همع الهوامع - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

إلا أن تكون هي مضمومة ، فبالواو نحو : يكلؤ ، أو مكسورة فبالياء نحو : (من المكلئ) ، وإن كان ما قبلها مضموما فبالواو نحو : هذه الأكمؤ ورأيت الأكمؤ ، إلا أن تكون هي مكسورة فبالياء نحو : (من الأكمئ) إن قلنا بالتسهيل بين الهمزة والياء ، وبالواو إن قلنا بإبدالها واوا ، وإن كان ما قبلها مكسورا فبالياء نحو : لن يقرئ ومن المقرئ إلا أن تكون مضمومة فبالواو إن قلنا بالتسهيل بين الهمزة والواو ، وبالياء إن قلنا بإبدالها ياء ، وعلى الأول إن اتصل بها ضمير فعلى حسب الحركة قبلها كحالها إذا لم يتصل بها ضمير ، وقيل : إن انضم ما قبلها أو انكسر فكما قبل الاتصال بالضمير تجعل صورتها على حسب الحركة قبلها.

وإن انفتح وانفتحت أو سكنت فبالألف نحو : لم يقرأه ولن يقرأه ، أو انضمت فبالواو نحو : هو يقرؤه ، هذا ما قرره أبو حيان أولا ، ثم حكى قول «التسهيل» : إنه إذا اتصل بالهمزة الأخيرة بعد فتحة أو ألف ضمير متصل فإنها تعطى ما للمتوسطة ، وقال ، لأنها حينئذ كأنها لم تقع أخيرا ؛ إذ لا يوقف عليها ولا يبتدأ بذاك الضمير ، قال : وقد أحال ابن مالك حكم ما وليها ضمير متصل على حكم المتوسطة ، وقد ذكر في المتوسطة أنها تصور بالحرف الذي يؤول إليه في التخفيف إبدالا وتسهيلا ، قال : فعلى هذا يكتب يقرأ بالألف ؛ لأنها قد تخفف بإبدالها ألفا ، وبالواو ؛ لأنها قد تخفف بتسهيلها بينها وبين الحرف الذي من حركتها ، ويكتب (ما أنا) و (ماؤك) و (مائك) بالألف والواو والياء ؛ لأنها قد تخفف بجعلها بين بين لا بالإبدال ، وقيل : إذا كان ما قبلها مفتوحا واتصل بها الضمير فكما لم يتصل يعني أنها تكتب بألف نحو : هذا نبأك ورأيت نبأك وعجبت من نبأك كحاله لو لم يتصل به ضمير ، قال أحمد بن يحيى : إذا انفتح ما قبل الهمزة فبالألف ما لم يضف ، فإن أضفته كتبته في الخفض بياء نحو : من نبئه ، وفي الرفع بواو ، وفي النصب بألف ، قال : وربما أقروا الألف وجاؤوا في الرفع بواو بعدها ، وبياء في الخفض ، ولا يجمعون في النصب بين ألفين فيقولون : كرهت خطاأه وأعجبني خطاؤه وعجبت من خطائه ، والاختيار مع الواو والياء أن تسقط الألف وهو القياس ، فأما الألفان فإن العرب لم تجمع بينهما ، ولذلك كتبوا أخطأ وقرأ بألف واحدة ، ولو كتبت بألفين كان ههنا أوثق ؛ ليفرق بين الواحد والتثنية ، إلا أنهم اكتفوا بالدليل الذي قبله من الكلام أو بعده عليه ا ه.

حذف همزة الوصل

وتحذف همزة الوصل خطا في مواضع :

٣٤١

أحدها : إذا وقعت بين الواو أو ألفاء وبين همزة هي فاء نحو : (فأت) (وأت) ، وعليه كتبوا : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ) [طه : ١٣٢] ، والسبب في الحذف أنها لو أثبتت لكان جمعا بين ألفين ، صورة همزة الوصل ، وصورة الهمزة التي هي فاء الكلمة ، مع كون الواو والفاء شديدي الاتصال بما بعدهما لا يوقف عليهما دونه وهم لم يجمعوا بين ألفين في سائر هجائهم إلا على خلاف في المتطرفة ؛ لأن الأطراف محل التغييرات والزيادة ، فلو لم يتقدمها شيء أصلا أثبتت كقولك في الابتداء : (ائذن لي) (اؤتمن فلان) ، وكذا لو تقدمها غير الواو والفاء نحو : (ثُمَّ ائْتُوا) [طه : ٦٤] ، (الَّذِي اؤْتُمِنَ) [البقرة : ٢٨٣] ، (مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) [التوبة : ٤٩] ، أو تقدمها الواو والفاء وليست فاء الكلمة همزة نحو : واضرب فاضرب.

الثاني : إذا وقعت بعد همزة الاستفهام سواء كانت همزة الوصل مكسورة أو مضمومة نحو : (أسمك زيد أم عمرو) ، و (أصطفي زيد أم عمرو) ، فإن كانت مفتوحة نحو : (أَصْطَفَى الْبَناتِ) [الصافات : ١٥٣] ، (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) [الأنعام : ١٤٣] فكلام ابن مالك يقتضي الحذف أيضا ، قال أبو حيان : وهو شيء ذهب إليه أحمد بن يحيى ، قال : والذي عليه أصحابنا أنه يكتب بألفين إحداهما ألف الوصل والأخرى ألف الاستفهام ، قال أحمد بن يحيى : العرب تكتفي بألف الاستفهام عن ألف الوصل في الألف واللام من الخط ، وأما اللفظ فعلى التطويل وإثباتها مثل (آلذَّكَرَيْنِ) [الأنعام : ١٤٣] ، (آللهُ) [يونس : ٥٩] ، وكأنهم اكتفوا بصورة عن صورة ؛ لأن صورة ألف الاستفهام كصورة الألف بعدها ولم يحذفوا في اللفظ لئلا يشتبه الخبر بالاستفهام انتهى.

ألف القطع

أما ألف القطع إذا وقعت بعد همزة الاستفهام فإنها لا تحذف ، بل تصور بمجانس حركتها ؛ لأنها حينئذ تسهل على نحوه فتكتب ألفا في نحو : (أأسجد) ، وياء في (أئنك) ، وواوا في (أؤنزل) ، وجوز الكسائي وثعلب الحذف في المفتوحة فتكتب أسجد بألف واحدة ، غير أن الكسائي قال : المحذوف ألف الاستفهام ، وثعلب قال : المحذوفة الثانية ، وجوز ابن مالك كتابة المكسورة والمضمومة بألف نحو : أإنك أأنزل.

الثالث : من لام التعريف إذا وقعت بعد لام الابتداء ، أو لام الجر نحو : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) [الأنعام : ٣٢] ، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) [يونس : ٢٦] ، وكان قياسها الإثبات كما كتبوها في لابنك قائم ، ولابنك مال ، وسبب حذفها خوف التباسها بلا النافية.

