همع الهوامع - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

١
٢

٣
٤

الكتاب الرابع

في العوامل

(الكتاب الرابع في العوامل) في الأسماء الرفع والنصب من الفعل ، وما ألحق به في العمل ، وأبتدىء ذلك بتقسيم الفعل إلى لازم ومتعد ومتصرف وجامد ، وختم بتنازع العوامل معمولا واحدا المقتضي لإضماره غالبا في الثاني ، وضده وهو اشتغال العامل الواحد عن المعمول ؛ لوجود غيره المقتضي لإضماره هو غالبا في الباقي.

(الفعل) أربعة أقسام (لازم ومتعد وواسطة) ، لا يوصف بلزوم ولا تعد وهو الناقص كان وكاد وأخواتهما ، وما يوصف بهما ، أي : باللزوم والتعدي معا لاستعماله بالوجهين (كشكر ونصح على الأصح) فإنه يقال : شكرته وشكرت له ، ونصحته ونصحت له ، ومثله كلته وكلت له ، ووزنته ووزنت له ، وعددته وعددت له ، ولما تساوى فيه الاستعمالان صار قسما برأسه ، ومنهم من أنكره وقال : أصله أن يستعمل بحرف الجر ، وكثر فيه الأصل والفرع ، وصححه ابن عصفور ، ومنهم من قال : الأصل تعديه بنفسه وحرف الجر زائد ، وقال ابن درستويه : أصل (نصح) أن يتعدى لواحد بنفسه وللآخر بحرف الجر ، والأصل نصحت لزيد رأيه.

قال أبو حيان : وما زعم لم يسمع في موضع ، قلت : ولا أظنه مخصوصا بنصح ، فإنه ممكن في باقي أخواته ؛ إذ يقال : شكرت له معروفه ، ووزنت له ماله.

قال الرضي الشاطبي : وهذا النوع مقصور على السماع ، ومنه ما وصف بهما مع اختلاف معناه كفغر فاه وسحاه بمعنى فتحه ، وفغر فوه وسحا بمعنى انفتح ، وكذلك زاد ونقص ذكره في شرح «الكافية».

(فاللازم) ويقال له : القاصر وغير المتعدي للزومه فاعله ، وعدم تعديه إلى المفعول به (ما لا يبنى منه مفعول تام) أي : بغير حرف جر كغضب فهو مغضوب عليه ، بخلاف المتعدي ، ويقال له : الواقع والمجاوز ، فإنه يبنى منه اسم مفعول بدون حرف جر كضرب

٥

فهو مضروب ، (ولزمه) أي : اللزوم (فعل) بضم العين ، ولا يكون هذا الوزن إلا لأفعال السجايا وما أشبهها مما يقوم بفاعله ولا يتجاوزه كظرف وعذب وجنب ، (وتفعلل) كتدحرج ، (وانفعل) كانقطع وانصرف وانقضى ، (وافعل) بتشديد اللام كاحمر وازور ، (وافعلل) أصلا كاقشعر واشمأز ، أو إلحاقا كاكوهد الفرخ ، أي : ارتعد ، (وافعنلل) أصلا كاقعنسس واحرنجم ، أو إلحاقا كاحرنبى الديك إذا انتفش ، (وافعال) كاحمار قال ابن مالك فهذه الأوزان دلائل على عدم التعدي من غير حاجة إلى الكشف عن معانيها.

(ويتعدى) اللازم (لغير المفعول به) من المصدر والزمان والمكان ، (وقيل : لا يتعدى لزمن مختص إلا بحرف ، و) يتعدى (له) أي : للمفعول به (بحرف جر مخصوص ، ويطرد) أي : يكثر ويقاس (حذفه) أي : الحرف ؛ (لكثرة الاستعمال) نحو : دخلت الدار فيقاس عليه دخلت البلد والبيت ، بخلاف ما لم يكثر نحو : ذهبت الشام وتوجهت مكة فيسمع ولا يقاس ، (ومع أن وأنّ) المصدريتين (إذ لا لبس) كعجبت أن تذهب ، وأنّك ذاهب ، أي : (من) ، بخلاف ما إذا لم يتعين الحرف فلا يجوز الحذف للإلباس نحو : رغبت أنك قائم ، إذ لا يدرى هل المحذوف (في) أو (عن)؟ وأما قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧] فالحذف فيه إما للاعتماد على القرينة ، أو لقصد الإبهام ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لما لهن وجمالهن ، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن.

(زاد ابن هشام) في «المغني» : (وكي) قال : وقد أهملها النحويون هنا ، مع تجويزهم في جئت كي تكرمني أن تكون (كي) مصدرية واللام مقدرة ، قال : ولا يحذف معها إلا لام العلة ؛ لأنها لا تجر بغيرها بخلاف أن وأن ، (ومحلهما) أي : أن وأن بعد الحذف فيه خلاف (قال الخليل والأكثر : نصب) حملا على الغالب فيما ظهر فيه الإعراب مما حذف منه ، (و) قال (الكسائي : جر) لظهوره في المعطوف عليه في قوله :

١٣٩٤ ـ وما زرت ليلى أن تكون حبيبة

إليّ ولا دين بها أنا طالبه

ولما حكى سيبويه قول الخليل قال : ولو قال إنسان : إنه جر لكان قولا قويا ، وله نظائر نحو قولهم : لاه أبوك ، قال أبو حيان وغيره : وأما نقل ابن مالك وصاحب «البسيط»

__________________

١٣٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٨٤ ، والإنصاف ص ٣٩٥ ، وتخليص الشواهد ص ٥١١ ، وسمط اللآلي ص ٥٧٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥ ، والكتاب ٣ / ٢٩ ، ولسان العرب ١ / ٣٣٦ ، مادة (حنطب) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٩٧ ، ومغني اللبيب ص ٥٢٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٢.

