدي عددا من الكتب والرسائل في المجالات العلمية التي عني بها ، وتشمل علم القراءات والتفسير والحديث واللغة والنحو والأدب والشعر وغيرها. ولقد أشار مترجموه إلى «إن له مؤلفات عديدة» (٢) ولكن أحدا منهم لم يحط بكل عنواناتها ، لأننا وقفنا على آثار له لم تشر إليها مصادر ترجمته ، وبالمقابل ، فإن تلك المصادر نوهت بمؤلفات له فقدت ، ولم نعلم ما آل إليه مصيرها ، على أهمية موضوعاتها. وفيما يأتي بيان بآثاره العلمية :

أولا ـ في علوم القرآن :

١ ـ تعليقات على شرح المقدمة الجزرية في علم تجويد القرآن الكريم للشيخ محمد بن محمد الجزري المتوفّى سنة ٨٣٣ ه‍.

أولها «قوله افتتح فيه براعة استهلال كما لا يخفى ، قوله أجزل أي كثّر وعظّم»

علق فيها على الشرح المذكور تعليقات نافعة أبانت عن علمه بدقائق هذا الفن ، وهو

__________________

(١) تاريخ الأدب العربي في العراق ٢ / ١٢٨

(٢) محمود شكري الآلوسي ج ١ ص ٦٣

٢٤

متوسط في التفصيل ، ناقش فيه المؤلف وردّه أحيانا ، وانتقد (أرباب التصريف) في بعض أقوالهم ، وربما ردّهم أيضا. وتتسم التعليقات ـ بوجه عام ـ بالتركيز ، والوضوح ، والبعد عن الإطناب.

منها نسخة خطية ضمن مجموع في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد برقم (٢٢٨١١) كتبها محمد أمين بن عبد الرحمن بن محمد محسن الدوري [السهروردي] سنة ١٢٧٥ ه‍ / ١٨٥٨ م. (١)

ثانيا : في الحديث الشريف :

٢ ـ شرح صحيح البخاري ، نوّه به محمود شكري الآلوسي ووصفه بأنه «شرح جليل». (٢)

ثالثا : في علم الكلام (العقائد):

٣ ـ شروح أو حواش في علم الكلام ، أشار إليها الآلوسي.

رابعا : في الأذكار والأخلاق الدينية :

٤ ـ أنفع الوسائل في شرح الدلائل. شرح فيه كتاب «دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار «للشيخ محمد بن سليمان الجزولي المتوفّى سنة ٨٥٤ ه‍ / ١٤٥٠ م.

أوله «الحمد لله الذي جعل الصلاة على نبيه رحمة للعالمين» نوّه به المرادي (٣) والبغدادي ، (٤) ووقفنا على نقول منه في مجموعة خطية في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد برقم ٣٧٩٧ وموضوعها التشبيه الوارد في الصلاة عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ الوارد في التشهد».

__________________

(١) عبد الله الجبوري : فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقات المركزية ج ١ ص ٣٤

(٢) المسلك الأدفر ج ١ ص ٦٣

(٣) سلك الدرر ج ٣ ص ٨٦

(٤) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون ج ١ ص ١٣٥

٢٥

خامسا : في الردود :

٦ ـ رسائل تتناول عددا من المسائل العقائدية والفقهية ، استند فيها على الكتب المردودة وناقشها ، وقد رتبها على مباحث ، أفرد كلا منها لموضوع محدد.

وفي مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد نسخة منها ، ضمن مجموع رقمه (١٣٧٨٥) ، وقد سقط شيء من أولها ، وبدأ الموجود بقوله «ومن هفواتهم العظيمة ، وزلاتهم الجسيمة قولهم».

٧ ـ رسالة أخرى في الردود ، ناقش فيها أحد المؤلفين ، على طريقة (قال) و (أقول) ، واعتمد ، في ذلك ، على مصادر عديدة ، وفي مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد نسخة منها ، في المجموع المذكور آنفا ، وهي ناقصة من أولها ، وليس عليها اسم المؤلف ، سوى تعليقات على الهامش تشير إلى أن الرسالة من تأليفه ، ويظهر أن الناسخ قد اختصر بعض مباحثه ، بينما أبقى البعض الآخر بحروفه.

سادسا : في اللغة :

٨ ـ رشف الضرب (١) في شرح لامية العرب ، شرح فيه القصيدة اللامية للشنفرى شرحا دقيقا ذكيا ، تناول فيه ما تتضمنه القصيدة من غريب اللفظ ، وأعرب أبياتها ، وبين المفنن.