٣٤٢

وزعم الفراء أن سببه اجتماع ثلاثة أشكال متشابهات في الخط ؛ لأن اللام مثل الألف ، واجتماع الأمثال يستثقل لفظا فكذلك خطا ، وزعم بعضهم أن سببه في لام الجر شدة اتصالها بما بعدها فكأنهما كلمة واحدة ، وهمزة الوصل لا تكون حشوا ، وزعم بعضهم أن الألف لا تحذف مع لام الابتداء فرقا بينها وبين لام الجر ، ولو وقع بعد اللام ألف وصل بعدها لام من نفس الكلمة كتبت الألف على الأصل نحو : جئت لالتقاء زيد ، فإن أدخلت الألف واللام وأدخلت لام الجر حذفت همزة الوصل فكتبت للالتقاء.

الرابع من أول بسم الله الرحمن الرحيم ، وكان القياس أن يكتب (باسم) بالألف كما يكتب بابن ، لكن حذفوها ؛ لكثرة الاستعمال ، ولا تحذف في غير البسملة من أنواع التسمية نحو : باسم الله بدون الرحمن الرحيم ، و (بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] ، وزعم بعضهم أنها لم تحذف في البسملة أيضا ، وإنما كتبت على لغة من يقول : سم الله ، والأصل بسم الله ، ثم خفف على حد قولهم في إبل : بل ، والتزم التخفيف.

قال أبو حيان : والأحسن جعل اللفظ على اللغة الفصيحة إذ لو كان حذف الألف لتلك اللغة لجاز إسقاط الألف في جميع المواضع ، وليس كذلك.

وزعم الأخفش أن سبب حذفها كون الباء لا يوقف عليها فكأنها والاسم شيء واحد ، وجوز الفراء حذفها من (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود : ٤١] ، وباسم الله بدون الرحمن الرحيم ؛ لأنهما كانا معها فحذفا للاستعمال ، وجوز بعضهم حذفها من (بسم الله) إذا لم ينو معها الرحمن الرحيم بشرط ألا تكون الإضافة إلى الله ، وألا يكون للباء تعلق به في اللفظ ، وألا يكون قبلها كلام ، فإن فقد شرط مما ذكر لم يجز الحذف نحو : (باسم ربك ، تبركت باسم الله ، أبدأ باسم الله) ، وجوز الكسائي حذفها ولو أضيف الاسم إلى الرحمن أو القاهر ، وقال الفراء : هذا باطل لا يجوز أن يحذف إلا مع الله ؛ لأنها كثرت معه فإذا عدوت ذلك أثبت الألف وهو الصواب.

الخامس : من (ابن) الواقع بين علمين صفة مفردا سواء كانا اسمين أم كنيتين أم لقبين أم مختلفين نحو : هذا زيد بن عمرو ، هذا أبو بكر بن أبي عبد الله ، وهذا بطة بن قفة ، ويتصور في المختلفين ست أمثلة ، وحكى أبو الفتح عن متأخري الكتاب أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية تقدمت أو تأخرت ، قال : «وهو مردود عند العلماء على قياس مذهبهم ؛ لأن حذف التنوين مع المكني كحذفه مع الأسماء ، وإنما هو لجعل الاسمين اسما واحدا فحذفت الألف ؛ لأنه توسط الكلمة» اه.

٣٤٣

وقال أبو حيان : الألف تحذف من الخط في كل موضع يحذف منه التنوين ، وهو يحذف مع المكني مثل ما يحذف مع الأسماء الأعلام قال :

١٨١٧ ـ فلم أجبن ولم أنكل ولكن

يممت بها أبا صخر بن عمرو

قال : وشرط ابن عصفور أن يكون (ابن) مذكرا ، وهو خلاف ما جزم به ابن مالك من إلحاقهم فلانة بنت فلانة بفلان بن فلان ، ولو لم يكن (ابن) صفة بل كان بدلا أو خبرا لم تحذف ألفه.

أحكام الوصل والفصل

(ص) ويوصل مركب المزج وكل كلمة على حرف يقبل الوصل ، والضمير المتصل ، وعلامات الفروع ، وما ملغاة أو كافة ولو في قلما في الأصح ، وكلما إن لم يعمل فيها ما قبلها واستفهامية بعن ومن وفي لا بموصولة في الأصح ، وفي نعما وبئسما وجهان ، و (من) (بمن) لا (بعن) مطلقا في الأصح ، واستفهامية (بعن) لا (مع) و (إن) (بلا) ، وفي (أن) و (كي) خلف ، وتحذف نون ذي النون ، ولا توصل لن ولم وأم ، وشذ وصل (ويكأنه) و (ويلمه) ، ونحو : (يومئذ) و (ثلاثمائة).

(ش) النوع الثاني أحكام الوصل والفصل ، فالأصل فصل الكلمة من الكلمة ؛ لأن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى ، فكما أن المعنيين متميزان فكذلك اللفظ المعبر عنهما يكون ، وكذلك الخط النائب عن اللفظ يكون متميزا بفصله عن غيره.

وخرج عن ذلك ما كانا كشيء واحد فلا تفصل الكلمة من الكلمة وذلك أربعة أشياء :

الأول : المركب تركيب مزج كبعلبك ، بخلاف غيره من المركبات كغلام زيد وخمسة عشر وصباح مساء وبين بين وحيص بيص.

الثاني : أن تكون إحدى الكلمتين لا يبتدأ بها ؛ لأن الفصل في الخط يدل على الفصل في اللفظ ، فإذا كان لا يمكن فصله في اللفظ ، فكذلك ينبغي أن يكون في الخط وذلك

__________________

١٨١٧ ـ البيت من الوافر ، وهو ليزيد بن سنان في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧٩ ، وشرح اختيارات المفضل ١ / ٣٥١ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ٢ / ٤٥٦ ، ٥٢٨ ، والكتاب ٣ / ٥٠٦ ، ولسان العرب ١٢ / ٢٢ ، مادة (أمم) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٤.

٣٤٤

نحو : الضمائر البارزة والمتصلة ونون التوكيد وعلامات التأنيث والتثنية والجمع ، وغير ذلك مما لا يمكن أن يبتدأ به.

الثالث : أن تكون إحدى الكلمتين لا يوقف عليها وذلك نحو : باء الجر ولامه وكافه ، وفاء العطف والجزاء ، ولام التأكيد ، فإن هذه الحروف لا يوقف عليها ، وخرج عن ذلك واو العطف ونحوها فإنها لا توصل لعدم قبولها للوصل.

الرابع : ما يذكر من الألفاظ : فتوصل (ما) إذا كانت ملغاة نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) [نوح : ٢٥](أَيْنَما تَكُونُوا) [النساء : ٧٨] ، (فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم : ٢٦] ، و (إنما) و (حيثما) و (كيفما) ، و (أما أنت منطلقا انطلقت) ، وإذا كانت كافة نحو : (كما) و (ربما) و (إنما) و (كأنما) و (ليتما) و (لعلما).

واستثنى ابن درستويه والزنجاني (ما) في (قلما) فقالا : إنها تفصل وتوصل ب : (كل) إن لم يعمل فيها ما قبلها وهي الظرفية نحو : (كلما جئت أكرمتك) ، (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا) [البقرة : ٢٥] ، بخلاف التي يعمل فيها ما قبلها فإنها تكون حينئذ اسما مضافا إليه كل نحو : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤].

وتوصل (ما) الاستفهامية بعن ومن وفي ؛ لأنها تحذف ألفها مع الثلاثة وتصير على حرف واحد فحسن وصلها بها نحو : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] ، مم هذا الثوب ، (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) [النازعات : ٤٣].

