همع الهوامع - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

فمصابكم مصدر بمعنى إصابتكم ، وأما الثاني : وهو ما دل على المصدر دلالة مغنية عن أل لتضمن الإشارة إلى حقيقته كيسار وبرة وفجار ، فلأنها خالفت المصادر الأصلية بكونها لا يقصد بها الشياع ، ولا تضاف ولا توصف ولا تقع موقع الفعل ، ولا موقع ما يوصل به ، ولا تقبل أل ولذلك لم تقم مقامها في توكيد الفعل ، وتبيين نوعه أو مراته.

(وأما) اسم المصدر (المأخوذ من حدث لغيره) كالثواب والكلام والعطاء أخذت من مواد الأحداث ووضعت لما يثاب به ، وللجملة من القول ولما يعطى ، (فمنعه) أي : إعماله (البصرية) إلا في الضرورة ، (وجوزه) قياسا (أهل الكوفة وبغداد) إلحاقا له بالمصدر كقوله :

١٤٧٠ ـ وبعد عطائك المائة الرّتاعا

وقوله :

١٤٧١ ـ فإن ثواب الله كلّ موحّد

وقوله :

١٤٧٢ ـ فإن كلامها شفاء لما بيا

(قال الكسائي) إمام أهل الكوفة : إلا ثلاثة ألفاظ (الخبز والدهن والقوت) فإنها لا تعمل ، فلا يقال : عجبت من خبزك الخبز ، ولا من دهنك رأسك ، ولا من قوتك عيالك ، وأجاز ذلك الفراء وحكى عن العرب مثل أعجبني دهن زيد لحيته ، قال أبو حيان : والذي أذهب إليه في المسموع من هذا النوع أن المنصوب فيه بمضمر يفسره ما قبله ، وليس باسم المصدر ولا جرى مجرى المصدر في العمل لا في ضرورة ولا في غيرها.

اسم الفاعل

(اسم الفاعل) أي : هذا مبحث إعماله ، وذكر معه أمثلة المبالغة واسم المفعول (هو

__________________

١٤٧٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٢ ، وتقدم برقم (٧٣٠).

١٤٧١ ـ البيت من الطويل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٣٣٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٩٤ ، ولسان العرب ٦ / ١٦٤ ، مادة (فردوس) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٣٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٢٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢١٨.

١٤٧٢ ـ البيت من الطويل ، ولم يرد في ديوان ذي الرمة ، وهو بلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٦٨.

٤١

ما دل على حدث وصاحبه) فما دل جنس وقوله : على حدث يخرج الجامد والصفة المشبهة وأفعل التفضيل ، وصاحبه يخرج المصدر واسم المفعول ، (ويعمل عمل فعله مفردا أو غيره) أي : مثنى ومجموعا جمع سلامة وجمع تكسير ، (ومنع قوم) عمل (المكسر ، و) منع (سيبويه) والخليل إعمال (المثنى والجمع) الصحيح (المسند الظاهر) لأنه في موضع يفرد فيه الفعل فخالفه ، فلا يقال : مررت برجل ضاربين غلمانه زيدا ، وأجاز المبرد إعماله ؛ لأن لحاقه حينئذ بالفعل قوي من حيث لحقه ما يلحقه ، (وقيل) : لا ينصب اسم الفاعل أصلا ، بل (الناصب فعل مقدر منه) لأن الاسم لا يعمل في الاسم حكاه ابن مالك في «التسهيل» وبه يرد على ابنه في دعواه نفي الخلاف في عمله ، (وشرط البصرية) لإعماله (اعتماده على) أداة (نفي) صريح نحو : ما ضارب زيد عمرا ، أو مؤول نحو : غير مضيع نفسه عاقل ، (أو) أداة (استفهام) اسما أو حرفا ظاهرا أو مقدرا كقوله :

١٤٧٣ ـ أناو رجالك قتل امرئ

(أو) على (موصوف) نحو : مررت برجل ضارب عمرا ولو تقديرا هو راجع للاستفهام والموصوف معا كقوله :

١٤٧٤ ـ ليت شعري مقيم العذر قومي

أم هم لي في حبّها عاذلونا

أي : أمقيم ، وقوله :

١٤٧٥ ـ وما كل مؤت نصحه بلبيب

أي : رجل مؤت ، (أو موصول) وذلك إذا وقع صلة أل ، (أو) على (ذي خبر) نحو : هذا ضارب زيدا وكان زيد ضاربا عمرا وإن زيدا ضارب عمرا وظننت زيدا ضاربا عمرا ، (أو) على ذي (حال) نحو : جاء زيد راكبا فرسه. (قيل : أو) على (إن) نحو : إن قائما زيد ، فقائما اسم إن وزيد الخبر ، ولم يشترط الكوفيون ووافقهم الأخفش الاعتماد على شيء من

__________________

١٤٧٣ ـ البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٥٠٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٦٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٠.

١٤٧٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شذور الذهب ص ٥٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٦.

١٤٧٥ ـ البيت من الطويل ، هو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ٤٥ ، والحيوان ٥ / ٦٠١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٣٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٣٦ ، ولأبي الأسود أو لمودود العنبري في شرح شواهد المغني ص ٥٤٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٢٦٩ ، والكتاب ٤ / ٤٤١ ، ومغني اللبيب ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣١.

٤٢

ذلك فأجازوا إعماله مطلقا نحو : ضارب زيدا عندنا ، (و) شرط البصرية (كونه مكبرا) فلا يجوز هذا ضويرب زيدا ؛ لعدم وروده ولدخول ما هو من خواص الاسم عليه ، فبعد عن شبه المضارع بتغيير بنيته التي هي عمدة الشبه ، وقال الكوفيون إلا الفراء ووافقهم النحاس : يعمل مصغرا بناء على مذهبهم أن المعتبر شبهه للفعل في المعنى لا الصورة ، قال ابن مالك في «التحفة» : هو قوي بدليل إعماله محولا للمبالغة اعتبارا بالمعنى دون الصورة ، وقاسه النحاس على التكسير.

(وثالثها : يعمل) المصغر (الملازم التصغير) الذي لم يلفظ به مكبرا كقوله :

١٤٧٦ ـ فما طعم راح في الزجاج مدامة

ترقرق في الأيدي كميت عصيرها

في رواية جر كميت.