٦

عن الخليل أنه جر ، وعن سيبويه أنه نصب فوهم ؛ لأن المنصوص في كتاب سبيويه عن الخليل أنه نصب ، وأما سيبويه فلم يصرح فيه بمذهب.

(وشذ) الحذف (فيما سواه) أي : سوى ما ذكر كقوله :

١٣٩٥ ـ كما عسل الطريق الثعلب

وقوله :

١٣٩٦ ـ أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

أي : إلى كليب ، (ولا يقاس على الأصح) ، بل يقتصر فيه على السماع ، وقال الأخفش الصغير : يقال إذا أمن اللبس كقوله :

١٣٩٧ ـ وأخفي الذي لو لا الأسى لقضاني

أي : لقضى علي.

(و) يتعدى إلى المفعول به أيضا (بتضمنه معنى) فعل (متعد) كقوله : أرحبكم الدخول في طاعة الكرماني ، أي : أوسعكم ، (وفي القياس) عليه (خلف) قيل : يقاس عليه ؛ لكثرة ما سمع منه ، وقيل : لا.

(و) يتعدى إليه أيضا (بالهمزة) نحو : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) [الأحقاف : ٢٠] ، (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) [غافر : ١١] ، (وربما أحدثت) في المتعدي (لزوما) خلاف المعهود نحو : أكب الرجل وكببته أنا ، وأقشع الغيم وقشعته الريح ، وأنسل ريش الطائر ونسلته أنا ، في أفعال مسموعة ، (وتعدي ذا) المتعدي إلى (الواحد لاثنين) نحو : كفل زيد عمرا ، وأكفلت زيدا عمرا ، ولا تعدي ذا الاثنين إلى ثلاثة في غير باب (علم) بإجماع.

ثم اختلف في المتعدي بالهمزة كذا على أقوال :

أحدها : أنه سماع في اللازم والمتعدي وعليه المبرد.

(ثانيها) : قياس فيهما وعليه الأخفش والفارسي.

__________________

١٣٩٥ ـ البيت من الكامل ، وهو لساعدة بن جؤية الهذلي في تخليص الشواهد ص ٥٠٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٣ ، وتقدم برقم (٧٦٩).

١٣٩٦ ـ تقدم برقم ١١٣٧ مع تخريج أوفى.

١٣٩٧ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٨٧).

٧

(ثالثها : قال سيبويه : قياس في اللازم ، سماع في المتعدي.

ورابعها : قياس مطلقا في غير) باب (علم) وعليه أبو عمرو.

(خامسها) : قياس (فيما يحدث) الفعلية ، أي : يكسب (فاعله صفة) من نفسه (لم تكن) فيه قبل الفعل نحو : قام وقعد ، فيقال : أقمته وأقعدته ، أي : جعلته على هذه الصفة ، سماع فيما ليس كذلك نحو : أشريت زيدا ما فلا يقاس عليه : أذبحته الكبش ، أي : جعلته يذبحه ؛ لأن الفاعل له يصير على هيئة لم يكن عليها ، (و) يتعدى أيضا (بتضعيف العين سماعا في الأصح) نحو : فرح زيد وفرحته ، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] ، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) [يونس : ٢٢] ، وقيل : قياسا ، وادعى الخضراوي الاتفاق على الأول ، قال أبو حيان : وليس بصحيح.

(قيل : و) بتضعيف (اللام) نحو : صعر خده وصعررته ، قال أبو حيان : وهو غريب ، قيل : (وألف المفاعلة) نحو : سار زيد وسايرته ، وجلس وجالسته ، قيل : وصيغة استفعل نحو : حسن زيد واستحسنته نقلهما أبو حيان عن بعض النحاة ، (قال الكوفيون : وتحويل حركة العين) نحو : كسي زيد بوزن فرح وكسى زيد عمرا ، (وتتعاقب الهمزة والتضعيف والباء) أي : يقع كل منها موقع الآخر نحو : أنزلت الشيء ونزلته ، وأثبت الشيء وثبته ، وأذهبت زيدا وذهبت به ، (ومن ثم) أي : من هنا وهو ورود الهمزة معاقبة لما ذكر ، أي :من أجل ذلك (ادعى الجمهور أن معناهما) أي : الهمزة والتضعيف أو الهمزة والباء في التعدية (واحد) فلا يفهم هذا التضعيف تكرارا ولا مبالغة ولا مصاحبة ، وادعى الزمخشري ومن وافقه أن بين التعديتين فرقا ، وأن التعدية بالهمزة لا تدل على تكرير ، وبالتضعيف تدل عليه ، ورد بقوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ) [النساء : ١٤٠] الآية ، وهو إشارة إلى قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) [الأنعام : ٦٨] ، وهي آية واحدة ، وبقوله : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢].

وادعى المبرد والسهيلي الفرق بين الهمزة والباء ، وأنك إذا قلت : ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذهاب ، ورد بقوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧].

