همع الهوامع - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

الجمع (ويرجح الرفع بالابتداء فيما عدا ذلك) نحو : زيد رأيته وإن زيد لقيته.

مسألة (ملابسة الضمير بنعت) نحو : هند أكرمت رجلا يحبها (أو) عطف (بيان) نحو : زيد ضربت عمرا أخاه (أو) عطف (نسق بالواو غير معاد معه) العامل نحو : زيد ضربت عمرا وأخاه ، (وقيل : أم ثم أو أو) نحو : زيد رأيت عمرا ثم أخاه أو أو أخاه (كهي بدونه) بخلاف العطف بغير الثلاثة ، وكذا بغير الواو على الأصح لاختصاصها بمعنى الجمع ، وبخلاف البدل ؛ لأنه على تكرار العامل فتخلو الجملة الواقعة خبرا من الربط ، وبخلاف ما إذا أعيد العامل.

(والنصب هنا) أي : في باب الاشتغال (قال الجمهور : بفعل واجب الإضمار من لفظ الظاهر) إن أمكن كما في الأمثلة السابقة (أو معناه) إن لم يمكن نحو : إن زيدا مررت به فأحسن إليه ، فيقدر إن جاوزت زيدا مررت به (مقدما) على الاسم (خلافا للبيانيين) في قولهم بتقديره مؤخرا ، (و) قال (الكسائي) النصب (بالظاهر) أي : الفعل المؤخر على كونه ملغى (غير عامل في الضمير) بأن يلغى.

ورد بأن الضمير قد لا يتعدى إليه الفعل إلا بحرف جر فكيف يلغى ، وينصب الظاهر وهو لا يتعدى إليه أيضا إلا بحرف جر نحو : (زيدا غضبت عليه) ، وأيضا فلا يمكن الإلغاء في السبب ؛ لأنه مطلوب الفعل في الحقيقة نحو : زيدا ضربت غلام رجل يحبه ، (و) قال (الفراء) : الفعل (عامل فيهما) أي : في الاسم والضمير معا ورد بلزوم تعدي الفعل المتعدي إلى واحد إلى اثنين ، والمتعدي إلى اثنين إلى ثلاثة ، وهو خرم للقواعد ، (وجوزه قوم) في المشتغل عنه بمجرور نحو : زيد مررت به (جر السابق بما جر الضمير) فيقال : بزيد مررت به ، وقرئ : وللظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان : ٣١] ، والجمهور على المنع ؛ لأن الجار منزل من الفعل منزلة الجزء منه ؛ لأنه يصل به إلى معموله كما يصل بهمزة النقل فكما لا يجوز إضمار بعض اللفظة وإبقاء بعضها لا يجوز ، هذا والقراءة مؤولة على تعلق اللام ب : (أعد) الظاهر ، و (لهم) بدل منه ، (ويجوز رفعه) أي : المشتغل عنه مطلقا (بإضمار كان أو فعل للمجهول خلافا لابن العريف ، لا بمطاوع خلافا لابن مالك) حيث قال : إذا كان للفعل المشتغل مطاوع جاز أن يضمر ويرفع به السابق كقول لبيد :

١٥٣٠ ـ فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

__________________

١٥٣٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٣.

٨١

قال : فأنت فاعل لم ينفع مضمرا وجاز إضماره ؛ لأنه مطاوع (ينفع) والمطاوع يستلزم المطاوع ويدل عليه ، قال أبو حيان : وهذا منعه أصحابنا وأولوا البيت على أنه مما وضع فيه ضمير الرفع موضع ضمير النصب ، أو رفع بإضمار فعل يفسره المعنى وليس من باب الاشتغال.

(واختلف هل شرط الاشتغال أن ينتصب الضمير والسابق من جهة واحدة) فقيل : نعم وعليه الفارسي والسهيلي والشلوبين في أحد قوليه ، فإن كان نصب الضمير على المفعولية شرط نصب السابق عليها أو الظرفية فكذلك ، ولا يجوز نصب الضمير على المفعولية مثلا ، والسابق على المفعول له أو الظرف فلا يقال : زيدا قمت إجلالا له أو زيدا جلست مجلسه ، وقيل : لا يشترط ذلك ، وعليه سيبويه والأخفش والشلوبين في آخر قوليه ، قال سيبويه : أعبد الله كنت مثله ، أي : أأشبهت عبد الله فانتصب السابق مفعولا والمتأخر خبرا ل : (كان).

خاتمة

(الاشتغال في الرفع) بأن يكون في الاسم على الابتدائية أو على إضمار فعل ، (كالنصب فيجب الابتداء في زيد قام) لعدم تقدم ما يطلب النصب لزوما أو اختيارا (خلافا لابن العريف) أبي القاسم حسين بن الوليد حيث جوز فيه الفاعلية بإضمار فعل يفسره الظاهر ، قال أبو حيان : وهي نزعة كوفية ، أي : لبنائه على جواز تقدم الفاعل على الفعل ، (ويرجح الابتداء في) نحو : (خرجت فإذا زيد قد ضربه عمرو) لرجحان مرفوع الاسم بعد (إذا) ، وجواز وقوع الفعل مع قد بعدها بقلة ، (وتجب الفاعلية في) نحو : (إن زيد قام) لما تقدم من اختصاص أدوات الشرط بالفعل ، (خلافا للأخفش) في قوله بجواز الابتداء أيضا مع رجحان الفاعلية عنده ، (وترجح) الفاعلية (في) نحو : (أزيد قام خلافا للجرمي) في قوله بجواز الابتداء فيه (ويستويان) أي : الابتداء والفاعلية (في أزيد قام وعمرو قعد) لأن الجملة الأولى ذات وجهين فالابتداء عطفا على الصدر ، والفاعلية عطفا على العجز ، (وجوز قوم نصب) نحو : (أزيد ذهب به على إسناد ذهب للمصدر) أي : إلى ضميره وهو الذهاب ، وكأنه قيل : أذهب هو ، أي : الذهاب بزيد فيكون (به) في موضع نصب ، وضعفه ابن مالك بأنه مبني على الإسناد إلى المصدر الذي تضمنه الفعل ، ولا يتضمن الفعل إلا مصدرا غير مختص والإسناد إليه منطوقا به غير مفيد فكيف إذا لم يكن منطوقا به ، وسيبويه والجمهور على منع النصب.

٨٢

(وشرط المشغول عنه قبول الإضمار فلا يصح) الاشتغال (عن حال وتمييز ومصدر مؤكد ومجرور بما لا يجر المضمر) ، كحتى والكاف جزم بذلك أبو حيان في شرح «التسهيل» ، قال : بخلاف الظرف والمفعول له والمجرور والمفعول معه فيجوز الاشتغال عنها نحو : يوم الجمعة لقاؤك فيه ، والله أطعمت له ، والخشبة استوى الماء وإياها ، قال : وأما المصدر فإن اتسع فيه جاز الاشتغال عنه نحو : الضرب الشديد ضربته زيدا ، وكذا المفعول المطلق ؛ لأنه مفعول ، وإن كان مفعولا له بني على الإضمار إن جوزناه جاز ، وإلا فلا.

