همع الهوامع - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

قال أبو حيان : كثرة الاستعمال من الأسباب الشاذة التي أميلت الألف لأجلها.

(ص) والفتحة قبل راء مكسورة أو هاء تأنيث لا سكت على الصحيح.

(ش) أميل من الفتحات نوعان :

أحدهما : ما تلته راء مكسورة قال أبو حيان : وهذه الإمالة مطردة ، ولها شرطان :

أحدهما : أن تكون الراء المكسورة تلي فتحة في غير ياء ، أو يكون بينهما حرف ساكن غير الياء نحو : (من عمرو) وخبط رياح ، أو مكسور نحو : ياسر ، وسواء كانت الفتحة في حرف الاستعلاء نحو : من البقر أم في راء نحو : (شرر) أم في غيرهما نحو : (من الكبر) ، أم كانت الراء والفتحة في كلمة كما مثلنا ، أم في كلمتين نحو : رأيت خبط رياح ، إلا أن المتصلة أقوى في إيجاد الإمالة من المنفصلة فهي في من البقر أقوى منها في خبط رياح ، فإن كانت الفتحة في ياء نحو : من الغير أو الساكن الفاصل بين الفتحة والراء ياء نحو : لغير امتنعت الإمالة فيه.

الشرط الثاني : ألا يكون بعد الراء المكسورة حرف استعلاء فإنه لا تجوز الإمالة وذلك نحو : الشرق والصرط.

النوع الثاني : ما يليه هاء تأنيث موقوف عليها ، قال أبو حيان : سبب الإمالة لهاء التأنيث من الأسباب الشاذة وهو أنها شبهت بالألف المشبهة بالألف المنقلبة ، قال سيبويه : سمعت العرب يقولون : ضربت ضربة وأخذت أخذة شبهت الهاء بالألف فأمال ما قبلها كما يميل قبل الألف.

قال أبو حيان : ولم يبين سيبويه بأي ألف شبهت والظاهر أنها شبهت بألف التأنيث ؛ لاشتراكهما في معنى التأنيث ، قال : وكل هاء تأنيث فإن الإمالة جائزة في الفتحة التي قبلها ولا تمال الألف قبلها نحو : الحياة والنجاة والزكاة إلا إن كان فيها ما يوجب الإمالة نحو :إمالة (مرضاة) و (تقاة) ، وسواء كانت هذه الهاء للمبالغة نحو : علامة ونسابة أم لا ؛ لأنها كلها تاء تأنيث.

فإن كانت الهاء للسكت نحو : (ما هِيَهْ) [القارعة : ١٠] فذهب ثعلب وابن الأنباري إلى جواز ذلك ، وقد قرأ به أبو مزاحم الخاقاني في قراءة الكسائي ، قال أبو الحسن بن الباذش : ووجه إمالة ذلك الشبه اللفظي الذي بينها وبين هاء التأنيث ا ه.

٢٨١

(ص) ولا يمال مبني الأصل غير (ها) و (نا) و (ذا) و (متى) و (أنى) ، ولا حرف غير مسمى به إلا (بلى) ولا في (إما لا) ، قيل : والجواب ، قال قوم : وحتى ، والفراء : ولكن ، وغير ما مر مسموع ، أو غير فصيح.

(ش) لا يمال من الأسماء إلا المتمكن وأميل من غير المتمكن ، أي : من المبني الأصلي (ها) و (نا) نحو : مر بها ، ونظر إليها ومر بنا ونظر إلينا وذا اسم الإشارة سمع (ذا قائم) بالإمالة ، وإمالته شاذة ، ووجه إمالته أن ألفه ياء وأنه قد تصرف فيه بالتصغير وإن كان التصغير لا يدخل نظائره فتصرف فيه بالإمالة ، وأمالت العرب (متى) في كلتا حالتيها من الاستفهام والشرط ، وكذلك أنى ، وإمالة ألفها إنما هي لشبهها بالألف المشبهة بالألف المنقلبة.

واختلف في وزنها فقيل : فعلى ، وإليه ذهب الأهوازي ، واختاره ابن مجاهد وجوز أن يكون أفعل ، واختاره أبو الحسن بن الباذش ؛ لأن زيادة الهمزة أولا عند سيبويه أكثر من زيادة الألف آخرا ، وخرج بمبني الأصل ما عرض بناؤه كالمنادى نحو : يا فتى ويا حبلى ، فإن إمالته مطردة ، وإمالة الفعل الماضي مطردة ، وإن كان مبني الأصل ، وأما الحروف فلم يمل منها إلا (بلى) ؛ لأنها تنوب عن الجملة في الجواب فصار لها بذلك مزية على غيرها ، ولا في (إما لا) ؛ لأنها موضوعة موضع الجملة من الفعل والفاعل ؛ لأن المعنى إن لم تفعل كذا فافعل كذا ، ولو أفردت من (إما) لما صحت إمالة ألف (لا) وحكى ابن جني عن قطرب إمالة (لا) في الجواب ؛ لكونها مستقلة في الجواب كالاسم ، قال الخضراوي : والأحسن أن يقال كالفعل ؛ لأنها استقلت لنيابتها عن الفعل.

قال أبو حيان : وحكى صاحب «الغنية» وهو أبو يعقوب يوسف بن الحسن الأستراباذي في هذا الكتاب عن أبي بكر بن مقسم أن بعض أهل نجد وأكثر أهل اليمن يميلون ألف (حتى) ؛ لأن الإمالة غالبة على ألسنتهم في أكثر الكلام ، وعامة العرب والقراء على فتحها ، قال أبو يعقوب : وقد روي إمالتها عن حمزة والكسائي إمالة لطيفة ، وذهب سيبويه وأبو بكر بن الأنباري والمهاباذي وغيرهم إلى منع إمالة حتى ، قال أبو حيان : وهم محجوجون بنقل ابن مقسم.

قال ابن الأنباري : وإنما كتبت بالياء وإن كانت لا تمال فرقا بين دخولها على الظاهر والمكني فلزم الألف فيها مع المكنى حين قالوا : حتاي وحتا وحتاه ، وانصرف إلى الياء مع الظاهر حين قالوا : حتى زيد انتهى.

٢٨٢

قال أبو حيان : واختلف أيضا في إمالة (لكن) فذهب إلى جواز ذلك الفراء تشبيها لألفها بألف فاعل ، والصحيح أنه لا يجوز الإمالة ؛ لأنها لم تسمع فيها ، والأصل في الأدوات ألا تمال وما أميل منها فإن ذلك فيها على طريقة الشذوذ فلا يتعدى مورد السماع ، وما سمي به من الحروف دخلته الإمالة لخروجه عن حيز الحرفية إلى حيز الأسماء كقولهم في حروف المعجم : باء تاء ثاء ياء ، وكذا أوائل السور التي آخرها ألف كالراء ، فإن لم يكن كصاد وقاف فلا خلاف في فتحها.

قال أبو حيان : وقد حكوا إمالة ألف يا في النداء ، ووجه ذلك أنها عاملة في المنادى في قول ، ونائبة عن العامل في قول ، فصار لها بذلك مزية على غيرها من الحروف ، وشبهت أيضا بما أميل من كلام المعجم نحو : إمالتهم ألف باء وتاء وراء وغير ما تقدم تقريره في الباب شاذ مسموع ، أو لغة ضعيفة لقوم من العرب لم يوثق بفصاحتهم ، وقد تقدم في الشرح الإشارة إلى بعض ذلك.

