همع الهوامع - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

والكوفية : موضعه (رفع) على الابتداء إنابة لضمير الجر عن ضمير الرفع ، كما عكسوا في أنا كأنت وأنت كأنا ، ولو لا غير جارة ؛ لأن المضمر فرع الظاهر وهي لا تجر الأصل فكيف تجر الفرع؟ وما قيل من أنها مختصة بالاسم ممنوع ، وإنما هي داخلة على الجملة الابتدائية.

(و) قال (المبرد) : هو (لحن) ورد باتفاق أئمة البصريين والكوفيين على روايته عن العرب ، (ولا يعطف عليه بالجر) ، بل يتعين الرفع نحو : لولاك وزيد ؛ لأنها لا تجر الظاهر ، وخرج بالامتناعية التحضيضية فلا يليها غير الفعل البتة.

متى

(متى والجر بها لغة) لهذيل (بمعنى من) كقوله :

١١٢٦ ـ شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج

 (و) تأتي بمعنى (وسط) حكي : وضعته متى كمي ، أي : وسطه ، وإذا كانت بمعنى (وسط) فهي اسم ، أو (من) فحرف جزم به ابن هشام وغيره.

من

(من) مبنية على السكون مكسورةالأول ، قال ابن درستويه : وكان حقه الفتح لكن قصد الفرق بينها وبين من الاسمية ، (قال الكسائي والفراء : أصلها منا) فحذفت الألف ؛ لكثرة الاستعمال واستدلا بقوله :

١١٢٧ ـ بذلنا مازن الخطّيّ فيهم

وكلّ مهنّد ذكر حسام

منا إن ردّ قرن الشّمس حتى

أغاب شريدهم قتر الظّلام

قال : فرد (من) إلى أصلها لما احتاج إلى ذلك ، فعلى هذا هي ثلاثية ، والجمهور أنها ثنائية وأولوا البيت على أن (منا) مصدر مني يمني إذا قدر استعمل ظرفا كخفوق النجم ، أي تقدير : إن رد قرن الشمس وموازنته إلى أن غربت.

__________________

١١٢٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في الأزهية ص ٢٠١ ، والأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٧ ، وجواهر الأدب ص ٩٩ ، وخزانة الأدب ٧ ، ٩٧ ، ٩٩ ، والخصائص ٢ / ٨٥ ، وسر صناعة الإعراب ١٣٥ ، ٤٢٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٢٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٢١٨ ، ولسان العرب ١ / ٤٨٧ ، مادة (شرب) ٥ / ١٦٢ ، مادة (مخر) ، ١٥ / ٤٧٤ ، مادة (متى) ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٥٤.

١١٢٧ ـ البيتان من الوافر ، وهما لبعض قضاعة في لسان العرب ١٣ / ٤٢٣ ، مادة (منن) ، والتاج (منن) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٣.

٣٠١

(و) قال (ابن مالك : هو لغة) لبعض العرب ، (و) قال (أبو حيان : ضرورة لابتداء الغاية مطلقا) أي : مكانا وزمانا وغيرهما نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] ، (أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة : ١٠٨] ، (مطرنا من الجمعة إلى الجمعة) ، (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [الحج : ٥] الآية ، «من محمد رسول الله إلى هرقل» (١).

(وخصها البصرية) إلا الأخفش والمبرد وابن درستويه (بالمكان) ، وأنكروا ورودها للزمان ، قال ابن مالك : وغير مذهبهم هو الصحيح ؛ لصحة السماع بذلك ، وكذا قال أبو حيان : لكثرة ذلك في كلام العرب نظما ونثرا ، وتأويل ما كثر وجوده ليس بجيد.

وقال الرضي : المقصود من معنى الابتداء في (من) أن يكون الفعل المعدى بها شيئا ممتدا كالسير والمشي ، ويكون المجرور بمن الشيء الذي منه ابتدأ ذلك الفعل نحو : سرت من البصرة ، أو يكون الفعل أصلا للشيء الممتد نحو : تبرأت من فلان ، وخرجت من الدار ؛ لأن الخروج ليس ممتدا لحصوله بالانفصال ولو بأقل خطوة ، وليس (التأسيس) في الآية حدثا ممتدا ولا أصلا له ، بل هو حدث واقع فيما بعد (من) فهي بمعنى (في) ، ثم قال : والظاهر مذهب الكوفيين ؛ إذ لا منع من قولك : نمت من أول الليل إلى آخره ، وهو كثير الاستعمال ، قال : وضابطها أن يحسن في مقابلتها (إلى) ، أو ما يفيد فائدتها نحو :أعوذ بالله منك ؛ إذ المعنى ألتجئ إليه ، فالباء أفادت معنى الانتهاء.

(والتبعيض) وهي التي تسد (بعض) مسدها نحو : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢٥٣] ، وقرأ ابن مسعود : حتى تنفقوا بعض ما تحبون [آل عمران : ٩٢] ، (والتبيين) للجنس وكثيرا ما يقع بعد (ما) و (مهما) ، وهما بها أولى ؛ لإفراط إبهامها نحو : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ) [فاطر : ٢] ، (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦] ، (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف : ١٣٢] ، ومن وقوعها بعد غيرهما (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ) [الكهف : ٣١] ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].

(وأنكرهما طائفة) فمن أنكر التبعيض المبرد والأخفش الصغير وابن السراج والجرجاني والزمخشري ، وقالوا : هي للابتداء ، وأنكر الثاني أكثر المغاربة وقالوا في الآية : هي للتبعيض ، وفي الثانية : للابتداء ، والمعنى فاجتنبوا من الرجس والأوثان وهو

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس (٢٩٤١) ، ومسلم ، كتاب الجهاد ، باب كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هرقل (١٧٧٣).

٣٠٢

عبادتها ، وكذا قال الزمخشري ، قال الرضي : وهو بعيد ؛ لأن الأوثان نفس الرجس فلا تكون مبدأ له.

(قال ابن مالك : وللتعليل) نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ٢٥] ، (والبدل) وهي التي يصلح محلها لفظ بدل نحو : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] ، (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) [الزخرف : ٦٠] ، «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (١) ، أي : بدلك.

(والفصل) وهي الداخلة على ثاني المتضايفين نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران : ١٧٩] ، ورد بأن الفصل مستفاد من العامل وهو العلم وماز ، وأن الظاهر كونها للابتداء أو المجاوزة.