***

٨٣

الكتاب الخامس :

في التوابع وعوارض التركيب

حد ابن مالك في «التسهيل» التابع فقال : هو ما ليس خبرا من مشارك ما قبله في إعرابه وعامله مطلقا ، مخرجا بالقيد الأخير المفعول الثاني والحال والتمييز ، قال أبو حيان : ولم يحده جمهور النحاة ؛ لأنه محصور بالعد ، فلا يحتاج إلى حد ، فلذلك قلت : (التوابع : نعت وعطف بيان وتوكيد وبدل وعطف نسق) لأنه إما أن يكون بواسطة حرف فالنسق ، أو لا وهو على نية تكرار العامل فالبدل ، أو لا وهو بألفاظ محصورة فالتأكيد ، أو لا وهو جامد فالبيان ، أو مشتق فالنعت.

(وإذا اجتمعت رتبت كذلك) بأن يقدم النعت ؛ لأنه كجزء من متبوعه ، ثم البيان ؛ لأنه جار مجراه ، ثم التأكيد ؛ لأنه شبيه بالبيان في جريانه مجرى النعت ، ثم البدل ؛ لأنه تابع كلا تابع ؛ لكونه مستقلا ، ثم النسق ؛ لأنه تابع بواسطة ، ولهذا ناسب ذكرها في الوضع على هذا الترتيب بخلاف ابتداء «التسهيل» بالتوكيد فيقال : جاء أخوك الكريم محمد نفسه رجل صالح ورجل آخر ، وكذا لو كان التأكيد بالتكرر نحو : جاء زيد العاقل زيد ، قال :

ويل له ويل طويل

(وقدم قوم التأكيد على النعت) فيقال : قام زيد نفسه الكاتب ، ورد بأن التأكيد لا يكون إلا بعد تمام البيان ، ولا يحصل ذلك إلا بالنعت ، (وينبغي تقديم) عطف (البيان) لأنه أشد في التبيين من النعت ؛ إذ لا يكون لغيره ، والنعت يكون مدحا وذما وتأكيدا ، (وتتبع) كلها (المتبوع في الإعراب ، ثم قال المبرد وابن السراج وابن كيسان : العامل في الثلاثة الأول) النعت والبيان والتأكيد (عامله) أي : المتبوع ينصب عليها انصبابة واحدة ، (وعزي للجمهور ، وقال الخليل وسيبويه والأخفش والجرمي) : العامل فيها (التبعية).

ثم اختلف (فقيل) : المراد التبعية (من حيث المعنى) أي : اتحاد معنى الكلام اتفق

٨٤

الإعراب أو اختلف ، (وقيل) : المراد الاتحاد (من حيث الإعراب) ولو اختلفت جهته ، (وقيل) : اتحاد الإعراب (بشرط اتحادها) أي : جهته بأن تكون العوامل من جنس واحد ولا تكون مختلفة ، (والأكثر) على (أن العامل في البدل مقدر بلفظ الأول) فهو من جملة ثانية لا من الأولى ؛ لظهوره في بعض المواضع كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥] ، (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها) [الأنعام : ٩٩] ، (مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) [الروم : ٣١ ـ ٣٢] ، (لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) [الزخرف : ٣٣] ، (وقيل : هو) العامل (نيابة عنه) أي : عن المقدر ، (حكاه) أبو حيان عن (ابن عصفور) قال : لما حذفت العرب عامل البدل عوضت منه العامل في المبدل منه ، فتولى من العمل ما كان يتولاه ذلك المحذوف ، كما أنهم لما عوضوا الظرف والمجرور في نحو : زيد عندك قائما ، وفي الدار جالسا ، من مستقر المحذوف توليا من العمل ما له فنصبا الحال ورفعا الضمير ، (وقيل) : هو العامل (أصالة) من غير نية تكرار عامل ، وعليه المبرد وابن مالك ، (و) الأكثر على أن العامل (في النسق الأول بواسطة الحرف ، وقيل) : العامل فيه (مقدر) بعد الحرف ، (وقيل) : العامل فيه (الحرف) نفسه.

وثمرة الخلاف عدم جواز الوقف على المتبوع دون التابع عند من قال العامل فيه هو الأول (ولو قيل : العامل في الكل المتبوع لكان له شواهد) تؤيده ، منها قولهم : إن المبتدأ عامل في الخبر والمضاف عامل في المضاف إليه ولم أر أحدا قال بذلك هنا.

(ويجوز فصلها) أي : التوابع (من المتبوع بغير مباين محض) كمعمول الوصف نحو :(ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) [ق : ٤٤] ، والموصوف نحو : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ عالِمِ الْغَيْبِ) [المؤمنون : ٩١ ـ ٩٢] ، والعامل فيه نحو : أزيدا ضربت القائم ، والمفسر نحو : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء : ١٧٦] ، والمبتدأ الذي خبره في متعلق الموصوف نحو : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ١٠] ، والخبر نحو : زيد قائم العاقل ، وجواب القسم نحو : (بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ) [سبأ : ٣] ، والاعتراض نحو : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦] ، والاستثناء نحو : ما جاءني أحد إلا زيدا خير منك ، ومن الفصل بين التأكيد والمؤكد : (وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) [الأحزاب : ٥١] ، ومن العطف والمعطوف (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] ، بين الأيدي والأرجل ، وحسن ذلك أن المجموع عمل واحد وقصد الإعلام بترتيبه ، وبين البدل والمبدل منه : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) [المزمل : ٢ ـ ٣] ، ولا يجوز الفصل بمباين محض ، أي : أجنبي بالكلية

٨٥

من التابع والمتبوع فلا يقال : مررت برجل على فرس عاقل أبلق ، وشذ قوله :

١٥٣١ ـ قلت لقوم في الكنيف : تروّحوا

عشيّة بتنا عند ماوان رزّح

 (لا نعت) منعوت (مبهم ونحوه) مما لا يستغني عن الصفة ، أي : لا يجوز الفصل فيه فلا يقال في (ضرب هذا الرجل زيدا) (وطلعت الشعرى العبور) : ضربت هذا زيدا الرجل ، والشعرى طلعت العبور ، قال في شرح «الكافية» : ومنه المعطوف المتمم وما لا يستغنى عنه من الصفات نحو : إن امرأ ينصح ولا يقبل خاسر ، فلا يجوز الفصل ب : (خاسر) بين (ينصح) ومعطوفه ؛ لأنهما جزءا صفة لا يستغنى بأحدهما عن الآخر ، وكذا كل نعت ملازم التبعية كأبيض يقق ونحوه.