ولا توصل (ما) الشرطية بواحد من الثلاثة ، قال أبو حيان : القياس يقتضي أن تكتب معها مفصولة ، وقال : في (ما) الموصولة مع الثلاثة ثلاثة مذاهب :

أحدها : أنها تكتب متصلة معها لأجل الإدغام في عن ومن ، وهو مذهب ابن قتيبة نحو : رغبت عما رغبت عنه ، وعجبت مما عجبت منه ، وفكرت فيما فكرت فيه.

والثاني : أنها تكتب مفصولة على قياس ما هو من كلمتين ، وهو قول أصحابنا ، وبه جزم ابن عصفور وهو أرجح ؛ لأنه الأصل ، ولأن علة الوصل الآتية في (ممن) وهو التباس اللفظين خطا مفقودة في (مما).

والثالث : أن الغالب تكتب موصولة ويجوز كتبها مفصولة ، وهو اختيار ابن مالك.

وفي (ما) مع (نعم) و (بئس) وجهان حكاهما ابن قتيبة : الفصل على الأصل ،

٣٤٥

والوصل لأجل الإدغام في نعما وحملت بئسما عليها ، وقد رسما في المصحف بالوصل.

وتوصل (من) (بمن) مطلقا سواء كانت موصولة أم موصوفة أم استفهامية أم شرطية نحو : (أخذت ممن أخذت منه ، وممن أنت ، وممن تأخذ آخذ منه) ، وإنما وصلت بها لأجل اشتباهها خطا لو كتبا (من من) فوصلا وأدغمت نون من وميم من ، ونزلت منزلة المدغم في الكلمة الواحدة ، فلم يجعل لها صورة ، هذا ما قاله ابن مالك ، وقال ابن عصفور : توصل الاستفهامية فقط حملا على أختها (ما) ، ويفصل غيرها على الأصل ، قال أبو حيان : وقول ابن مالك أرجح نظرا إلى علة الاشتباه في الخط.

وفي (من) سواء كانت استفهامية أو موصولة أو شرطية مع (عن) رأيان ، قال ابن قتيبة : تكتب (عمن) متصلة على كل حال لأجل الإدغام ، كما تكتب (عم) و (عما) نحو : (عمن تسأل) ، و (رويت عمن رويت عنه) ، و (عمن ترضى أرضى عنه).

قال أبو حيان : وزعم غيره أنه لا يؤثر في ذلك الإدغام ؛ لأنهما كلمتان ، وعليه ابن عصفور ، وأما ابن مالك فقال : إن الغالب الوصل ويجوز الفصل ، وتوصل (من) الاستفهامية ب : (في) قولا واحدا نحو : (فيمن تفكر) ، وتوصل إن الشرطية ب : (لا) نحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) [الأنفعال : ٧٣] ، (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) [التوبة : ٤٠].

وفي أن الناصبة مع لا قولان :

أحدهما : أنها تكتب مفصولة مطلقا ، قال أبو حيان : وهو الصحيح ؛ لأنه الأصل.

والثاني : أن الناصبة يوصل بها ، والمخففة من الثقيلة يفصل منها ، وهو قول ابن قتيبة واختاره ابن السيد وعلله ابن الضائع بأن الناصبة شديدة الاتصال بالفعل بحيث لا يجوز أن يفصل بينها وبينه.

والمخففة بالعكس بحيث لا يجوز أن تتصل به فحسن الوصل في تلك والفصل في هذه خطا.

وفي (كي) مع (لا) قولان ، قال ابن قتيبة : تكتب منفصلة كي لا تفصل كما تكتب (حتى لا تفعل) منفصلة ، وقال غيره : تكتب متصلة.

٣٤٦

وما وصل من المذكورات مما فيه نون وهو من وعن وأن وإن حذفت نونه للإدغام كما مر في الأمثلة ، ولا يوصل (لن) و (لم) و (أم) بشيء ، وما وقع في رسم المصحف من وصل (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة : ٣] ، (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) [هود : ١٤] ، (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) [الزمر : ٩] فهو مما لا يقاس عليه كسائر ما رسم فيه مخالفا لما تقدم ولما يأتي ، وأما (مع) إذا اتصلت بمن فإنها تكتب مفصولة قاله ابن قتيبة.

قال أبو حيان : قال بعض شيوخنا : أظن سبب ذلك قلة الاستعمال ، وإلا فما الفرق بين (مع) وبين (في) ، قال : وقد يمكن أن يفرق بالاسمية فإن (في) لا تكون إلا حرفا و (مع) اسم ، وهي أيضا تنفصل مما بعدها فتقول : (معا) ، فلذلك فصلت ، بخلاف (في).

ومما وصل شذوذا وكان قياسه الفصل (ويكأنه) ؛ لأنه مركب من (وي) بمعنى أعجب و (كأنه) ، و (ويلمه) والأصل (ويل أمه) ، و (يومئذ) ونحوه من الظروف المضافة ل : (إذ) ، و (ثلثمائة) ونحوه ، وفي حفظي أن الوصل خاص بثلاثمائة وستمائة فقط ، وأظن ذلك في شرح «الهادي» للزنجاني وليس بحاضر عندي الآن.

أحكام الزيادة

(ص) وزيدت ألف بعد واو الجمع متطرفة في ماض وأمر ، وفي المضارع رأيان لا اسم ، خلافا للكوفيين ، ولا مضارع مفرد مطلقا خلافا للكسائي ، ولا رفعا خلافا للفراء ، وفي مائة ومائتين في الأشهر ، وواو في أولئك وأولو وأولات ، وفي يا أوخي عند بعضهم ، وعمرو علما فرقا من عمر ، ومن ثم لم تزد منصوبا ، قال ابن قتيبة : ولا مضافا لمضمر ، والزنجاني : ولا مصغرا ومعرفا بأل وقافية.

(ش) النوع الثالث : أحكام الزيادة فتزاد ألف بعد واو الجمع المتطرفة المتصلة بفعل ماض وأمر نحو : ضربوا واضربوا ، ولا تزاد بعد غير واو الجمع نحو : يغزو ويدعو ، خلافا للفراء فإنه يجيز أن يلحق في حالة الرفع خاصة ، وللكسائي حالة النصب نحو : لن يغزوا زيد بالألف ولن يغزوك بلا ألف ، فرقا بين الاتصال والانفصال ، ولا بعد واو الجمع غير المتطرفة نحو : ضربوك واضربوه ، ولا بعد واو الجمع المتطرفة المتصلة باسم نحو : (ضاربو زيد) ؛ لعدم لزوم هذه الواو ، وأجاز الكوفيون لحاقها فيكتبون نحو : ضاربوا زيد وهموا بالألف كما ترى ، وكذا بنوا زيد بخلاف أبو زيد وأخو زيد.