(وبمعنى عن) نحو : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء : ٩٧] ، (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] ، (و) بمعنى (على) نحو : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٧] ، (و) بمعنى (الباء) نحو : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) [الشورى : ٤٥].

(و) قال (الكوفية : و) بمعنى (في) نحو : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة : ٩] ، (و) بمعنى (إلى) نحو : رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك ، أي :محلا للابتداء والانتهاء ، وقربت منه ، أي : إليه (قيل : و) بمعنى (عند) قاله أبو عبيدة نحو :(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١٠] ، قيل : (و) بمعنى (ربما) إذا اتصلت مع (ما) ، قاله السيرافي وابن خروف وابن طاهر والأعلم ، كقوله :

١١٢٨ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

على رأسه تلقي اللسان من الفم

والأكثرون قالوا : إنها في الأمثلة كلها ابتدائية.

تنبيه : علم مما حكي عن البصريين في هذه الأحرف من الاقتصار على معنى واحد

__________________

١١٢٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي حية النميري في الأزهية ص ٩١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، وشرح شواهد المغني ٧٢ ، ٧٣٨ ، والكتاب ٣ / ١٥٦ ، ومغني اللبيب ص ٣١١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢٦٠ ، والجنى الداني ص ٣١٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩ ، ومغني اللبيب ٣٢٢ ، ٥١٣ ، والمقتضب ٤ / ١٧٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣٧.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة (٨٤٤) ، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته (٥٩٣).

٣٠٣

لكل حرف أن مذهبهم أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس ، كما أن أحرف الجزم كذلك ، وما أوهم ذلك فإما مؤول تأويلا يقبله اللفظ ، أو على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف ، أو على النيابة شذوذا والأخير محمل الباب كله عند غيرهم بلا شذوذ وهو أقل تعسفا.

(وتزاد) للتنصيص على العموم من نكرة لا تختص بالنفي نحو : ما جاءني من رجل ، وللتوكيد (قال الأخفش) من البصرية (والكسائي وهشام) من الكوفية : (مطلقا) أي : في النفي والإيجاب والنكرة والمعرفة ، واختاره في «التسهيل» وشرحه ، قال : لصحة السماع بذلك كقوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [الأحقاف : ٣١] ، (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام : ٣٤] ، وحديث : «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» (١) ، وقول الشاعر :

١١٢٩ ـ وكنت أرى كالموت من بين ساعة

فكيف ببين كان موعده الحشر

أي : وكنت أرى بين ساعة كالموت ، وقوله :

١١٣٠ ـ ويكثر فيه من حنين الأباعر

(و) قال (بعضهم) أي : الكوفية (في نكرة) منفية كانت أم موجبة سمع (قد كان من مطر) ، (و) قال قوم منهم الفارسي (في نكرة شرط) كقوله :

١١٣١ ـ ومهما تكن عند امرىء من خليقة

وإن خالها تخفى على النّاس تعلم

 (و) قال (الجمهور في نكرة ذات نفي) بأي حرف كان من حروفه (أو نهي) نحو:

__________________

١١٢٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لسلمة بن يزيد الجعفي في سمط اللآلي ص ٧٠٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٠٨١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٣ ، ولليلى بنت سلمى في حماسة البحتري ص ٢٧٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٢.

١١٣٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣١٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٥.

١١٣١ ـ البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٢ ، والجنى الداني ص ٦١٢ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٨٦ ، ٧٣٨ ، ٧٤٣ ، وشرح قطر الندى ص ٣٧ ، ومغني اللبيب ص ٣٣٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٥٧٩ ، ومغني اللبيب ص ٣٢٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب اللباس ، باب عذاب المصورين يوم القيامة (٥٩٥٠) ، ومسلم كتاب اللباس والزينة ، باب تحريم تصوير صورة الحيوان ... (٢١٠٩).

٣٠٤

(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩] ، (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) [الأنعام : ٥٩] ، لا تضرب من أحد (أو استفهام بهل) نحو : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] ، (ولا غيرها) من سائر الأدوات كيف ونحوها ؛ إذ لم تحفظ قاله أبو حيان.

(قال أبو حيان) في «الارتشاف» : (وفي) إلحاق (الهمزة) بهل (نظر) ولا أحفظه من كلام العرب ، وظاهر كلام شيخه الرضي الشاطبي الإلحاق ؛ لأنه قال : لا تدخل من مع كل أداة استفهام كأين ومتى ، بل مع هل وما يقوم مقامها من استدعاء الجواب بالنفي ، ثم الجمهور أولوا ما استدل به الأولون بأن التقدير بعض ذنوبكم ، ولقد جاءك نبأ من نبأ ، فحذف الموصوف ، أو هو ، أي : جاء من الخبر كائنا من نبأ أو القرآن ، وما بعده حال ، وقد كان هو ، أي : كائن من جنس المطر ، أو قصد به الحكاية كأنه سئل هل كان من مطر؟ فأجيب على نمطه وأنه من أشد الناس ، أي : الشأن ومن عليه.

تنبيه : شرط ابن هشام في «المغني» أن تكون المزيدة فيه أيضا فاعلا أو مفعولا به أو مبتدأ ، كما مثلت قال : وأهمل أكثرهم هذا الشرط فيلزمهم زيادتها في الخبر والتمييز والحال المنفيات ، وهم لا يجيزون ذلك انتهى.

وقد سبقه إلى معناه الرضي الشاطبي نقلا عن ابن أبي الربيع وغيره.

(وتفيد) إذا زيدت في الحالة المذكورة (توكيدا ، وقال) علي بن سليمان (الأخفش الصغير : ابتداء) الغاية ، قال : كأنه ابتدأ النفي من هذا النوع ، ثم عرض أن يقتصر به عليه ، (وتنفرد) من (بجر بله) كحديث البخاري عن أبي هريرة يقول الله : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ذخرا من بله ما اطلعتم عليه» (١) ، والمعروف نصبه أو فتحه كما تقدم ، على أن في بعض طرق الحديث (من بله) بفتح الهاء مبنية.

(وجر عند) نحو : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) [الكهف : ٦٥] ، قال الحريري وغيره : وقول العامة : ذهبت إلى عنده ، وقول بعض المريدين :

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، باب قوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (٤٧٨٠).