(أما الماضي فالأصح يرفع فقط) نحو : مررت برجل قائم أبوه أو ضارب أبوه أمس ولا ينصب ؛ لأنه لا يشبه المضارع إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، وقال الكسائي وهشام ووافقهما قوم : ينصب أيضا اعتبارا بالشبه معنى وإن زال الشبه لفظا ، واستدلوا بقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨] ، وتأوله الأولون على حكاية الحال ، (ومنع قوم رفعه الظاهر ، وقوم) رفعه (المضمر) أيضا ، قاله ابن طاهر وابن خروف وهو يرد دعوى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه ويتحمله ، (و) قال (قوم : يعمل) النصب (إن تعدى لاثنين أو ثلاثة) نحو : هذا معطي زيد درهما أمس ؛ لأنه قوي شبهه بالفعل هنا من حيث طلبه ما بعده ، وغير صالح للإضافة إليه لاستفنائه بالإضافة إلى الأول ، والأكثرون قالوا : هو منصوب بفعل مضمر ، قال ابن مالك : ويرده أن الأصل عدمه ، (فإن كان) اسم الفاعل (صلة أل فالجمهور) أنه (يعمل مطلقا) ماضيا وحالا ومستقبلا ؛ لأن عمله حينئذ بالنيابة ، فنابت (أل) عن الذي وفروعه ، وناب اسم الفاعل عن الفاعل الماضي فقام تأوله بالفعل مع تأول أل بالذي مقام ما فاته من الشبه اللفظي ، كما قام لزوم التأنيث بالألف وعدم النظير في الجمع مقام السبب الثاني في منع الصرف ، ومثاله ماضيا قوله :

١٤٧٧ ـ والله لا يذهب شيخي باطلا

حتى أبير مالكا وكاهلا

القاتلين الملك الحلاحلا

__________________

١٤٧٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لمضرس بن ربعي في المقاصد النحوية ٣ / ٥٦٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩٥.

١٤٧٧ ـ تقدم برقم (١٠١٧).

٤٣

قال الأخفش : ولا يعمل بحال وأل فيه معرفة كهي في الرجل لا موصولة ، والنصب بعده على التشبيه بالمفعول به.

(وثالثها) : قاله الرماني وجماعة يعمل (ماضيا فقط) لا حالا ولا مستقبلا ، ورد بأن العمل حينئذ أولى ، ومن وروده حالا قوله تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) [الأحزاب : ٣٥] ، وقال الشاعر :

١٤٧٨ ـ إذا كنت معنيا بمجد وسؤدد

فلا تك إلا المجمل القول والفعلا

 (ويضاف لمفعوله) جوازا نحو : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ، (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) [آل عمران : ٩] ، (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) [المائدة : ١] ، قال أبو حيان : وظاهر كلام سيبويه أن النصب أولى من الجر : وقال الكسائي : هما سواء ، ويظهر لي أن الجر أولى ؛ لأن الأصل في الأسماء إذا تعلق أحدهما بالآخر الإضافة والعمل إنما هو بجهة الشبه للمضارع فالحمل على الأصل أولى.

(وتجب) الإضافة (إن كان ماضيا) نحو : ضارب زيد أمس ؛ إذ لا يجوز النصب كما تقدم ، (أو) كان (المفعول ضميرا) متصلا به نحو : زيد مكرمك (وقيل) وعليه الأخفش وهشام : محله نصب وزال التنوين أو النون في مكرماك ومكرموك للطافة الضمير لا للإضافة ، قالا : لأن موجب النصب المفعولية وهي محققة ، وموجب الجر الإضافة وليست محققة ؛ إذ لا دليل عليها إلا الحذف المذكور ولم يتعين سببا له ، ورد بالقياس على الظاهر فإنه لا يحذف التنوين فيه إلا للإضافة ، ويتعين النصب لفقد شرط الإضافة بأن كان في اسم الفاعل (أل) ، وخلا منها الظاهر والمضاف إليه ومرجع الضمير ، ويجوز تقديم معموله ، أي : اسم الفاعل عليه نحو : هذا زيدا ضارب ، لا إن جر بغير حرف زائد من إضافة أو حرف ، فلا يقال : هذا زيدا غلام قاتل ، ولا مررت زيدا بضارب ، بخلاف ما جر بالزائد فيجوز التقديم عليه نحو : ليس زيد عمرا بضارب ، قيل : أو جر به ، أي : زائد أيضا فلا يقدم كغيره ، وجوزه قوم إن أضيف إليه (حق) أو (غير) أو (جد) فأجازوا هذا زيدا غير ضارب ، وكذا الآخران ، وقد تقدم ذلك في مبحث الإضافة.

(و) يجوز تقديم معموله (على مبتدئه) الذي هو خبر عنه نحو : زيدا هذا ضارب ، وقيل : لا يجوز إن كان اسم الفاعل خبر مبتدأ سببي ، أي : من سبب المبتدأ نحو : زيد أبوه

__________________

١٤٧٨ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٤.

٤٤

ضارب عمرا ، أو كان المعمول لسببه نحو : زيد ضارب أبوه عمرا ، وأجاز ذلك البصريون ووافقهم الكسائي في الأخيرة لا تقديم صفته ، أي : اسم الفاعل عليه ، أي : المعمول.

(و) لا تقديم معموله عليه وعلى صفته معا ، فلا يقال : هذا ضارب عاقل زيدا ، ولا هذا زيدا ضارب ، أي : ضارب ، خلافا للكسائي في إجازته التقديم في الصورتين ، ويجوز وفاقا تأخير الوصف عن المعمول نحو : هذا ضارب زيدا عاقل ، والفرق أنه إذا وصف قبل أن يأخذ معموله زال شبهه للفعل بالوصف الذي هو من خواص الأسماء ، بخلاف ما إذا تأخر الوصف ؛ لأن صفته تحصل بعد تمام عمله ومن الوارد في ذلك قوله :

١٤٧٩ ـ وتخرجن من جعد ثراه منصّب

صيغ المبالغة

مسألة : (يعمل بشرط وفاقا وخلافا ما حول منه للمبالغة إلى فعال ومفعول ومفعال وفعيل وفعل) قال :

١٤٨٠ ـ أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها

وسمع أما العسل فأنا شراب ، وقال :

١٤٨١ ـ ضروب بنصل السّيف سوق سمانها

وسمع : إنه لمنحار بوائكها ، و (إن الله سميع دعاء من دعاه) ، وقال :

١٤٨٢ ـ أتاني أنهم مزقون عرضي

__________________

١٤٧٩ ـ الشطر من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣١٥.

١٤٨٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للقلاخ بن حزن في خزانة الأدب ٨ / ١٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٦٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٨ ، وشرح المفصل ٦ / ٧٩ ، ٨٠ ، والكتاب ١ / ١١١ ، ولسان العرب ١١ / ٨٣ ، مادة (تعل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٣٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣١٩ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٢٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٦.

١٤٨١ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي طالب بن عبد المطلب في خزانة الأدب ٤ / ٢٤٢ ، ٢٤٥ ، ٨ / ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٧٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٠٥ ، وشرح المفصل ٦ / ٧٠ ، والكتاب ١ / ١١١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٣٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٢.

١٤٨٢ ـ البيت من الوافر ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ١٧٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٦٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٨٠ ، وشرح المفصل ـ ـ

٤٥

ولدلالتها على المبالغة لم تستعمل إلا حيث يمكن الكثرة ، فلا يقال موات ولا قتال زيدا ، بخلاف قتال الناس ، أما إذا لم تدل عليها فلا تعمل كأن كانت للنسب كنجار وطعم ، أو كان بناء الوصف عليها ككريم وفرح.