الوقف

(ص) الوقف إذا وقف على ساكن لم يغير إلا المهمل خطا ، فيحذف إلا التنوين في غير الهاء فالأصح إبداله في الفتح ألفا وحذفه في غيره وفي المقصور المنون ، ثالثها : الأصح كالصحيح ، والمنقوص غير المنصوب إن حذف فاؤه أو عينه فبالياء حتما ، وإلا فالأصح إن نون الحذف ، وإلا فالإثبات خلافا ليونس في المنادى وياء المتكلم الساكنة وصلا ، والمحذوفة والياء والواو المتحركتان كالصحيح ، والساكنان لا يحذفان اختيارا خلافا للفراء ، وكذا ألف المقصور وضمير الغائبة وفاقا لأبي حيان ، ويجوز إبدال ألف المبني همزة وإقرارها ولحوق الهاء وإبدال الألف مطلقا همزة أو ياء أو واوا لغة ، والمختار وفاقا للمبرد والمازني وابن عصفور ، وخلافا للجمهور الوقف على (إذن) بالنون ، وفي (كائن) خلف ، وترد نون (لم يك) ، ومنعه الفراء.

(ش) إذا كان آخر الموقوف عليه ساكنا ثبت بحاله في الوقف كحاله في الدرج وذلك نحو : لم ومن والذي ، ولم يقم ولم يقوما ، وسواء كان مبنيا أم معربا إلا أن يكون آخر الموقوف عليه حرفا أهمل في الخط ، أي : لم تجعل له صورة في الخط فصار يلفظ به ولا يصور له شكل وهو التنوين ونون (إذن) على مذهب من يرى كتبها بالألف ونون التوكيد بعد فتحة أو ألف ، فإنه يحذف إلا تنوين مفتوح معرب أو مبني غير مؤنث بالهاء فإنه يبدل ألفا في الإعراب في لسان العرب نحو : رأيت زيدا وويها وإيها ، فإن كان مؤنثا بالهاء نحو : رأيت قائمة فإنك لا تبدل من التنوين فيه ألفا ، هذا أيضا على الأعرف من لسان العرب ،

٢٨٣

وهم الذين يقفون بإبدال التاء هاء ، وأما من يقف بالتاء وهم بعض العرب فإنه يبدل من التنوين في هذا النوع ألفا فيقولون : رأيت قائمتا قال :

١٧٨٩ ـ إذا اغتزلت من بقام الفرير

فيا حسن شملتها شملتا

وخرج بالمؤنث بالهاء المؤنث بالتاء نحو : بنت وأخت فإنه يبدل فيه التنوين ألفا كغير المؤنث نحو : رأيت بنتا وأختا ، ولغة ربيعة حذف التنوين من المنصوب ، ولا يبدلون منه ألفا فيقولون : رأيت زيد حملا له على المرفوع والمجرور ليجري الباب مجرى واحدا قال :

١٧٩٠ ـ ألا حبّذا غنم وحسن حديثها

لقد تركت قلبي بها هائما دنف

ووجه الحذف في الرفع والجر استثقال الإبدال فيها ولغة أزد الشرى الإبدال في الأحوال الثلاثة حكى أبو الخطاب عنهم أنهم يبدلون في الرفع والنصب والجر حرفا يناسب الحركة ، أي : واوا وألفا أو ياء ، وكأن البيان عندهم أولى وإن لزم الثقل ، ومذهب سيبويه فيما نقل أكثر النحويين أن المقصور المنون كالصحيح فيما ذكر من أن أشهر اللغات فيه حذف التنوين من المضموم والمكسور وإبداله ألفا من المفتوح نحو : قام فتى ومررت بفتى ورأيت فتى ، فإن العرب مجمعون على الوقوف بالألف ففي حالة الضم والكسر هي الألف التي كانت في آخر الكلمة وحذفت لالتقائها ساكنة مع التنوين ؛ لأنه لما حذف التنوين عادت الألف ؛ إذ قد زال موجب الحذف ، وأما في المفتوح فإنها بدل من التنوين ، وبهذا المذهب قال أبو علي في أحد قوليه والجمهور وابن مالك في «التسهيل» ، وذهب المازني إلى إبدال الألف من تنوينه مطلقا رفعا وجرا ونصبا ، قال : لأن التنوين في الأحوال كلها قبله فتحة فأشبه التنوين في رأيت زيدا ؛ لأنهم إنما وقفوا على رأيت زيدا بالإبدال ألفا ؛ لأن الألف لا ثقل فيها بخلاف الواو والياء ، وهذه العلة موجودة في المقصور المنون ، وبهذا المذهب قال الأخفش والفراء وأبو علي أولا ، وذهب أبو عمرو والكسائي إلى عدم الإبدال فيه مطلقا وذلك أنه يحذف التنوين رفعا وجرا ونصبا فتعود الألف في الأحوال كلها ، وهذا المذهب قاله ابن كيسان والسيرافي وابن برهان وابن مالك في «الكافية» وشرحها ، وعزاه مكي بن أبي طالب إلى الكوفيين ، وعزاه أبو جعفر بن الباذش

__________________

١٧٨٩ ـ البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٣٦٨ ، مادة (شمل) ، ١٢ / ٥٢ ، مادة (بقم) ، وشرح الأشموني ٣ / ٧٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٥.

١٧٩٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح قطر الندى ص ٢٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٤٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٣٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٦٣.

٢٨٤

وأجاز الفراء الحذف في سعة الكلام ؛ لكثرة ما ورد من ذلك ومنه : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) [الكهف : ٦٤] ، قال أبو حيان : ولا خلاف أن المقصور لا تحذف ألفه إلا في ضرورة كقوله :

١٧٩٢ ـ رهط مرجوم ورهط ابن المعل

يريد ابن المعلى ، وأما ألف ضمير الغائبة فذكر ابن مالك أنه قد يحذف منقولا فتحه اختيارا كقوله : (والكرامة ذات أكرمكم الله به) ، يريد بها ، فحذف الألف وسكن الهاء ونقل حركتها إلى الياء ولذلك فتحها ، قال أبو حيان : وظاهر كلامه قياس ذلك ؛ لأنه قال :اختيارا ، فعلى ما ذكر يجوز أن يقف على منها وعنها وفيها منه وعنه وفيه.

قال : وإنما روي منه فيما علمناه هذا الحرف الواحد على جهة الندور لبعض العرب ، وينبغي في إثبات ذلك إلى كثرة توجب القياس ، قال : وكل مبني آخره ألف نحو : (ها) و (هنا) يجوز فيه ثلاثة أوجه : إبقاؤها ألفا كما في الوصل ، وإبدالها همزة ، وإلحاق هاء السكت بعدها ، سمع : (هو أحرى بهأ) بالهمزة ، وأما قلب الألف هاء كقوله :

١٧٩٣ ـ من ها هنا ومن هنه

فشاذ إلا في الاسم المندوب فإنه يتعين فيه الوجه الثالث وهو إلحاق الهاء نحو : يا زيداه ، ولا يوقف عليه بالألف فقط ولا تبدل ألفه همزة ، ولحوق هذه الهاء خاص بالمبني فلا يقال : موساه ولا عيساه حذرا من التباسه بالمضاف إليه ، وربما قلبت الألف الموقوف عليها همزة أو ياء أو واوا نحو : هذه أفعأ أو أفعي أو أفعو في هذه أفعى ، وهذه عصأ أو عصي أو عصو في عصا الأولى والأخيرة لغة بعض طيئ ، والثانية لغة فزارة.