قال ابن حجر في فتح الباري ٨ / ٥١٦ : (من بله ما أطلقتم عليه) كأنه يقول : داع ما أطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادّخر لهم.

٣٠٥

١١٣٢ ـ كل عند لك عندي

لا يساوي نصف عندي

لحن.

(و) يجر (مع) قرئ (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) [الأنبياء : ٢٤] ، وحكى سيبويه : ذهبت من معه (و) يجر (لدن) نحو : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) [مريم : ١٣] ، (و) يجر (قبل وبعد) نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، (و) يجر (عن وعلى) كقوله :

١١٣٣ ـ من عن يميني مرّة وأمامي

وقوله :

١١٣٤ ـ من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

(وهما اسمان حينئذ) بمعنى جانب وفوق (مبنيان على الأصح) وبه جزم ابن الحاجب ، قال : لحصول مقتضى البناء وهو مشابهة الحرف في لفظه وأصل معناه ، ونقل أبو حيان عن بعض أشياخه أنهما معربان ، ولا ينافي ما رجحته هنا ما سبق ترجيحه من إعرابها على القول باسميتها ؛ لعدم العلة هناك ؛ إذ لا حرف حينئذ بمعناها تشبه به ، ولذا حكى بعضهم الاتفاق على إعرابها حينئذ مع حكاية الخلاف هنا.

(وقال الكوفية : حرفان) بقيا على حرفيتهما (قالوا) أيضا : (وتدخل) من (على كل) حرف (جار إلا من واللام والباء وفي ، وسمع جر عن ب : على) في بيت واحد ، وهو قوله :

١١٣٥ ـ على عن يميني مرّت الطّير سنّحا

(والأصح أنها) أي : من (في قبل وبعد) ابتدائية وهو قول الجمهور ، واستشكل بأنها

__________________

١١٣٢ ـ ذكر البيت في نسخة العلمية بدون شرح.

١١٣٣ ـ البيت من الكامل ، وهو لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص ١٧١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٥ ، وتقدم الشاهد برقم (٦١١).

١١٣٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٤ ، والأزهية ص ١٩٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٧ ، ١٥٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٣٨ ، ولسان العرب ١١ / ٣٨٣ ، مادة (صلل) ، ١٥ / ٨٨ ، مادة (علا) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٠١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٧ ، وفي نسخة (خمسها) بدلا من (ظمؤها).

١١٣٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٥٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٠٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤٤.

٣٠٦

لا ترد عندهم للزمان ، وأجيب بأنهما غير متأصلين في الظرفية ، وإنما هما في الأصل صفتان للزمان ؛ إذ أصل جئت قبلك جئت زمانا قبل زمن مجيئك فجعل ذلك فيهما ، وقال ابن مالك وجماعة : هي فيهما زائدة بناء على ما اختاره من زيادتها في الإيجاب.

(و) الأصح أنها (في أفعل) التفضيل (ابتدائية) وهو قول سيبويه ، ففي نحو : زيد أفضل من عمرو لابتداء الارتفاع ، وشر منه لابتداء الانحطاط ؛ إذ لا يقع بعدها (إلى) ، وقال ابن مالك وابن ولاد : للمجاوزة ، وكأنه قيل : جاوز زيد عمرا في الفضل أو الشر ، أي : ابتداء التفضيل منه. قال ابن هشام : ولو صح ذلك لوقع موضعها (عن).

(قال الزمخشري) في «الكشاف» (والطيبي) في حاشيته : (وترد) من (اسما مفعولا) كقوله تعالى : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : ٢٢] ، أعرب من مفعولا لأخرج ، ورزقا مفعولا لأجله ، قال : وكذا حيث كانت للتبعيض فهي في موضع المفعول به ، قال الطيبي : وإذا قدرت (من) مفعولا كانت اسما ك : (عن) في قوله : من عن يمينه.

(تنبيه) ترد (إلى) أيضا اسما بمعنى النعمة وجمعه الآلاء ، و (في) اسما بمعنى (الفم) مجرورا ، و (كي) اسما مختصرا من (كيف) ، كما قيل في سوف سو ، ومتى اسما بمعنى وسط كما تقدم.

(ومرت أحرف في) مبحث (الاستثناء) وهي بيد وحاشا وخلا وعدا وبله ، (و) في (الظروف) وهي مذ ومنذ ومع على خلف وتفصيل ، فأغنى عن إعادتها هنا.

(مسألة : لا يحذف الجار ويبقى عمله اختيارا) وإن وقع فضرورة كقوله :

١١٣٦ ـ إذا قيل : أي النّاس شرّ قبيلة؟

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

وقوله :

١١٣٧ ـ وكريمة من آل قيس ألفته

حتى تبذّخ فارتقى الأعلام

__________________

١١٣٦ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٤٢٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ١١٣ ، ١١٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٧٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٩٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٥.

١١٣٧ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٧٥ ، ولسان العرب ٩ / ٩ ، مادة (ألف) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٠٣.

٣٠٧

أي : إلى كليب ، وفي الأعلام ، أو نادر لا يقاس عليه كحديث البخاري : «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمس وعشرين ضعفا» (١) ، أي : بخمس (إلا مع كم) كما تقدم في مبحث التمييز ، (أو رب بعد) الفاء و (الواو العاطفة كثيرا) جدا ، حتى قال أبو حيان : لا يحتاج إلى مثال فإن دواوين العرب ملأى منه ، والتأويل قليل كقوله :

١١٣٨ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

١١٣٩ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه

(وقيل : الجر بالثلاثة) أي : الواو والفاء وبل.

أما الأول : فقاله المبرد والكوفية ، قالوا : ولا تنكر أن يكون للحرف الواحد معان ويدل لذلك مجيئها في أول القصائد ، كقول رؤبة :

١١٤٠ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

فليست عاطفة ، ورد بأنها لو كانت بمنزلة (رب) وليست عاطفة لدخل عليها واو العطف كما يدخل على رب ، ولا يقال : كرهوا اتفاق اللفظين ؛ لأنهم أدخلوها على واو القسم ، وأما الابتداء بها في القصائد لإمكان عطفه على ما في خاطره مما يناسب ما عطف عليه بدليل قول زهير أول قصيدة :

__________________

١١٣٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢ ، والأزهية ص ٢٤٤ ، والجنى الداني ص ٧٥ ، وجواهر الأدب ص ٦٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٤١٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٢ ، ٤٦٣ ، والكتاب ٢ / ١٦٣ ، ولسان العرب ٨ / ١٢٦ ، ١٢٧ ، مادة (رضع) ، ١١ / ٥١١ ، مادة (غيل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٨.