أوله «الحمد لله الذي فتق بالفصاحة ألسنة العرب».

وقد أوضح المؤلف ، في خطبة كتابه ، منهجه في الشرح ، وطريقته في التأليف ، فقال «لما كانت اللامية الموسومة بلامية العرب للشنفرى ثابت بن جابر الأزدي من غرر القصائد .. وكانت مبانيها مرتجة الأبواب ، ومعانيها لا يهتدى فيها إلى الصواب ، محتاجة إلى شرح يرفع عن وجوه مخدراتها نقابها ، ويكشف عن خرائدها جلبابها. التمس مني من تضلع في اللغة العربية وتدرب .. أن أضع عليها شرحا يبين الغامض المشكل ، ويوضّح الخافي المعضل ، فأجبته إلى طلبه ، مبادرا في إنجاز بغيته ، فشرحتها شرحا ، الاختصار إهابه ، والاقتصار

__________________

(١) الضرب : العسل الأبيض الغليظ

٢٦

جلبابه ، مجردا عن الإطناب والتطويل والإسهاب ، وجعلته مشتملا على ثلاث تراجم ، الأولى في تفسير اللغة الخفية ، والثانية في إعرابه على أصح الأعاريب النحوية ، والثالثة في حل معناه وكشف مغزاه ، وذيلت هذه التراجم في الغالب ، برابعة رائعة المطالب. ونفعها غير قليل ، ولذا وسمتها بالتكميل ، أتكلم فيها على دفع انتقاد ، وتوضيح مراد ، وفك مبنى ، وسبك معنى ، وغير ذلك من المطالب المفيدة ، والمقاصد السديدة ، فصارت كالشرح الثاني لما أعاني».

ووصف المرحوم عباس العزاوي هذا الكتاب بأنه «يعد من الشروح المعتبرة» وإنه من الكتب المهمة في شرح اللغة وغريبها ، ومراجعة بعض ألفاظها ، وهو على اختصاره مفيد». (١)

منه نسخة في كتب العزاوي أشار إليها ، وذكر أنها بخط المؤلف ، مع أنه ورد في آخرها «تم على يد الملّا علي بن عبد الله في آخر شهر المحرم ليلة الأربعاء عام ١١٦٤ للهجرة» فهي قد كتبت في حياة المؤلف لا بقلمه. ونسخة أخرى ذكر العزاوي أنها في مكتبة المرحوم ناجي القشطيني مقابلة من المؤلف على أصل مسوّدته ، وذكر أيضا أن منه نسخة ثالثة في مكتبة المتحف العراقي ، وليس في فهارس المكتبة المنشورة إشارة إليها». (٢) وفي مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد نسخة أخرى ، بخط جيد ، لكن ليس عليها اسم ناسخها ، وهي برقم (٨٥) وتقع في ٦٦ ورقة.

سابعا ـ في النحو :

٩ ـ إتحاف الحبيب على شرح مغني اللبيب : وهو حاشية ناقش فيها «شراح مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» تأليف جمال الدين عبد الله بن هشام الأنصاري المتوفّى سنة

__________________

(١) تاريخ الأدب العربي في العراق ج ٢ ص ٣٦

(٢) أسامة النقشبندي : المخطوطات اللغوية في مكتبة المتحف العراقي (بغداد ١٩٦٩).

٢٧

٧٦١ ه‍ / ١٣٥٩ م ، وهم :

أـ بدر الدين الدماميني (توفاه الله سنة ٨٢٧ ه‍ / ١٤٢٤ م) في كتابه «تحف الغريب بشرح مغني اللبيب».

ب ـ أحمد بن محمد الشمنّي (المتوفّى سنة ٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م) في كتابه «المنصف من الكلام على مغني ابن هشام».

ج ـ أحمد بن محمد المعروف بابن الملّا (المتوفّى سنة ١٠٠٢ ه‍ / ١٥٩٤ م) في كتابه «منتهى أمل الأديب من الكلام على مغني اللبيب».

د ـ ابن هشام نفسه ، في شرحه المتن.

أوله «الحمد لله الذي أمر بالعدل والإنصاف ونهى عن الزيغ والانحراف» (١)

ولم نقف على أثر لهذا الكتاب فيما راجعناه من خزائن المخطوطات وفهارسها ، وكان الأستاذ عز الدين علم الدين سبقنا في البحث عن نسخة منه ، وانتهى إلى القول بأنه «لا يعرف اليوم مستقر هذه الحاشية المخطوطة التي تصبو ـ ولا ريب ـ إليها قلوب النحاة لما تنطوي عليه المحاكمة من النقد والتمحيص». (٢)

١٠ ـ كتاب في إعراب آي الذكر الحكيم ، لم يشر إليه مترجموه ، لكن توجد منه فائدة منقولة ، مذيلة باسمه ، ضمن مجموعة فيها فوائد في إعراب القرآن وتفسيره ، محفوظة في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد برقم (٣٧٩٧).