(وأنكر الكوفية الكل) أي : إعمال الخمسة ؛ لأنها زادت على معنى الفعل بالمبالغة ؛ إذ لا مبالغة في أفعالها ، ولزوال الشبه الصوري أيضا فما ورد بعدها منصوبا فبإضمار فعل يفسره المثال ، (و) أنكر (أكثر البصريين الأخيرين) أي : فعيل وفعل لقلتهما ، (و) أنكر (الجرمي فعل دون فعيل) لأنه أقل ورودا حتى إنه لم يسمع إعماله في نثر ، (وقال أبو عمرو : يعمل) فعل (بضعف ، و) قال (أبو حيان لا يتعدى فيهما السماع) ، بل يقتصر عليه بخلاف الثلاثة الأخر فيقاس فيها ، وقد سقتها في المتن على ترتيبها في العمل فأكثرها فعال ثم فعول ومفعال ثم فعيل ثم فعل ، وادعى ابن طلحة تفاوتها في المبالغة أيضا ف : (فعول) لمن كثر منه الفعل ، و (فعال) لمن صار له كالصناعة ، و (مفعال) لمن صار له كالآلة ، و (فعيل) لمن صار له كالطبيعة ، و (فعل) لمن صار له كالعادة ، قال أبو حيان : ولم يتعرض لذلك المتقدمون.

(وأعمل ابن ولاد وابن خروف فعيلا) بالكسر والتشديد فأجازوا زيد شريب الخمر وطبيخ الطعام ، قال أبو حيان : وقد سمع إضافة شريب إلى معموله في قوله :

١٤٨٣ ـ لا تنفري يا ناق منه فإنّه

شرّيب خمر مسعر لحروب

فعلى هذا لا يبعد عمله نصبا ، وفهم من مساواة الأمثلة لاسم الفاعل جواز إعمالها غير مفردة كقوله :

١٤٨٤ ـ ثم زادوا أنّهم في قومهم

غفر ذنبهم غير فخر

__________________

ـ ٦ / ٧٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٢٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٤٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٢٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٨.

١٤٨٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لحفص بن الأحنف الكناني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩٠٦ ، ولحسان بن ثابت في العقد الفريد ١ / ١١٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٩.

١٤٨٤ ـ البيت من الرمل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٥٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٨٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٨٢ ، وشرح المفصل ٦ / ٧٤ ، ٧٥ ، والكتاب ١ / ١١٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤٨ ، ونوادر أبي زيد ص ١٠ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٥٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩١.

٤٦

وقوله :

١٤٨٥ ـ خوارج ترّاكين قصد المخارج

وقوله :

١٤٨٦ ـ شمّ مهاوين أبدان الجزور مخا

ميص العشيّات لا خور ولا قزم

وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى جواز إعمالها ماضية وإن عريت من أل ، وإن لم يقولا بذلك في اسم الفاعل لما فيها من المبالغة ، ولم أحتج إلى ذكره ؛ لأنه رأي محكي في اسم الفاعل فدخل في التشبيه.

اسم المفعول

مسألة (كهو أيضا) في العمل والشروط والأحكام وفاقا وخلافا ، (اسم المفعول فيرفع مرفوع فعله) ، أي : المفعول ؛ لأن فعله لما لم يسم فاعله قال :

١٤٨٧ ـ ونحن تركنا تغلب ابنة وائل

كمضروبة رجلاه منقطع الظّهر

 (وتجوز إضافته) أي : اسم المفعول (إليه) أي : إلى مرفوعه (دونه) أي : اسم الفاعل ، فإنه لا يجوز فيه ذلك نحو : زيد مضروب الظهر ، قال أبو حيان : والصحيح أن الإضافة في مثل ذلك من نصب لا من رفع وأصله (مضروب الظهر) ، وقال شيخه الشاطبي : لم يذكر هذا الحكم غير ابن مالك ، واعتنى بذكره في سائر كتبه ، وقيده في «الألفية» بالقلة ولم يقيده بها في «التسهيل» ، والأول أحسن ، قال : ثم إنما يجوز بشرطين أن يكون اسم المفعول من متعد إلى واحد فلا يجوز من لازم ولا من متعد إلى أكثر ، وأن يقصد ثبوت الوصف ويتناسى فيه الحدوث ، ثم كما تجوز الإضافة يجوز النصب على التشبيه بالمفعول أو التمييز نحو : هذا مضروب الأب أو أبا وهو أقل من الإضافة.

(ولا يعمل) كعمل اسم المفعول (ما جاء بمعناه) من فعل وفعل وفعيل (كذبح وقبض

__________________

١٤٨٥ ـ البيت من الطويل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٨ ، وتقدم برقم (٨٥٦).

١٤٨٦ ـ البيت من البسيط ، وهو للكميت بن زيد في ديوانه ٢ / ١٠٤ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٥٠ ، ١٥٨ ، للكميت في شرح المفصل ٦ / ٧٤ ، ٧٦ ، والكتاب ١ / ١١٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٣٩ ، مادة (هون) ، وللكميت بن معروف في المقاصد النحوية ٣ / ٥٦٩ ، ولابن مقبل في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٢.

١٤٨٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لتميم بن مقبل في ديوانه ص ١٠٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٧.

٤٧

وقتيل) فلا يقال : مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبوه ، (خلافا لابن عصفور) حيث أجاز ذلك ، قال أبو حيان : ويحتاج في منع ذلك وإجازته إلى نقل صحيح عن العرب.

الصفة المشبهة

مسألة (كهو) أيضا (الصفة المشبهة به عملا لكن) تخالف في أنها (لا تعمل مضمرة ولا في أجنبي) ، بل في سببي (ولا في سابق) عليها ، بل في متأخر عنها (ولا) في (مفصول) بينها وبينه ، بل في متصل بها ، قال الخفاف في شرحه : لم يفصلوا بين الصفة المشبهة ومعمولها فيقولوا كريم فيها حسب الآباء إلا في الضرورة ، كما قال :

١٤٨٨ ـ والطّيبون إذا ما ينسبون أبا

(ولا مرادا بها غير الحال) واسم الفاعل يعمل مضمرا نحو : أنا زيدا ضاربه تقديره أنا ضارب زيدا ضاربه ، كما يعمل مظهرا ، وفي أجنبي كما يعمل في سببي ، وفي متقدم عليه كما يعمل في متأخر عنه ، وفي مفصول كما يعمل في متصل ومرادا به الاستقبال كما يعمل في مراد به الحال ، وقولي : (في الأصح فيهما) راجع إلى الأخيرين ، قال أبو حيان : ذكر صاحب «البسيط» أنه يجوز الفصل بين هذه الصفة وبين معمولها إذا كان مرفوعا أو منصوبا كقوله تعالى : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) [ص : ٥٠] ، قال : ولم يتعرض ابن مالك في «التسهيل» لزمان هذه الصفة ، وذكر ذلك في أرجوزته فقال :

وصوغها من لازم لحاضر

وفي المسألة خلاف ذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يشترط أن تكون بمعنى الحال ، وذهب أبو بكر بن طاهر إلى أنها تكون للأزمنة الثلاثة ، وأجاز أن تقول : مررت برجل حاضر الابن غدا ، فيكون بمعنى المستقبل ، وذهب السيرافي إلى أنها أبدا بمعنى الماضي وهو ظاهر كلام الأخفش ، قال : والصفة لا يجوز تشبيهها إلا إذا ساغ أن يبنى منها قد فعل ، وذهب ابن السراج والفارسي إلى أنها لا تكون بمعنى الماضي وهو اختيار الشلوبين ، قال : وسواء رفعت أو نصبت ؛ لأنك إذا قلت : مررت برجل حسن الوجه فحسن الوجه ثابت في الحال لا تريد مضيا ولا استقبالا ؛ لأنها لما شبهت باسم الفاعل لم تقو قوته في عملها في الزمانين ، وقد جمع بعض أصحابنا بين قول السيرافي وقول ابن السراج بأن

__________________

١٤٨٨ ـ البيت من البسيط ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ١٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٨٦ ، وشرح الرضي ٢ / ٦٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥.