١١٣٩ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٥٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ٣٧٦ ، ٤٣١ ، ٤٤٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٧ ، ولسان العرب ١١ / ٦٥٤ ، مادة (ندل) ، ١٢ / ١١١ ، مادة (جهرم) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٥ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٢٢٥ ، وجواهر الأدب ص ٥٢٩ ، ورصف المباني ص ١٥٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤١٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦١.

١١٤٠ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٠٤ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٥ ، والأغاني ١٠ / ١٥٨ ، وجمهرة اللغة ص ٤٠٨ ، ٦١٤ ، ٩٤١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٥ ، والخصائص ٢ / ٢٢٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٤ ، ٧٨٢ ، ولسان العرب ١٠ / ٨٠ ، مادة (خفق) ، ١٠ / ٢٧١ ، مادة (عمت) ، ١٥ / ١٣٣ ، مادة (غلا) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٠٩.

(١) أخرجه بهذا اللفظ السراج في مسنده ص ٢٢٣ (٦٥٣).

٣٠٨

١١٤١ ـ دع ذا وعدّ القول في هرم

فأشار ب : (ذا) إلى ما في نفسه ، وأما حكاية الخلاف في التأويل فقد وقع في «المغني» لابن هشام نقلا عن المبرد في (الفاء) ، وعن بعضهم في (بل) ، وفي «الارتشاف» نقلا عن بعضهم فيهما ، لكن ابن مالك وابن عصفور وغيرهما قالوا : لا خلاف في أن الجر فيهما برب محذوفة لا بهما ، وأقره أبو حيان في شرح «التسهيل» ، وادعى الرضي أن الجر برب محذوفة بعد الثلاثة خاص بالشعر.

(قيل) : وتجر رب محذوفة بعد (ثم) أيضا نقله أبو حيان عن صاحب «الكافي» ، قال : وسبب ذلك أن هذه الأحرف من حروف العطف جامعة في المعنى واللفظ ، وما عداها إنما يجمع في اللفظ.

(و) الجر بها محذوفة (دونها) أي : دون الحروف المذكورة (أقل) كقوله :

١١٤٢ ـ رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله

 (قال ابن مالك : أو غيرها) أي : غير رب قد تجر محذوفا (في جواب ما يضمر مثله) كزيد في جواب من قال : بمن مررت؟ وبل زيد لمن قال : ما مررت بأحد ، ومنه حديث : «أقربهم منك بابا» لمن قال : «فإلى أيهما أهدي» (٣).

(أو معطوفا عليه) أي : على ما يضمر بحرف (متصل) نحو : في الدار زيد والقصر عمرو ، أي : وفي القصر ، ومنه : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الجاثية : ٤ ـ ٥] الآية ، (أو منفصل بلا) كقوله :

__________________

١١٤١ ـ البيت من الكامل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٨٨ ، والأغاني ٦ / ٨٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٩٦ ، ٣٢١ ، ٩ / ٤٤٣ ، ٤٤٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٥٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٢١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٢.

١١٤٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٨٩ ، وتقدم الشاهد برقم (٩٨٧).

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الشفعة ، باب أي الجوار أقرب (٢٢٥٩) ، وأبو داود ، كتاب الأدب ، باب في حقه الجوار (٥١٥٥).

٣٠٩

١١٤٣ ـ ما لمحبّ جلد أن يهجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا

(أو لو) كقوله :

١١٤٤ ـ متى عذتم بنا ولو فئة منّا

وإن كان المعتاد في مثل هذا النصب كقولهم : ائتني بدابة ولو حمارا ، (أو) في (مقرون بعده) أي : بعد ما تضمر (بالهمزة) نحو : أزيد بن عمرو؟ في جواب مررت بزيد ، (أو هلا) نحو : هلا دينار ، في جواب جئت بدرهم ، حكاهما الأخفش ، أو إذا والفاء (الجزائيتين) نحو : مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح ، حكاه يونس ، أي : إلا أمر بصالح فقد مررت بطالح ، وفي الصحيح : «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربعة فخامس أو سادس» (٣).

قال في «التسهيل» : ويقاس على جميعها ، خلافا للفراء في الصورة الأولى ؛ لقول العرب : خير بالجر لمن قال : كيف أصبحت؟ بحذف الباء وبقاء عملها ؛ لأن معنى كيف بأي حال ، فجعلوا معنى الحرف دليلا ، فلو لفظ به لكانت الدلالة أقوى وجواز الجر أولى.

قال أبو حيان : وينبغي أن يثبت في جواز هذه الصور ؛ لأن أصحابنا نصوا على أنه لا يجوز حذف الجار وإبقاء عمله إلا إذا عوض منه ، وذلك في باب كم والقسم ، وجعلوا قول العرب : (خير) من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، وقد صرح صاحب «البسيط» بوجوب إعادة الجار بعد الهمزة فيقال : أبزيد في جواب مررت بزيد انتهى.

(وقال سيبويه : أو الباء).

تنبيه : قالت العرب : (لاه أبوك) يريدون لله أبوك ، قال سيبويه : حذف لام الجر وأل وهو شاذ لا يقاس عليه ، ثم قالوا : لهي أبوك قلبوا وأبدلوا من الألف ياء وهو مبني ؛ لتضمنه معنى لام الجر المحذوفة ، كما بني أمس لتضمنه معنى لام التعريف ، على الفتح ؛

__________________

١١٤٣ ـ الرجز بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠١ ، ٢ / ٢٣٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٥٩.

١١٤٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠١ ، ٢ / ٢٣٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٥.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب السمر مع الضيف والأهل (٦٠٢).