١١ ـ فوائد متنوعة وأجوبة لمسائل في إعراب أحاديث شريفة وأبيات مختلفة ، سأله الإجابة عنها علماء معاصرون له ، موجودة في المجموعة المذكورة آنفا.

__________________

(١) البغدادي : إيضاح المكنون ج ١ ص ١٦ والعزاوي : تاريخ الأدب العربي ج ٢ ص ٣٧

(٢) خزائن الكتب القديمة ، مقالة في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ج ٨ (المجلد ٨ ، ١٩٢٨) ص ٤٤٩

٢٨

ثامنا ـ في الأدب :

١٢ ـ مقامة الأمثال السائرة المتضمنة للأحوال الموصلة للمقامات الآخرة.

وهي مقامة في (٩٠) صفحة ، ضمنّها مجموعة من الأمثال العربية ، استخرج معظمها من الكتب الأدبية التي اطّلع عليها ، وأورد فيها بعض الأمثال المتداولة على ألسنة معاصريه.

أولها «الحمد لله الذي رفع منار الأدب ، وأعلى مقاماته ، ونصب موائد فضائل العرب لمن رام ذلك في أسفاره ومقاماته .. وبعد ، فيقول العبد الفقير إلى ألطاف مولاه الغني عبد الله ابن حسين بن مرعي بن ناصر الدين العباسي الشافعي الشهير بالسويدي : هذه مقامة الأمثال الناصعة السائرة في غابر الأزمان والمولدة المشهورة الدائرة بين أبناء هذا العصر والأوان».

وقد جعل المقامة تدور على لسان شخصية ابتدعها ، هي الحسن بن سهل ، يروي فيها أخبار من يدعى السري العذري وضمنها شيئا من شعره.

منها نسخة في المكتبة العباسية في البصرة ، وأخرى في مكتبة الدكتور محمود الجليلي في الموصل ، وثالثة في مجموعة عيسى صفاء الدين البندنيجي وبخطه ، وقد أشار إليها العزاوي ، بوصفها من كتب خزانته. (١)

طبعت في مطبعة النيل بمصر ، مصدّرة بترجمة المؤلف ، ومذيلة بمقامة قصيرة للشيخ عبد الرحمن الأنصاري في مدح السويدي والثناء عليه.

مقامة أدبية.

١٣ ـ أنشأها على لسان من سماه (قيس الشجون) يروي فيها أخبار (أبي الوله الغرام).

أولها «حدثنا قيس الشجون ، ونحن بثغر المجون ، قال أنبأنا أبو الوله الغرام». أدرجها في آخر كتابه (النفحة المسكية) وبيّن أسباب إنشائه إياها.

ومنها نسخة مستقلة في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد برقم (٤ / ١٣٧٨٥) وتقع في خمس أوراق.

__________________

(١) تاريخ الأدب العربي ج ٢ ص ٢١١

٢٩

تاسعا ـ في البلاغة :

١٤ ـ الجمانات في الاستعارات ، نوّه به المرادي (١) وقال «ألّف متنا في الاستعارات جمع فيه فأوعى».

١٥ ـ شرح الجمانات في الاستعارات. قال المرادي «وشرحه شرحا حافلا» والواقع أنّه لم يشرح منه غير المقصد الأول ، ثم كلف ابنه عبد الرحمن سنة ١١٦٨ ه‍ / ١٧٥٤ م بإتمام ما بدأ به ، فأتمه الأخير وسماه (التبيان بشرح الجمان). (٢)

عاشرا ـ في التاريخ :

١٥ ـ فضائل أهل بدر رضوان الله عليهم.

أوله «الحمد لله الذي أمدّ أهل بدر بجنود الفتح».

منه نسخة في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد ، كتبت سنة ١١٦٢ ه‍ / ١٧٤٨ م ، تحت العدد (٣ / ٤٨٣٤). (٣) وأخرى في مكتبة أوقاف الموصل ، كتبها عبد الهادي رؤوف بعدد (١٩). (٤)

نشرها إسماعيل الجيلاني البغدادي وطبعت في مطبعة بولاق سنة ١٢٧٨ ه‍ / ١٢٩٨ م وصححها عبد الباقي الآلوسي. (٥)

حادي عشر ـ في الرحلات :

١٤ ـ النفحة المسكية في الرحلة المكية. وهي هذا الكتاب.