٤٨

قال : لا يريد السيرافي بقوله : إنها للماضي أن الصفة انقطعت وإنما يريد أنها ثبتت قبل الإخبار عنها ودامت إلى وقت الإخبار ولا يريد ابن السراج أنها إنما وجدت وقت الإخبار فلا فرق بين القولين على هذا ، وفي «البسيط» : قال بعضهم : الصفة المشبهة باسم الفاعل تفارقه في أنها لا توجد إلا حالا ، وتقدم أن ذلك ليس على جهة الشرط ، بل إن وضعها كذلك لكونها صفة دالة على الثبوت والثبوت من ضرورته الحال ، وأما على جهة الشرط فتكون حينئذ يصح تأويلها بالزمان ولا يشترط إلا الحاضر ؛ لأنه المناسب انتهى.

(ثم هي إما صالحة للمذكر والمؤنث مطلقا) أي : لفظا ومعنى كحسن وقبيح ، (أو لفظا لا معنى) كحائض وخصي لفظهما من حيث الوزن بفاعل وفعيل صالح للمذكر والمؤنث ، ولكن معنى الحيض مختص بالمؤنث ، ومعنى الخصاء مختص بالمذكر ، (أو عكسه) أي : معنى لا لفظا ككبر الألية فإنه معنى مشترك فيه لكن خص المذكر بلفظ آلى والمؤنث بلفظ عجزاء.

(أو لا) تصلح لهما ، بل تختص بأحدهما كآدر وأكمر لفظهما ومعناهما خاص بالمذكر ، ورتقاء وعفلاء لفظهما ومعناهما خاص بالمؤنث.

(وتجري الأولى على مثلها وضدها) أي : يجري مذكرها على المذكر والمؤنث ومؤنثها على المؤنث والمذكر ، قال أبو حيان : وهذا الذي يعبر عنه النحويون بأنه يشبه عموما تقول : مررت برجل حسن الأب ، وبرجل حسن الأم ، وبامرأة حسنة الأم ، وبامرأة حسنة الأب ، (دون الباقي) فإنها إنما تجري على مثلها فقط ولا تجري على ضدها (في الأصح) تقول مررت برجل خصي الابن وبامرأة حائض البنت وبرجل آلى الابن وبامرأة عجزاء البنت وبرجل آدر الابن وبامرأة رتقاء البنت ، قال أبو حيان : وهذا يعبر عنه النحويون بأنه يشبه خصوصا ، وأجاز الكسائي والأخفش جريان هذه الصفة على ضدها في الأقسام الثلاثة فتقول : برجل حائض بنته ، وبامرأة خصي ابنها ، وبرجل عجزاء بنته ، وبامرأة آلى ابنها ، وبرجل رتقاء بنته ، وبامرأة آدر ابنها ، هكذا حكى ابن مالك الخلاف في الثلاثة ، ونازعه أبو حيان بأن بعض المغاربة نقل الاتفاق على المنع في قسمين منها وأن الخلاف خاص بقسم واحد.

وهي الصفة المشتركة من جهة المعنى واللفظ مختص (وتعمل مع أل) مقترنة بها (ودونها رفعا) على أن يعرب المرفوع بها (فاعلا) بها ، قاله سيبويه والبصريون ، (أو بدلا) من الضمير المستكن فيها قاله الفارسي ، (ونصبا) على أنه يعرب (مشبها بالمفعول) به في

٤٩

المعرفة (أو تمييزا) في النكرة ، (وجرا بالإضافة وفي مراتبها خلاف في مجرد ومقرون بأل ومضاف له) أي : لمقرون بأل ، (أو لمجرد أو لضمير أو لمضاف له) أي : للضمير ، فتلك ستة وثلاثون حاصلة من ضرب اثنين وهي حالتا اقترانها ب : (أل) وعدمه في ثلاثة وهي وجوه عملها الرفع والنصب والجر تبلغ ستة ، ثم ضرب الستة المذكورة في أحوال المعمول الستة وهي تجريده واقترانه بأل وإضافته للأربعة المشار إليها فتبلغ ما ذكر ، وهذه أمثلتها على الترتيب : رأيت الرجل الحسن وجه والحسن وجها ، والحسن وجه ، والحسن الوجه ، والحسن الوجه ، والحسن الوجه ، والحسن وجه الأب ، والحسن وجه الأب ، والحسن وجه الأب ، والحسن وجه أب ، والحسن وجه أب ، والحسن وجه أب ، والحسن وجهه ، والحسن وجهه ، والحسن وجهه ، والحسن وجه أبيه ، والحسن وجه أبيه ، والحسن وجه أبيه ، ورأيت رجلا حسنا وجهه ، وحسنا وجها ، وحسن وجه ، وحسنا الوجه ، وحسنا الوجه ، وحسن الوجه ، وحسنا وجه الأب ، وحسن وجه الأب ، وحسن وجه الأب ، وحسنا وجه أب ، وحسنا وجه أب ، وحسن وجه أب ، وحسنا وجه ، وحسنا وجهه ، وحسن وجهه ، وحسنا وجه أبيه ، وحسنا وجه أبيه ، وحسن وجه أبيه ، هذا سردها وليست كلها بجائزة على ما تبين.

(لكن تجب الإضافة) حال كونها (مجردة) من أل (إلى ضمير متصل بها في الأصح) نحو : مررت برجل حسن الوجه جميله ، ولا يجوز نصب هذا الضمير وجوزه الفراء فيقال : جميل إياه ، ورد بأنه لا يفصل الضمير ما قدر على اتصاله فإن لم تباشره متصلة به أو قرنت ب : (أل) لم تجب الإضافة ، بل يتعين النصب باتفاق في حالة الفصل نحو : قريش نجباء الناس وكرامهموها ، وعلى أحد القولين للنحاة في حالة الاقتران بأل نحو : مررت بالرجل الحسن وجها الجميله ، والقول الثاني أن الضمير في موضع جر فلو كانت الصفة غير متصرفة في الأصل وقرنت ب : (أل) نحو : مررت بالرجل الحسن الوجه الأحمره ، فالضمير في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الفراء.

(وتمتنع) الإضافة حال كون الصفة (مع أل) إلى معمول (عار منها ، أو من إضافة لذيها) أي : لذي أل (أو) إلى (ضمير ذيها) فلا يجوز من الأمثلة السابقة الحسن وجه والحسن وجه أب والحسن وجهه والحسن وجه أبيه لما تقرر في باب الإضافة من أنه لا تجوز إضافة الصفة المقترنة ب : (أل) إلى الخالي من أل ، ومن إضافة لما فيه أل ، ومثال المضاف إلى ضمير ما فيه أل رأيت الكريم الآباء الغامر جودهم ، قال أبو حيان : وهو نادر.