(وفي نصبه) أي : الفعل اللازم اسما (تشبيها بالمتعدي خلف) فأجازه بعض المتأخرين قياسا على تشبيه الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي ، نحو : زيد تفقأ الشحم أصله تفقأ شحمه فأضمرت في تفقأ ونصبت (الشحم) تشبيها بالمفعول به ، واستدل بما

٨

روي في الحديث : «كانت امرأة تهراق الدماء» (١) ، ومنعه الشلوبين ، قال : لا يكون ذلك إلا في الصفات ، وقد تأولوا الأثر على أنه إسقاط حرف الجر أو على إضمار فعل ، أي : بالدماء ، أو يهريق الله الدماء منها ، قال أبو حيان : وهذا هو الصحيح ؛ إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

(والمتعدي غير الناسخ إما لواحد ، وقد يتضمن اللزوم) فيتعدى بالحرف نحو : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) [النور : ٦٣] ، أي : يخرجون وينفصلون ، (أو لاثنين ثانيهما بحرف جر) والأول بنفسه ، (وسمع حذفه) من الثاني (مع) أفعال وهي (اختار) قال تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) [الأعراف : ١٥٥] ، أي : من قومه ، (واستغفر) قال :

١٣٩٨ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه

أي : من ذنب ، (وأمر) قال :

١٣٩٩ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

أي : بالخير ، (وسمى وكنى) بالتخفيف ، (ودعا) نحو : سميت ولدي أحمد وكنيته أبا الحسن ودعوته زيدا ، أي : بأحمد وأبي الحسن وبزيد (وزوج) نحو : (زَوَّجْناكَها) [الأحزاب : ٣٧] ، أي : بها ، (وصدق) بالتخفيف نحو : (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [سبأ : ٢٠] ، أي : في ظنه ، وهدى نحو : (هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣] ، أي : إليه ، (وعير) نحو : عيرت زيدا سواده ، أي : به ، ومنها : فرق وقرع وجاء واشتاق وراح وتعرض ونأى وحل (وخشي ، فمنع الجمهور القياس عليها).

(وجوزه الأخفش الصغير) علي بن سليمان (وابن الطراوة ووالدي رحمه‌الله) فقالوا

__________________

١٣٩٨ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٢٤ ، والأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٠٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١١ ، ٩ / ١٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٧٩ ، وشرح المفصل ٧ / ٦٣ ، ٨ / ٥١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٩.

١٣٩٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ٦٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٢٤ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢٧ ، والكتاب ١ / ٣٧ ، ومغني اللبيب ص ٣١٥ ، ولخفاف بن ندبة في ديوانه ص ١٢٦ ، وللعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣١ ، ولأعشى طرود في المؤتلف والمختلف ص ١٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١١٦.

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب في المرأة تستحاض (٢٧٤).

٩

بحذف حرف الجر في كل ما لا لبس فيه ، بأن يتعين هو ومكانه نحو : بريت القلم السكين ، قياسا على تلك الأفعال ، فإن فقد الشرطان أو أحدهما بأن لم يتعين الحرف نحو : رغبت ، أو مكانه نحو : اخترت إخوتك الزيدين لم يجز ؛ لأن كلا منهما يصلح لدخول (من) عليه ، وما نقلته عن والدي ذكره في رسالة له في توجيه قول «المنهاج» : «وما ضبب بذهب أو فضة ضبة» ، فقال : «والذي ظهر لي فيه بعد البحث مع نجباء الأصحاب ونظر «المحكم» و «الصحاح» و «تهذيب اللغة» وغيرها ولم نجده متعديا بهذا المعنى أن الباء في (بذهب) بمعنى (من) ، و (فضة) منصوب على إسقاط الخافض ، إما من باب (أمرتك الخير) وهو ظاهر» ، قال : «ولا يرد أنهم لم يعدوه من أفعاله ؛ لأنا نقول : ما قيس على كلامهم فهو من كلامهم» ، فهذا عين ما نقلته عنه من القياس ، ثم قال : «وقد قالوا في ضبط أفعال باب (أمر) إنه كل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وأصل الثاني منهما حرف الجر ، وهذا الضابط يشمله لا محالة ، وهو أولى من أن يدعى أنه من باب :

١٤٠٠ ـ تمرون الدّيار

لأن هذا محفوظ» انتهى. ووالدي رحمه‌الله كان ممن له التمكن في علوم الشرع والعربية والبيان والإنشاء ، أجمع على ذلك كلّ من شاهده.

(وقيل : إن ضمن) الفعل (معنى) فعل (ناصبه) أي : ناصب له بنفسه جاز الحذف قياسا ، وإلا فلا ، (وقيل) : يجوز (بشرط عدم الفصل) بينه وبين الذي يحذف منه حرف الجر ، فلا يقال : أمرتك يوم الجمعة الخير ، (و) بشرط عدم (التقدير) فلا يقال : أمرتك زيدا تريد بزيد ، أي : بأمره وشأنه ، (و) إما متعد (إلى اثنين بدونه) أي : بدون حرف جر (كأعطى وكسى ، وقيل : الثاني) من منصوبيهما منصوب (بمضمر ، ويحذف أحد مفعوليه ، وكذا) يحذف ، أي : مفعول (باب اختار) نحو : اخترت الرجال واستغفرت ذنبي ، (خلافا للسهيلي) في قوله : لا يجوز الاقتصار على الواحد المنصوب.