٣١٠

لخفته على الياء ، وقال ابن ولاد : بل أصله إله أبوك حذفت الهمزة ، ثم قالوا : لهي بالقلب تشبيها للألف الزائدة بالأصلية ، وقال المبرد : المحذوفة لام التعريف ولام الأصل والباقية لام الجر ، قال : لأن حرف الجر لمعنى وعلة ، وحذفه وإبقاء عمله شاذ فالحكم بحذف غيره أولى ، أما لام التعريف فواضح ؛ إذ لا معنى لها هنا ؛ لصيرورة الكلمة علما فلم يفتقر إليها ، وأما لام الأصل فقد عهد حذف بعض الأصول تخفيفا ك : (يد) و (دم).

فصل الجار من المجرور وتأخيره عنه

(وفصله) أي : الجار (من مجروره وتأخيره عنه) كلاهما (ضرورة).

أما الأول فيكون بظرف كقوله :

١١٤٥ ـ إنّ عمرا لا خير في اليوم عمرو

وبجار ومجرور كقوله :

١١٤٦ ـ ربّ في الناس موسر كعديم

وعديم يخال ذا إيسار

ومفعول كقوله :

١١٤٧ ـ وأقطع بالخرق الهبوع المراجم

أي : وأقطع الخرق بالهبوع ، وسمع في النثر بقسم ، حكى الكسائي : اشتريته بو الله درهم ، وقاسه تلميذه علي بن المبارك الأحمر في رب نحو : رب والله رجل عالم لقيته ، قال أبو حيان : ولا يبعد ذلك إلا أن الاحتياط ألا يقدم عليه إلا بسماع.

وأما الثاني : (وقيل : يجوز فصل رب بقسم) قاله علي بن المبارك الأحمر نحو : رب والله رجل صالح صحبته ، والأصح المنع.

اتصال ما بحرف الجر

(مسألة) في اتصال (ما) بحرف الجر (تزاد ما بعد عن فلا تكف) أصلا كقوله تعالى :(عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠] ، وقول الشاعر :

__________________

١١٤٥ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١١.

١١٤٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٦٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩١٤.

١١٤٧ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب ٨ / ٣٦٦ ، مادة (هبع) ، وتاج العروس ٢٢ / ٣٨٠ ، مادة (هبع) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٠٦.

٣١١

١١٤٨ ـ وأعلم أنني عمّا قريب

(و) بعد (الباء ومن فيكفان بقلة ويليهما حينئذ الفعل) كقوله :

١١٤٩ ـ فلئن صرت لا تحير جوابا

لبما قد ترى وأنت خطيب

وقوله :

١١٥٠ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

ومسألة كف من بقلة ذكرها ابن هشام في «المغني» ، ولم يذكر ذلك ابن مالك في «التسهيل» ولا أبو حيان ، بل سويا بينهما وبين (عن) ، نعم في «سبك المنظوم» لابن مالك : وتقترن ما بالباء والكاف فتكفهن ، والأكثر عدم الكف ، قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] ، (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] ، (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح ٢٥].

(وتفيدان) مع (ما تعليلا) كربما ، ذكره ابن مالك في «التسهيل» في الباء ، وقال : فمعنى لبما قد ترى وأنت خطيب : ربما أرى ، والسيرافي وغيره في من ، وجزم به في «سبك المنظوم» (وأنكره أبو حيان) أي : إفادتهما التعليل حينئذ ، وقال : ما ورد من ذلك مؤول.

(و) تزاد (ما) بعد (رب ، فالغالب الكف وإيلاؤها) حينئذ (الماضي) ؛ لأن التكثير والتقليل إنما يكون فيما عرف حده ، والمستقبل مجهول قال :

١١٥١ ـ ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

__________________

١١٤٨ ـ البيت من الوافر ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٠٠ ، تفرد به السيوطي في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠٤.

١١٤٩ ـ البيت من الخفيف ، وهو لصالح بن عبد القدوس في خزانة الأدب ١٠ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ولمطيع بن إياس في أمالي القالي ١ / ٢٧١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢٠ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٣١٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٩٣.

١١٥٠ ـ تقدم الشاهد برقم (١١٢٩).

١١٥١ ـ البيت من المديد ، وهو لجذيمة الأبرش في الأزهية ص ٩٤ ، ٢٦٥ ، والأغاني ١٥ / ٢٥٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٩٣ ، والكتاب ٣ / ٥١٨ ، ولسان العرب ٣ / ٣٢ ، مادة (شيخ) ، ١١ / ٣٦٦ ، مادة (شمل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٤ ، ٤ / ٣٢٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٣٦.

٣١٢

وقد يليها المضارع نحو : (رُبَما يَوَدُّ) [الحجر : ٢] ، وقد يليها الجملة الاسمية نحو :

١١٥٢ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وقد لا يكف نحو :

١١٥٣ ـ ربّما ضربة بسيف صقيل

(وقيل : يتعين) بعدها (الفعلية) إذا كفت ، قاله الفارسي ، وأوّل البيت على أن (ما) نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدؤها ، أي : رب شيء هو الجامل.

(وقد يحذف الفعل بعدها) كقوله :

١١٥٤ ـ فذلك إن يلق المنيّة يلقها

حميدا ، وإن يستغن يوما فربّما

 (و) قد (تلحق التاء) بها (ولا تكف) كقوله :

١١٥٥ ـ ماويّ يا ربّتما غارة

(و) تزاد (ما) بعد (الكاف فتكف) غالبا ، ويليها حينئذ (الجمل) الاسمية والفعلية ، كما صرح به في «الارتشاف» نقلا عن «النهاية» ، كقوله :

١١٥٦ ـ أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

__________________

١١٥٢ ـ تقدم الشاهد برقم (١٠٧٥).

١١٥٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن الرعلاء في الأزهية ص ٨٢ ، ٩٤ ، والاشتقاق ص ٤٨٦ ، والأصمعيات ص ١٥٢ ، والحماسة الشجرية ١ / ١٩٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٢ ، ٥٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢٥ ، ومعجم الشعراء ص ٢٥٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٤٣ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٩٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٥.

١١٥٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص ١٥ ، والأصمعيات ص ٤٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٤٢٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٥٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٥٠ ، وله أو لحاتم الطائي في الأغاني ٦ / ٣٠٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٩ ، ١٠ / ١٣ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الأغاني ٦ / ٢٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٢٠.