ومنه توابع التوكيد (أجمع) وما بعده لا يفصل بينهما وبين كل ، (ولا التأكيد) أي : لا يفصل بينه وبين المؤكد (بإما على الأصح) فلا يقال : مررت بقومك إما أجمعين وإما بعضهم ، ولا مررت بهم إما كلهم وإما بعضهم ، وأجازه الكسائي والفراء.

(ولا يقدم معمولها) أي : التوابع على المتبوع ؛ لأن المعمول لا يحل إلا في موضع يحل فيه العامل ، ومعلوم أن التابع لا يتقدم على المتبوع ، (خلافا للكوفية) في تجويزهم ذلك فيقال : هذا طعامك رجل يأكل ، ووافقهم الزمخشري في قوله تعالى : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء : ٦٣] ، فجعل (في أنفسهم) متعلقا ب : (بليغا).

النعت

(النعت) أي : هذا مبحثه ، قال أبو حيان : والتعبير به اصطلاح الكوفيين ، وربما قاله البصريون ، والأكثر عندهم الوصف والصفة (تابع مكمل لمتبوعه لدلالته على معنى فيه أو في متعلق به) فخرج بالمكمل البدل والنسق ، وبما بعده المشار بأول قسميه إلى الجاري عليه ، وبالثاني إلى المسند إلى سببه التوكيد والبيان ، (ويرد مدحا) نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] الآيات ، (وذما) نحو : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وترحما) نحو : لطف الله بعباده الضعفاء (وتوضيحا) أي : إزالة للاشتراك العارض في المعرفة نحو : مررت بزيد الكاتب (وتخصيصا) في النكرة نحو : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء : ٩٢] ، (وتوكيدا) نحو : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] ، (وغير ذلك) كالتعميم نحو : (إن

__________________

١٥٣١ ـ البيت من الطويل ، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص ٣٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٤٦٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٤.

٨٦

الله يحشر الناس الأولين والآخرين) ، ومقابلة نحو : (الصلاة الوسطى) ، والتفصيل نحو : (مررت برجلين عربي وعجمي).

(ويوافق متبوعه تعريفا وتنكيرا) سواء كان معناه له أو لما بعده ، فهو كما قال ابن مالك : أولى من التعبير بمنعوته ؛ لأنه إنما يصدق حقيقة على الأول ، ولأنه يشمل المقطوع ولا تجب الموافقة فيه ، ولا يطلق عليه تابع وإنما وجبت الموافقة في ذلك حذرا من التدافع بين ما هما في المعنى واحد ؛ لأن في التعريف إيضاحا ، وفي التنكير إبهاما ، والنعت والمنعوت في المعنى واحد فتدافعا.

(وشرط الجمهور ألا يكون أعرف) من متبوعه ، بل دونه أو مساويا له نحو : رأيت زيدا الفاضل والرجل الصالح ، نعم يجوز كونه أخص نحو : (رجل فصيح ولحان) ، و (غلام يافع ومراهق) ، وقال الفراء : يوصف الأعم بالأخص نحو : مررت بالرجل أخيك ، وابن خروف : توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة من غير ملاحظة تخصيص ولا تعميم ، قال : وما ذهب إليه الجمهور دعوى بلا دليل (وجوز الكوفية التخالف في المدح والذم) ومثلوا بقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ) [الهمزة : ١ ـ ٢] ، فجعلوا (الذي) صفة لهمزة (و) جوز (الأخفش وصف النكرة بالمعرفة إذا خصصت) قبل ذلك بالوصف ، وجعل منه قوله تعالى : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) [المائدة : ١٠٧] ، قال : (الأوليان) صفة (لآخران) ؛ لأنه لما وصف تخصص ، (و) جوز (قوم عكسه) أي : وصف المعرفة بالنكرة (مطلقا) ومثل بقوله :

١٥٣٢ ـ وللمعنى رسول الزّور قوّاد

قال : (قواد) صفة المعنى.

(و) جوز أبو الحسين (ابن الطراوة) وصف المعرفة بالنكرة (إذا كان الوصف خاصا بالموصوف) لا يوصف به غيره كقوله :

١٥٣٣ ـ في أنيابها السّمّ ناقع

__________________

١٥٣٢ ـ البيت من البسيط ، وهو للأحوص الأنصاري في ديوانه ص ١١٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٤.

١٥٣٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٥٧ ، والحيوان ٤ / ٢٤٨ ، وسمط اللآلي ص ٤٨٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٢ ، والكتاب ٢ / ٨٩ ، ولسان العرب ٤ / ٥٠٧ ، مادة (طور) ، ٥ / ٢٠٢ ، مادة (نذر) ، ٨ / ٣٦٠ ، مادة (نقع) ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٧٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٧٣ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٩٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٣٣.

٨٧

قال : (ناقع) صفة للسم ، وأجيب بالمنع في الجميع بإعرابها أبدالا ، (وهو) أي : النعت (في الإفراد والتذكير وفروعهما) أي : التثنية والجمع والتأنيث (كما مر في) مبحث إعمال (الصفة) المشبهة ، فإن رفع ضمير المنعوت بأن كان معناه له نحو : مررت برجلين قارئين ، أو لسببيه ولم يرفع الظاهر نحو : مررت بامرأة حسنة الوجه وبرجال حسان الوجوه ، وجبت المطابقة في ذلك ، أو رفعه فكالمسند إلى الفعل يجب إفراده في الأصح ، وتأنيثه حيث الظاهر حقيقي ، ورجح حيث هو مجازي على التفصيل الآتي في التأنيث.

(ويكون) النعت (جملة كالصلة) فلا تكون إلا خبرية ونحو :

١٥٣٤ ـ جاؤوا بمذق هل رأيت الذّئب قط

مؤول على حذف الوصف ، أي : مقول فيه : هل رأيت ، ومنه قول أبي الدرداء : وجدت الناس اخبر تقله (٢) ، أي : مقولا فيهم ، ويجب معها العائد كعائد الموصول ، (و) لكن (حذف عائدها) هنا (كثير) وفي الخبر قليل ، وفي الصلة أكثر.

(ويكون جملة كالصلة ، وحذف عائدها كثير ، وفي نيابة أل عنه خلف ، ولا تدخلها الواو خلافا للزمخشري ، وإنما يتبع به نكرة ، قيل : أو ذو أل الجنسية ، ومفردا مشتقا أو جاريا مجراه باطراد كأسماء النسب والإشارة والموصول المبدوء بهمز ، وذو الطائية ، ورجل بمعنى كامل ، ومضافا لصدق وسوء بمعنى صالح وطالح وأي وجدّ وحق وذي الخبرية مضافات ككل ، وغير مطرد كثيرا كالعدد ومصدر الثلاثي بتقدير مضاف ، وقال الكوفية : بتأويله بمشتق ، وقليلا كمصدر غيره ، وكالمقدار وجنس ما صنع منه ، وأعيان مؤولة ، وسمع بما شئت من كذا لنكرة ، والأصح أن ما فيه شرطية جوابها محذوف والتزم يونس رفع متلوّ النكرة مضافا رافعا لأجنبي مستقبلا ونصبه حالا ، وعيسى رفع العلاج مطلقا ، ونصب غيره حالا ، وإتباعه مستقبلا ، والفراء نصب العلاج حالا وإتباع غيره ، وجوز سيبويه

__________________

١٥٣٤ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٠٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٠٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦١ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١١٥ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣١٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٠ ، ٥ / ٢٤ ، ٤٦٨ ، ٦ / ١٣٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٩١.