أنواع الفعل

مسألة : (الفعل متصرف) وهو ما اختلفت أبنيته لاختلاف زمانه وهو كثير ، (وجامد)

__________________

١٤٠٠ ـ البيت من الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢٧٨ ، والأغاني ٢ / ١٧٩ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١١ ، ولسان العرب ٥ / ١٦٥ ، مادة (حرر) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٦٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٤٥ ، ٨ / ٢٥٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٥٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٦.

١٠

بخلافه وهو معدود ، (ومنه غير ما مر) من النواسخ والاستثناء (قلّ للنفي المحض فترفع الفاعل متلوا بصفة) مطابقة له ، نحو : قل رجل يقول ذلك ، وقل رجلان يقولان ذلك ، بمعنى ما رجل.

(ويكف عنه بما) الكافة (فلا يليها غير فعل اختيارا) ولا فاعل لها ؛ لإجرائها مجرى حرف النفي ، نحو : قلما قام زيد ، وقد يليها الاسم ضرورة كقوله :

١٤٠١ ـ ... وقلّما

وصال على طول الصدود يدوم

 (و) منه (تبارك) من البركة (وهدك من رجل) وهدتك من امرأة بمعنى كفاك وكفتك ، (وسقط في يده) بمعنى ندم ، (وكذب في الإغراء) بمعنى وجب ، كقول عمر : كذب عليكم الحج (٢) ، أي : وجب ، قال ابن السكيت : بمعنى عليكم به كلمة نادرة جاءت على غير القياس ، وقال الأخفش الحج مرفوع به ومعناه نصب ؛ لأنه يريد الأمر به كقولهم : أمكنك الصيد ، يريد ارمه ، وقال أبو حيان : الذي تقتضيه القواعد في مثل هذا أنه من باب الإعمال والمرفوع فاعل (كذب) ، وحذف مفعول عليك ، أي : عليكم لفهم المعنى ، وإن نصب فهو ب : (عليك) ، وفاعل كذب مضمر يفسره ما بعده على رأي سيبويه ، أو محذوف على رأي الكسائي ، وهذه الأفعال المذكورة لم يستعمل منها إلا الماضي ، والرابع منها لم يستعمل إلا مبنيا للمفعول و (في يده) مرفوعه.

قال أبو حيان : لكن قرئ سقط بالبناء للفاعل ، أما (قل) مقابل (كثر) ، وكذب بمعنى اختلق أو أخطأ أو أبطل فمتصرفة ، (ويهيط) يصيح ويضيج لم يستعمل إلا مضارعا ، يقال : ما زال منذ اليوم يهيط هيطا ، (وأهلم) بفتح الهمزة والهاء وضم اللام وبضم الهمزة وكسر اللام لم يستعمل منه الماضي ولا الأمر في أكثر اللغات ، (وأهاء) مبني للفاعل بمعنى آخذ ، وللمفعول بمعنى أعطي لم يستعمل منه غير المضارع.

__________________

١٤٠١ ـ البيت من الطويل ، وهو للمرار الفقعسي في ديوانه ص ٤٨٠ ، والأزهية ص ٩١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٠٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ٥٨٢ ، ٥٩٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٤٤ ، وخزانة الأدب ١ / ١٤٥ ، والخصائص ١ / ١٤٣ ، ٢٥٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٦.

(١) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٥ / ١٧٢ (٩٢٧٦).

١١

(وإنما يليان لا ولم) بكسر اللام وفتح الميم ، فيقال في جواب (ها) : لا أها ولم أها ، ولا أهلم ولم أهلم ، (لا تنفيسا على الصحيح ، وهاء) بالمد والكسر (وها) بالقصر والسكون معنى خذ وتلحقها الضمائر ، فيقال في هاء : هاي ، هائها ، هاؤوا ، هائين وهاؤم وهاأن ، (وعم صباحا) بمعنى أنعم صباحا لم يستعمل منه إلا أمر ، (وينبغي) لم يستعمل منه إلا المضارع ، (وقال أبو حيان : سمع ماضيهما ومضارع عم) قال يونس : وعمت الدار أعم ، قلت لها : انعمي ، وقال الأعلم : وعم يعم بمعنى نعم ينعم ، قال :

١٤٠٢ ـ وهل يعمن من كان في العصر الخالي

وقال ابن فارس : بغيته فانبغى ككسرته (فانكسر ، وهات وتعال ، وبما قيل : هاتي بهاتي ، وهلم التميمية) لم يستعمل منها إلا الأمر ، أما الحجازية فهي اسم فعل لا تلحقه الضمائر ، (وقال ابن كيسان) في تصريفه : (ونكر) ضد عرف ، (ويسوي) بمعنى يساوي لم يستعمل من الأول إلى إلا الماضي ، ومن الثاني إلا المضارع ، وذكر الأول أيضا البهاري والثاني ابن الحاج ، (واستغني غالبا ب : ترك) الماضي (والترك) المصدر (وتارك) اسم الفاعل ، (ومتروك) اسم المفعول (عنها) أي : عن استعمال هذه الصيغ (من وذر وودع) ، فعلى هذا يعدان في الجوامد ؛ إذ لم يستعمل منهما إلا الأمر ، ومن غير الغالب ما قرئ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٣] مخففا ، وحديث أبي داود وغيره : «دعوا الحبشة ما ودعوكم» (٢) ، وحديثه : «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات» (٣) ، وحديث البخاري : «غير مكفي ولا مكفور ولا مودع» (٤) ، وقول الشاعر :

١٤٠٣ ـ جرى وهو مودوع ووادع

__________________

١٤٠٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٧ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٠ ، ٣٢٨ ، ٣٣٢ ، ٢ / ٣٧١ ، ١٠ / ٤٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٠ ، والكتاب ٤ / ٣٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٤٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٠٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٦٩ ، ٢ / ٢٩٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٣.