__________________

(١) سلك الدرر ج ٣ ص ٨٦

(٢) عبد الرحمن السويدي : تاريخ حوادث بغداد والبصرة ، بتحقيقنا ، ص ٣٥ من مقدمة التحقيق.

(٣) الجبوري : فهرس ج ٤ ص ٢٣٦

(٤) سالم عبد الرزاق : فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل ج ٦ ص ٣٤٤

(٥) هو ابن أبي الثناء الآلوسي ، مؤلف تفسير (روح المعاني) ، توفي سنة ١٢٩٨ ه‍ ١٨٨١ م.

٣٠

ثاني عشر ـ في الشعر :

١٥ ـ ديوان ، نوّه به مترجموه ، وكان يظن أنه من كتبه الضائعة ثم عثرنا على نسخة منه لدى بعض الفضلاء السويديين ، أحفاد المؤلف. وفي خزانتنا نسخة مصورة منه. أوله «الحمد لله الذي نصب مآدب الأدب ، وشرّف بالبلاغة من الصنف الإنساني صنف العرب ، فخصهم بمزايا البيان ، وفضلهم بفصاحة اللسان ... وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين الدوري الشافعي المعروف بالسويدي البغدادي : كنت في إبان عصر الشبية. وعنفوان الأوقات المستعذبة الرطيبة أتولع بالنظام ، وآتي منه على حسب المرام ... وكان من شنشنتي المستمرة ، وهجيراي المستقرة ، أني لا أقيده بمجموع أو ديوان .. فذهب أدراج الرياح .. وذلك لاشتغالي بفنون العلم وأنواعها ، وشغفي بالتقاط فرائد الفوائد واستجماعها ، وهذا هو الأحرى والأولى ، والأفخر الأنفس الأغلى لكن ناداني لسان الحال ، وأفصح وقال : ما لا يدرك كله لا يترك كله ، وإن الإتيان بالمستطاع أمر ترتاح له الطباع ، فشرعت في التقاط ما تبدد ، وقيد أوابد ما [ت] شرد ، وهو بالنسبة إلى ما ضاع كقطرة في بحر ..».

والنسخة بخط الشيخ أحمد أبي المحامد ، وهو ابن الناظم ، وقد أضاف إليها قصائد عدة لأبيه لم ترد في أصل الديوان.

ثالث عشر ـ في موضوعات أخرى :

١٦ ـ رسالة فكاهية ، جمع فيها بين كتابين زعم أنهما من الجن ألقى الواحد تلو الآخر في دار السيدة صفية بنت حسن باشا وجوابه عنها ، ومدار ذلك النيل من القاضي والمفتي ، وتاريخ الكتابة سنة ١١٦٣ ه‍ / ١٧٤٩ م ، وتقع في ١١ صفحة. (١)

شخصيته العلمية :

لا تكمن أهمية ما قام به السويدي من شروح وحواش في أنه يسّر متونا تعليمية أساسية

__________________

(١) تاريخ الأدب العربي ج ٢ ص ٢١١

٣١

لطلبته ، أو للطلبة في عهده عامة ، فأعمال كهذه لم تكن بعيدة عن أيدي الدارسين يومذاك ، وإنما تكمن أهميتها في أنها احتوت ، فيما احتوت ، على روح نقدية جديدة لم نكن نلحظها لدى سابقيه ، من مواطنيه في الأقل ، وبشّرت بولادة اتجاه قوي له (موقف) مما في الكتب الموروثة التي اكتسبت قدسية خاصة لكثرة ما اعتمدها الشيوخ أولا ، ثم مما كان يبرز في واقعهم نفسه من ظواهر اجتماعية مختلفة. ولنبدأ هنا بتوضيح المسألة الأولى ، فعلى رغم أن السويدي قرّض شرح صحيح البخاري للشيخ إسماعيل العجلوني ، وكان عالم دمشق ومحدثها ، بناء على طلب مؤلفه ، فإنه انتقده بقوة مستهدفا منهجه ، إذ وصفه بأنه «مجرد نقول لا محاكمة فيه ولا تحرير معنى ولا ضبط مبنى ، بل إنه ينقل عبارة بعض الشروح ثم يعقبها بعبارة شرح آخر ، ويكون بين العبارتين مخالفة فما يرجّح أحد القولين على الآخر ولا يجمع بينهما ، وتارة تكون العبارتان متفقتين فينقلهما فتؤول إلى التطويل من غير فائدة» وانتقد منهجه في تدريس الشرح بأنه يجري «من غير تقرير ولا تحرير ولا حل إشكال ولا فك تركيب» (١) فما انتقده هنا لم يكن كتابا بقدر ما كان منهجا بأكمله ، ولم يكن العجلوني وحده الذي اختصّ بالتأليف وفق هذا المنهج ، وإنما كان نهج العديد من المؤلفين قبله أيضا ، فعبارة السويدي إذن كانت تحدد موقفا جديدا من مناهج معاصريه ومتقدميه من علماء القرون المتأخرة التي سبقته ، وهم الذين عمدوا إلى شرح المتون والتحشية عليها دون أن يكون لهم (موقف) مما يكتبون. ولا شك في أن السويدي تلافى ما رآه نقصا منهجيا حين وضع شرحه على صحيح البخاري ، ولكن من المؤسف أن هذا الشرح ضاع فيما ضاع من آثاره ، وعلى أية حال فإن في وسعنا تتبع موقفه الفكري هذا في جميع أعماله المتبقية الأخرى ، وها هو في شرحه للامية العرب للشنفرى يصرح بأنه تكلم فيها «على دفع انتقاد ، وتوضيح مراد ، وفك مبنى ، وسبك معنى» وإن هذا العمل جاء مهما