ونص سيبويه على أن هذه اللغات الثلاث في كل ألف في آخر اسم سواء كانت أصلية أو غير أصلية ، وحكى الخليل أن بعضهم يقول : رأيت رجلأ فيهمز ؛ لأنها ألف في آخر الاسم ، واختلف في الوقف على إذن فمذهب أبي علي والجمهور إبدال نونها في الوقف ألفا ، وذهبت طائفة إلى أنه يوقف عليها بالنون.

قال أبو حيان : وأما عن ولن وأن ونحوها فإنها يوقف عليها بالنون إذا اضطر إلى ذلك ؛ لأنها حروف لا يحسن الوقف عليها ، بخلاف إذن فإنه يحسن الوقف عليها والفصل،

__________________

١٧٩٢ ـ تقدم الشاهد برقم (١٧٤٠).

١٧٩٣ ـ تقدم الشاهد برقم (٢١٥) ، (١٧٢٢).

٢٨٥

في «الإقناع» إلى مذهب سيبويه والخليل ، وقال أبو حيان : إنه الأرجح.

وأما المنقوص فإن حذف فاؤه ك : ويف علما ومثله وقى يقي ، أو عينه ك : مرء اسم فاعل من أرأى يرئي علما فإنه يوقف عليه برد الياء حتما في الأحوال كلها ؛ إذ لو وقف عليه بدونها لزم الإخلال بالكلمة ؛ إذ لم يبق فيها إلا حرف واحد وإن لم يحذف منه فاء ولا عين ، فإن كان منصوبا ثبتت في الياء في الوقف وأبدل من التنوين ألف نحو : رأيت القاضي ورأيت قاضيا ، وإن كان مرفوعا أو مجرورا فالأفصح إن كان منونا حذف يائه نحو : هذا قاض ومررت بقاض ، وإن كان غير منون إثبات يائه ، وتحت ذلك صور : أن يكون معرفا باللام نحو : جاء القاضي ومررت بالقاضي ، أو بالإضافة نحو : جاء قاضي مكة وقاضي المدينة ، أو غير منصرف نحو : هؤلاء جواري ، أو منادى نحو : يا قاضي ، واختيار إثبات الياء في الوقف على المنادى هو مذهب الخليل ، ومذهب يونس اختيار حذفها نحو : يا قاض ، قال سيبويه : وهو أقوى ؛ لأن النداء محل حذف ألا تراهم رخموا فيه الأسماء ، ومقابل الأفصح في المنون لغة قوم يثبتون الياء فيه نحو : هذا قاضي وغازي ، وبها قرأ ابن كثير وورش في أحرف ، ومقابله في المعرف باللام لغة قوم يحذفون الياء منه ، وعلى هذه اللغة قوله : (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [الرعد : ٩] ، (يَوْمَ التَّنادِ) [غافر : ٣٢] ، وهي جارية في المضاف الملاقي الساكن نحو : قاضي المدينة إذا وقف عليه وزالت الإضافة ، وحكم ياء المتكلم الساكنة وصلا والمحذوفة ، وحكم الياء والواو المتحركين حكم الصحيح ، فيوقف على الأولى بالسكون كما هي في الدرج نحو : جاء غلامي ورأيت غلامي ومررت بغلامي ، وعلى الثانية بإبقاء حذفها كحالها في الوصل نحو : يا قوم ، وعلى الآخرين بحذف الحركة نحو : لن يرمي ولن يغزو ، وأما ياء المتكلم المتحركة فإنه يجوز الوقف عليها بالسكون ، ويجوز الهاء مع التحريك فتقول في قام غلامي قام غلامي وقام غلاميه ، وأما الياء والواو الساكنتان فيوقف عليهما بالسكون كحالهما في الوصل نحو : يرمي ويدعو ، ولا يحذفان إلا في فاصلة أو قافية كقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : ٤] ، وقول الشاعر :

١٧٩١ ـ وأراك تفري ما خلقت وبع

ض القوم يخلق ثم لا يفر

__________________

١٧٩١ ـ البيت من الكامل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٩٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٧١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٧٠ ، وشرح المفصل ٩ / ٧٩ ، والكتاب ٤ / ١٨٥ ، ٢٠٩ ، ولسان العرب ١٠ / ٨٧ ، مادة (خلق) ، ١٥ / ١٥٣ ، مادة (فرا) ، والمنصف ٢ / ٧٤ ، ٢٣٢ ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٠٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٨.

٢٨٦

قال : وأما النون الخفيفة فلا خلاف أنه يوقف عليها بإبدال نونها ألفا إذا انفتح ما قبلها ، قال : واختلف في (كائن).

قال : وإذا حذف من الفعل حرف صحيح لكثرة ذلك الاستعمال وذلك المضارع من كان نحو : لم يك ، ثم وقف عليه فنص بعض أصحابنا أنه لا يكون فيه الوقف على الكاف ولا يجري مجرى (ما أدر) في الوقوف على الراء ؛ لأن نون لم يك لم تحذف عند التقاء الساكنين بلا تحرك فيه ، بخلاف ياء (ما أدري) فإنها تحذف عند التقاء الساكنين ، فلما خالفه في الوصل في هذا خالفه في الوقف ، ولأنه لو وقف عليه بالسكون لكان إخلالا بالكلمة فصار بمنزلة ما مر ، قال : وظاهره أنه ترد النون المحذوفة كما ترد الياء في مرء ، وأما القراء فإنهم يقفون على الكاف ولا يردون المحذوف ، قال : وعلامة الجزم في (لم يك) حذف الحركة التي كانت على النون المحذوفة لكثرة الاستعمال ، وصرح أبو علي في «العسكريات» بأنه حذفت الحركة للجزم ثم كثر استعمالهم له فحذفوا النون للجزم كما تحذف حروف العلة للجزم ؛ لأنها تشبهها في أمور معلومة ، فهو جزم بعد جزم حذف بتدريج ، ونظير لم يك لم يكن انتهى.

(ص) مسألة : يوقف على حركة غير التاء بالسكون والروم مطلقا ، وقيل : لا روم في الفتح ، والإشمام في الضم والتضعيف إن لم يكن همزة أو لينا أو تالي سكون أو منصوبا منونا ، ونقل حركته لساكن قبله إن قبلها ، ولم يوجب عدم النظير ما لم يكن همزة ، ولا ينقل من غيرها الفتح في الأصح ، ثم يحذف ويوقف على المنقول إليه ثابتا له ما مر في الأفصح ، والمنقول حركة الآخر ، وقيل : مثلها لالتقاء الساكنين ، وقيل : للدلالة على الإعراب ، وقيل : لهما.

(ش) إذا كان آخر الموقوف عليه متحركا غير تاء التأنيث جاز في الوقف عليه أمور:

أحدها : السكون وهو الأصل في الوقف على المتحرك ، وذكروا أنه لما كان الأصل لشيئين ، أحدهما : أن الحرف الموقوف عليه مضاد للحرف المبتدأ به ؛ لأن الوقف هو الانتهاء ، والانتهاء مضاد للابتداء ، فينبغي أن تكون صفته مضادة لصفته ، والابتداء لا يكون إلا بمتحرك فيكون هذا ساكنا ، والآخر : أن الوقف موضع استراحة ؛ لأنه موضع يضعف فيه الصوت ، فاختاروا للحرف الموقوف عليه أخف الأحوال وهو السكون ، وجعلوا علامته في الخط حاء فوق الحرف وصورتها هكذا (ح).