(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد ١ / ٦١ (١٨٥) ، والطبراني في مسند الشاميين ٢ / ٢٥٨ (١٤٩٣).

٨٨

الكل مطلقا ، واتفقوا على إتباع المنون ، وجرى المنسوب كالمشتق دون ما عداه إلا شذوذا).

مسألة : (لا ينعت الضمير ولا) ينعت (به) مطلقا ، أما الأول فلأنه إشارة بحرف واحد أو حرفين ، إلى ظاهر تقدم ذكره ، والإشارة لا تنعت ، بل المشار إليه الظاهر المتقدم ، ولأن النعت في الأصل إيضاح أو تخصيص ، ولا إضمار إلا بعد معرفة لا إلباس فيها ، وأما الثاني : فلأنه ليس بمشتق ولا مؤول به فلا يتصور فيه إضمار يعود على منعوته ، ولأنه أعرف المعارف وتقدم اشتراط ألا يكون النعت أعرف.

(وجوز الكسائي نعت) مضمر (الغائب) إذا كان (لمدح أو ذم أو ترحم) كذا نقله عنه الناس كما قال أبو حيان ، واحتج بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سبأ : ٤٨] ، وقولهم (مررت به المسكين) ، وقولهم : (اللهم صل عيه الرؤوف الرحيم) ، وقوله :

١٥٣٥ ـ فلا تلمه أن ينام البائسا

وغيره خرج ذلك على البدل ، قال ابن مالك : وفيه تكلف (وقيل) : إنه أجازه (إذا تقدم المظهر) كذا نقله عنه النحاس والفراء (وكذا كل متوغل في البناء) لا ينعت ولا ينعت به كأسماء الشرط والاستفهام وكم الخبرية وما التعجبية والآن وقبل وبعد (غير ما مر) أنه ينعت أو ينعت به منها ، وكذلك (ما) و (من) النكرتان ، وذو الطائية ، والموصول المقرون بأل ، (والمصدر) الذي (للطلب) نحو : ضربا زيدا وسقيا لك لا ينعت ؛ لأنه بدل من الفعل ولا ينعت به ؛ لأنه طلب ، (وقال الكوفية والزجاج والسهيلي ومنه) أي : مما لا ينعت ولا ينعت به (الإشارة) أما الثاني فلأنه جامد ولا يتصور فيه الإضمار ، وأما الأول فلأن غالب ما يقع بعده جامد ، قال السهيلي : فالأولى جعله بيانا وإن سماه سيبويه صفة فتسامح ، كما سمى بذلك التوكيد والبيان في غير موضع ، واختاره ابن مالك وأكثر البصريين على أنه ينعت وينعت به نحو : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] ، (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) [الإسراء : ٦٢].

(و) لكن (لا ينعت عند المجوز له إلا بذي أل) أما غير المضاف من المعارف فواضح أنه لا ينعت به ، وأما المضاف فلأن النعت مع منعوته كاسم واحد واسم الإشارة لا

__________________

١٥٣٥ ـ الرجز بلا نسبة في رصف المباني ص ٦٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٧ ، وتقدم برقم (١٨٢).

٨٩

يضاف فكذا منعوته ، ولو حظ في ذي أل معنى الاشتقاق على أن معنى قولك : هذا الرجل هذا الحاضر المشار إليه (فإن كان) الواقع بعده (مشتقا ضعف ، وينعت فقط) أي : ولا ينعت به (العلم) لأنه ليس بمشتق وصفا ولا تأويلا ، (والأجناس) ما دامت على موضوعها كرجل وسبع (وعكسه) أي : ينعت به ولا ينعت ، (أي) كما سبق (وما مر) من كل وجد وحق.

(ومنه ما لا يقع إلا تابعا كخالدة تالدة وحسن بسن) وشيطان ليطان ، أي : كالاسم الثاني من المذكورات ، قال أبو حيان : وهي محفوظة لا يقاس عليها ، قلت : ألف فيها ابن فارس كتابا (قيل : ومنه الموصول) لأنه كجزء كلمة ؛ إذ لا يتم إلا بصلته وجزء الكلمة لا ينعت ، والأصح أن المقرون بأل منه يوصف كما يوصف به ويصغر ويثنى ويجمع ، وكذا (ما) و (من) تقول : جاءني من في الدار العاقل ، ونظرت إلى ما اشتريت الحسن.

(قيل : ومنه الوصف) قال ابن جني : من خواص الوصف ألا يقبل الوصف ؛ لأنه بمنزلة الفعل ، والجملة وإن كثرت الصفات فهي للأول ، وقال غيره : لأنه من تمام الأول فكأنه بعضه ورد بأن المضاف والمضاف إليه كذلك ، ولا خلاف في وصفهما ، والأصح أنه قد يوصف مطلقا ؛ لأنه اسم وكل اسم في الحقيقة قابل للوصف فلا يرد بشبه ضعيف ، وقد أجاز سيبويه يا زيد الطويل ذو الجمة ، على جعل ذي الجمة نعتا للطويل ، وجعل صائما من قوله :

١٥٣٦ ـ لدى فرس مستقبل الرّيح صائم

صفة مستقبل ، وهو عامل.

(وثالثها : يوصف إن دل على جموده دليل) قاله السهيلي كأن يكون خبرا لمبتدأ أو بدلا من اسم جامد ، بخلاف ما إذا كان نعتا فيقوى فيه معنى الفعل حينئذ بالاعتماد فلا ينعت.

(ورابعها) : يوصف (إن لم يعمل) عمل الفعل لبعده حينئذ عن الفعل بخلاف ما إذا عمل.

__________________

١٥٣٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ٩٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٣٩ ، والكتاب ١ / ٤٢٥ ، ولسان العرب ٤ / ١٧٧ ، مادة (حرر) ، ١٣ / ٢٢٦ ، مادة (سنن) ، وبلا نسبة في مجالس ثعلب ص ٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٣.

٩٠

مسألة :

(يفرق نعت غير الواحد) أي : المثنى والجمع (بالواو إن اختلف) نحو : مررت برجلين كريم وبخيل ، (وإلا) بأن اتفق (جمع) بينهما في اللفظ نحو : مررت برجلين كريمين (وغلب التذكير والعقل وجوبا عند الشمول) نحو : مررت بزيد وهند الصالحين وبرجل وامرأة عاقلين واشتريت عبدين وفرسين مختارين ، (واختيارا عند التفصيل) نحو : مررت بإنسانين صالح وصالح ويجوز وصالحة وانتفعت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين ويجوز وسابقات ، (فإن تعدد العامل وجب القطع إلى الرفع) بإضمار مبتدأ.