١١٥٥ ـ البيت من السريع ، وهو لضمرة بن ضمرة في الأزهية ص ٢٦٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٥٥٤ ، مادة (هبة) ، ١٤ / ٤٣٥ ، مادة (شعا) ، ١٥ / ٣٠٠ ، مادة (موا) ، ٤٧٣ ، مادة (ما) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٠ ، ونوادر أبي زيد ص ٥٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٨٦ ، والإنصاف ١ / ١٠٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٣٩ ، ١١ / ١٩٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٣١.

١١٥٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لنهشل بن حري في شرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٧٢ ، وشرح شواهد المغني ص ٥٠٢ ، ٧٢٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٦٨ ، وجواهر الأدب ص ١٣٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦١.

٣١٣

وقوله :

١١٥٧ ـ ألم تر أن البغل يتبع إلفه

كما عامر واللؤم مؤتلفان

وقد لا يكف كقوله :

١١٥٨ ـ وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما الناس مجروم عليه وجارم

وقوله :

١١٥٩ ـ لا تشتم النّاس كما لا تشتم

(وقال أبو حيان : لا يكف أصلا) وأول الأبيات الواردة في ذلك على أن (ما) مصدرية منسبكة من الجملة بعدها بمصدر ، بناء على جواز وصلها بالاسمية ومحله حينئذ جر.

حروف القسم

(حروف القسم الجارة) أي : هذا مبحثها ، وأفردت بترجمة ؛ لاختصاص القسم بأحكام وفروع.

باء القسم

أحدها : (الباء وهي الأصل) أي : أصل أحرفه وإن كانت الواو أكثر استعمالا منها ؛ لأنها للإلصاق ، فهي تلصق فعل القسم بالمقسم به (ومن ثم) أي : من هنا وهو كون الباء الأصل (اختص بها الطلب والاستعطاف) فلا يقسم فيهما بغيرها نحو : بالله أخبرني وبالله هل قام زيد ، أي : أسألك بالله مستحلفا (وجاز إظهار الفعل) أي : فعل القسم (معها)

__________________

١١٥٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لزياد الأعجم في ديوانه ص ١٠٣ ، وتذكرة النحاة ص ٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠١٤.

١١٥٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن براقة في أمالي القالي ٢ / ١٢٢ ، وسمط اللآلي ص ٧٤٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٠٢ ، ٥٠٠ ، ٢ / ٧٢٥ ، ٧٧٨ ، والمؤتلف والمختلف ص ٦٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٩٧ ، والجنى الداني ص ١٦٦ ، ٤٨٢ ، وجواهر الأدب ص ١٣٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٠.

١١٥٩ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٣ ، وجواهر الأدب ص ١٣١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٠٠ ، ٥٠١ ، ٥٠٣ ، ١٠ / ٢١٣ ، ٢٢٤ ، والكتاب ٣ / ١١٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٠٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٨٤ ، ورصف المباني ص ٢١٤ ، واللمع في العربية ص ٥٨ ، ٥٩ ، ١٥٤ ، وشرح الرضي ٤ / ٣٢٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٦٠.

٣١٤

نحو : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) [النور : ٥٣] كما يجوز إضماره نحو : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) [ص : ٨٢] ، بخلاف غيرها (و) جاز (حذفها) لا غيرها من أحرفه (فينصب ثالثها) بإضمار فعل القسم ، قال ابن خروف وابن عصفور : أو فعل آخر ك : (الزم) ونحوه.

(ويرفع) على الابتداء والخبر محذوف ، وروي بهما قوله :

١١٦٠ ـ فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

ولا تجر (خلافا لمن جوز الجر) بالحرف المحذوف وهم الكوفيون وبعض البصريين (أو منع النصب إلا في) حرفين (قضاء الله وكعبة الله) وهو بعض أئمة الكوفية ، قال : لأن فعل القسم لا يعمل ظاهرا إلا بحرف ، فكيف يكون مضمرا أقوى منه مظهرا؟ وأجيب باتساعهم في هذا الباب كثيرا ، أما الحرفان المذكوران فجوز نصبهما وأنشد :

١١٦١ ـ لا كعبة الله ما هجرتكم

إلّا وفي النفس منكم أرب

 (فإن كان) المقسم به (الله ، وعوض) عن حذف الباء (هاء) محذوفة الألف ؛ لالتقاء الساكنين أو ثابتة ؛ لأن الثاني مشدد فنزل منزلة دابة مع وصل ألفه وقطعها نحو : ها الله ، ها ألله ، هألله ، هالله ، (أو) عوض (همزة محذوفة) مفتوحة نحو : آلله لأفعلن ، قال أبو حيان : وأصحابنا يعبرون عن هذه الهمزة بهمزة الاستفهام وليس استفهاما حقيقة.

وقال الرضي : بل هو استفهام حقيقي ، وقد يكون إنكارا (أو لم) يعوض ، ولكن (قطع ألفه) نحو : ألله لأفعلن ، (حملا نقل) الحرفية (بدونه) أي : التعويض.

حكى سيبويه (آلله لأفعلن) ، وحكى غيره (كلا لله لأخرجن) ، وأنشدوا :

١١٦٢ ـ ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح

وإنما جاز ذلك في هذا اللفظ فقط ؛ لأن استعماله في القسم أكثر من غيره ، ولهذا لحقه أنواع من التغيير.

__________________

١١٦٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ١٠ / ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، والخصائص ٢ / ٢٨٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ١٨٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، وشرح المفصل ٧ / ١١٠ ، ٨ / ٣٧ ، ٩ / ١٠٤ ، والكتاب ٣ / ٥٠٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٦٣ ، مادة (يمن) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٦.

١١٦١ ـ البيت من المنسرح ، وهو بلا نسبة في مجالس ثعلب ص ٣٩١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٣.

١١٦٢ ـ تقدم الشاهد برقم (٣٠٠ ، ١٠٨١).

٣١٥

قالوا : (وله لا أفعل) وله (مدعو) أي : الجر حال التعويض (بالعوض) أي : بالعوض من الهمزة ، أو (ها) ، (أو) بالحرف (المحذوف) منه ، فالأخفش وجماعة من المحققين على الأول في شرح «الكافية» وهو قوي ؛ لأنه شبيه بتعويض الواو من الباء ، والتاء من الواو ، ولا خلاف في كون الجر بهما فكذا ينبغي في ها والهمزة ، وصحح في «التسهيل» وشرحه الثاني.