١٤٠٣ ـ هذا عجز بيت من الطويل وصدره :

إذا ما استحمت أرضه من سمائه

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب الملاحم ، باب في النهي عن تهييج الترك والجشة (٤٣٠٢).

(٢) أخرجه مسلم ، كتاب الجمعة ، باب التغليظ في ترك الجمعة (٨٦٥).

(٣) أخرجه البخاري ، كتاب الأطعمة ، باب ما يقول إذا فرغ من طعامه (٥٤٥٩). ـ

١٢

نعم وبئس

(ومنه) أي : الجامد (نعم وبئس) فعلان (لإنشاء المدح والذم) ، قال الرضي : وذلك أنك إذا قلت : نعم الرجل زيد فإنما تنشئ المدح وتحدثه بهذا اللفظ وليس المدح موجودا في الخارج في أحد الأزمنة مقصودا مطابقة هذا الكلام إياه حتى يكون خبرا ، بل يقصد بهذا الكلام مدحه على جودته الحاصلة خارجا ، فقول الأعرابي لمن بشره بمولودة وقال :نعم المولود : والله ما هي بنعم المولودة ، ليس تكذيبا له في المدح ؛ إذ لا يمكن تكذيبه فيه ، بل هو إخبار بأن الجودة التي حكمت بحصولها في الخارج ليست بحاصلة ، فهو إنشاء جزؤه الخبر ، وكذلك الإنشاء التعجبي ، والإنشاء الذي في كم الخبرية ورب ، هذا غاية ما يمكن ذكره في تمشية ما قالوا من كون هذا الأشياء للإنشاء.

قال : ومع هذا فلي فيه نظر ؛ إذ يطرد ذلك في جميع الأخبار ؛ لأنك إذا قلت : زيد أفضل من عمرو لا ريب في كونه خبرا ؛ إذ لا يمكن أن يكذب في التفضيل ، ويقال لك : إنك لم تفضل ، بل التكذيب إنما يتعلق بأفضلية زيد ، وكذا إذا قلت : زيد قائم فهو خبر بلا شك ولا يدخله التصديق والتكذيب من حيث الإخبار إذ لا يقال لك : أخبرت أو لم تخبر ؛ لأنك أوجدت بهذا اللفظ الإخبار ، بل يدخلان من حيث القيام ، ويقال : إن القيام حاصل أو ليس بحاصل ، فكذا قوله : ليس بنعم المولودة بيان أن النعمية ، أي : الجودة المحكوم بثبوتها خارجا ليست بثابتة ، وكذا في التعجب وفي كم ورب انتهى.

(وعن الفراء أنهما اسمان) لدخول حرف الجر عليهما في قوله : (والله ما هي بنعم الولد) ، وقولهم : (نعم السير على بئس العير) ، وأجيب بأن حرف الجر والإضافة في قوله:

١٤٠٤ ـ بنعم طير وشباب فاخر

والنداء في قولهم : يا نعم المولى ونعم النصير ، ودخول لام الابتداء عليهما في خبر إن ولا يدخل على الماضي ، والإخبار عنهما فيما حكى الرواسي : (فيك نعم الخصلة) ،

__________________

ـ وهو لخفاف بن ندبة في ديوانه ص ٣٣ ، وإصلاح المنطق ص ٧٣ ، والأصمعيات ص ٢٤ ، والخزانة ٦ / ٤٧٢ ، واللسان ٧ / ١١٢ ، مادة (أرض) ، ٨ / ٣٨١ ، مادة (ودع) ، ١٠ / ١٩٥ ، مادة (صدق) ، ولسلمة بن خرشب في المعاني الكبير ص ١٥٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٠٤ ، والمحتسب ٢ / ٢٤٢ ، والخصائص ٢ / ٢١٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٠٨.

١٤٠٤ ـ الرجز بلا نسبة في لسان العرب ١٢ / ٥٨٢ ، مادة (نعم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٨.

١٣

وعطفهما على الاسم فيما حكى الفراء : الصالح وبئس الرجل في الحق سواء ، وعدم التصرف والمصدر.

وأجيب بأن حرف الجر والنداء قد يدخلان على ما لا خلاف في فعليته ، بتأويل موصوف أو منادى مقدر ، وكذا في الإخبار والعطف ، أي : فيك خصلة نعمت الخصلة ، ورجل بئس الرجل ، وبأن نعم في (نعم طير) سمي بها محكية ، ولذا فتحت ميمها ، وبأن عدم التصرف والمصدر لا يدلان على الاسمية بدليل ليس وعسى ونحوهما ، ويدل لفعليتهما لحوق تاء التأنيث الساكنة بهما في كل اللغات ، وضمير الرفع في لغة حكاها الكسائي ، وقيل : لا خلاف في أنهما فعلان ، وإنما الخلاف فيهما بعد الإسناد إلى الفاعل ، فالبصريون يقولون : نعم الرجل وبئس الرجل جملتان فعليتان ، وغيرهم يقول : اسمان محكيان نقلا عن أصلهما ، وسمي بهما المدح والذم كتأبط شرا ، ونحوه.