واختلف البصريون في إلحاقها بالمضارع إذا اتصلت الواو به متطرفة نحو : لن

٣٤٧

يضربوا ، فالأخفش يجعله كالماضي والأمر في لحاق الألف ، وبعض البصريين لا يلحقها ، وقد اختلفوا في سبب زيادتها فقال الخليل : لما كان وضعها على المد وعلى ألا تتحرك أصلا زادوا بعدها الألف ؛ لأن فصل صوت المد بها ينتهي إلى مخرج الألف ، وقال بعضهم : فصلوا بها بين الضمير المنفصل والضمير المتصل نحو : ضربوهم ، إذا كان الضمير مفعولا لم يكتبوا الألف ، وإذا كان تأكيدا كتبوها فرقا بين الضميرين ، وبترك الألف في خط المصحف في : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) [المطففين : ٣] استدلوا على أن الضمير مفعول ، وأنه ليس ضمير رفع منفصلا توكيدا لواو الجمع.

ثم اطردت زيادة هذه الألف في كل واو جمع وإن لم يلحقها ضمير ، وذهب الأخفش وابن قتيبة إلى أنها فصل بها وبين واو الجمع وواو النسق نحو : (كفروا) و (وردوا) و (جاؤوا) ، ونحوها من الواوات المنفصلة عن الحرف قبلها ، هذا هو الأصل ، ثم حذفوا على ذلك من الواوات المتصلة بالحرف قبلها نحو : (ضربوا) ؛ ليكون الباب واحدا ، ولهذا لم تلحق بالمفرد نحو : (يدعو) ؛ لأنها لاتصالها لا يعرض فيها من اللبس ما يعرض مع واو الجمع ، ولذلك سموا هذه الألف ألف الفصل ، وعلل مذهب الفراء بأنها زيدت للفرق بين الواو المتحركة والواو الساكنة ، وعلل مذهب الكسائي بأنها زيدت فرقا بين الاسم والفعل ، وقال بعضهم : فرقوا بها بين الواو الأصلية والواو الزائدة.

وزيدت ألف أيضا في (مائة) ، قال أبو حيان : وذلك للفرق بينها وبين (منه) ، وكانت الزيادة من حروف العلة ؛ لأنها تكثر زيادتها ، وكانت ألفا ؛ لأنها تشبه الهمزة ، ولأن الفتحة من جنس الألف ، ولم تكن ياء ؛ لأنه كان يجتمع حرفان مثلان ، ولا واوا لاستثقال الجمع بين الياء والواو ، وجعل الفرق في (مائة) دون (منه) إما لأن (مائة) اسم و (منه) حرف والاسم أحمل للزيادة من الحرف ، وإما لأن (المائة) محذوفة اللام يدل على ذلك (أمأيت الدارهم) ، فجعل الفرق في (مائة) بدلا من المحذوف مع كثرة الاستعمال ، ولذلك لم يفصلوا بين فئة و (فيه) ؛ لعدم كثرة الاستعمال.

وقال محمد بن حرب البصري المعروف بالملهم صاحب الأخفش : «كانت هذه الألف في مائة أولى منها بمنه ؛ لأن أصل مائة مئية على وزن فعلة من مئيت ، والهمزة تقع مفتوحة في لفظ ألف ، وينكسر ما قبلها ، فيستحق بذلك أن تكتب ياء ، فألزموها العلتين جميعا الياء للكسرة والألف للفتحة ، ولأن العدد أولى بالتوكيد والعلامات من غيره» اه.

قال أبو حيان : والدليل على أن الأصل في (مائة) (مئية) قول الشاعر :

٣٤٨

١٨١٨ ـ فقلت والمرء تخطيه منيّته :

أدنى عطيّته إيّاي مئيات

وضعف الكوفيون تعليل البصريين بأن (مائة) اسم و (منه) حرف فهما جنسان مختلفان ، والفرق ينبغي أن يجعل في متحد الجنس ، يدل على ذلك أنهم لم يفرقوا بين (فئة) و (فيه) ؛ لاختلافه ، قالوا : وإنما زيدت فرقا بينها وبين (فئة) و (رئة) في انقطاع لفظها في العدد ، وعدم انقطاع (فئة ورئة) ؛ لأنك تقول : تسع مائة ، ولا تقول : عشر مائة ، بل تقول : ألف ، وتقول : تسع فئات وتسع رئات وعشر فئات وعشر رئات ، فلا ينقطع ذكرها به في التعشير ، فلما خالفتها فيما ذكر خالفوا بينها وبينها في الخط.

قال أبو حيان : وقد رأيت بخط بعض النحاة (مأة) هكذا بألف عليها همزة الهمزة دون ياء ، وقد حكي كتب الهمزة المفتوحة إذا انكسر ما قبلها بالألف عن حذاق النحويين منهم الفراء روي عنه أنه كان يقول : يجوز أن تكتب الهمزة ألفا في كل موضع.

وقال ابن كيسان : ومنهم من يكتب الهمزة ألفا على حركتها في نفسها ، وإن كان ما قبلها مكسورا ، قال أبو حيان : وكثيرا ما أكتب أنا (مئة) بغير ألف كما تكتب (فئة) ؛ لأن كتب مائة بالألف خارج عن الأقيسة ، فالذي أختاره أن تكتب بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة ، أو بالياء دون الألف على وجه تسهيلها ، قال : وحكى صاحب «البديع» أن منهم من يحذف الألف من مائة في الخط ، قال : وأما زيادة الألف في مائتين ففيها خلاف ، منهم من يزيدها وهو اختيار ابن مالك ؛ لأن التثنية لا تغير الواحد عما كان عليه بخلاف الجمع ، ومنهم من لا يزيدها كما لم يزدها في الجمع ؛ لأن موجب الزيادة قد زال ، واتفقوا على أنها لا تزاد في الجمع نحو : مئات ومئون.

وزيدت واو في أولئك وأولو وأولات ، قال أبو حيان : أما أولئك فتضافرت النصوص على أنهم زادوا الواو فيها فرقا بينها وبين إليك ، وكانت الواو أولى من الياء لمناسبة ضمة الهمزة ، ومن الألف لاجتماع مثلين ، وجعل الفرق في أولئك ؛ لأن الزيادة في الأسماء أكثر ، ولأن (أولئك) قد حذف منه ألف فكانت الزيادة فيه أولى ليكون كالعوض

__________________

١٨١٨ ـ البيت من البسيط ، وهو لتميم بن مقبل في المقاصد النحوية ٢ / ٣٧٦ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٥٠٨ ، واللسان ، والتاج مادة (ضربج) ، وتهذيب اللغة ١١ / ٢٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٦ ، وتقدم عرضا مع الشاهد (٥٧١).

٣٤٩

من المحذوف ، وزعم الكوفيون أن ذلك للفرق بينها وبين إليك الاسمية ؛ لأن (إلى) قد تستعمل اسما ، حكوا من كلام العرب : (انصرفت من إليك) ، وهذا منهم بناء على أن الفرق إنما جعل في المتحد الجنس ، قال : وأما أولو وأولات فلم أظفر في تعليله بنص ، ويمكن عندي أن يكونوا زادوا الواو فيه للفرق بين (أولي) في حالة النصب والجر وبين (إلى) الجارة ، وحملت حالة الرفع على حالة النصب والجر ، وحمل التأنيث في أولات على التذكير في (أولي).

قال : وأما في (أوخي) حالة التصغير فزادها بعض أهل الخط فرقا بينها وبين أخي المكبر ، وكانت الزيادة في التصغير ؛ لأنه فرع ، والفروع أحمل للزيادة ، ولأنه قد يغير لأجل التصغير ، والتغيير يأنس بالتغيير ، وكانت واوا لمناسبة ضمة الهمزة ، وأكثر أهل الخط لا يزيدونها ؛ لأن التصغير فرع من التكبير وليس ببناء أصلي اه.