(وتقبح) الإضافة حال كون الصفة دون أل (إلى مضاف لضمير) وهو مثال حسن

٥٠

وجهه ، (ومنعها سيبويه اختيارا) وخص جوازها بالشعر كقول الشماخ :

١٤٨٩ ـ أمن دمنتين عرّج الركب فيهما

بحقل الرّخامي قد عفا طللاهما

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما

 (و) منعها (المبرد مطلقا) في الشعر وغيره وتأول البيت المذكور على أن هما من قوله : مصطلاهما عائد على الأعالي ؛ لأنها مثناة في المعنى.

قال ابن مالك في شرح «الكافية» : وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله ، وهو الصحيح ؛ لأن مثله قد ورد في حديث أم زرع : «صفر وشاحها» (٢) ، وفي حديث الدجال : «أعور عينه اليمنى» (٣) ، وفي وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شثن أصابعه (٤) ، قال : ومع هذا في جوازه ضعف ، ووافقه أبو حيان.

(وكذا) يقبح (رفعها مطلقا) أي : مع أل ومجردة (العاري من الضمير وأل والإضافة إلى أحدهما) وذلك مثال الحسن وجه وحسن وجه والحسن وجه أب وحسن وجه أب ، (ومنع أكثر البصرية حسن وجه) وهو المثال الثاني من هذه الأربعة لخلو الصفة من ضمير مذكور يعود على الموصوف واختاره ابن خروف ، وما تقدم من جوازه بقبح مذهب الكوفيين ، وأجازه ابن مالك ، ومن شواهده قوله :

١٤٩٠ ـ بثوب ودينار وشاة ودرهم

فهل أنت مرفوع بما ههنا راس

وقوله :

١٤٩١ ـ ببهمة منيت شهم قلب

منجّذا لا ذي كهام ينبو

__________________

١٤٨٩ ـ البيتان من الطويل ، وهما للشماخ في ديوانه ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٧ ، وشرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٦ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢١٠ ، والكتاب ١ / ١٩٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٨٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٢٢٠ ، ٢٢٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٣٦.

١٤٩٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٦٣.

١٤٩١ ـ الرجز بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٥٨ ، ٣٦٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٤.

(١) لم أجده إلا في كتب اللغة بهذا اللفظ.

(٢) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ ...) (٣٤٤١).

(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٤١٨ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٥٦٦ (٦٠٩٨).

٥١

قال أبو حيان : وقول ابن هشام الخضراوي في نحو هذا : لا يجوز الرفع في قول أحد ؛ إذ لا ضمير في السبب ولا ما يسد مسده ليس بصحيح ؛ إذ جوازه محكي عن الكوفيين وبعض البصريين.

(ويتبع معمولها) أي : الصفة المشبهة بجميع التوابع وتجري على حسب لفظه لا موضعه ، وأجاز الفراء أن يتبع المجرور على موضعه من الرفع كما جاز (مررت بالرجل الحسن الوجه نفسه) ، و (هذا قوي اليد والرجل) برفع (نفسه) (والرجل) مع جر المعمول وقد صرح سيبويه بمنع ذلك وأنه لم يسمع منهم في هذا الباب.

وأما أن يعطف على معمولها المجرور نصبا فنصّوا على أنه لا يجوز ، لا يقال : (هذا حسن الوجه والبدن) بخلاف اسم الفاعل ، (وقيل) : يتبع بكل التوابع (إلا بالصفة) قال أبو حيان : هكذا قال الزجاج وزعم أنه لم يسمع من كلامهم ، فلا يجوز (جاءني زيد الحسن الوجه الجميل) ، قال : وقد جاء في الحديث في صفة الدجال : «أعور عينه اليمنى» (١) ، فاليمين صفة لعينه وعينه معمول الصفة فينبغي أن ينظر في ذلك ، قال : وعلل منع ذلك بعض شيوخنا بأن معمول الصفة محال أبدا على الأول فأشبه المضمر ؛ لأنه قد علم أنك لا تعني من الوجوه إلا وجه زيد في نحو : مررت بزيد الحسن الوجه ، قال : وحكى لي هذا التعليل أيضا الشيخ بهاء الدين بن النحاس عن عبد المنعم الإسكندراني من تلاميذ ابن بري قال لي : وقد كان ظهر لي ما يشبه هذا وهي أن الصفة هي في الحقيقة للوجه وإن أسندت إلى زيد مثلا فقد تبين الوجه بالصفة فلا يحتاج إلى تبيين ، قلت له : الصفة قد تكون لغير التبيين كالمدح والذم وغيرهما فهلا جاز أن يوصف بصفات هذه المعاني ، فقال : أصل الصفة أن تأتي للتبيين ومجيئها لما ذكرت هو بحق الفرع ، وإذا امتنع الأصل فأحرى أن يمتنع الفرع ، وقال بعض أصحابنا : امتنع ذلك ؛ لأنها ضعيفة في العمل فلم تقو أن تعمل في الموصوف والصفة معا ، ويضعف هذا بعملها في المؤكد والتوكيد إلا إن فرق بينهما بأن المؤكد والتوكيد كأنهما شيء واحد ؛ لأن التوكيد لم يدل على معنى زائد في المؤكد بخلاف الصفة ، (وإذا كان معناها) أي : الصفة المشبهة (لسابقها) أي : للموصوف (رفعت ضميره مطابقة) له في الإفراد والتذكير وضدهما نحو : مررت برجل عاقل ورجلين عاقلين وبامرأة عاقلة ، (أو) كان معناها (لغيره ولم ترفعه فكذلك) أي : تطابق الصفة الموصوف

__________________

(١) تقدم تخريجه قبل قليل.

٥٢

قبلها نحو : مررت برجلين حسنين الغلمان وبامرأة حسنة الغلام وبنساء حسان الغلمان ، (وإلا) بأن رفعته (فكالفعل) فلا يطابق إلا على لغة أكلوني البراغيث نحو : مررت برجلين حسن غلاماهما وبرجال حسن غلمانهم وبامرأة حسن غلامها.

(وتكسيرها حينئذ) أي : حين رفعت السببي مسندة إلى جمع (إن أمكن أولى من الإفراد في الأصح) سواء كان الموصوف جمعا أم مثنى أم مفردا نحو : مررت برجال حسان غلمانهم ورجلين حسان غلمانهما وبرجل حسان غلمانه ، هذا قول المبرد ونص عليه سيبويه في بعض نسخ «كتابه» ، واختاره الجزولي وصاحب «التمهيد» ، وبه جزم ابن مالك قال أبو حيان : وذهب بعض شيوخنا إلى أن الإفراد أحسن من التكسير ، قال : لأن العلة في ذلك أنه قد ينزل منزلة الفعل إذا رفع الظاهر ، والفعل لا يثنى ولا يجمع فانتفى أن تكون الصفة مفردة ، قال : نعم التكسير أجود من جمع السلامة ؛ إذ لا تلحقه علامة جمع فهو كالمفرد ؛ لأنه معرب بالحركات مثله بخلاف جمع السلامة ، وإلا فالفعل لا يجمع لا جمع سلامة ولا جمع تكسير فكيف يكون أحدهما أحسن من الإفراد ، قال أبو حيان : وما ذكره هو القياس لكنه ذهل عن نقل سيبويه في ذلك ، ثم ذكر أبو حيان بعد سطر أن هذا القول هو مذهب الجمهور واختيار الشلوبين وشيخه الأبذي.