(وكذا النصب بفعل لائق واجب الإضمار في غير تخصيص) سواء اختلف العمل نحو : مررت بزيد ولقيت عمرا الكريمان أو الكريمين ، أم اتحد واختلف جنس الكلام في المعنى نحو : قام زيد وهل خرج عمرو العاقلان ، أو اتفق واختلف جنس العامل كأن يكونا مرفوعين هذا على الفاعلية وهذا على الابتداء ، أو منصوبين هذا على المفعولية وهذا على الظرفية ، أو مجرورين هذا بحرف وهذا بإضافة نحو : هذا زيد وقام عمرو الظريفان أو الظريفين.

(وجوز قوم) منهم الأخفش (الإتباع إذا اتحد العمل لا جنس العامل وتقارب المعنى) وهو القسم الأخير مما ذكر (و) جوز (الكسائي) والفراء الإتباع (إذا تقارب المعنى) أي : معنى العاملين (وإن اختلفا) في العمل نحو : رأيت زيدا ومررت بعمرو الظريفين ؛ لأن المرور في معنى الرؤية ، ومررت برجل معه رجل قائمين ؛ لأنه قد مر بهما جميعا ، لكن الكسائي يتبع الثاني ، والفراء يتبع الأول ، وقولي : (في غير تخصيص) راجع إلى وجوب إضمار الفعل ، فإن نعت التخصيص يجوز فيه إظهاره نحو : أعني ، (فإن اتحدا) أي : العاملان جنسا وعملا (جاز) الإتباع (عند الجمهور) سواء اتفقا لفظا ومعنى نحو : قام زيد وقام بكر العاقلان ، أو اختلفا فيهما نحو : أقبل زيد وأدبر عمرو العاقلان ، أو اتفقا لفظا فقط نحو : وجد زيد على عمرو ووجد بكر الضالة العاقلان ، أو معنى فقط نحو : ذهب زيد وانطلق خالد العاقلان.

وذهب ابن السراج إلى وجوب القطع في الجميع ، إلا أنه فصل في الأولى فقال : إن قدرت الثاني عاملا فالقطع ، أو توكيدا والعامل هو الأول جاز الإتباع ، ووافقه المبرد في الثانية والثالثة ، قال أبو حيان : ومقتضى مذهب سيبويه أنه لا يجوز الإتباع لما انجر من جهتين كاختلاف الحرف والإضافة نحو : مررت بزيد وهذا غلام بكر الفاضلين ، وكاختلاف

٩١

الحرفين نحو : مررت بزيد ودخلت إلى عمرو الظريفين ، وكاختلاف معنى الحرفين نحو : مررت بزيد واستعنت بعمرو الفاضلين ، أو الإضافتين نحو : هذه دار زيد ، وهذا أخو عمرو الفاضلين.

(وإن كان العامل واحدا جازا) أي : الإتباع والقطع (إن لم يختلف العمل) نحو : قام زيد وعمرو العاقلان ، بخلاف ما إذا اختلف فيتعين القطع سواء اختلفت النسبة إليهما من حيث المعنى نحو : ضرب زيد عمرا العاقلان ، أم اتحدت.

وقال الفراء وابن سعدان : يجوز الإتباع في الأخيرة ، ثم قال الفراء : يجب إتباع المرفوع تغليبا له ، وقال ابن سعدان : يجوز إتباع كل منهما نحو : خاصم زيد عمرا الكريمان والكريمين ؛ لأن كلا منهما مخاصم ومخاصم فهو فاعل ومفعول ، قال أبو حيان : ورد بأنه لا يجوز ضارب زيد هندا العاقلة بالرفع على الإتباع إجماعا ، فكما لا يجوز في نعت الاسم إذا أفرد الحمل على المعنى لا يجوز إذا ضممته إلى غيره.

(ويجوزان) أي : الإتباع والقطع (في نعت غير مبهم إن لم يكن ملتزما ولا مؤكدا ، قال يونس : ولا ترحما) نحو : الحمد لله الحميد ، أي : هو ، (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد ٤] ، أي : أذم ، (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) [النساء : ١٦٢] ، أي : أمدح ، و (اللهم الطف بعبدك المسكين) ، أي : أترحم ، على رأي الجمهور ، بخلاف نعت المبهم نحو : مررت بهذا العالم ، أو النعت الملتزم نحو : نظرت إلى الشعرى العبور ، أو المؤكد نحو : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] ، فلا يجوز فيهما القطع.

(فإن كان) النعت (لنكرة شرط) في جواز القطع (تقدم) نعت (آخر اختيارا) كقول أبي الدرداء : (نزلنا على خال لنا ذو مال وذو هيئة) ، فإن لم يتقدم آخر لم يجز القطع إلا في الشعر ، (لا لكونه لغير مدح أو ذم أو ترحم) أي : لا يشترط ذلك (في الأصح) ، وقال يونس : لا يجوز القطع في الثلاثة ، ووافقه الخليل في المدح والذم ، أما نعت المعرفة فلا يشترط ذلك فيه باتفاق إلا ما تقدم عن يونس في الترحم.

(وإن كثرت نعوت معلوم) لا يحتاج إليها في التمييز (أو منزل منزلته) تعظيما أو غيره (أتبعت) كلها (أو قطعت أو) قطع (بعضها) وأتبع بعض (بشرط تقديم المتبع في الأصح) لأنه الثابت عن العرب ؛ لئلا يفصل بين النعت والمنعوت ، وقيل : لا يشترط ، بل يجوز الإتباع بعد القطع ؛ لأنه عارض لفظي فلا حكم له ، وقد قال تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [النساء : ١٦٢] ، وقالت الخرنق :

٩٢

١٥٣٧ ـ لا يبعدن قومي الذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلين بكل معترك

والطيّبون معاقد الأزر

روي برفعهما ونصبهما ونصب الأول ورفع الثاني وعكسه ، وهو مما نزل فيه المنعوت منزلة المعلوم تعظيما ، وأجيب بأن الرفع فيه على رواية نصب الأول ، وفي الآية على الابتداء ، أما إذا احتاج المنعوت إلى إتباع الجميع أو بعضها في البيان فإنه يجب إتباعه ويقدم في الثانية على المقطوع وإتباعه أيضا أجود.