(وأصلهما فعل) بفتح الفاء وكسر العين ، وقد يردان به ، قال طرفة :

١٤٠٥ ـ ما أقلّت قدم إنّهم

نعم السّاعون في الأمر المبر

 (و) قد يردان (بسكون العين وفتح الفاء) تخفيفا ، قال أبو حيان : ولم يذكروا له شاهدا (وكسرهما) إتباعا ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [النساء : ٥٨] ، (وكذا كل ذي عين حلقية) أي : هي حرف حلق (من فعل) بالفتح والكسر (اسما) كان (أو فعلا) يرد بهذه اللغات الأربع نحو : فخذ فخذ فخذ فخذ ، شهد شهد شهد شهد ، قال :

١٠٤٦ ـ إذا غاب عنّا غاب عنّا ربيعنا

وإن شهد أجدى خيره ونوافله

قال أبو حيان : ويشترط في ذلك ألا يكون مما شذت به العرب في فكه ، نحو : لححت عينه ، أو اتصل بآخره ما يسكن له نحو : شهدت ، ولا اسم فاعل معتل اللام نحو :ثوب ضح ، أي : متسخ ، فلا يجوز التسكين فيها ، (ويقال) : في بئس (بيس) بفتح الباء وياء ساكنة مبدلة من الهمزة على غير قياس ، حكاها الأخفش والفارسي ، ويقال في نعم : نعيم

__________________

١٤٠٥ ـ البيت من الرمل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٥٨ مع اختلاف كبير في الرواية ، والإنصاف ١ / ١٢٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٧٦ ، ٣٧٧ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٨٧ ، مادة (نعم) ، والمحتسب ١ / ٣٤٢ ، ٣٥٧ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٢٨ ، والمقتضب ٢ / ١٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٠ ، وفي نسخة (ناعلها) بدلا من (إنهم).

١٤٠٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للأخطل في ديوانه ص ٢٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤١ ، والكتاب ٤ / ١١٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠١.

١٤

بالإشباع حكاه الصفار ، قال أبو حيان : وذلك شذوذ لا لغة ، قال : وذكر بعض أصحابنا أن الأفصح نعم وهي لغة القرآن ، ثم نعم وعليه : (فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : ٢٧١] ، ثم نعم وهي الأصلية ، ثم نعم (وفاعلهما) ظاهر (معرف بأل) نحو : (نِعْمَ الْمَوْلى) [الأنفال : ٤٠] ، (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) [البقرة : ٢٠٦] ، (أو مضاف لما هي فيه) نحو : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل : ٣٠] ، (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [غافر : ٧٦] ، (أو مضاف لمضاف إليه) أي : إلى ما هي فيه كقوله :

١٤٠٧ ـ فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب

وقوله :

١٤٠٨ ـ فنعم ذوو مجاملة الخليل

(قيل : أو) مضاف إلى ضمير (عائد عليه) أي : على ما هي فيه كقولهم :

١٤٠٩ ـ فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها

والأصح أنه لا يقاس عليه لقلته ، (وهي) أي : أل التي في فاعلهما (جنسية عند الجمهور) بدليل عدم لحوقهما التاء حيث الفاعل مؤنث في الأفصح ، واختلف على هذا (فقيل) : للجنس (حقيقة) فالجنس كله هو الممدوح أو المذموم ، والمخصوص به فرد من أفراده مندرج تحته ، وقصد ذلك مبالغة في إثبات المدح أو الذم للجنس الذي هو مبهم ؛ لئلا يتوهم كونه طارئا على المخصوص ، وقيل : تعديته إليه بسببه ، وقيل : قصد جعله عاما ليطابق الفعل ؛ لأنه عام في المدح ، ولا يكون الفعل عاما والفاعل خاصا ، (وقيل) : للجنس (مجازا) فجعل المخصوص جميع الجنس مبالغة ولم يقصد غير مدحه أو ذمه.

(وقال قوم) : هي (عهدية ذهنية) كما تقول : اشتريت اللحم ولا تريد الجنس ، ولا معهودا تقدم ، وأريد بذلك أن يقع إبهام ، ثم يأتي التفسير بعده تفخيما للأمر ، وقال أبو

__________________

١٤٠٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي طالب في خزانة الأدب ٢ / ٧٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٧٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٣٥.

١٤٠٨ ـ البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٧٨١.

١٤٠٩ ـ الشطر من الطويل ، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية ٤ / ١١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٧١ ، ٣ / ٢٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣١٢.

١٥

إسحاق بن ملكون وأبو منصور الجواليقي وأبو عبد الله الشلوبين الصغير : عهدية شخصية ، والمعهود هو الشخص الممدوح والمذموم ، فإذا قلت : زيد نعم الرجل فكأنك قلت : نعم هو ، واستدل هؤلاء بتثنيته وجمعه ولو كان عبارة عن الجنس لم يسغ فيه ذلك ، ويجوز إتباعه ، أي : فاعلهما ببدل وعطف ، ويجوز مباشرتهما لنعم وبئس لا بصفة في الأصح وهو رأي الجمهور لما فيها من التخصيص المنافي للشياع المقتضي منه عموم المدح والذم ، وأجازه ابن السراج والفارسي وابن جني في قوله :

١٤١٠ ـ لبئس الفتى المدعوّ باللّيل حاتم

(وثالثها) وهو رأي ابن مالك (يجوز إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال) اللائقة في المدح والذم بخلاف ما إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس ؛ لأن تخصيصه مناف لذلك ، (ولا توكيد معنوي قطعا) ، كذا قاله ابن مالك ، وعلله بأن القصد بالتوكيد من رفع توهم المجاز أو الخصوص مناف للقصد بفاعل نعم من إقامته مقام الجنس ، أو تأويله بالجامع لأكمل خصال المدح أو الذم ، قال أبو حيان : ومن يرى أن أل عهدية شخصية لا يبعد أن يجيز نعم الرجل نفسه زيد (وفي) إتباعه بالتوكيد (اللفظي احتمالان) ، وأجازه ابن مالك فيقال : نعم الرجل الرجل زيد ، وقال أبو حيان : ينبغي ألا يجوز إلا بسماع.