(وثالثها : إن تبعت جمعا) فالتكسير أولى مشاكلة لما قبله ولما بعده نحو : مررت برجال حسان غلمانهم وإن تبعت مفردا فالإفراد أولى من التكسير ؛ لأنه تكلف جمع في موضع لا يحتاج إليه ؛ لأنه إذا رفع فقوته قوة الفعل وطريق الجمع في الفعل مكروه فكذا في الاسم ، نقل ذلك أبو حيان عن بعض من عاصره فإن لم يمكن التكسير فواضح أنه ليس إلا الإفراد نحو : مررت برجل شراب آباؤه ، (وأوجبه) أي : جمع التكسير (الكوفية فيما لم يصحح) أي : لم يجمع جمع تصحيح بالواو والنون نحو : مررت برجال عور آباؤهم ، (وكذا) أوجبوا فيه المطابقة في (التثنية) نحو : مررت برجلين أعورين أبواهما ، ومنعوا الإفراد فيهما بخلاف ما جمع الجمعين فجوزوا فيه الإفراد والتكسير أحسن نحو : مررت برجل كريم أعمامه وكرام أعمامه ويضعف كريم أعمامه ، (وأجري كعملها) في رفع السببي ونصبه وجره (اسم مفعول المتعدي لواحد وفاقا) كقوله :

١٤٩٢ ـ فهل أنت مرفوع بما ههنا راس

__________________

١٤٩٢ ـ تقدم الشاهد برقم (١٤٩٠).

٥٣

وقوله :

١٤٩٣ ـ لما بدت مجلوّة وجناتها

وقوله :

١٤٩٤ ـ تمنّى لقائي الجون مغرور نفسه

قال أبو حيان : وقول السهيلي : الأصح يدل على خلاف في المسألة ، ولا نعلم أحدا منعها ، فلذلك قلت : وفاقا.

(و) أجري كذلك أيضا (الجامد المضمن معنى المشتق) نحو : (وردنا منهلا عسلا ماؤه وعسل الماء) ، أي : حلوا ، وقال الشاعر :

١٤٩٥ ـ لأبت وأنت غربال الإهاب

وقال آخر :

١٤٩٦ ـ فراشه الحلم فرعون العذاب وإن

تطلب نداه فكلب دونه كلب

أي : مثقب وطائش ومهلك ، (ومنع أبو حيان قياسه وكذا اسم الفاعل) المتعدي لواحد (إن أمن اللبس) نحو : (زيد ظالم العبيد خاذلهم راحم الأبناء ناصرهم) إذا كان له عبيد ظالمون خاذلون وأبناء راحمون ناصرون ، كذا (هذا ضارب الأب زيدا) في (هذا ضارب أبوه زيدا) فإن لم يؤمن اللبس لم يجز ، (وقال ابن عصفور وابن أبي الربيع) إنما يجوز (إن حذف المفعول اقتصارا) فإن لم يحذف أصلا لم يجز ، وكذا إن حذف اختصارا ؛ لأنه كالمثبت ، فيكون الوصف إذا ذاك مختلف التعدي والتشبيه وهو واحد وذلك لا يجوز ، وبيانه أنه من حيث نصب السببي أو جره يكون مشبها باسم الفاعل المتعدي ، ومن حيث نصب المفعول به يكون اسم فاعل متعديا مشبها بالمضارع ، فاختلف جهة تعديه وجهة

__________________

١٤٩٣ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٧٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٣.

١٤٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٧٢ ، عرّد : فرّ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩٦.

١٤٩٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لمنذر بن حسان في المقاصد النحوية ٣ / ١٤٠ ، ولعفيرة بنت طرامة الكلبية في الوحشيات ص ٨ ، وفي الأغاني ١٧ / ١١٦ ، لعميرة بنت حسان الكلبية وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤١١ ، والخصائص ٢ / ٢٢١ ، ٣ / ١٩٥ ، وديوان المعاني ٢ / ٢٤٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٦٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٤ ، وفي نسخة (لرحت) مكان (لأبت).

١٤٩٦ ـ البيت من البسيط ، وهو للضحّاك بن سعد في الحيوان ١ / ٢٥٧ ، ولسعيد بن العاصي في ديوان المعاني ١ / ١٩٦ ، وبلا نسبة في الأشموني ٢ / ٣٦٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٥.

٥٤

تشبيهه من حيث صار شبيها بأصل في العمل شبيها بفرع في العمل ، فصار فرعا لأصل وفرعا لفرع ، ولا يكون الشيء الواحد فرعا لشيئين ، ثم إنه لما سمع استعمال المتعدي صفة مشبهة حيث حذف المفعول اقتصارا نحو :

١٤٩٧ ـ ما الرّاحم القلب ظلّاما وإن ظلما

قال أبو حيان : وهذا تفصيل حسن.

(و) قال (أبو علي) الفارسي : يجوز (مطلقا) ولم يقيد بأمن اللبس ، قال ابن مالك في شرح «التسهيل» : والصحيح أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس ، قال : ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي فلذلك سهل فيه الاستعمال المذكور ، ومنه قول ابن رواحة :

١٤٩٨ ـ تبارك إني من عذابك خائف

وإني إليك تائب النفس راجع

وقال آخر :

١٤٩٩ ـ ومن يك منحل العزائم تابعا

هواه فإن الرشد منه بعيد

ومن وروده في المصوغ من متعد قوله :

١٥٠٠ ـ ما الرّاحم القلب ظلاما وإن ظلما

ولا الكريم بمنّاع وإن حرما

انتهى.

قال أبو حيان : وإطلاقه يدل على جواز ذلك في كل متعد سواء تعدى لواحد أم لاثنين أو ثلاثة ، ولا خلاف أنه لا يجوز في المتعدي لاثنين أو ثلاثة ، (ومنعه الأكثر مطلقا ، وتوقف أبو حيان) فقال : الأحوط ألا يقدم على جواز ذلك حتى يكثر فيه السماع فيقاس : على الكثير ؛ لأن القليل يقبل الشذوذ مع أن البيت السابق يحتمل التأويل ، (فإن تعدى بالحرف فلا) يجوز فيه ذلك (في الأصح) ، وعليه الجمهور وجوزه الأخفش وابن عصفور نحو : (مررت برجل مار الأب) يريد بنصب الأب أو جره واستدلا بقولهم : (هو حديث عهد بالوجع) ، فقولهم : (بالوجع) متعلق ب : (حديث) وهو صفة مشبهة ، والجمهور

__________________

١٤٩٧ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٤٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٢٥.

١٤٩٨ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

١٤٩٩ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

١٥٠٠ ـ تقدم الشاهد برقم (١٤٩٧).

٥٥

تأولوا ذلك على أنه متعلق ب : (عهد) لا بالصفة ، فإن جاء من كلامهم مررت برجل غضبان الأب على زيد ، علقوا (على زيد) بفعل محذوف تدل عليه الصفة ، أي : غضب على زيد.