(ويجوز تعاطفها) أي : النعوت ، أي : عطف بعضها على بعض متبعة كانت أو مقطوعة ، قال أبو حيان : وتختص بالواو نحو : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) [الأعلى : ١ ـ ٤] ، قال : ولا يجوز بالفاء إلا إن دلت على أحداث واقع بعضها على إثر بعض ، نحو : مررت برجل قائم إلى زيد فضاربه فقاتله ، قال :

١٥٣٨ ـ يا ويح زيّابة للحارث

الصابح فالغانم فالآيب

أي : الذي صبح العدو فغنم فآب ، قال السهيلي : والعطف بثم في مثل هذا بعيد جوازه ، وقال ابن خروف : إذا كانت مجتمعة في حالة واحدة لم يكن العطف إلا بالواو ، وإلا جاز بجميع حروف العطف إلا حتى وأم ، وإنما يجوز العطف (لاختلاف المعاني) لأنه حينئذ ينزل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات ، فيصح العطف فإن اتفقت فلا ؛ لأنه يؤدي إلى عطف الشيء على نفسه.

(وإنما تحسن لتباعدها) نحو : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) [الحديد : ٣] ، بخلاف ما إذا تقاربت نحو : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤] ، (ويلي) النعت (إما أو لا) لإفادة شك أو تنويع أو نحوهما (فيجب تكرارهما) مقرونين (بالواو)

__________________

١٥٣٧ ـ البيتان من الكامل ، وهما للخرنف بنت هفان في ديوانها ص ٤٣ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٢٣١ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٠٥ ، والإنصاف ٢ / ٤٢٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣١٤ ، والحماسة البصرية ١ / ٢٢٧ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤١ ، ٤٢ ، ٤٤ ، وسمط اللآلي ص ٥٤٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٦.

١٥٣٨ ـ البيت من السريع ، وهو لابن زيابة في خزانة الأدب ٥ / ١٠٧ ، وسمط اللآلي ص ٥٠٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٦٥ ، ومعجم الشعراء ص ١٥ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٦٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٥ ، ومغني اللبيب ص ١٦٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣١.

٩٣

نحو : مررت برجل إما صالح وإما طالح ، (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة : ٤٣ ـ ٤٤] ، (وقيل : لا يجب تكرار لا) لأنها ليست في جواب.

(وإذا وصف بمفرد وظرف) أو مجرور (وجملة فالأولى ترتيبها هكذا) كقوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) [غافر : ٢٨] ، وعلة ذلك أن الأصل الوصف بالاسم فالقياس تقديمه ، وإنما تقدم الظرف ونحوه على الجملة ؛ لأنه من قبيل المفرد ، (وأوجبه ابن عصفور اختيارا) ، وقال : لا يخالف في ذلك إلا في ضرورة أو ندور ، ورد بقوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) [ص : ٢٩] ، وقوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] ، (وقدم ابن جني الصفة غير الرافعة عليها) أي : على الرافعة ؛ لأن الرافعة شبيهة بالجملة ، فيقال : مررت برجل قائم عاقل أبوه ، وعلى هذا يليها الظرف ، (وقدم بعضهم) وهو صاحب «البديع» الجملة (الفعلية على الاسمية) قال : لأن الوصف بتلك أقوى منه بهذه ، قال : وأكثر ما يوصف من الأفعال بالماضي.

مسألة :

(لا يقدم النعت) على منعوته (خلافا لبعضهم) وهو صاحب «البديع» (في) إجازته تقديم النعت (غير مفرد) أي : مثنى أو جمع (إذا تقدم أحد متبوعيه) فيقال : قام زيد العاقلان وعمرو ، كقوله :

١٥٣٩ ـ أبى ذاك عمّي الأكرمان وخاليا

(ويحذف المنعوت لقرينة) كتقدم ذكره نحو : (ائتني بماء ولو باردا) ، واختصاص النعت به كمررت بكاتب وحائض وراكب صاهلا ، ومصاحبة ما يعينه نحو : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١٠ ـ ١١] ، أي : دروعا ، وقصد العموم نحو : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) [الأنعام : ٥٩] ، وإجرائه مجرى الأسماء كمررت بالفقيه أو القاضي ، وإشعاره بالتعليل نحو : أكرم العالم وأهن الفاسق ، وكونه لمكان أو زمان نحو : جلست قريبا منك وصحبتك طويلا ، (ويقام نعته مقامه إن لم يكن ظرفا أو جملة) بأن كان مفردا كما مثلنا لتصح مباشرته لما كان المنعوت يباشره (أو كان هما) أي : ظرفا أو جملة (والمنعوت بعض

__________________

١٥٣٩ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ص ٣٩٢ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦١٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٧٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨٢.

٩٤

ما قبله من مجرور بمن) نحو : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : ١٥٩] ، أي : وإن أحد ، (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] ، أي : قوم دون ، وقالوا : منا ظعن ومنا أقام ، أي : إنسان ، وقال :

١٥٤٠ ـ وما الدّهر إلا تارتان فمنهما

أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

أي : تارة.

(وقال ابن مالك : أو في) كقوله :

١٥٤١ ـ لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضلها في حسب وميسم

أي : أحد يفضلها ، وغيره لم يذكر ذلك ، بل جعله ابن عصفور من الضرائر (وإلا) بأن لم يكن قرينة أو كان النعت ظرفا أو جملة ، والمنعوت غير بعض مما قبله ، أو بعض بلا تقدم (من) أو (في) على رأي ابن مالك (فضرورة) حذفه كقوله :

١٥٤٢ ـ وقصرى شنج الأنشا

ء نبّاح من الشّعب

أي : ثور شنج الأنشاء ، وقد يوصف به الفرس والغزال ، وقولك : وما من البصرة إلا يسير إلى الكوفة ، أي : رجل ، وقوله :

١٥٤٣ ـ ترمي بكفّي كان من أرمى البشر

__________________

١٥٤٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لتميم بن مقبل في ديوانه ص ٢٤ ، وحماسة البحتري ص ١٢٣ ، والحيوان ٣ / ٤٨ ، وخزانة الأدب ٥ / ٥٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١١٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٣٤ ، والكتاب ٢ / ٣٤٦ ، ولسان العرب ٢ / ٥٦٩ ، مادة (كدح) ، وللعجير السلولي في السمط اللآلي ص ٢٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٧٠.

١٥٤١ ـ الرجز لحكيم بن معية في خزانة الأدب ٥ / ٦٢ ، ٦٣ ، ولأبي الأسود الحماني في شرح المفصل ٣ / ٥٩ ، ٦١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٧١ ، ولأبي الأسود الجمالي في شرح التصريح ٢ / ١١٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٢٠ ، والخصائص ٢ / ٣٧٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦٥.

١٥٤٢ ـ البيت من الهزج ، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٢٨٨ ، وأدب الكاتب ص ١١٧ ، ولسان العرب ١ / ٥٠٢ ، مادة (شعب) ، ٢ / ٣١٠ ، مادة (شنج) ، ٢ / ٦٠٩ ، مادة (بنع) ٥ / ١٠٣ ، مادة (قصر) ، والمعاني الكبير ص ١٤٢ ، وبلا نسبة في المقرب ١ / ٢٢٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٠.