الثاني : الروم وهو إخفاء الصوت بالحركة هكذا شرحه ابن مالك ، وقال بعضهم : هو

٢٨٧

ضعف الصوت بالحركة من غير سكون ، فتكون حالة متوسطة بين الحركة والسكون ، وتكون في الحركات كلها في المرفوع منونا كان أو غير منون ، وهو كجزء من الضمة ، وفي المنصوب غير المنون ، وفي المفتوح ، وفي المجرور بالكسرة وبالفتحة ، وفي المكسور ، وهو كجزء من الكسرة ، ويحتاج في المنصوب والمفتوح إلى رياضة لخفة الفتحة وتناول اللسان لها بسرعة ، ولذلك لم يجزه الفراء في الفتحة ، وأما النحويون فمذهب الجمهور جوازه في الفتحة ، قال الأستاذ أبو الحسن بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري عرف بابن الباذش : «زعم أبو حاتم أن الروم لا يكون في المنصوب لخفته والناس على خلافه ؛ لأن الروم لا يرفع حكمه حكم السكون لما فيه من جري بعض الحركة في الوقف فلا يمنع أن يكون الفتح كغيره» ا ه.

وأما المنصوب المنون فمن وقف عليه من العرب دون تعويض فإنه يقف بالإسكان والروم.

الثالث : الإشمام وهو الإشارة إلى الحركة دون صوت ، فهو لا يدرك إلا بالرؤية وليس للسمع فيه حظ ، ولذلك لا يدركه الأعمى ويدركه بالتعلم بأن يضم شفتيه إذا وقف على الحرف ، قال أبو الحسن الحصري في قصيدته :

١٧٩٤ ـ يرى رومنا والعمي تسمع صوته

وإشمامنا مثل الإشارة بالشّعر

وذكر النحويون أن الإشمام مختص بالضمة سواء كانت إعرابا أم بناء ، قالوا : ولا يكون في المنصوب والمجرور ؛ لأن الفتحة من الحلق والكسرة من وسط الفم ولا تمكن الإشارة لموضعهما فلا إشمام في النصب والجر ؛ لأنه لا آلة له بخلاف الروم ؛ لأنه عمل اللسان فقط فيلفظ بهما لفظا خفيفا ويسمع ، قال أبو حيان : وقولهم في الروم : إنه عمل اللسان لا يتم إلا في الحروف اللسانية وهي التي يكون للسان عمل في حركاتها ، ألا ترى أن الحروف الحلقية والشفهية لا عمل للسان فيها ومع ذلك فيها الروم ، وإنما لم يكن الإشمام في الفتحة والكسرة ؛ لأن الإشارة إليهما فيها تشويه لهيئة الشفة انتهى.

الرابع : التضعيف ، ويقال فيه : التثقيل تارة بأن تجيء بحرف ساكن من جنس الحرف الموقوف عليه فيجتمع ساكنان فيحرك الثاني ويدغم فيه الأول ، وقال بعضهم : التضعيف تشديد الحرفين في الوقف نحو : (هذا جعفر) و (قام الرجل) ، ولا يجوز ذلك في الهمز

__________________

١٧٩٤ ـ لم نعثر عليه في المصادر التي بين أيدينا.

٢٨٨

نحو : (بناء) ؛ لأن العرب تنكبت إدغام الهمزة في الهمزة إلا إذا كانت عينا نحو : سأال ولآل ، ولا في حرف لين نحو : يعي وسرو ، ولا في تالي ساكن نحو : عمرو وبكر ويوم وبين ولا في منصوب منون ؛ لأنه يوقف عليه في أشهر اللغات بإبدال ألف من تنوينه ، ولا تضعيف في الألف قال أبو حيان : ولم يؤثر الوقوف بالتضعيف عن أحد من القراء إلا ما رواه عصمة بن عروة عن عاصم أنه وقف على قوله تعالى : (مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٣] في سورة القمر بتشديد الراء ، وذلك بخلاف الإسكان والروم والإشمام فإن ذلك مروي عنهم.

الخامس : النقل بأن تنقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى الحرف الساكن قبله نحو :

قام عمرو بضم الميم ومررت ببكر بكسر الكاف ، قال :

١٧٩٥ ـ أنا ابن ماويّة إذ جدّ النقر

وقال :

١٧٩٦ ـ أرتني حجلا على ساقها

فهش الفؤاد لذاك الحجل

وقال :

١٧٩٧ ـ عجبت والدّهر كثير عجبه

من عنزيّ سبّني لم أضربه

قال أبو حيان : ولم يؤثر الوقوف بالنقل عن أحد من القراء إلا ما روي عن أبي عمرو أنه قرأ : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر : ٣] بكسر الباء ، وقرأ سلام عن السدي : (وَالْعَصْرِ) [العصر : ١] بكسر الصاد ، قال : والظاهر من كلام ابن مالك أن الحركة التي كانت على الحروف الموقوف عليه هي بعينها التي نقلت إلى الساكن قبل الحرف ، وبه قال بعض النحويين ، قال : نقلوا لئلا تذهب حركة الإعراب بالجمة ، وقال أبو علي : هذه الحركة لالتقاء الساكين واستدل على ذلك بأنهم لم ينقلوا في زيد وعون ؛ لأن الياء والواو احتملتا

__________________

١٧٩٥ ـ تقدم برقم (١٥١٤).

١٧٩٦ ـ البيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في أسرار العربية ص ٤١٥ ، والإنصاف ٢ / ٧٣٣ ، وشرح المفصل ٩ / ٧١ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١١٨ ، ولسان العرب ١١ / ٢٦٧ ، مادة (رجل) ، ومجالس ثعلب ص ١١٨ ، والمنصف ١ / ٨ ، ١٦١ ، والعمدة ص ١٠٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٧.

١٧٩٧ ـ الرجز لزياد الأعجم من ديوانه ص ٤٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٦١ ، والكتاب ٤ / ١٨٠ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٥٤ ، مادة (لمم) ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٣٨٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٧٥٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٢٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٩٧٤ ، وشرح المفصل ٩ / ٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٣.

٢٨٩

ذلك كما احتملتا أن يدغم ما بعدهما في نحو : ثوب بكر ، قال أبو حيان : وينفصل عن هذا بما يلزم من استثقال الحركة في حرف العلة.

قال : وقال أبو علي أيضا : وليس بتحريك لالتقاء الساكنين محضا ، ألا ترى أنه يدل على الحركة المحذوفة من الثاني ، فدل هذا على أن النقل جمع بين التخلص من التقاء الساكنين وبين الدلالة على حركة الإعراب ، وقال المبرد والسيرافي : هذا النقل للدلالة على لحركة المحذوفة كما راموا الحرف وأشموه للدلالة ، واحتجا بأن الوقف يحتمل فيه الجمع بين ساكنين ولا يتعذر ، فإنما نقلوا لبيان حركة الموقوف عليه ، ثم إن النقل لا يكون إلا إلى ساكن ، فإن كان ما قبل الحرف الآخر متحركا فلا يجوز النقل ، فلا يقال : مررت بالرجل بكسر الجيم نقلا لحركة اللام إليها ؛ لأنها مشغولة بحركتها ، ولأن النقل إنما كان فرارا من التقاء الساكنين وهو مفقود في الذي تحرك ما قبله ، ولغة لخم النقل إلى المتحرك قال :

١٧٩٨ ـ من يأتمر للحوم فيما قصده

تحمد مساعيه ويعلم رشده

وشرط الساكن أن يكون صحيحا ، فإن كان حرف علة ك : (دار) و (عون) و (بين) لم يجز النقل إليه ؛ لاستثقال الحركة على حرف العلة ، وألا يكون مضاعفا نحو : (العل) فلا يقال : انتفعت بالعلل ؛ لأن ذلك مفض إلى فك المدغم ، وقد اعترفوا على إدغامه فلا يفك مثل هذا إلا في ضرورة الشعر ، وشرط المنقول منه أن يكون حرفا صحيحا فلا ينقل من غزو ؛ لأنه يؤدي إلى كون الآخر واوا قبلها ضمة في المرفوع وذلك مرفوض ، وإلى القلب والتغيير في المخفوض ، وشرط النقل ألا يؤدي إلى عدم النظير فلا يجوز في انتفعت ببسر ؛ لأنه يصير على وزن فعل وهو مفقود في الأسماء ، ولا في هذا بشر ؛ لأنه يصير على وزن فعل وهو مفقود في الكلام ، بل يتبع فيقال : ببسر وهذا بشر ، ويستثنى من هذا الشرط المهموز فإنه يجوز النقل فيه وإن أدى إلى عدم النظير ويغتفر فيه ذلك ؛ لأن الضرورة فيه أخف من الهمز الساكن ما قبله ، فيقال : هذا الردء ومررت بالبطء.