أفعل التفضيل

(أفعل التفضيل) أي : هذا مبحثه ، (يرفع) أفعل التفضيل (الضمير غالبا ، والظاهر في لغة) ضعيفة نحو : مررت برجل أفضل منه أبوه ، أي : أزيد عليه في الفضل أبوه حكاها سيبويه وغيره ، (والأحسن حينئذ تقدم من ، ويكثر) رفعه الظاهر (إن كان مفضلا على نفسه باعتبارين واقعا بين ضميرين ثانيهما له والآخر للموصوف ، والوارد) في ذلك عن العرب (كونه بعد نفي) والمثال المشهور لذلك قولهم : (ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد) ، وبه عرفت المسألة بمسألة (الكحل) ، وأفردت بالتآليف فالكحل فاعل بأحسن وهو مفضل باعتبار كونه في عين زيد على نفسه حالا في عين غيره ، وواقع بين ضميرين ثانيهما له وهو الضمير في (منه) والأول للموصوف وهو الضمير في عينه ، وقد تقدم النفي أول الجملة ومثله الحديث : «ما من أيام أحب إلى الله فيها العمل منه في عشر ذي الحجة» (١) ، وقول الشاعر :

١٥٠١ ـ ما علمت امرأ أحبّ إليه ال

بذل منه إليك يا ابن سنان

قال ابن مالك : والسبب في رفعه الظاهر في هذه الحالة تهيؤه بالقرائن التي قارنته لمعاقبته الفعل إياه على وجه لا يكون بدونها ، ألا ترى أنه يحسن في المثال أن يقال بدله : ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد ولا يختل المعنى ، بخلاف قولك في الإثبات : رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، فإن إيقاع الفعل فيه موقع أفعل يغير المعنى ، فكان رفع (أفعل) للظاهر لوقوعه موقعا صالحا للفعل على وجه لا يغير المعنى بمنزلة إعمال اسم الفاعل الماضي معنى إذا وصل بالألف واللام ، فإنه كان ممنوع العمل ؛ لعدم شبهه بالفعل الذي في معناه ، فلما وقع صلة قدر بفعل وفاعل ليكون جملة فإن المفرد لا يوصل به موصول فانجبر بوقوعه موقع الفعل ما كان فائتا من الشبه فأعطي العمل بعد أن منعه.

__________________

١٥٠١ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح ١ / ٢٦٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٧٣ ، وشرح قطر الندى ص ٢٨٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٢١.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب فضل العمل في أيام التشريق (٩٦٩).

٥٦

(وقاس ابن مالك) على النفي (النهي والاستفهام) فقال : لا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي كقولك : (لا يكن غيرك أحب إليه الخير منه إليك) ، و (هل في الناس رجل أحق به الحمد منه بمحسن لا يمن) ، وإن لم يرد ذلك مسموعا (ومنعه أبو حيان) قائلا : إذا كان لم يرد هذا الاستعمال إلا بعد نفي وجب اتباع السماع فيه والاقتصار على ما قالته العرب ، ولا يقاس عليه ما ذكر من الأسماء لا سيما ورفعه الظاهر إنما جاء في لغة شاذة فينبغي أن يقتصر في ذلك على مورد السماع ، قال : على أن إلحاقها بالنفي ظاهر في القياس ولكن الأولى اتباع السماع.

(وأعرب الأعلم مثله) أي : هذا التركيب (معه) أي : مع الوجه الذي تقدم تقريره (مبتدأ وخبرا ، وقد يحذف الضمير الأول) إذا كان معلوما ، سمع (ما رأيت قوما أشبه بعض ببعض من قومك) ، وقال ابن مالك : تقديره (ما رأيت قوما أبين فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك) ، (و) قد يحذف الضمير (الثاني وتدخل من على الظاهر) نحو : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من كحل عين زيد ، (أو) على (محله) كقولك في المثال المذكور : من عين زيد بحذف (كحل) الذي هو المضاف (أو) على (ذي محله) ، كقولك فيه : من زيد بحذف (كحل) و (عين) وإدخاله على صاحب العين ، ومن إدخاله على المحل قولهم : (ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد من كذبة أمير على منبر) والأصل من شهود كذبة أمير فحذف شهود وأقام المضاف إليه مقامه ، (ولا ينصب) أفعل التفضيل (مفعولا به على الأصح) بل يتعدى إليه باللام إن كان الفعل يتعدى إلى واحد نحو : زيد أبذل للمعروف فإن كان الفعل يفهم علما أو جهلا تعدى بالباء نحو : زيد أعرف بالنحو وأجهل بالفقه ، وإن كان مبنيا على من فعل المفعول تعدى بإلى إلى الفاعل معنى نحو : زيد أحب إلى عمرو من خالد وأبغض إلى بكر من عبد الله وبفي إلى المفعول نحو : زيد أحب في عمرو من خالد وأبغض في عمرو من جعفر ، قال ابن مالك وإن كان من متعد إلى اثنين عدي إلى أحدهما باللام وأضمر ناصب الثاني نحو : هو أكسى للفقراء الثياب ، أي : يكسوهم الثياب.

قال أبو حيان : وينبغي ألا يقال هذا التركيب إلا إن كان مسموعا من لسانهم ، وذهب بعضهم إلى أنه ينصب المفعول به إن أول بما لا تفضيل فيه ، حكاه ابن مالك في «التسهيل» ، قال أبو حيان : وهذا الرأي ضعيف ؛ لأنه وإن أول بما لا تفضيل فيه فلا يلزم منه تعديته كتعديته وللتراكيب خصوصيات ، وفي شرح «الكافية» لابن مالك : أجمعوا على أنه لا ينصب المفعول به ، فإن ورد ما يوهم جواز ذلك جعل نصبه بفعل مقدر يفسره أفعل

٥٧

كقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ، فحيث هنا مفعول به لا مفعول فيه ، وهي في موضع نصب بفعل مقدر يدل عليه (أعلم) ، زاد في شرح «التسهيل» : والتقدير والله أعلم يعلم مكان جعل رسالاته ، قال أبو حيان : وقد فرضناه نحن على أن تكون (حيث) باقية على بابها من الظرفية ؛ لأنها من الظروف التي لا تتصرف (ولا) تنصب مفعولا (مطلقا وفاقا) ذكره (وتلزمه من ولو تقديرا إن جرد) من أل والإضافة نحو : زيد أفضل من عمرو ، قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب : ٦] ، ومثال تقديرها : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] ، (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [الأعلى : ١٧] ، (و) يلزمه (الإفراد والتذكير إن جرد أو أضيف لنكرة) سواء كان تابعا لمذكر أم مؤنث لمفرد أم مثنى أم مجموع نحو : زيد أفضل من عمرو وهند أفضل من دعد والزيدان أفضل من عمرو والزيدون أفضل من عمرو والهندان أفضل من دعد والهندات أفضل من دعد ، ونحو : زيد أفضل رجل وهما أفضل رجلين وهم أفضل رجال وهي أفضل امرأة وهن أفضل نساء (خلافا للفراء في الثاني) حيث أجاز فيما أضيف لنكرة مدناة من المعرفة فضلى واقتضى حينئذ أن يؤنث ويثنى نحو : هند فضلى امرأة تقصدنا والهندان فضليا امرأتين تزوراننا (و) على الأول يلزم (مطابقتها هي) أي : النكرة المضاف إليها كما تقدم في الأمثلة (خلافا لابن مالك في) النكرة (المشتقة) حيث قال : يجوز فيها الإفراد مع جمعية ما قبل المضاف ومنه قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) [البقرة : ٤١] ، قال أبو حيان : وقياس قوله جريان ذلك فيما قبله مثنى نحو : الزيدان أفضل مؤمن ، قال : والحق تأويل الآية على حذف موصوف هو جمع في المعنى ، أي : أول فريق كافر (و) على الأقوال يلزم (كونها من جنس المسند إليه أفعل) كما تبين.