__________________

(١) النفحة المسكية الورقة ١٣٤

٣٢

في نظره لأنه صار «كالشرح الثاني» بعد أن قام بشرح مفردات القصيدة وإعرابها ، وهو ما يقوم به الشارحون عادة. ونحن نلمح في هذا الشرح روحا نقدية عالية ، أتى فيها بكلام السابقين ، وعقد موازنات بين آرائهم ، وانتقد بعضها ، وأوضح أسباب ذلك ، وأيد البعض الآخر ، وبين بواعث تأييده لها ، ولم يتردد في الرد على مشاهير العلماء إذا ما ظهر له بطلان ما يستندون إليه من أدلة ، وضعف ما توصلوا إليه من نتائج.

وهو في حاشيته على مغني اللبيب ، لم يجعل النقد جزءا من منهجه ، وإنما منهجه كله ، فقد ناقش فيه ، مرّة واحدة ، أربعة من شارحيه السابقين ، بضمنهم مؤلف المتن نفسه ، فجعله ـ كما وصفه المرادي ـ «محاكمة بين شارحيه» وهذا اللفظ ، أعني «المحاكمة» وهو ما نقد كتاب العجلوني عليه لخلوه منه كما رأينا قبل قليل ، وهو ما دفعه أيضا إلى تأليف عدة رسائل في الردود ، ناقش في بعضها كتبا محددة على طريقة (قال) و (أقول) وهي طريقة تمنح المؤلف قدرا واسعا من الحرية في مناقشة النصوص.

إن هذه الروح الجديدة في تناول النص ومناقشة صاحبه مهما كانت منزلته ، هي ـ في تقديرنا ـ أهم ما أورثه السويدي لتلامذته العديدين ، وهو بهذا يمكن أن يكون رائدا لمدرسة نقدية حقيقية في وسع الباحث أن يتتبع مسارها إبان أواخر القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر للهجرة (١٨ و ١٩ للميلاد).

وهذا بدوره يجرنا للكلام عن المسألة الثانية وهي أثر الاتجاه الذي بشّر به ، وبدأه السويدي من خلال كتبه وتلامذته ، على الفكر الاجتماعي في ذلك العهد والعهد الذي تلا ، فإن ما بدأه السويدي من صياغة (موقف حر) في نقد العلماء (والأدباء من ضمنهم) من خلال نصوصهم ، جرّ إلى موقف مشابه من نقد المجتمع من خلال واقعه نفسه. ورغم أن كتابا للسويدي لم يصلنا بهذا المعنى ، إلا أن لنا أن نلمح ذلك في ثنايا مقامة أدبية وضعها لينتقد بها شخصيتين اجتماعيتين بارزتين ، هما القاضي والمفتي ، وربما نجد شيئا أكثر أهمية في نقده الجاد للحياة العلمية والمستوى الفكري في عهده ، من خلال هجومه على ما

٣٣

وصلت إليه المدارس التقليدية من ترد فادح ، ومن خلال تعريضه بفئات واسعة النفوذ من العلماء والمشايخ والصوفية ومتولي الأوقاف ، بل إنه مضى في ذلك ليشمل في نقده فئات اجتماعية لا صلة لها بالعلم ، كالانكشارية ومن يدور في فلكهم ، كما أنه انتقد أيضا ما سماه (قانون الأتراك) ويعني به ما كان متّبعا ، في عهده ، من شراء للمناصب العلمية والتدريسية في المدارس ذات الأوقاف الكثيرة.