وشرط الحركة المنقولة ألا تكون فتحة ، فلا يقال : قرأت العلم بالنقل ، بل العلم بالإتباع ، وذكروا في امتناع النقل من الفتحة إلى الساكن قبلها وجهين :

أحدهما : أنهم لو نقلوا في الوقف وسكنوا في الوصل كانوا كأنهم سكنوا فعل ، ولا

__________________

١٧٩٨ ـ الرجز بلا نسبة في المقاصد النحوية ٤ / ٥٥٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٧٥٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٧.

٢٩٠

يجوز تسكينه بخلاف المضموم والمكسور ، قال أبو حيان : وهذا ضعيف ؛ لأن فيه مراعاة الحالة العارضة وهي النقل في الوقف فصار الوقف كأنه أصل ؛ إذ خافوا أن يكون في ذلك فعل إذا وصلوا والوصل هو الأصل وهو السكون.

والثاني : أن المنصوب إن كان منونا فيبدل من تنوين ألف فلا يمكن النقل ؛ لأن ما قبل الألف تلزمه الفتحة ، وذلك بخلاف المرفوع والمجرور وإن كان فيه الألف واللام فهو في حكم المنون ؛ لأنها بدل منه ؛ ولأن الألف واللام لا تلزم فكان التنوين موجودا ، قال أبو حيان : وهذا ضعيف ؛ لأن هذه العلة ليست شاملة ألا ترى أن من الأسماء المفتوحة الساكن ما قبلها ما لا يكون منونا ولا فيه ألف ولام ، وذلك نحو : جمل ودعد وهند إذا منعن من الصرف ونحو : حضجر اسم امرأة فلا مانع يمنع هذا النوع من النقل في النصب ؛ لارتفاع تلك العلة المانعة ، ويستثنى من هذا الشرط أيضا المهموز فإنه يجوز فيه نقل حركة الهمزة إذا كانت فتحة إلى الساكن الصحيح قبلها ، فيقال : رأيت الردء والخبء ، واغتفر فيه ذلك كما اغتفر فيه الأداء إلى عدم النظير ، بل هذا أولى.

وخالف الكوفيون في هذا الشرط فأجازوا نقل الفتحة إلى الساكن قبلها مطلقا ، وإن لم يكن مهموزا فيقولون : رأيت البكر في رأيت البكر ، ووافقهم الجرمي قياسا منه لا سماعا ، قال أبو حيان : ولم يؤثر ذلك عن أحد من القراء ، وفي «الإفصاح» : قد اتسعت القراءات وكثر فيها الشاذ ولم يسمع فيها هذا الوقف ، وإنما جاء في الشعر.

وإذا نقلت حركة الهمزة حذفها الحجازيون واقفين على حامل حركتها كما يوقف عليه مستبدا بها فيقال : هذا الرد ورأيت الرد ومررت بالرد فيصير الساكن الذي يحرك آخر الكلمة فيجري عليه ما جرى على الصحيح إذا وقف عليه في الوجوه الستة : الإسكان والروم والإشمام والإبدال حيث يكون والتضعيف ، وحذفوها في الآخر وألقوا حركتها على ما قبلها كما حذفوها إذا كانت حشوا نحو : أرؤس فقالوا : أرس ، وكان الحذف فيها أولى ؛ لأن الأواخر هي محل التغيير ، وأما غير الحجازيين فإنهم يثبتون الهمزة بعد النقل ساكنة فيقولون : هذا الردء ورأيت الردء ورأيت البطا والخبا والردا ومررت بالبطي والخبي والردي ، أو متبعا نحو : هذا البطو ورأيت البطو ومررت بالبطو وهذا الخبا ورأيت الخبا ومررت بالخبا ، وهذا الردي ورأيت الردي ومررت بالردي.

إبدال تاء التأنيث هاء

(ص) والأفصح إبدال التاء في الاسم تلو حركة هاء ، وسلامتها في جمع

٢٩١

التصحيح وشبهه ، وفي هيهات ولات وجهان ، والأحسن وفاقا لأبي حيان سلامة ربت وثمت ولعلت.

(ش) إذا كان آخر الموقوف عليه تاء تأنيث في اسم فالأفصح إبدالها في الوقف هاء إن تحرك ما قبلها لفظا كفاطمه وقائمه وطلحه وغلمه ، أو تقديرا كالحياه والقناه فإن أصل هذه الألف حرف علة متحرك انقلبت عنه ، واحترز بهذا الشرط من نحو : بنت وأخت فإن تاءهما للتأنيث ، لكن لم يتحرك ما قبلها لفظا ولا تقديرا فيوقف عليها بالتاء لا بالهاء ، وخرج بقولنا : «في اسم» التاء التي تكون في الفعل نحو : قامت وقعدت ، وبقولنا : تاء التأنيث تاء التابوت والفرات فإنه مشهور اللغة الوقف عليها بالتاء ، وإن كان بعض العرب وقف عليهما بالهاء ، وبعض العرب لا يبدل وإن اجتمعت الشروط ، قال بعضهم : يا أهل سورة البقرت ، فقال مجيب : لا أحفظ فيها ولا آيت ، وقال الراجز :

١٧٩٩ ـ الله نجّاك بكفّي مسلمت

من بعد ما وبعد ما وبعدمت

كانت نفوس القوم عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعى أمت

قال أبو حيان : وعلى هذه اللغة كتب في المصحف ألفاظ بالتاء نحو قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [الدخان : ٤٣ ـ ٤٤] ، (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢] ، وسواء على اللغة الفصحى كانت التاء في مفرد أو جمع تكسير كما مثل ، أما جمع التصحيح والمحمول عليه كالهندات والبنات والأخوات وأولات فالأفصح الوقف عليه بالتاء ، ويجوز إبدالها هاء سمع : (دفن البناه من المكرماه) ، و (كيف الإخوة والأخواه؟).

قال أبو حيان : وكان القياس أن يكون الوقف بالهاء ؛ لأنها التي للتأنيث لكنهم أرادوا التفرقة بينها وبين ما تكون فيه للواحد كالسعلاة وعلقاة ؛ لأن التاء في المفرد بمنزلة شيء ضم إلى شيء ، والتاء في الجمع قريبة من تاء الإلحاق تحو تاء (عفريت) ؛ لأنها صارت مع التأنيث تدل على الجمع كالواو والنون في زيدين ، فصحت لذلك ، وفي «الإفصاح» : ما حكاه الفراء وقطرب من الوقف عليها بالهاء شاذ لا يقاس عليه ، وفي كتاب «اللوائح» لأبي الفضل الرازي أن الوقف عليها بالهاء لغة طيئ ، وفي هيهات وجهان إقرار التاء وإبدالها هاء ، وقد وقف عليها بالوجهين في السبعة ، وعلى لات ويا أبت.