وإن كان لا يلفظ به كما كان النصب بعد الباء والواو وأو وكي واللام بأن المحذوفة ، وإن كانت لازمة الحذف ، وعزاه في «البسيط» إلى الكوفيين ، ومقتضى كلام شرح «الكافية» تضعيفه ، ولم يصرح أبو حيان بترجيح واحد من القولين.

(أو عوض غيره) أي : غير لفظ (الله) شيئا مما ذكر (نصب حتما) نحو : العزيز لأفعلن به.

تاء القسم

(الثاني) أي : ثاني حروف القسم (التاء ، وتختص بالله) نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ، فلا تجر غيره لا ظاهرا ولا مضمرا ؛ لفرعيتها (وشذت في الرحمن ورب الكعبة وربي وحياتك) سمع تالرحمن وترب الكعبة وتربي وتحياتك.

لام القسم

(الثالث) أي : الثالث من حروف القسم (اللام يكون لما فيه معنى التعجب وغيره) كقولهم : لله لا يؤخر الأجل ، أي : تالله ، وقوله :

١١٦٣ ـ لله يبقى على الأيام منتعل

واو القسم

(الرابع) أي : الرابع من حروف القسم : (الواو ، وتختص) بالظاهر فلا تجر ضميرا بخلاف الباء : قال : (بك رب أقسم لا بغيرك) ، (ولا يظهر معها الفعل) أي : فعل القسم ، بل يضمر وجوبا نحو : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [يس : ٢] ، (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ، (خلافا لابن كيسان) من تجويزه إظهار الفعل مع الواو ، فيقال : حلفت والله لأقومن.

__________________

١١٦٣ ـ تقدم الشاهد برقم ١١١١.

٣١٦

قال أبو حيان : ولم يحفظ ذلك ، فإن جاء فمؤول على أن حلفت كلام تام ، ثم أتي بعده بالقسم ، ولا يجعل والله متعلقة بحلفت.

(ولا) يظهر الفعل أيضا (مع التاء واللام) بلا خلاف ، بل يجب إضماره كما تقدم.

(وهل هي) أي : الواو (العاطفة ، أو بدل من الباء ، أو التاء) بدل (منها؟ خلاف) فجزم الزمخشري وابن مالك في شرحي «الكافية» و «التسهيل» ، ونقله أبو حيان عن الجمهور بأنها بدل من الباء ؛ لتقارب معناهما ؛ لأن الواو جمع والباء للإلصاق وهو جمع في المعنى ، ولأنهما من حروف مقدم الفم ، وأنّ التاء بدل من الواو كما أبدلت منها في نحو : اتصل واتصف وتراث وتجاه.

وقال السهيلي وغيره : بل الواو هي العاطفة كواو (رب) عطفت على مقدر ، ويقويه أنها لا تدخل على مضمر ، وكذلك العاطفة ، وأنها لو كانت بدلا من الباء لم يختلفا في الحركة كما لم تختلف حركة الهمزة المبدلة من الواو في إشاح ووشاح ، وأنها لم توجد قط بدلا منها ؛ لأنها ليست من مخرجها ولما بينهما من المضادة ؛ إذ في الواو لين وفي التاء شدة.

قال : ويضعف عندي أن تكون التاء بدلا من الواو لما فيها من معنى العطف ، وليس ذلك في التاء ، ولأن التاء إنما أبدلت منها حيث كثرت زيادتها في تصاريف الكلمة.

قال أبو حيان : ولا يقوم دليل على صحة شيء من هذه المذاهب ، ولو كان أصلها العطف لم يدخل عليها واو العطف في قوله :

١١٦٤ ـ أرقت ولم تهجع لعيني هجعة

ووالله ما دهري بعسر ولا سقم

قال : وممن ذهب إلى أن التاء حرف مستقل غير بدل من الواو قطرب وغيره.

أيمن

(الخامس) أي : الخامس من حروف القسم (أيمن) بفتح الهمزة وضم الميم ، (ويقال) فيه : (إيمن) بالكسرة فالضم ، (وأيمن) بفتحهما ، (وإيمن) بالكسر فالفتح ، (وإيم) بالكسر والضم لغة لسليم ، (وأيم) بالفتح والضم لغة لتميم ، (وإيم) بكسرتين ، (وهيم) بفتح الهاء

__________________

١١٦٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لراشد بن شهاب في شرح اختيارات المفضل ص ١٣١٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨١٢.

٣١٧

مبدلة من الهمزة والضم ، قال أبو حيان : وهي أغرب لغاتها ، (وإيم) بكسرتين ، (وأم) بفتحتين ، (وأم) بالفتح والضم ، (وأم) بالفتح والكسر ، (وإم) بالكسر والضم لغة أهل اليمامة ، (وإم) بالكسر والفتح ، (ومن مثلث الحرفين) أي : الميم والنون ، أي : بفتحهما وكسرهما وضمهما ، (وم مثلثا) حكى الفتح الهروي ، والكسر والضم الكسائي والأخفش ، وأن رجلا من بني العنبر سئل ما الدهدران؟ فقال : م ربي الباطل ، فهذه عشرون لغة ، حكى ابن مالك منها بضع عشرة ، والسبب في كثرة تصرفهم فيها كثرة الاستعمال.

(والأصح أنه اسم) وقال الرماني والزجاج : هو حرف جر ، قال أبو حيان : وهو خلاف شاذ.

(وثالثها من وم) بلغاتهما (حرفان) وليس بقية (أيمن) ، وجزم به ابن مالك في كتابه «سبك المنظوم» ؛ لأنهما لو كانا منها لم يستعملا إلا مع الله كأيمن ، وقد استعملتا مع غيره حكى من ربي لأفعلن ، ولأن الاسم المعرب لا يجوز حذفه حتى يبقى على حرف واحد ، ورد بأن كثرة تصرفهم فيها اقتضى ذلك ، وهو أولى من إثبات حرف جر لم يستقر في موضع من المواضع.

(و) الأصح (أن همزه وصل) بدليل سقوطها بعد متحرك كقوله :

١١٦٥ ـ فقال فريق القوم : لا ، وفريقهم :

نعم ، وفريق : ليمن الله لا ندري

وقال الكوفيون : قطع بناء على أنه عندهم جمع يمين ، واستدلوا بأنها مفتوحة ولا تكون همزة وصل مفتوحة ، وإبدالها هاء في بعض اللغات.