إن هذا الموقف من المجتمع ، والذي لمحنا بعض بداياته لدى السويدي ، استمر ، بوضوح أكثر ، لدى تلامذته ، وبخاصة لدى أبنائه من العلماء ، من ذلك أن حفيدا له ، هو علي بن محمد سعيد (المتوفّى سنة ١٢١٤ ه‍ / ١٧٩٩ م) ألف ، بعد نصف قرن من وفاة السويدي ، كتابا مهما سماه «العقد الثمين في بيان مسائل الدين» حمل فيه بجرأة مشهودة على مظاهر وعادات وتقاليد اجتماعية سكت العلماء المعاصرون عن معالجتها ، ودعا فيه صراحة إلى العودة إلى المنابع الأولى للدين ، وهجر كثير مما كان سائدا ، أو مألوفا ، في عهده ، من مزاولة للسحر بضروبه ، وسكنى المقابر وتقديسها ، والاغتسال بالآبار المباركة ، وغير ذلك من أمور ، كان التعرض إلى أيّ منها كافيا ، لإثارة حفيظة فئات اجتماعية واسعة ، وليس صعبا أن نلمح أوجه شبه عديدة ، وأساسية ، بين أفكار كهذه ، وما تضمنته كتب السويدي الجد من طروحات وملاحظات. وعلى أية حال ، فإن تيارا نقديا كهذا لم يكن ليتوقف ، فقد وجد كتاب (العقد الثمين) انتشارا واسعا بين معاصريه ، وجاء محمد أمين ابن مؤلفه علي السويدي ليبلور أفكاره ، وينضج مواقفه ، في شرحه له ، الذي عنونه (التوضيح والتبيين لمسائل العقد الثمين) والذي عد نموذجا لفكر إصلاحي أخذت رياحه تعصف بكثير من التقاليد الموروثة في مجال الحياة الفكرية ـ الاجتماعية في القرن الثالث عشر الهجري (١٩ م) حتى وصف بأنه كتاب «تشد إليه الرواحل وتقطع دونه المنازل». (١)

__________________

(١) بحثنا محمد أمين السويدي ، عالم بغداد ومؤرخها وأديبها» المنشور في مجلة المورد العدد ٣ (المجلد ٢ بغداد ١٩٧٢) ص ٥٨

٣٤

وفي وسع الباحث أن يتتبع هذا الفكر ، وهو يقوى ويشتد ، في مؤلفات علماء عراقيين آخرين ، أمثال أبي الثناء محمود الآلوسي (المتوفّى سنة ١٢٧٠ ه‍ / ١٨٥٤ م) ونعمان خير الدين الآلوسي (المتوفّى سنة ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م) ومحمود شكري الآلوسي (المتوفّى سنة ١٣٤٣ ه‍ / ١٩٢٤ م) وفي مواقفهم الاجتماعية والسياسية أيضا.

شعره :

للسويدي شعر كثير ضاع معظمه كما صرح هو في مقدمة ديوانه ، وقد أشاد مترجموه بجزالة هذا الشعر وجودته ، فقال عثمان العمري الموصلي (توفي سن ١١٨٤ ه‍ / ١٧٧٠ م) «له نظم أحلى من الضرب ، ونثر يريك في اتساقه العجب ، ولكن لم يحضرني منه إلّا القليل ، وهو على كل حال على الكثير دليل» (١) وأورد له منه نماذج جيدة. وأشاد محمد الغلامي (توفي سنة ١١٨٦ ه‍. ١٧٧٢ م) بشعره وأدبه ، وساق نماذج أخرى منه. (٢) وقال الشيخ كاظم الدجيلي «قلّ من العلماء من يبرع في العلم والشعر فيكون عالما فاضلا وشاعرا ماهرا ، وشيخنا المترجم قد حاز قصب السبق في كليهما ، فقد بلغ في الأدب شأوا بعيدا ونال فيه منزلة ترفعه بين الأدباء ، وله نظم يزري بالمنظوم .. وله في الغزل والنسيب شعر يدخل الأذن بغير إذن». (٣)

وفضلا عما احتجنه ديوانه من شعره الذي نظمه في مناسبات شتى ، فقد أورد مترجموه نماذج عدة من شعره تدليلا على شاعريته ، مثلما فعل العمري والغلامي ، وشيء منه انتشر في مقاماته (الأمثال السائرة) وأثبت ابنه المؤرّخ عبد الرحمن في كتابه (حديقة الزوراء) قصائد مهمة له قالها في مناسبات وطنية وعامة مختلفة.