__________________

١٧٩٩ ـ تقدم الشاهد برقم (١٧٢١).

٢٩٢

قال أبو حيان : وأما ثمت وربت ولعلت فالقياس على لات سائغ فيوقف عليهن بالتاء والهاء ، قال : وقد ذهب إلى ذلك في ربت ابن مالك ، قال : والأحسن عندي الوقف عليها بالتاء كالوصل.

هاء السكت

(ص) ويوقف بهاء السكت وجوبا على فعل حذف آخره مع فائه أو عينه ، وما الاستفهامية إن جرت باسم وإلا فاختيارا ، ويجوز في حركة لا تشبه الإعرابية لا مبني للنداء ، أو قطع عن الإضافة ، أو اسم لا ، وكذا الماضي في الأصح ، وثالثها تلحق اللازم.

(ش) مما يختص به الوقف زيادة هاء السكت فيوقف بها على الفعل المعتل الآخر في الجزم ، أو في الوقف ، فإن كان محذوف الفاء نحو : لا تق زيدا وق عمرا ، محذوف العين نحو : لا تر زيدا أو ر بكرا ووقف عليه وجب إلحاق الهاء ؛ لأنه بقي على حرف واحد ، كما وجب رد الياء في نحو : مر ونحوه ، وإنما لم ترد هنا اللام المحذوفة ؛ لأن الموجب لحذفها قائم موجود وهو الجزم أو الوقف ، بخلاف مر فإن الموجب لحذف لامه قد زال في الوقف فلذلك كان الحرف اللاحق في ق ونحوه الهاء ، وكان لزومها في الوقف عوضا من المحذوف الذي هو الفاء والعين لا اللام.

وإن كان غير محذوف الفاء ولا العين فيختار إلحاق الهاء نحو : ارمه واغزه ولا ترمه ولا تغزه ويجوز تركها ، وإنما كان الأكثر والاختيار إلحاق الهاء في هذا النوع ؛ لأن الكلمة قد لحقها الاعتلال بحذف آخرها ، فكرهوا أن يجمعوا عليها حذف لامها وحذف الحركة ، ووجه اللغة الأخرى أن الكلمة قويت بالاعتماد على كونها على أكثر من حرف فشبهت بما لم يحذف منه شيء ، والمدغم في ذلك كغيره نحو : لم يضل الأكثر فيه لم يضله ، وما الاستفهامية إن جرت باسم نحو : مجيء م جئت وجب عند الوقف إلحاقها الهاء فيقال : مجيء مه ، وإن جرت بحرف نحو : لم تفعل وعم تسأل فالأحسن إلحاقها الهاء فيقال : لمه وعمه ، ويجوز لم وعم بالإسكان ، وإنما كان هذا ؛ لأن الجار الحرفي متصل كالجزء منها فصارت كأنها على حرفين فأشبهت ارمه.

وأما الاسم فليس متصلا بالشيء كاتصال الحرف فلزم كون الاسم على حرف واحد فأشبه قه ، والوقف بغير هاء فيما حرف الجر منه على أزيد من حرف واحد نحو : على م

٢٩٣

وإلى م أقل منه فيما كان على حرف واحد نحو : بم ولم ، قال أبو حيان : «وقد جاء في السبعة الوقف على ما الاستفهامية المجرورة بالحرف ، وإن كان أكثر وقوفهم عليها بغير الهاء وذلك باتباع رسم المصحف ، والذين نقلوا اللسان العربي ذكروا أن الأكثر والأفصح الوقف بالهاء» ا ه.

ويجوز اتصال الهاء بكل متحرك حركة غير إعرابية سواء كانت بنائية نحو : هوه وهيه وثمه وإنه أم لا نحو : الزيدانه والمسلمونه ويجوز في ذلك ترك الهاء والوقف بالسكون ، ولا تتصل بمنادى مضموم ولا بمبني لقطعه عن الإضافة نحو : (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، وشذ قوله :

١٨٠٠ ـ وأضحى من عله

ولا باسم لا نحو : لا رجل ولا بفعل ماض نحو : ضرب ، وعلة هذه أن حركاتها وإن كانت بناء فهي شبيهة بحركات الإعراب ؛ لوجودها عند مقتضياتها وانتفائها عند عدمها ورجوعها إلى أصلها من الإعراب ، وأما حركة الفعل الماضي وإن كان مبنيا بالأصل فإنه شبيه بالمضارع كما مر أول الكتاب ، وما ذكر من أنها لا تلحق الماضي هو مذهب سيبويه والجمهور ، وقيل : تلحقه مطلقا ؛ لأنه مبني على حركة لازمة فلحقته قياسا على غيره من المبنيات ، وقيل : تلحقه إن لم يخف لبس ولا تلحقه إن خيف ، فيقال في قعد : قعده ، ولا يقال في ضرب : ضربه ؛ لئلا يلتبس بضمير المفعول بخلاف قعده فإنه لا يتعدى إلى مفعول فلا يلبس ، وهو معنى قولي : «وثالثها تلحق اللازم» ، أي : دون المتعدي.

(ص) وقد يوقف على حرف موصلا بألف أو همزة ، والأفصح الوقف على الروي بمدة ، ويجري الوصل كالوقف ضرورة كثيرا ودونها قليلا.

(ش) مثال المسألة الأولى قوله :

١٨٠١ ـ قد وعدتني أمّ عمرو أن تا

أي : تأتي ، فوقف على حرف المضارعة ووصله بألف ، وقوله :

__________________

١٨٠٠ ـ الرجز لأبي مروان في شرح التصريح ٢ / ٣٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٣٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٧٩١).

١٨٠١ ـ الرجز لحكيم بن معية التميمي في الموشح ص ١٥ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٢٩١ ، ولسان العرب ١ / ١٦٤ ، مادة (نتأ) ، ٩ / ٢٩٢ ، مادة (قنف) ، ١٥ / ١٦٢ ، مادة (فلا) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٠.

٢٩٤

١٨٠٢ ـ بالخير خيرات وإن شرّا فأا

أي : فشر فوقف على الفاء التي هي جواب الشرط ووصلها بهمزة وألف ، ومثال الوقف على الروي بزيادة مدة مطلقا قصد الترنم أم لا ، وذلك لغة الحجازيين قوله :

١٨٠٣ ـ وأنك مهما تأمري القلب يفعلي

والتميميون لا يفعلون ذلك إلا إذا ترنموا ، فإن لم يترنموا حذفوا المدة ، ثم منهم من يقف بالسكون كما يقف في الكلام كأنه ليس في شعر فيقول :

١٨٠٤ ـ أقلي اللّوم عاذل والعتاب

ومنهم من يعوض من المدة التنوين كما تقدم ، أما المقصور وما شاكله فلا يحذف أحد مدته ، ومثال إجراء الوصل مجرى الوقف ضرورة قوله :

١٨٠٥ ـ يا أبا الأسود لم خلفتني

سكن ميم لم في الوصل ، وقوله :

١٨٠٦ ـ أتوا ناري فقلت : منون أنتم

وإنما تثبت الزيادة في الوقف ، قال أبو حيان : وهذا كثير لا يكاد ينحصر ، ومثاله

__________________

١٨٠٢ ـ الرجز لنعيم بن أوس في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٢٠ ، ٣٢١ ، وللقيم بن أوس في نوادر أبي زيد ص ١٢٦ ، ١٢٧ ، ولحكيم بن معية التميمي وللقمان بن أوس بن ربيعة في لسان العرب ١٥ / ٢٨٨ ، مادة (معي) ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٢٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٦٢ ، والكتاب ٣ / ٣٢١ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٤٤ ، مادة (تا) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٩.