وزيدت الواو أيضا في (عمرو) ، وذلك للفرق بينه وبين (عمر) ، ولهذا اختصت بحالة الرفع والجر ؛ لأنه حالة النصب يكتب بألف دون عمر فيظهر الفرق ، وكانت الزيادة واوا ؛ لأنه لا يقع فيها لبس ؛ إذ لو كانت ياء لا لتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم ، أو ألفا لا لتبس المرفوع بالمنصوب ، وجعلت في عمرو ؛ لأنه أخف من (عمر) من جهة بنائه على فعل ، ومن جهة انصرافه ، وذكر ابن قتيبة.

أحكام الحذف

(ص) وحذفت لام التعريف من موصول إلا اللذان ، وفي الليل والليلة ـ قيل : واللطيف ـ وجهان ، ومما اجتمع فيه ثلاث لامات ، والألف من الله وإله والرحمن والحرث علما ما لم يجردا ، والسلم عليكم ، وعبد السلم ، وسبحن الله ، وما كثر استعماله من الأعلام الزائدة على ثلاثة ، ما لم يلبس ، أو يحذف شيء ، ومن ملئكة وسموات ومفاعل ومفاعيل إن أمن ، قيل : ولم يؤد إلى مثلين ، وفاعلات وفاعلين غير ملبس ، ولا مضاعف ولا معتل لام ، ومن ذلك ، وأولئك ، وثلاث وثلاثة وثلاثين وثمانية وثماني ، وفي ثمانين وجهان ، ولكن ولكنّ ، وهاء مع الله ، والإشارة خالية من الكاف ، إلا تا وتي ، ومضمر أوله همزة ، وقيل : هي المحذوفة ، وياء مع همزة لا كآدم ، وقيل : هي المحذوفة ، قيل : ومع غيرها ، وأحد لينين متماثلين ما لم يلبس ، وجوز ابن الضائع كتابة واوين.

(ش) النوع الرابع : أحكام الحذف فتحذف لام التعريف من الذي وجمعه وهو الذين

٣٥٠

ومن التي وفروعه ، وهو التثنية والجمع نحو : التان والتين والاتي والائي كراهة اجتماع مثلين في الخط ، وتثبت في مثنى الذي خاصة وهو اللذان واللذين فرقا بينه وبينه الجمع ، ولم يثبت في مثنى التي ؛ لأنه لا يلتبس بجمعه.

وقال أحمد بن يحيى : «كتبوا (اللاتي) و (اللائي) و (التي) و (الئي) ، وأسقطوا لاما من أولها وألفا من آخرها وهذا للاستعمال ؛ لأنه يقل في الكلام مثله ، ويدل عليه ما قبله وما بعده ، ولو كتب على لفظه كان أوثق» اه.

قال أبو حيان : وكلامه يدل على حذف اللام من أوله والألف من آخره معا ، والذي عهدناه في الكتاب أنه لا تحذف الألف لئلا يلتبس بالمفرد ، قال : فإن قلت : اللام ألزم في الله ، فهلا حذفت؟ قيل : لما حذفت الألف منه كرهوا حذف اللام مع أنها لو حذفت لالتبس ب : (إله) ؛ لأن ألفه تحذف.

وفي الليل والليلة وجهان : الحذف والإثبات ، والقياس كتبه بلامين ، والحذف أجود ؛ لأن فيه اتباع خط المصحف ، قال أبو حيان : وزاد أحمد بن يحيى (اللطيف) فعده مع الليل والليلة فيما كتب بلام واحدة ، قال : لأنه عرف فاستخف ، قال : وكتبوا اللهو واللعب واللحم بلامين ، ولو كتب بلام لجاز.

وتحذف لام التعريف أيضا مما اجتمع فيه ثلاث لامات كراهة اجتماع الأمثال نحو : (لله) (للسان) و (للدار) ، وتحذف اللام من اسم (الله) وكان القياس إثباتها كما في اللام ، لكنه قد تصرف فيه بأنواع من التصرفات التي لا تجوز إلا فيه ، ولأنه لا يلتبس ؛ إذ لا مشارك في هذا الاسم ، ولكثرة الاستعمال فهذه أشياء تحسن الحذف.

وأما قولهم : (لاه أبوك) يريدون لله أبوك فإنهم كتبوه بالألف لأجل ما حذف منه من حرف الجر والألف واللام ، ولا يرد ذلك على عبارة المتن ؛ لأنه خص فيه الحذف بلفظ الله ، ويحذف أيضا من (إله) ومن (الرحمن) لكثرة الاستعمال مع أنه لا يلبس ، وشرطه ألا يجرد من الألف واللام ، فإن جرد منهما كتب بالألف نحو : (رحمان الدنيا والآخرة).

وحذفت أيضا من (الحرث) علما ؛ لكثرة الاستعمال بخلافة صفة ، وشرطه أيضا ألا يجرد من الألف واللام ، فإن جرد منها كتبت بالألف نحو : حارث لئلا يلتبس ب : (حرث) علما ، واللبس مع اللام مفقود ؛ لأنها لا تدخل على كل علم.

وحذفت أيضا من (السّلام عليكم) و (عبد السّلام) ومن (سبحان الله) ، بخلاف

٣٥١

سبحانا منكرا ، والعلة في الثلاثة وفي جميع ما يأتي كثرة الاستعمال ، وحذفت أيضا مما كثر استعماله من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف سواء كانت عربية كمالك وصالح وخالد ، أم عجمية كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهارون وسليمان ، قال أبو حيان : وذكر بعض شيوخنا أن إثباتها في نحو : صالح وخالد ومالك جيد ، وكذا قال أحمد بن يحيى : إنه يجوز فيه الحذف والإثبات.

ولا يحذف مما لم يكثر استعماله كحاتم وجابر وحامد وسالم وطالوت وجالوت وهاروت وماروت وهامان وقارون ويأجوج ، وقد حذفت في بعض المصاحف من هاروت وماروت وهامان وقارون ، ولا من الصفات (كرجل صالح) و (رجل مالك) ، ولا مما لم يزد على ثلاثة (كأوس بن لأم) و (ابن دأب) و (سامة) و (هالة) ، ولا مما حذف منه شيء آخر (كإسرائيل) حذفت إحدى يائيه ، و (داود) حذفت إحدى واويه ، ولا إذا خيف اللبس كعامر وعباس لو حذف لالتبس بعمر وعبس.

وحذفت أيضا من (ملئكة) ؛ لأنه لا يلابسه لفظ مع كثرة الاستعمال ، وحذفت أيضا من مفاعل ومفاعيل إن أمن التباسه بالمفرد كمحاريب وتماثيل وشياطين ؛ لأن مفردها محراب وتمثال وشيطان ، بخلاف ما يلتبس به كدراهم فيكتب بالألف ؛ لئلا يلتبس بدرهم.