__________________

(١) الروض النضر ج ٣ ص ٩٣

(٢) شمامة العنبر ص ٣٨٠

(٣) مجلة لغة العرب ، المجلد ٢ (بغداد ١٩١٢) ص ٢٢١

٣٥

فمن شعره الذي ضمنه مقامته ، وهو في الوعظ الرقيق ، قوله :

إلى م تطلب الجد

وتبغي الحظ والجد

وتعني الكبر والجد

بذكر الأب والجد

تجنب جانب الزهو

وخل عنك ذا السهو

إلام أنت في لهو

ولا كسب ولا كد

غدا تكون كالأمس

إذا حللت في الرمس

ولا جهر ولا همس

ولا جزر ولا مد

توقّ الخطب والهول

وراع الصدق في القول

إذا مت فلا عول

ولا فرض ولا رد

إلى كم أنت تعمل

وكل الشر تفعل

فعن ذا الفعل تسأل

فما الجواب والرد

تجنب قول من ذم

وإن خص وإن عم

ولا تصغ لمن نم

ولو جاءك بالحمد

إذا حل بك الموت

أجبت داعي الفوت

ولا حس ولا صوت

وهذا آخر العهد

غداة تظهر الحال

ولا قيل ولا قال

فأين العم والخال

وأين الأب والولد

أتعهد قول يا ليت

ولا كيت ولا ذيت

ولا دار ولا بيت

سوى أن ضمك اللحد

هناك تخشى الأهوال

وليس تجدي الآمال

ولا أهل ولا مال

ولا عرض ولا نقد

٣٦

وقوله شابا ، وهو في الموصل ، متغزلا : (١)

جزم الحبيب بأن قلبي قد سلا

ودّا تحكم في الحشاشة أولا

لا والذي جعل الفؤاد أسيره

ما حال قلبي عن هواك وبدلا

أأحول يا سكني وحبك ساكن

قلبا من الهجران ظل مبلبلا

وأحيد عمدا عن هواك وأنثني

عن سالف العهد القديم محولا

فوحق صدق مودتي وتولهي

لم يخطر السلوان في قلبي ولا

أتظن أني في هواك معذب

وأبين حبك للأنام تعللا

ما كل ما جمع المحامد صالحا

للحب أو أضحى لحب مولها

فو حق طيب رضاك وهو اليتي

إن لم تدع هجري هجرت الموصلا

فاعطف على صب تصب دموعه

حتى غدت من ودق سحب أهطلا

وارحم فديتك مغرما عبثت به

أيدي الصبابة فاستبيد مجدلا

وانعم بوصل فالوصال زكاة من

قد كان في فن المحاسن أجملا

واسأل نجوم الليل عن سهري وعن

عين تراعي النجم أول أولا

بل لا تسل عما حوته جوانحي

من زفرة فيها الجوانح تصطلى

أيليق في دين الغرام وشرعه

أني من الهجران أبقى مهملا

فإلام أبقى في هواك مبلبلا

وإلام أبقى من قلاك محوقلا

إن كان في تلفي تروم عبادة

بادر به يا ذا الصباح معجلا

حتى يكون على الدوام مجاهدا

جازاك ربي بعد ذاك تقبلا

أو كان يرضيك التذلل خاضعا

وافيت دارك في الظلام مهرولا

مستغفرا من سوء ذنب جئته

مستعفيا مستصفحا متنصلا

فكأن حظي في النحوس وطالعي

إن لم أجد بدري تخير منزلا

__________________

(١) الروض النضر ج ٣ ص ٩٨ ـ ١٠٠

٣٧

وقوله في مطلع قصيدة يمدح بها أحمد باشا والي بغداد : (١)

دهتني خطوب والزمان معاندي

ودهر طوى كشحا بقدري والع

ترامت بي الأقطار من كل جانب

فما أنا عن مغنى الأماجد شاسع

وكم أزمة مرت عليّ ولم يكن

لها كاشف بين البرية رافع

__________________

(١) حديقة الزوراء الورقة ١٢٨

٣٨

الفصل الثالث

رحلته

زمن تأليف النفحة المسكية

سجّل السويدي وقائع رحلته إلى الحج سنة ١١٥٧ ه‍ / ١٧٤٤ م في كتاب عنونه «النفحة المسكية في الرحلة المكية» ، يحتوي على وصف عدد كبير من المدن والقرى والمحطات التي كانت تقع على الطريق العام المؤدي من بغداد إلى الموصل فحلب ودمشق وصولا إلى الحرمين الشريفين ، وهي على التوالي :