(ولا يفصل) بين نعم وفاعلها بظرف ولا غيره ، قاله ابن أبي الربيع والجمهور ، وفي «البسيط» : يجوز الفصل لتصرف هذا الفعل في رفعه الظاهر والمضمر ، وعدم التركيب.

(وثالثها) قاله الكسائي ، يجوز بمعموله ، أي : الفاعل نحو : نعم فيك الراغب ، قال أبو حيان : وفي الشعر ما يدل له قال :

١٤١١ ـ وبئس من المليحات البديل

قال : وورد الفصل ب : (إذن) وبالقسم في قوله :

__________________

١٤١٠ ـ البيت من الطويل ، وهو ليزيد بن قنانة في خزانة الأدب ٩ / ٤٠٥ ، ٤٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٦٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧٣ ، ٣ / ٣١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥٨.

١٤١١ ـ البيت من الوافر ، وهو لرفاعة بن عاصم الفقعسي في تذكرة النحاة ص ٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٤.

١٦

١٤١٢ ـ لبئس إذن راعي المودّة والوصل

وقوله :

١٤١٣ ـ بئس عمر الله قوم طرقوا

(أو يكون ضميرا) مستترا (خلافا للكسائي) في منعه ذلك قال في نحو : نعم رجلا زيد الفاعل هو زيد ، والمنصوب حال وتبعه دريود ، وقال الفراء : تمييز محول عن الفاعل ، والأصل نعم الرجل زيد ، وعلى الأول هذا الضمير يكون (ممنوع الإتباع) فلا يعطف عليه ولا يبدل منه ، ولا يؤكد بضمير ولا غيره لشبهه بضمير الشأن في قصد إبهامه تعظيما لمعناه ، وما ورد من نحو : (نعم هم قوما أنتم) فشاذ (مفسرا بتمييز مطابق للمعنى) في الإفراد والتذكير وفروعهما ، (عام في الوجود غير متوغل في الإبهام ، ولا ذي تفضيل) بخلاف نحو : الشمس والقمر ، فلا يقال : نعم شمسا هذه الشمس.

ونحو غير ومثل وأي وما دل على مفاضلة ، فلا يقال : (نعم أفضل منك زيد) ؛ لعدم قبول ما ذكر ل : (أل) ، ولكونه خلفا عن فاعل مقرون بها اشترط صلاحيته لها ، (جائز الوصف) نحو : نعم رجلا صالحا زيد ، نقله أبو حيان عن «البسيط» جازما به.

(وكذا الفصل) نحو : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : ٥٠] ، (خلافا لابن أبي الربيع) في قوله : يمنع الفصل بين نعم والمفسر ، (قيل) : وجائز الحذف أيضا إذا علم (نحو) : حديث : «من توضأ يوم الجمعة (فبها ونعمت)» (٣) ، ونعمت السنة سنة أو رخصة فعلية ، أي :فبالسنة أخذ ، وعليه ابن عصفور وابن مالك ، ونص سيبويه على لزوم ذكره ، (وفي الجمع بينه) أي : التمييز (وبين) الفاعل (الظاهر) أقوال :

__________________

١٤١٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي هلال الأحدب في طبقات الشعراء ص ٣٢٩ ، وللمجنون في ديوانه ص ١٨١ ، وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٧.

١٤١٣ ـ البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩١.

(١) أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب في الرخصة في ترك العمل يوم الجمعة (٣٥٤) ، والترمذي ، كتاب الجمعة ، باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة (٤٩٧).

١٧

أحدها : لا يجوز ؛ إذ لا إبهام يرفعه التمييز وعليه سيبويه والسيرافي وجماعة.

ثانيها : يجوز وعليه المبرد وابن السراج والفارسي ، واختاره ابن مالك قال : ولا يمنع منه زوال الإبهام ؛ لأن التمييز قد يجاء به توكيدا ، ومما ورد منه قوله :

١٤١٤ ـ والتّغلبيّون بئس الفحل فحلهم

فحلا ...

وقوله :

١٤١٥ ـ نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

(ثالثها) : وعليه ابن عصفور (يجوز إن أفاد) التمييز (ما لم يفده) الفاعل نحو : نعم الرجل رجلا فارسا ، وقوله :

١٤١٦ ـ فنعم المرء من رجل تهامي

ولا يجوز إن لم يفد ذلك ، (ولا يؤخر) هذا التمييز (عن المخصوص اختيارا) فلا يقال : نعم زيد رجلا ، إلا في ضرورة ، (خلافا للكوفية) في تجويزهم تأخيره عنه أما تأخره عن الفعل فواجب قطعا ، (ولا يكون الفاعل) لنعم وبئس (نكرة اختيارا) ، وإن ورد فضرورة كقوله :

١٤١٧ ـ بئس قرينا يفن هالك

__________________

١٤١٤ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٩٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٨٧ ، ولسان العرب ١٠ / ٣٥٥ ، مادة (نطق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٠٠.