قال أبو حيان : ويجوز الإثبات فيما لا يلتبس أيضا وهو أجود ، قال : وشرط بعض شيوخنا لجواز الحذف شرطا آخر وهو ألا تكون الألف فاصلة بين حرفين متماثلين نحو : سكاكين ودكاكين ودنانير فلا تحذف الألف ؛ لئلا يجتمع مثلان في الخط وهو مكروه ككراهته في اللفظ ، وحذفت أيضا من فاعلات ، أي : مما كان فيه ألفان من جمع المؤنث السالم نحو : صالحات وعابدات وذاكرات ومنه سموات ، وإن لم يكن على وزن فاعلات فلذا صرحت به في المتن ، وحمل جمع المذكر السالم على جمع المؤنث وإن لم يكن فيه ألفان نحو : (الصالحين) و (القانتين) و (الظالمين) و (الكافرين) و (الخاسرين).

وشرط الحذف من جمع المؤنث والمذكر أن يكون غير ملتبس ولا مضاعف ولا معتل اللام ، فلا يحذف من نحو : الطالحات لإلباسه بطلحات ، ولا من نحو : حاذرين لإلباسه بحذرين ، وهما مختلفان في الدلالة ، ولا من نحو : شابات والعادين ؛ لأنه بالإدغام نقص في الخط ؛ إذ جعلوا صورة المدغم والمدغم فيه شكلا واحدا ، ولذلك كتبوا في المصحف (الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧] ، و (الْعادِّينَ) [المؤمنون : ١١٣] بالألف ، ولا من نحو : راميات والرامين ؛ لأنه حذف من الرامين لام الفعل ، وحملت عليه الراميات وإن لم يكن فيه حذف

٣٥٢

كما حمل الحذف من الصالحين والصالحات وإن لم يكن فيه ألفان ، وهذا من تعاكس النظائر. والتعارض حيث حمل الإثبات في المؤنث على الإثبات في المذكر ، كما حمل الحذف في المذكر على الحذف في المؤنث.

وحذفت أيضا من علم في آخره الألف والنون كسفيان ومروان وعثمان ، وما أشبهه في كثرة الاستعمال ، نبه عليه أبو حيان وهو داخل في مسألة الأعلام الزائدة على ثلاثة ، وحذفت أيضا من (ذلك) و (أولئك) بخلاف (ذا) و (وأولاء) مجردين من حرف الخطاب ، و (هذاك) و (هؤلائك) مقرونا بحرف الخطاب وها التنبيه.

ومن (ثلاث) و (ثلاثة) بخلاف (ثلاث) المعدول فإنه لم يكثر كثرتهما ، ولأنه لو حذف منها لالتبس بثلث ، ومن ثلثين وثمنية وثمني بإثبات الياء بخلاف ثمان بحذف الياء فلا تحذف منه الألف فرارا من توالي الحذف وكثرته ، وفي ثمانين وجهان : الإثبات ؛ لأنه حذفت منه ياء المفرد ، والياء الموجودة فيه ياء إعراب ، والحذف ؛ لأن الياء المحذوفة عاقبتها ياء أخرى ؛ لأنهما لا يجتمعان ، فكأن الياء موجودة إجراء للمعاقب مجرى المعاقب ، والإثبات اختيار ابن عصفور ، وثمانون بالواو حكمه حكم ثمانين بالياء في جواز الوجهين.

وحذفت أيضا من (لكن) و (لكنّ) ومن ها التنبيه مع الله نحو : هالله ؛ لأنه لم يستعمل إلا معه فكأنه حرف واحد ، ونص أحمد بن يحيى على أن المحذوف همزة الله.

وتحذف أيضا ألف (ها) مع اسم الإشارة الخالي من الكاف نحو : (هذا) و (هذه) و (هؤلاء) ؛ لكثرة استعماله معه حتى صار كلفظ مركب ، بخلاف المتصل بالكاف فإنه يجب فيه الإثبات نحو : (ها ذاك) ، وكذا ها المتصلة (بتا) و (تي) تكتب بالألف نحو : هاتا وهاتي وهاتان.

وتحذف أيضا ألف ها مع مضمر أوله همزة نحو : هأنتم هأنا هأنت بخلاف (نحن) ، قال أحمد بن يحيى : قال الكسائي في هأنتم وهأنا : حذفوا ألف ها وليس بشيء وإنما حذفوا الهمزة بدليل أنهم لم يحذفوها في ها نحن فدل على أن المحذوفة في هأنتم وهأنا همز الثانية لا الأولى.

وحذفت أيضا من يا التي للنداء المتصلة بهمزة ليست كهمزة (آدم) سواء كانت قطعا نحو : يإبراهيم يإسحاق ، أو وصلا نحو : يا بن آدم كراهة اجتماع ألفين ، قال أبو حيان :

٣٥٣

ونص أحمد بن يحيى على أن الألف المحذوفة هي صورة الهمزة لا ألف يا ، وهو خلاف قول ابن مالك ، وأما نحو : آدم فلم تحذف ألف يا معه ؛ لأنه حذف منه الألف المبدلة من فاء أفعل فلم يجمعوا عليه حذف ألفين ، قال أبو حيان : ومفهوم كلام ابن مالك أنه لا يجوز الحذف في (يا جعفر) و (يا زيد) ؛ لأنه لم يتصل بهمزة ، ونص أحمد بن يحيى على أنه يجوز في مثل ذلك الإثبات والحذف ، كأنهم جعلوا يا مع ما بعدها شيئا واحدا أقاموا يا مقام الألف واللام بدليل أنهم لا ينادون ب : (يا) هي فيه ، فلذلك حذفت الألف.

وتحذف إحدى لينين متماثلين (كآدم) و (آمن) و (آل) و (إسرائيل) و (نبي) و (داود) و (طاوس) و (يستون) و (يلون) و (يأوا إلى الكهف) و (جاؤا) و (باؤا) و (شاؤا) ، كذا جزم به ابن مالك بشرط ألا يلبس (كقرأ) حذرا من التباس المثنى بالمفرد ، و (قاريين) حذرا من التباس المثنى بالجمع ، و (قؤول) و (صؤول) حذرا من التباسه (بقول وصول).

قال أبو حيان : ولم يبين أيهما المحذوفة فالقياس يقتضي أنها الساكنة ؛ لثقل المتحركة بالحركة ، قال : وجوز بعضهم كتابة الواوين على الأصل ، واختاره ابن الضائع والقياس خلافه كراهة اجتماع المثلين ، ولو اجتمع ثلاث متماثلات في كلمة أو كلمتين حذف أيضا واحد نحو : يا آدم ومساآت وبراآت والنبيين ونجيين (ليسؤوا) و (مسؤون).

أحكام البدل

(ص) وتنوب الياء عند الجمهور عن ألف مختوم بها اسم أو فعل ، ثالثة مبدلة من ياء ، أو رابعة فصاعدا مطلقا ، ما لم تل ياء في غير (يحيى) علما ، قيل : أو غيره ، فإن وليها ضمير متصل وتاء فقولان ، والأصح في كلا وكلتا الألف إلا لدى ، وعلى الأول إن نون ، فثالثها قال سيبويه : المنصوب بألف ، وغيره بياء ، وتعرف الياء بالتثنية والجمع والكسرة والإسناد إلى الضمير والمضارع ، وكون الفاء أو العين واوا ، ولا يكتب بالياء مبني غير متى ، ولا حرف غير بلى وإلى وعلى وحتى ، إلا موصولة بما استفهامية.