١٥٤٣ ـ الرجز بلا نسبة في الإنصاف ١ / ١١٤ ، ١١٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ٦٥ ، والخصائص ٢ / ٣٦٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠١ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٦١ ، وشرح عمدة الحافظ ـ ـ

٩٥

وقوله :

١٥٤٤ ـ والله ما زيد بنام صاحبه

أي : (رجل نام) و (بكفي رجل كان).

(ويقل حذف النعت) مع العلم به ؛ لأنه جيء به في الأصل لفائدة إزالة الاشتراك أو العموم ، فحذفه عكس المقصود ، ومما ورد منه : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) [الأنعام : ٦٦] ، أي : المعاندون ، (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] ، أي : الناجين ، (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١] ، أي : الواضح ، (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف : ٢٥] ، أي : سلطت عليه.

١٥٤٥ ـ فلم أعط شيئا ولم أمنع

أي : طائلا.

عطف البيان

(عطف البيان) أي : هذا مبحثه ، قال أبو حيان : وسمي به ؛ لأنه تكرار الأول لزيادة بيان ، فكأنك رددته على نفسه بخلاف النعت والتأكيد والبدل ، وقيل : لأن أصله العطف ، فأصل جاء أخوك زيد وهو زيد حذف الحرف والضمير وأقيم زيد مقامه ، ولذلك لا يكون في غير الأسماء الظاهرة ، ذكره صاحب «البسيط» ، والكوفيون يسمونه الترجمة.

(هو الجاري مجرى النعت) في تكميل متبوعه (توضيحا وتخصيصا ، قيل : وتوكيدا) فالأول في المعارف نحو : جاء أخوك زيد ، والثاني في النكرات نحو : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) [النور : ٣٥] ، والثالث في المكرر بلفظه نحو :

١٥٤٦ ـ لقائل يا نصر نصر نصرا

__________________

ـ ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ، ولسان العرب ١٣ / ٣٧٠٩ ، مادة (كون) ، ص ٤٢١ ، مادة (منن) ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥١٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٥٤ ، وفي نسخة (جادت) مكان (ترمى).

١٥٤٤ ـ الرجز للقناني (أبي خالد) في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٣.

١٥٤٥ ـ البيت من المتقارب ، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص ٨٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٢٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥١ ، والشعر والشعراء ٢ / ٧٥٢ ، ولسان العرب ١ / ٧٢ ، مادة (درأ) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٢٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٤٠١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٥٤.

١٥٤٦ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٠ ، وتقدم برقم (٩٥٧).

٩٦

قال ابن مالك : والأولى عندي جعله توكيدا لفظيا ؛ لأن عطف البيان حقه أن يكون للأول به زيادة وضوح ، وتكرير اللفظ لا يتوصل به إلى ذلك ، وفارق بما ذكرناه سائر التوابع إلا النعت ، (لكن يجب جموده) ولو تأويلا ، وبذلك يفارق النعت ، والمراد بالجامد تأويلا العلم الذي كان أصله صفة فغلبت ، (لا كونه أخص من المتبوع أو غير أخص) منه ، أي : لا يجب واحد منهما (في الأصح) قال في شرح «الكافية» : واشترط الجرجاني والزمخشري زيادة تخصيصه ، وليس بصحيح ؛ لأنه في الجامد بمنزلة النعت في المشتق ، ولا يشترط زيادة تخصص النعت فكذا عطف البيان ، بل الأولى بهما العكس ؛ لأنهما مكملان ، وقد جعل سيبويه (ذا الجمة) من (يا هذا ذا الجمة) عطف بيان مع أن (هذا) أخص انتهى.

وقال في شرح «التسهيل» : زعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص ، بل يساويه أو يكون أعم منه ، والصحيح جواز الثلاثة ؛ لأنه بمنزلة النعت ، وهو يكون في الاختصاص فائقا ومفوقا ومساويا ، فليكن العطف كذلك انتهى.

فذكر في كل من الكتابين مسألة ، وتحصل من ذلك في المسألتين ثلاثة أقوال ، وقال أبو حيان : شرط ابن عصفور أن يكون عطف البيان أعرف من متبوعه ، وعلله بأن الابتداء بالأخص يوجب الاكتفاء به ، وعدم الحاجة إلى الإتيان بما هو دونه ، (ويوافقه) أي : متبوعه (في الإفراد والتذكير والتنكير وفروعهما) أي : التثنية والجمع والتأنيث والتعريف كالنعت.

(ومنع البصرية جريانه على النكرة) وقالوا : لا يجري إلا في المعارف ، كذا نقله عنهم الشلوبين ، قال ابن مالك : ولم أجد هذا النقل عنهم إلا من جهته ، وذهب الكوفيون والفارسي والزمخشري إلى جواز تنكيرهما ومثلوا بقوله تعالى : (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦] ، وقوله : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) [المائدة : ٩٥] ، (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) [النور : ٣٥] ، وهو الصحيح ، واحتج المانعون بأن الغرض في عطف البيان تبيين الاسم المتبوع وإيضاحه ، والنكرة لا يصح أن يبين بها غيرها ؛ لأنها مجهولة ولا يبين مجهول بمجهول ، وأجيب بأنها إذا كانت أخص مما جرت عليه أفادته تبيينا ، وإن لم تصيره معرفة ، وهذا القدر كاف في تسميته عطف البيان ، قال ابن عصفور : وهو مبني على اشتراط كونه أخص ، (وجوز الزمخشري تخالفهما) فأعرب قوله تعالى : (مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] عطف بيان وهو معرفة جار على (آياتٌ بَيِّناتٌ) وهي نكرة ، قال أبو حيان : وهو مخالف لإجماع البصريين والكوفيين فلا يلتفت إليه.

٩٧

(وخصه بعضهم بالعلم) بأن يجري على الاسم كنيته وعليهما اللقب ، ولا يجري في سائر المعارف نقله صاحب «البسيط».

(ولا يكون مضمرا وفاقا ولا تابعا له) أي : لمضمر (على الصحيح) لأنه في الجوامد نظير النعت في المشتق ، وجوز بعضهم جريانه على المضمر فإنه قال في قاموا إلا زيدا : إن زيدا بيان للمضمر في قاموا ، وقال الزمخشري في قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] : إنه بيان للهاء من (أَمَرْتَنِي بِهِ.)