وأجابوا عن حذفها في الدرج بأنه تخفيف ؛ لكثرة الاستعمال ، ولا تبدل من الوصل.

(وثالثها) همز (أيم قطع) بخلاف (أيمن) حكي عن الأخفش قال : همزة أيمن قد علمت أنها وصل ولا أحمل عليها (أيم) لأن همزة الوصل ليست مطردة في الأسماء.

(و) الأصح (أنه معرب) لعدم سبب البناء ، وقال الكوفيون : مبني لشبهه الحرف في

__________________

١١٦٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لنصيب في ديوانه ص ٩٤ ، والأزهية ص ٢١ ، وتخليص الشواهد ص ٢١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٩٩ ، والكتاب ٣ / ٥٠٣ ، ٤ / ١٤٨ ، ولسان العرب ١٠ / ٤٦٢ ، مادة (يمن) ، ومغني اللبيب ١ / ١٠١ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٤٠٧ ، ورصف المباني ص ٤٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٢٥ ، وفي نسخة (لما نشدتهم) بدلا من (لا وفريقهم).

٣١٨

عدم التصرف ؛ إذ لم يستعمل في موضع من المواضع التي تستعمل فيها الأسماء ، إلا في الابتداء خاصة كالحرف.

(وثالثها : إيم المكسورةمبني) وأصله السكون كسر ؛ لالتقاء الساكنين ، وعلى الأول هي جرة إعراب بواو قسم مقدرة.

(ورابعها من وم) مبنيان ؛ لأنهما على وضع الحرف ، وحركة الثاني لضرورة الابتداء ، والأول لالتقاء الساكنين في الاسم بعدها.

(و) الأصح بناء على الإعراب (أنه لازم الرفع) إذ لم يرو عن العرب إلا بذلك ، وقال ابن درستويه : يجوز جره بواو القسم ، (و) الأصح على الرفع (أنه مبتدأ) خبره محذوف ، أي : قسمي ، وقال ابن عصفور : هو خبر والمحذوف مبتدأ ، (و) الأصح (أنه مضاف لله والكعبة والكاف والذي) والأول هو الغالب ، والباقي كقولهم : أيمن الكعبة ، وقول عروة بن الزبير : أيمنك لئن ابتليت لقد عافيت ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وايم الذي نفسي بيده» (١) ، وقال الفارسي : لا يضاف إلا إلى الله والكعبة ، وقال ابن هشام : لا تضاف إلا إلى الله فقط ، أما إضافته لغير ما ذكر فشاذ أنشد الكسائي :

١١٦٦ ـ ليمن أبيهم لبئس العذرة اعتذروا

(و) الأصح (أنه مفرد) وقال الكوفيون : هو جمع يمين على أفعل كأفلس ؛ لأن بناء أفعل لا يوجد في الأسماء مفردا ، ورد بأنه لو كان جمعا للزمت همزته الفتح والقطع ، وميمه الضم ، ولجاء مرفوعا ومنصوبا.

(و) الأصح على الإفراد (أنه مشتق من اليمن) ، وبه جزم ابن مالك في شرح «الكافية» ، وحكى ابن طاهر عن سيبويه أنه مشتق من اليمين ، (و) الأصح (أن م ليست بدلا عن الواو ولا أصلها من ، ولا أيمن) ، وقيل : هي بدل من الواو كالتاء ؛ لكونهما شفهيتين ، ورد بأنه لو كان كذلك للزمت الفتح كالتاء ، وبأن إبدال التاء من الواو معروف مطرد كاتصف واتصل ، وغير مطرد كتراث وتجاه ، ولم تبدل الميم منها إلا في موضع شاذ وهو فم ، وفيه مع شذوذه خلاف.

__________________

١١٦٦ ـ الشطر من البسيط ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤١ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٣١٤.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦٦٣٩) ، ومسلم ، كتاب الأيمان ، باب الاستثناء (١٦٥٤).

٣١٩

وقال الزمخشري : هي من الداخلة على ربي حذفت نونها ، ورده ابن مالك بأنها لو كانت لجاز دخولها على ربي كالأصل ، وأجاب أبو حيان بأنه قد سمع ذلك كما تقدم ، وقيل : أصلها أيمن حذف منها حتى بقيت الميم.

جملة القسم

(مسألة القسم جملة) لفظا كأقسمت بالله أو تقديرا ك : (بالله) إنشائية كما ذكر ، أو خبرية كأشهد لعمرو خارج ، وعلمت لزيد قائم (مؤكدة لخبرية) أخرى تالية (غير تعجب) فخرج بالمؤكدة لأخرى نحو : زيد قائم زيد قائم ، فإنه يصدق عليها أنها جملة مؤكدة ليست أخرى ، بل هي هي ، وبالخبرية غيرها فلا تقع مقسما عليها ، وبالباقي التعجبية بناء على الصحيح أنها خبرية.

(وتتلقى) أي : تستقبل بمعنى تجاب (في الإثبات بلام مفتوحة) مع الاسمية ، والفعلية مع التنفيس أو لا نحو : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ) [مريم : ٧٠] ، (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف : ٣٢] ، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٥] ، والله لسيقوم زيد.

(وقد تكسر مع الفعل) في لغة نحو : والله لتفعلن ، ومنعها ، أي : اللام الفراء مع السين ؛ لأنه لم يسمع بخلاف سوف ، والفرق أن اللام كالجزء مما تدخل عليه فيؤدي دخولها إلى توالي أربع حركات فيما هو كالكلمة الواحدة ، وهو مرفوض في كلامهم ، وأجيب باغتفار ذلك كما قالوا : والله لكذب زيد.

(و) يتلقى أيضا في الإثبات (بإن) المكسورةمثقلة ومخففة سواء كان في خبرها اللام نحو : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل : ٤] ، (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ، أم لا ، (وقيل : إن كان في خبرها اللام) جاز تلقيه به ، وإلا فلا ؛ لأن القصد بذلك إفادة التأكيد الذي لأجله القسم ، (قيل : ولام كي) قاله الأخفش ، ومثل بقوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) [التوبة : ٦٢] ، وقول الشاعر :

١١٦٧ ـ إذا قال : قدني قلت : بالله حلفة

لتغني عني ذا إنائك أجمعا

__________________

١١٦٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لحريث بن عناب في خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣ ، ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٠٦.

٣٢٠