(ش) النوع الخامس : أحكام البدل فتكتب كل ألف رابعة أو خامسة أو سادسة في اسم أو فعل ياء نيابة عن الألف سواء كان أصلها الياء أم الواو ، أم كانت زائدة لإلحاق أو لتأنيث أو لغير ذلك (كحبلى) و (ملهى) و (مغزى) و (أعطى) و (يخشى) و (الخوزلى) و (اقتضى) و (اعتزى) و (يختشى) و (مستقصى) و (استقصى) و (يستقصى) و (قبعثرى) ، إلا أن تكون تالية لياء (كدنيا) و (محيا) و (أحيا) و (خطايا) و (استحيا) ، إلا (يحيى) علما فإنه يكتب

٣٥٤

بالياء فرقا بين (يحيى) الاسم وبين (يحيا) الفعل ، وألحق المبرد (بيحيى) كل علم منقول من الفعل كأن يسمى ب : (أعيا) فكتب بالياء.

وألحق أيضا أبو جعفر النحاس كل علم منقول من الاسم (كروايا) علما فكتبه بالياء فرقا بينه وبين (روايا) الجمع ، كما فرقوا بين (يحيى) العلم والفعل ، والجمهور : كتب الجميع بالألف.

فإن اتصل بالكلمة ضمير متصل فخلاف ، منهم من يكتبه بالياء ، ومنهم من يكتبه بالألف نحو : ملهاك ومستدعاه ، كذا حكى الخلاف في «التسهيل» ، ولم يرجح شيئا ، قال أبو حيان : واختيار أصحابنا كتبه بالألف إذا اتصل به ضمير نصب أو خفض سواء كان ثلاثيا أو أزيد ، إلا (إحدى) خاصة فتكتب بالياء حال اتصالها بضمير الخفض نحو : (إحديهما) كحالها دون الاتصال ، واختلفوا إذا اتصل بتاء تأنيث تقلب في الوقف ، فذهب البصريون إلى أنها تكتب ألفا لتوسطها ، وأجاز الكوفيون كتبها ياء ولم يعتدوا بتاء التأنيث ، وسواء في ذلك أيضا الثلاثي والأزيد ، هذا كله تفريع على القول المصدر به وهو الأشهر.

وحكى ابن عصفور أن الفارسي زعم أنه لا يكتب كل ما تقدم ذكره إلا بألف أبدا ، وكذا الثلاثي الآتي كما أن الهمزة المنقلبة عن ياء أو واو في مثل رداء وكساء لا تكتب أبدا إلا على صورتها لا على أصلها ، ورده ابن عصفور بأن الألف المنقلبة ترجع إلى أصلها في بعض الأحوال (كرحيان) و (رميت) ، فجعلوا الخط في سائر المواضع على ذلك ، والهمزة لا تعود إلى أصلها في موضع من المواضع.

وقال ابن الضائع : هذه الحكاية بعيدة جدا عن الفارسي ، بل مراده أنه القياس ، قال : وللفارسي أن يقول : إن كانت العلة الرجوع إلى الياء في بعض المواضع فلتكتب المنقلبة عن الواو واوا لرجوعها إليها في بعض المواضع ، وإن كانت العلة التفريق لزم الاعتراض بالهمزة ، بل الأولى أن يقال للفارسي : فرقت العرب في اللفظ بين هذين الألفين بالإمالة فحمل الخط فيهما على ذلك ، ولم يفرق بين الهمزتين.

وقال أبو حيان : في المسألة ثلاثة مذاهب : مذهب الجمهور ، ومذهب الفارسي ، والثالث : أنه لا تلزم ألف ولا ياء ، بل يجوز أن تكتب بالياء وهو الاختيار ، ويجوز أن تكتب بالألف وذلك قليل ، قال : وقد رأيت بخط بعض النحويين وهو عيسى الملطي (عيسا) بالألف في كتاب قرئ عليه.

٣٥٥

وأما الألف الثالثة فمذهب الجمهور أنها إن كانت مبدلة من ياء كتبت أيضا ياء نحو :(رحى) و (رمى) ، وإن كانت مجهولة الأصل (كخسا) ، أو كانت مبدلة من واو كعصا وغزا كتبت بالألف ، ومقابل الجمهور قول الفارسي المتقدم أنه لا يكتب شيء بالياء ، وقول الكسائي : إن ما كان من الفعل عينه همزة نحو : (شاء) فإنه يجوز أن يكتب بالياء وإن كان من ذوات الواو كراهة اجتماع ألفين ، وما كان من الاسم على وزن فعل أو فعل فإنه يكتب بالياء أبدا وإن كان من ذوات الواو نحو : (الكبى) ، والبصريون لا يجوزون شيئا من ذلك.

ومذهب البصريين في (كلا) أن يكتب بالألف ؛ لأن ألفها منقلبة عن واو ، ومن زعم أنها منقلبة عن ياء كما ذهب إليه العبدي فإنه يكتبها بالياء ، وكتبت على الأول (كلتا) بالألف حملا على (كلا) وكان القياس أن تكتب بالياء ؛ لأن ألفها رابعة.

ويعرف كون الألف مبدلة من الياء بالانقلاب في التثنية نحو : رحى ورحيان ، أو في الجمع بالألف والتاء نحو : (حصى وحصيات) ، أو في المرة نحو : (رمى رمية) ، أو في الإسناد إلى الضمير نحو : (رميت) ، أو في المضارع نحو : يرمي ، ويكون الفعل معتل العين أو الفاء بالواو نحو : هوى وروى ووفى ووعى.

ولا يكتب اسم مبني بالياء إلا (متى) لإمالتها ، ولا شيء من الحروف بالياء إلا (بلى) لإمالتها أيضا ، و (على) و (حتى) و (إلى) لعودها ياء في (إليه) و (عليه) ، قال ابن الأنباري : وإنما كتبت (حتى) بالياء وإن كانت لا تمال فرقا بين دخولها على الظاهر والمضمر ، فلزم فيها الألف مع المضمر حين قالوا : (حتاي) و (حتاك) و (حتاه) ، وانصرف إلى الياء مع الظاهر حين قالوا : حتى زيد انتهى.

فإن وصلت الثلاثة ب : (ما) الاستفهامية كتبت بالألف ؛ لوقوعها وسطا نحو : (إلام) و (علام) و (حتام) ، وقال الزجاجي : إذا أشكل عليك شيء من ما آخره ألف فاكتبه بالألف ؛ لأنه الأصل ، وكما ذهب بعضهم وهو الصحيح إلى أن جميع ما جاز أن يكتب بالياء جاز أن يكتب بالألف.

رسم المصحف

(ص) ورسم المصحف متبع ، ومن ثم قيل : خطان لا يقاسان خط المصحف والعروض ، أما القافية فالمقيدة تستوفي حروفها ، إلا ما يتم الوزن دونه ، فإن كان الروي ألفا فيها أبدا والمطلقة نصبا بالألف ، والمختار حذف صلة غيره ، والممدودة بألفين ، وما مر من زيادة أو حذف أو بدل مفقود.