(ولا) يكون (جملة ولا تابعا لها) كذا نقله ابن هشام في «المغني» جازما به ، وسواء الاسمية والفعلية (و) كل ما كان عطف بيان (يصلح) أن يكون (بدلا) بخلاف العكس ؛ لأن البدل لا يشترط فيه التوافق في التعريف والتنكير ولا الإفراد وفرعيه ، (إلا إذا أفرد) عن الإضافة مقرونا بأل أو لا (تابعا لمنادى) منصوب أو مضموم كقوله :

١٥٤٧ ـ فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا

وقولك : يا أخانا الحارث ، يا غلام بشر ، يا أخانا زيدا بالنصب فإنه يتعين في هذه الأمثلة كونه عطف بيان ولا يجوز إعرابه بدلا ؛ لأنه في نية تقدير حرف النداء فيلزم ضمه ونحو : يا زيد الرجل ؛ إذ على البدلية يلزم دخول (يا) على المعرف بأل وذلك ممنوع (أو جر متبوعه بما لا تصلح إضافته إليه) بأن كان صفة مقترنة ب : (أل) والتابع خال منها نحو :

١٥٤٨ ـ أنا ابن التّارك البكريّ بشر

فإنه لا تجوز هنا البدلية ؛ لئلا يلزم إضافة المعرف ب : (أل) إلى الخالي منها ، بخلاف ما إذا صلح نحو : أنا الضارب الرجل غلام القوم ، أو أفعل تفضيل مضافا إلى عام متبع بقسميه والمفضل أحدهما نحو : زيد أفضل الناس الرجال والنساء ؛ إذ على البدلية

__________________

١٥٤٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لطالب بن أبي طالب في الحماسة الشجرية ١ / ٦١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١١٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٥٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤١٤ ، وشرح قطر الندى ص ٣٠٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩.

١٥٤٨ ـ البيت من الوافر ، وهو للمرار الأسدي في ديوانه ص ٤٦٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٨٤ ، ٥ / ١٨٣ ، ٢٢٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٣ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٢ ، ٧٣ ، والكتاب ١ / ١٨٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٢١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٤١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١١.

٩٨

يكون التقدير زيد أفضل الرجال والنساء ، وذلك لا يسوغ ، أو (أي) أو (كلا) مفصلا ما بعده نحو : أيّ الرجلين زيد وعمرو أفضل وكلا أخويك زيد وعمرو قال ذلك.

(تنبيهات)

الأول : عد أبو حيان في «الارتشاف» الصور المستثناة إحدى عشرة شملت العبارة منها سبعة ، والثامنة : أن يفتقر الكلام إلى رابط ولا رابط إلا التابع نحو : هند ضربت الرجل أخاها ؛ إذ على البدلية يلزم خلو الجملة الأولى عن رابط ؛ لأن البدل في التقدير من جملة أخرى ، والتاسعة والعاشرة : أن يتبع موصوف أيّ في النداء بمضاف أو منون نحو : يا أيها الرجل غلام زيد ويا أيها الرجل زيد ؛ إذ على البدلية يلزم وصف أيّ بما ليس فيه أل ، والحادية عشرة : أن يتبع المنادى المضموم بإشارة نحو : يا زيد هذا ؛ إذ على البدلية يلزم نداء اسم الإشارة من غير وصف وكل ذلك ممنوع.

الثاني : استشكل ابن هشام في حواشي «التسهيل» ما علل به الصور المذكورة بأنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل ، وقد جوزوا في (إنك أنت) كون (أنت) توكيدا وكونه بدلا ، مع أنه لا يجوز (إن أنت).

الثالث : قال أبو حيان : ما عدا هذه المواضع يجيء عطف البيان فيه مشتركا فتارة مع النعت نحو : جاء زيد أبو عمرو ، وتارة مع البدل نحو : جاء أبو محمد زيد ، وتارة مع التأكيد نحو : رأيت زيدا زيدا.

وفي شرح «الكافية» : عطف البيان يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ، ويفارقه في أن تكميله شرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أو سببيه ، ومجرى التوكيد في تقوية دلالته ويفارقه في أنه لا يرفع توهم مجاز ، ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال ، ويفارقه في أنه غير منوي الاطراح انتهى.

(قيل : ويتعين للبدلية إذا كان) التابع (بلفظ الأول) نحو : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [الجاثية : ٢٨] ، قاله ابن الطراوة وتبعه ابن مالك ؛ لأن الشيء لا يبين نفسه.

قال ابن هشام : وفيه نظر ؛ لأن اللفظ المكرر إذا اتصل به ما لم يتصل بالأول اتجه كونه بيانا لما فيه من زيادة الفائدة نحو :

٩٩

١٥٤٩ ـ يا زيد زيد اليعملات

١٥٥٠ ـ يا تيم تيم عديّ

التوكيد

(التوكيد) أي : هذا مبحثه ، وهو مصدر وكد ، والتأكيد مصدر أكد لغتان ، قال ابن مالك : وهو تابع يقصد به كون المتبوع على ظاهره ، (وهو قسمان) :

(فالأول : معنوي) بألفاظ محصورة فلا يحتاج إلى حد ، (فمنه لدفع توهم المجاز) من حذف مضاف أو غيره أو السهو أو النسيان (النفس والعين) بمعنى الذات (مضافين لضمير المؤكد المطابق) له في الإفراد والتذكير وفروعهما نحو : جاء زيد نفسه وهند نفسها والزيدان أو الهندان أنفسهما والزيدون أنفسهم والهندات أنفسهن ، (فإن أكد مثنى فجمعهما أفصح من الإفراد) كما تقدم ، ويجوز الزيدان نفسهما بالإفراد.

(وجوز ابن مالك وولده تثنيتهما) فيقال : نفساهما (ومنع) ذلك (أبو حيان) وقال : إنه غلط لم يقل به أحد من النحويين ، وإنما منع أو قل لكراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة ، واختير الجمع على الإفراد ؛ لأن التثنية جمع في المعنى (ولا يؤكدان غالبا ضمير رفع متصلا) مستترا أو بارزا (إلا بفاصل ما) نحو : قم أنت نفسك وقمت أنت نفسك وقاما هما نفسهما ، وعلته أن تركه يؤدي إلى اللبس في بعض الصور نحو : هند ذهبت نفسها أو عينها ؛ لاحتمال أن يظن أنها ماتت أو عميت.

واحترزت بقول : غالبا كما في «التسهيل» عما ذكره الأخفش من أنه يجوز على ضعف (قاموا أنفسهم) ، وأشرت ب : «فاصل ما» إلى أنه لا يشترط كونه ضميرا ، فيجوز (هلم لكم أنفسكم) بلا خلاف اكتفاء بفصل (لكم).

(ويجوز جرهما) أي : النفس والعين (بالباء الزائدة) نحو : جاء زيد بنفسه أو بعينه،

__________________

١٥٤٩ ـ الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٠٢ ، ٣٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٣ ، ٢ / ٨٥٥ ، ولسان العرب ١١ / ٤٧٦ ، مادة (عمل) ، ولبعض بني جرير في شرح المفصل ٢ / ١٠ ، والكتاب ٢ / ٢٠٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢١ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٨.

١٥٥٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢١٢ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، والأغاني ٢١ / ٣٤٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٨ ، ٣٠١ ، ٤ / ٩٩ ، ١٠٧ ، والخصائص ١ / ٣٤٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠ ، والكتاب ١ / ٥٣ ، ٢ / ٢٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٨٠.

١٠٠