١٤١٥ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٧٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٦٢ ، ومغني اللبيب ص ٤٦٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦.

١٤١٦ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في شرح التصريح ١ / ٣٩٩ ، ٢ / ٩٦ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٧ ، ٤ / ١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٦٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ ، والمقرب ١ / ٦٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٧.

١٤١٧ ـ الرجز بلا نسبة في أمالي القالي ٢ / ١٨٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٨٩ ، ولسان العرب ١٠ / ٤٩٦ ، مادة (ملك) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢٤.

١٨

وقوله :

١٤١٨ ـ فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

(خلافا للكوفية) ، وموافقيهم في إجازتهم ذلك لما حكى الأخفش أن ناسا من العرب يرفعون بهما النكرة مفردة ومضافة ، (ولا يكون موصولا) قاله الكوفيون وكثير من البصريين ، (وجوزه المبرد في الذي) الجنسية كقوله :

١٤١٩ ـ بئس الذي ما أنتم آل أبجرا

قال ابن مالك : وظاهر قول الأخفش أنه يجيز نعم الذي يفعل زيد ، ولا يجيز نعم من يفعل ، قال : ولا ينبغي أن يمنع ؛ لأن الذي يفعل بمنزلة الفاعل ، ولذلك اطرد الوصف به ، ومقتضى النظر الصحيح ألا يجوز مطلقا ولا يمنع مطلقا ، بل إذا قصد به الجنس جاز ، أو العهد منع انتهى.

والمانعون مطلقا عللوا بأن ما كان فاعلا لنعم وكان فيه أل كان مفسرا للضمير المستتر فيها إذا نزعت منه ، والذي ليس كذلك ، (و) جوزه (قوم في من وما) مرادا بهما الجنس كقوله :

١٤٢٠ ـ ونعم من هو في سرّ وإعلان

وتأوله غيرهم على أن الفاعل مضمر ومن في محل نصب تمييزه.

__________________

١٤١٨ ـ البيت من البسيط ، وهو لكثير بن عبد الله النهشلي في شرح شواهد الإيضاح ص ١٠٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٧ ، وله أو لأوس بن مغراء أو لحسان بن ثابت في خزانة الأدب ٩ / ٤١٥ ، ٤١٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣١ ، وليس في ديوان حسان ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧١ ، والمقرب ١ / ٦٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٤.

١٤١٩ ـ صدر البيت :

لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم

والبيت من الطويل ، وهو للأبيرد في لسان العرب ٩ / ٣٢٧ ، مادة (نزف) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٢١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٩٣ ، والمحتسب ٢ / ٣٠٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣١٢.

١٤٢٠ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٠٩٨ ، ١٣٠٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤١٠ ، ٤١١ ، ٤١٢ ، ٤١٤ ، وشرح الأشموني ١ / ٧٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٤١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٩٠ ، ولسان العرب ١ / ٩١ ، مادة (زكأ) ومغني اللبيب ١ / ٣٢٩ ، ٤٣٥ ، ٤٣٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١٧.

١٩

(ومن ثم) أي : من هنا وهو أن فاعلهما لا يكون موصولا (قال المحققون) منهم سيبويه : (إن ما في) نعم وبئس الواقع بعدها فعل (نحو : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا)) [البقرة : ٩٠] نعم ما صنعت (معرفة تامة) أي : لا يفتقر إلى صلة (فاعل) ، والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف ، أي : نعم الشيء شيء اشتروا ، قال في شرح «الكافية» : ويقويه كثرة الاقتصار عليها في نحو : غسلته غسلا نعما ، والنكرة التالية نعم لا يقتصر عليها ، (وقيل : نكرة تمييز) والفعل بعدها صفة لها ، أو بمعنى شيء صفتها الفعل ، أي : بئس شيئا شيء اشتروا ، أقوال. ورد بأن التمييز يرفع الإبهام ، وما يساوي المضمر في الإبهام فلا يكون تمييزا.

(وثالثها) هي (موصولة) صلتها الفعل ، والمخصوص محذوف أو هي المخصوص ، و (ما) أخرى تمييز محذوف ، أي : نعم شيئا الذي صنعته ، أو هي الفاعل واكتفي بها وبصلتها عن المخصوص أقوال.

(ورابعها : مصدرية) ، ولا حذف والتقدير نعم صنعك وبئس شراؤهم.

(وخامسها : نكرة موصوفة فاعل) يكتفى بها وبصلتها عن المخصوص.

(وسادسها : كافة) كفت نعم وبئس كما كفت قل ، وصارت تدخل على الجملة الفعلية.

(وفي) (ما) إذا وليها اسم نحو : (نعما هي) القولان (الأولان) :

أحدهما : أنها معرفة تامة فاعل بالفعل وهو قول سيبويه والمبرد وابن السراج والفارسي.

والثاني : أنها نكرة غير موصوفة تمييز ، والفاعل مضمر والمرفوع بعدها هو المخصوص.

(وثالثها) : أن (ما) (مركبة) مع الفعل (لا محل لها) من الإعراب والمرفوع فاعل (وشذ كونه) أي : الفاعل (إشارة) متبوعا بذي اللام كقوله :

١٤٢١ ـ بئس هذا الحيّ حيّا ناصرا

__________________

١٤٢١ ـ البيت من الرمل ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٦.

٢٠