٣٥٦

(ش) رسم المصحف متبع لاتباع السلف رضي‌الله‌عنهم ، وقد وقع فيه أشياء كثيرة من الوصل والفصل والزيادة والحذف والبدل على خلاف ما تقدم تقريره كوصل (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة : ٣] ، (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) [الزمر : ٩] ، وفصل وزيادة ياء في بأييد [الذاريات : ٤٧] ، و (مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام : ٣٤] ، و (وَمَلَائِهِ) [الأعراف : ١٠٣] ، و (وَمَلَائِهِمْ) [يونس : ٨٣] ، وألف في (الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، و (إِنِ امْرُؤٌ) [النساء : ١٧٦] ، وحذف ألف نشئؤا [:] ، وكتابة واو صورة الهمزة وزيادة ألف بعدها ، وكتابة (ما زَكى) [النور : ٢١] بالياء وقياسه الألف ؛ لأنه من ذوات الواو ، وكتابة (الصلاة) و (الزكاة) و (الحياة) و (مشكاة) و (مناة) و (الربا) بواو بدل الألف ، وهذا كله مما ينقاد إليه في كتابه المصحف ، ولا يقاس عليه خارجه ، بل إذا وقعت هذه الألفاظ ونحوها في غير القرآن لم تكتب إلى على القوانين السابقة ، ولهذا قال ابن درستويه : خطان لا يقاسان خط المصحف والعروض.

قال أبو حيان : وذلك أن العروضيين يكتبون ما يسمع خاصة ؛ إذ الذي يقيد به في صفة العروض إنما هو ما يلفظ به ؛ لأنهم يريدون به عد الحروف التي يقوم بها الوزن متحركا كان أو ساكنا ، فيكتبون التنوين نونا ولا يراعون حذفها في الوقف ، والمدغم حرفين ، ويكتبون الحروف بحسب أجزاء التفعيل ، فقد تقطع الكلمة بحسب ما يقع من تبيين الأجزاء كقوله :

يا دارمي يتبل علياء فس سندي

أقوتوطا لعلي ها سالفل أمدي

لأن تقطيعه (مستفعلن فعلن) أربع مرات وكتابة هذا البيت في الخط الذي ليس في علم العروض :

١٨١٩ ـ يا دار مية بالعلياء فالسند

أقوت وطال عليها سالف الأمد

قال : فقد صار الاصطلاح في الكتابة على ثلاثة أنحاء اصطلاح العروض واصطلاح كتابة المصحف واصطلاح الكتّاب في غير هذين.

قال : وعلم الخط ـ ويقال له : الهجاء ـ ليس من علم النحو ، وإنما ذكره النحويون في كتبهم لضرورة ما يحتاج إليه المبتدئ في لفظه وفي كتبه ، ولأن كثيرا من الكتابة مبني على

__________________

١٨١٩ ـ تقدم الشاهد برقم (٢٥٨) ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٧.

٣٥٧

أصول نحوية ، ففي بيانها بيان لتلك الأصول ككتابة الهمزة على نحو ما يسهل به ، وهو باب من النحو كبير اه.

التنقيط

(ص) ووضع النقط لرفع الاشتراك ، ومن ثم اختار أبو حيان نقط القاف والنون والياء وصلا لا فصلا ، وبعضهم نقط الشين واحدة ، والزنجاني نقط هاء التأنيث ، ونقط أهل الغريب كل مهمل إلا الحاء أسفل ، وربما كتبوا تحته مثله ، أو همزة ، أو فوقه علامة ، أو نبرة اصطلاحات.

(ش) قال أبو حيان : الحروف منها ما ينفرد بصورة ، ومنها ما هو مشترك ، وقصدوا بتعليل الصور الاختصار فكما أن في اللفظ المشترك كالعين فكذلك فعلوا في الصور جعلوا فيها المشترك ، قال : هكذا قالوا ، وقال بعض شيوخنا : ليس كذلك ؛ لأنهم وضعوا فارقا هو النقط بواحدة أو أكثر والإهمال ، فليس إذن من المشترك ، فالصورة والنقط مجموعهما دل على أشكال الحروف ، قال : ومن الحروف ما يلتبس بالخط إذا وصل بغيره كالنون والقاف والياء فيزول الاشتراك بالنقط ، ولذلك ينبغي ألا تنقط في الفصل ؛ إذ لا يحصل اشتراك ؛ لأن لها صورة خاصة بها فيكون إذ ذاك كالكاف انتهى.

واختار بعضهم نقط الشين بواحدة ؛ لأن المقصود وهو الفرق بينهما وبين السين حاصل بها ، والأكثر على نقطها بثلاث ، واختار الزنجاني في آخرين نقط هاء التأنيث في نحو : رحمة فرقا بينها وبين هاء الضمير وهاء السكت ، والأدباء منهم الحريري يعدونها في الحروف غير المنقوطة ، ولهذا أتوا بها في الأبيات والرسائل التي التزموا عروها من حرف منقوط.

ونقط أهل غريب الحديث كل حرف مهمل من أسفل مبالغة في الإيضاح ، ودفع توهم السهو عن النقط إلا الحاء ؛ إذ لو نقطت لا لتبست بالجيم ، ومنهم من يكتب تحت الحرف المهمل حرفا صغيرا مثله ، أو همزة ، أو فوقه علامة ، أو نبرة ، اصطلاحات لأهل الحديث.

وهذا آخر ما تضمنه جمع الجوامع والكلام عليه.

(ص) وقد تم «جمع الجوامع» نظما ، المودع من فنون العربية جمعا جمّا ، الكائن من بلاغة الإيجاز وعذوبة الألفاظ بالمحل الأسمى ، الفائق على نظرائه إيجازا وجمعا ، المرفوع عن همم معاصريه قطعا ، المشيد أركان مبانيه إحكاما ووضعا ،

٣٥٨

فعليك بحفظ عبارته وتأمل فحواها ، وإياك والمبادرة بإنكارها لإلفك سواها ، ودونك وإبراز محاسنها التي لا تخفى إلا على جامد البصيرة أعماها ، فربما خالف غيره في تعبير أو تأخير أو تقديم ، فظنه من لا فظنة له عدولا عن المنهج القويم ، وما درى أن ذلك لأمر مهم يستخرجه النظر السليم ، وربما أفصحت بذكر أرباب الأقوال ولا بالتعداد إما تقوية لمن نسب إليه الانفراد ، أو فتفرد وغير ذلك من الأمور التي تقصد لتستفاد ، وربما نقلنا عن أحد خلاف ما نسبه بعض المشاهير إليه ، فحسبه غلطا لا اطّلاع له ولا تحقيق لديه ، وما شعر أن ذلك بعد التطلع والفحص الشديد عليه ، فدونك مختصرا انطوى على زبدة مئة مصنف ، واحتوى على ما به العيون تقرّ والأسماع تشنف ، وأتى من العجب العجاب بما لم يجمعه قبله مؤلف ، فحق أن يكون على كتب الأنام سريا ، وبأنواع المحامد والمحاسن حريا ، جعلنا الله به مع الذين أنعم الله عليهم ورفعهم مكانا عليا.

***

٣٥٩

فهرس المحتويات

الكتاب الرابع في العوامل.................................................... ٥

الكتاب الخامس : في التوابع وعوارض التركيب............................... ٨٤

الكتاب السادس : في الأبنية للأسماء والأفعال.............................. ١٩٢

الكتاب السابع : في التصريف........................................... ٢٨٩

٣٦٠