١٨٠٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٨ ، شرح شواهد المغني ١ / ٢٠ ، وشرح قطر الندى ص ٨٥ ، والكتاب ٤ / ٢١٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٥٦ ، والخصائص ٣ / ١٣٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥١٤ ، وشرح المفصل ٧ / ٤٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٢.

١٨٠٤ ـ تقدم الشاهد برقم (١٣٨٩) ، (١٧٢٥).

١٨٠٥ ـ البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢١١ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٠٠ ، ٧ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٩٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٢٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٩ ، وشرح المفصل ٩ / ٨٨ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٥٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٢٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٨.

١٨٠٦ ـ تقدم الشاهد برقم (١٨٤٢).

٢٩٥

اختيارا قوله تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ) [البقرة : ٢٥٩] ، (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] أثبت الهاء في الوصل إجراء له مجرى الوقف.

خاتمة : لا ابتداء بساكن

(ص) لا ابتداء بساكن ، قال ابن جني وأبو البقاء : وهو محال في كل لغة ، والسيد وشيخنا الكافيجي : ممكن في غير الألف ، فإن احتيج إليه جيء بهمز الوصل وذلك في الماضي الخماسي والسداسي وأمره ومصدره وأمر الثلاثي وأل وأم على قول ، وحفظت في اسم واست وايمن وابنم وابن واثنين وامرئ وفروعها ، وتكسر إلا في ايمن وأل فتفتح ، وإلا ما تلو ساكنها ضمة أصلية فتضم على الأفصح ، وتشم لإشمامه في الأصح ، ولا تثبت وصلا اختيارا ، واختلف هل وضعت أولا وصلا ، وهل وضعت ساكنة ، وإذا تلت همزة الاستفهام مفتوحة فقال ابن الباذش : تسهل ، وأبو علي وابن الحاجب : تبدل ألفا ، وابن عظيمة : تحذف.

(ش) لا يبتدأ بساكن وهو محال في كل لغة أما في الألف فبالإجماع ، وأما في غيرها فكذلك نص عليه ابن جني وأبو البقاء العكبري ، وذهب السيد الجرجاني وشيخنا العلامة الكافيجي إلى أنه ممكن إلا أنه مستثقل ، فإذا احتيج إلى الابتداء بالساكن توصل إليه باجتلاب همزة الوصل ، وذلك في الأفعال الماضية الخماسية والسداسية كانطلق واستخرج ، وفي الأمر منها كانطلق واستخرج ، وفي مصادرها كالانطلاق والاستخراج ، وفي فعل الأمر من الثلاثي كاضرب واعلم واخرج ، وفي أل المعرفة على رأي من يقول : إن أداة التعريف اللام وحدها أو أل بجملتها وهمزتها وصل ، وقد تقدم الخلاف في ذلك ، وفي أم المعرفة في لغة طيئ.

ولم تقع همزة الوصل في شيء من الحروف سوى أل وأم المذكورتين ، ولا في الأسماء إلا في عشرة أسماء محفوظة وهي : اسم واست وايمن وابنم وابن وابنة واثنان واثنتان وامرئ وامرأة ، وهي مكسورة في الأسماء المذكورة إلا ايمن فإنها فيه مفتوحة ، وتفتح أيضا في أل وأم ولا رابع لها ، وهي فيما عدا ذلك مكسورة إلا إن تلا الساكن الذي بعدها ضمة أصلية فإنها تضم تبعا له في الأفصح ، وسواء كانت تلك الضمة موجودة كاخرج في الأمر واستخرج في الماضي المبني للمفعول ، أم مقدرة كاغزي يا هند وادعي ؛ لأن أصله اغزوي وادعوي فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت ثم حذف الواو للساكنين.

واحترز بالأصلية من العارضة نحو : امشوا واقضوا فإن الهمزة فيه مكسورة ، ومن

٢٩٦

العرب من يكسر همزة الوصل مع الأصلية أيضا على الأصل ، ولا يتبع وهي لغة شاذة حكاها ابن جني في «المنصف» وتشم الهمزة الضم قبل الضمة المشمة نحو : انقيد واختير على لغة الإشمام ، ولا تثبت همزة الوصل غير مبدوء بها إلا في ضرورة كقوله :

١٨٠٧ ـ إذ جاوز الإثنين سرّ فإنّه

بنثّ وتكثير الحديث قمين

وكثر قطعها في أوائل أنصاف الأبيات ؛ لأنها إذ ذاك كأنها في ابتداء الكلام كقوله :

١٨٠٨ ـ لا نسب اليوم ولا خلة

إتّسع الخرق على الراقع

وقد اختلف في همزة الوصل هل وضعت همزة؟ فقال ابن جني : نعم ، وقيل : يحتمل أن يكون أصلها ألفا ، وإنما قلبت همزة لأجل الحركة ، فقال الفارسي وغيره : اجتلبت ساكنة وكسرت لالتقاء الساكنين ، وعلله الشلوبين بأن أصل الحروف السكون ، وقيل : اجتلبت متحركة ؛ لأن سبب الإتيان بها التوصل إلى الابتداء بالساكن فوجب كونها متحركة كسائر الحروف المبدوء بها ، وأحق الحركات بها الكسرة ؛ لأنها راجحة على الضمة بقلة الثقل ، وعلى الفتحة بأنها لا توهم استفهاما ، وقال الكوفيون : حركتها للإتباع فكسرت في اضرب إتباعا للكسرة ، وضمت في اخرج إتباعا للضمة ، ولم تتبع في المفتوح لئلا يلتبس الأمر بالخبر ، وإذا وقعت همزة الوصل المفتوحة بعد همزة الاستفهام كقوله تعالى : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) [الأنعام : ١٤٣] ، فقد كان حقها أن تحذف كما يحذف غيرها من همزات الوصل إذا وليت همزة الاستفهام كقوله تعالى : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) [الصافات : ١٥٣] ، لكنه كان لا يعلم أهي همزة الاستفهام أم همزة أل لو حذفت ، وبدئ بها فعدل عن ذلك إلى إبدالها ألفا أو تسهيلها ، وذهب أبو عمرو بن عظيمة إلى أن همزة الاستفهام حذفت على الأصل ، وأن المدة ليست بدلا منها وإنما هي مدة زائدة للفرق بين الاستفهام والخبر ، ويرده وجه «التسهيل» ، وقال المهاباذي : إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل حذفت إلا أن تكون مفتوحة كالتي مع لام التعريف وايمن وايم ، فإنها تثبت ألفا في هذه الثلاثة.

__________________

١٨٠٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه ص ١٦٢ ، وحماسة البحتري ص ١٤٧ ، وسمط الآلي ص ٧٩٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٨٣ ، ولسان العرب ٢ / ١٩٤ ، مادة (نثث) ، ١٣ / ٣٤٧ ، مادة (قمن) ، ١٤ / ١١٧ ، مادة (ثني) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٦٦ ، ونوادر أبي زيد ص ٢٠٤ ، ولجميل بثينة في ملحق ديوانه ص ٢٤٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٤ ، وفي نسخة (الوشاه) مكان (الحديث).

١٨٠٨ ـ تقدم الشاهد برقم (١٦٧٢).