(وجوز) أبو بكر (ابن الأنباري جرها إن خالفته) في المعنى مع تجويزه نصبها نحو : أخوك أوسع دار أو دارا وأبسط جاه وجاها ، قال : فالجر على إضافة أفعل إلى المفسر ، والنصب على إرادة (من) ؛ إذ لو ظهرت لم يكن إلا النصب (والمعرف بأل يطابق) في الإفراد والتذكير وضدهما حتما نحو : زيد الأفضل والزيدان الأفضلان والزيدون الأفضلون وهند الفضلى والهندان الفضليان والهندات الفضليات أو الفضل ، (وفي المضاف لمعرفة الوجهان) المطابقة وعدمها ، وقد اجتمعا في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقا» (١) ، (وأوجب ابن السراج الإفراد والتذكير)

__________________

(١) أخرجه بهذا اللفظ الترمذي ، كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في معالي الأخلاق (٢٠١٨).

٥٨

ومنع من مطابقة ما قبله ، قال أبو حيان : ورد عليه بالسماع والقياس ، قال تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة : ٩٦] ، وقال : (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام : ١٢٣] ، فأفرد (أحرص) وجمع (أكابر) ، وأما القياس فشبهه بذي الألف واللام أقوى من شبهه بالعاري من حيث اشتراكهما في أن كلا منهما معرفة ، فإجراؤه مجراه في المطابقة أولى من إجرائه مجرى العاري ، فإذا لم يفد الاختصاص بجريانه مجراه ، فلا أقل من أن يشارك ، (وعلى الأول في الأفصح خلف) قال أبو بكر بن الأنباري : الإفراد والتذكير أفصح استغناء بتثنية ما أضيف إليه وجمعه وتأنيثه عن تثنية أفعل وجمعه وتأنيثه ، قال : وهذا القوي عن العرب ، وقال أبو منصور الجواليقي : الأفصح من الوجهين المطابقة.

(ولا يجرد) أفعل (من) معنى (التفضيل حينئذ ، ويكون بعض المضاف إليه) كما تقدم ، (وقال الكوفية) : الإضافة فيه (على تقدير من ، فإن لم يقصد به التفضيل طابق) وجوبا كالمعرف ب : (أل) لتساويهما في التعريف ، وعدم اعتبار معنى من ولا يلزم كونه بعض ما أضيف إليه.

قال ابن مالك في شرح «الكافية» : فلو قيل يوسف أحسن إخوته امتنع عند إرادة معنى المجرد وجاز عند إرادة معنى المعرف ب : (أل) لما ذكرت لك ، ولما قرر في باب الإضافة من أن (أيا) بمعنى بعض إن أضيف إلى معرفة ، ومعنى (كل) إن أضيف إلى نكرة ، وأفعل التفضيل مثلها في ذلك ، وفي شرح «التسهيل» لأبي حيان : إذا كان أفعل جاريا على من أطلق له التفضيل فلا ينوى معه (من) ، وإذا أول بما لا تفضيل فيه لزمت المطابقة في الحالين ولا يلزم أن يكون فيهما بعض المضاف إليه ، مثال الأول : (يوسف أحسن إخوته) ، أي : أحسنهم أو الأحسن من بينهم ، فهذا على الإخلاء من معنى (من) وإضافته إلى ما ليس بعضا منه ؛ لأنه إخوة يوسف لا يندرج فيهم يوسف ومثال الثاني زيد أعلم المدينة تريد عالم المدينة ، قال : وهذا النوع ذهب إليه المتأخرون واستدلوا على وقوعه بقوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) [النجم ٣٢] ، (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ، قالوا : التقدير هو عالم بكم ؛ إذ لا مشارك له في علمه ، وهو هين عليه ؛ إذ لا تفاوت في نسب المقدورات إلى قدرته.

(وفي قياس ذلك خلف) فقال المبرد : هو مقيس مطرد ، وقال ابن مالك في «التسهيل» : الأصح قصره على السماع ، قال أبو حيان : لقلة ما ورد من ذلك ، (ولا يخلو) أفعل التفضيل (المجرد) من أل والإضافة المقرون ب : (من) (من مشاركة المفضل) في المعنى (غالبا ولو تقديرا) قال أبو حيان : فإذا قيل : سيبويه أنحى من الكسائي ، فالكسائي

٥٩

مشارك لسيبويه في النحو وإن كان سيبويه قد زاد عليه في النحو ، والمراد بقولنا : (ولو تقديرا) مشاركته بوجه ما كقولهم في البغيضين هذا أحب إلي من هذا ، وفي الشريرين هذا خير من هذا ، وفي الصعبين هذا أهون من هذا ، وفي القبيحين هذا أحسن من هذا ، وفي التنزيل : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣] ، وتأويل ذلك هذا أقل بغضا وأقل شرا وأهون صعوبة وأقل قبحا ، ومن غير الغالب قوله : العسل أحلى من الخل ، والصيف أحر من الشتاء ، (وتحذف من المفضول لقرينة) كقوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [طه : ٧] ، (ويكثر) الحذف (لكون أفعل خبرا) لمبتدأ أو ناسخ نحو : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) [البقرة : ٢٨٢] ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : ٣٦] ، (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران : ١١٨] ، (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف : ٤٦] ، (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل : ٢٠] ، وقال الشاعر :

١٥٠٢ ـ ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا

(أو صفة) نحو : مررت برجل أفضل ، (ومنعه الرماني معها) وقال : لا يجوز الحذف إلا في الخبر ، (وثالثها) : الحذف مع الصفة (قبيح ، وجوزه البصرية مع) أفعل إذا كان في موضع (فاعل أو اسم إن) نحو : جاءني أفضل وإن أكبر ، ومنعه الكوفيون ، (وفي تقديمها) أي : من ومجرورها على أفعل أقوال :

أحدها : الجواز.

ثانيها : المنع.

ثالثها : وهو (الأصح يجب إن وصلت باستفهام) نحو : (ممن أنت خير) ، و (من أيّ الناس زيد أفضل) ، و (ممن كان زيد أفضل) ، وممن ظننت زيدا أفضل ، و (من وجه من وجهك أجمل) ، (وإلا) بأن كانت في الخبر (منع اختيارا) وجاز في الضرورة كقوله :

١٥٠٣ ـ فقالت لنا : أهلا وسهلا وزوّدت

جنى النّحل أو ما زوّدت منه أطيب

__________________

١٥٠٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٧٢ ، وبلا نسبة في أمالي الزجاجي ص ١٠ ، وحاشية ياسين ١ / ٢٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١١.

١٥٠٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في خزانة الأدب ٨ / ٢٦٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، وتذكرة النحاة ص ٤٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٨٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٦٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٦٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٣.

٦٠