بغداد ، تل كوش ، نهر الحسيني ، نهر مزارع حمارات ، الفرحاتية ، المحادر ، مهيجر ، العاشق ، مدينة المنصور ، تكريت ، وادي الفرس ، قزل خان ، الغرابي ، البلاليق ، الخانوقة ، القيارة ، المصايد ، حمام علي ، الموصل ، بادوش ، أسكي الموصل ، تل موس ، عين زال ، صفية ، الرميلة المتفلتة ، ازناوور ، نصيبين ، قرده دره ، دنيسر ، مشقوق ، دده قرخين ، تل العطشان ، أصلام جايي ، مرج ريحان ، الرها ، سروج ، الجيجلي ، الببرة ، الكرموش ، ساجور ، الباب ، حلب ، خان تومان ، سرمين ، معرة النعمان ، كتف العاصي ، المحروقة ، حماة ، حمص ، شمسين ، النبك ، بريج ، قارة ، دمشق ، دلة ، المزيريب ، الزرقاء ، خان الزبيب ، البلقاء ، القطراني ، الأحساء ، معان ، عنزه ، العقبة ، جغيمان ، ذات حج ، تبوك ، المغرة ، الأخيضر ، الدار الحمراء ، ديار ثمود ، العلى ، آبار غنم ، البئر الجديدة ، هدية ، الفحلتين ، العقبة السوداء ، وادي القرى ، المدينة المنورة ، ذو الحليفة ، الجديدة ، بدر ، الحمراء ، القاع ، رابغ ، خليص ، قديد ، عسفان ، مكة المكرمة.

٣٩

وذكر المرادي (١) أن السويدي وضع مؤلفاته بعد عودته إلى بغداد ، من رحلته الشهيرة التي دوّن أخبارها في «النفحة المسكية» وعليه يكون تدوينه هذه الرحلة هو أول كتبه ، أي أنه بدأ بالتأليف وقد تجاوز الخمسين من عمره ، ولا ندري مصدر المرادي في هذه الرواية ، لأننا لاحظنا أن السويدي قد صرح في إجازته العلمية إلى الشيخ عبد الرحمن الصناديقي المؤرخة في ٨ رمضان سنة ١١٥٧ ، والتي دوّن نصها في رحلته نفسها ، أنه أجازه بجميع مؤلفاته «وهي الآن أكثر من عشرة» فتكون (النفحة المسكية) من أواخر أعماله لا أولها ، وهو ما يفسر ما تبدو عليه من قوة الأسلوب ، وجزالة في اللفظ ، وبعد عن التكلف ، ودقة في الوصف ، ونضج في الاستنتاج والتعليل. (٢)

ولقد نالت هذه الرحلة اهتمام معاصري السويدي ، كما عني بها العلماء التالون ، فتعددت نسخها الخطية ، واختصرها بعضهم ، واجتزأ منها آخرون قطعا لتبدو رسائل مستقلة بذاتها.

منهجه :

١ ـ ضبطه لأسماء الأعلام الجغرافية :

أولى السويدي اهتماما واسعا لتسميات الأعلام الجغرافية ، من مواضع ، وجبال ، وأنهار ، وعيون ، مما مر به في أثناء رحلته ، فجاءت هذه الرحلة أكثر فائدة ـ من هذا الجانب في الأقل ـ من كثير من كتب الرحلات الأجنبية إلى المنطقة في الحقبة نفسها ، ففي حين كان الرحالة

__________________

(١) سلك الدر ، ج ٣ ص ٨٦

(٢) ذكر الأستاذ كراتشكوفسكي عند كلامه عن السويدي «إن المادة الجغرافية عنده شحيحة للغاية» (تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم ، القاهرة ١٩٦٥ ، ج ١ ص ٧٦١) ، وليس هذا بصحيح ، إذا علمنا أن كراتشكوفسكي ، لم ير النفحة المسكية ليحكم عليها بهذا الحكم ، وإنما اعتمد على رسالة مستقلة للسويدي وصف فيها وقائع المناظرة التي شارك فيها بحضور نادر شاه ، في النجف سنة ١١٥٦ ه‍ / ١٧٤٣ م ، وطبعت باسم (الحجج القطعيه لاتفاق الفرق الإسلامية) وليس لهذه الرسالة من صلة بالرحلة سوى أن الأحداث التي وصفتها كانت الدافع وراء قيام السويدي برحلته.

٤٠