٢٩٧

الكتاب السابع :

في التصريف

(ص) أعني تغيير الكلم بالزيادة والحذف والإعلال ، ويختص بالاسم المعرب والفعل المتصرف.

(ش) التصريف لغة : التقليب من حالة إلى حالة ، وهو مصدر صرّف ، أي : جعله يتقلب في أنحاء كثيرة وجهات مختلفة ، ومنه : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) [الأنعام : ٤٦] ، (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) [الإسراء : ٤١] ، أي : جعلناه على أنحاء وجهات متعددة ، أي : ليس ضربا واحدا ، أما في اصطلاح النحاة فقال في «التسهيل» : هو علم يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك ، وقال أبو حيان : علم النحو مشتمل على أحكام الكلمة والأحكام على قسمين : قسم يلحقها حالة التركيب ، وقسم يلحقها حالة الإفراد.

فالأول قسمان : قسم إعرابي ، وقسم غير إعرابي ، وسمي هذان القسمان علم الإعراب تغليبا لأحد القسمين.

والثاني أيضا قسمان : قسم تتغير فيه الصيغ لاختلاف المعاني نحو : ضرب وضارب وتضارب واضطراب وكالتصغير والتكسير وبناء الآلات وأسماء المصادر وغير ذلك ، وهذا جرت عادة النحويين بذكره قبل علم التصريف وإن كان منه ، وقسم تتغير فيه الكلمة لاختلاف المعاني كالنقص والإبدال والقلب والنقل وغير ذلك ، ومتعلق التصريف من أنواع الكلمة الاسم المعرب والفعل المتصرف فلا مدخل له في الحروف ولا في الأسماء المبنية ولا الأفعال الجامدة نحو : ليس وعسى.

الاشتقاق

(ص) الاشتقاق أصغر وهو رد لفظ إلى آخر لمناسبة في المعنى والحروف

٢٩٨

الأصلية ، وأكبر ويجوز فيه ترك الترتيب ، ولم يثبته غير أبي علي وابن جني ، وأنكر قوم الأول أيضا ، وقال الزجاج : كل كلمة فيها حرف من كلمة فهي مشتقة منها ، وعزاه لسيبويه ، ولا بد فيه من تغيير ولو تقديرا.

(ش) الاشتقاق نوعان أكبر وأصغر ، فالأكبر هو عقد تقاليب الكلمة كلها على معنى واحد كما ذهب إليه ابن جني في مادة (ق ول) أن تقاليبها الستة على معنى الخفة والسرعة نحو : القول والقلو والولق والوقل واللوق واللقو ، وكما ذكر صاحب «المحرر» في مادة الكلمة أن خمسة منها موضوعة لمعنى الشدة والقوة وهي الكلم والكمل واللكم والمكل والملك والسادس مهمل وهو اللمك.

قال أبو حيان : ولم يقل بهذا الاشتقاق الأكبر أحد من النحويين إلا أبو الفتح بن جني ، وحكي عن أبي علي أنه كان يأنس به في بعض المواضع ، قال : والصحيح أن هذا الاشتقاق غير معول عليه ؛ لعدم اطراده ، والاشتقاق الأصغر هو إنشاء مركب من مادة يدل عليها وعلى معناه ، وهذا الاشتقاق أيضا فيه خلاف ، ذهب الخليل وسيبويه وأبو عمرو وأبو الخطاب وعيسى بن عمرو الأصمعي وأبو زيد وأبو عبيدة والجرمي وقطرب والمازني والمبرد والزجاج والكسائي والفراء والشيباني وابن الأعرابي وثعلب إلى أن الكلم بعضه مشتق وبعضه غير مشتق ، وذهبت طائفة من متأخري أهل اللغة إلى أن الكلم كله مشتق وقد نسب هذا المذهب للزجاج ، وزعم بعضهم أن سيبويه كان يرى ذلك ، وزعم قوم من أهل النظر أن الكلم كله أصل وليس منه شيء اشتق من غيره ، وتفريع الناس إنما هو على القول الأول.

قال أبو حيان : واعلم أنه يعرض في اللفظ المشتق مع المشتق منه تغييرات تسعة :

الأول : زيادة حركة كضرب من ضرب.

الثاني : زيادة حرف كطالب من طلب.

الثالث : زيادة حركة وحرف كضارب من ضرب.

الرابع : نقص حركة كفرس من الفرس.

الخامس : نقص حرف كنبت من النبات وخرج من الخروج.

السادس : نقص حركة وحرف كنزا من النزوان.

٢٩٩

السابع : نقص حركة وزيادة حرف كغضبى من الغضب.

الثامن : نقص حرف وزيادة حركة كحرم من الحرمان.

التاسع : زيادة حركة وحرف ونقصان حركة وحرف نحو : استنوق من الناقة فالعين في الناقة ساكنة وفي استنوق متحركة ، والفاء في الناقة متحركة وفي استنوق ساكنة ، والتاء في الناقة موجودة وفي استنوق مفقودة ، والسين في الناقة مفقودة وفي استنوق موجودة.

الميزان الصرفي

(ص) مسألة : يوزن أول الأصول بالفاء وثانيها بالعين وثالثها باللام ، وتكرر للفائق ، وحكم الكوفية بزيادة غير الثلاثة ، ثم اختلفوا في الوزن وصفته والزائد بلفظه إلا المكرر فيما تقدمه وبدل تاء افتعل ، فبالتاء ويحذف من الزنة ويقلب كهو ويعرف الزائد بالاشتقاق وشبهه وسقوطه من نظير وكونه لمعنى ، أو في موضع تلزم فيه زيادته أو تكثر ، واختصاصه ببناء لا يقع فيه ما لا يصلح للزيادة ، ولزوم عدم النظير بتقدير أصالته فيما هو منه أو نظيره.

(ش) اصطلح النحويون على أن يزنوا بلفظ الفعل لما كان الفعل يعبر به عن كل فعل ، وكانت الأفعال لها ظهور الزيادة والأصالة بأدنى نظر ، ثم حملوا الأسماء عليها في أن وزنوها بالفعل فكان أقل ما تكون عليه الكلمة التي يدخلها التصريف ثلاثة أحرف ، فجعلوا حروف الفعل مقابلة لأصول الكلمة والحرف الزائد منطوقا به بلفظه ليمتاز الأصلي من الزائد ، فإن لم تغن الأصول كررت اللام عند البصريين ، فيقال : وزن جعفر فعلل ، ووزن سفرجل فعلّل ؛ لأن الكلمة تكون عندهم ثلاثية ورباعية وخماسية وهي مجردة من الزوائد ، وأما الكوفيون فذهبوا إلى أن نهاية أصل الكلمة ثلاثة وما زاد على الثلاثة حكموا بزيادته فيزنون ما كان ثلاثيا بلفظ الفعل ، وأما ما زاد نحو : جعفر وسفرجل فاختلفوا فيه ، فمنهم من قال : لا نزن شيئا من ذلك ، وإذا سئل عن وزنه قال : لا أدري ، ومنهم من يزن ، واختلف هؤلاء فمنهم من ينطق بلفظ ما زاد عن الثالث فيقول : وزن جعفر فعلر ، ووزن سفرجل فعلجل ، ومنهم من يزن ذلك كوزننا فيقول : فعلل وفعلل مع اعتقاد زيادة ما زاد على الثلاثة.

قال أبو حيان : فإن قلت : ما فائدة وزن الكلمة بالفعل؟ قلت : فائدته التوصل إلى معرفة الزائد من الأصلي على سبيل الاختصار ، فإن قولك : وزن استخراج استفعال أخصر

٣٠٠